عمدة القاري شرح
صحيح البخاري (بَاب مَا يجوز من الْعَمَل فِي الصَّلَاة)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يجوز فعله فِي الصَّلَاة
232 - (حَدثنَا عبد الله بن مسلمة قَالَ حَدثنَا مَالك عَن
أبي النَّضر عَن أبي سَلمَة عَن عَائِشَة رَضِي الله
عَنْهَا قَالَت كنت أمد رجْلي فِي قبْلَة النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ يُصَلِّي
فَإِذا سجد غمزني فرفعتها فَإِذا قَامَ مددتها) مطابقته
للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَنه يدل على أَن الْعَمَل
الْيَسِير فِي الصَّلَاة لَا يُفْسِدهَا وَقد مر الحَدِيث
فِي بَاب الصَّلَاة على الْفراش فِي أَوَائِل كتاب
الصَّلَاة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِسْمَاعِيل عَن
مَالك عَن أبي النَّضر إِلَى آخِره وَأَبُو النَّضر
بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة اسْمه
سَالم
233 - (حَدثنَا مَحْمُود قَالَ حَدثنَا شَبابَة قَالَ
حَدثنَا شُعْبَة عَن مُحَمَّد بن زِيَاد عَن أبي هُرَيْرَة
رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - أَنه صلى صَلَاة قَالَ إِن الشَّيْطَان عرض
لي فَشد عَليّ ليقطع الصَّلَاة عَليّ فأمكنني الله مِنْهُ
فذعته وَلَقَد هَمَمْت أَن أوثقه إِلَى سَارِيَة حَتَّى
تصبحوا فتنظروا إِلَيْهِ فَذكرت قَول سُلَيْمَان عَلَيْهِ
السَّلَام رب هَب لي ملكا لَا يَنْبَغِي لأحد من بعدِي
فَرده الله خاسئا ثمَّ قَالَ النَّضر بن شُمَيْل فذعته
بِالذَّالِ أَي خنقته وفدعته من قَول الله تَعَالَى {يَوْم
يدعونَ} أَي يدْفَعُونَ وَالصَّوَاب فدعته إِلَّا أَنه
كَذَا قَالَ بتَشْديد الْعين وَالتَّاء) مطابقته
للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " فدعته " لِأَن مَعْنَاهُ دَفعته
فِي قَول على مَا نذكرهُ عَن قريب وَكَانَ ذَلِك عملا
يَسِيرا وَقد مر الحَدِيث فِي بَاب الْأَسير أَو الْغَرِيم
يرْبط فِي الْمَسْجِد فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن اسحق بن
إِبْرَاهِيم عَن روح وَمُحَمّد بن جَعْفَر عَن شُعْبَة عَن
مُحَمَّد بن زِيَاد إِلَى آخِره وشبابة بِفَتْح الشين
الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة وَبعد الْألف
بَاء أُخْرَى مَفْتُوحَة وَفِي آخِره هَاء ابْن سوار
الْفَزارِيّ مر فِي آخر كتاب الْحيض وَلَفظه هُنَاكَ " أَن
عفريتا من الْجِنّ تفلت عَليّ " (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله "
فَشد عَليّ " أَي حمل يُقَال شدّ فِي الْحَرْب يشد
بِالْكَسْرِ وَضَبطه بَعضهم بِالْمُعْجَمَةِ أَعنِي
الدَّال وأظن أَنه غلط قَوْله " يقطع الصَّلَاة " جملَة
وَقعت حَالا وَهَذِه رِوَايَة الْحَمَوِيّ
وَالْمُسْتَمْلِي وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا " ليقطع " بلام
التَّعْلِيل قَوْله " فذعته " الْفَاء للْعَطْف وذعته فعل
مَاض للمتكلم وَحده بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة من ألذعت
بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة وَالتَّاء
الْمُثَنَّاة من فَوق وَهُوَ الخنق ويروى " فدعته " من
الدع بِالدَّال وَالْعين الْمُهْمَلَتَيْنِ وَهُوَ الدّفع
وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {يَوْم يدعونَ إِلَى نَار
جَهَنَّم} أَي يدْفَعُونَ وعَلى هَذَا أصل دعت دععت وأدغم
الْعين فِي التَّاء وَيُقَال معنى ذعته بِالْمُعْجَمَةِ
مرغته فِي التُّرَاب قَوْله " وَلَقَد هَمَمْت " أَي قصدت
قَوْله " أَن أوثقه " كلمة أَن مَصْدَرِيَّة أَي قصدت أَن
أربطه قَوْله " إِلَى سَارِيَة " أَي أسطوانة قَوْله "
فتنظروا " وَفِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ وَالْمُسْتَمْلِي "
أَو تنظروا إِلَيْهِ " بِكَلِمَة الشَّك قَوْله " خاسئا "
نصب على الْحَال أَي مطرودا متحيرا وَهَهُنَا أسئلة. الأول
فِي أَي صُورَة عرض لَهُ الشَّيْطَان (قلت) روى عبد
الرَّزَّاق أَنه كَانَ فِي صُورَة هر وَهَذَا معنى قَوْله
" فأمكنني الله مِنْهُ " أَي صوره لي فِي صُورَة هر مشخصا
يُمكنهُ أَخذه.
(7/286)
الثَّانِي قيل مُجَرّد هَذَا الْقدر
يَعْنِي ربطه إِلَى سَارِيَة لَا يُوجب عدم اخْتِصَاص
الْملك لِسُلَيْمَان عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذْ
المُرَاد بِملك لَا يَنْبَغِي لأحد من بعده مَجْمُوع مَا
كَانَ لَهُ من تسخير الرِّيَاح وَالطير والوحش وَنَحْوه
وَأجِيب بِأَنَّهُ أَرَادَ الِاحْتِرَاز عَن الشَّرِيك فِي
جنس ذَلِك الْملك. الثَّالِث ثَبت أَن الشَّيْطَان يفر من
ظلّ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَأَنه يسْلك فجا غير
فجه ففراره عَنهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
بِالطَّرِيقِ الأولى وَأجِيب بِأَن المُرَاد من فراره من
ظلّ عمر لَيْسَ حَقِيقَة الْفِرَار بل بَيَان قُوَّة عمر
وصلابته على قهر الشَّيْطَان وَهنا صَرِيح أَنه - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قهره وطرده غَايَة
الْإِمْكَان وَفِي بعض النّسخ عقيب الحَدِيث عَن النّظر من
شُمَيْل " فذعته " بِالذَّالِ أَي خنقته وفدعته من قَول
الله عز وَجل {يَوْم يدعونَ} أَي يدْفَعُونَ وَالصَّوَاب "
فدعته " أَي بِالْمُهْمَلَةِ إِلَّا أَنه كَذَا قَالَ
بتَشْديد الْعين وَالتَّاء (وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ)
أَن الْعَمَل الْيَسِير لَا يفْسد الصَّلَاة وَأخذُوا من
ذَلِك جَوَاز أَخذ البرغوث والقملة وَدفع الْمَار بَين
يَدَيْهِ وَالْإِشَارَة والالتفات الْخَفِيف وَالْمَشْي
الْخَفِيف وَقتل الْحَيَّة وَالْعَقْرَب وَنَحْو ذَلِك
وَهَذَا كُله إِذا لم يقْصد الْمُصَلِّي بذلك الْعَبَث فِي
صلَاته وَلَا التهاون بهَا وَمِمَّنْ أجَاز أَخذ القملة
وقتلها فِي الصَّلَاة الْكُوفِيُّونَ وَالْأَوْزَاعِيّ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف قد أَسَاءَ وَصلَاته تَامَّة وَكره
اللَّيْث قَتلهَا فِي الْمَسْجِد وَلَو قَتلهَا لم يكن
عَلَيْهِ شَيْء وَقَالَ مَالك لَا يَقْتُلهَا فِي
الْمَسْجِد وَلَا يَطْرَحهَا فِيهِ وَلَا يدفنها فِي
الصَّلَاة وَقَالَ الطَّحَاوِيّ لَو حك بدنه لم يكره
كَذَلِك أَخذ القملة وطرحها وَرخّص فِي قتل الْعَقْرَب فِي
الصَّلَاة ابْن عمر وَالْحسن وَالْأَوْزَاعِيّ وَاخْتلف
قَول مَالك فِيهِ فَمرَّة كرهه وَمرَّة أجَازه وَقَالَ لَا
بَأْس بقتلها إِذا آذته وَكَذَا الْحَيَّة وَالطير يرميه
بِحجر يتَنَاوَلهُ من الأَرْض فَإِن لم يطلّ ذَلِك لم تبطل
صلَاته وَأَجَازَ قتل الْحَيَّة وَالْعَقْرَب فِي
الصَّلَاة الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد
وَإِسْحَاق وَكره قتل الْعَقْرَب فِي الصَّلَاة
إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَسُئِلَ مَالك عَمَّن يمسك عنان
فرسه فِي الصَّلَاة وَلَا يتَمَكَّن من وضع يَدَيْهِ
بِالْأَرْضِ قَالَ أَرْجُو أَن يكون خَفِيفا وَلَا يبعد
ذَلِك وروى عَليّ بن زِيَاد عَن مَالك فِي الْمُصَلِّي
