عمدة القاري شرح صحيح البخاري

611 - (بابُ النَّحْرِ فِي مَنْحَرِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمِنًى)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان النَّحْر فِي منحر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. المنحر، بِفَتْح الْمِيم: اسْم الْموضع الَّذِي تنحر فِيهِ الْإِبِل، وَقَالَ ابْن التِّين: منحر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ عِنْد الْجَمْرَة الأولى الَّتِي تلِي مَسْجِد منى، وَأخرج الفاكهي عَن ابْن جريج عَن عَطاء عَن طَاوُوس قَالَ: كَانَ منزل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمنى عَن يسَار الْمُصَلِّي. وَقَالَ غير طَاوُوس: وَأمر بنسائه أَن ينزلن جنب الدَّار بمنى. وَأمر الْأَنْصَار أَن ينزلُوا الشّعب وَرَاء الدَّار. انْتهى. والشِّعب، هُوَ عِنْد الْجَمْرَة الْمَذْكُورَة، وللنحر فِي منحر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَضِيلَة لما روى مُسلم، فَقَالَ: حَدثنَا عمر بن حَفْص بن غياث، قَالَ: حَدثنَا أبي عَن جَعْفَر، قَالَ: حَدثنِي أبي (عَن جَابر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: نحرت هَهُنَا، وَمنى كلهَا منحر، فَانْحَرُوا فِي رحالكُمْ، ووقفت هَهُنَا، وعرفة كلهَا موقف، ووقفت هَهُنَا، وَجمع كلهَا موقف) . وَقَالَ النَّوَوِيّ: فِي هَذِه الْأَلْفَاظ بَيَان رفق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأمته وشفقته عَلَيْهِم فِي تنبيههم عَن مصَالح دينهم ودنياهم فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكر لَهُم الْأَكْمَل والجائز، فالأكمل مَوضِع نَحره ووقوفه، والجائز كل جُزْء من أَجزَاء منى للنحر، وجزء من أَجزَاء عَرَفَات، وجزء من أَجزَاء مُزْدَلِفَة. وَقَالَ فِي (شرح الْمُهَذّب) : قَالَ الشَّافِعِي وأصحابنا: يجوز نحر الْهَدْي وَدِمَاء الجبرانات فِي جَمِيع الْحرم، لَكِن الْأَفْضَل فِي حق الْحَاج النَّحْر بمنى، وَأفضل مَوضِع فِي منى للنحر مَوضِع نحر رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمَا قاربه، وَالْأَفْضَل فِي حق الْمُعْتَمِر أَن ينْحَر فِي الْمَرْوَة، لِأَنَّهَا مَوضِع تَحْلِيله، كَمَا أَن منى مَوضِع تَحْلِيل

(10/48)


الْحَاج.
قَوْله: (فَانْحَرُوا فِي رحالكُمْ) أَي: فِي مَنَازِلكُمْ، قَالَ أهل اللُّغَة: رَحل الرجل منزله سَوَاء كَانَ من حجرٍ أَو مدر أَو شعر أَو وبر، وَمعنى الحَدِيث: منى كلهَا يجوز النَّحْر فِيهَا، فَلَا تتكلفوا فِي النَّحْر فِي مَوضِع نحري، بل يجوز لكم النَّحْر فِي مَنَازِلكُمْ من منى، وَالله أعلم.

0171 - حدَّثنا إسْحَاقُ بنُ إبْرَاهِيمَ سَمِعَ خالِدَ بنَ الحَارِثِ قَالَ حدَّثنا عُبَيْدُ الله بنُ عُمَرَ عَنْ نافِعٍ أنَّ عَبْدَ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كانَ يَنْحَرُ فِي المَنْحَرِ قَالَ عُبَيْدُ الله مَنْحَرِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (منحر رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، وَهَذَا الحَدِيث من أَفْرَاده، وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم هُوَ الْمَعْرُوف بِإسْحَاق بن رَاهَوَيْه، كَذَلِك أخرجه إِسْحَاق فِي (مُسْنده) وَأخرجه من طَرِيقه أَبُو نعيم وخَالِد بن الْحَارِث أَبُو عُثْمَان الهُجَيْمِي الْبَصْرِيّ، وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَعبيد الله بن عمر بن الْخطاب.
قَوْله: (قَالَ عبيد الله) ، هُوَ ابْن عمر الْمَذْكُور، وَمَعْنَاهُ أَن مُرَاد نَافِع بِإِطْلَاق النَّحْر (هُوَ) منحر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد أخرج البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث فِي الْأَضَاحِي أوضح من هَذَا، فَقَالَ: حَدثنِي مُحَمَّد بن أبي بكر الْمقدمِي، حَدثنَا خَالِد بن الْحَارِث ... فَذكره. قَالَ: قَالَ عبيد الله: يَعْنِي منحر النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

