عمدة القاري شرح صحيح البخاري

53 - (كتابُ السَّلَمِ)

أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَحْكَام السّلم، وَالسّلم، بِفتْحَتَيْنِ: بيع على مَوْصُوف فِي الذِّمَّة بِبَدَل يعْطى عَاجلا، وَسمي سلما لتسليم رَأس المَال فِي الْمجْلس، وسلفا لتقديم رَأس المَال، وَالسّلم وَالسَّلَف كِلَاهُمَا بِمَعْنى وَاحِد، وَوزن وَاحِد، وَقيل: السّلف لُغَة أهل الْعرَاق، وَالسّلم لُغَة: أهل الْحجاز، وَقيل: السّلف بِتَقْدِيم رَأس المَال وَالسّلم تَسْلِيمه فِي الْمجْلس فالسلف أَعم، وقييل: السّلم وَالسَّلَف والتسليف عبارَة عَن معنى وَاحِد غير أَن الِاسْم الْخَاص بِهَذَا الْبَاب السّلم لِأَن السّلف يُقَال على الْقَرْض وَالسّلم فِي الشَّرْع بيع من الْبيُوع الْجَائِزَة بالِاتِّفَاقِ، وَاتفقَ الْعلمَاء على مشروعيته إلاَّ مَا حكى عَن ابْن الْمسيب. وَفِي (التَّلْوِيح) : وكرهت طَائِفَة السّلم روى عَن أبي عُبَيْدَة بن عبد الله بن مَسْعُود أَنه كَانَ يكره السّلم.

1 - (بابُ السَّلَمِ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم السّلم فِي كيل مَعْلُوم فِيمَا يُكَال، كَذَا وَقع هَذَا فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي، وَوَقعت الْبَسْمَلَة عِنْده مُقَدّمَة، وَوَقعت فِي رِوَايَة الْكشميهني بَين الْكتاب وَالْبَاب، وَلم يَقع فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ لفظ: كتاب السّلم، وَإِنَّمَا وَقع عِنْده لفظ الْبَاب، وَوَقعت الْبَسْمَلَة بعده.

9322 - حدَّثنا عَمْرُو بنُ زُرَارَةَ قَالَ أخبرنَا إسْماعِيلُ بنُ عُلَيَّةَ قَالَ أخبرنَا أبي ابنُ نَجِيحٍ عنْ عبْدِ الله بنِ كَثِيرٍ عنْ أبِي المِنْهَالِ عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ قَدِمَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المَدِينَةَ والنَّاسُ يُسْلِفُونَ فِي الثَّمَرِ العامَ والعامَينِ أَو قَالَ عامَيْنِ أوْ ثلاثَةً شَكَّ إسْمَاعِيلُ فَقَالَ منْ سَلَّفَ فِي تَمْرٍ فلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوزْنٍ مَعْلُومٍ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: عَمْرو، بِفَتْح الْعين: ابْن زُرَارَة، بِضَم الزَّاي وَتَخْفِيف الراءين بَينهمَا ألف وَفِي آخِره هَاء: ابْن وَاقد، أَبُو مُحَمَّد، مر فِي ستْرَة الصَّلَاة. الثَّانِي: إِسْمَاعِيل بن علية، بِضَم الْعين وَفتح اللَّام الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف: وَهُوَ إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن سهم الْأَسدي، وَعَلِيهِ اسْم أمه مولاة لبني أَسد. الثَّالِث: عبد الله بن أبي نجيح، بِفَتْح النُّون وَكسر الْجِيم وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة: واسْمه يسَار، ضد الْيَمين. الرَّابِع: عبد الله بن كثير ضد قَلِيل المقريء، أحد الْقُرَّاء السَّبْعَة، وَبِه جزم الْقَابِسِيّ وَعبد الْغَنِيّ والمزي، وَقَالَ الكلاباذي وَابْن طَاهِر الدمياطي: هُوَ عبد الله بن كثير بن الْمطلب ابْن أبي ودَاعَة السَّهْمِي، كِلَاهُمَا ثِقَة. الْخَامِس: أَبُو الْمنْهَال، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون النُّون: عبد الرَّحْمَن بن مطعم الْكُوفِي، وَلَا يشْتَبه عَلَيْك بِأبي الْمنْهَال سيار الْبَصْرِيّ. السَّادِس: عبد الله بن عَبَّاس.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وبصيغة الْإِخْبَار كَذَلِك فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه نيسابوري وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا وَأَن إِسْمَاعِيل بَصرِي وَابْن أبي نجيح وَعبد الله بن كثير، سَوَاء كَانَ هُوَ المقرىء أَو ابْن الْمطلب، مكيون، وَعبد الله بن كثير بن الْمطلب لَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث، وَذكر لَهُ مُسلم حَدِيثا آخر فِي الْجَنَائِز رَوَاهُ عَنهُ ابْن جريج، وَكَذَلِكَ لَيْسَ لعبد الله بن كثير المقرىء غير هَذَا الحَدِيث، وَلَيْسَ لأحد من الْقُرَّاء السَّبْعَة رِوَايَة إلاَّ لهَذَا وَلابْن أبي النجُود فِي الْمُبَايعَة، وَوَقع فِي (الْمُدَوَّنَة) : عبد الله بن أبي كثير، وَهُوَ غلط وَصَوَابه حذف: أبي.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي السّلم عَن مُحَمَّد وَعَن صَدَقَة بن الْفضل وَعلي بن عبد الله وقتيبة، فرقهم ثَلَاثَتهمْ عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَعَن أبي نعيم، وَقَالَ عبد الله بن الْوَلِيد: كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان الثَّوْريّ. وَأخرجه مُسلم أَيْضا فِي الْبيُوع عَن يحيى بن يحيى وَعَمْرو بن مُحَمَّد النَّاقِد، كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة بِهِ، وَعَن أبي بكر بن أبي

(12/61)


