عمدة القاري شرح صحيح البخاري

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحيم

84 - (كتابُ الرَّهْنِ فِي الْحَضَرِ)

أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَحْكَام الرَّهْن، هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره: بَاب الرَّهْن فِي الْحَضَر، وَفِي رِوَايَة ابْن شبويه: بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّهْن، وَفِي رِوَايَة الْكل الْآيَة مَذْكُورَة فِي الأول. قَوْله: (فِي الْحَضَر) لَيْسَ بِقَيْد، وَلكنه ذكره بِنَاء على الْغَالِب، لِأَن الرَّهْن فِي السّفر نَادِر، وَقَالَ ابْن بطال: الرَّهْن جَائِز فِي الْحَضَر خلافًا للظاهرية، وَاحْتَجُّوا بقوله تَعَالَى: {وَإِن كُنْتُم على سفر وَلم تَجدوا كَاتبا فرهان مَقْبُوضَة} (الْبَقَرَة: 382) . وَالْجَوَاب: أَن الله تَعَالَى إِنَّمَا ذكر السّفر لِأَن الْغَالِب فِيهِ عدم الْكَاتِب فِي السّفر، وَقد يُوجد الْكَاتِب فِي السّفر وَيجوز فِيهِ الرَّهْن، وَكَذَا يجوز فِي الْحَضَر، وَلِأَن الرَّهْن للاستيثاق فيستوثق فِي الْحَضَر أَيْضا كالكفيل، وَأَيْضًا رهن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، درعه بِالْمَدِينَةِ، وَالرَّهْن فِي اللُّغَة مُطلق الْحَبْس، قَالَ الله تَعَالَى: {كل نفس بِمَا كسبت رهينة} (المدثر: 83) . أَي: محبوسة، وَفِي الشَّرْع: هُوَ حبس شَيْء يُمكن اسْتِيفَاؤهُ مِنْهُ الدّين: تَقول: رهنت الشَّيْء عِنْد فلَان وَرَهنه الشَّيْء وأرهنته الشَّيْء بمعني، قَالَ ثَعْلَب: يجوز رهنته وأرهنته. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: لَا يُقَال: أرهنت الشَّيْء وَإِنَّمَا يُقَال: رهنته، وَيجمع الرَّهْن على رهان وَرهن بِضَمَّتَيْنِ. وَقَالَ الْأَخْفَش: رهن بِضَمَّتَيْنِ قبيحة لِأَنَّهُ لَا يجمع فعل على فعل إلاَّ قَلِيلا شاذاً، نَحْو: سقف وسقف، قَالَ: وَقد يكون رهن جمعا للرهان، كَأَنَّهُ يجمع رهن على رهان، ثمَّ يجمع رهان على رهن، مثل فرَاش وفرش والراهن الَّذِي يرْهن، وَالْمُرْتَهن الَّذِي يَأْخُذ الرَّهْن، وَالشَّيْء مَرْهُون ورهين وَالْأُنْثَى رهينة.

1

- (بابٌ فِي الرَّهْن فِي الْحَضَر

(13/67)


وَقَوله تَعَالَى: {وَإِن كُنْتُم على سفر وَلم تَجدوا كَاتبا فرهان مَقْبُوضَة} (الْبَقَرَة: 382) .)
وَقَوله، بِالْجَرِّ عطف على مَا قبله أَي فِي بَيَان قَوْله تَعَالَى: {وَإِن كُنْتُم على سفر} (الْبَقَرَة: 382) . قَوْله: {وَإِن كُنْتُم على سفر} (الْبَقَرَة: 382) . أَي: مسافرين، وتداينتم إِلَى أجل مُسَمّى: {وَلم تَجدوا كَاتبا} (الْبَقَرَة: 382) . يكْتب لكم، قَالَ ابْن عَبَّاس: أَو وجدوه وَلم يَجدوا قرطاساً أَو دَوَاة أَو قَلما {فرهان مَقْبُوضَة} (الْبَقَرَة: 382) . أَي: فَلْيَكُن بدل الْكِتَابَة رهان مَقْبُوضَة فِي يَد صَاحب الْحق. وَقد اسْتدلَّ بقوله: {فرهان مَقْبُوضَة} (الْبَقَرَة: 382) . أَن الرَّهْن لَا يلْزم إلاَّ بِالْقَبْضِ، كَمَا هُوَ مَذْهَب الْجُمْهُور، وَقَالَ ابْن بطال: جَمِيع الْفُقَهَاء يجوزون الرَّهْن فِي الْحَضَر وَالسّفر، وَمنعه مُجَاهِد وَدَاوُد فِي الْحَضَر، وَنقل الطَّبَرِيّ عَن مُجَاهِد وَالضَّحَّاك أَنَّهُمَا قَالَا: لَا يشرع الرَّهْن إلاَّ فِي السّفر حَيْثُ لَا يُوجد الْكَاتِب، وَبِه قَالَ دَاوُد.

8052 - حدَّثنا مُسْلِمُ بنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ حدَّثنا هِشَامٌ قَالَ حدَّثنا قَتادَةُ عنْ أنَس رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ ولَقدْ رَهَنَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم درْعَهُ بِشَعِيرٍ ومَشَيْتُ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخُبْزِ شَعِيرٍ وإهَالَة سِنْخَةٍ ولَقَدْ سَمِعْتُهُ يقولُ مَا أصْبَحَ لِآلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلاَّ صاعٌ وَلَا أمْسَى وإنَّهُم لَتِسْعَةُ أبْياتٍ.
(انْظُر الحَدِيث 9602) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَلَقَد رهن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم درعه بشعير) ، وَقد مضى الحَدِيث فِي أَوَائِل كتاب الْبيُوع فِي: بَاب شِرَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالنَّسِيئَةِ، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن مُسلم عَن هِشَام عَن قَتَادَة عَن أنس وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله بن حَوْشَب عَن أَسْبَاط عَن هِشَام الدستوَائي عَن قَتَادَة عَن أنس، وَمضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.
قَوْله: (وَلَقَد رَهنه) ، مَعْطُوف على شيى مَحْذُوف بيَّنه مَا رَوَاهُ أَحْمد من طَرِيق أبان الْعَطَّار عَن قَتَادَة عَن أنس: أَن يَهُودِيّا دَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَجَابَهُ، وَلَقَد رهن ... إِلَى آخِره، وَهَذَا الْيَهُودِيّ هُوَ أَبُو الشَّحْم واسْمه كنيته، وَهُوَ من بني ظفر، بِفَتْح الظَّاء الْمُعْجَمَة وَالْفَاء: وَهُوَ بطن من الْأَوْس وَكَانَ حليفاً لَهُم وَكَانَ قدر الشّعير ثَلَاثِينَ صَاعا كَمَا سَيَأْتِي فِي البُخَارِيّ من حَدِيث عَائِشَة فِي الْجِهَاد، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَحْمد وَابْن مَاجَه وَالطَّبَرَانِيّ، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ: (بِعشْرين صَاعا) ، وَوَقع لِابْنِ حبَان من طَرِيق شَيبَان عَن قَتَادَة عَن أنس: أَن قيمَة الطَّعَام كَانَت دِينَارا، وَزَاد أَحْمد من طَرِيق شَيبَان: (فَمَا وجد مَا يَفْتكهَا بِهِ حَتَّى مَاتَ) . قَوْله: (درعه) ، بِكَسْر الدَّال يذكر وَيُؤَنث. قَوْله: (بشعير) ، الْبَاء فِيهِ للمقابلة، أَي: رهن درعه فِي مُقَابلَة شعير. قَوْله: (ومشيت) ، أَي: قَالَ أنس: مشيت إِلَى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (بِخَبَر شعير) ، بِالْإِضَافَة وَالْبَاء فِيهِ تتَعَلَّق: بمشيت. قَوْله: (وإهالة) ، بِكَسْر الْهمزَة وَتَخْفِيف الْهَاء: مَا أذيب من الشَّحْم والألية، وَقيل: هُوَ كل دسم جامد، وَقيل: مَا يؤتدم بِهِ من الأدهان. قَوْله: (سنخة) ، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَكسر النُّون وَفتح الْخَاء الْمُعْجَمَة: أَي متغيرة الرّيح، وَيُقَال: زنخة أَيْضا بالزاي، مَوضِع السِّين. قَوْله: (وَلَقَد سمعته) ، أَي: قَالَ أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (لقد سَمِعت النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُول) وَقد مر مَا قَالَ الْكرْمَانِي فِيهِ وَمَا رد عَلَيْهِ وَمَا أجبْت عَنهُ فِي الْبَاب الْمَذْكُور. قَوْله: (مَا أصبح لآل مُحَمَّد إلاَّ صَاع وَلَا أَمْسَى) . كَذَا بِهَذِهِ الْعبارَة وَقع لجَمِيع الروَاة، وَكَذَا ذكره الْحميدِي فِي الْجمع، وَوَقع لأبي نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) من طَرِيق الْكَجِّي عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم شيخ البُخَارِيّ الْمَذْكُور فِي سَنَد الحَدِيث، بِلَفْظ: (مَا أصبح لآل مُحَمَّد وَلَا أَمْسَى إلاَّ صَاع) وَهَذَا أحسن وَفِيه تنَازع الفعلان فِي ارْتِفَاع صَاع وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ. قَوْله: (أصبح) ، فعل وفاعله: صَاع، ويقد صَاع آخر فِي قَوْله: وَلَا أَمْسَى، أَي: وَلَا أَمْسَى صَاع، وَوَقع فِي رِوَايَة أَحْمد عَن أبي عَامر والإسماعيلي من طَرِيقه، وللترمذي من طَرِيق ابْن أبي عدي ومعاذ بن هِشَام، وللنسائي من طَرِيق هِشَام بِلَفْظ: (مَا أَمْسَى فِي آل مُحَمَّد صَاع تمر وَلَا صَاع حب) ، وَالْمرَاد بالآل: أهل بَيته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،، وَقد بيَّنه بقوله: (وَإِنَّهُم) ، أَي: وَإِن آله لتسعة أَبْيَات، وَأَرَادَ بِهِ بطرِيق الْكِنَايَة تسع نسْوَة، وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورين، وَلم يقل النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، هَذِه الْمقَالة بطرِيق التضجر، حاشا وكلاَّ، وَإِنَّمَا هُوَ بَيَان الْوَاقِع.
وَفِيه من الْفَوَائِد: جَوَاز مُعَاملَة الْكفَّار فِيمَا لم يتَحَقَّق تَحْرِيم عين المتعامل فِيهِ، وَعدم الِاعْتِبَار بِفساد معتقدهم ومعاملاتهم فِيمَا بَينهم. وَفِيه: جَوَاز بيع السِّلَاح وَرَهنه وإجارته وَغير ذَلِك من الْكَافِر مَا لم يكن حَرْبِيّا. وَفِيه: ثُبُوت أَمْلَاك أهل الذِّمَّة فِي أَيْديهم. وَفِيه:

(13/68)


جَوَاز الشِّرَاء بِالثّمن الْمُؤَجل. وَفِيه: جَوَاز اتِّخَاذ الدروع وَغَيرهَا من آلَات الْحَرْب، وَأَنه غير قَادِح فِي الت كل. وَفِيه: أَن قنية آلَة الْحَرْب لَا تدل عَليّ تحبيسها. وَفِيه: أَن أَكثر قوت ذَلِك الْعَصْر الشّعير، قَالَه الدَّاودِيّ. وَفِيه: مَا كَانَ فِيهِ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من التَّوَاضُع والزهد فِي الدُّنْيَا والتقلل مِنْهَا مَعَ قدرته عَلَيْهَا، وَالْكَرم الَّذِي أفْضى بِهِ إِلَى عدم الإدخار حَتَّى احْتَاجَ إِلَى رهن درعه وَالصَّبْر على ضيق الْعَيْش والقناعة باليسير. وَفِيه: فَضِيلَة أَزوَاجه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لصبرهن مَعَه على ذَلِك. وَفِيه: فَوَائِد أُخْرَى ذَكرنَاهَا هُنَاكَ.

2 - (بابُ مَنْ رَهَنَ دِرْعَهُ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من رهن درعه وَإِنَّمَا ذكر هَذِه التَّرْجَمَة مَعَ أَنه ذكر حَدِيث الْبَاب فِي بَاب شِرَاء النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِالنَّسِيئَةِ لتَعَدد شَيْخه فِيهِ مَعَ زِيَادَة فِيهِ هُنَا على مَا نذكرهُ.

9052 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا عبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ حدَّثنا الأعْمَشُ قَالَ تَذَاكَرْنا عنْدَ إبْرَاهِيمَ الرَّهْنَ والْقَبِيلَ فِي السلَفِ فَقَالَ إبراهيمُ حَدثنَا الأسْوَدُ عنْ عائِشةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اشْتَرى مِنْ يَهُوديٍ طَعَاما إِلَى أجَلٍ ورَهَنَهُ دِرْعَهُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَرَهنه درعه) ، وَذكر هَذَا الحَدِيث فِي: بَاب شِرَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالنَّسِيئَةِ، كَمَا ذكرنَا الْآن عَن مُعلى بن أَسد عَن عبد الْوَاحِد عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش إِلَى آخِره، وَالزِّيَادَة فِيهِ هُنَا قَوْله: (والقبيل) ، بِفَتْح الْقَاف وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة: وَهُوَ الْكَفِيل، وزنا وَمعنى. قَوْله: (فِي السّلف) وَهُنَاكَ: (فِي السّلم) . وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ وَفِي الْبَاب السَّابِق أَيْضا، وَالله أعلم.

3 - (بابُ رَهْنِ السِّلاَحِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم رهن السِّلَاح، قيل: وَإِنَّمَا ترْجم لرهن السِّلَاح بعد رهن الدرْع، لِأَن الدرْع لَيست بسلاح حَقِيقَة، وَإِنَّمَا هِيَ آلَة يتقى بهَا السِّلَاح. انْتهى. قلت: الدرْع يتقى بهَا النَّفس وَإِن لم يكن عَلَيْهِ سلَاح، وَالْمرَاد بِالسِّلَاحِ الْآلَة الَّتِي يدْفع بهَا الشَّخْص عَن نَفسه، والدرع أعظم وَأَشد فِي هَذَا الْبَاب على مَا لَا يخفى.

0152 - حدَّثنا علِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا سُفْيانُ قَالَ عَمْرٌ وسَمعْتُ جابِرَ بنَ عبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا يقولُ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنْ لِكَعْبِ بنِ الأشْرَفِ فإنَّهُ آذاى الله ورسولَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ أنَا فأتاهُ فَقَالَ أرَدْنا أنْ تُسْلِفَنا وِسْقاً أوْ وِسْقعَيْنِ فَقَالَ ارْهَنوني نِساءَكُمْ قالُوا كَيْفَ نَرْهَنُكَ نِساءَنا وأنْتَ أجْمَلُ الْعرَبِ قَالَ فارْهنوني أبْنَاءَكُمْ قَالُوا كَيْفَ نَرْهَنُ أبْنَاءَنا فيُسَبُّ أحَدُهم فيقالُ رُهِنَ بِوَسْقٍ أوْ وَسْقَيْنِ هَذَا عارٌ علَيْنا ولاكِنَّا نَرْهنُكَ الَّلأْمَةَ قالَ سُفْيَانُ يَعْنِي السِّلاحَ فوَعَدَهُ أنْ يَأْتِيهُ فقَتَلُوهُ ثُمَّ أتَوْا النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأخبروه..
قيل: لَيْسَ فِيهِ مَا بوب عَلَيْهِ لأَنهم لم يقصدوا إِلَّا الحديقة، وَإِنَّمَا يُؤْخَذ جَوَاز رهن السِّلَاح من الحَدِيث الَّذِي قبله. انْتهى. قلت: لَيْسَ فِي لفظ التَّرْجَمَة مَا يدل على جَوَاز رهن السِّلَاح وَلَا على عدم جَوَازه، لِأَنَّهُ أطلق، فَتكون الْمُطَابقَة بَينه وَبَين التَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَلَكنَّا نرهنك اللأمة) ، أَي: السِّلَاح بِحَسب ظَاهر الْكَلَام، وَإِن لم يكن فِي نفس الْأَمر حَقِيقَة الرَّهْن، وَهَذَا الْمِقْدَار كافٍ فِي وَجه الْمُطَابقَة.
وَعلي بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ، وَقد تكَرر ذكره، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة. وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار، وَمُحَمّد بن مسلمة، بِفَتْح الميمين وَاللَّام أَيْضا: ابْن خَالِد بن عدي بن مجدعة بن حَارِثَة بن الْحَارِث بن الْخَزْرَج ابْن عمر وَهُوَ النبيت بن مَالك بن أَوْس الْحَارِثِيّ الْأنْصَارِيّ، يكنى أَبَا عبد الله، وَقيل: أَبُو عبد الرَّحْمَن، وَيُقَال: أَبُو سعيد حَلِيف بني عبد الْأَشْهَل

