عمدة القاري شرح صحيح البخاري

75 - (بابُ أخذِ صَدَقَةِ التَّمْرِ عِنْدَ صِرَامِ النَّخْلِ وهَلْ يُتْرَكُ الصَّبِيُّ فيَمَس تَمْرَ الصَّدَقَةِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَخذ الصَّدَقَة من التَّمْر عِنْد صرام النّخل، بِكَسْر الصَّاد الْمُهْملَة، وَهُوَ: الْجذاذ والقطاف وزنا وَمعنى، وصرام النّخل أَوَان إِدْرَاكه، وأصرم: حَان صرامه، والصرامة: مَا صرم من النّخل، ونخل صريم مصروم، ذكره ابْن سَيّده. وَفِي (المغيث) : قد يكون الصرام النّخل لِأَنَّهُ يصرم أَي: يجتنى ثمره، والصرام التَّمْر بِعَيْنِه أَيْضا لِأَنَّهُ يصرم، فَسمى بِالْمَصْدَرِ. وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: قَوْله: عِنْد صرام النّخل، يُرِيد بعد أَن يصير تَمرا لِأَنَّهُ يصرم النّخل وَهُوَ رطب فيثمر فِي المربد، وَلَكِن ذَاك لَا يَتَطَاوَل، فَحسن أَن ينْسب إِلَيْهِ. قَوْله: (وَهل يتْرك الصَّبِي؟) تَرْجَمَة أُخْرَى، وللترجمة الأولى تعلق بقوله

(9/77)


تَعَالَى: {وَآتوا حَقه يَوْم حَصَاده} (الْأَنْعَام: 141) . وَاخْتلفُوا فِي قَوْله: {حَقه} (الْأَنْعَام: 141) . فَعَن ابْن عَبَّاس: هِيَ الْوَاجِبَة، وَعَن ابْن عمر: هُوَ شَيْء سوي الزَّكَاة، وَبِه قَالَ عَطاء وَغَيره، وللترجمة الثَّانِيَة تعلق بِالتّرْكِ، وَلكنه ذكره بِلَفْظ الِاسْتِفْهَام لاحْتِمَال أَن يكون النَّهْي خَاصّا بِمن لَا يحل لَهُ تنَاول الصَّدَقَة. فَإِن قلت: الصَّبِي لَا يتَوَجَّه إِلَيْهِ الْخطاب؟ قلت: وليه يُخَاطب بتأديبه وتعليمه. قَوْله: (فيمس) ، بِالنّصب لِأَنَّهُ جَوَاب الِاسْتِفْهَام.

5841 - حدَّثنا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ الأسَدِيُّ قَالَ حدَّثنا أبي قَالَ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ طَهْمَانَ عنْ مُحَمَّدِ بنِ زِيادٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ كانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُؤتى بِالتَّمْرِ عِنْدَ صِرَامِ النَّخْلِ فيَجِيءُ هاذا بِتَمْرِهِ وَهاذا مِنْ تَمرِهِ حَتَّى يَصِيرَ عِنْدَهْ كَوْما مِنْ تَمْر فجَعَلَ الحَسنُ والحُسَينُ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا يلْعَبَانِ بِذالِكَ التَّمْرِ فأخذَ أحَدُهُمَا تَمْرَةً فَجعَلَهُ فِي فِيهِ فنَظَرَ إلَيْهِ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأخْرَجَهَا مِنْ فِيهِ فَقَالَ أمَا عَلِمْتَ أنَّ آلَ مُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يأْكُلونَ الصَّدَقَةَ.
مطابقته للترجمتين ظَاهِرَة لِأَن مطابقته للأولى فِي قَوْله: (عِنْد صرام النّخل) ، وللثانية فِي قَوْله: (فَجعل الْحسن. .) إِلَى آخِره.
ذكر رِجَاله: وهم: خَمْسَة: الأول: عمر بن مُحَمَّد بن الْحسن الْمَعْرُوف بِابْن التل، بِفَتْح الثَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَتَشْديد اللَّام: الْأَسدي، بِسُكُون السِّين الْمُهْملَة. وَحكى الغساني: الْأَزْدِيّ، بالزاي بدل السِّين، مَاتَ سنة خمسين وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: أَبوهُ مُحَمَّد بن الْحسن أَبُو جَعْفَر، مَاتَ سنة مِائَتَيْنِ. الثَّالِث: إِبْرَاهِيم بن طهْمَان، بِفَتْح الطَّاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْهَاء، مر فِي: بَاب الْقِسْمَة وَتَعْلِيق القنو فِي الْمَسْجِد. الرَّابِع: مُحَمَّد بن زِيَاد، بِكَسْر الزَّاي وخفة الْيَاء آخر الْحُرُوف، مر فِي: بَاب غسل الأعقاب. الْخَامِس: أَبُو هُرَيْرَة.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَأَنه أول مَا ذكره هُنَا وَأَنه وأباه كوفيان وَإِبْرَاهِيم هروي سكن نيسابور، ثمَّ سكن مَكَّة وَأَن مُحَمَّد بن زِيَاد مدنِي. وَفِيه: رِوَايَة الإبن عَن الْأَب.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره قد أخرج البُخَارِيّ، رَحمَه الله تَعَالَى، هَذَا الحَدِيث من طَرِيق شُعْبَة: عَن مُحَمَّد بن زِيَاد عَن أبي هُرَيْرَة عَن قريب يَأْتِي فِي: بَاب مَا يذكر فِي الصَّدَقَة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأخرجه أَيْضا فِي الْجِهَاد: عَن مُحَمَّد بن بشار. وَأخرجه مُسلم من طَرِيق شُعْبَة هَذَا عَن مُحَمَّد هُوَ: ابْن زِيَاد، سمع أَبَا هُرَيْرَة يَقُول: (أَخذ الْحسن بن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، تَمْرَة من تمر الصَّدَقَة فَجَعلهَا فِي فِيهِ، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كخ كخ إرم بهَا، أما علمت أنّا لَا نَأْكُل الصَّدَقَة؟) وَفِي رِوَايَة لَهُ: (أنّا لَا تحل لنا الصَّدَقَة) . وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي (السّير) : عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى عَن خَالِد بن الْحَارِث عَن شُعْبَة.
وَفِي الْبَاب عَن أبي رَافع، وَأنس وَأبي هُرَيْرَة وَالْحسن بن عَليّ وَابْن عَبَّاس وَعبد الله بن عَمْرو وَعبد الرَّحْمَن بن عَلْقَمَة وَمُعَاوِيَة بن حيدة وَعبد الْمطلب بن ربيعَة وَأبي ليلى وَبُرَيْدَة بن حصيب وسلمان الْفَارِسِي وهرمز أَو كيسَان مولى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورشيد بن مَالك وَمَيْمُون أَو مهْرَان وَالْحُسَيْن بن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. فَحَدِيث أبي رَافع أخرجه أَبُو دَاوُد، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن كثير، قَالَ: أخبرنَا شُعْبَة عَن الحكم عَن ابْن رَافع (عَن أبي رَافع: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث رجلا على الصَّدَقَة من بني مَخْزُوم، فَقَالَ لأبي رَافع: إصحبني فَإنَّك تصيب مِنْهَا. فَقَالَ: حَتَّى آتِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاسْأَلْهُ، فَأَتَاهُ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: مولى الْقَوْم من أنفسهم، وَإِنَّا لَا تحل لنا الصَّدَقَة) ، وَاسم أبي رَافع: إِبْرَاهِيم أَو أسلم أَو ثَابت أَو هُرْمُز مولى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَاسم ابْنه عبيد الله، كَاتب عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (ورجلاً) ، هُوَ الأرقم بن أبي الأرقم الْقرشِي المَخْزُومِي. وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا عَن عَمْرو بن عَليّ عَن يحيى عَن شُعْبَة. وَحَدِيث أنس أخرجه الشَّيْخَانِ، وسنذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة أخرجه مُسلم، وَلَفظه: (وَالله إِنِّي لأنقلب إِلَى أَهلِي فأجد التمرة سَاقِطَة على فِرَاشِي. أَو

(9/78)