1171 - حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ المُنْذِرِ قَالَ حدَّثنَا أنَسُ بنُ عِياضٍ قَالَ حدَّثنا مُوسَى بنُ عُقْبَةَ عنْ نافِعٍ أنَّ ابنَ عُمرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا كانَ يَبْعَثُ بِهَدْيِهِ مِنْ جَمْعٍ من آخِرِ اللَّيْلِ حَتَّى يُدْخَلَ بِهِ مَنْحَرُ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ حُجَّاجٍ فِيهِمُ الْحُرُّ والمَمْلُوكُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَإِنَّمَا ذكر حَدِيث مُوسَى بن عقبَة عَن نَافِع عقيب الحَدِيث السَّابِق لكَونه مُصَرحًا بِإِضَافَة المنحر إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي نفس الحَدِيث، وَأفَاد أَيْضا هَذَا الحَدِيث أَن وَقت بعث الْهَدْي إِلَى المنحر من الْمزْدَلِفَة من آخر اللَّيْل.
قَوْله: (من جمع) ، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْمِيم: هُوَ الْمزْدَلِفَة. قَوْله: (حُجاج) بِضَم الْحَاء: جمع حَاج. قَوْله: (فيهم الْحر والمملوك) . أَي فِي الْحجَّاج، يَعْنِي أَن ابْن عمر لم يكن يخص فِي بعث هَدْيه مَعَ الْحجَّاج الحرَّ مِنْهُم، وَلَا الْمَمْلُوك، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَنه لَا يشْتَرط بعث الْهَدْي مَعَ الْأَحْرَار دون العبيد.

711 - (بابُ منْ نَحَرَ بِيَدِهِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من نحر هَدْيه بِيَدِهِ، وَلم يفوضه إِلَى غَيره، وَيَأْتِي حَدِيث هَذَا الْبَاب بعد بَاب آخر بأتم مِنْهُ بِهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه، وَهَذَا الْبَاب بِهَذِهِ التَّرْجَمَة لم يثبت إلاَّ فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي، وَلِهَذَا لَا يُوجد فِي أَكثر النّسخ.
294 - (حَدثنَا سهل بن بكار قَالَ حَدثنَا وهيب عَن أَيُّوب عَن أبي قلَابَة عَن أنس وَذكر الحَدِيث قَالَ وَنحر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِيَدِهِ سبع بدن قيَاما وضحى بِالْمَدِينَةِ كبشين أملحين أقرنين مُخْتَصرا) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " وَنحر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِيَدِهِ سبع بدن " (ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة. الأول سهل بن بكار بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الْكَاف أَبُو بشر الدَّارمِيّ مر فِي بَاب خرص التَّمْر. الثَّانِي وهيب بن خَالِد بن عجلَان. الثَّالِث أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ. الرَّابِع أَبُو قلَابَة بِكَسْر الْقَاف عبد الله بن زيد الْجرْمِي. الْخَامِس أنس بن مَالك. (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وَفِيه العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه أَن رِجَاله كلهم بصريون. (ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْحَج عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن وهيب ومسدد عَن إِسْمَاعِيل بن علية وَفِي الْجِهَاد عَن سُلَيْمَان بن حَرْب وَعَن قُتَيْبَة بن سعيد مقطعا بعضه فِي الْحَج وَبَعضه فِي الْجِهَاد وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن خلف بن هِشَام وقتيبة بن سعيد وَأبي الرّبيع الزهْرَانِي وَعَن زُهَيْر بن حَرْب وَيَعْقُوب بن

(10/49)


إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي وَأخرجه أَبُو دَاوُد عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل مقطعا بعضه فِي الْحَج وَبَعضه فِي الْأَضَاحِي وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة عَن قُتَيْبَة عَن حَمَّاد بن زيد بِهِ (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " قَالَ " أَي أنس قَوْله " سبع بدن " بِضَم الْبَاء جمع بَدَنَة ويروى " سَبْعَة بدن " وَقَالَ التَّيْمِيّ أَرَادَ بِالْبدنِ الأبعرة فَلذَلِك ألحق الْهَاء بالسبعة قَوْله " قيَاما " نصب على الْحَال من الْبدن قَوْله " وضحى بِالْمَدِينَةِ كبشين " قَالَ ابْن التِّين صَوَابه بكبشين قَالَ صَاحب التَّوْضِيح وَكَذَا هُوَ فِي أصل ابْن بطال قَوْله " أملحين " تَثْنِيَة أَمْلَح وَهُوَ الْأَبْيَض يخالطه أدنى سَواد قَوْله " أقرنين " تَثْنِيَة أقرن وَهُوَ الْكَبِير الْقرن (ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ نحر الْهَدْي بِيَدِهِ وَهُوَ أفضل إِذا أحسن النَّحْر. وَفِيه نَحره قَائِمَة وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد وَأَبُو ثَوْر وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري تنحر باركة وقائمة وَاسْتحبَّ عَطاء أَن يَنْحَرهَا باركة معقولة وروى ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء إِن شَاءَ قَائِمَة وَإِن شَاءَ باركة وَعَن الْحسن باركة أَهْون عَلَيْهَا وَعَن عمر رَأَيْت ابْن الزبير رَضِي الله عَنهُ يَنْحَرهَا وَهِي قَائِمَة معقولة وَفِي سنَن أبي دَاوُد من حَدِيث أبي الزبير عَن جَابر أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَصْحَابه كَانُوا ينحرون الْبَدنَة معقولة الْيُسْرَى قَائِمَة على مَا بَقِي من قَوَائِمهَا قَالَ أَبُو الزبير رَضِي الله عَنهُ وَأَخْبرنِي عبد الرَّحْمَن بن سابط مُرْسلا أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَصْحَابه الحَدِيث. وَفِيه الْأُضْحِية وَسَيَجِيءُ الْكَلَام فِيهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى -
811 - (بابُ نَحْرِ الإبِلِ مُقَيَّدَةً)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان نحر الْإِبِل حَال كَونه مُقَيّدَة.