شيبَة وَإِسْمَاعِيل بن سَالم، كِلَاهُمَا عَن إِسْمَاعِيل بن علية بِهِ وَعَن أبي كريب وَابْن أبي عمر كِلَاهُمَا عَن وَكِيع وَعَن مُحَمَّد بن بشار عَن عبد الرَّحْمَن بن مهْدي، كِلَاهُمَا عَن الثَّوْريّ بِهِ وَعَن شَيبَان بن فروخ. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن النفلي، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن أَحْمد بن منيع. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ وَفِي الشُّرُوط عَن قُتَيْبَة. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي التِّجَارَات عَن هِشَام ابْن عمار، أربعتهم عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (وَالنَّاس يسلفون) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال، و: يسلفون، بِضَم الْيَاء من أسلف. قَوْله: (الْعَام) ، بِالنّصب على الظَّرْفِيَّة. قَوْله: (شكّ إِسْمَاعِيل) ، وَهُوَ إِسْمَاعِيل بن علية وَلم يشك سُفْيَان، فَقَالَ: وهم يسلفون فِي التَّمْر السنتين وَالثَّلَاث، وَيَأْتِي فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ، وَقَالَ بَعضهم: وَقَوله: السنتين، مَنْصُوب إِمَّا على نزع الْخَافِض أَو على الْمصدر. قلت: هَذَا غلط لَا يخفى، وَمن مس شَيْئا مَا من الْعَرَبيَّة لَا يَقُول هَذَا، وَلَكِن لَو بيّن وَجهه لَكَانَ لَهُ وَجه، وَهُوَ أَن يُقَال: التَّقْدِير فِي وَجه نزع الْخَافِض إِلَى السّنة وَالتَّقْدِير فِي، وَجه النصب على الْمصدر أَن يُقَال: إسلاف السّنة، فالإسلاف مصدر مَنْصُوب، فَلَمَّا حذف قَامَ الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه. فَافْهَم. قَوْله: (من سلف فِي تمر) ، بتَشْديد اللَّام فِي رِوَايَة ابْن علية وَفِي رِوَايَة ابْن عُيَيْنَة: من أسلف فِي شَيْء وَهَذِه أشمل. قَوْله: (فِي تمر) ، بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق، ويروى: بالثاء الْمُثَلَّثَة. قَوْله: (وَوزن) ، الْوَاو بِمَعْنى: أَو، أَي: أَو فِي وزن مَعْلُوم، وَالْمرَاد اعْتِبَار الْكَيْل فِيمَا يُكَال وَاعْتِبَار الْوَزْن فِيمَا يُوزن.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: اشْتِرَاط تعْيين الْكَيْل فِيمَا يسلم فِيهِ من المكيلات، وَاشْتِرَاط الْوَزْن فِيمَا يُوزن من الموزونات لاخْتِلَاف المكاييل والموزونات، إلاَّ أَن يكون فِي بلد لَيْسَ فِيهِ إلاَّ كيل وَاحِد وَوزن وَاحِد فَإِنَّهُ ينْصَرف إِلَيْهِ عِنْد الْإِطْلَاق، وَلَا خلاف فِي اشْتِرَاط تعْيين الْكَيْل فِيمَا يسلم فِيهِ من الْمكيل، كصاع الْحجاز وقفيز الْعرَاق وإردب مصر، بل مكاييل هَذِه الْبِلَاد فِي أَنْفسهَا مُخْتَلفَة، فَلَا بُد من التعين. وَعَن هَذَا قَالَ ابْن حزم: لَا يجوز السّلم إلاَّ فِي مَكِيل أَو مَوْزُون فَقَط، وَلَا يجوز فِي مذروع وَلَا فِي مَعْدُود وَلَا شَيْء غير مَا ذكر فِي النَّص، وَكَأَنَّهُ قصر السّلم على مَا ذكر فِي الحَدِيث، وَلَيْسَ كَذَلِك بل السّلم يجوز فِيمَا لَا يُكَال وَلَا يوزون، وَلَكِن لَا بُد فِيهِ من صفة الشَّيْء الْمُسلم فِيهِ وَيدخل فِي قَوْله: كيل مَعْلُوم وَوزن مَعْلُوم، إِذْ الْعلم بهما يستلزمه.
وَالْأَصْل فِيهِ عندنَا: أَن كل شَيْء يُمكن ضبط صفته وَمَعْرِفَة مِقْدَاره جَازَ السّلم فِيهِ، كمكيل وموزن ومذروع ومعدود مُتَقَارب: كالجوز وَالْبيض، وَعند زفر: لَا يجوز فِي الْمَعْدُود عِنْد تفَاوت آحاده، وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يَصح إلاَّ وزنا وَفِي (الرَّوْضَة) : وَيجوز السّلم فِي الْجَوْز واللوز وزنا إِذا لم تخْتَلف قشوره غَالِبا، وَيجوز كَيْلا على الْأَصَح، وَكَذَا الفستق والبندق، وَأما الْبِطِّيخ والقثاء والبقول والسفرجل وَالرُّمَّان والباذنجان والنارنج وَالْبيض فَالْمُعْتَبر فِيهَا الْوَزْن. انْتهى. وَبِه قَالَ أَحْمد. وَفِي (حاوي) الْحَنَابِلَة، وَلَا يسلم فِي مَعْدُود مُخْتَلف من حَيَوَان وَغَيره، وَعنهُ: يَصح وزنا فِي غير الْحَيَوَان كالفلوس إِن جَازَ السّلم فِيهَا، وَعنهُ عددا، وَقيل: فِي المتقارب كجوز وبيض عددا، وَفِي المتفاوت كفاكهة وبقل وزنا. انْتهى.
وَمذهب مَالك مَا ذكره فِي (الْجَوَاهِر) ؛ وَيَكْفِي الْعدَد فِي المعدودات وَلَا يفْتَقر إِلَى الْوَزْن إلاَّ أَن يتَفَاوَت آحاده تَفَاوتا يَقْتَضِي اخْتِلَاف أثمانها، فَلَا يَكْفِي فِيهَا حِينَئِذٍ مُجَرّد الْعدَد والمعدود كالبيض والباذنجان وَالرُّمَّان، وَكَذَا الْجَوْز واللوز إِن جرت عَادَة بَيْعه بِالْعدَدِ، وَكَذَا اللَّبن وَكَذَا الْبِطِّيخ إِذا كَانَ متفاوتا غير بَين التَّفَاوُت، وَكَذَلِكَ جَمِيع مَا يشبه مَا ذكرنَا. انْتهى. وَأما الْفُلُوس فَيجوز السّلم فِيهَا عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف. وَقَالَ مُحَمَّد: لَا يجوز، وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد فِي رِوَايَة، وَعَن أَحْمد: يجوز وزنا، وَعنهُ عددا وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ فِي سلم الْفُلُوس. وَأما السّلم فِي الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير فَإِن أسلم فيهمَا قيل: يكون بَاطِلا، وَقيل: ينْعَقد بيعا بِثمن مُؤَجل، مَعْنَاهُ إِذا أسلم فِي الدَّرَاهِم ثوبا مثلا، وَالْأول أصح. وَعند الشَّافِعِي القَوْل الثَّانِي هُوَ الْأَصَح. وَقَالَ النَّوَوِيّ: اتّفق أَصْحَابنَا على أَنه لَا يجوز إِسْلَام الدَّرَاهِم فِي الدَّنَانِير وَلَا عَكسه سلما مُؤَجّلا. وَفِي الْحَال وَجْهَان: الْأَصَح الْمَنْصُوص فِي (الْأُم) أَنه لَا يَصح، وَالثَّانِي: يَصح بِشَرْط قبضهَا فِي الْمجْلس.
حدَّثنا محَمَّدٌ قَالَ أخبرنَا إسْمَاعِيلُ عنِ ابنِ نَجيحٍ بِهاذا فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ ووَزْنٍ مَعْلُومٍ
اخْتلف فِي مُحَمَّد هَذَا من هُوَ؟ قَالَ أَبُو عَليّ الجياني: لم ينْسب مُحَمَّدًا هَذَا أحد من الروَاة، قَالَ: وَالَّذِي عِنْدِي فِي هَذَا أَنه

(12/62)


مُحَمَّد بن سَلام، وَبِه جزم الكلاباذي، وَأَن ابْن سَلام روى عَن إِسْمَاعِيل بن علية. قَوْله: (بِهَذَا) أَي: بِهَذَا الحَدِيث الْمَذْكُور.

2 - (بابُ السَّلَمِ فِي وَزْنٍ مَعْلُومٍ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم السّلم حَال كَونه فِي وزن مَعْلُوم، وَكَأَنَّهُ قصد بِهَذِهِ التَّرْجَمَة التَّنْبِيه على أَن مَا يُوزن لَا يسلم فِيهِ كَيْلا وَبِالْعَكْسِ، وَهُوَ أحد الْوَجْهَيْنِ عِنْد الشَّافِعِيَّة، وَالأَصَح الْجَوَاز.

0422 - حدَّثنا صدَقَةُ قَالَ أخبرنَا ابنُ عُيَيْنَةَ قَالَ أخبرنَا ابنُ أبي نَجِيحٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ كَثيرٍ عنْ أبِي المِنْهَالِ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ قَدِمَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المَدِينَةَ وهُمْ يُسْلِفونَ بالتَّمْرِ السَّنَتَيْنِ والثَّلاثَ فقالَ مَنْ أسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَفي كَيْلٍ مَعْلُومٍ ووَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أجَلٍ مَعْلُومٍ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَوزن مَعْلُوم) ، وَهَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور فِيهِ رِوَايَته عَن صَدَقَة بن الْفضل الْمروزِي، وَهُوَ من أَفْرَاده، يروي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عبد الله بن أبي نجيح عَن عبد الله بن كثير عَن أبي الْمنْهَال عبد الرَّحْمَن عَن ابْن عَبَّاس، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِيمَا مضى. وَفِيه زِيَادَة وَهِي قَوْله: إِلَى أجل مَعْلُوم، وَهَذَا يدل على أَن السّلم الْحَال لَا يجوز، وَعند الشافعيي: يجوز كالمؤجل، فَإِن صرح بحلول أَو تَأْجِيل فَذَاك، وَإِن أطلق فَوَجْهَانِ، وَقيل: قَولَانِ أصَحهمَا عِنْد الْجُمْهُور يَصح وَيكون حَالا، وَالثَّانِي: لَا ينْعَقد وَلَو صرحا الْأَجَل فِي نفس العقد ثمَّ أسقطاه فِي الْمجْلس سقط، وَصَارَ العقد حَالا.
وَقَوله: (إِلَى أجل) ، من جملَة شُرُوط صِحَة السّلم، وَهُوَ حجَّة على الشَّافِعِي وَمن مَعَه فِي عدم اشْتِرَاط الْأَجَل، وَهُوَ مُخَالفَة للنَّص الصَّرِيح، وَالْعجب من الْكرْمَانِي حَيْثُ يَقُول: لَيْسَ ذكر الْأَجَل فِي الحَدِيث لاشْتِرَاط الْأَجَل لصِحَّة السّلم الْحَال، لِأَنَّهُ إِذا جَازَ مُؤَجّلا مَعَ الْغرَر فجواز الْحَال أولى لِأَنَّهُ أبعد من الْغرَر، بل مَعْنَاهُ: أَن كَانَ أجل فَلْيَكُن مَعْلُوما، كَمَا أَن الْكَيْل لَيْسَ بِشَرْط وَلَا الْوَزْن، بل يجوز فِي الثِّيَاب بالذرع، وَإِنَّمَا ذكر الْكَيْل أَو الْوَزْن بِمَعْنى أَنه: إِن أسلم فِي مَكِيل أَو مَوْزُون فليكونا معلومين. انْتهى. قلت: هَذَا كَلَام مُخَالف لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِلَى أجل مَعْلُوم) ، لِأَن مَعْنَاهُ فليسلم فِيمَا جَازَ السّلم فِيهِ إِلَى أجل مَعْلُوم، وَهَذَا قيد، والقيد شَرط، وَكَلَامه هَذَا يُؤَدِّي إِلَى إِلْغَاء مَا قَيده الشَّارِع من الْأَجَل الْمَعْلُوم، فَكيف يَقُول: مَعَ الْغرَر، وَلَا غرر هَهُنَا أصلا؟ لِأَن الْأَجَل إِذا كَانَ مَعْلُوما فَمن أَيْن يَأْتِي الْغرَر؟ وَالْمَذْكُور الْأَجَل الْمَعْلُوم، والمعلوم صفة الْأَجَل، فَكيف يشْتَرط قيد الصّفة وَلَا يشْتَرط قيد الْمَوْصُوف؟ وَقَوله: كَمَا أَن الْكَيْل لَيْسَ بِشَرْط وَلَا الْوَزْن! قُلْنَا: مَعْنَاهُ أَن الْمُسلم فِيهِ لَا يشْتَرط أَن يكون من المكيلات خَاصَّة وَلَا من الموزونات خَاصَّة، كَمَا ذهب إِلَيْهِ ابْن حزم بِظَاهِر الحَدِيث، يَعْنِي: لَا ينْحَصر السّلم فيهمَا، بل مَعْنَاهُ أَن الْمُسلم فِيهِ إِذا كَانَ من المكيلات لَا بُد من إِعْلَام قدر رَأس الْمُسلم فِيهِ، وَذَلِكَ لَا يكون إلاَّ بِالْكَيْلِ فِي المكيلات وَالْوَزْن فِي الموزونات، وَكَون الْكَيْل مَعْلُوما شَرط، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَن السّلم فِيمَا لَا يُكَال غير صَحِيح حَتَّى يُقَال: بل يجوز فِي الثِّيَاب بالذرع وَفِي الثِّيَاب أَيْضا لَا يجوز إلاَّ إِذا كَانَ ذرعها مَعْلُوما وصفتها مَعْلُومَة وضبطها مُمكنا. وَقَالَ الْخطابِيّ: الْمَقْصُود مِنْهُ أَن يخرج الْمُسلم فِيهِ من حد الْجَهَالَة. حَتَّى إِن أسلف فِيمَا أَصله الْكَيْل بِالْوَزْنِ جَازَ. قلت: قد ذكرنَا أَنه لَا يجوز فِي أحد الْوَجْهَيْنِ عِنْد الشَّافِعِيَّة، وَلَا يَنْبَغِي أَن يُورد الْكَلَام على الْإِطْلَاق، ثمَّ إِنَّهُم اخْتلفُوا فِي حد الْأَجَل، فَقَالَ ابْن حزم: الْأَجَل سَاعَة فَمَا فَوْقهَا، وَعند بعض أَصْحَابنَا لَا يكون أقل من نصف يَوْم، وَعند بَعضهم لَا يكون أقل من ثَلَاثَة أَيَّام، وَقَالَت الْمَالِكِيَّة: يكره أقل من يَوْمَيْنِ وَقَالَ اللَّيْث: خَمْسَة عشر يَوْمًا.
حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حَدثنَا سُفْيانُ قَالَ حدَّثني ابنُ أبِي نَجِيحٍ وَقَالَ فَلْيُسْلِف فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ إِلَى أجَلٍ مَعْلُومٍ
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس أخرجه عَن عَليّ بن عبد الله بن الْمَدِين عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة إِلَى آخِره، وَفِيه نبه أَيْضا على اشْتِرَاط الْأَجَل، وَهُوَ أَيْضا حجَّة على من لم يَشْتَرِطه.