فِي بَيْتِي، فأرفعها لآكلها، ثمَّ أخْشَى أَن تكون صَدَقَة فألقيها) . وَحَدِيث الْحسن بن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من رِوَايَة أبي الْحَوْرَاء، قَالَ: كُنَّا عِنْد الْحسن بن عَليّ، فَسئلَ: مَا عقلت من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ أَو: عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: كنت أَمْشِي مَعَه، فَمر على جرين من تمر الصَّدَقَة، فَأخذت تَمْرَة فألقيتها فِي فمي، فَأَخذهَا بلعابها، فَقَالَ بعض الْقَوْم: وَمَا عَلَيْك لَو تركتهَا؟ فَقَالَ: إنَّا آل مُحَمَّد لَا تحل لنا الصَّدَقَة) . وَإِسْنَاده صَحِيح. وَحَدِيث ابْن عَبَّاس رَوَاهُ أَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من حَدِيث عِكْرِمَة عَنهُ قَالَ: (اسْتعْمل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الأرقم ابْن أبي الأرقم على السّعَايَة، فاستتبع أَبَا رَافع، فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُ فَقَالَ: يَا أَبَا رَافع {إِن الصَّدَقَة حرَام عَليّ وعَلى آل مُحَمَّد، وَإِن مولى الْقَوْم من أنفسهم) . وَحَدِيث عبد الله بن عَمْرو رَوَاهُ أَحْمد، حَدثنَا وَكِيع حَدثنَا أُسَامَة بن زيد عَن عمر بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وجد تَمْرَة تَحت جنبه من اللَّيْل فَأكلهَا، فَلم ينم تِلْكَ اللَّيْلَة، فَقَالَ بعض نِسَائِهِ: يَا رَسُول الله أرقت البارحة} قَالَ: إِنِّي وجدت تَمْرَة فَأَكَلتهَا. وَكَانَ عندنَا تمر من تمر الصَّدَقَة فَخَشِيت أَن تكون مِنْهُ) . وَحَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عَلْقَمَة أخرجه النَّسَائِيّ عَنهُ، قَالَ: (قدم وَفد الثقيف على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمَعَهُمْ هَدِيَّة، فَقَالَ: أهدية أم صَدَقَة ... ؟) الحَدِيث. وَفِيه: (قَالُوا: لَا، بل هَدِيَّة، فقبلها مِنْهُم وَقعد مَعَهم يسائلهم ويسائلونه حَتَّى صلى الظّهْر مَعَ الْعَصْر) . وَحَدِيث مُعَاوِيَة بن حيدة رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن بنْدَار مُحَمَّد بن بشار حَدثنَا مكي بن إِبْرَاهِيم ويوسف ابْن سعد الضبعِي، قَالَا: حَدثنَا بهز بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده، قَالَ: (كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أُتِي بِشَيْء سَأَلَ: أصدقة هِيَ أم هَدِيَّة؟ فَإِن قَالُوا: صَدَقَة، لم يَأْكُل وَإِن قَالُوا: هَدِيَّة، أكل) . وجد بهز بن حَكِيم اسْمه مُعَاوِيَة بن حيدة القريشي وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا. وَحَدِيث عبد الْمطلب بن ربيعَة رَوَاهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ مطولا. وَفِيه: (إِن الصَّدَقَة لَا تنبغي إِنَّمَا هِيَ أوساخ النَّاس) ، وَفِي رِوَايَة: (إِن هَذِه الصَّدَقَة إِنَّمَا هِيَ أوساخ النَّاس، وَإِنَّهَا لَا تحل لمُحَمد وَلَا لآل مُحَمَّد) ، الحَدِيث. وَحَدِيث أبي ليلى رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من رِوَايَة شريك عَن عبد الله بن عِيسَى عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى (عَن أبي ليلى قَالَ: دخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيت الصَّدَقَة وَمَعَهُ الْحسن، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَأخذ تَمْرَة فوضعها فِي فِيهِ، فَأدْخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إصبعه فأخرجها من فِيهِ، ثمَّ قَالَ: إنّا أهل بَيت لَا تحل لنا الصَّدَقَة) . وَحَدِيث بُرَيْدَة بن حصيب رَوَاهُ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل من رِوَايَة الْحسن بن وَاقد (عَن عبد الله بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه، قَالَ: جَاءَ سلمَان إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين قدم الْمَدِينَة بمائدة عَلَيْهَا رطب، فوضعها بَين يَدي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا هَذَا يَا سلمَان؟ قَالَ: صَدَقَة عَلَيْك وعَلى أَصْحَابك. قَالَ: إرفعها فَإنَّا لَا نَأْكُل الصَّدَقَة) . وَحَدِيث سلمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رَوَاهُ أَحْمد وَالْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك) من رِوَايَة أبي ذَر الْكِنْدِيّ عَن سلمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لما قدم الْمَدِينَة) الحَدِيث، وَفِيه: (فَسَأَلَهُ: أصدقة أم هَدِيَّة؟ فَقَالَ: هَدِيَّة، فَأكل) . اللَّفْظ للْحَاكِم، وروى أَحْمد من رِوَايَة أبي الطُّفَيْل (عَن سلمَان، قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقبل الْهَدِيَّة وَلَا يقبل الصَّدَقَة) . وَحَدِيث هُرْمُز أَو كيسَان رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا ربيع الْمُؤَذّن، قَالَ: حَدثنَا أَسد، قَالَ: حَدثنَا وَرْقَاء بن عمر (عَن عَطاء بن السَّائِب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: دخلت على أم كُلْثُوم بنت عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، فَقَالَت: إِن مولى لنا يُقَال لَهُ هُرْمُز أَو كيسَان أَخْبرنِي أَنه مر على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فدعاني فَجئْت، فَقَالَ: يَا فلَان إنّا أهل بَيت قد نهينَا أَن نَأْكُل الصَّدَقَة، وَإِن مولى الْقَوْم من أنفسهم، فَلَا تَأْكُل الصَّدَقَة) . وَأخرجه أَحْمد فِي (مُسْنده) وَقَالَ: مهْرَان، وَأخرجه الْبَغَوِيّ فِي (مُعْجم الصَّحَابَة) وَقَالَ: هُرْمُز، وَأخرجه ابْن أبي شيبَة، وَقَالَ: كيسَان، وَأخرجه عبد الرَّزَّاق وَقَالَ: مَيْمُون أَو مهْرَان. وَحَدِيث رشيد، بِضَم الرَّاء وَفتح الشين الْمُعْجَمَة: ابْن مَالك بن عميرَة السَّعْدِيّ التَّمِيمِي الصَّحَابِيّ، عداده فِي الْكُوفِيّين، ويكنى بِأبي عميرَة، بِفَتْح الْعين وَكسر الْمِيم، أخرجه الطَّحَاوِيّ عَنهُ قَالَ: (كُنَّا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأتي بطبق عَلَيْهِ تمر، فَقَالَ: أصدقة أم هَدِيَّة؟ قَالَ: بل صَدَقَة، فَوَضعه بَين يَدي الْقَوْم وَالْحسن يتعفر بَين يَدَيْهِ، وَأخذ الصَّبِي تَمْرَة فَجَعلهَا فِي فِيهِ، فَأدْخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إصبعه فَجعل يترفق بِهِ، فأخرجها فقذفها، ثمَّ قَالَ: إنّا آل مُحَمَّد لَا نَأْكُل الصَّدَقَة) . وَأخرجه الْكَجِّي فِي (مُسْنده) نَحوه. قَوْله: (يتعفر) ، أَي: يتمرغ بِالتُّرَابِ، لِأَنَّهُ كَانَ صَغِيرا يلْعَب. وَحَدِيث مَيْمُون أَو مهْرَان رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق، وَقد

(9/79)