يخَاف على صبي يقرب من نَار فَذهب إِلَيْهِ فَقَالَ إِن
انحرف عَن الْقبْلَة ابتدا وَإِن لم ينحرف بنى وَسُئِلَ
أَحْمد عَن رجل أَمَامه ستْرَة فَسَقَطت فَأَخذهَا وركزها
قَالَ أَرْجُو أَن لَا يكون بِهِ بَأْس فَذكر لَهُ عَن
ابْن الْمُبَارك أَنه أَمر رجلا صنع ذَلِك بِالْإِعَادَةِ
قَالَ لَا آمره بِالْإِعَادَةِ وَأَرْجُو أَن يكون خَفِيفا
وَأَجَازَ مَالك وَالشَّافِعِيّ حمل الصَّبِي فِي
الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة وَهُوَ قَول أبي ثَوْر (قلت)
عندنَا يكره حمل الصَّبِي فِي الصَّلَاة وَإِن كَانَ
بِعُذْر لَا يكره
(بَاب إِذا انفلتت الدَّابَّة فِي الصَّلَاة)
أَي هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا انفلتت الدَّابَّة فِي
حَال الصَّلَاة الانفلات والإفلات والتفلت التَّخَلُّص من
الشَّيْء فَجْأَة من غير تمكث وَجَوَاب إِذا مَحْذُوف
تَقْدِيره إِذا انفلتت الدَّابَّة وَهُوَ فِي الصَّلَاة
مَاذَا يصنع
(وَقَالَ قَتَادَة إِن أَخذ ثَوْبه يتبع السَّارِق ويدع
الصَّلَاة) مُطَابقَة هَذَا الْأَثر للتَّرْجَمَة من
حَيْثُ أَن دَابَّة الْمُصَلِّي إِذا انفلتت لَهُ أَن
يتبعهَا على مَا يَجِيء فَكَذَلِك إِذا أَخذ السَّارِق
ثَوْبه وَهُوَ فِي الصَّلَاة لَهُ أَن يتبعهُ وَيقطع
صلَاته فَمن هَذِه الْحَيْثِيَّة تَأْخُذ الْمُطَابقَة
والأثر مُعَلّق وَوَصله عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن
قَتَادَة بِمَعْنَاهُ وَزَاد " فَيرى صَبيا على بِئْر
فيتخوف أَن يسْقط فِيهَا قَالَ ينْصَرف لَهُ " قَوْله "
ويدع " أَي يتْرك الصَّلَاة
233 - (حَدثنَا آدم قَالَ حَدثنَا شُعْبَة قَالَ حَدثنَا
الْأَزْرَق بن قيس قَالَ كُنَّا بالأهواز نُقَاتِل
الحرورية فَبينا أَنا على جرف نهر إِذا رجل يُصَلِّي
وَإِذا لجام دَابَّته بِيَدِهِ فَجعلت الدَّابَّة تنازعه
وَجعل يتبعهَا. قَالَ شُعْبَة هُوَ أَبُو بَرزَة
الْأَسْلَمِيّ فَجعل رجل من الْخَوَارِج يَقُول اللَّهُمَّ
افْعَل بِهَذَا الشَّيْخ فَلَمَّا انْصَرف الشَّيْخ قَالَ
إِنِّي سَمِعت قَوْلكُم وَإِنِّي غزوت مَعَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سِتّ غزوات
(7/287)
أَو سبع غزوات أَو ثَمَان وَشهِدت تيسيره
وَإِنِّي أَن كنت أَن أراجع مَعَ دَابَّتي أحب إِلَيّ من
أَن أدعها ترجع إِلَى مألفها فَيشق عَليّ) مطابقته
للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " فَجعلت الدَّابَّة تتنازعه
وَجعل يتبعهَا " (ذكر رِجَاله) فِيهِ خمس أنفس آدم بن أبي
إِيَاس وَشعْبَة بن الْحجَّاج والأزرق بِفَتْح الْهمزَة
وَسُكُون الزَّاي ابْن قيس الْحَارِثِيّ الْبَصْرِيّ
وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ ورجلان أَحدهمَا هُوَ
أَبُو بَرزَة الْأَسْلَمِيّ فسره شُعْبَة بقوله هُوَ أَبُو
بَرزَة الْأَسْلَمِيّ واسْمه نَضْلَة بن عبيد أسلم قَدِيما
وَنزل الْبَصْرَة وَرُوِيَ أَنه مَاتَ بهَا ورد أَنه مَاتَ
بنيسابور وَرُوِيَ أَنه مَاتَ فِي مفازة بَين سجستان وهراة
وَقَالَ خَليفَة بن خياط وافي خُرَاسَان وَمَات بهَا بعد
سنة أَربع وَسِتِّينَ وَقَالَ غَيره مَاتَ فِي آخر خلَافَة
مُعَاوِيَة أَو فِي أَيَّام يزِيد بن مُعَاوِيَة وَالْآخر
مَجْهُول وَهُوَ قَوْله " فَجعل رجل من الْخَوَارِج "
وَإسْنَاد هَذَا كُله بِالتَّحْدِيثِ بِصِيغَة الْجمع
وَتفرد بِهِ البُخَارِيّ عَن الْجَمَاعَة (ذكر مَعْنَاهُ)
قَوْله " بالأهواز " بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْهَاء
وبالزاي قَالَه الْكرْمَانِي هِيَ أَرض خوزستان وَقَالَ
صَاحب الْعين الأهواز سبع كور بَين الْبَصْرَة وَفَارِس
لكل كورة مِنْهَا اسْم ويجمعها الأهواز وَلَا تنفرد
وَاحِدَة مِنْهَا بهوز فِي وَفِي الْمُحكم لَيْسَ للأهواز
وَاحِد من لَفظه وَقَالَ ابْن خردابة هِيَ بِلَاد وَاسِعَة
مُتَّصِلَة بِالْجَبَلِ وأصبهان وَقَالَ الْبكْرِيّ بلد
يجمع سبع كور كورة الأهواز وجندي وسابور والسوس وسرق ونهر
بَين ونهر تيرى وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ يُقَال لَهَا
الْآن سوق الأهواز وَقَالَ بَعضهم الأهواز بَلْدَة
مَعْرُوفَة بَين الْبَصْرَة وَفَارِس فتحت أَيَّام عمر
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ (قلت) قَوْله بَلْدَة لَيْسَ
كَذَلِك بل هِيَ بِلَاد كَمَا ذكرنَا قَوْله " الحرورية "
بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَضم الرَّاء الأولى المخففة
نِسْبَة إِلَى حروراء اسْم قَرْيَة يمد وَيقصر وَقَالَ
الرشاطي حروراء قَرْيَة من قرى الْكُوفَة والحرورية صنف من
الْخَوَارِج ينسبون إِلَى حروراء اجْتَمعُوا بهَا فَقَالَ
لَهُم عَليّ مَا نسميكم قَالَ أَنْتُم الحرورية لاجتماعكم
بحروراء وَالنّسب إِلَى مثل حروراء أَن يُقَال حروراوي
وَكَذَلِكَ مَا كَانَ فِي آخِره ألف التَّأْنِيث الممدودة
وَلكنه حذفت الزَّوَائِد تَخْفِيفًا فَقيل الحروري وَكَانَ
الَّذِي يُقَاتل الحرورية إِذْ ذَاك الْمُهلب بن أبي صفرَة
كَمَا فِي رِوَايَة عَمْرو بن مَرْزُوق عَن شُعْبَة عَن
الْإِسْمَاعِيلِيّ وَذكر مُحَمَّد بن قدامَة الْجَوْهَرِي
فِي كِتَابه أَخْبَار الْخَوَارِج أَن ذَلِك كَانَ فِي خمس
وَسِتِّينَ من الْهِجْرَة وَكَانَ الْخَوَارِج قد حاصروا
أهل الْبَصْرَة مَعَ نَافِع بن الْأَزْرَق حَتَّى قتل
وَقتل من أُمَرَاء الْبَصْرَة جمَاعَة إِلَى أَن ولي عبد
الله بن الزبير بن الْحَارِث بن عبد الله بن أبي ربيعَة
المَخْزُومِي على الْبَصْرَة وَولي الْمُهلب بن أبي صفرَة
على قتال الْخَوَارِج وَفِي الْكَامِل لأبي الْعَبَّاس
الْمبرد أَن الْخَوَارِج تجمعت بالأهواز مَعَ نَافِع بن
الْأَزْرَق سنة أَربع وَسِتِّينَ فَلَمَّا قتل نَافِع
وَابْن عُبَيْس رَئِيس الْمُسلمين من جِهَة ابْن الزبير
ثمَّ خرج إِلَيْهِم حَارِثَة بن بدر ثمَّ أرسل إِلَيْهِم
ابْن الزبير عُثْمَان بن عبيد الله ثمَّ توفّي القياع
فَبعث إِلَيْهِم الْمُهلب بن أبي صفرَة وكل من هَؤُلَاءِ
الْأُمَرَاء يمكثون مَعَهم فِي الْقِتَال حينا فَلَعَلَّ
ذَلِك انْتهى إِلَى سنة خمس وَهُوَ يُعَكر على من قَالَ
أَن أَبَا بَرزَة توفّي سنة سِتِّينَ وَأكْثر مَا قيل سنة
أَربع قَوْله " فَبينا " أَصله بَين أَشْعَث فَتْحة
النُّون فَصَارَت ألفا يُقَال بَينا وبينما وهما ظرفا
زمَان بِمَعْنى المفاجأة ويضافان إِلَى جملَة من مُبْتَدأ
وَخبر وَفعل وفاعل ويحتاجان إِلَى جَوَاب يتم بِهِ
الْمَعْنى وَالْجَوَاب هُنَا هُوَ قَوْله " إِذا رجل
يُصَلِّي والأفصح فِي جوابهما أَلا يكون فِيهِ إِذا وَإِذا
تَقول بَينا زيد جَالس دخل عَلَيْهِ عَمْرو وَإِذ دخل
عَلَيْهِ عَمْرو وَإِذا دخل عَلَيْهِ عَمْرو " قَوْله "
إِنَّا " مُبْتَدأ وَخَبره قَوْله " على جرف نهر جرف "
بِضَم الْجِيم وَالرَّاء وبسكونها أَيْضا وَفِي آخِره فَاء
وَهُوَ الْمَكَان الَّذِي أكله السَّيْل وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني " على حرف نهر " بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة
وَسُكُون الرَّاء أَي على جَانِبه وَوَقع فِي رِوَايَة
حَمَّاد بن زيد عَن الْأَزْرَق فِي الْأَدَب " كُنَّا على
شاطيء نهر قد نضب عَنهُ المَاء " أَي زَالَ وَفِي رِوَايَة
مهْدي ابْن مَيْمُون عَن الْأَزْرَق عَن مُحَمَّد بن
قدامَة " كنت فِي ظلّ قصر مهْرَان بالأهواز على شط دجيل "
وَبَين هَذَا تَفْسِير النَّهر فِي رِوَايَة البُخَارِيّ
والدجيل بِضَم الدَّال وَفتح الْجِيم وَسُكُون الْيَاء آخر
الْحُرُوف فِي آخِره لَام وَهُوَ نهر ينشق من دجلة نهر
بَغْدَاد قَوْله " إِذا رجل " كلمة إِذا فِي
الْمَوْضِعَيْنِ للمفاجأة وَفِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ
والكشميهني " إِذا جَاءَ رجل " قَوْله " قَالَ شُعْبَة "
هُوَ أَبُو بَرزَة الْأَسْلَمِيّ أَي الرجل الْمُصَلِّي
وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمقَام أَن الْأَزْرَق بن قيس
الَّذِي يروي عَنهُ
(7/288)
شُعْبَة لم يسم الرجل شُعْبَة وَلَكِن
رَوَاهُ ابو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي مُسْنده عَن
شُعْبَة فَقَالَ فِي آخِره " فَإِذا هُوَ أَبُو بَرزَة
الْأَسْلَمِيّ " وَفِي رِوَايَة عَمْرو بن مَرْزُوق عِنْد
الْإِسْمَاعِيلِيّ " فجَاء أَبُو بَرزَة " وَفِي رِوَايَة
حَمَّاد فِي الْأَدَب " فجَاء أَبُو بَرزَة الْأَسْلَمِيّ
على فرس فصلى وخلاها فَانْطَلَقت فاتبعها " وَرَوَاهُ عبد
الرَّزَّاق عَن معمر عَن الْأَزْرَق بن قيس " أَن أَبَا
بَرزَة الْأَسْلَمِيّ مَشى إِلَى دَابَّته وَهُوَ فِي
الصَّلَاة " الحَدِيث وَبَين مهْدي بن مَيْمُون فِي
رِوَايَته أَن تِلْكَ الصَّلَاة كَانَت صَلَاة الْعَصْر
وَفِي رِوَايَة عَمْرو بن مَرْزُوق " فمضت الدَّابَّة فِي
قبلته فَانْطَلق أَبُو بَرزَة حَتَّى أَخذهَا ثمَّ رَجَعَ
الْقَهْقَرِي " قَوْله " افْعَل بِهَذَا الشَّيْخ " دُعَاء
عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَة الطَّيَالِسِيّ " فَإِذا شيخ
يُصَلِّي قد عمد إِلَى عنان دَابَّته فَجعله فِي يَده
فنكصت الدَّابَّة فنكص مَعهَا ومعنا رجل من الْخَوَارِج
فَجعل يسبه " وَفِي رِوَايَة مهْدي قَالَ " أَلا ترى إِلَى
هَذَا الْحمار " وَفِي رِوَايَة حَمَّاد " انْظُرُوا إِلَى
هَذَا الشَّيْخ ترك صلَاته من أجل فرس " قَوْله " أَو
ثَمَانِي " بِغَيْر ألف وَلَا تَنْوِين وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني " أَو ثَمَانِي " وَقَالَ بن مَالك الأَصْل
ثَمَانِي غزوات فَحذف الْمُضَاف وَأبقى الْمُضَاف إِلَيْهِ
على حَاله وَقد رَوَاهُ عَمْرو بن مَرْزُوق بِلَفْظ " سبع
غزوت " بِغَيْر شكّ قَوْله " وَشهِدت تيسيره " أَي تسهيله
على النَّاس وغالب النّسخ على هَذَا قَالَ الْكرْمَانِي
وَفِي بعض الرِّوَايَات كل سيره أَي سَفَره وَفِي بَعْضهَا
" شهدب سيره " بِكَسْر السِّين وَفتح الْيَاء آخر
الْحُرُوف جمع السِّيرَة وَحكى ابْن التِّين عَن
الدَّاودِيّ أَنه وَقع عِنْده " وَشهِدت تستر " بِضَم
التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون السِّين اسْم
مَدِينَة بحوزستان من بِلَاد الْعَجم وَمَعْنَاهُ وَشهِدت
فتحهَا وَكَانَت فتحت فِي أَيَّام عمر بن الْخطاب رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ فِي سنة سبع عشرَة من الْهِجْرَة
قَوْله " وَإِنِّي إِن كنت أَن أرجع " نقل بَعضهم عَن
السُّهيْلي أَنه قَالَ " إِنِّي " وَمَا بعْدهَا اسْم
مُبْتَدأ " وَأَن أرجع " اسْم مبدل فِي الِاسْم الأول "
وَأحب " خبر عَن الثَّانِي وَخبر كَانَ مَحْذُوف أَي
إِنِّي إِن كنت رَاجعا أحب إِلَيّ (قلت) مَا أَظن أَن
السُّهيْلي أعرب بِهَذَا الْإِعْرَاب فَكيف يَقُول إِنِّي
وَمَا بعْدهَا اسْم وَهِي جملَة (فَإِن قيل) أَرَادَ أَنه
جملَة اسمية مُؤَكدَة بِأَن يُقَال لَهُ الْمُبْتَدَأ اسْم
مُفْرد وَالْجُمْلَة لَا تقع مُبْتَدأ وَكَذَلِكَ قَوْله "
وَأَن أرجع " لَيْسَ باسم فَكيف يَقُول اسْم مبدل وَهَذَا
تصرف من لم يمس شَيْئا من علم النَّحْو وَالَّذِي يُقَال
أَن الْيَاء فِي إِنِّي اسْم إِن فِي إِن كنت شَرْطِيَّة
وَاسم كَانَ هُوَ الضَّمِير الْمَرْفُوع فِيهِ وَكلمَة أَن
بِالْفَتْح مَصْدَرِيَّة تقدر لَام الْعلَّة فِيمَا قبلهَا
وَالتَّقْدِير وَإِن كنت لِأَن أرجع وَقَوله " أحب " خبر
كَانَ وَهَذِه الْجُمْلَة الشّرطِيَّة سدت مسد خبر أَن فِي
" إِنِّي " وَذَلِكَ لِأَن رُجُوعه إِلَى دَابَّته
وانطلاقه إِلَيْهَا وَهُوَ فِي الصَّلَاة أحب إِلَيْهِ من
أَن يَدعهَا أَي يَتْرُكهَا ترجع إِلَى مألفها بِفَتْح
اللَّام أَي معلفها فَيشق عَلَيْهِ وَكَانَ منزله بَعيدا
إِذا صلاهَا وَتركهَا لم يكن يَأْتِي إِلَى أَهله إِلَى
اللَّيْل لبعد الْمسَافَة وَقد صرح بذلك فِي رِوَايَة
حَمَّاد فَقَالَ " إِن منزلي متراخ " أَي متباعد " فَلَو
صليت وتركتها " أَي الْفرس " لم آتٍ أَهلِي إِلَى اللَّيْل
لبعد الْمَكَان " (ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) قَالَ ابْن
بطال لَا خلاف بَين الْفُقَهَاء أَن من أفلتت دَابَّته
وَهُوَ فِي الصَّلَاة أَنه يقطع الصَّلَاة ويتبعها وَقَالَ
مَالك من خشِي على دَابَّته الْهَلَاك أَو على صبي رَآهُ
فِي الْمَوْت فليقطع صلَاته وروى ابْن الْقَاسِم عَنهُ فِي
مُسَافر أفلتت دَابَّته وَخَافَ عَلَيْهَا أَو على صبي أَو
أعمى أَن يَقع فِي بِئْر أَو نَار أَو ذكر مَتَاعا يخَاف
أَن يتْلف فَذَلِك عذر يُبِيح لَهُ أَن يسْتَخْلف وَلَا
تفْسد على من خَلفه شَيْئا وَلَا يجوز أَن يفعل هَذَا
أَبُو بَرزَة دون أَن يُشَاهِدهُ من النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقَالَ ابْن التِّين
وَالصَّوَاب أَنه إِذا كَانَ لَهُ شَيْء لَهُ قدر يخْشَى
فَوَاته يقطع وَإِن كَانَ يَسِيرا فعادته على صلَاته أولى
من صِيَانة قدر يسير من مَاله هَذَا حكم الْفَذ
وَالْمَأْمُوم فَأَما الإِمَام فَفِي كتاب سَحْنُون إِذا
صلى رَكْعَة ثمَّ انفلتت دَابَّته وَخَافَ عَلَيْهَا أَو
على صبي أَو أعمى أَن يقعا فِي الْبِئْر وَذكر مَتَاعا
لَهُ يخَاف تلفه فَذَلِك عذر يُبِيح لَهُ أَن يسْتَخْلف
وَلَا يفْسد على من خَلفه شَيْئا وعَلى قَول أَشهب إِن لم
يعد وَاحِد مِنْهُم بني قِيَاسا على قَوْله إِذا خرج لغسل
دم رَآهُ فِي ثَوْبه وَأحب إِلَيّ أَن يسْتَأْنف وَإِن بنى
أَجزَاء (قلت) ذكر مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى فِي
السّير الْكَبِير حَدِيث الْأَزْرَق بن قيس أَنه رأى أَبَا
بَرزَة يُصَلِّي آخِذا بعنان فرسه حَتَّى صلى رَكْعَتَيْنِ
ثمَّ انْسَلَّ قياد فرسه من يَده فَمضى الْفرس إِلَى
الْقبْلَة فَتَبِعَهُ أَبُو بَرزَة حَتَّى أَخذ بقياده
ثمَّ رَجَعَ ناكصا على عَقِبَيْهِ حَتَّى صلى
الرَّكْعَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ قَالَ مُحَمَّد رَحمَه
الله وَبِهَذَا نَأْخُذ الصَّلَاة تجزي مَعَ مَا صنع لَا
يُفْسِدهَا الَّذِي صنع لِأَنَّهُ رَجَعَ على عَقِبَيْهِ