(13/69)


شهد بَدْرًا والمشاهد كلهَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقيل: إِنَّه اسْتَخْلَفَهُ على الْمَدِينَة عَام تَبُوك، روى عَنهُ جَابر وَآخَرُونَ، اعتزل الْفِتْنَة وَأقَام بالربذة وَمَات بِالْمَدِينَةِ فِي صفر سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين، وَقيل: سنة سبع وَأَرْبَعين وَهُوَ ابْن سبع وَسبعين سنة، وَصلى عَلَيْهِ مَرْوَان بن الحكم وَهُوَ يَوْمئِذٍ أَمِير الْمَدِينَة.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي المغاوي عَن عَليّ بن عبد الله وَفِي الْجِهَاد عَن قُتَيْبَة وَعبد الله بن مُحَمَّد فرقهما. وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَعبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الزُّهْرِيّ. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْجِهَاد عَن أَحْمد بن صَالح، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي السّير عَن عبد الله ابْن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (من لكعب بن الْأَشْرَف) أَي: من يتَصَدَّى لقَتله، وَقَالَ ابْن اسحاق كَانَ كَعْب بن الْأَشْرَف من طي ثمَّ أحد بني نَبهَان حَلِيف بني النَّضر، وَكَانَت أمه من بني النَّضر، وَاسْمهَا عقيلة بنت أبي الْحقيق، وَكَانَ أَبوهُ قد أصَاب دَمًا فِي قومه، فَأتى الْمَدِينَة فنزلها، وَلما جرى ببدر مَا جرى قَالَ: وَيحكم {أَحَق هَذَا؟ وَأَن مُحَمَّدًا قتل أَشْرَاف الْعَرَب وملوكها، وَالله إِن كَانَ هَذَا حَقًا فبطن الأَرْض خير من ظهرهَا، ثمَّ خرج حَتَّى قدم مَكَّة فَنزل على الْمطلب بن أبي ودَاعَة السَّهْمِي، وَعِنْده عَاتِكَة بنت أَسد بن أبي الْعيص بن أُميَّة بن عبد شمس، فَأكْرمه الْمطلب فَجعل ينوح ويبكي على قَتْلَى بدر، ويحرض النَّاس على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وينشد الْأَشْعَار، فَمن ذَلِك مَا حَكَاهُ الْوَاقِدِيّ من قصيدة عَيْنِيَّة طَوِيلَة من الوافر أَولهَا:
(طحنت رحى بدر بمهلك أَهله ... ولمثل بدر تستهل وتدمع)

(قتلت سراة النَّاس حول خيامهم ... لَا تبعدوا أَن الْمُلُوك تصرع)

فَأَجَابَهُ حسان بن ثَابت، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَقَالَ:
(أبكاه كَعْب ثمَّ عل بعبرة ... مِنْهُ وعاش مجدعاً لَا تسمع)

(وَلَقَد رَأَيْت بِبَطن بدر مِنْهُم ... قَتْلَى تسح لَهَا الْعُيُون وتدمع)

إِلَى آخرهَا ... وَبلغ ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: (من لكعب بن الْأَشْرَف؟) . وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: كَانَ كَعْب شَاعِرًا يهجو رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْمُسْلِمين ويظاهر عَلَيْهِم الْكفَّار، وَلما أصَاب الْمُشْركين يَوْم بدر مَا أَصَابَهُم اشْتَدَّ عَلَيْهِ. قَوْله: (فَقَالَ مُحَمَّد بن مُسلم: أَنا) ، أَي: أَنا لَهُ، أَي: لقَتله يَا رَسُول الله. وَاخْتلفُوا فِي كَيْفيَّة قَتله على وَجْهَيْن: أَحدهمَا لما ذكره البُخَارِيّ وَمُسلم أَيْضا فِي: بَاب قتل كَعْب بن الْأَشْرَف، فِي كتاب الْمَغَازِي، وَهُوَ قَوْله: قَالَ: يَا رَسُول الله} أَتُحِبُّ أَن أَقتلهُ؟ قَالَ: نعم، قَالَ: إئذن لي أَن أَقُول شَيْئا، قَالَ: قل ... إِلَى آخر الحَدِيث، ينظر هُنَاكَ. وَالْوَجْه الثَّانِي: مَا ذكره مُحَمَّد بن إِسْحَاق وَغَيره: لما قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من لكعب؟) قَالَ مُحَمَّد بن مسلمة: أَنا، فَرجع مُحَمَّد بن مسلمة فَأَقَامَ ثَلَاثًا لَا يَأْكُل وَلَا يشرب، وَبلغ ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَدَعَاهُ فَقَالَ: مَا الَّذِي مَنعك من الطَّعَام وَالشرَاب؟ فَقَالَ: لِأَنِّي قلت قولا وَلَا أَدْرِي أَفِي بِهِ أم لَا. فَقَالَ: (إِنَّمَا عَلَيْك الْجهد) ، فَقَالَ: يَا رَسُول الله! لَا بُد لنا أَن نقُول قولا، فَقَالَ: (قُولُوا مَا بدا لكم فَأنْتم فِي حل من ذَلِك) . وَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق: فَاجْتمع فِي قَتله مُحَمَّد بن مسلمة وسلكان بن سَلامَة بن وقش وَهُوَ أَبُو نائلة الأشْهَلِي، وَكَانَ أَخا لكعب من الرضَاعَة وَعباد بن بشر بن وقش الأشْهَلِي وَأَبُو عبس بن حبر أَخُو بني حَارِثَة والْحَارث بن أَوْس، وَقدمُوا إِلَى ابْن الْأَشْرَف قبل أَن يَأْتُوا سلكان بن سَلامَة أَبَا نائلة، فجَاء مُحَمَّد بن مسلمة إِلَى كَعْب فَتحدث مَعَه سَاعَة وتناشدا شعرًا، ثمَّ قَالَ: وَيحك يَا ابْن الْأَشْرَف؟ إِنِّي قد جئْتُك لحَاجَة أُرِيد ذكرهَا لَك، فاكتم عَليّ. قَالَ: أفعل. قَالَ: كَانَ قدوم هَذَا الرجل علينا بلَاء من الْبلَاء، عادتنا الْعَرَب ورمونا عَن قَوس وَاحِدَة، وَقطعت عَنَّا السبل حَتَّى جَاع الْعِيَال وجهدت الْأَنْفس، وأصبحنا قد جهدنا وَجهد عيالنا، فَقَالَ: أَنا وَالله قد أَخْبَرتكُم أَن الْأَمر سيصير إِلَى هَذَا، ثمَّ جَاءَهُ من ذَكَرْنَاهُمْ، فَقَالَ لَهُ سلكان: إِنِّي أردْت أَن تبيعنا طَعَاما ونرهنك ونوثقك ونحسن فِي ذَلِك، فَقَالَ: أترهنوا فِي أَبْنَائِكُم؟ قَالَ: لقد أردْت أَن تفضحنا، أَن معنى أصحاباً على مثل رَأْيِي، وَقد أردْت أَن آتِيك بهم فتبيعهم ونحسن فِي ذَلِك، ونرهنك من الْحلقَة، يَعْنِي: السِّلَاح، مَا فِيهِ وَفَاء. فَقَالَ كَعْب: إِن فِي الْحلقَة لوفاء، فَرجع أَبُو نائلة إِلَى أَصْحَابه فَأخْبرهُم، فَأخذُوا السِّلَاح وَخَرجُوا يَمْشُونَ، وَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَهم إِلَى البقيع يَدْعُو لَهُم، وَقَالَ: انْطَلقُوا