ذَكرْنَاهُ الْآن. وَحَدِيث الْحُسَيْن بن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، رَوَاهُ أَحْمد فِي (مُسْنده) : حَدثنَا وَكِيع، قَالَ: حَدثنَا ثَابت ابْن عمَارَة عَن ربيعَة بن شَيبَان، قَالَ: قلت للحسين بن عَليّ: مَا تعقل عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: صعدت غرفَة فَأخذت تَمْرَة فلكتها فِي فيّ قَالَ: فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ألقها، فَإنَّا لَا تحل لنا الصَّدَقَة، وَقد تقدم حَدِيث الْحسن بن عَليّ على نَحْو هَذَا، وَكِلَاهُمَا من رِوَايَة أبي الْحَوْرَاء عَنهُ، وَأَبُو الْحَوْرَاء هُوَ ربيعَة بن شَيبَان، قَالَ شَيخنَا زين الدّين: الظَّاهِر أَنَّهُمَا وَاقِعَتَانِ لكل وَاحِد وَاحِدَة، فالحسن مر على جرين تمر، وَالْحُسَيْن صعد غرفَة فِيهَا تمر الصَّدَقَة، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ، وَفِي رِوَايَته الْحسن مكبر، وطرق حَدِيثه أَكثر من طرق حَدِيث الْحُسَيْن، وَالله أعلم.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (عِنْد صرام النّخل) أَي: عِنْد جذاذه، وَهُوَ قطع التمرة مِنْهُ، وَقد ذَكرْنَاهُ. قَوْله: (كوما) ، بِفَتْح الْكَاف وَسُكُون الْوَاو، وَهُوَ مَعْرُوف، وَأَصله: الْقطع الْعَظِيمَة من الشَّيْء، وَالْمرَاد بِهِ: مَا اجْتمع من التَّمْر كالصرمة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: كوما، بِضَم الْكَاف. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: يُقَال: كومت كومة، بِالضَّمِّ: إِذا جمعت قِطْعَة من تُرَاب وَرفعت رَأسهَا، وَهُوَ فِي الْكَلَام بِمَنْزِلَة قَوْلك: صبرَة من الطَّعَام. قَالَ: وَفِي بعض الرِّوَايَة بِالْفَتْح. وانتصاب كوما على أَنه خبر: يصير، أَي: حَتَّى يصير التَّمْر عِنْده كوما ويروى: كوم، بِالرَّفْع على أَنه اسْم: يصير، وَيكون: يصير، تَامَّة فَلَا تحْتَاج إِلَى خبر. قَوْله: (من تمر) كلمة: من، بَيَانِيَّة، وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَالَ أَولا بثمرة يَعْنِي بِالْبَاء، وَهنا قَالَ: من تمر، يَعْنِي بِكَلِمَة: من، لِأَن فِي الأول ذكر المجبىء بِهِ، وَفِي الثَّانِي المجىء عَنهُ، وهما متلازمان وَإِن تغايرا مفهوما. قَوْله: (فَأخذ أَحدهمَا) وَهُوَ الْحسن مكبر كَمَا سَيَأْتِي بعد بَابَيْنِ من رِوَايَة شُعْبَة عَن مُحَمَّد بن زِيَاد بِلَفْظ: فَأخذ الْحسن بن عَليّ. قَوْله: (فَجعله) إِنَّمَا ذكّر الضَّمِير الَّذِي يرجع إِلَى: التمرة، بِاعْتِبَار الْمَأْخُوذ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فَجَعلهَا، أَي: التمرة على الأَصْل. قَوْله: (فِي فِيهِ) أَي: فِي فَمه، وَفِي الْفَم تسع لُغَات: تثليث الْفَاء مَعَ تَخْفيف الْمِيم وَالنَّقْص وَفتح الْفَاء وَضمّهَا مَعَ تَشْدِيد الْمِيم وَفتحهَا وَضمّهَا وَكسرهَا مَعَ التَّخْفِيف وَالْقصر. قَوْله: وَحكى ابْن الْأَعرَابِي فِي تثنيته: فموان وفميان، وَحكى اللحياني أَنه يُقَال: فَم وأفمام، واللغة التَّاسِعَة: النَّقْص وَاتِّبَاع الْفَاء الْمِيم فِي الحركات الإعرابية، تَقول: هَذَا فَمه، وَرَأَيْت فَمه، وَنظرت إِلَى فَمه. قَوْله: (أما علمت؟) ويروى بِدُونِ همزَة الِاسْتِفْهَام لَكِنَّهَا مقدرَة. قَوْله: (إِن آل مُحَمَّد) آل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَنو هَاشم خَاصَّة عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك، وَعند الشَّافِعِي: هم بَنو هَاشم وَبَنُو الْمطلب، وَبِه قَالَ بعض الْمَالِكِيَّة. قَالَ القَاضِي: وَقَالَ بعض الْعلمَاء: هم قُرَيْش كلهَا. وَقَالَ إصبغ الْمَالِكِي: هم بَنو قصي، وَبَنُو هَاشم هم آل عَليّ، وَآل عَبَّاس وَآل جَعْفَر وَآل عقيل وَآل الْحَارِث بن عبد الْمطلب، وهَاشِم هُوَ ابْن عبد منَاف بن قصي بن كلاب بن مرّة فَافْهَم. وَفِي (التَّوْضِيح) : وَقَالَت الْمَالِكِيَّة: بَنو هَاشم آل، وَمَا فَوق غَالب لَيْسَ بآل، وَفِيمَا بَينهمَا قَولَانِ. وَقَالَ إصبغ: هم عترته الأقربون الَّذين ناداهم حِين أنزل الله {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} (الشُّعَرَاء: 412) . وهم آل عبد الْمطلب وهَاشِم وَعبد منَاف وقصي وغالب، وَقد قيل: قُرَيْش كلهَا. وَقَالَ ابْن حبيب: لَا يدْخل فِي آله من كَانَ فَوق بني هَاشم من بني عبد منَاف أَو من قصي أَو غَيرهم، وَكَذَا فسر ابْن الْمَاجشون ومطرف، وَحَكَاهُ الطَّحَاوِيّ عَن أبي حنيفَة. وعَلى قَول إصبغ: لَا يَأْخُذهَا الحلفاء الثَّلَاثَة الأول وَلَا عبد الرَّحْمَن وَلَا سعيد بن أبي وَقاص وَلَا طَلْحَة وَلَا الزبير وَلَا سعد وَلَا أَبُو عُبَيْدَة. وَقَالَ: الْأَصَح عندنَا إِلْحَاق مواليهم بهم، وَبِه قَالَ الْكُوفِيُّونَ وَالثَّوْري، وَعند الْمَالِكِيَّة قَولَانِ لِابْنِ الْقَاسِم وإصبغ. قَالَ إصبغ: احتججت على ابْن الْقَاسِم بِالْحَدِيثِ: مولى الْقَوْم مِنْهُم، فَقَالَ: قد جَاءَ حَدِيث آخر: ابْن أُخْت الْقَوْم مِنْهُم، فَكَذَلِك حَدِيث الْمولى، وَإِنَّمَا تَفْسِير: مولى الْقَوْم مِنْهُم، فِي الْبر كَمَا فِي حَدِيث: (أَنْت وَمَالك لأَبِيك) ، أَي فِي: الْبر لَا فِي الْقَضَاء واللزوم، وَنقل ابْن بطال عَن مَالك وَالشَّافِعِيّ وَابْن الْقَاسِم الْحل، وَمَا حَكَاهُ عَن الشَّافِعِي غَرِيب.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: أَن الصَّدَقَة لَا تحل لآل مُحَمَّد، وَفِي (الذَّخِيرَة) للقرافي: إِن الصَّدَقَة مُحرمَة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِجْمَاعًا. وَفِي (الْمُغنِي) : الظَّاهِر أَن الصَّدَقَة فَرضهَا ونفلها كَانَت مُحرمَة على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَالَ ابْن شَدَّاد فِي (أَحْكَامه) : اخْتلف النَّاس فِي تَحْرِيم الصَّدَقَة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَذكر ابْن تَيْمِية فِي الصَّدَقَة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجْهَيْن، وَللشَّافِعِيّ قَوْلَيْنِ. قَالَ: وَإِنَّمَا تَركهَا تنزها. وَعَن أَحْمد: حل صَدَقَة التَّطَوُّع لَهُ، وَفِي (نِهَايَة الْمطلب) يحرم

(9/80)