3171 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ قَالَ حدَّثنا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ عَنْ يُونُسَ عنْ زِيَادِ بنِ جُبَيْرٍ قَالَ رأيْتُ ابنَ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أتَى عَلَى رَجُلٍ قَدْ أنَاخَ بَدَنَتَهُ يَنْحَرُهَا قَالَ ابْعَثْهَا قِياما مُقَيَّدَةً سُنَّةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ شُعْبَةُ عَنْ يُونُسَ أَخْبرنِي زِيادٌ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (قيَاما مُقَيّدَة) .
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: عبد الله بن مسلمة، بِفَتْح الميمين: القعْنبِي. الثَّانِي: يزِيد من الزِّيَادَة ابْن زُرَيْع تَصْغِير زرع: أَبُو مُعَاوِيَة العيشي. الثَّالِث: يُونُس بن عبيد بن دِينَار. الرَّابِع: زِيَاد، بِكَسْر الزَّاي: ابْن جُبَير، بِضَم الْجِيم وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن حَيَّة، ضد الْميتَة. الْخَامِس: عبد الله بن عمر.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: الرُّؤْيَة. وَفِيه: أَن شَيْخه مدنِي سكن الْبَصْرَة، والبقية بصريون. وَفِيه: أَن زيادا لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ إلاَّ هَذَا الحَدِيث، وَحَدِيث آخر أخرجه البُخَارِيّ فِي النّذر بِهَذَا الْإِسْنَاد. وَأخرجه فِي الصَّوْم بِإِسْنَاد آخر إِلَى يُونُس بن عبيد، وَقد اشْترك زِيَاد بن جُبَير مَعَ زيد بن جُبَير فِي روايتهما عَن ابْن عمر، وَلَيْسَ بَينهمَا أخوة، لِأَن زيدا طائي كُوفِي، وَزِيَاد ثقفي بَصرِي، وَقد سبقت رِوَايَة زيد ابْن جُبَير عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي أَوَائِل الْحَج.
ذكر من أخرجه غَيره أخرجه مُسلم فِي الْحَج أَيْضا عَن يحيى بن يحيى. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن أَحْمد بن حَنْبَل، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (قد أَنَاخَ بدنته) ، أَي: أبركها. قَوْله: (يَنْحَرهَا) ، جملَة حَالية، وَفِي رِوَايَة أَحْمد عَن إِسْمَاعِيل بن علية: (لينحرها) . قَوْله: (قَالَ) أَي: ابْن عمر. قَوْله: (ابعثها) أَي: أثِرها. يُقَال: بعثت النَّاقة أَي أثرتها. قَوْله: (قيَاما) مصدر بِمَعْنى قَائِمَة، وانتصابه على الْحَال الْمقدرَة، وَيُقَال: (معنى ابعثها أقمها، فعلى هَذَا انتصاب قيَاما على المصدرية. وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَو عَامله مَحْذُوف نَحْو انحرها. قلت: فعلى هَذَا انتصاب قيَاما على الْحَال بِمَعْنى قَائِمَة يدل عَلَيْهِ رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: إنحرها قَائِمَة. قَوْله: (مُقَيّدَة) نصب على الْحَال، من الْأَحْوَال المترادفة أَو المتداخلة، وَمَعْنَاهُ: معقولة بِرَجُل وَهِي قَائِمَة على الثَّلَاث. قَوْله: (سنة مُحَمَّد) ، نصب بعامل مَحْذُوف تَقْدِيره: اتبع سنة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي ذَلِك، وَيجوز الرّفْع على تَقْدِير أَن يكون خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره: هُوَ سنة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَيدل على ذَلِك رِوَايَة الْحَرْبِيّ فِي الْمَنَاسِك بِلَفْظ: (فَقَالَ: انحرها قَائِمَة فَإِنَّهَا سنة مُحَمَّد

(10/50)


صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) . وَفِيه: من الْفَوَائِد اسْتِحْبَاب نحر الْإِبِل على الصّفة الْمَذْكُورَة. وَفِيه: تَعْلِيم الْجَاهِل وَعدم السُّكُوت على مُخَالفَة السّنة وَإِن كَانَ مُبَاحا. وَفِيه: أَن قَول الصَّحَابِيّ: من السّنة كَذَا، مَرْفُوع عِنْد الشَّيْخَيْنِ لاحتجاجهما بِهَذَا الحَدِيث فِي صَحِيحَيْهِمَا. قَوْله: (وَقَالَ شُعْبَة) إِلَى آخِره تَعْلِيق أخرجه إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فِي مُسْنده، قَالَ: أخبرنَا النَّضر بن شُمَيْل حَدثنَا شُعْبَة عَن يُونُس سَمِعت زِيَاد بن جُبَير، قَالَ: انْتَهَيْت مَعَ ابْن عمر فَإِذا رجل قد اضجع بدنته وَهُوَ يُرِيد أَن يَنْحَرهَا فَقَالَ: قيَاما مُقَيّدَة سنة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : التَّعْلِيق على شُعْبَة رَوَاهُ الْعَلامَة أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن إِسْحَاق الْحَرْبِيّ فِي كتاب الْمَنَاسِك عَن عَمْرو بن مَرْزُوق، حَدثنَا شُعْبَة عَن يُونُس عَن زِيَاد بن جُبَير فَذكره. وَقَالَ بَعضهم: لَيْسَ فِيهِ وَفَاء مَقْصُود البُخَارِيّ، فَإِنَّهُ أخرج هُنَاكَ طَرِيق شُعْبَة لبَيَان سَماع يُونُس لَهُ من زِيَادَة. انْتهى. قلت: إِنَّمَا قصد صَاحب (التَّلْوِيح) : ذكر مُجَرّد الِاتِّصَال، مَعَ قطع النّظر عَمَّا ذكره.