(13/70)


على اسْم الله وبركته) ، وَكَانَت لَيْلَة مُقْمِرَة، وَرجع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى حجرته وَسَارُوا حَتَّى انْتَهوا إِلَى حصنه، فَهَتَفَ بِهِ أَبُو نائلة، وَكَانَ حَدِيث عهد بعرس، فَوَثَبَ فِي محلفة لَهُ فَأخذت امْرَأَته بناحيتها، وَقَالَت: إِلَى أَيْن فِي هَذِه السَّاعَة؟ فَقَالَ: إِنَّه أَبُو نائلة، لَو وجدني نَائِما أيقظني، فَقَالَت: وَالله إِنِّي لأعرف فِي صَوته الشَّرّ، فَقَالَ لَهَا كَعْب: لَو دعى الْفَتى إِلَى طعنة لَيْلًا لأجاب، ثمَّ نزل فَتحدث مَعَهم سَاعَة وتحدثوا مَعَه، ثمَّ قَالُوا: هَل لَك يَا ابْن الْأَشْرَف أَن نتماشى إِلَى شعب الْعَجُوز فنتحدث بِهِ بَقِيَّة ليلتنا هَذِه، قَالَ: نعم، إِن شِئْتُم، فَخَرجُوا يتماشون فَأخر الْأَمر أَخذ أَبُو نائلة بفود رَأسه، فَقَالَ: اضربوا عَدو الله، فضربوه فاختلفت عَلَيْهِ أسيافهم، فَلم تغن شَيْئا، قَالَ مُحَمَّد بن مسلمة: فَذكرت مغولاً لي فِي سَيفي، والمغول السَّيْف الصَّغِير، فَوَضَعته فِي ثنته وتحاملت عَلَيْهِ حَتَّى بلغ عانته، وَصَاح عَدو الله صَيْحَة لم يبْق حولنا حصن إلاَّ وَقد أوقد عَلَيْهِ نَار، وَوَقع عَدو الله، وَجِئْنَا آخر اللَّيْل إِلَى رَسُول لله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي فَأَخْبَرنَاهُ بقتْله ففرح، ودعا لنا. وَحكى الطَّبَرِيّ عَن الْوَاقِدِيّ، قَالَ: جاؤوا بِرَأْس كَعْب ابْن الْأَشْرَف إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي كتاب (شرف الْمُصْطَفى) : أَن الَّذين قتلوا كَعْبًا حملُوا رَأسه فِي المخلاة إِلَى الْمَدِينَة، فَقيل: إِنَّه أول رَأس حمل فِي الْإِسْلَام، وَقيل: بل رَأس أبي عزو الجُمَحِي الَّذِي قَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يلْدغ الْمُؤمن من جُحر مرَّتَيْنِ، فَقتل وجمل رَأسه إِلَى الْمَدِينَة فِي رمح، وَأما أول مُسلم حمل رَأسه فِي الْإِسْلَام فعمر بن الخمق، وَله صُحْبَة. فَإِن قلت: كَيفَ قتلوا كَعْبًا على وَجه الْغرَّة وَالْخداع؟ قلت: لما قدم مَكَّة وحرض الْكفَّار على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وشبب بنساء الْمُسلمين فقد نقض الْعَهْد، وَإِذا نقض الْعَهْد فقد وَجب قَتله بِأَيّ طَرِيق كَانَ، وَكَذَا من يجْرِي مجْرَاه كَأبي رَافع وَغَيره، وَقَالَ الْمُهلب: لم يكن فِي عهد من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بل كَانَ مُمْتَنعا بقَوْمه فِي حصنه، وَقَالَ الْمَازرِيّ: نقض الْعَهْد وَجَاء مَعَ أهل الْحَرْب معينا عَلَيْهِم، ثمَّ إِن ابْن مسلمة لم يُؤمنهُ لكنه كَلمه فِي البيع وَالشِّرَاء فاستأنس بِهِ، فَتمكن مِنْهُ من غير عهد وَلَا أَمَان. وَقد قَالَ رجل فِي مجْلِس عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: إِن قَتله كَانَ غدراً، فَأمر بقتْله فَضربت عُنُقه، لِأَن الْغدر إِنَّمَا يتَصَوَّر بعد أَمَان صَحِيح، وَقد كَانَ كَعْب مناقضاً للْعهد. قَوْله: (وسْقا) ، بِفَتْح الْوَاو وَكسرهَا: وَهُوَ سِتُّونَ صَاعا. قَوْله: (أَو وسقين) ، شكّ من الرَّاوِي. قَوْله: (ارهنوني) ، فِيهِ لُغَتَانِ رهن وأرهن، فالفصيحة: رهن، والقليلة: أرهن. فَقَوله: ارهنوا على اللُّغَة الفصيحة بِكَسْر الْهمزَة، وعَلى اللُّغَة القليلة بِفَتْحِهَا. قَوْله: (فيُسب) على صِيغَة الْمَجْهُول، وَكَذَا قَوْله: رهن بوسق. قَوْله: (اللأمة) ، مَهْمُوزَة: الدرْع وَقد فسره سُفْيَان الرَّاوِي بِالسِّلَاحِ، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: اللأمة الدرْع، وَقيل: السِّلَاح، وَلأمة الْحَرْب أداته، وَقد ترك الْهمزَة تَخْفِيفًا، وَقَالَ ابْن بطال: لَيْسَ فِي قَوْلهم: نرهنك اللأمة، دلَالَة على جَوَاز رهن السِّلَاح عِنْد الْحَرْبِيّ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك من معاريض الْكَلَام الْمُبَاحَة فِي الْحَرْب وَغَيره، وَقَالَ السُّهيْلي: فِي قَوْله: من لكعب ابْن الْأَشْرَف، فَإِنَّهُ آذَى الله وَرَسُوله؟ جَوَاز قتل من سبّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِن كَانَ ذَا عهد، خلافًا لأبي حنيفَة فَإِنَّهُ لَا يرى بقتل الذِّمِّيّ فِي مثل هَذَا. قلت: من أَيْن يفهم من الحَدِيث جَوَاز قتل الذِّمِّيّ بالسب؟ أَقُول: هَذَا بحثا، وَلَكِن أَنا مَعَه فِي جَوَاز قتل الساب مُطلقًا.

4 - (بابٌ الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ ومَحْلُوبٌ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ الرَّهْن مركوب، يَعْنِي: إِذا كَانَ ظهرا يركب، وَإِذا كَانَ من ذَوَات الدّرّ يحلب، وَهَذِه التَّرْجَمَة لفظ حَدِيث أخرجه الْحَاكِم من طَرِيق الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: الرَّهْن مركوب ومحلوب، وَقَالَ: إِسْنَاده على شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَأخرجه ابْن عدي فِي (الْكَامِل) وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي (سنَنَيْهِمَا) من رِوَايَة أبراهيم بن محشر، قَالَ: حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة عَن الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (الرَّهْن محلوب ومركوب) ، قَالَ ابْن عدي: لَا أعلم رَفعه عَن أبي مُعَاوِيَة غير إِبْرَاهِيم بن محشر هَذَا، وَله مُنكرَات من جِهَة الْإِسْنَاد غير مَحْفُوظَة.
وَقَالَ مُغِيرَةُ عنْ إبْرَاهِيمَ: تُرْكَبُ الضَّالَّةُ بِقَدْرِ عَلَفِهَا وتُحْلَبُ بِقَدْرِ عَلَفِهَا والرَّهْنُ مِثْلُهُ

(13/71)


مُغيرَة بِضَم الْمِيم وَكسرهَا بلام التَّعْرِيف وبدونها: هُوَ ابْن مقسم، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْقَاف، مر فِي الصَّوْم، وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ، والضالة مَا ضل من الْبَهِيمَة ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى. قَوْله: (بِقدر عَلفهَا) ، وَوَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني: بِقدر عَملهَا، وَالْأول أوجه، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله سعيد بن مَنْصُور عَن هشيم عَن مُغيرَة بِهِ. قَوْله: (وَالرَّهْن) ، أَي: الْمَرْهُون مثله فِي الحكم الْمَذْكُور، يَعْنِي: يركب ويحلب بِقدر الْعلف، وَهَذَا أَيْضا وَصله سعيد بن مَنْصُور بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وَلَفظه: الدَّابَّة إِذا كَانَت مَرْهُونَة تركب بِقدر عَلفهَا، وَإِذا كَانَ لَهَا لبن يشرب مِنْهُ بِقدر عَلفهَا.