وَلم يستدبر الْقبْلَة بِوَجْهِهِ حَتَّى لَو جعلهَا خلف
ظَهره فَسدتْ صلَاته ثمَّ لَيْسَ فِي هَذَا الحَدِيث فصل
بَين الْمَشْي الْقَلِيل وَالْكثير فَهَذَا يبين لَك أَن
الْمَشْي فِي الصَّلَاة مُسْتَقْبل الْقبْلَة لَا يُوجب
فَسَاد الصَّلَاة وَإِن كثر وَبَعض مَشَايِخنَا أولُوا
هَذَا الحَدِيث وَاخْتلفُوا فِيمَا بَينهم فِي التَّأْوِيل
(7/289)
فَمنهمْ من قَالَ تَأْوِيله أَنه لم
يُجَاوز مَوضِع سُجُوده فإمَّا إِذا جَاوز ذَلِك فَإِن
صلَاته تفْسد لِأَن مَوضِع سُجُوده فِي الفضاء مُصَلَّاهُ
وَكَذَلِكَ مَوضِع الصُّفُوف فِي الْمَسْجِد وخطاه فِي
مُصَلَّاهُ عَفْو وَمِنْهُم من قَالَ تَأْوِيله أَن مَشْيه
لم يكن متلاصقا بل مَشى خطْوَة فسكن ثمَّ مَشى خطْوَة
وَذَلِكَ قَلِيل وَأَنه لَا يُوجب فَسَاد الصَّلَاة أما
إِذا كَانَ الْمَشْي متلاصقا تفْسد وَإِن لم يستدبر
الْقبْلَة لِأَنَّهُ عمل كثير وَمن الْمَشَايِخ من أَخذ
بِظَاهِر الحَدِيث وَلم يقل بِالْفَسَادِ قل الْمَشْي أَو
كثر اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاس أَن تفْسد صلَاته إِذا كثر
الْمَشْي إِلَّا أَنا تركنَا الْقيَاس بِحَدِيث أبي بَرزَة
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَأَنه خص بِحَالَة الْعذر
فَفِي غير حَالَة الْعذر يعْمل بقضية الْقيَاس
234 - (حَدثنَا مُحَمَّد بن مقَاتل قَالَ أخبرنَا عبد الله
قَالَ أخبرنَا يُونُس عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة. قَالَ
قَالَت عَائِشَة خسفت الشَّمْس فَقَامَ النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَرَأَ سُورَة طَوِيلَة
ثمَّ ركع فَأطَال ثمَّ رفع رَأسه ثمَّ استفتح بِسُورَة
أُخْرَى ثمَّ ركع حَتَّى قَضَاهَا وَسجد ثمَّ فعل ذَلِك
فِي الثَّانِيَة ثمَّ قَالَ إنَّهُمَا آيتان من آيَات الله
فَإِذا رَأَيْتُمْ ذَلِك فصلوا حَتَّى يفرج عَنْكُم لقد
رَأَيْت فِي مقَامي هَذَا كل شَيْء وعدته حَتَّى لقد
رَأَيْت أُرِيد أَن آخذ قطفا من الْجنَّة حِين
رَأَيْتُمُونِي جعلت أتقدم وَلَقَد رَأَيْت جَهَنَّم يحطم
بَعْضهَا بَعْضًا حِين رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرت وَرَأَيْت
فِيهَا عَمْرو بن لحي وَهُوَ الَّذِي سيب السوائب) قَالَ
الْكرْمَانِي تعلق الحَدِيث بالترجمة هُوَ أَن فِيهِ مذمة
تسييب السوائب مُطلقًا سَوَاء كَانَ فِي الصَّلَاة أَو لَا
(قلت) مَا أبعد هَذَا الْوَجْه أَو تعلق الحَدِيث بالترجمة
فِي قَوْله " جعلت أتقدم " وَفِي قَوْله " تَأَخَّرت "
وَذَلِكَ لِأَن فِي الحَدِيث السَّابِق ذكر انفلات فرس أبي
بَرزَة وَأَنه تقدم من مَوضِع سُجُوده وَمَشى ثمَّ تَأَخّر
وَرجع الْقَهْقَرِي وَفِي هَذَا الحَدِيث أَيْضا
التَّقَدُّم والتأخر وَهَذَا الْمِقْدَار يقنع بِهِ
وَهَذَا الحَدِيث قد مر فِي صَلَاة الْكُسُوف بِوُجُوه
مُخْتَلفَة. مِنْهَا أَنه رَوَاهُ من رِوَايَة يُونُس عَن
ابْن شهَاب وَهُوَ الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة.
وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ من رِوَايَة اللَّيْث عَن عقيل عَن
ابْن شهَاب عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة وَقد ذكرنَا هُنَاكَ
مَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَشْيَاء ولنذكر هَهُنَا مَا
يحْتَاج إِلَيْهِ هَهُنَا فَقَوله " عبد الله " هُوَ ابْن
الْمُبَارك وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد وَالزهْرِيّ هُوَ
مُحَمَّد بن مُسلم قَوْله " حَتَّى قَضَاهَا " أَي
الرَّكْعَة وَالْقَضَاء هَهُنَا بِمَعْنى الْفَرَاغ
وَالْأَدَاء كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِذا قضيت
الصَّلَاة} أَي أدّيت قَوْله " ذَلِك " أَي الْمَذْكُور من
القيامين والركوعين فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة قَوْله "
أَنَّهُمَا " قَالَ الْكرْمَانِي أَي الخسوف والكسوف (قلت)
ليسَا بمذكورين غير أَن قَوْلهَا " خسفت الشَّمْس " يدل
على الْكُسُوف وَالظَّاهِر أَن الضَّمِير يرجع إِلَى
الشَّمْس وَالْقَمَر كَمَا جَاءَ صَرِيحًا " إِن الشَّمْس
وَالْقَمَر آيتان من آيَات الله تَعَالَى " وَالشَّمْس
مَذْكُورَة وَالْقَمَر لما كَانَ كَالشَّمْسِ فِي ذَلِك
كَانَ كالمذكور قَوْله " فَإِذا رَأَيْتُمْ ذَلِك " أَي
الخسوف الَّذِي دلّ عَلَيْهِ قَوْلهَا " خسفت " والخسوف
يسْتَعْمل فِيهَا جَمِيعًا كَمَا مر فِي بَاب الْكُسُوف
قَوْله " وعدته " بِضَم الْوَاو على صِيغَة الْمَجْهُول
ويروى " وعدت " بِلَا ضمير فِي آخِره وعَلى الْوَجْهَيْنِ
هِيَ جملَة فِي مَحل الْخَفْض لِأَنَّهَا صفة لقَوْله "
شَيْء " وَفِي رِوَايَة ابْن وهب عَن يُونُس فِي رِوَايَة
مُسلم " وعدتم " قَوْله " حَتَّى لقد رَأَيْته " كَذَا فِي
رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي بالضمير الْمَنْصُوب بعد رَأَيْت
وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين بِلَا ضمير وَفِي رِوَايَة
مُسلم " لقد رَأَيْتنِي " قَوْله " أُرِيد " جملَة حَالية
وَكلمَة أَن فِي أَن آخذ مَصْدَرِيَّة وَفِي رِوَايَة
جَابر " حَتَّى تناولت مِنْهَا قطفا فقصرت يَدي عَنهُ "
قَوْله " قطفا " بِكَسْر الْقَاف وَهُوَ العنقود من
الْعِنَب ويفسر ذَلِك حَدِيث ابْن عَبَّاس فِي الْكُسُوف
وَقد تقدم قَوْله " جعلت " أَي طفقت قَالَ الْكرْمَانِي
(فَإِن قلت) لم قَالَ هُنَا بِلَفْظ " جعلت " وَلم يقل فِي
التَّأَخُّر بِهِ بل قَالَ " تَأَخَّرت " (قلت) لِأَن
التَّقَدُّم كَاد أَن يَقع بِخِلَاف التَّأَخُّر فَإِنَّهُ
قد وَقع وَاعْترض عَلَيْهِ بَعضهم بقوله وَقد وَقع
التَّصْرِيح بِوُقُوع التَّقَدُّم والتأخر جَمِيعًا فِي
حَدِيث جَابر عِنْد مُسلم وَلَفظه " لقد جِيءَ بالنَّار
ودلكم حِين رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرت
(7/290)
مَخَافَة أَن يُصِيبنِي من لفحها " وَفِيه
" ثمَّ جِيءَ بِالْجنَّةِ وذلكم حِين رَأَيْتُمُونِي
تقدّمت حَتَّى قُمْت فِي مقَامي " (قلت) لَا يرد عَلَيْهِ
مَا قَالَه لِأَن جعلت فِي قَوْله هَهُنَا بِمَعْنى طفقت
كَمَا ذكرنَا وَبني السُّؤَال وَالْجَوَاب عَلَيْهِ وَجعل
الَّذِي بِمَعْنى طفق من أَفعاله المقاربة من الْقسم
الَّذِي وضع للدلالة على الْمَشْرُوع فِي الْخَبَر وَقد
علم أَن أَفعَال المقاربة على ثَلَاثَة أَنْوَاع أَحدهَا
هَذَا وَالثَّانِي مَا وضع للدلالة على قرب الْخَبَر
وَهُوَ ثَلَاثَة كَاد وَقرب وأوشك وَالثَّالِث مَا وضع
للدلالة على رجائه نَحْو عَسى وَأَيْضًا لَا يلْزم أَن
يكون حَدِيث عَائِشَة مثل حَدِيث جَابر من كل الْوُجُوه
وَإِن كَانَ الأَصْل متحدا قَوْله " يحطم " بِكَسْر
الطَّاء الْمُهْملَة قَوْله " عَمْرو بن لحي " بِضَم
اللَّام وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر
الْحُرُوف وَسَيَجِيءُ فِي قصَّة خُزَاعَة أَنه - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " رَأَيْت عَمْرو بن
عَامر الْخُزَاعِيّ يجر قصبه فِي النَّار " وَكَانَ أول من