(12/63)


1422 - حدَّثنا قتَيْبَةُ قَالَ حَدثنَا سُفْيَانُ عنِ ابنِ أبي نَجِيحٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ كَثيرٍ عنْ أبي المنْهال قَالَ سَمِعْتُ ابنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا يَقُولُ قَدِمَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقَال فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلومٍ إلِى أجلٍ معْلُومٍ.
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن قُتَيْبَة بن سعيد عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة إِلَى آخِره، وَهَذَا كَمَا رَأَيْت أخرج هَذَا الحَدِيث من أَربع طرق: الأول عَن عَمْرو بن زُرَارَة أخرجه فِي الْبَاب الَّذِي قبله، وَالثَّلَاثَة فِي هَذَا الْبَاب عَن صَدَقَة وَعلي وقتيبة، وَذكر الْأَجَل فِي هَذِه الثَّلَاثَة المفرقة عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة.

4 - (حَدثنَا أَبُو الْوَلِيد قَالَ حَدثنَا شُعْبَة عَن ابْن أبي المجالد ح وَحدثنَا يحيى قَالَ حَدثنَا وَكِيع عَن شُعْبَة عَن مُحَمَّد بن أبي المجالد) أَبُو الْوَلِيد هُوَ هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ وَيحيى هُوَ ابْن معِين أَبُو زَكَرِيَّا السّخْتِيَانِيّ الْبَلْخِي يُقَال لَهُ خت أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ من أَفْرَاده وَمُحَمّد بن أبي المجالد الْكُوفِي من أَفْرَاد البُخَارِيّ سمع عبد الله بن أبي أوفى وَعبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى روى عَنهُ أَبُو إِسْحَاق الشَّيْبَانِيّ وَشعْبَة إِلَّا أَنه قَالَ مرّة مُحَمَّد بن أبي المجالد وَمرَّة مُحَمَّد أَو عبد الله مترددا فِي اسْمه وَلِهَذَا بهم البُخَارِيّ أَولا حَيْثُ قَالَ ابْن أبي المجالد وَبَقِيَّة هَذَا السَّنَد فِي السَّنَد الَّذِي يَأْتِي وَهُوَ قَوْله حَدثنَا حَفْص إِلَى آخِره والمجالد من الْأَعْلَام الَّتِي تسْتَعْمل بلام التَّعْرِيف وَقد يتْرك
(حَدثنَا حَفْص بن عمر قَالَ حَدثنَا شُعْبَة قَالَ أَخْبرنِي مُحَمَّد أَو عبد الله بن أبي المجالد قَالَ اخْتلف عبد الله بن شَدَّاد بن الْهَاد وَأَبُو بردة فِي السّلف فبعثوني إِلَى ابْن أوفى رَضِي الله عَنهُ فَسَأَلته فَقَالَ إِنَّا كُنَّا نُسلف على عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأبي بكر وَعمر فِي الْحِنْطَة وَالشعِير وَالزَّبِيب وَالتَّمْر وَسَأَلت ابْن أَبْزَى فَقَالَ مثل ذَلِك) قيل لَيْسَ لإيراد هَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْبَاب وَجه لِأَن الْبَاب فِي السّلم فِي وزن مَعْلُوم وَلَيْسَ فِي الحَدِيث شَيْء يدل على مَا يُوزن وَأجِيب بِأَنَّهُ جَاءَ فِي بعض طرق هَذَا الحَدِيث على مَا يَأْتِي فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ بِلَفْظ فيسلفهم فِي الْحِنْطَة وَالشعِير وَالزَّيْت وَهُوَ من جنس مَا يُوزن فَكَأَن وَجه إِيرَاده فِي هَذَا الْبَاب الْإِشَارَة إِلَيْهِ (ذكر رِجَاله) وهم سَبْعَة. الأول حَفْص بن عمر بن الْحَارِث أَبُو عمر الحوضي النمري الْأَزْدِيّ. الثَّانِي شُعْبَة بن الْحجَّاج. الثَّالِث هُوَ ابْن أبي المجالد الَّذِي أبهمه أَبُو الْوَلِيد عَن شُعْبَة وَهنا تردد فِيهِ شُعْبَة بَين مُحَمَّد بن أبي المجالد وَبَين عبد الله ابْن أبي المجالد وَذكر البُخَارِيّ فِيهِ ثَلَاث رِوَايَات الأولى عَن أبي الْوَلِيد عَن شُعْبَة عَن ابْن أبي المجالد وَالثَّانيَِة عَن حَفْص ابْن عمر عَن شُعْبَة بالتردد بَين مُحَمَّد وَعبد الله وَالثَّالِثَة ذكرهَا فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن عبد الْوَاحِد عَن الشَّيْبَانِيّ عَن مُحَمَّد بن أبي المجالد وَجزم أَبُو دَاوُد بِأَن اسْمه عبد الله وَكَذَا قَالَ ابْن حبَان وَوَصفه بِأَنَّهُ كَانَ صهر مُجَاهِد وَبِأَنَّهُ كُوفِي ثِقَة وَكَانَ مولى عبد الله بن أبي أوفى. الرَّابِع عبد الله بن شَدَّاد بن الْهَاد وَقد مر فِي الْحيض. الْخَامِس أَبُو بردة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ الْفَقِيه قَاضِي الْكُوفَة واسْمه عَامر. السَّادِس عبد الله بن أبي أوفى واسْمه عَلْقَمَة أَبُو إِبْرَاهِيم وَقيل أَبُو مُحَمَّد وَقيل غير ذَلِك أَخُو زيد بن أبي أوفى لَهما ولأبيهما صُحْبَة. السَّابِع عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الزَّاي مَقْصُورَة (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وَفِيه الْإِخْبَار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَفِيه القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع وَفِيه السُّؤَال فِي موضِعين وَفِيه أَن شَيْخه بَصرِي وَأَنه من أَفْرَاده وَشعْبَة واسطي وَعبد الله بن شَدَّاد مدنِي يَأْتِي إِلَى الْكُوفَة وَأَبُو بردة كُوفِي وَكَذَلِكَ ابْن أبي مجَالد كَمَا ذَكرْنَاهُ وَفِيه اثْنَان من الصَّحَابَة أَحدهمَا ابْن أبي أوفى