1152 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ حدَّثنا زَكَرِيَّاءُ عنْ عامِرٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّهُ كانَ يَقُولُ الرَّهْنُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ ويُشْرَبُ لَبَنُ الدَّرِّ إذَا كانَ مَرْهُوناً.
(الحَدِيث 1152 طرفه فِي: 2152) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وزكرياء هُوَ ابْن أبي زَائِدَة، وعامر هُوَ الشّعبِيّ وَلَيْسَ لِلشَّعْبِيِّ عَن أبي هُرَيْرَة فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث، وَآخر فِي تَفْسِير الزمر، وعلق لَهُ ثَالِثا فِي النِّكَاح.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن مُحَمَّد بن مقَاتل فِي الرَّهْن. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْبيُوع عَن هناد. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن أبي كريب ويوسف ابْن عِيسَى. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْأَحْكَام عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.
ذكر طرق هَذَا الحَدِيث: وَلما رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ قَالَ: وَقد روى غير وَاحِد هَذَا الحَدِيث عَن الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة مَوْقُوفا، وَرَوَاهُ كَذَلِك: سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَشعْبَة ووكيع. فَأَما حَدِيث ابْن عُيَيْنَة فَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَنهُ، وَمن طَرِيق الْبَيْهَقِيّ. وَأما حَدِيث شُعْبَة فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة مُسلم بن إِبْرَاهِيم عَنهُ. وَأما حَدِيث وَكِيع فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن عبد الله الْعَبْسِي عَنهُ، وَورد مَرْفُوعا من طرق أُخْرَى. مِنْهَا: مَا رَوَاهُ ابْن عدي فِي (الْكَامِل) ، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب. وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة يحيى بن حَمَّاد وَالْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة شَيبَان بن فروخ، كِلَاهُمَا عَن أبي عوَانَة عَن الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا، وَرِجَاله كلهم ثِقَات. وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ ابْن عدي فِي (الْكَامِل) من رِوَايَة يزِيد بن عَطاء عَن الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا وَيزِيد ضَعِيف. وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ ابْن عدي أَيْضا من رِوَايَة الْحسن بن عُثْمَان بن زِيَاد التسترِي عَن خَليفَة بن خياط وَحَفْص بن عمر الرَّازِيّ عَن عبد الرَّحْمَن ابْن مهْدي عَن سُفْيَان عَن الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا، وَقَالَ: هَذَا عَن الثَّوْريّ عَن الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة مُسْندًا مُنكر جدا. وَالْبَلَاء من الْحسن بن عُثْمَان فَإِنَّهُ كَذَّاب. وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ ابْن عدي أَيْضا من رِوَايَة أبي الْحَارِث الْوراق عَن شُعْبَة عَن الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا، وَقَالَ: أَبُو الْحَارِث هَذَا بَصرِي، وَقَالَ ابْن طَاهِر: روى عَن أبي عوَانَة وَعِيسَى بن يُونُس وَأبي مُعَاوِيَة وَشعْبَة وَالثَّوْري مَرْفُوعا وموقوفاً، وَالأَصَح الْمَوْقُوف. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: رَفعه أَبُو الْحَارِث نصر بن حَمَّاد الْوراق عَن شُعْبَة عَن الْأَعْمَش، وروى عَن وهب بن جرير أَيْضا مَرْفُوعا، وَغَيرهمَا يرويهِ عَن شُعْبَة مَوْقُوفا، وَهُوَ الصَّوَاب. قَالَ: وَرَفعه أَيْضا لوين عَن عِيسَى بن يُونُس عَن الْأَعْمَش، وَالْمَحْفُوظ عَن الْأَعْمَش وَقفه على أبي هُرَيْرَة، وَهُوَ أصح، وَرَوَاهُ خَلاد الصفار عَن مَنْصُور عَن أبي صَالح مَرْفُوعا، وَغَيره يقفه، وَهُوَ أصح، وَعند ابْن حزم من حَدِيث زَكَرِيَّاء عَن الشّعبِيّ عَنهُ مَرْفُوعا: إِذا كَانَت الدَّابَّة مَرْهُونَة فعلى الْمُرْتَهن عَلفهَا وَلبن الدّرّ يشرب، وعَلى الَّذِي يشرب نَفَقَته ويركب. وَقَالَ: هَذِه الزِّيَادَة إِنَّمَا هِيَ من طَرِيق إِسْمَاعِيل بن الصَّائِغ مولى بني هَاشم عَن هشيم، فالتخليط من قبله لَا من قبل هشيم، قلت: إِسْمَاعِيل هَذَا احْتج بِهِ مُسلم، وَتَابعه زِيَاد بن أَيُّوب عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ، وَيَعْقُوب الدوري عِنْد الْبَيْهَقِيّ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (الرَّهْن يركب) ، أَي: الْمَرْهُون يركب، وَهُوَ على صِيغَة الْمَجْهُول، وَالْمرَاد الظّهْر، وبيَّنه فِي الطَّرِيق الثَّانِي حَيْثُ قَالَ: الظّهْر يركب. قَوْله: (بِنَفَقَتِهِ) ، أَي: بِمُقَابلَة نَفَقَته، يَعْنِي يركب وَينْفق عَلَيْهِ. قَوْله: (وَيشْرب) ، على صِيغَة الْمَجْهُول أَيْضا. قَوْله: (لبن الدّرّ) ، بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء، وَهُوَ مصدر بِمَعْنى: الدارة، أَي: ذَات الضَّرع، وَقَالَ بَعضهم: وَقَوله: لبن الدّرّ، من إِضَافَة الشَّيْء إِلَى نَفسه، وَهُوَ كَقَوْلِه تَعَالَى: {حب الحصيد} (ق: 9) . قلت: إِضَافَة الشيى إِلَى نَفسه لَا تصح

(13/72)