سيب السوائب والسوائب جمع سائبة وَهِي الَّتِي كَانُوا
يسيبونها لآلهتهم فَلَا يحل عَلَيْهَا شَيْء (فَإِن قلت)
السوائب هِيَ المسيبة فَكيف يُقَال سيب السوائب (قلت)
مَعْنَاهُ سيب النوق الَّتِي تسمى بالسوائب وَقَالَ
الزَّمَخْشَرِيّ فِي قَوْله تَعَالَى {مَا جعل الله من
بحيرة وَلَا سائبة} كَانَ يَقُول الرجل إِذا قدمت من
سَفَرِي أَو بَرِئت من مرضِي فناقتي سائبة أَي لَا تركب
وَلَا تطرد عَن مَاء وَلَا عَن مرعى
(بَاب مَا يجوز من البزاق والنفخ فِي الصَّلَاة)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يجوز من البزاق أَي من رمى
البزاق وَجَاء فِيهِ الزَّاي وَالصَّاد وَكِلَاهُمَا لُغَة
قَوْله " والنفخ " أَي مَا يجوز من النفخ وَقَالَ بَعضهم
أَشَارَ المُصَنّف إِلَى أَن بعض ذَلِك يجوز وَبَعضه لَا
يجوز فَيحْتَمل أَنه يرى التَّفْرِقَة بَين مَا إِذا حصل
من كل مِنْهُمَا كَلَام مفهم أم لَا (قلت) لَا نسلم أَن
التَّرْجَمَة تدل على مَا ذكره وَإِنَّمَا تدل ظَاهرا على
أَن كل وَاحِد من البصاق والنفخ جَائِز فِي الصَّلَاة
مُطلقًا وَذكره بعد ذَلِك مَا رُوِيَ عَن عبد الله بن عمر
وَيدل على جَوَاز النفخ وَمَا رَوَاهُ عَن ابْن عمر يدل
على جَوَاز البصاق لِأَن كلا مِنْهُمَا صَرِيح فِيمَا يدل
عَلَيْهِ من غير قيد والآن نذْكر مَذَاهِب الْعلمَاء فِيهِ
إِن شَاءَ الله تَعَالَى
(وَيذكر عَن عبد الله بن عَمْرو نفخ النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي سُجُوده فِي كسوف)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَفِيه مَا يدل على مَا
ذكرنَا لِأَنَّهُ ذكره مُطلقًا وَاعْترض أَبُو عبد الْملك
بِأَن البُخَارِيّ ذكر النفخ وَلم يذكر فِيهِ حَدِيثا
(قلت) هَذَا عَجِيب مِنْهُ فَكَأَنَّهُ لم يطلع على مَا
ذكر عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ وَهُوَ تَعْلِيق
أسْندهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث عَطاء بن السَّائِب عَن
أَبِيه " عبد الله بن عَمْرو قَالَ انكسفت الشَّمْس على
عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - "
الحَدِيث وَفِيه " ثمَّ نفخ فِي آخر سُجُوده فَقَالَ أُفٍّ
أُفٍّ " إِلَى آخِره وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ
وَالْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك وَقَالَ صَحِيح وَإِنَّمَا
ذكره البُخَارِيّ بِصِيغَة التمريض لِأَنَّهُ من رِوَايَة
عَطاء بن السَّائِب عَن أَبِيه لِأَنَّهُ مُخْتَلف فِيهِ
فِي الِاحْتِجَاج بِهِ وَقد اخْتَلَط فِي آخر عمره لَكِن
أوردهُ ابْن خُزَيْمَة من رِوَايَة سُفْيَان الثَّوْريّ
عَنهُ وَهُوَ مِمَّن سمع مِنْهُ قبل اخْتِلَاطه وَأَبوهُ
وَثَّقَهُ الْعجلِيّ وَابْن حبَان وَلَيْسَ هُوَ من شَرط
البُخَارِيّ وَقد فسر النفخ فِي الحَدِيث بقوله " فَقَالَ
أُفٍّ أُفٍّ " بتسكين الْفَاء وأف لَا تكون كلَاما حَتَّى
تشدد الْفَاء فَتكون على ثَلَاثَة أحرف من التأفيف وَهُوَ
قَوْلك أُفٍّ لكذا فَأَما أُفٍّ وَالْفَاء فِيهِ خَفِيفَة
فَلَيْسَ بِكَلَام والنافخ لَا يخرج الْفَاء مُشَدّدَة
وَلَا يكَاد يُخرجهَا فَاء صَادِقَة من مخرجها وَلكنه
يفشها من غير إطباق الشّفة على الشّفة وَمَا كَانَ كَذَلِك
لَا يكون كلَاما وَبِهَذَا اسْتدلَّ أَبُو يُوسُف على أَن
الْمُصَلِّي إِذا قَالَ فِي صلَاته أُفٍّ أَو آه أَو أَخ
لَا تفْسد صلَاته وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد تفْسد
لِأَنَّهُ من كَلَام النَّاس وأجابا بِأَن هَذَا كَانَ
ثمَّ نسخ وَذكر ابْن بطال أَن الْعلمَاء اخْتلفُوا فِي
النفخ فِي الصَّلَاة فكرهه طَائِفَة وَلم يوجبوا على من
نفخ إِعَادَة رُوِيَ ذَلِك عَن ابْن مَسْعُود وَابْن
عَبَّاس وَالنَّخَعِيّ وَهُوَ رِوَايَة عَن ابْن زِيَاد
وَعَن مَالك أَنه قَالَ أكره النفخ فِي الصَّلَاة وَلَا
يقطعهَا كَمَا يقطع الْكَلَام وَهُوَ قَول أبي يُوسُف
وَأَشْهَب وَأحمد وَإِسْحَاق وَقَالَت طَائِفَة هُوَ
بِمَنْزِلَة الْكَلَام يقطع الصَّلَاة رُوِيَ ذَلِك عَن
سعيد بن جُبَير وَهُوَ قَول مَالك فِي الْمُدَوَّنَة
وَفِيه قَول ثَالِث وَهُوَ أَن النفخ إِن كَانَ يسمع
فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْكَلَام يقطع الصَّلَاة وَهَذَا قَول
الثَّوْريّ وَأبي حنيفَة وَمُحَمّد وَالْقَوْل الأول أولى
لحَدِيث ابْن عَمْرو قَالَ وَيدل على صِحَة هَذَا أَيْضا
اتِّفَاقهم على جَوَاز النفخ والبصاق فِي الصَّلَاة
وَلَيْسَ فِي النفخ من النُّطْق بِالْفَاءِ والهمزة أَكثر
مِمَّا فِي البصاق من النُّطْق بِالْفَاءِ وَالتَّاء
اللَّتَيْنِ فيهمَا من رمى البصاق وَلما
(7/291)
اتَّفقُوا على جَوَاز الصَّلَاة فِي البصاق
جَازَ النفخ فِيهَا إِذْ لَا فرق بَينهمَا فِي أَن كل
وَاحِد مِنْهُمَا بحروف وَلذَلِك ذكر البُخَارِيّ حَدِيث
البصاق فِي هَذَا الْبَاب ليستدل على جَوَاز النفخ
لِأَنَّهُ لم يسند حَدِيث ابْن عَمْرو وَاعْتمد على
الِاسْتِدْلَال من حَدِيث النخامة والبصاق وَهُوَ
اسْتِدْلَال حسن (قلت) يُعَكر عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ ابْن
أبي شيبَة فِي مُصَنفه بِإِسْنَاد جيد أَنه قَالَ " النفخ
فِي الصَّلَاة كَلَام " وَرُوِيَ عَنهُ أَيْضا بِإِسْنَاد
صَحِيح أَنه قَالَ " والنفخ فِي الصَّلَاة يقطع الصَّلَاة
" وروى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح إِلَى ابْن
عَبَّاس أَنه كَانَ يخْشَى أَن يكون كلَاما يَعْنِي النفخ
فِي الصَّلَاة وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين رَحمَه الله
وَفرق أَصْحَابنَا فِي النفخ بَين أَن يبين مِنْهُ حرفان
أم لَا فَإِن بَان مِنْهُ حرفان وَهُوَ عَامِد عَالم
بِتَحْرِيمِهِ بطلت صلَاته وَإِلَّا فَلَا وَحَكَاهُ ابْن
الْمُنْذر عَن مَالك وَأبي حنيفَة وَمُحَمّد بن الْحسن
وَأحمد بن حَنْبَل وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا تبطل إِلَّا
أَن يُرِيد بِهِ التأفيف وَهُوَ قَول أُفٍّ وَقَالَ ابْن
الْمُنْذر ثمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُف فَقَالَ لَا تبطل
صلَاته مُطلقًا وَحكى ابْن الْعَرَبِيّ وَغَيره عَن مَالك
خلافًا وَأَنه قَالَ فِي الْمُخْتَصر النفخ كَلَام لقَوْله
تَعَالَى {وَلَا تقل لَهما أُفٍّ} وَقَالَ فِي
الْمَجْمُوعَة لَا يقطع الصَّلَاة وَقَالَ الْأَبْهَرِيّ
من الْمَالِكِيَّة لَيْسَ لَهُ حُرُوف هجاء فَلَا يقطع
الصَّلَاة وَقَالَ شَيخنَا وَمَا حكيناه عَن أَصْحَابنَا
هُوَ الَّذِي جزم بِهِ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة فِي شرح
الْمُهَذّب ثمَّ أَنه حكى الْخلاف فِيهِ فِي الْمِنْهَاج
تبعا للمحرر فَقَالَ فِيهِ وَالْأَصْل أَن التنحنح والضحك
والبكاء والأنين والنفخ إِن ظهر بِهِ حرفان بطلت وَإِلَّا
فَلَا
236 - (حَدثنَا سُلَيْمَان بن حَرْب قَالَ حَدثنَا حَمَّاد
عَن أَيُّوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا
أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رأى
نخامة فِي قبْلَة الْمَسْجِد فتغيظ على أهل الْمَسْجِد
وَقَالَ إِن الله قبل أحدكُم فَإِذا كَانَ فِي صلَاته
فَلَا يبزقن أَو قَالَ لَا يتنخعن ثمَّ نزل فحتها بِيَدِهِ
وَقَالَ ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا إِذا بزق أحدكُم
فليبزق على يسَاره) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَقد مر
هَذَا الحَدِيث فِي بَاب حك البزاق بِالْيَدِ من
الْمَسْجِد فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن
يُوسُف عَن مَالك عَن نَافِع إِلَى آخِره وَلَفظه هُنَاكَ
" رأى بصاقا فِي جِدَار الْقبْلَة فحكه ثمَّ أقبل على
النَّاس فَقَالَ إِذا كَانَ أحدكُم يُصَلِّي فَلَا يبصق
قبل وَجه فَإِن الله قبل وَجهه إِذا صلى " وَقد مر
الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى هُنَاكَ قَوْله " قبل أحدكُم "
بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة أَي مُقَابل
قَوْله " أَو قَالَ لَا يتنخعن " وَفِي رِوَايَة
الْإِسْمَاعِيلِيّ " لَا يبزق بَين يَدَيْهِ " وَقَالَ
الْكرْمَانِي وَفِي بعض الرِّوَايَة " وَلَا يتنخمن " من
النخامة بِضَم النُّون وَهُوَ مَا يخرج من الصَّدْر قَوْله
" فحتها " بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد التَّاء
الْمُثَنَّاة من فَوق ويروى " فحكها " بِالْكَاف ومعناهما
وَاحِد قَوْله " وَقَالَ ابْن عمر " إِلَى آخِره مَوْقُوف
قَوْله " عَن يسَاره " هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني
بِلَفْظ عَن وَفِي رِوَايَة غَيره " على يسَاره " بِلَفْظ
على وَوَقع فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق اسحق
بن أبي إِسْرَائِيل عَن حَمَّاد بن زيد بِلَفْظ " لَا
يبزقن أحدكُم بَين يَدَيْهِ وَلَكِن ليبزق خَلفه أَو عَن
شِمَاله أَو تَحت قدمه " وَهَذَا الْمَوْقُوف عَن ابْن عمر
قد رُوِيَ عَن أنس مَرْفُوعا
237 - (حَدثنَا مُحَمَّد قَالَ حَدثنَا غنْدر قَالَ
حَدثنَا شُعْبَة قَالَ سَمِعت قَتَادَة عَن أنس رَضِي الله
عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- قَالَ إِذا كَانَ فِي الصَّلَاة فَإِنَّهُ يُنَاجِي ربه
فَلَا يبزقن بَين يَدَيْهِ وَلَا عَن يَمِينه وَلَكِن عَن
شِمَاله تَحت قدمه الْيُسْرَى) مطابقته للتَّرْجَمَة أَكثر
وضوحا من مُطَابقَة الحَدِيث السَّابِق لَهَا لِأَن فِيهِ
إِبَاحَة البزاق فِي الصَّلَاة عَن شِمَاله تَحت قدمه
الْيُسْرَى وَفِي ذَاك عَن ابْن عمر مَوْقُوفا وَهَذَا
الحَدِيث أَيْضا قد مر فِي بَاب ليبصق عَن يسَاره أَو تَحت
قدمه الْيُسْرَى رَوَاهُ عَن آدم عَن شُعْبَة عَن قَتَادَة
عَن أنس بن مَالك قَالَ قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِن الْمُؤمن إِذا كَانَ فِي
الصَّلَاة فَإِنَّمَا يُنَاجِي ربه فَلَا يبزقن بَين
يَدَيْهِ وَلَا عَن يَمِينه وَلَكِن عَن يسَاره أَو تَحت
قدمه " وَرَوَاهُ أَيْضا عَن قُتَيْبَة عَن إِسْمَاعِيل بن
جَعْفَر عَن حميد " عَن أنس أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رأى نخامة فِي الْقبْلَة فشق ذَلِك
عَلَيْهِ " الحَدِيث وَقد مر الْكَلَام فِي أَحَادِيث أنس
هُنَاكَ مُسْتَوْفِي بِجَمِيعِ مَا يتَعَلَّق
(7/292)
بهَا وَمُحَمّد شيخ البُخَارِيّ فِي هَذَا
الحَدِيث هُوَ مُحَمَّد بن بشار الْعَبْدي الْبَصْرِيّ
وَقد مر غير مرّة وغندر بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة هُوَ
مُحَمَّد بن جَعْفَر الْبَصْرِيّ يكنى أَبَا عبد الله وَقد
مر غير مرّة قَوْله " إِذا كَانَ " أَي الْمُؤمن فِي
الصَّلَاة كَمَا ورد فِي الحَدِيث الآخر لأنس هَكَذَا
كَمَا ذَكرْنَاهُ إِلَى أَن قَوْله " فَإِنَّهُ " أَي
فَإِن الْمُصَلِّي لدلَالَة الْقَرِينَة عَلَيْهِ
(بَاب من صفق جَاهِلا من الرِّجَال فِي صلَاته لم تفْسد
صلَاته)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من صفق حَال كَونه جَاهِلا
بِنَفْي كَون التصفيق للرِّجَال وَأَنه للنِّسَاء قَوْله "
من الرِّجَال " بَيَان لقَوْله " من " فَإِن كلمة من
للعقلاء تَشْمَل الذُّكُور وَالْإِنَاث وَأَرَادَ بِهَذِهِ
التَّرْجَمَة أَن الرجل إِذا صفق فِي الصَّلَاة عِنْد
حُدُوث نائبة لَا تفْسد صلَاته إِذا كَانَ جَاهِلا وَقيد
بذلك لِأَنَّهُ إِذا صفق عَامِدًا تفْسد صلَاته بقضية
الْقَيْد الْمَذْكُور وَالدَّلِيل على عدم الْفساد فِي
حَالَة الْجَهْل أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - لم يَأْمُرهُم بِالْإِعَادَةِ فِي حَدِيث سهل رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ
(فِيهِ سهل بن سعد رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -) قد مر حَدِيث سهل فِي بَاب
التصفيق للنِّسَاء أخرجه عَن يحيى عَن وَكِيع عَن سُفْيَان
عَن أبي حَازِم عَن سهل بن سعد قَالَ قَالَ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " التَّسْبِيح للرِّجَال
والتصفيق للنِّسَاء " وَسَيَأْتِي حَدِيث سهل بن سعد
أَيْضا فِي بَاب الْإِشَارَة فِي الصَّلَاة قبل كتاب
الْجَنَائِز وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي بَاب التصفيق
للنِّسَاء
(بَاب إِذا قيل للْمُصَلِّي تقدم أَو انْتظر فانتظر فَلَا
بَأْس)
أَي هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا قيل للْمُصَلِّي تقدم أَي
قبل رفيقك أَو انْتظر أَي أَو قيل لَهُ انْتظر أَي تَأَخّر
عَنهُ هَكَذَا فسره ابْن بطال وَكَأَنَّهُ أَخذ ذَلِك من
حَدِيث الْبَاب وَفِيه فَقيل للنِّسَاء " لَا ترفعن رؤسكن
حَتَّى يَسْتَوِي الرِّجَال جُلُوسًا " فمقتضاه تقدم
الرِّجَال على النِّسَاء وتأخرهن عَنْهُم وَاعْترض
الْإِسْمَاعِيلِيّ على البُخَارِيّ هُنَا بقوله ظن أَي
البُخَارِيّ أَن المخاطبة للنِّسَاء وَقعت بذلك وَهن فِي
الصَّلَاة وَلَيْسَ كَمَا ظن بل هُوَ شَيْء قيل لَهُنَّ
قبل أَن يدخلن فِي الصَّلَاة وَأجَاب بَعضهم عَن ذَلِك
نصْرَة للْبُخَارِيّ بقوله أَن البُخَارِيّ لم يُصَرح
بِكَوْن ذَلِك قيل لَهُنَّ وَهن دَاخل الصَّلَاة أَو
خَارِجهَا وَالَّذِي يظْهر أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وصاهن بِنَفسِهِ أَو بِغَيْرِهِ
بالانتظار الْمَذْكُور قبل أَن يدخلن فِيهَا على علم
انْتهى (قلت) الِاعْتِرَاض الْمَذْكُور وَالْجَوَاب عَنهُ
كِلَاهُمَا واهيان أما الِاعْتِرَاض فَلَيْسَ بوارد لِأَن
نَفْيه ظن البُخَارِيّ بذلك غير صَحِيح لِأَن ظَاهر متن
الحَدِيث يَقْتَضِي مَا نسبه إِلَى البُخَارِيّ من الظَّن
بل هُوَ أَمر ظَاهر وَلَيْسَ بِظَنّ لِأَن قَوْله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فَقيل للنِّسَاء " إِلَى
آخر بفاء الْعَطف على مَا قبله يَقْتَضِي أَن هَذَا
القَوْل قيل لَهُنَّ وَالنَّاس يصلونَ مَعَ النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَالظَّاهِر
أَنَّهُنَّ كن مَعَ النَّاس فِي الصَّلَاة وَإِن كَانَ
يحْتَمل أَن يكون هَذَا القَوْل لَهُنَّ عِنْد شروعهن فِي