فَرضهَا ونفلها على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالْأَئِمَّة على تَحْرِيمهَا على قرَابَته، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَالَ الْأَبْهَرِيّ الْمَالِكِي: يحل لَهُم فَرضهَا ونفلها، وَهُوَ رِوَايَة عَن أبي حنيفَة. وَقَالَ الْإِصْطَخْرِي: إِن منعُوا الْخمس جَازَ صرف الزَّكَاة إِلَيْهِم، وروى ابْن أبي سَمَّاعَة عَن أبي يُوسُف أَن زَكَاة بني هَاشم تحل لبني هَاشم، وَلَا يحل ذَلِك لَهُم من غَيرهم. وَفِي (الْيَنَابِيع) : يجوز للهاشمي أَن يدْفع زَكَاته للهاشمي عِنْد أبي حنيفَة، وَلَا يجوز عِنْد أبي يُوسُف، وَفِي (جَوَامِع الْفِقْه) : يكره للهاشمي عِنْد أبي يُوسُف، خلافًا لمُحَمد، وروى أَبُو عصمَة عَن أبي حنيفَة جَوَاز دَفعهَا إِلَى الْهَاشِمِي فِي زَمَانه. قَالَ الطَّحَاوِيّ: هَذِه الرِّوَايَة عَن أبي حنيفَة لَيست بالمشهورة. وَفِي (الْمَبْسُوط) : يجوز دفع صَدَقَة التَّطَوُّع والأوقاف إِلَى بني هَاشم، مَرْوِيّ عَن أبي يُوسُف وَمُحَمّد فِي (النَّوَادِر) وَفِي (شرح مُخْتَصر الْكَرْخِي) و (الْإِسْبِيجَابِيّ) و (الْمُفِيد) إِذا سموا فِي الْوَقْف، وَفِي الْكَرْخِي: إِذا أطلق الْوَقْف لَا يجوز لِأَن حكمهم حكم الْأَغْنِيَاء. وَفِي (شرح الْقَدُورِيّ) : الصَّدَقَة الْوَاجِبَة كَالزَّكَاةِ وَالْعشر وَالنُّذُور وَالْكَفَّارَات لَا تجوز لَهُم، وَأما الصَّدَقَة على وَجه الصِّلَة والتطوع فَلَا بَأْس، وَجوز بعض الْمَالِكِيَّة صَدَقَة التَّطَوُّع لَهُم، وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، وَعند الشَّافِعِيَّة فِيهَا وَجْهَان، وَفِي النذور خلاف عِنْدهم، ذكر ذَلِك إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي (النِّهَايَة) . وَفِي (التَّوْضِيح) ، وَفِي الحَدِيث دلَالَة وَاضِحَة على تَحْرِيم الصَّدَقَة على آله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ، وللمالكية فِي إعطائهم من الصَّدَقَة أَرْبَعَة أَقْوَال: الْجَوَاز، وَالْمَنْع، ثَالِثهَا: يُعْطون من التَّطَوُّع دون الْوَاجِب، رَابِعهَا: عَكسه، لِأَن الْمِنَّة قد تقع فِيهَا، وَالْمَنْع أولاها، وَقَالَ الطَّبَرِيّ، فِي مقَالَة أبي يُوسُف: لَا الْقيَاس أصَاب وَلَا الْخَبَر اتبع، وَذَلِكَ أَن كل صَدَقَة وَزَكَاة أوساخ النَّاس وغسالة ذنُوب من أخذت مِنْهُ هاشميا أَو مطلبيا، وَلم يفرق الله وَلَا رَسُوله بَين شَيْء مِنْهَا بافتراق حَال الْمَأْخُوذ ذَلِك مِنْهُ، قَالَ: وَصَاحبه أَشد قولا مِنْهُ، لِأَنَّهُ لزم ظَاهر التَّنْزِيل، وَهُوَ {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء} (التَّوْبَة: 06) . الْآيَة، وَأنكر الْأَخْبَار الْوَارِدَة بتحريمها على بني هَاشم، فَلَا ظَاهر التَّنْزِيل لزموا وَلَا بالْخبر قَالُوا. قلت: هَذَا كَلَام صادر من غير روية ناشيء عَن تعصب بَاطِل، وَأَبُو يُوسُف من أعرف النَّاس بموارد التَّنْزِيل وأعلمهم بِتَأْوِيل الْأَخْبَار ومداركها، وَهَذَا الطَّحَاوِيّ الَّذِي هُوَ من أكبر أَئِمَّة الحَدِيث وأدرى النَّاس بِمذهب أبي حنيفَة وأقوال صَاحبه نقل عَن أبي يُوسُف: أَن التَّطَوُّع يحرم على بني هَاشم، فَإِذا كَانَ التَّطَوُّع حَرَامًا فالفرض أَشد حُرْمَة، ثمَّ إِنْكَار الطَّبَرِيّ على صَاحب أبي يُوسُف: أَن التَّطَوُّع يحرم على بني هَاشم، فَإِذا كَانَ التَّطَوُّع حَرَامًا فالفرض أَشد حُرْمَة، ثمَّ إِنْكَار الطبريي على صَاحب أبي يُوسُف الَّذِي هُوَ الإِمَام أَبُو حنيفَة أَشد شناعة وأقبح إِشَاعَة حَيْثُ يَقُول: إِنَّه أنكر الْأَخْبَار الْوَارِدَة بتحريمها، فَفِي أَي مَوضِع ذكر هَذَا عَنهُ على هَذِه الصِّيغَة؟ وَالْمَنْقُول عَنهُ أَنه قطّ لَا يذهب إِلَى الْقيَاس إلاَّ عِنْد عدم النَّص من الشَّارِع، فعادة هَؤُلَاءِ المتعصبين أَن ينسبوا رِوَايَة سقيمة أَو شَاذَّة إِلَى إِمَام من الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، ثمَّ ينكروا عَلَيْهِ بذلك بِمَا لَا تحل نسبته إِلَى أحد مِنْهُم.
وَفِيه: من الْفَوَائِد: دفع الصَّدقَات إِلَى السُّلْطَان. وَفِيه: أَن السّنة أَخذ صَدَقَة التَّمْر عِنْد جذاذة لقَوْله تَعَالَى: {وَآتوا حَقه يَوْم حَصَاده} (الْأَنْعَام: 141) . فَإِن أخرجهَا عِنْد محلهَا فسرقت، فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: يَجْزِي عَنهُ، وَهُوَ قَول الْحسن، وَقَالَ الزُّهْرِيّ وَالثَّوْري وَأحمد: هُوَ ضَامِن لَهَا حَتَّى يَضَعهَا موَاضعهَا. وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن كَانَ بَقِي لَهُ من مَاله مَا فِيهِ زَكَاة زَكَّاهُ، وَأما إِذا أخر إخْرَاجهَا حَتَّى هَلَكت؟ فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: إِذا أمكن الْأَدَاء بعد حُلُول الْحول وفرط حَتَّى هلك المَال، فَعَلَيهِ الضَّمَان. وَفِيه: أَن الْمَسْجِد قد ينْتَفع بِهِ فِي أَمر جمَاعَة الْمُسلمين فِي غير الصَّلَاة، أَلا يرى أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جمع فِيهِ الصَّدقَات وَجعله مخرجا لَهَا، وَكَذَلِكَ أَمر أَن يوضع فِيهِ مَال الْبَحْرين حَتَّى قسمه فِيهِ، وَكَذَلِكَ كَانَ يقْعد فِيهِ للوفود وَالْحكم بَين النَّاس، وَمثل ذَلِك مِمَّا هُوَ أبين مِنْهُ: لعب الْحَبَشَة بالحراب وَتعلم المثاقفة، وكل ذَلِك إِذا كَانَ شَامِلًا لجَماعَة الْمُسلمين، وَأما إِذا كَانَ الْعَمَل لخاصة نَفسه فَيكْرَه مثل: الْخياطَة وَنَحْوهَا، وَقد كره قوم التَّأْدِيب فِيهِ لِأَنَّهُ خَاص، وَرخّص فِيهِ آخَرُونَ لما يُرْجَى من نفع تعلم الْقُرْآن فِيهِ. وَفِيه: جَوَاز دُخُول الْأَطْفَال فِيهِ واللعب فِيهِ بِغَيْر مَا يسْقط حرمته إِذا كَانَ الْأَطْفَال إِذا نهوا انْتَهوا. وَفِيه: أَنه يَنْبَغِي أَن يتَجَنَّب الْأَطْفَال مَا يتَجَنَّب الْكِبَار من الْمُحرمَات. وَفِيه: أَن الْأَطْفَال إِذا نهوا عَن الشَّيْء يجب أَن يعرفوا لأي شَيْء نهوا عَنهُ ليكونوا على علم إِذا جَاءَهُم أَوَان التَّكْلِيف. وَفِيه: أَن لأولياء الصغار المعاتبة عَلَيْهِم والحول بَينهم وَبَين مَا حرم الله على عباده، أَلا يرى أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم استخرج التَّمْر من الصَّدَقَة من فَم الْحسن وَهُوَ طِفْل لَا تلْزمهُ الْفَرَائِض وَلم تجر عَلَيْهِ الأقلام؟ فَبَان بذلك أَن الْوَاجِب على ولي الطِّفْل وَالْمَعْتُوه، إِذا رَآهُ يتَنَاوَل خمرًا يشْربهَا، أَو لحم خِنْزِير يَأْكُلهُ، أَو مَالا لغيره يتلفه، أَن يمنعهُ من فعله ويحول بَينه وَبَين ذَلِك. وَقَالَ صَاحب