إلاَّ إِذا وَقع فِي الظَّاهِر فيؤول، وَقد ذكرنَا أَن المُرَاد بالدر: الدارة، فَلَا يكون إِضَافَة الشَّيْء إِلَى نَفسه، لِأَن اللَّبن غير الدارة، وَكَذَلِكَ يؤول فِي {حب الحصيد} (ق: 9) [/ ح.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: احْتج بِهَذَا الحَدِيث إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَجَمَاعَة الظَّاهِرِيَّة على: أَن الرَّاهِن يركب الْمَرْهُون بِحَق نَفَقَته عَلَيْهِ. وَيشْرب لبنه، كَذَلِك، وَرُوِيَ ذَلِك أَيْضا عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقَالَ ابْن حزم فِي (الْمحلى) : وَمَنَافع الرَّهْن كلهَا لَا تحاشى مِنْهَا شَيْئا لصَاحب الرَّهْن لَهُ كَمَا كَانَت قبل الرَّهْن، وَلَا فرق حاشى ركُوب الدَّابَّة الْمَرْهُونَة وحاشى لبن الْحَيَوَان الْمَرْهُون. فَإِنَّهُ لصَاحب الرَّهْن إلاَّ أَن يضيعهما فَلَا ينْفق عَلَيْهِمَا وَينْفق على كل ذَلِك الْمُرْتَهن، فَيكون لَهُ حِينَئِذٍ الرّكُوب وَاللَّبن بِمَا أنْفق لَا يُحَاسب بِهِ من دينه، كثر ذَلِك أَو قل، وَذَلِكَ لِأَن ملك الرَّاهِن باقٍ فِي الرَّهْن لم يخرج عَن ملكه، لَكِن الرّكُوب والاحتلاب خَاصَّة لمن أنْفق على المركوب والمحلوب، لحَدِيث أبي هُرَيْرَة انْتهى. وَقَالَ الثَّوْريّ وَأَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَمَالك وَأحمد فِي رِوَايَة: لَيْسَ للرَّاهِن ذَلِك لِأَنَّهُ يُنَافِي حكم الرَّهْن، وَهُوَ الْحَبْس الدَّائِم، فَلَا يملكهُ، فَإِذا كَانَ كَذَلِك فَلَيْسَ لَهُ أَن ينْتَفع بالمرهون استخداماً وركوباً ولبناً وسكنى وَغير ذَلِك، وَلَيْسَ لَهُ أَن يَبِيعهُ من غير الْمُرْتَهن بِغَيْر إِذْنه، وَلَو بَاعه توقف على إِجَازَته، فَإِن أجَازه وَيكون الثّمن رهنا، سَوَاء شَرط الْمُرْتَهن عِنْد الْإِجَازَة أَن يكون مَرْهُونا عِنْده أَو لَا. وَعَن أبي يُوسُف: لَا يكون رهنا إلاَّ بِشَرْط، وَكَذَا: لَيْسَ للْمُرْتَهن أَن ينْتَفع بالمرهون حَتَّى لَو كَانَ عبدا لَا يستخدمه أَو دَابَّة لَا يركبهَا أَو ثوبا لَا يلْبسهُ أَو دَارا لَا يسكنهَا أَو مُصحفا لَيْسَ لَهُ أَن يقْرَأ فِيهِ وَلَيْسَ لَهُ أَن يَبِيعهُ إلاَّ بِإِذن الرَّاهِن. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ فِي الِاحْتِجَاج لِأَصْحَابِنَا: أجمع الْعلمَاء على أَن نَفَقَة الرَّهْن على الرَّاهِن لَا على الْمُرْتَهن، وَأَنه لَيْسَ على الْمُرْتَهن اسْتِعْمَال الرَّهْن. قَالَ: والْحَدِيث يَعْنِي: الحَدِيث الَّذِي احْتج بِهِ الشَّافِعِي وَمن مَعَه مُجمل فِيهِ لم يبين فِيهِ الَّذِي يركب وَيشْرب، فَمن أَيْن جَازَ للمخالف أَن يَجعله للرَّاهِن دون الْمُرْتَهن؟ وَلَا يجوز حمله على أَحدهمَا إلاَّ بِدَلِيل، قَالَ: وَقد روى هشيم عَن زَكَرِيَّاء عَن الشّعبِيّ عَن أبي هُرَيْرَة، ذكر أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (إِذا كَانَت الدَّابَّة مَرْهُونَة فعلى الْمُرْتَهن عَلفهَا وَلبن الدّرّ يشرب وعَلى الَّذِي يشرب نَفَقَتهَا ويركب، فَدلَّ هَذَا الحَدِيث أَن الْمَعْنى بالركوب وَشرب اللَّبن فِي الحَدِيث الأول هُوَ الْمُرْتَهن لَا الرَّاهِن، فَجعل ذَلِك لَهُ وَجعلت النَّفَقَة عَلَيْهِ بَدَلا مِمَّا يتعوض مِنْهُ، وَكَانَ هَذَا عندنَا وَالله أعلم فِي وَقت مَا كَانَ الرِّبَا مُبَاحا، وَلم ينْه حِينَئِذٍ عَن الْقَرْض الَّذِي يجر مَنْفَعَة، وَلَا عَن أَخذ الشَّيْء لشَيْء وَإِن كَانَا غير متساويين، ثمَّ حرم الرِّبَا بعد ذَلِك وَحرم كل قرض جر مَنْفَعَة.
وَأجْمع أهل الْعلم أَن نَفَقَة الرَّهْن على الرَّاهِن لَا على الْمُرْتَهن، وَأَنه لَيْسَ للْمُرْتَهن اسْتِعْمَال الرَّهْن، قَالَ: وَيُقَال لمن صرف ذَلِك إِلَى الرَّاهِن فَجعل لَهُ اسْتِعْمَال الرَّهْن: أَيجوزُ للرَّاهِن أَن يرْهن رجلا دَابَّة هُوَ راكبها؟ فَلَا يجد بدّاً من أَن يَقُول: لَا، فَيُقَال لَهُ: فَإِذا كَانَ الرَّهْن لَا يجوز إلاَّ أَن يكون مخلى بَينه وَبَين الْمُرْتَهن فيقبضه وَيصير فِي يَده دون يَد الرَّاهِن، كَمَا وصف الله تَعَالَى بقوله: {فرهان مَقْبُوضَة} (الْبَقَرَة: 382) . فَيَقُول: نعم، فَيُقَال لَهُ: فَلَمَّا لم يجز أَن يسْتَقْبل الرَّهْن على مَا الرَّاهِن رَاكِبه لم يجز ثُبُوته فِي يَده بعد ذَلِك رهنا بِحقِّهِ إلاَّ كَذَلِك أَيْضا، لِأَن دوَام الْقَبْض لَا بُد مِنْهُ فِي الرَّهْن إِذا كَانَ الرَّهْن إِنَّمَا هُوَ إحباس الْمُرْتَهن للشَّيْء الْمَرْهُون بِالدّينِ، وَفِي ذَلِك أَيْضا مَا يمْنَع اسْتِخْدَام الْأمة الرَّهْن لِأَنَّهَا ترجع بذلك إِلَى حَال لَا يجوز عَلَيْهَا اسْتِقْبَال الرَّهْن.
وَحجَّة أُخْرَى: أَنهم قد أَجمعُوا أَن الْأمة الرَّهْن لَيْسَ للرَّاهِن أَن يَطَأهَا، وللمرتهن مَنعه من ذَلِك، فَلَمَّا كَانَ الْمُرْتَهن يمْنَع الرَّاهِن من وَطئهَا، كَانَ لَهُ أَيْضا أَن يمنعهُ بِحَق الرَّهْن من استخدامها. انْتهى. قلت: الطَّحَاوِيّ أطلق قَوْله: قد أَجمعُوا ... إِلَى آخِره، وَقد قَالَ بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي: للرَّاهِن أَن يطَأ الآيسة وَالصَّغِيرَة، لِأَنَّهُ لَا ضَرَر فِيهِ، فَإِن عِلّة الْمَنْع الْخَوْف من أَن تَلد مِنْهُ، فَتخرج بذلك من الرَّهْن، وَهَذَا مَعْدُوم فِي حَقّهمَا، وَالْجُمْهُور على خلاف ذَلِك، ثمَّ إِن خَالف فوطىء فَلَا حد عَلَيْهِ لِأَنَّهَا ملكه، وَلَا مهر عَلَيْهِ، فَإِذا ولدت صَارَت أم ولد لَهُ وَخرجت من الرَّهْن وَعَلِيهِ قيمتهَا حِين أحبلها، وَلَا فرق بَين الْمُوسر والمعسر، إِلَّا أَن الْمُوسر تُؤْخَذ قيمتهَا مِنْهُ، والمعسر يكون فِي ذمَّته قيمتهَا، وَهَذَا قَول أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيّ أَيْضا. وَقَالَ ابْن حزم: قَالَ الشَّافِعِي: إِن رهن أمة فَوَطِئَهَا فَحملت، فَإِن كَانَ مُوسِرًا خرجت من الرَّهْن ويكلف رهنا آخر مَكَانهَا، وَإِن كَانَ مُعسرا، فَمرَّة قَالَ: يخرج من الرَّهْن وَلَا يُكَلف رهنا مَكَانهَا وَلَا تكلّف هِيَ شَيْئا، وَمرَّة

(13/73)