911 - (بابُ نَحْرِ الْبُدُنِ قَائِمَةً)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان نحر الْبدن حَال كَونهَا قَائِمَة. وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (قيَاما) .
وَقَالَ ابنُ عُمعرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا سُنَّةُ مُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَفِي بعض النّسخ: وَقَالَ ابْن عمر: سنة مُحَمَّد، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَهَذَا التَّعْلِيق قد ذكره مَوْصُولا فِي الْبَاب السَّابِق.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا صَوَافَّ قِياما

أَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِير لفظ: صواف، الَّذِي فِي قَوْله تَعَالَى: {فاذكروا اسْم الله عَلَيْهَا صواف} (الْحَج: 63) . أَي: قيَاما. كَذَا أخرجه سعيد ابْن مَنْصُور عَن ابْن عُيَيْنَة فِي (تَفْسِيره) عَن عبد الله بن أبي يزِيد عَنهُ فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {فاذكروا اسْم الله عَلَيْهَا صواف} (الْحَج: 63) . قَالَ: قيَاما، وصواف، بتَشْديد الْفَاء: جمع صافة، بِمَعْنى: مصطفة فِي قِيَامهَا. وَفِي (مُسْتَدْرك) الْحَاكِم من وَجه آخر عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، فِي قَوْله تَعَالَى: {صَوَافِن} أَي: قيَاما على ثَلَاثَة قَوَائِم معقولة، وَهِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وصوافن بِكَسْر الْفَاء، وَفِي آخِره نون جمع صافنة، وَهِي الَّتِي رفعت إِحْدَى يَديهَا بِالْعقلِ لِئَلَّا تضطرب، وَعَن إِبْرَاهِيم وَمُجاهد، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: الصَّواف على أَرْبَعَة، والصوافن على ثَلَاثَة، وَعَن طَاوُوس وَمُجاهد: الصَّواف تنحر قيَاما.

4171 - حدَّثنا سَهْلُ بنُ بَكَّارٍ قَالَ حدَّثنا وُهَيْبٌ عنْ أيُّوبَ عنْ أبِي قِلاَبَةَ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ صلَّى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الظُّهْرَ بِالمَدِينَةِ أرْبَعا والْعَصْرَ بِذِي الحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ فَباتَ بِهَا فلَمَّا أصْبَحَ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ فجَعَلَ يُهَلِّلُ ويُسَبِّحُ فلَمَّا عَلاَ عَلى البَيْدَاءِ لَبَّى بِهِمَا جَمِيعا فَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ أمَرَهُمْ أنْ يَحِلُّوا ونَحَرَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَدِهِ سَبْعَ بُدْنٍ قِياما وضَحَّى بِالمَدِينَةِ كَبْشَيْنِ أمْلَحَيْنِ أقْرَنَيْنِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَنحر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَدِهِ سبع بدن قيَاما) ، وَقد تقدم هَذَا الحَدِيث مُخْتَصرا بِهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه فِي: بَاب من نحر بِيَدِهِ، قبل هَذَا الْبَاب بِبَاب، وَقد ذكرنَا هُنَاكَ أَن هَذَا الْبَاب، أَعنِي: بَاب من نحر بِيَدِهِ غير مَوْجُود إلاَّ فِي رِوَايَة أبي ذَر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن الْمُسْتَمْلِي، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مستقصىً.
قَوْله: (فَبَاتَ بهَا، فَلَمَّا أصبح) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (فَبَاتَ بهَا حَتَّى أصبح) أَي: فَبَاتَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِذِي الحليفة، إِلَى أَن أصبح. قَوْله: (لبّى بهما) ، أَي: بِالْحَجِّ وَالْعمْرَة، وَهَذَا يُصَرح بِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ قَارنا، وَلَا اعْتِبَار لتأويل من يؤول أَن معنى قَوْله: (فلبى بهما) أَمر من أهل بالقران لِأَنَّهُ كَانَ هُوَ مُفردا، لِأَنَّهُ خُرُوج عَن معنى يَقْتَضِيهِ التَّرْكِيب إِلَى معنى غير صَحِيح، يظْهر ذَلِك بِأَدْنَى تَأمل. قَوْله:

(10/51)


(أَمرهم أَن يحلوا) يَعْنِي: لمن لم يكن مَعَهم الْهَدْي. قَوْله: (سبع بدن) كَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة وَغَيرهَا: (سَبْعَة بدن) ، وَقد ذكرنَا وَجهه فِي: بَاب من نحر بِيَدِهِ. قَوْله: (قيَاما) نصب على الْحَال بِمَعْنى قَائِمَة.

