عمدة القاري شرح صحيح البخاري

321 - (بابٌ {وَإذُ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكانَ البَيْتِ لاَ تُشْرِكْ بِي شَيْئا وطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ والْقَائِمينَ والرُّكَّعِ السُّجُودِ وأأذِّنْ فِي النَّاسِ بِالحَجِّ يَأتُوكَ رِجَالاً وعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ويَذْكُرُوا اسْمَ الله فِي أيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعَامِ فكُلُوا مِنْهَا وأطْعِمُوا الْبَائِشَ الفَقِيرَ ثُمَّ لِيَقْضُوا تفَثُهُمْ ولْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ولْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ذَلِكَ ومَنْ يُعَظِّمُ حُرُمَاتِ الله فَهْوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} (الْحَج: 62، 03)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذ بوَّأنا} الْآيَات إِلَى قَوْله: {خير لَهُ عِنْد ربه} ، هَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة كَرِيمَة، وَقَالَ بَعضهم: وَالْمرَاد مِنْهَا هَهُنَا قَوْله تَعَالَى: {فَكُلُوا مِنْهَا وأطعموا البائس الْفَقِير} وَلذَلِك عطف عَلَيْهَا فِي التَّرْجَمَة، وَمَا يَأْكُل من الْبدن وَمَا يتَصَدَّق، أَي لبَيَان المُرَاد من الْآيَة. انْتهى. قلت: هَذَا الَّذِي قَالَه إِنَّمَا يمشي أَن لَو لم يكن بَين هَذِه الْآيَات وَبَين قَوْله: (مَا يَأْكُل من الْبدن وَمَا يتَصَدَّق) بَاب، لِأَن الْمَذْكُور فِي مُعظم النّسخ بعد قَوْله: {فَهُوَ خير لَهُ عِنْد ربه} بَاب مَا يَأْكُل من الْبدن وَمَا يتَصَدَّق، وَأَيْنَ الْعَطف فِي هَذَا وكل وَاحِد من الْبَابَيْنِ تَرْجَمَة مُسْتَقلَّة؟ وَالظَّاهِر أَنه ذكر هَذِه الْآيَات تَرْجَمَة وَلم يجد فِيهَا حَدِيثا يطابقها، إِمَّا لِأَنَّهُ لم يجده على شَرطه، أَو أدْركهُ الْمَوْت قبل أَن يَضَعهُ. وَوجه آخر وَهُوَ أقرب مِنْهُ: هُوَ أَن هَذِه الْآيَات مُشْتَمِلَة على أَحْكَام: ذكر هَذِه الْآيَات تَنْبِيها على هَذِه الْأَحْكَام، وَهِي تَطْهِير الْبَيْت للطائفين والمصلين من الْأَصْنَام والأوثان والأقذار، وَأمر الله تَعَالَى لرَسُوله أَن يُؤذن للنَّاس بِالْحَجِّ، وَذَلِكَ فِي حجَّة الْوَدَاع على مَا نذكرهُ عَن قريب، وشهود الْمَنَافِع الدِّينِيَّة والدنياوية المختصة بِهَذِهِ الْعِبَادَة، وَذكر اسْم الله تَعَالَى فِي أَيَّام مَعْلُومَات، وَهِي عشر ذِي الْحجَّة على قَول، وشكرهم لَهُ على مَا رزقهم من الْأَنْعَام يذبحون، وَالْأَمر بِالْأَكْلِ مِنْهَا وإطعام الْفَقِير. وَقَضَاء التفث مثل حلق الرَّأْس وَنَحْوه، وَالْوَفَاء بِالنذرِ وَالطّواف بِالْبَيْتِ الْعَتِيق وتعظيم حرمات الله تَعَالَى.
قَوْله: (وَإِذ بوأنا) أَي: اذكر إِذْ جعلنَا لإِبْرَاهِيم مَكَان الْبَيْت مباءة ومرجعا يرجع إِلَيْهِ لِلْعِبَادَةِ والعمارة، يُقَال: بوأ الرجل منزلا أعده، وبوأه غَيره منزلا أعطَاهُ، وَأَصله: إِذا رَجَعَ، وَاللَّام فِي: لإِبْرَاهِيم، مقحمة لقَوْله تَعَالَى: {بوأنا بني إِسْرَائِيل} (يُونُس: 39) . وَقَوله: {تُبَوىء الْمُؤمنِينَ} (آل عمرَان: 121) . قَوْله: (مَكَان الْبَيْت) أَي: مَوضِع الْكَعْبَة. قيل: الْمَكَان جَوْهَر يُمكن أَن يثبت عَلَيْهِ غَيره، كَمَا أَن الزَّمَان عرض يُمكن أَن يحدث فِيهِ غَيره. فَإِن قيل: كَيفَ يكون النَّهْي عَن الْإِشْرَاك وَالْأَمر بالتطهير تَفْسِيرا للتبوئة؟ أُجِيب: بِأَنَّهُ كَانَت التبوئة مَقْصُودَة من أجل الْعِبَادَة، فَكَأَنَّهُ قيل: وَإِذا تعبدنا إِبْرَاهِيم قُلْنَا لَهُ: لَا تشرك بِي شَيْئا وطهر بَيْتِي من الْأَصْنَام والأوثان. قَوْله: (والقائمين) ، أَي: الْمُصَلِّين، لِأَن الصَّلَاة قيام وركوع وَسُجُود، والرُّكع جمع: رَاكِع، والسُّجد جمع: ساجد، لم يذكر الْوَاو بَين الركع والسجد، وَذكر بَين القائمين والركع لكَمَال الِاتِّصَال بَين الركع والسجد، إِذْ لَا يَنْفَكّ أَحدهمَا عَن الآخر فِي الصَّلَاة فرضا أَو نفلا، وينفك الْقيام من الرُّكُوع، فَلَا يكون بَينهمَا كَمَال الِاتِّصَال. قَوْله: (وَأذن) أَي: نادِ، عطف على قَوْله: {وطهر} والنداء بِالْحَجِّ أَن يَقُول: حجُّوا. أَمر إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، أَن يُؤذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ، وَقَالَ إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: يَا رب! وَمَا يبلغ صوتي؟ قَالَ: أذن وَعلي الْبَلَاغ، وَعَن الْحسن أَن قَوْله: {وَأذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ} كَلَام مُسْتَأْنف، وَأَن الْمَأْمُور بِهَذَا التأذين مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَمر أَن يفعل ذَلِك فِي حجَّة الْوَدَاع. قَوْله: (رجَالًا) أَي: مشَاة على أَرجُلهم، جمع راجل مثل: قَائِم وَقيام، وصائم وَصِيَام. قَوْله: (وعَلى كل ضامر) أَي: وركبانا، والضامر الْبَعِير المهزول، وانتصاب رجَالًا على أَنه حَال، وعَلى كل ضامر أَيْضا حَال معطوفة على الْحَال الأولى. قَوْله: (يَأْتِين) ، صفة لكل ضامر فِي معنى الْجمع، أَرَادَ: النوق. قَوْله: (من كل فج عميق) أَي: طَرِيق بعيد.