(9/81)


(التَّوْضِيح) : وَفِيه: الدَّلِيل الْوَاضِح على صِحَة قَول الْقَائِل: إِن على ولي الصَّغِيرَة الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا أَن يجنبها الطّيب والزينة وَالْمَبِيت عَن الْمسكن الَّذِي تسكنه، وَالنِّكَاح وَجَمِيع مَا يجب على البالغات المعتدات اجتنابه، وعَلى خطأ قَول الْقَائِل: لَيْسَ ذَلِك على الصَّغِيرَة اعتلالاً مِنْهُم بِأَنَّهَا غير متعبدة بِشَيْء من الْفَرَائِض، لِأَن الْحسن كَانَ لَا يلْزمه الْفَرَائِض، فَلم يكن لإِخْرَاج التمرة من فِيهِ معنى إلاَّ من أجل مَا كَانَ على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَنعه مَا على الْمُكَلّفين مِنْهُ من أجل أَنه وليه. قلت: يلْزمهُم على هَذَا أَن يجتنبوا عَن إلباسهم الصغار الْحَرِير، وَمَعَ هَذَا جوزوا ذَلِك، وقياسهم الْمَسْأَلَة الْمَذْكُورَة على قَضِيَّة الْحسن غير صَحِيح، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا منع الْحسن عَن ذَلِك إلاَّ لأجل أَنه من جزئه، وَلَيْسَ ذَلِك لأجل مَا كَانَ عَلَيْهِ من مَنعه مَا على الْمُكَلّفين من ذَلِك، وَالتَّعْلِيل بِأَنَّهَا غير متعبدة بِشَيْء من الْفَرَائِض صَحِيح لَا نزاع فِيهِ لأحد، واعترافهم بِصِحَّة السَّنَد يلْزمهُم باعتراف الحكم بِهِ على مَا لَا يخفى على المتأمل.

85 - (بابُ مَنْ باعَ ثِمَارَهُ أوْ نَخْلَهُ أوْ أرْضَهُ أوُ زَرْعَهُ وقَدْ وجَبَ فِيهِ العُشْرُ أَو الصَّدَقَة فأدَّى الزَّكَاةَ مِنْ غَيْرِهِ أوْ بَاعَ ثِمَارَهُ ولَمْ تَجِبْ فِيهِ الصَّدَقَةُ وقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاَ تَبِيعُوا الثَّمَرَةَ حَتَّى يَبْدُو صَلاَحُهَا فَلَمْ يَحْظُرِ البَيْعَ بَعْدَ الصَّلاَحِ عَلى أحَدٍ ولَمْ يَخُصَّ مَنْ وَجَبَ عليهِ الزَّكَاةُ مِمَّنْ لَمْ تَجِبْ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من بَاعَ ثماره أَو بَاعَ نخله أَو بَاعَ أرضه أَو بَاعَ زرعه، وَالْحَال أَنه قد وَجب فِيهِ الْعشْر أَو الصَّدَقَة، أَي: الزَّكَاة، فَأدى الزَّكَاة من غير مَا بَاعَ من هَذِه الْأَشْيَاء، أَو بَاعَ ثماره وَلم تجب فِيهِ الصَّدَقَة، وَهُوَ تَعْمِيم بعد تَخْصِيص، وَالْمرَاد من النّخل الَّتِي عَلَيْهَا الثِّمَار، وَمن الأَرْض الَّتِي عَلَيْهَا الزَّرْع، لِأَن الصَّدَقَة لَا تجب فِي نفس النّخل وَالْأَرْض، وَهَذَا يحْتَمل ثَلَاثَة أَنْوَاع من البيع. الأول: بيع الثَّمَرَة فَقَط. الثَّانِي: بيع النّخل فَقَط. الثَّالِث: بيع التَّمْر مَعَ النّخل، وَكَذَا بيع الزَّرْع مَعَ الأَرْض أَو بِدُونِهَا أَو بِالْعَكْسِ، وَجَوَاب: من، مَحْذُوف تَقْدِيره: من بَاعَ ثماره ... إِلَى آخِره جَازَ بَيْعه فِيهَا، فدلت هَذِه التَّرْجَمَة على أَن البُخَارِيّ يرى جَوَاز بيع الثَّمَرَة بعد بَدو صَلَاحهَا، سَوَاء وَجب عَلَيْهِ الزَّكَاة أم لَا. وَقَالَ ابْن بطال: غَرَض البُخَارِيّ الرَّد على الشَّافِعِي حَيْثُ قَالَ بِمَنْع البيع بعد الصّلاح حَتَّى يُؤَدِّي الزَّكَاة مِنْهَا، فَخَالف إِبَاحَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ. قَوْله: (وَقَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، بِالْجَرِّ عطف على قَوْله: (من بَاعَ) ، لِأَنَّهُ مجرور محلا بِالْإِضَافَة، وَالتَّقْدِير: وَبَاب قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تَبِيعُوا ... الحَدِيث، وَهَذَا مُعَلّق سَنَده من حَدِيث ابْن عمر على مَا يَأْتِي عَن قريب إِن شَاءَ الله تَعَالَى. قَوْله: (لَا تَبِيعُوا الثَّمَرَة) يَعْنِي بِدُونِ النَّخْلَة، (حَتَّى يَبْدُو) أَي: حَتَّى يظْهر صَلَاحهَا، وَإِنَّمَا قَدرنَا هَذَا لجَوَاز بيعهَا مَعهَا قبل بَدو الصّلاح إِجْمَاعًا. قَوْله: (فَلم يحظر) من كَلَام البُخَارِيّ، وَهُوَ بالظاء الْمُعْجَمَة، من الْحَظْر، وَهُوَ الْمَنْع وَالتَّحْرِيم، وَهُوَ على بِنَاء الْفَاعِل، وَالضَّمِير الَّذِي فِيهِ يرجع إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَي: لم يحرم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم البيع بعد الصّلاح على أحد، سَوَاء وَجَبت عَلَيْهِ الزَّكَاة أَو لَا. وَأَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: (وَلم يخص) أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من وَجَبت عَلَيْهِ الزَّكَاة مِمَّن لم تجب عَلَيْهِ، وَبِهَذَا رد البُخَارِيّ على الشَّافِعِي فِي أحد قوليه: إِن البيع فَاسد، لِأَنَّهُ بَاعَ مَا يملك وَمَا لَا يملك، وَهُوَ نصيب الْمَسَاكِين، ففسدت الصَّفْقَة، وَإِنَّمَا ذكر قَوْله: (فَلم يحظر) بِالْفَاءِ لِأَنَّهُ تَفْسِير لما قبله.