5171 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا إسْمَاعِيلُ عنْ أيُّوبَ عنْ أبِي قِلاَبَةَ عنْ أنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ صَلَّى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الظُّهْرَ بِالمَدِينَةِ أرْبَعا والْعَصْرَ بِذي الحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ..
هَذَا طَرِيق آخر فِي صدر حَدِيث أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الْمَذْكُور قبله فَإِنَّهُ أخرجه قبله عَن سُهَيْل بن بكار عَن وهيب ابْن خَالِد عَن أَيُّوب، وَهَذَا أخرجه عَن مُسَدّد عَن إِسْمَاعِيل بن علية عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ عَن أبي قلَابَة عبد الله ابْن زيد، وَقد ذكرنَا فِي: بَاب من نحر بِيَدِهِ، أَن البُخَارِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أخرج هَذَا الحَدِيث عَن جمَاعَة مفرقا مُخْتَصرا وَمُطَولًا.
وعَنْ أيُّوبَ عنْ رَجُلٍ عَنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ثُمَّ بَاتَ حَتَّى أصْبَحَ فَصَلَّى الصُّبْحَ ثُمَّ رَكِبَ رَحِلَتَهْ حَتَّى إذَا اسْتَوَتْ بِهِ الْبَيْدَاءَ أهَلَّ بِعُمْرَةٍ وحَجَّةٍ.
قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ إِسْنَاد مَجْهُول، لكنه مَذْكُور على سَبِيل الْمُتَابَعَة، وَيحْتَمل فِي المتابعات مَا لَا يحْتَمل فِي الْأُصُول، وَقيل: المُرَاد بِهِ أَبُو قلَابَة. انْتهى. وَنقل صَاحب (التلويج) عَن الدَّاودِيّ أَنه قَالَ فِي آخِره: لَيْسَ بِمُسْنَد، لِأَن بَين أَيُّوب وَأنس رجل مَجْهُول، وَلَو كَانَ عَن أبي قلَابَة مَحْفُوظًا لم يكنِّ عَنهُ لجلالة أبي قلَابَة وثقته، وَإِنَّمَا يُكنَّى عَمَّن فِيهِ نظر. وَقَالَ ابْن التِّين: يحْتَمل أَن يكون أَيُّوب نَسيَه، وَهُوَ ثِقَة. بل هُوَ أولى أَن يحمل عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لم علم أَن فِيهِ نظرا لوَجَبَ عَلَيْهِ أَن يذكر اسْمه، أَو يسْقط حَدِيثه لَا يرويهِ الْبَتَّةَ. انْتهى. وَقيل: أَشَارَ بِهِ إِلَى اخْتِلَاف إِسْمَاعِيل بن علية ووهيب بن خَالِد عَن أَيُّوب، فساق وهيب عَنهُ بِإِسْنَاد وَاحِد، وَهُوَ الَّذِي روى عَن وهيب سهل بن بكار شيخ البُخَارِيّ. وَإِسْمَاعِيل روى مرّة عَن أَيُّوب عَن أبي قلَابَة عَن أنس وَهُوَ الَّذِي روى عَنهُ مُسَدّد شيخ البُخَارِيّ الْمَذْكُور آنِفا، وَمرَّة روى إِسْمَاعِيل عَن أَيُّوب عَن رجل عَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهَذِه الطَّرِيقَة الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا البُخَارِيّ، بقوله: وَعَن أَيُّوب عَن رجل عَن أنس، أَي: وروى إِسْمَاعِيل عَن أَيُّوب عَن رجل عَن أنس. فَافْهَم.

021 - (بابٌ لاَ يُعْطَى الْجَزَّارُ مِنَ الهَدْيِ شَيْئا)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: لَا يُعطي صَاحب الْهَدْي الجزار من الْهَدْي الَّذِي يذبحه شَيْئا، هَذَا التَّقْدِير على أَن يكون قَوْله: (لَا يُعْطي) على صِيغَة الْمَعْلُوم، والجزار مَنْصُوب بِهِ، وعَلى تَقْدِير أَن يكون: (لَا يُعطى) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، يكون الْفَاعِل محذوفا، والجزار مَرْفُوعا لإسناد الْفِعْل أليه.

6171 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ قَالَ أخبرنَا سُفْيَانُ قَالَ أَخْبرنِي ابنُ أبي نَجِيحٍ عنْ مُجَاهِدٍ عنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ أبي لَيْلى عَن عَلَيٍّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ بَعَثَنِي النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقُمْتُ علَى البُدْنِ فأمَرَنِي فقَسَمْتُ لُحُومَهَا ثُمَّ أمَرَنِي فَقَسَمْتُ جِلاَلَهَا وجُلُودَهَا. قَالَ سُفْيَانُ (ح) وحدَّثني عَبْدُ الكَرِيمِ عنْ مُجَاهِدٍ عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ أبِي لَيْلَى عنْ عَلِيٍّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ أمرَنِي النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ أقُومَ عَلَى الْبُدْنِ ولاَ أعْطِيَ عَلَيْهَا شَيْئا فِي جِزَارَتِهَا..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَلَا أعطي عَلَيْهَا شَيْئا فِي جزارتها) .
ذكر رِجَاله: وهم سَبْعَة: الأول: مُحَمَّد بن كثير ضد الْقَلِيل أَبُو عبد الله الْعَبْدي. الثَّانِي: سُفْيَان الثَّوْريّ. الثَّالِث: عبد الله بن يسَار بن أبي نجيح. الرَّابِع: مُجَاهِد بن جُبَير. الْخَامِس: عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى يسَار. السَّادِس: عبد الْكَرِيم بن مَالك، مَاتَ سنة سبع وَعشْرين وَمِائَة. السَّابِع: عَليّ