الصَّلَاة مَعَ النَّاس وَلَا يلْتَفت إِلَى الِاحْتِمَال
إِذا كَانَ غير ناشىء عَن دَلِيل وَأما الْجَواب فَكَذَلِك
هُوَ غير سديد لِأَن قَوْله وَالَّذِي يظْهر إِلَى آخِره
غير ظَاهر لَا من التَّرْجَمَة وَلَا من حَدِيث الْبَاب
أما التَّرْجَمَة فَلَا شَيْء فِيهَا من الدّلَالَة على
ذَلِك وَأما متن الحَدِيث فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا لفظ قيل
بِصِيغَة الْمَجْهُول فَمن أَيْن ظهر أَنه - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هُوَ الَّذِي وصاهن بِهِ
بِنَفسِهِ أَو بِغَيْرِهِ وَلَا فِيهِ شَيْء يدل على أَن
ذَلِك كَانَ قبل دخولهن فِي الصَّلَاة بل الَّذِي يظْهر من
ذَلِك مَا ذَكرْنَاهُ بقضية تركيب متن الحَدِيث فَافْهَم
فَإِنَّهُ بحث دَقِيق
238 - (حَدثنَا مُحَمَّد بن كثير قَالَ أخبرنَا سُفْيَان
عَن أبي حَازِم عَن سهل بن سعد رَضِي الله عَنهُ. قَالَ
كَانَ النَّاس يصلونَ مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهم عاقدوا أزرهم على رقابهم من
الصغر فَقيل للنِّسَاء لَا ترفعن رؤسكن حَتَّى يَسْتَوِي
الرِّجَال جُلُوسًا) مطابقته للتَّرْجَمَة على مَا قيل أَن
النِّسَاء قيل لَهُنَّ ذَلِك أما فِي الصَّلَاة أَو قبلهَا
فَإِن كَانَ فِيهَا فقد أَفَادَ الْمَسْأَلَتَيْنِ خطاب
الْمُصَلِّي وتربصه بِمَا لَا يضر وَإِن كَانَ قبلهَا
أَفَادَ جَوَاز الِانْتِظَار والْحَدِيث أخرجه فِي بَاب
إِذا كَانَ الثَّوْب ضيقا وَقَالَ حَدثنَا مُسَدّد قَالَ
(7/293)
حَدثنَا يحيى عَن سُفْيَان قَالَ حَدثنَا
أَبُو حَازِم عَن سهل بن سعد إِلَى آخِره نَحوه قَوْله "
على رقابهم " وَهُنَاكَ " على أَعْنَاقهم " قَوْله " من
الصغر " أَي من صغر الثِّيَاب وَهَذَا فِي أول الْإِسْلَام
حِين الْقلَّة ثمَّ جَاءَ الْفتُوح وَهُنَاكَ فِي مَوضِع
من الصغر كَهَيئَةِ الصّبيان وَتقدم قِطْعَة مِنْهُ أَيْضا
فِي بَاب عقد الْإِزَار على الْقَفَا مُعَلّقا وَقد مر
الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوْفِي وَفِي التَّوْضِيح
وَفِيه تقدم الرِّجَال بِالسُّجُود على النِّسَاء لأَنهم
إِذا لم يرفعن رُؤْسهنَّ حَتَّى يَسْتَوِي الرِّجَال
جُلُوسًا فقد تقدموهن بذلك وصرن منتظرات لَهُم وَفِيه
جَوَاز وُقُوع فعل الْمَأْمُوم بعد الإِمَام بِمدَّة
وَيصِح ائتمامه كمن زوحم وَلم يقدر على الرُّكُوع
وَالسُّجُود حَتَّى قَامَ النَّاس (قلت) هَذَا مَبْنِيّ
على مَذْهَب إِمَامه وَعِنْدنَا إِذا لم يُشَارك
الْمَأْمُوم الإِمَام فِي ركن من أَرْكَان الصَّلَاة وَلَو
فِي جُزْء مِنْهُ لَا تصح صلَاته قَالَ وَفِيه جَوَاز سبق
الْمَأْمُومين بَعضهم لبَعض فِي الْأَفْعَال وَلَا يضر
ذَلِك (قلت) نعم لَا يضر ذَلِك وَلَكِن من أَيْن فهم هَذَا
من الحَدِيث قَالَ وَفِيه إنصات الْمُصَلِّي لخَبر
يُخبرهُ. وَفِيه جَوَاز الْفَتْح على الْمُصَلِّي وَإِن
كَانَ الفاتح فِي غير صلَاته (قلت) هَذَا عندنَا على
أَرْبَعَة أَقسَام بِحَسب الْقِسْمَة الْعَقْلِيَّة الأول
أَن لَا يكون المستفتح وَلَا الفاتح فِي الصَّلَاة وَهَذَا
لَيْسَ مِمَّا نَحن فِيهِ وَالثَّانِي أَن يكون كِلَاهُمَا
فِي الصَّلَاة ثمَّ لَا يَخْلُو إِمَّا أَن تكون الصَّلَاة
متحدة بِأَن يكون المستفتح إِمَامًا والفاتح مَأْمُوما أَو
لَا يكون فَفِي الأول الَّذِي هُوَ الْقسم الثَّالِث لَا
تفْسد صَلَاة كل مِنْهُمَا وَفِي الثَّانِي الَّذِي هُوَ
الْقسم الرَّابِع تفْسد صَلَاة كل وَاحِد مِنْهُمَا
لِأَنَّهُ تَعْلِيم وَتعلم وَقَالَ بَعضهم وَيُسْتَفَاد
مِنْهُ جَوَاز انْتِظَار الإِمَام فِي الرُّكُوع لمن يدْرك
الرَّكْعَة وَفِي التَّشَهُّد لإدراك الصَّلَاة (قلت)
مَذْهَبنَا فِي هَذَا على التَّفْصِيل وَهُوَ أَن الإِمَام
إِذا كَانَ يعلم الجائي لَيْسَ لَهُ أَن ينتظره إِلَّا
إِذا خَافَ من شَره وَإِن كَانَ لَا يعلم فَلَا بَأْس
بالانتظار ليدركه
(بَاب لَا يرد السَّلَام فِي الصَّلَاة)
أَي هَذَا بَاب يذكر فِيهِ أَن الْمُصَلِّي لَا يرد
السَّلَام على الْمُسلم فِي الصَّلَاة لِأَنَّهُ خطاب
آدَمِيّ
239 - (حَدثنَا عبد الله بن أبي شيبَة قَالَ حَدثنَا ابْن
فُضَيْل عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَن
عبد الله. قَالَ كنت أسلم على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ فِي الصَّلَاة فَيرد عَليّ
فَلَمَّا رَجعْنَا سلمت عَلَيْهِ فَلم يرد عَليّ. وَقَالَ
إِن فِي الصَّلَاة شغلا) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله
" فَلم يرد عَليّ " وَقد مضى الحَدِيث فِي بَاب مَا ينْهَى
عَنهُ من الْكَلَام وَأخرجه عَن ابْن نمير عَن ابْن
فُضَيْل عَن الْأَعْمَش وَقد مضى هُنَاكَ مَا يتَعَلَّق
بِهِ من الْأَشْيَاء وَعبد الله هُوَ ابْن مُحَمَّد بن أبي
شيبَة الْكُوفِي الْحَافِظ أَخُو عُثْمَان بن أبي شيبَة
مَاتَ فِي الْمحرم سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ
وَابْن فُضَيْل بِضَم الْفَاء وَفتح الضَّاد الْمُعْجَمَة
مر فِي كتاب الْإِيمَان وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان
وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ وعلقمة بن قيس النَّخعِيّ
وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود وَحكى ابْن بطال
الْإِجْمَاع أَنه لَا يرد السَّلَام نطقا وَاخْتلفُوا هَل
يرد إِشَارَة فكرهه طَائِفَة رُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عمر
وَابْن عَبَّاس وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ
وَأحمد وَإِسْحَاق وَأبي ثَوْر وَرخّص فِيهِ طَائِفَة روى
ذَلِك عَن سعيد بن الْمسيب وَقَتَادَة وَالْحسن وَعَن
مَالك رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَة أجَازه وَفِي أُخْرَى
كرهه وَعند طَائِفَة إِذا فرغ من الصَّلَاة يرد
وَاخْتلفُوا أَيْضا فِي السَّلَام على الْمُصَلِّي فكره
ذَلِك قوم رُوِيَ ذَلِك " عَن جَابر رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ قَالَ لَو دخلت على قوم وهم يصلونَ مَا سلمت
عَلَيْهِم " وَقَالَ أَبُو مجلز السَّلَام على الْمُصَلِّي
عجز وَكَرِهَهُ عَطاء وَالشعْبِيّ رَوَاهُ ابْن وهيب عَن
مَالك وَبِه قَالَ إِسْحَاق ورخصت فِيهِ طَائِفَة رُوِيَ
ذَلِك عَن ابْن عمر وَهُوَ قَول مَالك فِي الْمُدَوَّنَة
وَقَالَ لَا يكره السَّلَام عَلَيْهِ فِي فَرِيضَة وَلَا
نَافِلَة وَفعله أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى
240 - (حَدثنَا أَبُو معمر قَالَ حَدثنَا عبد الْوَارِث
قَالَ حَدثنَا كثير بن شنظير عَن عَطاء بن أبي رَبَاح عَن
جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ بَعَثَنِي
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي
حَاجَة لَهُ فَانْطَلَقت ثمَّ رجعت وَقد قضيتها فَأتيت
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَسلمت
عَلَيْهِ فَلم يرد عَليّ فَوَقع فِي قلبِي مَا الله أعلم