قَالَ: تبَاع إِذا وضعت وَلَا يُبَاع الْوَلَد ويكلف رهن آخر. وَقَالَ أَبُو ثَوْر: هِيَ خَارِجَة من الرَّهْن وَلَا يُكَلف لَا هُوَ وَلَا هِيَ شَيْئا، سَوَاء كَانَ مُوسِرًا أَو مُعسرا. وَعَن قَتَادَة: أَنَّهَا تبَاع ويكلف سَيِّدهَا أَن يفتكَّ وَلَده مِنْهَا. وَعَن ابْن سِيرِين: أَنَّهَا استسعيت، وَكَذَلِكَ العَبْد الْمَرْهُون إِذا أعتق. وَقَالَ مَالك: إِن كَانَ مُوسِرًا كلف أَن يَأْتِي بِقِيمَتِهَا فَتكون الْقيمَة رهنا وَتخرج هِيَ من الرَّهْن، وَإِن كَانَ مُعسرا، فَإِن كَانَت تخرج إِلَيْهِ وتأتيه فَهِيَ خَارِجَة من الرَّهْن وَلَا يتبع بغرامة وَلَا يُكَلف هُوَ رهنا مَكَانهَا، لَكِن يتبع بِالدّينِ الَّذِي عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ تسور عَلَيْهَا بِيعَتْ هِيَ وَأعْطِي هُوَ وَلَده مِنْهَا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه: إِن حملت وَأقر بحملها، فَإِن كَانَ مُوسِرًا خرجت من الرَّهْن وكلف قَضَاء الدّين إِن كَانَ حَالا، أَو كلف رهنا بِقِيمَتِهَا إِن كَانَ إِلَى أجل، وَإِن كَانَ مُعسرا كلفت أَن تستسعى فِي الدّين الْحَال بَالغا مَا بلغ، وَلَا ترجع بِهِ على سَيِّدهَا، وَلَا يُكَلف وَلَدهَا سِعَايَة، وَإِن كَانَ الدّين إِلَى أجل كلفت أَن تستسعى فِي قيمتهَا فَقَط، فَجعلت رهنا مَكَانهَا، فَإِذا حل أجل الدّين كلفت من قبل أَن تستسعي فِي بَاقِي الدّين إِن كَانَت أَكثر من قيمتهَا، وَإِن كَانَ السَّيِّد استلحق وَلَدهَا بعد وَضعهَا لَهُ وَهُوَ مُعسر، قسم الدّين على قيمتهَا يَوْم ارتهنها، وعَلى قيمَة وَلَدهَا يَوْم اسْتَلْحقهُ، فَمَا أصَاب للْأُم سعت فِيهِ بَالغا مَا بلغ للْمُرْتَهن، وَلم ترجع بِهِ على سَيِّدهَا، وَمَا أصَاب الْوَلَد سعي فِي الْأَقَل من الدّين أَو من قِيمَته وَلَا رُجُوع بِهِ على أَبِيه، وَيَأْخُذ الْمُرْتَهن كل ذَلِك. وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : هَذَا الحَدِيث حجَّة على أبي حنيفَة قلت: سُبْحَانَ الله! هَذَا تحكم، وَكَيف يكون حجَّة عَلَيْهِ وَقد ذكرنَا وَجهه؟ على أَن الشّعبِيّ، هُوَ الرَّاوِي عَن أبي هُرَيْرَة فِي هَذَا الحَدِيث، قد روى عَنهُ الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا، فَهَذَا قَالَ: حَدثنَا أَبُو نعيم، قَالَ: حَدثنَا الْحسن بن صَالح عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد عَن الشّعبِيّ، قَالَ: لَا ينْتَفع فِي الرَّهْن بِشَيْء، فَهَذَا الشّعبِيّ يَقُول هَذَا، وَقد روى عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الحَدِيث الْمَذْكُور أفيجوز عَلَيْهِ أَن يكون أَبُو هُرَيْرَة يحدثه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بذلك ثمَّ يَقُول هُوَ بِخِلَافِهِ؟ وَلَيْسَ ذَلِك إلاَّ وَقد ثَبت نسخ هَذَا الحَدِيث عِنْده. وَالله أعلم.

2152 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ مُقاتِلٍ قَالَ أخْبَرَنا عبدُ الله بنُ الْمُبَارَكِ قَالَ أخْبرنا زَكَرِيَّاءُ عَن الشَّعْبِيِّ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرَّهنُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إذَا كانَ مَرْهُونَاً ولَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ بِنَفَقَتِهِ إذَا كانَ مَرْهُوناً وعلَى الَّذِي يَرْكَبُ ويَشْرَبُ النَّفَقَةُ.
(انْظُر الحَدِيث 1152) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه مُحَمَّد بن مقَاتل الرَّازِيّ عَن عبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي عَن زَكَرِيَّاء بن أبي زَائِدَة عَن عَامر الشّعبِيّ، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب.
قَوْله: (الظّهْر يركب) ، ويروى: (الرَّهْن يركب) ، وَمرَاده بِالرَّهْنِ أَيْضا: الظّهْر، بِقَرِينَة: يركب.

5 - (بابُ الرَّهْنِ عِنْدَ الْيَهُودِ وغَيْرِهِمْ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الرَّهْن عِنْد الْيَهُود وَغَيرهم مثل النَّصَارَى وَالْحَرْبِيّ الْمُسْتَأْمن.

3152 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ قَالَ حدَّثنا جَريرٌ عنِ الأعْمَشِ عنْ إبْرَاهِيمَ عنِ الأسْوَدِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتِ اشْتَرَى رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منْ يَهُودِيٍّ طَعاماً ورهَنَهُ دِرْعَهُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، والْحَدِيث قد تكَرر ذكره، لَا سِيمَا عَن قريب.

6 - (بابٌ إذَا اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ والْمُرْتَهِنُ ونَحْوُهُ فالْبَيِّنَةُ عَلى الْمُدَّعِي والْيَمِينُ علَى الْمُدَّعَى عليْهِ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا اخْتلف الرَّاهِن وَالْمُرْتَهن، مثل مَا إِذا اخْتلفَا فِي مِقْدَار الدّين وَالرَّهْن قَائِم، فَقَالَ الرَّاهِن: رهنتك بِعشْرَة دَنَانِير، وَقَالَ الْمُرْتَهن: بِعشْرين دِينَارا. فَقَالَ الثَّوْريّ وَأَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر: القَوْل قَول الرَّاهِن مَعَ يَمِينه، لِأَنَّهُ يُنكر الزِّيَادَة، وَالْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي وَهُوَ الْمُرْتَهن. وَعَن الْحسن وَقَتَادَة: القَوْل قَول الْمُرْتَهن مَا لم يُجَاوز دينه قيمَة رَهنه. قَوْله: (وَنَحْوه) أَي: وَنَحْو اخْتِلَاف الرَّاهِن وَالْمُرْتَهن، مثل اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين، وَغَيره، ثمَّ اخْتلفُوا فِي تَفْسِير

(13/74)


الْمُدَّعِي، فَقيل: المدع من لَا يسْتَحق إلاَّ بِحجَّة كالخارج، وَقيل: الْمُدَّعِي من يتَمَسَّك بِغَيْر الظَّاهِر، وَقيل: الْمُدَّعِي من يذكر أمرا خفِيا خلاف الظَّاهِر. وَقيل: الْمُدَّعِي من إِذا ترك ترك، وَهَذَا هُوَ الْأَحْسَن لكَونه جَامعا ومانعاً. وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ من يسْتَحق بقوله من غير حجَّة كصاحب الْيَد، وَقيل: من يتَمَسَّك بِالظَّاهِرِ، وَقيل: من إِذا ترك لَا يتْرك بل يجْبر، وَهَذَا أَيْضا أحسن مَا قيل فِيهِ.