(10/52)


بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع، وبصيغة الْإِفْرَاد فِي موضِعين. وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: العنعنة فِي سِتَّة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه بَصرِي وسُفْيَان كُوفِي وَابْن أبي نجيح وَمُجاهد مكيان، وَعبد الرَّحْمَن كُوفِي وَعبد الْكَرِيم جزري. وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْحَج عَن أبي نعيم عَن سيف وَعَن مُسَدّد عَن يحيى. وَفِيه وَفِي الْوكَالَة عَن قبيصَة عَن سُفْيَان. وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَمْرو بن مُحَمَّد النَّاقِد وَزُهَيْر بن حَرْب، ثَلَاثَتهمْ عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَعَن يحيى بن يحيى وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَعَن مُحَمَّد بن حَاتِم وَعَن مُحَمَّد ابْن مَرْزُوق وَعبد بن حميد. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن عَمْرو بن عون، وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَعَن عمرَان بن يزِيد وَعَن عَمْرو بن عَليّ وَعَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى، وَعَن مُحَمَّد بن آدم. وَأخرجه ابْن مَاجَه: عَن مُحَمَّد بن الصَّباح، وَفِي الْأَضَاحِي عَن مُحَمَّد بن معمر.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (حَدثنِي ابْن أبي نجيح) ، ويروى: أَخْبرنِي ابْن أبي نجيح. قَوْله: (قَالَ سُفْيَان) ، هُوَ الثَّوْريّ، وَلَيْسَ بمعلق لِأَنَّهُ مَعْطُوف على قَوْله: أخبرنَا سُفْيَان، وَقد وَصله النَّسَائِيّ أَيْضا، وَقَالَ: أخبرنَا إِسْحَاق بن مَنْصُور حَدثنَا عبد الرَّحْمَن هُوَ ابْن مهْدي حَدثنَا سُفْيَان فَذكره. قَوْله: (فَقُمْت على الْبدن) أَي الَّتِي أرصدها للهدي، وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: أَن أقوم على الْبدن. أَي: عِنْد نحرها للِاحْتِيَاط بهَا، وَلم يَقع هُنَا بَيَان عدد الْبدن، وَوَقع فِي الرِّوَايَة الثَّالِثَة أَنَّهَا: مائَة بَدَنَة، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي دَاوُد من طَرِيق إِبْنِ إِسْحَاق عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد: نحر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثِينَ بَدَنَة، وَأَمرَنِي فنحرت سائرها. وَالأَصَح من ذَلِك مَا رَوَاهُ مُسلم فِي حَدِيث جَابر الطَّوِيل: (ثمَّ انْصَرف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى المنحر، فَنحر ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَة، ثمَّ أعْطى عليا، فَنحر مَا غير، وأشركه فِي هَدْيه) الحَدِيث، فَعرف مِنْهُ أَن الْبدن كَانَت مائَة بَدَنَة، وَأَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نحر مِنْهَا ثَلَاثًا وَسِتِّينَ، وَأَن عليا نحر الْبَاقِي. فَإِن قلت: كَيفَ الْجمع بَينه وَبَين رِوَايَة إِبْنِ إِسْحَاق؟ قلت: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نحر ثَلَاثِينَ، ثمَّ أَمر عليا أَن ينْحَر فَنحر سبعا وَثَلَاثِينَ. مثلا: ثمَّ نحر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، هَذَا بطرِيق يَتَأَتَّى ذَلِك، وإلاَّ فَالَّذِي رَوَاهُ مُسلم أصح وَالله أعلم. قَوْله: (فِي جزارتها) قَالَ ابْن التِّين: الجزارة، بِالْكَسْرِ اسْم للْفِعْل، وبالضم اسْم للسواقط، وَقد استقصينا الْكَلَام فِيهِ فِي: بَاب، الْجلَال للبدن، وعَلى مَا ذكره ابْن التِّين يَنْبَغِي أَن تقْرَأ: الجزارة، بِالْكَسْرِ. قيل: وَبِه صحت الرِّوَايَة، فَإِن صحت بِالضَّمِّ جَازَ أَن يكون المُرَاد لَا يُعْطي من بعض الْجَزُور أُجْرَة الجزار.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: جَوَاز التَّوْكِيل فِي الْقيام على مصَالح الْهَدْي من ذبحه وَقِسْمَة لَحْمه وَغير ذَلِك. وَفِيه: قسْمَة جَلَاله وجلوده يَعْنِي بَين الْفُقَرَاء لقَوْل عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أَمرنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن أقوم على بدنه وَأَن أَتصدق بلحمها وجلودها وأجلتها، وَأَن لَا أعطي أجر الجزار مِنْهَا. وَقَالَ: نَحن نُعْطِيه من عندنَا. وَفِيه: أَنه لَا يعْطى أُجْرَة الجزارة من لحم الْهَدْي. وَقَالَ ابْن خُزَيْمَة: النَّهْي عَن إِعْطَاء الجزار: المُرَاد بِهِ أَنه لَا يعْطى مِنْهَا عَن أجرته، وَكَذَا قَالَ الْبَغَوِيّ فِي (شرح السّنة) : قَالَ: وَأما إِذا أعطي أجرته كَامِلَة ثمَّ تصدق عَلَيْهِ إِذا كَانَ فَقِيرا كَمَا يتَصَدَّق على الْفُقَرَاء فَلَا بَأْس بذلك. وَقيل: إِعْطَاء الجازر على سَبِيل الْأُجْرَة مَمْنُوع لكَونه مُعَاوضَة، وَأما إِعْطَاؤُهُ صَدَقَة أَو هَدِيَّة أَو زِيَادَة على حقة فَالْقِيَاس الْجَوَاز، وَلَكِن إِطْلَاق الشَّارِع ذَلِك قد يفهم مِنْهُ منع الصَّدَقَة لِئَلَّا تقع مُسَامَحَة فِي الْأُجْرَة لأجل مَا يَأْخُذهُ فَيرجع إِلَى الْمُعَاوضَة. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَلم يرخص فِي إِعْطَاء الجزار مِنْهَا فِي أجرته إِلَّا الْحسن الْبَصْرِيّ وَعبد الله بن عبيد بن عُمَيْر. وَفِيه: من اسْتدلَّ بِهِ على منع بيع الْجلد. قَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَفِيه: دَلِيل على أَن جُلُود الْهَدْي وجلالها لَا تبَاع لعطفها على اللَّحْم وإعطائها حكمه. وَقد اتَّفقُوا على أَن لَحمهَا لَا يُبَاع، فَكَذَلِك الْجُلُود والجلال. وَأَجَازَهُ الْأَوْزَاعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر، وَهُوَ وَجه عِنْد الشَّافِعِيَّة، قَالُوا: وَيصرف ثمنه مصرف الْأُضْحِية، وَاسْتدلَّ أَبُو ثَوْر على أَنهم اتَّفقُوا على جَوَاز الِانْتِفَاع بِهِ، فَكل مَا جَازَ الِانْتِفَاع بِهِ جَازَ بَيْعه، وعورض باتفاقهم على جَوَاز الْأكل من لحم هدي التَّطَوُّع، وَلَا يلْزم من جَوَاز أكله جَوَاز بَيْعه. وَفِي (التَّوْضِيح) : وَاخْتلفُوا فِي بيع الْجلد، فَروِيَ عَن ابْن عمر: أَنه لَا بَأْس بِأَن يَبِيعهُ وَيتَصَدَّق بِثمنِهِ، قَالَه أَحْمد وَإِسْحَاق، وَقَالَ