(10/55)


قَوْله: (ليشهدوا) ، أَي: ليحضروا مَنَافِع لَهُم مُخْتَصَّة بِهَذِهِ الْعِبَادَة من أُمُور الدّين وَالدُّنْيَا، وَقيل: الْمَنَافِع التِّجَارَة، وَقيل: الْعَفو وَالْمَغْفِرَة. قَوْله: (فِي أَيَّام مَعْلُومَات) ، يَعْنِي: عشر ذِي الْحجَّة، وَقيل: تِسْعَة أَيَّام من الْعشْر، وَقيل: يَوْم الْأَضْحَى وَثَلَاثَة أَيَّام بعده، وَقيل: أَيَّام التَّشْرِيق، وَقيل: إِنَّهَا خَمْسَة أَيَّام أَولهَا يَوْم التَّرويَة: وَقيل: ثَلَاثَة أَيَّام أَولهَا يَوْم عَرَفَة، وَالذكر هَهُنَا يدل على التَّسْمِيَة على مَا نحر لقَوْله: {على مَا رزقهم من بَهِيمَة الْأَنْعَام} (الْحَج: 82 و 43) . يَعْنِي: الْهَدَايَا والضحايا من الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم والبهيمة، مُبْهمَة فِي كل ذَات أَربع فِي الْبر وَالْبَحْر، فبينت بالأنعام، وَهِي الْإِبِل وَالْبَقر والضأن والمعز. قَوْله: (فَكُلُوا مِنْهَا) الْأَمر بِالْأَكْلِ مِنْهَا أَمر إِبَاحَة لِأَن أهل الْجَاهِلِيَّة كَانُوا لَا يَأْكُلُون من نِسَائِكُم، وَيجوز أَن يكون ندبا لما فِيهِ من مواساة الْفُقَرَاء ومساواتهم، وَاسْتِعْمَال التَّوَاضُع. قَوْله: (وأطعموا البائش) ، أَي: الَّذِي أَصَابَهُ بؤس، أَي: شدَّة الْفقر، وَذهب الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنه لَيْسَ بِوَاجِب، قَوْله: (ثمَّ ليقضوا تفثهم) ، قَالَ عَطاء عَن ابْن عَبَّاس: التفث، حلق الرَّأْس وَأخذ الشَّارِب ونتف الْإِبِط وَحلق الْعَانَة وقص الْأَظْفَار وَالْأَخْذ من العارضين وَرمي الْجمار وَالْوُقُوف بِعَرَفَة، وَقيل: مَنَاسِك الْحَج، والتفث فِي الأَصْل: الْوَسخ والقذارة من طول الشّعْر والأظفار والشعث، وقضاؤه نقضه، وإذهابه. وَقَالَ الزّجاج: أهل اللُّغَة لَا يعْرفُونَ التفث إلاَّ من التَّفْسِير، وَكَأَنَّهُ الْخُرُوج من الْإِحْرَام إِلَى الْإِحْلَال. قَوْله: (وليوفوا نذورهم) ، أَي: نذور الْحَج وَالْهَدْي، وَمَا ينذر الْإِنْسَان من أَعمال الْبر فِي حجهم. قَوْله: (وليطوفوا) ، أَرَادَ الطّواف الْوَاجِب وَهُوَ طواف الْإِفَاضَة، والزيارة الَّذِي يُطَاف بعد الْوُقُوف، أما يَوْم النَّحْر أَو بعده. قَوْله: (بِالْبَيْتِ الْعَتِيق) أَي: بِالْكَعْبَةِ، سمي الْعَتِيق لقدمه أَو لِأَنَّهُ أعتق من أَيدي الْجَبَابِرَة، فَلم يصلوا إِلَى تخريبه، فَلم يظْهر عَلَيْهِ جَبَّار وَلم يُسَلط عَلَيْهِ إلاَّ من يعظمه ويحترمه، وَقيل: لِأَنَّهُ لم يملك قطّ. وَقيل: لِأَن أعتق من الْغَرق يَوْم الطوفان.