(12/64)


وَالْآخر ابْن أَبْزَى وَقَالَ بَعضهم عبد الله بن شَدَّاد من صغَار الصَّحَابَة قلت لم أر أحدا ذكره من الصَّحَابَة وَذكره الْحَافِظ الذَّهَبِيّ فِي كتاب تَجْرِيد الصَّحَابَة وَقَالَ عبد الله بن شَدَّاد بن أُسَامَة بن الْهَاد الْكِنَانِي اللَّيْثِيّ العتواري من قدماء التَّابِعين وَقَالَ الْخَطِيب هُوَ من كبار التَّابِعين وَقَالَ ابْن سعد كَانَ عثمانيا ثِقَة فِي الحَدِيث وَفِيه أَن ابْن أبي المجالد لَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث. (ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ عَن أبي الْوَلِيد وَعَن يحيى عَن وَكِيع وَعَن حَفْص بن عمر وَعَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل وَعَن اسحق بن خَالِد وَعَن قُتَيْبَة عَن جرير وَعَن مُحَمَّد بن مقَاتل وَأخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا فِي الْبيُوع عَن حَفْص بن عمر وَمُحَمّد بن كثير وَعَن مُحَمَّد بن بشار وَأخرجه النَّسَائِيّ عَن عبد الله بن سعيد وَعَن مَحْمُود بن غيلَان وَأخرجه ابْن ماجة فِي التِّجَارَات عَن مُحَمَّد بن بشار بِهِ (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " فِي السّلف " أَي فِي السّلم يَعْنِي هَل يجوز السّلم إِلَى من لَيْسَ عِنْده الْمُسلم فِيهِ فِي تِلْكَ الْحَالة أم لَا قَوْله " فبعثوني " هُوَ مقول ابْن أبي المجالد وَإِنَّمَا جمع إِمَّا بِاعْتِبَار أَن أقل الْجمع اثْنَان أَو باعتبارهما وَمن مَعَهُمَا قَوْله " فَقَالَ " أَي ابْن أبي أوفى قَوْله " على عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَي فِي زَمَنه وَأَيَّام حَيَاته قَوْله " وَأبي بكر " أَي وعَلى عهد أبي بكر وَعمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا الخليفتين من بعده - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله " فِي الْحِنْطَة " ذكر أَرْبَعَة أَشْيَاء كلهَا من المكيلات وَيُقَاس عَلَيْهَا سَائِر مَا يدْخل تَحت الْكَيْل قَوْله " فَقَالَ مثل ذَلِك " أَي فَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى مثل مَا قَالَ عبد الله بن أبي أوفى. وَفِيه مَشْرُوعِيَّة السّلم وَالسُّؤَال عَن أهل الْعلم فِي حَادِثَة تحدث. وَفِيه جَوَاز المباحثة فِي الْمَسْأَلَة طلبا للصَّوَاب وَإِلَى الله الْمرجع والمآب -
3 - (بابُ السَّلَمِ إلَى مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ أصْلٌ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم السّلم إِلَى من لَيْسَ عِنْده مِمَّا أسلف فِيهِ أصل. وَقيل: المُرَاد بِالْأَصْلِ أصل الشَّيْء الَّذِي يسلم فِيهِ، فَأصل الْحبّ الزَّرْع، وأصل الثِّمَار الأشحار، وَقَالَ بَعضهم: الْغَرَض من التَّرْجَمَة أَن كَون أصل الْمُسلم فِيهِ لَا يشْتَرط. قلت: كَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى سلم الْمُنْقَطع، فَإِنَّهُ لَا يجوز عندنَا، وَهَذَا على أَرْبَعَة أوجه: الأول: أَن يكون الْمُسلم فِيهِ مَوْجُودا عِنْد العقد مُنْقَطِعًا عِنْد الْأَجَل فَإِنَّهُ لَا يجوز. وَالثَّانِي: أَن يكون مَوْجُودا وَقت العقد إِلَى الْأَجَل، فَيجوز بِلَا خلاف. وَالثَّالِث: أَن يكون مُنْقَطِعًا عِنْد العقد مَوْجُودا عِنْد الْأَجَل. وَالرَّابِع: أَن يكون مَوْجُودا وَقت العقد وَالْأَجَل، مُنْقَطِعًا فِيمَا بَين ذَلِك، فهذان الْوَجْهَانِ لَا يجوزان عندنَا خلافًا لمَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد، قَالُوا: لِأَنَّهُ مَقْدُور التَّسْلِيم فيهمَا، قُلْنَا: غير مَقْدُور التَّسْلِيم لِأَنَّهُ يتَوَهَّم موت الْمُسلم إِلَيْهِ فَيحل الْأَجَل، وَهُوَ مُنْقَطع، فيتضرر رب السّلم، فَلَا يجوز. وَفِي (التَّوْضِيح) : وأصل السّلم أَن يكون إِلَى من عِنْده أصل مِمَّا يسلم فِيهِ إلاَّ أَنه لما وَردت السّنة فِي السّلم بِالصّفةِ الْمَعْلُومَة والكيل وَالْوَزْن وَالْأَجَل الْمَعْلُوم، كَانَ عَاما فِيمَن عِنْده أصل وَمن لَيْسَ عِنْده. قلت: إِذا لم يكن الأَصْل مَوْجُودا عِنْد حُلُول الْأَجَل، أَو فِيمَا بَين العقد وَالْأَجَل يكون غررا، والشارع نهى عَن الْغرَر.

5422 - حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الوَاحِدِ قَالَ حدَّثنا الشَّيْبَانِيُّ قَالَ حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ أبِي المُجَالِدِ قَالَ بَعَثَنِي عَبْدُ الله بنُ شَدَّادٍ وأبُو بُرْدَةَ إلَى عَبْدِ الله بنِ أبي أوْفَى رَضِي الله تَعَالَى عنهُما فقالاَ سَلْهُ هَلْ كانَ أصْحَابُ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عَهْدِ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُسْلِفُونَ فِي الحِنْطَةِ قَالَ عَبْدُ الله كنَّا نُسْلِفُ نَبِيطَ أهْلِ الشَّامِ فِي الحِنْطَةِ والشَّعِيرِ والزَّيْتِ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ إلَى أجَلٍ مَعْلُومٍ قُلْتُ إلَى مَنْ كانَ أصْلُهُ عِنْدَهُ قَالَ مَا كُنَّا نَسْألُهُمْ عنْ ذالِكَ ثُمَّ بعَثَانِي إلَى عَبْدِ الرَّحْمانِ ابنِ أبْزَى فسَألْتُهُ فَقَالَ كانَ أصْحَابُ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُسْلِفُونَ عَلَى عَهْدِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولَمْ نَسْألْهُمْ ألَهُمْ حَرْثٌ أمْ لاَ. (انْظُر الحَدِيث 2422 وطرفه) (انْظُر الحَدِيث 3422 وطرفه) .

(12/65)