4152 - حدَّثنا خَلاَّدُ بنُ يَحْيَى قَالَ حدَّثنا نافِعُ بنُ عُمرَ عنِ ابنِ أبِي مُلَيْكَةَ قَالَ كَتَبْتُ إِلَى ابنِ عَبَّاسٍ فكَتَبَ إلَيَّ أنَّ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَضَى أنَّ الْيَمِينَ علَى الْمُدَّعَى عليْهِ.
مطابقته لجزء التَّرْجَمَة، وَهُوَ قَوْله: (وَالْيَمِين على الْمُدعى عَلَيْهِ) . وخلاد، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد اللَّام: ابْن يحيى بن صَفْوَان أَبُو مُحَمَّد السّلمِيّ الْكُوفِي، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَنَافِع بن عمر بن عبد الله الجُمَحِي من أهل مَكَّة، وَابْن أبي مليكَة هُوَ عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكَة، واسْمه: زُهَيْر بن عبد الله أَبُو مُحَمَّد الْمَكِّيّ الْأَحول، كَانَ قَاضِيا لِابْنِ الزبير ومؤذناً لَهُ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الشَّهَادَات عَن أبي نعيم، وَفِي التَّفْسِير عَن نصر بن عَليّ. وَأخرجه مُسلم فِي الْأَحْكَام عَن أبي الطَّاهِر ابْن السَّرْح وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي القضايا عَن القعْنبِي عَن نَافِع بن عمر مُخْتَصرا. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْأَحْكَام عَن مُحَمَّد بن سُهَيْل. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْقَضَاء عَن عَليّ بن سعيد عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْأَحْكَام عَن حَرْمَلَة بن يحيى عَن ابْن وهب فِي مَعْنَاهُ.
قَوْله: (كتبت إِلَى ابْن عَبَّاس) يَعْنِي: كتبت إِلَيْهِ أسأله فِي قَضِيَّة امْرَأتَيْنِ ادَّعَت إِحْدَاهمَا على الْأُخْرَى، على مَا يَجِيء فِي تَفْسِير سُورَة آل عمرَان. قَوْله: (فَكتب إِلَى) إِلَى آخِره: الْكِتَابَة حكمهَا حكم الِاتِّصَال لَا الِانْقِطَاع، وَالْخلاف فِيهَا مَعْرُوف فِي عُلُوم الحَدِيث، وَقد قَالَ بِصِحَّتِهِ أَيُّوب وَمَنْصُور وَآخَرُونَ، وَهُوَ الصَّحِيح الْمَشْهُور كَمَا قَالَ ابْن الصّلاح، وَهُوَ الصَّحِيح أَيْضا عِنْد الْأُصُولِيِّينَ، كَمَا ذكره فِي الْمَحْصُول، وَفِي الصَّحِيح عدَّة أَحَادِيث، من ذَلِك: قَالَ البُخَارِيّ فِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور: كتب إِلَى مُحَمَّد بن بشار، وَعند مُسلم: أَن جَابر بن سَمُرَة كتب إِلَى عَامر بن سعد بن أبي وَقاص بِحَدِيث رجم الْأَسْلَمِيّ، وَذهب أَبُو الْحسن بن الْقطَّان إِلَى انْقِطَاع الرِّوَايَة بِالْكِتَابَةِ، وَأنكر عَلَيْهِ فِي ذَلِك، وَمِمَّنْ ذهب إِلَى عدم صِحَة الْكِتَابَة: الْمَاوَرْدِيّ، كَمَا ذهب إِلَيْهِ فِي الْإِجَارَة. قَوْله: (قضى أَن الْيَمين على الْمُدعى عَلَيْهِ) ، قيل: إِن البُخَارِيّ حمله على عُمُومه، خلافًا لمن قَالَ: إِن القَوْل فِي الرَّهْن قَول الْمُرْتَهن مَا لم يُجَاوز قدر الرَّهْن، لِأَن الرَّهْن كالشاهد للْمُرْتَهن. وَقَالَ الدَّاودِيّ: الحَدِيث خرج مخرج الْعُمُوم وَأُرِيد بِهِ الْخُصُوص، وَقَالَ ابْن التِّين: وَالْأولَى أَن يُقَال: إِنَّهَا نازلة فِي عين وَالْأَفْعَال لَا عُمُوم لَهَا كالأقوال فِي الْأَصَح، وَقد جَاءَ فِي حَدِيث: إلاَّ فِي الْقسَامَة، أَي: فَإِنَّهَا على الْمُدعى إِذا قَالَ: دمي عِنْد فلَان، وَادّعى ابْن التِّين أَن الشَّافِعِي وَأَبا حنيفَة وَجَمَاعَة من متأخري الْمَالِكِيَّة أَبَوا ذَلِك، ثمَّ قَالَ: وَقيل: يحلف الْمُدَّعِي وَإِن لم يقل الْمَيِّت: دمي عِنْد فلَان، وَهُوَ قَول شَاذ لم يقلهُ أحد من فُقَهَاء الْأَمْصَار. وَقَالَت فرقة: لَا يجب الْقَتْل إلاَّ بِبَيِّنَة واعتراف الْقَاتِل. قلت: قَوْله: وَقد جَاءَ فِي الحَدِيث (إلاَّ فِي الْقسَامَة) هُوَ حَدِيث رَوَاهُ ابْن عدي فِي (الْكَامِل) ، وَالدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة مُسلم بن خَالِد الزنْجِي عَن ابْن جريج عَن عَطاء عَن أبي هُرَيْرَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي وَالْيَمِين على من أنكر، إلاَّ فِي الْقسَامَة.

6152 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سعيدٍ قَالَ حدَّثنا جَريرٌ عنْ مَنْصُور عنْ أبِي وائِلٍ قَالَ قَالَ عبدُ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمينٍ يَسْتَحِقُّ بِها مَالا وهْوَ فِيها فاجِرٌ لَقِيَ الله وهُوَ علَيْهِ غَضْبانٌ فأنْزَلَ الله تَصْدِيقَ ذَلِكَ {إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ الله وأيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً} فقَرَأَ إلَى {عَذَابٌ ألِيمٌ} (آل عمرَان: 77) . ثُمَّ إنَّ الأشْعَثَ ابنَ قَيْسٍ خَرَجَ إلَيْنَا فَقَالَ مَا يُحَدِّثُكُمح أبُو عَبْدِ الرَّحْمانِ قَالَ فَحَدَّثناهُ قَالَ فَقَالَ صَدَقَ لَفِيَّ وَالله أُنْزِلَتْ كانَتْ بَيْنِي وبَيْنَ رَجُلٍ خُصومَةٌ فِي بِئرٍ فاخْتَصَمْنا إِلَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ

(13/75)


رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شاهِدُكَ أوْ يَمينُهُ قُلْتُ إنَّهُ إذَاً يَحْلِفَ وَلَا يُبَالي فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منْ حَلَفَ عَلَى يَمينٍ يَسْتَحِقُّ بِها مَالا وهْوَ فِيهَا فاجِرٌ لَقيَ الله وهْوَ علَيْهِ غَضْبان فأنْزَلَ الله تَصْدِيقَ ذَلِكَ ثُمَّ اقْتَرَأَ هاذِهِ الْآيَة: {إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ الله وأيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً} إِلَى {ولَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ} ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (شاهدك أَو يَمِينه) والْحَدِيث مضى فِي كتاب الشّرْب فِي: بَاب الْخُصُومَة فِي الْبِئْر، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن عَبْدَانِ عَن أبي حَمْزَة عَن الْأَعْمَش عَن شَقِيق عَن عبد الله ... إِلَى آخِره. وَأخرجه هُنَا عَن قُتَيْبَة عَن جرير بن عبد الحميد عَن مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر عَن أبي وَائِل، هُوَ شَقِيق بن سَلمَة، قَوْله: (قَالَ: قَالَ عبد الله) ، هُوَ عبد الله بن مَسْعُود. قَوْله: (وَهُوَ فِيهَا فَاجر) أَي: كَاذِب، وَهُوَ من بَاب الْكِنَايَة، إِذْ الْفُجُور لَازم الْكَذِب، وَالْوَاو فِي: وَهُوَ، للْحَال. قَوْله: (غَضْبَان) ، وَإِطْلَاق الْغَضَب على الله تَعَالَى من بَاب الْمجَاز، إِذْ المُرَاد لَازمه، وَهُوَ إِرَادَة إِيصَال الْعَذَاب. قَوْله: (ثمَّ إِن الْأَشْعَث) ، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الْعين الْمُهْملَة وبالثاء الْمُثَلَّثَة. قَوْله: (أَبُو عبد الرَّحْمَن) ، هُوَ كنية عبد الله بن مَسْعُود. قَوْله: (فَحَدَّثنَاهُ) ، بِفَتْح الدَّال. قَوْله: (لفي) ، بِفَتْح اللَّام وَكسر الْفَاء وَتَشْديد الْيَاء. قَوْله: (أنزلت) ، ويروى: نزلت. قَوْله: (شاهدك) ، ويروى: شَاهِدَاك. قَوْله: (إِذا يحلف) ، بِنصب الْفَاء، وَقد مر الْبَحْث فِيهِ هُنَاكَ مستقصًى.