6841 - حدَّثنا حَجَّاجٌ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبرنِي عَبْدُ الله بنُ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْتُ ابنَ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا نهَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ بَيْعِ الثمَرَةِ حَتى يبْدُو صَلاَحُهَا وكانَ إِذا سُئِلَ عنْ صَلاحِهَا قَالَ حتَّى تَذْهَبَ عاهَتُهُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهُ أسْند ذَلِك الَّذِي علقه فِيمَا قبل، وَهُوَ قَوْله: وَقَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا تَبِيعُوا الثَّمَرَة حَتَّى يَبْدُو صَلَاحهَا) .
ذكر رِجَاله: وهم: أَرْبَعَة قد ذكرُوا غير مرّة، وَالْحجاج هُوَ ابْن الْمنْهَال.
وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي

(9/82)


موضِعين. وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْإِفْرَاد. وَفِيه: السماع، وَهُوَ من الرباعيات.
ذكر من أخرجه غَيره أخرجه مُسلم فِي الْبيُوع عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر عَن شُعْبَة عَن عبد الله بن دِينَار إِلَى آخِره نَحوه، وَفِي لفظ لَهُ: (نهى عَن بيع الثَّمَرَة حَتَّى يَبْدُو صَلَاحهَا، نهى البَائِع والمبتاع) . وَفِي لفظ: نهى عَن بيع النّخل حَتَّى يزهو، وَعَن السنبل حَتَّى يبيض ويأمن العاهة، نهى البَائِع وَالْمُشْتَرِي. وَفِي لفظ: لَا تبْتَاع الثَّمَرَة حَتَّى يَبْدُو صَلَاحهَا وَتذهب عَنْهَا العاهة. وَقَالَ: بَدو صَلَاحه حمرته وصفرته. وَفِي لفظ: (لَا تَبِيعُوا الثَّمر حَتَّى يَبْدُو صَلَاحه) . وَأخرجه أَبُو دَاوُد من حَدِيث مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر مثل رِوَايَة مُسلم وَفِي لفظ لَهُ مثل رِوَايَة مُسلم الثَّالِثَة وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي حَدِيث أَيُّوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن بيع النّخل حَتَّى يزهو) ، وَبِهَذَا الْإِسْنَاد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن بيع السنبل حَتَّى يبيض ويأمن العاهة، نهى البَائِع وَالْمُشْتَرِي وَأخرجه النَّسَائِيّ من حَدِيث أَيُّوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر نَحوه. وَأخرجه ابْن مَاجَه من حَدِيث اللَّيْث بن سعد عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (لَا تَبِيعُوا الثَّمَرَة حَتَّى يَبْدُو صَلَاحهَا البَائِع وَالْمُشْتَرِي) وَلما أخرجه التِّرْمِذِيّ قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن أنس وَعَائِشَة وَأبي هُرَيْرَة وَابْن عَبَّاس وَجَابِر وَأبي سعيد وَزيد بن ثَابت، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. فَحَدِيث أنس عِنْد البُخَارِيّ وَمُسلم. وَحَدِيث عَائِشَة عِنْد أَحْمد: حَدثنَا الحكم حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن أبي الرِّجَال عَن أَبِيه عَن عمْرَة عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا تَبِيعُوا ثماركم حَتَّى يَبْدُو صالحها وتنجو من العاهة) . وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة عِنْد مُسلم، وَلَفظه: (لَا تبتاعوا الثَّمَرَة حَتَّى يَبْدُو صَلَاحهَا) . وَحَدِيث ابْن عَبَّاس. وَحَدِيث جَابر عِنْد البُخَارِيّ على مَا يَأْتِي، وَلَفظه عِنْد أبي دَاوُد: (نهى أَن تبَاع الثَّمَرَة حَتَّى تشقح، قيل: وَمَا تشقح؟ قَالَ: تحمار وتصفار) . وَحَدِيث أبي سعيد عِنْد الْبَزَّار، وَلَفظه: (لَا تَبِيعُوا الثَّمَرَة حَتَّى يَبْدُو صَلَاحهَا. قيل: وَمَا صَلَاحهَا؟ قَالَ: تذْهب عاهتها وتخلص صَلَاحهَا) . وَحَدِيث زيد بن ثَابت عِنْد أبي دَاوُد، (فَلَا تبتاعوا الثَّمَرَة حَتَّى يَبْدُو صَلَاحهَا) .
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (حَتَّى يَبْدُو) أَي: حَتَّى يظْهر، وَهُوَ بِلَا همز. قَوْله: (وَكَانَ إِذا سُئِلَ) قَالَ الْكرْمَانِي: وفاعله إِمَّا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِمَّا ابْن عمر، وقائله: إِمَّا ابْن عمر وَإِمَّا عبد الله بن دِينَار. قلت: صرح فِي مُسلم أَن قَائِله ابْن عمر حَيْثُ قَالَ بعد أَن روى حَدِيث عبد الله بن عمر من طَرِيق شُعْبَة: وَزَاد شُعْبَة، فَقيل لِابْنِ عمر: مَا صَلَاحه؟ قَالَ: تذْهب عاهته، أَي: آفته وَهُوَ أَن يصير إِلَى الصّفة الَّتِي يطْلب كَونه على تِلْكَ الصّفة، كظهور النضج ومبادي الْحَلَاوَة وَزَوَال العفوصة المفرطة، وَذَلِكَ بِأَن يتموه ويلين، أَو يَتلون بالإحمرار أَو الاصفرار أَو الإسوداد وَنَحْوه، وَالْمعْنَى الْفَارِق بَينهمَا أَن الثِّمَار بعد البدو تأمن من العاهات لكبرها وَغلظ نَوَاهَا، بِخِلَافِهَا قبله لِضعْفِهَا، فَرُبمَا تلفت فَلم يبْق شَيْء فِي مُقَابلَة الثّمن، فَكَانَ ذَلِك من قبيل أكل المَال بِالْبَاطِلِ، وَظَاهره يمْنَع البيع مُطلقًا، وَخرج عَنهُ البيع الْمَشْرُوط بِالْقطعِ للْإِجْمَاع على جَوَازه فَيعْمل بِهِ فِيمَا عداهُ. قَوْله: (عاهته) أَي: عاهة التَّمْر، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: عاهتها، وَوجه التَّأْنِيث يكون بِاعْتِبَار أَن التَّمْر جنس، وأصل عاهة: عوهة، قلبت الْوَاو ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا، يُقَال: عاه الْقَوْم وأعوهوا: إِذا أصَاب ثمارهم وماشيتهم العاهة، ومادته: عين وواو وهاء.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: اخْتلف الْعلمَاء فِي هَذِه الْمَسْأَلَة، فَقَالَ مَالك: من بَاعَ حَائِطه أَو أرضه وَفِي ذَلِك زرع أَو تمر قد بدا صَلَاحه وَحل بَيْعه، فزكاة ذَلِك التَّمْر على البَائِع إلاَّ أَن يشترطها على الْمُبْتَاع. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: المُشْتَرِي بِالْخِيَارِ بَين إِنْفَاذ البيع ورده، وَالْعشر مَأْخُوذ من التمرة لِأَن سنة السَّاعِي أَن يَأْخُذهَا من كل ثَمَرَة يجدهَا، فَوَجَبَ الرُّجُوع على البَائِع بِقدر ذَلِك، كالعيب الَّذِي يرجع بِقِيمَتِه. وَقَالَ الشَّافِعِي، فِي أحد قوليه: إِن البيع فَاسد لِأَنَّهُ بَاعَ مَا يملك وَمَا لَا يملك وَهُوَ نصيب الْمَسَاكِين، ففسدت الصَّفْقَة. وَاتفقَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: أَنه إِذا بَاعَ أصل الثَّمَرَة وفيهَا ثَمَر لم يبد صَلَاحه إِن البيع جَائِز وَالزَّكَاة على المُشْتَرِي، لقَوْله تَعَالَى: {وَآتوا حَقه يَوْم حَصَاده} (الْأَنْعَام: 141) . وَأما الَّذِي ورد فِيهِ النَّهْي عَن بيع الثَّمَرَة حَتَّى يَبْدُو صَلَاحهَا

(9/83)


وَهُوَ بيع الثَّمَرَة دون الأَصْل، لِأَنَّهُ يخْشَى عَلَيْهِ العاهة، فَيذْهب مَال المُشْتَرِي من غير عوض، وَإِذا ابْتَاعَ رَقَبَة الثَّمَرَة وَكَانَ فِيهَا ثَمَر لم يبد صَلَاحه فَهُوَ جَائِز، لِأَن البيع وَقع على الرَّقَبَة وَلم يظْهر بعد، فَهَذَا هُوَ الْفرق بَينهمَا. وَفِيه: جَوَاز البيع من الثَّمَرَة الَّتِي وَجَبت زَكَاتهَا قبل أَدَاء الزَّكَاة، وَيتَعَيَّن حِينَئِذٍ أَن يُؤَدِّي الزَّكَاة من غَيرهَا، خلافًا لمن أفسد البيع، وَعَن مَالك: الزَّكَاة على البَائِع إلاَّ أَن يشْتَرط على المُشْتَرِي، وَبِه قَالَ اللَّيْث. وَعَن أَحْمد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: على البَائِع مُطلقًا، وَبِه قَالَ الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.