421 - (بابُ مَا يأكُلُ مِنَ الْبُدْنِ ومَا يَتَصَدَّقُ)

أَي: هَذَا بَاب فِيهِ بَيَان مَا يَأْكُل صَاحب الْهَدْي من الْبدن وَمَا يتَصَدَّق مِنْهَا أَرَادَ مَا يجوز لَهُ الْأكل، وَمَا يجب عَلَيْهِ أَن يتَصَدَّق، وَفِي بعض النّسخ: بَاب مَا يُؤْكَل، على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: بَاب فِي بَيَان مَا يجوز الْأكل مِنْهَا وَمَا يتَصَدَّق مِنْهَا، وَهُوَ على صِيغَة الْمَجْهُول أَيْضا على هَذِه النُّسْخَة.
وقَالَ عُبَيْدُ الله أخبَرَني نافِعٌ عَنِ ابنِ عُمرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما لاَ يُؤْكَلُ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ والنَّذْرِ ويْؤْكَلُ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَعبيد الله هُوَ ابْن عمر الْعمريّ، وَهَذَا تَعْلِيق وَصله ابْن أبي شيبَة عَن ابْن نمير عَنهُ بِمَعْنَاهُ. قَالَ: (إِذا عطبت الْبَدنَة أَو كسرت أكل مِنْهَا صَاحبهَا وَلم يبدلها إلاَّ أَن تكون نذرا أَو جَزَاء صيد) . وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق الْقطَّان عَن عبيد الله بِلَفْظ التَّعْلِيق الْمَذْكُور. قَوْله: (لَا يُؤْكَل) أَي: لَا يَأْكُل الْمَالِك من الَّذِي جعله جَزَاء لصيد الْحرم، وَلَا من الْمَنْذُور، بل يجب التَّصَدُّق بهما. وَبِه قَالَ أَحْمد فِي رِوَايَة، وَهُوَ قَول مَالك، وَزَاد: (إلاَّ فديَة الْأَذَى) ، وَعَن أَحْمد: لَا يُؤْكَل إلاَّ من هدي التَّطَوُّع والمتعة وَالْقرَان، وَهُوَ قَول أَصْحَابنَا، بِنَاء على أَن دم التَّمَتُّع وَالْقرَان دم نسك لَا دم جبران، وَذكر ابْن الْمَوَّاز عَن مَالك أَنه يَأْكُل من الْهَدْي النّذر، إلاَّ أَن يكون نَذره للْمَسَاكِين، وَكَذَلِكَ مَا أخرجه بِمَعْنى الصَّدَقَة لَا يَأْكُل مِنْهُ، وَكَانَ الْأَوْزَاعِيّ يكره أَن يَأْكُل من جَزَاء الصَّيْد أَو فديَة أَو كَفَّارَة، وَيَأْكُل النذور وهدي التَّمَتُّع والتطوع. وَفِي (التَّوْضِيح) : وَاخْتلف أهل الْعلم فِي هدي التَّطَوُّع إِذا عطب قبل مَحَله، فَقَالَت طَائِفَة: صَاحبه مَمْنُوع من الْأكل مِنْهُ، رُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس، وَهُوَ قَول مَالك وَأبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ، ورخصت طَائِفَة فِي الْأكل مِنْهُ، رُوِيَ ذَلِك عَن عَائِشَة وَابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
أَي: قَالَ عَطاء بن أبي رَبَاح: يَأْكُل من جَزَاء الصَّيْد وَالنّذر، وَيطْعم من الْمُتْعَة أَي من الْهَدْي الَّذِي يُسمى بِدَم التَّمَتُّع الْوَاجِب على الْمُتَمَتّع، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج عَنهُ، وروى سعيد بن مَنْصُور من وَجه آخر عَن عَطاء:

(10/56)


لَا يُؤْكَل من جَزَاء الصَّيْد وَلَا مِمَّا جعل للْمَسَاكِين من النذور وَغير ذَلِك، وَلَا من الْفِدْيَة، ويؤكل مَا سوى ذَلِك، وروى عبد بن حميد من وَجه آخر عَنهُ: أَن شَاءَ أكل الْهَدْي وَالْأُضْحِيَّة، وَإِن شَاءَ لم يَأْكُل.