(10/53)


أَبُو هُرَيْرَة: من بَاعَ إهَاب أضحيته فَلَا أضْحِية لَهُ، وَقَالَ ابْن عَبَّاس: يتَصَدَّق بِهِ أَو ينْتَفع بِهِ وَلَا يَبِيعهُ. وَعَن الْقَاسِم وَسَالم: لَا يَصح بيع جلدهَا، وَهُوَ قَول مَالك: وَقَالَ النَّخعِيّ وَالْحَاكِم: لَا بَأْس أَن يَشْتَرِي بِهِ الغربال والمنحل والفأس وَالْمِيزَان وَنَحْوهَا، وَقَالَ الْقَدُورِيّ وَيتَصَدَّق بجلدها. وَقَالَ صَاحب (الْهِدَايَة) لِأَنَّهُ جُزْء مِنْهَا أَو يعْمل مِنْهُ آلَة تسْتَعْمل فِي الْبَيْت كانطع والجراب والغربال وَنَحْو ذَلِك، وَقَالَ صَاحب (الْهِدَايَة) : وَلَا بَأْس بِأَن يَشْتَرِي بِهِ مَا نتفع بِعَيْنِه مَعَ بَقَاء عينه كالجراب وَنَحْوه اسْتِحْسَانًا وَقَالَ شيخ الْإِسْلَام فِي شرح الكتفي وَلَا بَأْس بِأَن يَشْتَرِي بجلد أضحيته مَتَاعا للبيت لِأَنَّهُ أطلق لَهُ الِانْتِفَاع دون البيع، فَكل مَا كَانَ فِي معنى الِانْتِفَاع يجوز وَمَا لَا فَلَا. وَقَالَ مُحَمَّد فِي (نَوَادِر هِشَام) : وَلَا يَشْتَرِي بِهِ الْخلّ والبزر، وَله أَن يَشْتَرِي مَا لَا يُؤْكَل مثل: الغربال وَالثَّوْب، وَلَو اشْترى بِاللَّحْمِ خبْزًا جَازَ لِأَنَّهُ ينْتَفع بِهِ كَمَا ينْتَفع بِاللَّحْمِ، إِذْ اللَّحْم لَا يُؤْكَل مُفردا وَإِنَّمَا يُؤْكَل مَعَ الْخبز، وَلَو اشْترى بِاللَّحْمِ مَتَاع الْبَيْت لَا يجوز، وَقَالَ شيخ الْإِسْلَام خُوَاهَر زَاده: الْجَواب فِي اللَّحْم كالجواب فِي الْجلد: إِن بَاعه بِالدَّرَاهِمِ تصدق بِثمنِهِ، وَإِن بَاعه بِشَيْء آخر ينْتَفع بِهِ كَمَا فِي الْجلد. انْتهى. وَقَالَ عَطاء: إِن كَانَ الْهَدْي وَاجِبا تصدق بإهابه، وَإِن كَانَ تَطَوّعا بَاعه إِن شَاءَ فِي الدّين. وَكَانَ ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، يكسو جلالها الْكَعْبَة، فَلَمَّا كُسِيت الْكَعْبَة تصدق بهَا. وَقَالَ النَّوَوِيّ: قَالُوا: يسْتَحبّ أَن يكون قيمَة الْجلَال ونفاستها بِحَسب حَال الْهَدْي، وَكَانَ بعض السّلف يُجَلل بالوشي، وَبَعْضهمْ بِالْحيرَةِ، وَبَعْضهمْ بِالْقبَاطِيِّ والملاحف والأزر.