7841 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ حدَّثني اللَّيْثُ قَالَ حدَّثني خالِدُ بنُ يَزِيدَ عنْ عَطَاءِ بنِ أبِي رَبَاحٍ عنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا نَهَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُو صَلاَحُهَا..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَرِجَاله قد ذكرُوا، وَيزِيد من الزِّيَادَة، والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد رَحمَه الله تَعَالَى أَيْضا، وَقد ذَكرْنَاهُ.

8841 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ عنْ مَالِكٍ عنْ حُمَيْدٍ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهى عنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تُزْهِىَ قَالَ حَتَّى تَحْمَارَّ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَحميد بِضَم الْحَاء هُوَ الطَّوِيل، والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْبيُوع عَن عبد الله بن أبي يُوسُف، وَأخرجه مُسلم فِي الْبيُوع عَن أبي الطَّاهِر أَحْمد بن عَمْرو بن السَّرْح عَن ابْن وهب. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن سَلمَة والْحَارث بن مِسْكين.
قَوْله: (حَتَّى تزهىَ) أَي: تتلون، قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال: زهى النّخل إِذا ظَهرت ثَمَرَته، وأزهء إِذا: احمرَّ أَو اصفرَّ. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: لَا يُقَال: أزهى، إِنَّمَا يُقَال: زهى، وَقَالَ الْخَلِيل: زهى: إِذا بدا صَلَاحه، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: مِنْهُم من أنكر: تزهى، كَمَا أَن مِنْهُم من أنكر: يزهو، أَقُول الحَدِيث الصَّحِيح يبطل قَول مُنكر الإزهاء. قَوْله: (حَتَّى تحمارّ) تَفْسِير لقَوْله: (حَتَّى تُزهيَ) ، وأصل: تحمار، لِأَنَّهُ من حمر فأدغمت الرَّاء فِي الرَّاء.

95 - (بابٌ هَلْ يَشْتَرِي صَدَقَتَهُ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ هَل يَشْتَرِي الرجل الَّذِي تصدق بِشَيْء صدقته؟ وَجَوَاب الِاسْتِفْهَام مَحْذُوف، وَهُوَ: لَا يَشْتَرِي، وَإِنَّمَا حذف الْجَواب لِأَن فِي الْجَواب وَجْهَيْن: أَحدهمَا: لَا يَشْتَرِي أصلا. وَالثَّانِي: أَنه يكره، كَمَا سَنذكرُهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَلاَ بَأسَ أنْ يَشْتَرِيَ صَدَقَتَهُ غَيْرُهُ لأِنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّما نَهَى المُتَصَدِّقَ خاصَّةً عنِ الشِّرَاءِ ولَمْ يَنْهَ غَيْرَهُ

تَوْضِيحه حَدِيث بُرَيْدَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (هُوَ لَهَا صَدَقَة وَلنَا هَدِيَّة) ، فَإِذا كَانَ هَذَا جَائِزا بِغَيْر عوض فبالعوض أجوز.

9841 - حدَّثنا حدَّثنا يَحْيَى بنُ بكَيْرٍ قَالَ حدَّثنا اللَّيْثُ عَن عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ سَالِمٍ أنَّ عَبْدَ الله بنَ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا كانَ يُحَدِّثُ أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ تَصَدَّقَ بِفَرَسٍ فِي سَبيلِ الله فَوَجدَهُ يُبَاعُ فأرَادَ أنْ يشْتَرِيَهُ ثُمَّ أَتَى النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاسْتَأمَرَهُ فَقَالَ لاَ تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ فبِذالِكَ كانَ ابنُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا لاَ يَتْرُكُ أنْ يَبْتَاعَ شَيْئا تَصَدَّقَ بِهِ إلاَّ جَعَلَهُ صَدَقَةً.
.

(9/84)