9171 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا يَحْيَى عَنِ ابنِ جُرَيْجٍ قَالَ حَدثنَا عَطَاءٌ سَمِعَ جَابِرَ بنَ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا يَقُوُل كُنَّا لَا نأكُل من لُحُومِ بُدْنِنا فَوقَ ثَلاث مِنًى فرخَّصَ لنا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ كُلُوا وتَزَوَّدُوا فأكلْنا وتَزَوَّدْنا قُلْتُ لِعَطَاءِ أقالَ حَتَّى جِئنَا المَدِينَةَ قَالَ لاَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (كلوا وتزودوا. .) إِلَخ. وَرِجَاله قد تكَرر ذكرهم، وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان الْبَصْرِيّ، وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج الْمَكِّيّ، وَعَطَاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح الْمَكِّيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الْأَضَاحِي عَن أبي بكر عَن عَليّ بن مسْهر وَعَن يحيى بن أَيُّوب عَن أَيُّوب عَن إِسْمَاعِيل بن علية وَعَن مُحَمَّد بن حَاتِم عَن يحيى، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْحَج عَن عَمْرو بن عَليّ عَن يحيى وَعَن عمرَان بن يزِيد.
قَوْله: (فَوق ثَلَاث منى) بِإِضَافَة: ثَلَاث، إِلَى: منى، أَي: الْأَيَّام الثَّلَاثَة الَّتِي كُنَّا بمنى وَهِي الْأَيَّام المعدودات. قَوْله: (قلت لعطاء) ، الْقَائِل هُوَ ابْن جريج. قَوْله: (أقَال) ، الْهمزَة فِيهِ للاستفهام أَي: أقَال جَابر: حَتَّى جِئْنَا الْمَدِينَة، قَالَ جَابر: لَا يَعْنِي لم يقل جَابر حَتَّى جِئْنَا الْمَدِينَة، وَوَقع فِي مُسلم: (قَالَ: نعم) ، بدل قَوْله: (لَا) فروى مُسلم من حَدِيث ابْن جريج: (حَدثنِي عَطاء، قَالَ: سَمِعت جَابر بن عبد الله، يَقُول: كُنَّا لَا نَأْكُل من لُحُوم بدننا فَوق ثَلَاث، فأرخص لنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: كلوا وتزودوا) . قلت لعطاء: أقَال جَابر حَتَّى جِئْنَا الْمَدِينَة؟ قَالَ: نعم) . والتوفيق بَين قَوْله: (لَا) وَقَوله: (نعم) أَن يحمل على أَنه نسي، فَقَالَ: لَا، ثمَّ تذكر فَقَالَ: نعم، وَحَدِيث جَابر هَذَا يُخَالف مَا رَوَاهُ مُسلم (عَن عَليّ بن أبي طَالب: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهَانَا أَن نَأْكُل من لُحُوم نسكنا بعد ثَلَاث) ، وَفِي لفظ: (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد نهاكم أَن تَأْكُلُوا لُحُوم نسككم فَوق ثَلَاث لَيَال، فَلَا تَأْكُلُوا) وروى أَيْضا عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا يَأْكُل أحدكُم من لحم أضحيته فَوق ثَلَاث أَيَّام.
وَقَالَ القَاضِي: اخْتلف الْعلمَاء فِي الْأَخْذ بِهَذِهِ الْأَحَادِيث، فَقَالَ قوم: يحرم إمْسَاك لُحُوم الْأَضَاحِي وَالْأكل مِنْهَا بعد ثَلَاث، وَأَن حكم التَّحْرِيم بَاقٍ، كَمَا قَالَه عَليّ وَابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. وَقَالَ جَمَاهِير الْعلمَاء: يُبَاح الْأكل والإمساك بعد الثَّلَاث، وَالنَّهْي مَنْسُوخ بِحَدِيث جَابر هَذَا وَغَيره، وَهَذَا من نسخ السّنة بِالسنةِ، وَقَالَ بَعضهم: لَيْسَ هُوَ نسخا بل كَانَ التَّحْرِيم لعِلَّة. فَلَمَّا زَالَت زَالَ التَّحْرِيم، وَتلك الْعلَّة هِيَ الدافة، وَكَانُوا منعُوا من ذَلِك فِي أول الْإِسْلَام من أجل الدافة، فَلَمَّا زَالَت الْعلَّة الْمُوجبَة لذَلِك أَمرهم أَن يَأْكُلُوا ويدخروا. وروى مُسلم من حَدِيث مَالك عَن عبد الله بن أبي بكر عَن عبد الله بن وَاقد قَالَ نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أكل لُحُوم الضَّحَايَا بعد ثَلَاث. قَالَ عبد الله بن أبي بكر: فَذكرت ذَلِك لعمرة، فَقَالَت: صدق، سَمِعت عَائِشَة تَقول: دف أهل أَبْيَات من أهل الْبَادِيَة حَضْرَة الْأَضْحَى زمن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ادخروا ثَلَاثًا ثمَّ تصدقوا بِمَا بَقِي، فَلَمَّا كَانَ بعد ذَلِك، قَالُوا: يَا رَسُول الله إِن النَّاس يتخذون الأسقية من ضحاياهم ويحملون فِيهَا الودك، فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَمَا ذَاك؟ قَالُوا: نهيت أَن تُؤْكَل لُحُوم الضَّحَايَا بعد ثَلَاث. فَقَالَ: إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ من أجل الدافة الَّتِي دفت، فَكُلُوا وَادخرُوا وتصدقوا) . قَالَ أهل اللُّغَة: الدافة، بتَشْديد الْفَاء: قوم يَسِيرُونَ جَمِيعًا سيرا خَفِيفا من: دف يدف، بِكَسْر الدَّال. ودافة الْأَعْرَاب من يرد مِنْهُم الْمصر، وَالْمرَاد هُنَا: من ورد من ضعفاء الْأَعْرَاب للمواساة. وَقيل: كَانَ النَّهْي الأول للكراهة لَا للتَّحْرِيم، قَالَ هَؤُلَاءِ: وَالْكَرَاهَة بَاقِيَة إِلَى يَوْمنَا هَذَا، وَلَكِن لَا يحرم. قَالُوا: وَلَو وَقع مثل تِلْكَ الْعلَّة الْيَوْم فدفت دافة واساهم النَّاس وحملوا على هَذَا مَذْهَب عَليّ وَابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَالصَّحِيح نسخ النَّهْي مُطلقًا، وَأَنه لم يبْق تَحْرِيم وَلَا كَرَاهَة فَيُبَاح الْيَوْم الادخار فَوق ثَلَاثَة، وَالْأكل إِلَى مَا شَاءَ لصريح حَدِيث جَابر، وَحَدِيث بُرَيْدَة أَيْضا يدل على ذَلِك. وَأخرجه مُسلم من حَدِيث عبد الله بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (نَهَيْتُكُمْ عَن زِيَارَة الْقُبُور، فزوروها، ونهيتكم عَن لُحُوم الْأَضَاحِي فَوق ثَلَاث، فأمسكوا مَا بدا لكم) الحَدِيث وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه أَيْضا.
وَاخْتلف فِي مِقْدَار مَا يُؤْكَل مِنْهَا وَمَا يتَصَدَّق، فَذكر عَلْقَمَة أَن ابْن

(10/57)


مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أمره أَن يتَصَدَّق بِثُلثِهِ وَيَأْكُل ثلثه وَيهْدِي ثلثه، وَرُوِيَ عَن عَطاء. وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَأحمد وَإِسْحَاق. وَقَالَ الثَّوْريّ: يتَصَدَّق بأكثره. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: مَا يجب أَن يتَصَدَّق بِأَقَلّ من الثُّلُث. وَقَالَ صَاحب (الْهِدَايَة) : وَيَأْكُل من لحم الْأُضْحِية قَالَ: هَذَا فِي غير الْمَنْذُورَة، أما فِي الْمَنْذُورَة فَلَا يَأْكُل النَّاذِر سَوَاء كَانَ مُعسرا أَو مُوسِرًا، وَبِه قَالَت الثَّلَاثَة أَعنِي: مَالِكًا وَالشَّافِعِيّ وَأحمد، وَعَن أَحْمد: يجوز الْأكل من الْمَنْذُورَة أَيْضا.
ثمَّ الْأكل من الْأُضْحِية مُسْتَحبّ عِنْد أَكثر الْعلمَاء وَعند الظَّاهِرِيَّة وَاجِب، وَحكي ذَلِك عَن أبي حَفْص الْوَكِيل من أَصْحَاب الشَّافِعِي، قَالَ صَاحب (الْهِدَايَة) : وَيطْعم الْأَغْنِيَاء والفقراء، ويدخر. ثمَّ روى حَدِيث جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الَّذِي أخرجه مُسلم عَن أبي الزبير عَنهُ عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أَنه نهى عَن أكل لُحُوم الضَّحَايَا بعد ثَلَاث، ثمَّ قَالَ بعد: كلوا وتزودوا وَادخرُوا) . انْتهى. قَالَ: وَمَتى جَازَ أكله وَهُوَ غَنِي جَازَ أَن يؤكله غَنِيا، ثمَّ قَالَ: وَيسْتَحب أَن لَا تنقص الصَّدَقَة من الثُّلُث، لِأَن الْجِهَات ثَلَاثَة: الْأكل والادخار وَالْإِطْعَام، فانقسم عَلَيْهَا أَثلَاثًا.