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (قلت: إِلَى من كَانَ أَصله عِنْده) وَفِي قَوْله: (ألهم حرث أم لَا؟) . والْحَدِيث قد مضى فِي الْبَاب السَّابِق وَمضى الْكَلَام فِيهِ بوجوهه، غير أَن فِي هَذَا نَص البُخَارِيّ على أَن اسْم أبي المجالد: مُحَمَّد، وَذكر هُنَا: الزَّيْت، مَوضِع: الزَّبِيب، هُنَاكَ، وَفِيه زِيَادَة، وَهِي السُّؤَال عَن كَون الأَصْل عِنْد الْمُسلم إِلَيْهِ. وَالْجَوَاب بِعَدَمِ ذَلِك، وَعبد الْوَاحِد هُوَ: ابْن زِيَاد، والشيباني بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة: هُوَ أَبُو إِسْحَاق سُلَيْمَان، وَقد مر فِي الْحيض.
قَوْله: (يسلفون) ، من الإسلاف، ويروى بتَشْديد اللَّام من التسليف. قَوْله: (نبيط أهل الشَّام) ، بِفَتْح النُّون وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: أهل الزِّرَاعَة من أهل الشَّام، وَقيل: هم قوم ينزلون البطائح وتسموا بِهِ لاهتدائهم إِلَى اسْتِخْرَاج المياة من الْيَنَابِيع وَنَحْوهَا، وَفِي رِوَايَة سُفْيَان: أنباطا من أَنْبَاط أهل الشَّام، وهم قوم من الْعَرَب دخلُوا فِي الْعَجم وَالروم، واختلطت أنسابهم وفسدت ألسنتهم، وَكَانَ الَّذين اختلطوا بالعجم مِنْهُم قوم ينزلون البطائح بَين العراقين، وَالَّذين اختلطوا بالروم ينزلون فِي بوادي الشَّام، وَيُقَال لَهُم: النبط، بِفتْحَتَيْنِ وَيجمع على: أَنْبَاط، وَكَذَلِكَ النبيط يجمع على أَنْبَاط، يُقَال: رجل نبطي ونباطي ونباط، وَحكى يَعْقُوب: نباطي، بِضَم النُّون. وَيُقَال: أَنْبَاط الشَّام هم نَصَارَى الشَّام الَّذين عمروها، قَالَ الْجَوْهَرِي: نبط المَاء ينبط وينبط نبوطا: نبع، فَهُوَ نبيط. وَهُوَ الَّذِي ينبط من قَعْر الْبِئْر إِذا حفرت، وأنبط الحفار: بلغ المَاء، والاستنباط: الاستخراج. قَوْله: (إِلَى من كَانَ أَصله) أَي: أصل الْمُسلم فِيهِ، وَهُوَ الثَّمر أَي: الْحَرْث. قَوْله: (ألَهم حرث؟) أَي: زرع. فَافْهَم.
وَفِيه: مبايعة أهل الذِّمَّة وَالسّلم إِلَيْهِم. وَفِيه: جَوَاز السّلم فِي السّمن والشيرج وَنَحْوهمَا قِيَاسا على الزَّيْت.
حدَّثنا إسْحاقُ قَالَ حدَّثنا خالِدُ بنُ عبْدِ الله عنِ الشَّيْبَانِيِّ عنْ محَمَّدِ بنِ أبِي مُجَالِدٍ بِهذَا وَقَالَ فنُسْلِفُهُمْ فِي الحِنْطَةِ والشَّعِيرِ
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور عَن إِسْحَاق بن شاهين الوَاسِطِيّ عَن خَالِد بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الطَّحَّان الوَاسِطِيّ عَن سُلَيْمَان الشَّيْبَانِيّ ... إِلَى آخِره.
وَقَالَ عَبْدُ الله بنُ الوَلِيدِ عنْ سفْيَانَ قَالَ حدَّثنا الشَّيْبانِيُّ وَقَالَ والزَّيْتِ
هَذَا طَرِيق آخر مُعَلّق عَن عبد الله بن الْوَلِيد أَبُو مُحَمَّد الْعَدنِي نزيل مَكَّة، روى عَنهُ أَحْمد بن حَنْبَل وَكَانَ يصحح حَدِيثه وسماعه عَن سُفْيَان، قَالَ أَبُو زرْعَة: صَدُوق، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: يكت حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ، وَاسْتشْهدَ بِهِ البُخَارِيّ فِي: بَاب رمي الْجمار من بطن الْوَادي، وَقَالَ البُخَارِيّ: كَانَ يَقُول: أَنا مكي يُقَال لي عدني، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ. قَوْله: (وَقَالَ: وَالزَّيْت) يَعْنِي بعد أَن قَالَ: فِي الْحِنْطَة وَالشعِير قَالَ وَالزَّيْت، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله سُفْيَان فِي (جَامعه) من طَرِيق عَليّ بن الْحسن الْهِلَالِي عَن عبد الله بن الْوَلِيد، رَحمَه الله.
حدَّثنا قُتَيْبَةُ قَالَ حدَّثنا جَرِيرٌ عنِ الشَّيْبَانِيِّ وَقَالَ فِي الحِنْطَةِ والشَّعِيرِ والزَّبِيبِ
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور عَن قُتَيْبَة بن سعيد عَن جرير بن عبد الحميد عَن سُلَيْمَان الشيبانيي، قَوْله: (وَقَالَ فِي الْحِنْطَة) ، أَي: قَالَ فِي رُوَاته: فَنُسلفهُمْ فِي الْحِنْطَة وَالشعِير وَالزَّبِيب، وَلم يذكر فِيهِ: الزَّيْت، بل ذكر: الزَّبِيب.

5422 - حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الوَاحِدِ قَالَ حدَّثنا الشَّيْبَانِيُّ قَالَ حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ أبِي المُجَالِدِ قَالَ بَعَثَنِي عَبْدُ الله بنُ شَدَّادٍ وأبُو بُرْدَةَ إلَى عَبْدِ الله بنِ أبي أوْفَى رَضِي الله تَعَالَى عنهُما فقالاَ سَلْهُ هَلْ كانَ أصْحَابُ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عَهْدِ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُسْلِفُونَ فِي الحِنْطَةِ قَالَ عَبْدُ الله كنَّا نُسْلِفُ نَبِيطَ أهْلِ الشَّامِ فِي الحِنْطَةِ والشَّعِيرِ والزَّيْتِ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ إلَى أجَلٍ مَعْلُومٍ قُلْتُ إلَى مَنْ كانَ أصْلُهُ عِنْدَهُ قَالَ مَا كُنَّا نَسْألُهُمْ عنْ ذالِكَ ثُمَّ بعَثَانِي إلَى عَبْدِ الرَّحْمانِ ابنِ أبْزَى فسَألْتُهُ فَقَالَ كانَ أصْحَابُ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُسْلِفُونَ عَلَى عَهْدِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولَمْ نَسْألْهُمْ ألَهُمْ حَرْثٌ أمْ لاَ. (انْظُر الحَدِيث 2422 وطرفه) (انْظُر الحَدِيث 3422 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (قلت: إِلَى من كَانَ أَصله عِنْده) وَفِي قَوْله: (ألهم حرث أم لَا؟) . والْحَدِيث قد مضى فِي الْبَاب السَّابِق وَمضى الْكَلَام فِيهِ بوجوهه، غير أَن فِي هَذَا نَص البُخَارِيّ على أَن اسْم أبي المجالد: مُحَمَّد، وَذكر هُنَا: الزَّيْت، مَوضِع: الزَّبِيب، هُنَاكَ، وَفِيه زِيَادَة، وَهِي السُّؤَال عَن كَون الأَصْل عِنْد الْمُسلم إِلَيْهِ. وَالْجَوَاب بِعَدَمِ ذَلِك، وَعبد الْوَاحِد هُوَ: ابْن زِيَاد، والشيباني بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة: هُوَ أَبُو إِسْحَاق سُلَيْمَان، وَقد مر فِي الْحيض.
قَوْله: (يسلفون) ، من الإسلاف، ويروى بتَشْديد اللَّام من التسليف. قَوْله: (نبيط أهل الشَّام) ، بِفَتْح النُّون وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: أهل الزِّرَاعَة من أهل الشَّام، وَقيل: هم قوم ينزلون البطائح وتسموا بِهِ لاهتدائهم إِلَى اسْتِخْرَاج المياة من الْيَنَابِيع وَنَحْوهَا، وَفِي رِوَايَة سُفْيَان: أنباطا من أَنْبَاط أهل الشَّام، وهم قوم من الْعَرَب دخلُوا فِي الْعَجم وَالروم، واختلطت أنسابهم وفسدت ألسنتهم، وَكَانَ الَّذين اختلطوا بالعجم مِنْهُم قوم ينزلون البطائح بَين العراقين، وَالَّذين اختلطوا بالروم ينزلون فِي بوادي الشَّام، وَيُقَال لَهُم: النبط، بِفتْحَتَيْنِ وَيجمع على: أَنْبَاط، وَكَذَلِكَ النبيط يجمع على أَنْبَاط، يُقَال: رجل نبطي ونباطي ونباط، وَحكى يَعْقُوب: نباطي، بِضَم النُّون. وَيُقَال: أَنْبَاط الشَّام هم نَصَارَى الشَّام الَّذين عمروها، قَالَ الْجَوْهَرِي: نبط المَاء ينبط وينبط نبوطا: نبع، فَهُوَ نبيط. وَهُوَ الَّذِي ينبط من قَعْر الْبِئْر إِذا حفرت، وأنبط الحفار: بلغ المَاء، والاستنباط: الاستخراج. قَوْله: (إِلَى من كَانَ أَصله) أَي: أصل الْمُسلم فِيهِ، وَهُوَ الثَّمر أَي: الْحَرْث. قَوْله: (ألَهم حرث؟) أَي: زرع. فَافْهَم.
وَفِيه: مبايعة أهل الذِّمَّة وَالسّلم إِلَيْهِم. وَفِيه: جَوَاز السّلم فِي السّمن والشيرج وَنَحْوهمَا قِيَاسا على الزَّيْت.
حدَّثنا إسْحاقُ قَالَ حدَّثنا خالِدُ بنُ عبْدِ الله عنِ الشَّيْبَانِيِّ عنْ محَمَّدِ بنِ أبِي مُجَالِدٍ بِهذَا وَقَالَ فنُسْلِفُهُمْ فِي الحِنْطَةِ والشَّعِيرِ
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور عَن إِسْحَاق بن شاهين الوَاسِطِيّ عَن خَالِد بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الطَّحَّان الوَاسِطِيّ عَن سُلَيْمَان الشَّيْبَانِيّ ... إِلَى آخِره.
وَقَالَ عَبْدُ الله بنُ الوَلِيدِ عنْ سفْيَانَ قَالَ حدَّثنا الشَّيْبانِيُّ وَقَالَ والزَّيْتِ
هَذَا طَرِيق آخر مُعَلّق عَن عبد الله بن الْوَلِيد أَبُو مُحَمَّد الْعَدنِي نزيل مَكَّة، روى عَنهُ أَحْمد بن حَنْبَل وَكَانَ يصحح حَدِيثه وسماعه عَن سُفْيَان، قَالَ أَبُو زرْعَة: صَدُوق، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: يكت حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ، وَاسْتشْهدَ بِهِ البُخَارِيّ فِي: بَاب رمي الْجمار من بطن الْوَادي، وَقَالَ البُخَارِيّ: كَانَ يَقُول: أَنا مكي يُقَال لي عدني، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ. قَوْله: (وَقَالَ: وَالزَّيْت) يَعْنِي بعد أَن قَالَ: فِي الْحِنْطَة وَالشعِير قَالَ وَالزَّيْت، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله سُفْيَان فِي (جَامعه) من طَرِيق عَليّ بن الْحسن الْهِلَالِي عَن عبد الله بن الْوَلِيد، رَحمَه الله.
حدَّثنا قُتَيْبَةُ قَالَ حدَّثنا جَرِيرٌ عنِ الشَّيْبَانِيِّ وَقَالَ فِي الحِنْطَةِ والشَّعِيرِ والزَّبِيبِ
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور عَن قُتَيْبَة بن سعيد عَن جرير بن عبد الحميد عَن سُلَيْمَان الشيبانيي، قَوْله: (وَقَالَ فِي الْحِنْطَة) ، أَي: قَالَ فِي رُوَاته: فَنُسلفهُمْ فِي الْحِنْطَة وَالشعِير وَالزَّبِيب، وَلم يذكر فِيهِ: الزَّيْت، بل ذكر: الزَّبِيب.