121 - (بابٌ يُتَصَدَّقُ بِجُلُودِ الْهَدْيِ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ أَنه يتَصَدَّق صَاحب الْهَدْي بجلود هَدْيه.

7171 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا يَحْيَى عنِ ابنِ جُرَيْجٍ قَالَ أخبرَنِي الْحَسَنُ بنُ مُسْلِمٍ وعبْدُ الكَرِيمِ الجَزْرِيُّ أنَّ مُجَاهِدا أخبَرَهُمَا أنَّ عَبْدَ الرَّحْمانِ بنَ أبِي لَيْلَى أخْبَرَهُ أنَّ عَلِيّا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أخْبَرهُ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمَرَهُ أنْ يَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ وأنْ يَقْسِمَ بُدْنَهُ كُلَّها لُحومَها وجُلُودَها وجِلالَهَا ولاَ يُعْطِيَ فِي جِزَارَتِها شَيْئا..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وأصل هَذَا الحَدِيث مر فِي: بَاب الْجلَال للبدن، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن: قبيصَة عَن سُفْيَان عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ... إِلَى آخِره، وَأخرجه أَيْضا فِي الْبَاب السَّابِق: عَن مُحَمَّد بن كثير عَن سُفْيَان عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن عَليّ، وَلِهَذَا الحَدِيث طرق مُخْتَلفَة، وَذَلِكَ لِأَن فِي طَرِيق هَذَا الْبَاب: أَن ابْن جريج يروي عَن الْحسن بن مُسلم وَعبد الْكَرِيم الْجَزرِي عَن مُجَاهِد، وَفِي طَرِيق الْبَاب السَّابِق يروي سُفْيَان عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد، وَكَذَلِكَ فِي طَرِيق حَدِيث: بَاب الْجلَال للهدي، ويروي سُفْيَان أَيْضا عَن عبد الْكَرِيم عَن مُجَاهِد، ويروي عَن سُفْيَان فِي أحد الطَّرِيقَيْنِ قبيصَة، وَفِي الآخر مُحَمَّد بن كثير، وسَاق البُخَارِيّ حَدِيث الْبَاب بِلَفْظ الْحسن بن مُسلم، وَأما لفظ عبد الْكَرِيم فقد أخرجه مُسلم، قَالَ: حَدثنَا يحيى بن يحيى، قَالَ: أخبرنَا أَبُو خَيْثَمَة عَن عبد الْكَرِيم عَن مُجَاهِد عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى (عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: أَمرنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن أقوم على بدنه، وَأَن أَتصدق بلحمها وجلودها، وَأَن لَا أعطي الجزار مِنْهَا، قَالَ: نَحن نُعْطِيه من عندنَا) . وَبَقِيَّة الْكَلَام فِيهِ قد مرت فِي الْأَبْوَاب الْمَذْكُورَة.

221 - (بابٌ يُتَصَدَّقُ بِجِلاَلِ البُدْنِ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: يتَصَدَّق صَاحب الْهَدْي بِجلَال الْبدن.

8171 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ حدَّثنا سَيْفُ بنُ أبي سُلَيْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ مُجَاهِدا يَقُولُ حدَّثَنِي ابنُ أبِي لَيْلَى عَلِيّا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ حدَّثَهُ قَالَ أهْدَى النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِائَةَ بَدَنَةٍ فأمَرَنِي بِلُحُومِهَا

(10/54)


فقَسَمْتُهَا ثُمَّ أمرَنِي بِجِلاَلِهَا ثُمَّ بِجُلُودِهَا فَقَسَمْتُهَا..
هَذَا طَرِيق آخر عَن مُجَاهِد أخرجه أَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن عَن سُفْيَان بن أبي سُلَيْمَان المَخْزُومِي الْمَكِّيّ، وَيُقَال: سيف بن سُلَيْمَان، تقدم فِي أَبْوَاب الْقبْلَة، وَابْن أبي ليلى هُوَ عبد الرَّحْمَن.
وَفِيه: من الْفَوَائِد: أَنه عين كمية بدن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِأَنَّهَا مائَة بَدَنَة.