0271 - حدَّثنا خَالِدُ بنُ مَخْلَدٍ قَالَ حدَّثنا سُلَيْمَانُ قَالَ حدَّثني يحْيَى قَالَ حدَّثَتْني عَمْرَةُ قالَتْ سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا تَقُولُ خَرَجْنا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِخمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي القِعْدَةِ وَلَا نُرَى إلاَّ الْحَجَّ إذَا دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ أمَرَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إذَا طافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ يَحِلُّ قالَتْ عَائِشَةُ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا فَدُخِلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ فَقُلْتُ مَا هاذا فَقيلَ ذَبَحَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ أزْوَاجِهِ قَالَ يَحْيَى فذَكَرْتُ هذَا الحَدِيثَ لِلْقَاسِمِ فَقالَ أتَتْكَ بِالْحَدِيثِ عَلى وَجْهِهِ..
هَذَا الحَدِيث مضى فِي: بَاب ذبح الرجل الْبَقر عَن نِسَائِهِ، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن يحيى ابْن سعيد عَن عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا؛ وَهَهُنَا أخرجه: عَن خَالِد بن مخلد، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة، وَقد مر فِي الْعلم، عَن يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ ... إِلَى آخِره، وَالرِّجَال كلهم مدنيون، وخَالِد وَإِن كَانَ أَصله من الْكُوفَة وَلكنه سكن الْمَدِينَة، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى هُنَاكَ.
قَوْله: (إِذا طَاف بِالْبَيْتِ) ، جَوَاب: إِذا، مَحْذُوف، تَقْدِيره: إِذا طَاف بِالْبَيْتِ يتم عمرته، ثمَّ يحل، وَيجوز أَن يكون إِذا للظرفية الْمَحْضَة، لقَوْله: (لم يكن) ، وَجَوَاب: من لم يكن، مَحْذُوف، قَالَ الْكرْمَانِي: وَيجوز أَن يكون: ثمَّ، زَائِدَة. قَالَ الْأَخْفَش فِي قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى إِذا ضَاقَتْ عَلَيْهِم الأَرْض بِمَا رَحبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِم أنفسهم وظنوا أَن لَا ملْجأ من الله إلاَّ إِلَيْهِ ثمَّ تَابَ عَلَيْهِم} (التَّوْبَة: 811) . إِن: تَابَ، جَوَاب إِذا، و: ثمَّ زَائِدَة. قَالَ الْكرْمَانِي أَيْضا: وَفِي بعض الرِّوَايَة لفظ: إِذا، مَفْقُود وَهُوَ ظَاهر قلت: يكون التَّقْدِير: من لم يكن مَعَه هدي طَاف بِالْبَيْتِ، فَيكون: طَاف، جَوَاب: من. وَقَوله: (ثمَّ يحل) عطف، أَي: بعد طَوَافه بِالْبَيْتِ يحل، أَي: يخرج من إِحْرَام الْعمرَة. فَافْهَم. وَرَأَيْت فِي نُسْخَة صَحِيحَة مقروءة: من لم يكن مَعَه هدي إِذا طَاف بِالْبَيْتِ أَن يحل.

521 - (بابُ الذَّبْحِ قَبْلَ الْحَلْقِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم ذبح الْحَاج هَدْيه قبل أَن يحلق رَأسه، وَاكْتفى بِمَا فِي الحَدِيث عَن بَيَان الحكم فِي التَّرْجَمَة.

1271 - حدَّثنا محَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله بنِ حَوْشَبٍ قَالَ حدَّثنا هُشَيْمٌ أخبرنَا مَنْصُورٌ عنْ عَطَاء عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ سُئِلَ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَمَّنُ حَلَقَ قَبْلَ أنْ يَذْبَحَ ونَحْوِهِ فَقَالَ لاَ حَرَجَ لَا حَرَجَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يبين مَا فِي التَّرْجَمَة من الذّبْح قبل الْحلق يجوز أَو لَا، وَقد بَين الحَدِيث أَنه يجوز، لِأَن قَوْله

(10/58)


صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا حرج) ، يدل على الْجَوَاز، وَإِن كَانَ الأَصْل أَن يكون الذّبْح قبل الْحلق.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: مُحَمَّد بن عبد الله بن حَوْشَب، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة والشين الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة. الثَّانِي: هشيم، بِضَم الْهَاء وَفتح الشين الْمُعْجَمَة: ابْن بشير السّلمِيّ. الثَّالِث: مَنْصُور بن زَاذَان، بالزاي والذال المعجمتين، مَاتَ سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَمِائَة. الرَّابِع: عَطاء بن أبي رَبَاح. الْخَامِس: عبد الله بن عَبَّاس.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. والإخبار كَذَلِك فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: أَن شَيْخه طائفي وَأَنه من أَفْرَاده وَأَن هشيما ومنصورا واسطيان وَأَن عَطاء مكي.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ من أَرْبَعَة طرق على مَا نذكرها، وَمن سِتَّة أوجه: عَن مَنْصُور عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس. عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس، عَن ابْن خثيم عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس، عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس، عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس. وَعَن عَطاء عَن جَابر. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْحَج عَن يَعْقُوب الدَّوْرَقِي عَن هشيم بِهِ، وَلَفظه: (سُئِلَ عَمَّن حلق قبل أَن يذبح، أَو ذبح قبل أَن يَرْمِي) . وَأخرجه أَحْمد بن حَنْبَل نَحْو النَّسَائِيّ، وَعند مُسلم عَن طَاوُوس: (عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قيل لَهُ فِي الذّبْح وَالْحلق وَالرَّمْي والتقديم وَالتَّأْخِير، فَقَالَ: لَا حرج) . وَعند الْإِسْمَاعِيلِيّ سُئِلَ عَمَّن ذبح قبل أَن يحلق، وَعَمن حلق قبل أَن يذبح، وَحلق قبل أَن يَرْمِي أَشْيَاء ذكرهَا. قَالَ: لَا حرج. وَعند أبي دَاوُد: (كَانَ يسْأَل يَوْم منى فَيَقُول: لَا حرج، فَسَأَلَهُ رجل. فَقَالَ: إِنِّي حلقت قبل أَن أذبح. قَالَ: إذبح وَلَا حرج، قَالَ: إِنِّي أمسيت، وَلم أرمِ. قَالَ: إرمِ وَلَا حرج) . وروى مُسلم من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ. قَالَ: (وقف رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي حجَّة الْوَدَاع بمنى للنَّاس يسألونه، فجَاء رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله، لم أشعر، فحلقت قبل أَن أذبح. فَقَالَ: إذبح وَلَا حرج، ثمَّ جَاءَهُ رجل آخر فَقَالَ: يَا رَسُول الله، لم أشعر فنحرت قبل أَن أرمي، فَقَالَ: إرمِ وَلَا حرج. قَالَ: فَمَا سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن شَيْء قدم وَلَا أخر إلاَّ قَالَ: إفعل وَلَا حرج) . وَأخرجه مُسلم من طرق كَثِيرَة.
ثمَّ اعْلَم أَن للْعُلَمَاء فِي هَذَا الْبَاب أقوالاً، فَذهب عَطاء وطاووس وَمُجاهد إِلَى أَنه: إِن قدم نسكا قبل نسك أَنه لَا حرج عَلَيْهِ، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد وَإِسْحَاق. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: من قدم من حجه شَيْئا أَو أَخّرهُ فَعَلَيهِ دم، وَهُوَ قَول النَّخعِيّ وَالْحسن وَقَتَادَة. وَاخْتلفُوا إِذا حلق قبل أَن يذبح؟ فَقَالَ مَالك وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر وَدَاوُد وَابْن جرير: لَا شَيْء عَلَيْهِ، وَهُوَ نَص الحَدِيث، وَنَقله ابْن عبد الْبر عَن الْجُمْهُور، مِنْهُم عَطاء وطاووس وَسَعِيد بن جُبَير وَعِكْرِمَة وَمُجاهد وَالْحسن وَقَتَادَة، وَقَالَ النَّخعِيّ وَأَبُو حنيفَة وَابْن الْمَاجشون: عَلَيْهِ دم، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ قَارنا فدمان، وَقَالَ زفر: إِن كَانَ قَارنا فَعَلَيهِ ثَلَاثَة دِمَاء: دم للقران وَدَمَانِ لتقدم الحلاق. وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد: لَا شَيْء عَلَيْهِ، واحتجا بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا حرج) ، وَفِي (التَّوْضِيح) : وَقَول أبي حنيفَة وَزفر مُخَالف للْحَدِيث، فَلَا وَجه لَهُ. قلت: مَا خَالف إلاَّ من جازف، وَأَبُو حنيفَة احْتج بِمَا رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) : حَدثنَا سَلام بن الْمُطِيع أَو الْأَحْوَص عَن إِبْرَاهِيم بن مهَاجر عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: من قدم شَيْئا من حجه أَو أَخّرهُ فليهرق لذَلِك دَمًا. وَأخرج أَيْضا عَن سعيد بن جُبَير وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَجَابِر بن زيد أبي الشعْثَاء نَحْو ذَلِك، وَأخرج الطَّحَاوِيّ عَن إِبْرَاهِيم بن مهَاجر نَحوه، وَأخرجه أَيْضا عَن ابْن مَرْزُوق عَن الْحصيب عَن وهيب عَن أَيُّوب عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس مثله، ثمَّ أجَاب أَبُو حنيفَة عَن حَدِيث الْبَاب وَنَحْوه: أَن المُرَاد بالحرج الْمَنْفِيّ هُوَ الْإِثْم، وَلَا يسْتَلْزم ذَلِك نفي الْفِدْيَة. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: هَذَا ابْن عَبَّاس أحد من روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه: مَا سُئِلَ يَوْمئِذٍ عَن شَيْء قدم وَلَا أخر من أَمر الْحَج إلاَّ قَالَ: لَا حرج: فَلم يكن معنى ذَلِك عِنْده على الْإِبَاحَة فِي تَقْدِيم مَا قدمُوا، وَلَا تَأْخِير مَا أخروا، مِمَّا ذكرنَا أَن فِيهِ الدَّم، وَلَكِن معنى ذَلِك عِنْده: على أَن الَّذِي فَعَلُوهُ فِي حجَّة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ على الْجَهْل بالحكم فِيهِ، كَيفَ هُوَ فعذرهم لجهلهم وَأمرهمْ فِي المستأنف أَن يتعلموا مَنَاسِكه.