6422 - حدَّثنا آدَمُ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ أخبرنَا عَمْرٌ وَقَالَ سَمِعْتُ أَبَا البَخْتَرِيِّ الطَّائِيَّ قَالَ سألْتُ ابنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا عنِ السَّلَم فِي النَّخْلِ قالَتْ نَهَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ بَيْعِ النَّخْلِ حتَّى يْؤكَلَ مِنْهُ وحتَّى يُوزَنَ فَقَالَ الرَّجُلُ وأيُّ شَيءٍ يُوزَنُ قَالَ رَجُلٌ إلَى جانِبِهِ حتَّى يحْرَزَ.
قَالَ ابْن بطال: حَدِيث ابْن عَبَّاس هَذَا لَيْسَ من هَذَا الْبَاب، وَإِنَّمَا هُوَ من الْبَاب الَّذِي بعده المترجم بِبَاب السّلم فِي النّخل، وَهُوَ غلط من النَّاسِخ، وَأجِيب: بِأَن ابْن عَبَّاس لما سُئِلَ عَن السّلم إِلَى من لَهُ نخل عد ذَلِك من قبيل بيع الثِّمَار قبل بَدو صَلَاحهَا، فَإِذا كَانَ السّلم فِي النّخل لَا يجوز لم يبْق لوجودها فِي ملك الْمُسلم إِلَيْهِ فَائِدَة مُتَعَلقَة بالسلم، فَيصير جَوَاز السّلم إِلَى من

(12/66)


لَيْسَ لَهُ عِنْده أصل وإلاَّ يلْزمه سد بَاب السّلم.
وآدَم هُوَ ابْن أبي إِيَاس، وَعَمْرو، بِفَتْح الْعين: هُوَ ابْن مرّة، بِضَم الْمِيم، وَفِي رِوَايَة مُسلم: عَمْرو بن مرّة وَهُوَ عَمْرو بن مرّة بن عبد الله الْمرَادِي الْأَعْمَى الْكُوفِي، وَأَبُو البخْترِي، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وبالراء وَتَشْديد الْيَاء: واسْمه سعيد بن فَيْرُوز الْكُوفِي الطَّائِي، قتل فِي الجماجم سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن الْوَلِيد وَعَن بنْدَار عَن غنْدر، وَأخرجه مُسلم فِي الْبيُوع عَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار، كِلَاهُمَا عَن غنْدر.
قَوْله: (فِي النّخل) ، أَي: فِي ثَمَر النّخل. وَقَالَ الْكرْمَانِي مَا ملخصه: أَن المُرَاد من السّلم مَعْنَاهُ اللّغَوِيّ، وَهُوَ السّلف حَتَّى لَا يُقَال: كَيفَ يَصح معنى السّلم فِيهِ وَلم يَقع العقد على مَوْصُوف فِي الذِّمَّة؟ وَأما النَّهْي عَنهُ فَلِأَنَّهُ من جِهَة أَنه من تِلْكَ الثَّمَرَة خَاصَّة، وَلَيْسَ مسترسلاً فِي الذِّمَّة مُطلقًا. قَوْله: (حَتَّى يُؤْكَل مِنْهُ) مُقْتَضَاهُ أَن يَصح بعد الْأكل الَّذِي هُوَ كِنَايَة عَن ظُهُور الصّلاح، وَمَعَ هَذَا لم يَصح، لِأَن ذكر هَذِه الْغَايَة بَيَان للْوَاقِع لأَنهم كَانُوا يسلفونه قبل صَيْرُورَته مِمَّا يُؤْكَل، والقيود الَّتِي خرجت مخرج الْأَغْلَب لَا مَفْهُوم لَهَا. قَوْله: (فَقَالَ الرجل) ، قَالَ الْكرْمَانِي: إِنَّمَا عرف مَعَ أَن السِّيَاق يَقْتَضِي تنكيره لِأَنَّهُ مَعْهُود إِذا أَرَادَ بِهِ أَبُو البخْترِي نَفسه أَي السَّائِل من ابْن عَبَّاس. قَوْله: (قَالَ رجل) ، لم يدر هَذَا من هُوَ. قَوْله: (وَأي شَيْء يُوزن) ، إِذْ لَا يُمكن وزن الثَّمَرَة الَّتِي على النّخل. قَوْله: (إِلَى جَانِبه) أَي: إِلَى جَانب ابْن عَبَّاس. قَوْله: (حَتَّى يحرز) ، بِتَقْدِيم الرَّاء على الزَّاي: حَتَّى يحفظ ويصان، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: حَتَّى يحرز، بِتَقْدِيم الزَّاي على الرَّاء، أَي: يخرص وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: حَتَّى يحرر، من التَّحْرِير، وَلكنه رَوَاهُ بِالشَّكِّ. وَاعْلَم أَن الْخرص وَالْأكل وَالْوَزْن كلهَا كنايات عَن ظُهُور صَلَاحهَا، وَفَائِدَة ذَلِك معرفَة كمية حُقُوق الْفُقَرَاء قبل أَن يتَصَرَّف فِيهِ الْمَالِك، وَاحْتج بِهَذَا الْكُوفِيُّونَ وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ بِأَن السّلم لَا يجوز إلاَّ أَن يكون السّلم فِيهِ مَوْجُودا فِي أَيدي النَّاس فِي وَقت العقد إِلَى حِين حُلُول الْأَجَل، فَإِن انْقَطع فِي شَيْء من ذَلِك لم يجز، وَهُوَ مَذْهَب ابْن عمر وَابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر: يجوز السّلم فِيمَا هُوَ مَعْدُوم فِي أَيدي النَّاس إِذا كَانَ مَأْمُون الْوُجُود عِنْد حُلُول الْأَجَل فِي الْغَالِب، فَإِن كَانَ يَنْقَطِع حِينَئِذٍ لم يجز، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي أول الْبَاب مفصلا.
وَقَالَ مُعاذٌ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ عَمْرٍ ووقال أبُو البَخْتَرِيِّ سَمِعْتُ ابنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا نَهَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِثْلَهُ
معَاذ هُوَ ابْن معَاذ التَّمِيمِي قَاضِي الْبَصْرَة، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن يحيى بن مُحَمَّد عَن عبيد الله بن معَاذ عَن أَبِيه بِهِ، وَفِي الحَدِيث السَّابِق، قَالَ شُعْبَة: أخبرنَا عَمْرو، قَالَ: سَمِعت أَبَا البخْترِي، قَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس. وَهَهُنَا: يَقُول شُعْبَة عَن عَمْرو: قَالَ أَبُو البخْترِي: سَمِعت ابْن عَبَّاس. قَوْله: (مثله) ، أَي: مثل هَذَا الحَدِيث الْمَذْكُور.

4 - (بابُ السلَمِ فِي النَّخْلِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم السّلم فِي ثَمَر النّخل.