بِهِ فَقلت فِي نَفسِي لَعَلَّ رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وجد عَليّ أَنِّي أَبْطَأت
عَلَيْهِ ثمَّ سلمت عَلَيْهِ فَلم يرد عَليّ
(7/294)
فَوَقع فِي قلبِي أَشد من الْمرة الأولى
ثمَّ سلمت عَلَيْهِ فَرد عَليّ فَقَالَ إِنَّمَا مَنَعَنِي
أَن أرد عَلَيْك أَنِّي كنت أُصَلِّي وَكَانَ على
رَاحِلَته مُتَوَجها إِلَى غير الْقبْلَة) مطابقته
للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. (ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة. الأول
أَبُو معمر بِفَتْح الميمين عبد الله بن عَمْرو بن أبي
الْحجَّاج واسْمه ميسرَة التَّمِيمِي المقعد. الثَّانِي
عبد الْوَارِث بن سعيد التنوري. الثَّالِث كثير ضد قَلِيل
ابْن شنظير بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون
وَكسر الظَّاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر
الْحُرُوف وَفِي آخِره رَاء. الرَّابِع عَطاء بن أبي
رَبَاح. الْخَامِس جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ. (ذكر
لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه العنعنة فِي موضِعين وَفِيه
القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه أَن رُوَاته بصريون
وَفِيه شنظير وَهُوَ علم وَالِد كثير وَمَعْنَاهُ فِي
اللُّغَة السيء الْخلق ولقب كثير أَبُو قُرَّة. (ذكر من
أخرجه غَيره) أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن أبي كَامِل
عَن حَمَّاد وَعَن مُحَمَّد بن حَاتِم عَن مُعلى بن
مَنْصُور. (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " فِي حَاجَة " بَين
مُسلم من طَرِيق أبي الزبير عَن جَابر أَن ذَلِك كَانَ فِي
غَزْوَة بني المصطلق قَوْله " فَلم يرد عَليّ " وَفِي
رِوَايَة مُسلم الْمَذْكُورَة " فَقَالَ لي بِيَدِهِ
هَكَذَا " وَفِي رِوَايَة أُخْرَى " فَأَشَارَ إِلَيّ "
فَإِذا كَانَ كَذَلِك يحمل قَول جَابر فِي وَرِوَايَة
البُخَارِيّ " فَلم يرد عَليّ " أَي بِاللَّفْظِ وَكَانَ
جَابِرا لم يعرف أَولا أَن المُرَاد بِالْإِشَارَةِ الرَّد
عَلَيْهِ فَلذَلِك قَالَ " فَوَقع فِي قلبِي مَا الله أعلم
بِهِ " أَي من الْحزن وَكَأَنَّهُ أبهم ذَلِك إشعارا
بِأَنَّهُ لَا يدْخل من شدته تَحت الْعبارَة قَوْله " مَا
الله أعلم بِهِ " كلمة مَا فَاعل لقَوْله " وَقع "
وَلَفْظَة " الله " مُبْتَدأ وَخَبره قَوْله " أعلم بِهِ "
قَوْله " وجد عَليّ " بِفَتْح الْوَاو وَالْجِيم مَعْنَاهُ
غضب يُقَال وجد عَلَيْهِ يجد وجدا وموجدة وَوجد ضالته
يجدهَا وجدانا إِذا رَآهَا ولقيها وَوجد يجد جدة أَي
اسْتغنى غنى لَا فقر بعده وَوجدت بفلانة وجدا إِذا أحببتها
حبا شَدِيدا قَوْله " إِنِّي أَبْطَأت " وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني " أَن أَبْطَأت " بنُون خَفِيفَة قَوْله " فَرد
عَليّ " أَي بعد أَن فرغ من صلَاته قَوْله " مَا مَنَعَنِي
أَن أرد عَلَيْك " أَي السَّلَام " إِلَّا أَنِّي كنت
أُصَلِّي " قَوْله " وَكَانَ على رَاحِلَته مُتَوَجها
إِلَى غير الْقبْلَة " وَفِي رِوَايَة مُسلم " فَرَجَعت
وَهُوَ يُصَلِّي على رَاحِلَته وَوَجهه على غير الْقبْلَة
". وَمِمَّا يُسْتَفَاد أَمنه إِثْبَات الْكَلَام النفساني
وَأَن الْكَبِير إِذا وَقع مِنْهُ مَا يُوجب حزنا يظْهر
سَببه ليندفع ذَلِك وَجَوَاز صَلَاة النَّفْل على
الرَّاحِلَة إِلَى غير الْقبْلَة. وَفِيه كَرَاهَة
السَّلَام على الْمُصَلِّي وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن
قريب
(بَاب رفع الْأَيْدِي فِي الصَّلَاة لأمر نزل بِهِ)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم رفع الْأَيْدِي فِي
الصَّلَاة لأجل أَمر نزل بِهِ
241 - (حَدثنَا قُتَيْبَة قَالَ حَدثنَا عبد الْعَزِيز عَن
أبي حَازِم عَن سهل بن سعد رَضِي الله عَنهُ قَالَ بلغ
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن
بني عَمْرو بن عَوْف بقباء كَانَ بَينهم شَيْء فَخرج يصلح
بَينهم فِي أنَاس من أَصْحَابه فحبس رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وحانت الصَّلَاة فجَاء
بِلَال إِلَى أبي بكر رَضِي الله عَنْهُمَا فَقَالَ يَا
أَبَا بكر إِن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - قد حبس وَقد حانت الصَّلَاة فَهَل لَك أَن
تؤم النَّاس قَالَ نعم إِن شِئْت فَأَقَامَ بِلَال
الصَّلَاة وَتقدم أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فَكبر
للنَّاس وَجَاء رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - يمشي فِي الصُّفُوف يشقها شقا حَتَّى قَامَ
فِي الصَّفّ فَأخذ النَّاس فِي التصفيح قَالَ سهل التصفيح
هُوَ التصفيق. قَالَ وَكَانَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ
لَا يلْتَفت فِي صلَاته فَلَمَّا أَكثر النَّاس الْتفت
فَإِذا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- فَأَشَارَ إِلَيْهِ يَأْمُرهُ أَن يُصَلِّي فَرفع أَبُو
بكر رَضِي الله عِنْده يَده فَحَمدَ الله ثمَّ رَجَعَ
الْقَهْقَرِي وَرَاءه حَتَّى قَامَ فِي الصَّفّ وَتقدم
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فصلى
للنَّاس فَلَمَّا فرغ
(7/295)
أقبل على النَّاس فَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس مالكم حِين
نابكم شَيْء فِي الصَّلَاة أَخَذْتُم بالتصفيح إِنَّمَا
التصفيح للنِّسَاء من نابه شَيْء فِي صلَاته فَلْيقل
سُبْحَانَ الله ثمَّ الْتفت إِلَى أبي بكر رَضِي الله
عَنهُ فَقَالَ يَا أَبَا بكر مَا مَنعك أَن تصلي للنَّاس
حِين أَشرت إِلَيْك قَالَ أَبُو بكر مَا كَانَ يَنْبَغِي
لِابْنِ أبي قُحَافَة أَن يُصَلِّي بَين يَدي رَسُول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -) مطابقته
للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " فَرفع أَبُو بكر يَدَيْهِ "
وَقد مضى هَذَا الحَدِيث فِي بَاب من دخل ليؤم النَّاس
فجَاء الإِمَام الأول وَرَوَاهُ هُنَاكَ عَن عبد الله بن
يُوسُف عَن مَالك عَن أبي حَازِم بن دِينَار عَن سهل بن
سعد السَّاعِدِيّ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ذهب إِلَى بني عَمْرو بن عَوْف
ليصلح بَينهم إِلَى آخِره وَعبد الْعَزِيز هُنَاكَ هُوَ
ابْن أبي حَازِم وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مستقصى
قَوْله " وحانت " أَي حضرت وَالْوَاو فِيهِ للْحَال وَفِي
رِوَايَة الْكشميهني " وَقد حانت الصَّلَاة " قَوْله " قد
حبس " أَي تعوق هُنَاكَ قَوْله " إِن شِئْتُم " هَذِه
رِوَايَة الْحَمَوِيّ وَفِي رِوَايَة غَيره " إِن شِئْت "
قَوْله " فِي الصَّفّ " هَذِه رِوَايَة الْكشميهني وَفِي
رِوَايَة غَيره " من الصَّفّ " قَوْله " فَرفع أَبُو بكر
يَدَيْهِ " هَذِه رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة
غَيره " يَده " بِالْإِفْرَادِ قَوْله " من نابه شَيْء "
أَي من نزل بِهِ أَمر من الْأُمُور قَوْله " حَيْثُ أَشرت
إِلَيْك " وَفِي رِوَايَة الْكشميهني " حِين أَشرت إِلَيْك
" |