2271 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ أخبرنَا أبُو بَكْرٍ عَنْ عبدِ العَزِيزِ بنِ رُفَيْعٍ عَنْ عَطَاءٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ رجُلٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زُرْتُ قَبْلَ أنْ أرْمِي قَالَ لاَ حَرَجَ قَالَ حَلَقْتُ قَبْلَ أنْ أذْبَحَ قَالَ لَا حَرَجَ قَالَ ذَبَحْتُ قَبْلَ أنْ أرْمِيَ قا لاَ حَرجَ.

(10/59)


هَذَا طَرِيق ثَان لحَدِيث ابْن عَبَّاس أخرجه عَن أَحْمد بن يُونُس، هُوَ أَحْمد بن عبد الله بن يُونُس الْيَرْبُوعي الْكُوفِي عَن أبي بكر بن عَيَّاش، بتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالشين الْمُعْجَمَة: الْأَسدي الْكُوفِي، قَالَ البُخَارِيّ، قَالَ إِسْحَاق: سَمِعت أَبَا بكر يَقُول: إسمي وكنيتي وَاحِد، وَقيل غير ذَلِك، هُوَ من أَفْرَاده، يروي عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع، بِضَم الرَّاء وَفتح الْفَاء وَسُكُون الْيَاء وبالعين الْمُهْملَة: أَبُو عبد الله الْأَسدي الْمَكِّيّ، سكن الْكُوفَة، وَهُوَ يروي عَن عَطاء بن أبي رَبَاح عَن ابْن عَبَّاس.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحِيمِ الرَّازِيُّ عنِ ابْن خُثَيْمٍ قَالَ أَخْبرنِي عَطاءٌ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

هَذَا طَرِيق ثَالِث مُعَلّق عَن عبد الرَّحِيم بن سُلَيْمَان الأشل الرَّازِيّ عَن ابْن خثيم، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَهُوَ عبد الله بن عُثْمَان بن خثيم أَبُو عُثْمَان الْمَكِّيّ عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس، وَوَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن راطيا، قَالَ: حَدثنَا الْحسن بن حَمَّاد حَدثنَا عبد الرَّحِيم بن سُلَيْمَان عَن عبد الله بن عُثْمَان بن خثيم أَخْبرنِي عَطاء عَن ابْن عَبَّاس أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله طفت بِالْبَيْتِ قبل أَن أرم قَالَ: إرمِ وَلَا حرج.
وَقَالَ الْقَاسِمُ بنُ يَحْيى قَالَ حدَّثني ابنُ خُثَيْمٍ عنْ عَطاءٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

هَذَا تَعْلِيق قَالَه الْقَاسِم بن يحيى عَن عَطاء الْهِلَالِي الوَاسِطِيّ، مَاتَ سنة سبع وَتِسْعين وَمِائَة.
وَقَالَ عَفَّانُ أُرَاهُ عَنْ وُهَيْبٍ قَالَ حَدثنَا ابنُ خُثَيْمٍ عنْ سَعيدٍ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عَباسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

هَذَا أَيْضا تَعْلِيق قَالَه عَفَّان بن مُسلم الصفار الْبَصْرِيّ. قَوْله: (أرَاهُ) ، بِضَم الْهمزَة أَي: أَظُنهُ، وَالْقَائِل بِهَذِهِ اللَّفْظَة هُوَ البُخَارِيّ. وَأخرجه أَحْمد عَن عَفَّان بِدُونِ قَوْله: (أرَاهُ) وَلَفظه: (جَاءَ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله {حلقت وَلم أنحر، قَالَ: لَا حرج فانحر، وجاءه آخر فَقَالَ: يَا رَسُول الله} نحرت قبل أَن أرمي. قَالَ: فارم وَلَا حرج) .
وَقَالَ حَمَّادٌ عنْ قَيْسِ بنِ سَعْدٍ وعَبَّادِ بنِ مَنْصُورٍ عنْ عَطَاءٍ عنْ جَابِرٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

هَذَا أَيْضا تَعْلِيق قَالَه حَمَّاد بن سَلمَة، وَطَرِيق قيس بن سعد الْمُعَلق وَصله النَّسَائِيّ والطَّحَاوِي والإسماعيلي وَابْن حبَان من طَرِيق عَن حَمَّاد بن سَلمَة بِهِ نَحْو سِيَاق عبد الْعَزِيز بن رفيع، وَطَرِيق عباد بن مَنْصُور وَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن الْقَاسِم. حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق، قَالَ: حَدثنَا يحيى بن إِسْحَاق حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة بِلَفْظ: (سُئِلَ عَن رجل رمى قبل أَن يحلق، وَحلق قبل أَن يَرْمِي، وَذبح قبل أَن يحلق؟ فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إفعل وَلَا حرج) .

3271 - حدَّثنا محَمَّدُ بنُ المُثَنَّى قَالَ حَدثنَا عَبْدُ الأعْلَى قَالَ حَدثنَا خالدٌ عنْ عِكُرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ سُئِلَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ رَمَيْتُ بَعْدَ مَا أمْسَيْتُ فَقَالَ لَا حَرَجَ قَالَ حَلَقْتُ قَبْلَ أنْ أنْحَرَ قَالَ لاَ حَرَجَ..
هَذَا طَرِيق رَابِع لحَدِيث ابْن عَبَّاس، وَعبد الْأَعْلَى هُوَ ابْن عبد الْأَعْلَى، وخَالِد هُوَ الْحذاء، وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن عَليّ بن عبد الله عَن يزِيد بن زُرَيْع وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْحَج أَيْضا عَن نصر بن عَليّ، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن زُرَيْع، وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن بكر بن خلف ثَلَاثَتهمْ عَن يزِيد بن زُرَيْع بِهِ.