8422 - حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ عَمْرٍ وعنْ أبِي البَخْتَرِيِّ قَالَ سألتُ ابنَ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا عنِ السَّلَمِ فِي النَّخْلِ حَتَّى يَصْلُحَ وعنْ بَيْعِ الوَرِقِ نَساءً بِناجِزٍ وسألْتُ ابنَ عَبَّاسٍ عنِ السَّلَمِ فِي النَّخْلِ فَقَالَ نَهَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ بَيْعِ النَّخْلِ حتَّى يُؤكَلَ مِنْهُ أوْ يَأكُلَ مِنْهُ وحتَّى يُوزَنَ. . (انْظُر الحَدِيث 6422 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ. قَوْله: (فَقَالَ: نهى) أَي: فَقَالَ ابْن عمر: نهي، بِضَم النُّون على بِنَاء الْمَجْهُول، وَالرِّوَايَات كلهَا متفقة على ضم النُّون. قَوْله: (عَن بيع النّخل) أَي: عَن بيع ثَمَر النّخل. قَوْله: (حَتَّى يصلح) ، أَي: حَتَّى يظْهر فِيهِ الصّلاح. قَوْله: (وَعَن بيع الْوَرق) ، أَي: وَنهى أَيْضا عَن بيع الْوَرق، بِفَتْح الْوَاو وَكسر الرَّاء وبكسر الْوَاو وَسُكُون

(12/67)


الرَّاء وَفتح الْوَاو وَسُكُون الرَّاء: وَهُوَ الدَّرَاهِم المضروبة، أَي: نهى عَن بيع الْفضة بِالذَّهَب نسأ، أَي: بِالتَّأْخِيرِ، وَهُوَ بِفَتْح النُّون وبالمد وَالْقصر، وَمِنْه: نسأت الدّين أَي: أَخَّرته نسَاء وأنسأته إنسا، وَالنِّسَاء الإسم، فَإِن قلت: انتصاب نسَاء بِمَاذَا؟ قلت: يجوز أَن يكون على الْحَال، وَيكون نسأ بِمَعْنى منسأ على صِيغَة اسْم الْمَفْعُول. قَوْله: (بناجز) بالزاي فِي آخِره، أَي: بحاضر، يُقَال: نجز ينجز نجزا إِذا حضر وَحصل. قَوْله: (فَقَالَ) أَي: ابْن عَبَّاس نهى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن بيع ثَمَر النّخل حَتَّى يُؤْكَل مِنْهُ، أَي: حَتَّى يُؤْكَل من النّخل ثمره، أَو يَأْكُلهُ صَاحبه مِنْهُ. قَوْله: (وَحَتَّى يُوزن) أَي: حَتَّى يخرص، وَقد مر عَن قريب.
وَاسْتدلَّ بَعضهم بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور على جَوَاز السّلم فِي النّخل الْمعِين من الْبُسْتَان الْمعِين، وَلَكِن بعد بَدو صَلَاحه، وَهُوَ مَذْهَب الْمَالِكِيَّة أَيْضا وَهَذَا الِاسْتِدْلَال ضَعِيف. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: اتِّفَاق الْأَكْثَر على منع السّلم فِي بُسْتَان معِين لِأَنَّهُ غرر. قلت: وَهُوَ مَذْهَب أَصْحَابنَا الْحَنَفِيَّة أَيْضا، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عبد الله بن سَلام فِي قصَّة إِسْلَام زيد بن سعنة، بِفَتْح السِّين وَسُكُون الْعين الْمُهْمَلَتَيْنِ وَفتح النُّون، أَنه قَالَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل لَك أَن تبيعني تَمرا مَعْلُوما إِلَى أجل مَعْلُوم من حَائِط بني فلَان؟ قَالَ: (لَا أبيعك من حَائِط مُسَمّى، بل أبيعك أوسقا مُسَمَّاة إِلَى أجل مُسَمّى) .

0522 - حدَّثنا محَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ قَالَ حدَّثنا غُنْدَرٌ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ عَمْرو عنْ أبِي الْبَخْتَريِّ قَالَ سألْتُ ابنَ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما عنِ السَّلَمِ فِي النَّخْلِ فَقَالَ نَهَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حتَّى يَصْلُحَ ونِهىَ عنِ الوَرِقِ بالذَّهَبِ نَسَاءً بِناجِزٍ وسألْتُ ابنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ نَهَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ بَيْعِ النَّخْلِ حتَّى يأكلَ أوْ يُؤْكَلَ وحتَّى يُوزَنَ قُلْتُ وَمَا يُوزَنُ قَالَ رجُلٌ عِنْدَهُ حَتَّى يُحْرَزَ. (انْظُر الحَدِيث 6841 وطرفه) . (انْظُر الحَدِيث 6422 وطرفه) .

هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور عَن مُحَمَّد بن بشار عَن غنْدر، وَهُوَ مُحَمَّد بن جَعْفَر عَن شُعْبَة ... إِلَى آخِره، قَوْله: (فَقَالَ: نهى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر وَأبي الْوَقْت: نهى عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَنهي عمر إِمَّا عَن السماع عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِمَّا عَن اجْتِهَاده.

5 - (بابُ الكَفِيلِ فِي السَّلَمِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْكَفِيل فِي السّلم.

1522 - حدَّثنا مُحَمَّدٌ قَالَ حدَّثنا يَعْلَى قَالَ حدَّثنا الأعْمَشُ عنْ إبْراهِيمَ عنِ الأسْوَدِ عنْ عَائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتِ اشْتَرَى رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَعاما مِنْ يَهُودِيٍّ بِنَسِيئَةٍ ورَهَنَهُ دِرْعا لَهُ مِنْ حدِيدٍ. .

قيل: لَيْسَ فِي هَذَا الحَدِيث مَا ترْجم بِهِ، وَأجَاب الْكرْمَانِي بِأَنَّهُ: إِمَّا أَن يُرَاد بِالْكَفَالَةِ الضَّمَان، وَلَا شكّ أَن الْمَرْهُون ضَامِن للدّين من حَيْثُ إِنَّه يُبَاع فِيهِ. وَأما يُقَاس على الرَّهْن بِجَامِع كَونهمَا وَثِيقَة، وَلِهَذَا كل مَا صَحَّ الرَّهْن فِيهِ صَحَّ ضَمَانه. وَبِالْعَكْسِ. قلت: إِثْبَات الْمُطَابقَة بَين هَذَا الحَدِيث وَبَين التَّرْجَمَة بِهَذَا الْكَلَام، إِنَّمَا هُوَ بِالْجَرِّ الثقيل، وَمَعَ هَذَا الْجَواب الثَّانِي فِيهِ بعض قرب، وَالْأَقْرَب مِنْهُ أَن يُقَال: إِن عَادَته جرت أَن يُشِير إِلَى بعض مَا ورد فِي بعض طرق الحَدِيث، وَقد روى فِي الرَّهْن عَن مُسَدّد عَن عبد الْوَاحِد عَن الْأَعْمَش، قَالَ: تَذَاكرنَا عِنْد إِبْرَاهِيم الرَّهْن والقبيل فِي السّلف، فَذكر إِبْرَاهِيم هَذَا الحَدِيث، وَفِيه التَّصْرِيح بِالرَّهْنِ وَالْكَفِيل، لِأَن الْقَبِيل هُوَ الْكَفِيل، وَبِهَذَا يُجَاب أَيْضا عَمَّا قَالَه الْكرْمَانِي: لَيْسَ فِيهِ عقد السّلم، لِأَن السّلف هُوَ السّلم.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْبيُوع فِي: بَاب شِرَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالنَّسِيئَةِ، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن مُعلى بن أَسد عَن عبد الْوَاحِد عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش، وَهنا أخرجه: عَن مُحَمَّد بن سَلام عَن يعلى، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَفتح اللَّام وبالقصر: ابْن عبيد بِالتَّصْغِيرِ أبي يُوسُف الطنافسي الْحَنَفِيّ الْكُوفِي، مَاتَ سنة تسع وَمِائَتَيْنِ، عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن الْأسود بن يزِيد النَّخعِيّ، وَقد مر الْبَحْث فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى.

(12/68)


6 - (بابُ الرَّهْنِ فِي السَّلَمِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الرَّهْن فِي السّلم.

7 - (بابُ السَّلَمِ إلَى أجَلٍ مَعْلُومٍ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم السّلم الْوَاقِع إِلَى أجل مَعْلُوم أَي: إِلَى مُدَّة مُعينَة. وَفِيه: الرَّد على من أجَاز السّلم الْحَال، وَهُوَ قَول الشَّافِعِيَّة وَمن تَبِعَهُمْ.
وبِهِ قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ وأبُو سَعِيدٍ والأسْوَدُ والحسَنُ

أَي: باختصاص السّلم بالأجل، قَالَ ابْن عَبَّاس وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ وَالْأسود بن يزِيد النَّخعِيّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ، وَتَعْلِيق ابْن عَبَّاس وَصله الشَّافِعِي عَن سُفْيَان عَن قَتَادَة عَن أبي حسان بن مُسلم الْأَعْرَج عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: أشهد أَن السّلف الْمَضْمُون إِلَى أجل مُسَمّى قد أَجله الله فِي كِتَابه وَأذن فِيهِ. ثمَّ قَرَأَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا تداينتم بدين إِلَى أجل مُسَمّى فاكتبوه} (الْبَقَرَة: 282) . وَأخرجه الْحَاكِم من هَذَا الْوَجْه وَصَححهُ، وروى ابْن أبي شيبَة من وَجه آخر عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: لَا تسلف إِلَى الْعَطاء وَلَا إِلَى الْحَصاد وَاضْرِبْ أَََجَلًا. وَتَعْلِيق أبي سعيد وَصله عبد الرازق من طَرِيق نُبيح الْعَنزي الْكُوفِي عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، قَالَ: السّلم بِمَا يقوم بِهِ السّعر رَبًّا، وَلَكِن أسلف فِي كيل مَعْلُوم إِلَى أجل مَعْلُوم. قلت: نُبيح، بِضَم النُّون وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره حاء مُهْملَة، والعنزي، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَالنُّون وبالزاي، وَتَعْلِيق الْأسود وَصله ابْن أبي شيبَة من طَرِيق الثَّوْريّ عَن أبي إِسْحَاق عَنهُ، قَالَ: سَأَلته عَن السّلم فِي الطَّعَام، قَالَ: لَا بَأْس بِهِ كيل مَعْلُوم إِلَى أجل مَعْلُوم. وَلم أَقف على تَعْلِيق الْحسن.
وَقَالَ ابنُ عُمَرَ لاَ بَأسَ فِي الطَّعَامِ المَوصُوفِ بِسِعْرٍ مَعْلُومٍ إلَى أجَلٍ مَعْلُومٍ مَا لَمْ يَكُ ذالِكَ فِي زَرْعٍ لَمْ يَبْدُ صَلاَحُهُ