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن تقديرها لَا يَشْتَرِي فِي جَوَاب الِاسْتِفْهَام كَمَا ذَكرْنَاهُ. وَرِجَاله سِتَّة قد ذكرُوا كلهم، وَعقيل، بِضَم الْعين: ابْن خَالِد، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزَّكَاة عَن مُحَمَّد بن عبد الله المَخْزُومِي وَرَوَاهُ معن بن عِيسَى عَن مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن عمر، وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو قلَابَة عَن بشر بن عمر عَن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَرَوَاهُ عبد الله بن نمير عَن عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن عمر، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَالْأَشْبَه بِالصَّوَابِ قَول من قَالَ: عَن ابْن عمر أَن عمر، وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ (عَن ابْن عمر أَن عمر حمل على فرس فِي سَبِيل الله أَعْطَاهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليحمل عَلَيْهَا، فَحمل عَلَيْهَا رجلا) وَفِي رِوَايَة ابْن عبد الْبر: (لَا تشتره وَلَا شَيْئا من نتاجه) . وَفِي (الْعِلَل) لِابْنِ أبي حَاتِم: فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا تَصَدَّقت بِصَدقَة فأمضها، لقد تَصَدَّقت بِتَمْر على مَسَاكِين فَوجدت تَمْرَة، فأدخلت يَدي فِي فيَّ ثمَّ لفظتها خشيَة أَن تكون من الصَّدَقَة) . وَفِي (المُصَنّف) : فَرَآهُ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَو شَيْئا من نَسْله يُبَاع فِي السُّوق، فَسَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: أتركه حَتَّى يوافيك يَوْم الْقِيَامَة. وَعَن الزبير بن الْعَوام أَن رجلا حمل على فرس فِي سَبِيل الله تَعَالَى، فَرَأى فرسه أَو مهره يُبَاع بِنسَب فرسه فَنهى عَنْهَا) . وَعَن أُسَامَة بِسَنَد جيد: (أَنه حمل على مهر لَهُ فِي سَبِيل الله تَعَالَى، فَرَآهُ بعد ذَلِك يُبَاع، فَقلت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنهُ فنهاني عَنهُ) . وروى الشّعبِيّ عَن زِيَاد بن حَارِثَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحْو حَدِيث أُسَامَة.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (تصدق بفرس) ، أَي: حمل عَلَيْهِ رجلا، وَمَعْنَاهُ أَنه ملكه لَهُ، فَلذَلِك سَاغَ لَهُ بَيْعه. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: أَي حمله على فرس حمل تمْلِيك وغزا بِهِ فَلهُ أَن يفعل فِيهِ مَا شَاءَ فِي سَائِر أَمْوَاله، وَقيل: كَانَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قد حَبسه، وَفِي هَذَا الْوَجْه إِنَّمَا سَاغَ للرجل بَيْعه لِأَنَّهُ انهزل وَعجز لأَجله عَن اللحاق بِالْخَيْلِ، وانْتهى إِلَى حَالَة عدم الِانْتِفَاع بِهِ. وَقَالَ ابْن سعد: كَانَ اسْم هَذَا الْفرس: الْورْد، وَكَانَ لتميم الدَّارِيّ فأهداه للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأعْطَاهُ لعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (فِي سَبِيل الله) ، المُرَاد بِهِ جِهَة الْغُزَاة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْمَفْهُوم من السَّبِيل الْوَقْف فَكيف يَصح الابتياع؟ قلت: تَمْلِيكه للغازي، والمتبادر إِلَى الذِّهْن من سَبِيل الله: الْجِهَاد. قلت: لَا نسلم أَن الْمَفْهُوم من السَّبِيل الْوَقْف، بل المُرَاد من سَبِيل الله الْغَازِي أَو الْحَاج، وَفِيه خلاف. قَوْله: (يُبَاع) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، جملَة حَالية لِأَن وجده بِمَعْنى أَصَابَهُ. قَوْله: (فاستأمره) أَي: استشاره. قَوْله: (فَلَا تعد) أَي: فَلَا ترجع فِي صدقتك، وَلَو كَانَ حبسا لعلله بِهِ، وَبِهَذَا يرد على من قَالَ: إِنَّه كَانَ محبسا، وَلَئِن كَانَ حبسا يحْتَمل أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ظن أَنه يجوز لَهُ هَذَا، وَيُبَاح لَهُ شِرَاء الْحَبْس، غير أَن مَنعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من شِرَائِهِ وتعليله بِالرُّجُوعِ دَلِيل على أَنه لم يكن حبسا. قَوْله: (فبذلك) أَي: فبسبب (ذَلِك كَانَ ابْن عمر) يَعْنِي: عبد الله. قَوْله: (لَا يتْرك) ، كَذَا هُوَ بِحرف النَّفْي فِي رِوَايَة أبي ذَر، ويروى: يتْرك، وَوَجهه ظَاهر. وَإِمَّا وَجه: لَا يتْرك، فَهُوَ أَن التّرْك بِمَعْنى التَّخْلِيَة، وَكلمَة: من، مقدرَة أَي: لَا يخلي الشَّخْص من أَن يبتاعه فِي حَال إلاَّ حَال جعله صَدَقَة أَو لغَرَض إلاَّ لغَرَض الصَّدَقَة.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: كَرَاهَة شِرَاء الرجل صدقته، وَقَالَ ابْن بطال: كره أَكثر الْعلمَاء شِرَاء الرجل صدقته لحَدِيث عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهُوَ قَول مَالك والكوفيين وَالشَّافِعِيّ، وَسَوَاء كَانَت الصَّدَقَة فرضا أَو تَطَوّعا، فَإِن اشْترى أحد صدقته لم يفْسخ بَيْعه، وَأولى بِهِ التَّنَزُّه عَنْهَا، وَكَذَا قَوْلهم فِيمَا يُخرجهُ الْمُكَفّر فِي كَفَّارَة الْيَمين. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: رخص فِي شِرَاء الصَّدَقَة الْحسن وَعِكْرِمَة وَرَبِيعَة وَالْأَوْزَاعِيّ، قَالَ ابْن الْقصار: قَالَ قوم: لَا يجوز لأحد أَن يَشْتَرِي صدقته وَيفْسخ البيع، وَلم يذكر قَائِل ذَلِك، وَكَأَنَّهُ يُرِيد بِهِ أهل الظَّاهِر. وَأَجْمعُوا أَن من تصدق بِصَدقَة ثمَّ ورثهَا أَنَّهَا حَلَال لَهُ، وَقد جَاءَت امْرَأَة إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: يَا رَسُول الله إِنِّي تَصَدَّقت على أُمِّي بِجَارِيَة وَأَنَّهَا مَاتَت، قَالَ: وَجب أجرك وردهَا على الْمِيرَاث، وَقَالَ ابْن التِّين: وشذت فرقة من أهل الظَّاهِر فَكرِهت أَخذهَا بِالْمِيرَاثِ ورأوه من بَاب الرُّجُوع فِي الصَّدَقَة وَهُوَ سَهْو لِأَنَّهَا تدخل قهرا، وَإِنَّمَا كره شراؤها لِئَلَّا يحابيه الْمُصدق بهَا عَلَيْهِ فَيصير عَائِدًا فِي بعض صدقته، لِأَن الْعَادة أَن الصَّدَقَة الَّتِي تصدق بهَا عَلَيْهِ يسامحه إِذا بَاعهَا، وَيُقَال: لَا يكون الْحَبْس إلاَّ أَن ينْفق عَلَيْهِ الْمحبس من مَاله، وَإِذا خرج خَارج إِلَى الْغَزْو وَدفعه إِلَيْهِ مَعَ نَفَقَته على أَن يَغْزُو بِهِ ويصرفه إِلَيْهِ فَيكون مَوْقُوفا على مثل ذَلِك، فَهَذَا لَا يجوز بَيْعه بِإِجْمَاع وَأما إِذا جعله فِي سَبِيل الله وَملكه الَّذِي دَفعه إِلَيْهِ فَهَذَا يجوز بَيْعه، وَقَالَ جمَاعَة من الْعلمَاء: كَانَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: لَا يكره أَن

(9/85)


يَشْتَرِي الرجل صدقته إِذا خرجت من يَد صَاحبهَا إِلَى غَيره، رَوَاهُ الْحسن عَنهُ، وَقَالَ بِهِ هُوَ وَابْن سِيرِين.

0941 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكُ بنُ أنسٍ عنْ زَيْدِ بنِ أسْلَمَ عنْ أبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يَقُولُ حَمَلْتُ عَلَى فرَسٍ فِي سَبِيلِ الله فأضاعَهُ الَّذِي كانَ عِنْدَهُ فأرَدْتُ أنْ أشْتَرِيَهُ وظَنَنْتُ أنَّهُ يَبِيعُهُ بِرُخْصٍ فَسَألْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لاَ تَشْتَرِ وَلاَ تَعدْ فِي صَدَقَتِكَ وَإنْ أعْطاكَهُ بِدِرْهَمٍ فإنَّ العَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَزيد بن أسلم مولى عمر بن الْخطاب يروي عَن أَبِيه أسلم يكنى أَبَا خَالِد، كَانَ من سبي عين الْيمن، ابتاعه عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِمَكَّة سنة إِحْدَى عشرَة، مَاتَ وَهُوَ ابْن أَربع عشرَة وَمِائَة سنة.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْهِبَة عَن يحيى بن قزعة، وَفِي الْجِهَاد عَن إِسْمَاعِيل، وَفِي الْجِهَاد وَالْهِبَة عَن الْحميدِي: وَأخرجه مُسلم فِي الْفَرَائِض عَن القعْنبِي وَعَن زُهَيْر بن حَرْب وَعَن ابْن أبي عَمْرو عَن أُميَّة ابْن خَالِد. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزَّكَاة عَن الْحَارِث بن مِسْكين وَمُحَمّد بن سَلمَة. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْأَحْكَام عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (فأضاعه) أَي: لم يكن يعرف قدره فَكَانَ يَبِيعهُ بالوكس، كَذَا فسره الْكرْمَانِي، وَقيل: أَي يتْرك الْقيام عَلَيْهِ بِالْخدمَةِ والعلف وَنَحْوهمَا، وَهَذَا التَّفْسِير هُوَ الْأَوْجه. قَوْله: (لَا تشتره) أَي: الْفرس الْمَذْكُور، ويروى: (لَا تشتريه) ، بإشباع كسرة الرَّاء يَاء. قَوْله: (وَإِن أعطاكه بدرهم) مُبَالغَة فِي رخصه، وَكَانَ هُوَ الْحَامِل على شراه. قَوْله: (فَإِن الْعَائِد) الْفَاء فِيهِ للتَّعْلِيل. قَوْله: (كالعائد فِي قيئه) الْغَرَض من التَّشْبِيه تقبيح صُورَة ذَلِك الْفِعْل أَي: كَمَا يقبح أَن يقيء ثمَّ يَأْكُل كَذَلِك يقبح أَن يتَصَدَّق بِشَيْء ثمَّ يجره إِلَى نَفسه بِوَجْه من الْوُجُوه.
وَفِيه: كَرَاهَة الرُّجُوع فِي الْهِبَة، وَفضل الْحمل فِي سَبِيل الله، والإعانة على الْغَزْو بِكُل شَيْء وَالْخَيْل الضائعة الْمَوْقُوفَة إِذا رجى صَلَاحهَا وَالِانْتِفَاع بهَا فِي الْجِهَاد كالضعيف المرجو رده، منع ابْن الْمَاجشون بَيْعه وَأَجَازَهُ ابْن الْقَاسِم وَيُوضَع ثمنه فِي ذَلِك الْوَجْه. وَقَالَ القَاضِي أَبُو مُحَمَّد: لَا بَأْس أَن يركب الْفرس الَّذِي جعله فِي سَبِيل الله تَعَالَى.