4271 - حدَّثنا عَبْدَانُ قَالَ أخبَرَني أبي عنْ شُعْبَةَ عنْ قَيْسِ بنِ مُسْلِمٍ عنْ طَارِقِ بنِ شِهَابٍ

(10/60)


عَنْ أبِي مُوسَى رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قالَ قَدِمْتُ عَلَى رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهْوَ بِالبَطْحَاءِ فَقَالَ أحَجَجْتَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ بِمَ أهْلَلْتَ قُلْتُ لَبَّيْكَ بِإهْلالٍ كإهْلاَلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أحْسنْتَ انْطَلِقْ فَطُفْ بِالبَيْتِ وبِالصَّفَا والمَرْوةِ ثُمَّ أتَيْتُ امْرَأةً مِنْ نِساءِ بَنِي قَيْسٍ فَفَلَتْ رَأسِي ثُمَّ أهْلَلْتُ بِالحَجِّ فكُنْتُ أُفْتِي بِهِ النَّاسَ حَتَّى خِلافَةِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فذَكرْتُهُ لَهُ فَقَالَ إنْ نأخُذْ بِكتَابِ الله فإنَّهُ يأمُرُنَا بِالتَّمَامِ وِإنْ نأخُذْ بِسُنَّةِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فإنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَمْ يَحِلَّ حَتَّى بَلَغَ الهَدْيَ مَحِلَّهُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (حَتَّى بلغ الْهَدْي مَحَله) ، لِأَن بُلُوغ الْهَدْي مَحَله عبارَة عَن الذّبْح، وتأخيره على سَبِيل الرُّخْصَة، وَقد مضى الحَدِيث فِي: بَاب من أهل فِي زمن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كإهلال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أخرجه: عَن مُحَمَّد بن يُوسُف عَن سُفْيَان عَن قيس بن مُسلم إِلَى آخِره، وَقد تقدم الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (فَقلت) ، الْفَاء الأولى للتعقيب، وَالثَّانيَِة من نفس الْكَلِمَة لِأَنَّهُ من: فليت رَأسه من الْقمل، إِذا أزحته مِنْهُ، تَقول: فلَّى الرجل، وفلَّت الْمَرْأَة، يفلي فليا، حَاصله: أَنه تحلل من الْعمرَة، ثمَّ بعد ذَلِك أحرم بِالْحَجِّ فَصَارَ مُتَمَتِّعا، لِأَنَّهُ لم يكن مَعَه الْهَدْي. قَوْله: (كنت أُفْتِي بِهِ) أَي: بالتمتع الْمَدْلُول عَلَيْهِ بسياق الْكَلَام. قَوْله: (أَن نَأْخُذ بِكِتَاب الله) ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله} (الْبَقَرَة: 691) . قَوْله: (مَحَله) ، بِكَسْر الْحَاء.

621 - (بابُ مَنْ لَبَّدَ رَأسَهُ عِنْدَ الإحْرَامِ وحَلَقَ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من لبد رَأسه عِنْد الْإِحْرَام وَحلق رَأسه بعد ذَلِك عِنْد الْإِحْلَال، قَوْله: (لبد) ، بِالتَّشْدِيدِ من التلبيد وَهُوَ أَن يضفر رَأسه وَيجْعَل فِيهِ شَيْئا من صمغ وَشبهه ليجتمع ويتلبد فَلَا يتخلله الْغُبَار وَلَا يُصِيبهُ الشعث وَلَا يحصل فِيهِ قمل، وَإِنَّمَا يفعل ذَلِك من طول الْمكْث فِي الْإِحْرَام. قيل: أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى الْخلاف فِيمَن لبد، هَل يتَعَيَّن عَلَيْهِ الْحلق أَو لَا؟ فَنقل ابْن بطال عَن الْجُمْهُور تعين ذَلِك حَتَّى عَن الشَّافِعِي، وَقَالَ أهل الرَّأْي: لَا يتَعَيَّن، بل إِن شَاءَ قصر، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي فِي الْجَدِيد.

5271 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُمْ أنَّها قالَتْ يَا رَسُولَ الله مَا شأنُ النَّاسِ حَلُّوا بِعُمرَةٍ ولَمْ تَحْلِلْ أنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ قَالَ إنِّي لَبَّدْتُ رَأسِي وقَلدْتُ هَدْبِي فَلاَ أحِلَّ حَتَّى أنحَرَ..
وَجه مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (إِنِّي لبدت رَأْسِي) . فَإِن قلت: التَّرْجَمَة مُشْتَمِلَة على التلبيد، وعَلى الْحلق وَلَيْسَ فِي الحَدِيث تعرض إِلَى الْحلق؟ قلت: قيل: إِنَّه مَعْلُوم من حَال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه حلق رَأسه فِي حجه، وَقد ورد ذَلِك صَرِيحًا فِي حَدِيث ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، الَّذِي يَأْتِي فِي أول الْبَاب الَّذِي بعد هَذَا الْبَاب، وَالْأَوْجه أَن يُقَال: إِن وَجه الْمُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة إِذا وجد فِي جُزْء من الحَدِيث يَكْفِي ويكتفي بِهِ، وَلَا تشْتَرط الْمُطَابقَة بَين أجزائهما جَمِيعًا، أَلا يرى أَن فِي الحَدِيث ذكر تَقْلِيد الْهَدْي وَلَيْسَ فِي التَّرْجَمَة ذَلِك، وَهَذَا الحَدِيث بِعَيْنِه بِهَذَا الْإِسْنَاد قد مر فِي بَاب التَّمَتُّع والإقران، وَقد ذكرنَا أَن هَذَا الحَدِيث أخرجه الْجَمَاعَة غير التِّرْمِذِيّ، وَأَنه يدل على أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ مُتَمَتِّعا، لِأَن الْهَدْي الْمُقَلّد لَا يمْنَع من الْإِحْلَال إلاَّ فِي الْمُتْعَة خَاصَّة، وَإِن كَانَ قَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، هَذَا بعد أَن يطوف فَلم يطف حَتَّى أحرم صَار قَارنا، فعلى كل حَال إِنَّه يرد قَول من قَالَ: إِنَّه كَانَ مُفردا بِحجَّة لم يتقدمها عمْرَة، وَلم تكن مَعهَا عمْرَة.