هَذَا التَّعْلِيق وَصله مَالك فِي (الْمُوَطَّأ) عَن نَافِع عَنهُ قَالَ: لَا بَأْس أَن يسلف الرجل فِي الطَّعَام الْمَوْصُوف، فَذكر مثله، وَزَاد: وَثَمَرَة لم يبد صَلَاحهَا، وَأخرجه ابْن أبي شيبَة من طَرِيق عبيد الله بن عمر عَن نَافِع نَحوه. قَوْله: (مَا لم يَك) ، أَصله: مَا لم يكن، حذفت النُّون تَخْفِيفًا، ويروى على الأَصْل، وَهَذَا كَمَا رَأَيْت أساطين الصَّحَابَة عبد الله بن عَبَّاس وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ وَعبد الله بن عمر

(12/69)


بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، شرطُوا الْأَجَل فِي السّلم، وَكَذَلِكَ من أساطين التَّابِعين: الْأسود وَالنَّخَعِيّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ، وَهَذَا كُله حجَّة على من يرى جَوَاز السّلم الْحَال من الشَّافِعِيَّة وَغَيرهم. وَاخْتَارَ ابْن خُزَيْمَة من الشَّافِعِيَّة تأقيته إِلَى الميسرة، وَاحْتج بِحَدِيث عَائِشَة، رَوَاهُ النَّسَائِيّ: (أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بعث إِلَى يَهُودِيّ: إبعث لي ثَوْبَيْنِ إِلَى الميسرة) . وَابْن الْمُنْذر طعن فِي صِحَّته، وَلَئِن سلمنَا صِحَّته فَلَا دلَالَة فِيهِ على مَا ذكره، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلاَّ مُجَرّد الاستدعاء، فَلَا يمْتَنع أَنه إِذا وَقع العقد قيد بِشُرُوطِهِ، وَلذَلِك لم يصف الثَّوْبَيْنِ.

3522 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ حدَّثنا سُفْيانُ عنِ ابنِ أبِي نَجيحٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ كَثِيرٍ عنْ أبِي المِنْهَالِ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ قَدِمَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المَدِينَةَ وهُمْ يُسْلِفُونَ فِي الثِّمَارِ السَّنَتَيْنِ والثَّلاثَ فَقَالَ أسْلِفُوا فِي الثِّمَارِ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ إلَى أجَلٍ مَعْلُومٍ (انْظُر الحَدِيث 9322 وطرافيه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (إِلَى أجل مَعْلُوم) ، وَقد مضى هَذَا الحَدِيث فِي: بَاب السّلم فِي كيل مَعْلُوم، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن عَمْرو ابْن زُرَارَة عَن إِسْمَاعِيل بن علية عَن عبد الله بن أبي نجيح ... إِلَى آخِره، وَأخرجه هُنَا: عَن أبي نعيم، بِضَم النُّون: الْفضل بن دُكَيْن عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن ابْن أبي نجيح ... إِلَى آخِره، والتكرار لأجل التَّرْجَمَة وَاخْتِلَاف الشُّيُوخ، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.
وَقَالَ عَبْدُ الله بنُ الوَلِيدِ حدَّثنا سُفْيانُ قَالَ حدَّثنا ابنُ أبِي نَجِيحٍ وَقَالَ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ ووَزْنٍ مَعْلُومٍ
هَذَا التَّعْلِيق مَوْصُول فِي (جَامع) سُفْيَان من طَرِيق عبد الله بن الْوَلِيد الْعَدنِي، وَهَذَا فِيهِ فَائِدَتَانِ: الأولى: فِيهِ: بَيَان التحديث، وَالَّذِي قبله مَذْكُور بالعنعنة. وَالْأُخْرَى: فِيهِ الْإِشَارَة إِلَى أَن من جملَة الشَّرْط فِي السّلم الْوَزْن الْمَعْلُوم فِي الموزونات.

5522 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ مُقاتِلٍ قَالَ أخبرنَا عَبْدُ الله قَالَ أخبرنَا سُفْيانُ عنُ سُلَيْمانَ الشَّيْبَانِيِّ عنْ مُحَمَّدِ بنِ أبِي مُجالِدٍ قَالَ أرْسَلَنِي أبُو بُرْدَةَ وعَبْدُ الله بنُ شَدَّادٍ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ أبْزَى وعَبْدِ الله بنِ أبِي أوْفَى فسَألْتُهُمَا عنِ السَّلَفِ فقالاَ كُنَّا نُصِيبُ المَغَانِمَ مَعَ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فكَانَ يَأتِينَا أنْباطٌ مِنْ أنْباطِ الشَّامِ فنُسْلِفُهُمْ فِي الحِنْطَةِ والشَّعِيرِ والزَّبِيبِ إلَى أجَلٍ مُسَمَّى قَالَ قُلْتُ أكَانَ لَهُمْ زَرْعٌ أوْ لَمْ يَكنْ لَهُمْ زَرْعٌ قالاَ مَا كُنَّا نَسْألُهُمْ عنْ ذالِكَ. (انْظُر الحَدِيث 3422 وطرفه) . (انْظُر الحَدِيث 2422 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (إِلَى أجل مُسَمّى) وَهُوَ أجل مَعْلُوم، والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي: بَاب السّلم إِلَى من لَيْسَ عِنْده أصل، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ من ثَلَاث طرق: عَن مُوسَى بن سماعيل، وَإِسْحَاق، وقتيبة. وَأخرجه هُنَا: عَن مُحَمَّد بن مقَاتل الْمروزِي. وَهُوَ من أَفْرَاده عَن عبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي عَن سُفْيَان الثَّوْريّ ... إِلَى آخِره، والتكرار لأجل التَّرْجَمَة وَاخْتِلَاف الشُّيُوخ، والتقديم وَالتَّأْخِير فِي بعض الْمَتْن وَبَعض الزِّيَادَة فِيهِ هُنَا يعرف ذَلِك بِالنّظرِ والتأمل.

8 - (بابُ السَّلَمِ إلَى أنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم السّلم إِلَى أَن تنْتج النَّاقة، وتنتج على صِيغَة الْمَجْهُول، وَمَعْنَاهُ: إِلَى أَن تَلد النَّاقة، يُقَال: نتجت النَّاقة إِذا ولدت فَهِيَ منتوجة. وأنتجت إِذا حملت فَهِيَ نتوج. وَلَا يُقَال: منتج، ونتجت النَّاقة أنتجها: إِذا أولدتها، والناتج لِلْإِبِلِ كالقابلة للنِّسَاء، وَالْمَقْصُود من هَذِه التَّرْجَمَة بَيَان عدم جَوَاز السّلم إِلَى أجل غير مَعْلُوم، يدل عَلَيْهِ حَدِيث الْبَاب.

(12/70)


6522 - حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ أخبرَنَا جُوَيْرِيَةُ عنُ نافِعٍ عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ كانُوا يَتَبَايَعُونَ الجَزُورَ إلَى حَبَلِ الحَبَلَةِ فنَهَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْهُ فسَّره نافِعٌ إلَى أنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ مَا فِي بَطْنِهَا. (انْظُر الحَدِيث 3412 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (حَبل الحبلة) لِأَن مَعْنَاهُ: نتاج النِّتَاج، وَفَسرهُ نَافِع الرَّاوِي عَن ابْن عمر بقوله: أَن تنْتج النَّاقة، يَعْنِي أَن تَلد مَا فِي بَطنهَا. وَقَالَ الْكرْمَانِي: مَا فِي بَطنهَا بدل عَن النَّاقة، وَهُوَ الْمُوَافق لتفسير نَافِع لَهُ فِي بَاب بيع الْغرَر، وَقَالَ الشَّافِعِي: هُوَ بيع الْجَزُور بِثمن مُؤَجل إِلَى أَن تَلد النَّاقة وتلد وَلَدهَا، وَهُوَ تَفْسِير ابْن عمر، وَقيل: هُوَ بيع ولد ولد النَّاقة، وَقد مضى الحَدِيث فِي كتاب الْبيُوع فِي بَاب: بيع الْغرَر، وحبل الحبلة، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مستقصىً. وَجُوَيْرِية مصغر جَارِيَة وَهُوَ جوَيْرِية بن أَسمَاء ابْن عبيد الضبعِي الْبَصْرِيّ.