عمدة القاري شرح صحيح البخاري

بِسم الله الرحْمان الرَّحِيمِ

45 - (كِتابُ الشُّرُوطِ)

أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَحْكَام الشُّرُوط، وَهُوَ جمع شَرط، وَهُوَ الْعَلامَة. وَفِي الِاصْطِلَاح: الشَّرْط مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ وجود الشَّيْء وَلم يكن دَاخِلا فِيهِ. وَقيل: مَا يلْزم من انتفائه انْتِفَاء الْمَشْرُوط، وَلَا يلْزم من وجوده وجود الْمَشْرُوط، وَالْمرَاد هُنَا بَيَان مَا يَصح من الشُّرُوط وَمَا لَا يَصح.

1 - (بابُ مَا يَجُوزُ مِنَ الشُّرُوطِ فِي الإسْلامِ والأحْكَامِ والمُبَايَعَةِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يجوز من الشُّرُوط فِي الْإِسْلَام، يَعْنِي الدُّخُول فِيهِ، وَهَذَا كَمَا اشْترط النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على جرير حِين بَايعه على الْإِسْلَام: (النصح لكل مُسلم) ، وَفِي لفظ: (على إِقَامَة الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة والنصح لكل مُسلم) ، وَلَا يجوز أَن يشْتَرط من يدْخل فِي الْإِسْلَام أَن لَا يُصَلِّي أَو لَا يُزكي عِنْد الْقُدْرَة. وَنَحْو ذَلِك. قَوْله: (وَالْأَحْكَام) ، أَي: الْعُقُود والفسوخ والمعاملات. قَوْله: (والمبايعة) ، من عطف الْخَاص على الْعَام، وَهَذَا الْبَاب، وَقَبله: كتاب الشُّرُوط، رِوَايَة أبي ذَر، وَلَيْسَ فِي رِوَايَة غَيره لفظ: كتاب الشُّرُوط.

(13/289)


2172 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْر قَالَ حدَّثنا اللَّيْثُ عنْ عقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهابٍ قَالَ أَخْبرنِي عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ أنَّهُ سَمِعَ مَرْوَانَ والمِسْوَرَ بنَ مَخْرَمَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما يُخْبِرَانِ عنْ أصْحَابِ رسولِ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَمَّا كاتَبَ سُهَيْلُ بنُ عَمْرٍ ويَوْمَئِذٍ كانَ فِيما اشْتَرَطَ سُهَيْلُ بنُ عَمْرو عَلى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا أحَدٌ وإنْ كانَ على دِينِكَ إلاَّ رَدَدْتَهُ إلَيْنَا وخَلَّيْتَ بَيْنَنَا وبَيْنَهُ فَكَرِهَ الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ وامْتَعَضُوا مِنْهُ وأبى سُهَيْلٌ إلاَّ ذلِكَ فَكاتَبَهُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَى ذَلِكَ فرَدَّ يَوْمَئِذٍ أبَا جَنْدَلٍ إِلَى أبِيهِ سُهَيْلِ ابنِ عَمْرٍ وولَمْ يأتِهِ أحَدٌ مِنَ الرِّجَالِ إلاَّ رَدَّهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وإنْ كانَ مُسْلِماً وجاءَ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ وكانَتْ أُمُّ كَلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بنِ أبِي مُعَيْطٍ مِمَّنْ خَرَجَ إلَى رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَئِذٍ وهْيَ عاتِقٌ فَجاءَ أهْلُهَا يَسْأَلُونَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ يَرْجِعَهَا ألَيْهِمْ فَلَمْ يَرْجِعْهَا إلَيْهِمْ لِمَا أنْزَلَ الله فِيهِنَّ {إذَا جاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مِهَاجِرَاتٍ فامْتَحِنُوهُنَّ الله أعْلَمُ بِإيمَانِهِنَّ} (الممتحنة: 01) . إِلَى قَوْله: {ولاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} (الممتحنة: 01) . قَالَ عُرْوَةُ فأخْبَرَتْنِي عائِشَةُ أنَّ رسوُلَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يَمْتَحِنُهُنَّ بِهَذِهِ الآيةَ {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا جاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فامْتَحِنُوهُنَّ} (الممتحنة: 01) . إِلَى {غَفُورٌ رَحيِمٌ} (الممتحنة: 21) . قالَ عُرْوَةُ قالَتْ عائِشَةُ فَمَنْ أقَرَّ بِهاذَا الشَّرْطِ مِنْهُنَّ قَالَ لَهَا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَدْ بايَعْتُكَ كَلاَماً يُكَلِّمُها بِهِ وَالله مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأةٍ قَطُّ فِي الْمُبَايَعَةِ وَمَا بَايَعَهُنَّ إلاَّ بِقَوْلِهِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (كَانَ فِيمَا اشْترط سُهَيْل بن عَمْرو) إِلَى قَوْله: (وَجَاء الْمُؤْمِنَات) . وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الطَّلَاق، ومروان هُوَ ابْن الحكم والمسور، بِكَسْر الْمِيم: ابْن مخرمَة، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة، لَهُ ولأبيه صُحْبَة.
قَوْله: (يخبران عَن أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) هَكَذَا قَالَ عقيل عَن الزُّهْرِيّ، وَهُوَ مُرْسل عَنْهُمَا لِأَنَّهُمَا لم يحضرا الْقِصَّة، فعلى هَذَا فَالْحَدِيث من مُسْند من لم يسم من الصَّحَابَة، وَلم يصب من أخرجه من أَصْحَاب الْأَطْرَاف فِي مُسْند الْمسور أَو مَرْوَان، أما مَرْوَان، فَإِنَّهُ لَا يَصح لَهُ سَماع من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا صُحْبَة لإنه خرج إِلَى الطَّائِف طفْلا لَا يعقل لما نفى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَاهُ الحكم، وَكَانَ مَعَ أَبِيه بِالطَّائِف حَتَّى اسْتخْلف عُثْمَان فردهما، وَقد روى حَدِيث الْحُدَيْبِيَة بِطُولِهِ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَأما الْمسور فصح سَمَاعه من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لكنه إِنَّمَا قدم مَعَ أَبِيه وَهُوَ صَغِير بعد الْفَتْح، وَكَانَت هَذِه الْقِصَّة قبل ذَلِك بِسنتَيْنِ، وَلَا يُقَال: إِنَّه رِوَايَة عَن الْمَجْهُول، لِأَن الصَّحَابَة كلهم عدُول فَلَا قدح فِيهِ بِسَبَب عدم معرفَة أسمائهم. قَوْله: (لما كَاتب سُهَيْل بن عَمْرو) ، قد ذكرنَا تَرْجَمته فِيمَا مضى عَن قريب، وَكَانَ أحد أَشْرَاف قُرَيْش وخطيبهم، أسر يَوْم بدر، فَقَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (انْزعْ ثنيته فَلَا يقوم عَلَيْك خَطِيبًا) ، فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (دَعه، فَعَسَى أَن يقوم مقَاما تحمده) . أسلم يَوْم الْفَتْح وَكَانَ رَقِيقا كثير الْبكاء عِنْد قِرَاءَة الْقُرْآن، فَمَاتَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَاخْتلف النَّاس بِمَكَّة، وارتد كَثِيرُونَ، فَقَامَ سُهَيْل خَطِيبًا. وَسكن النَّاس ومنعهم من الِاخْتِلَاف، وَهَذَا هُوَ الْمقَام الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (يَوْمئِذٍ) أَي: يَوْم صلح الْحُدَيْبِيَة. قَوْله: (فامتعضوا مِنْهُ) ، بِعَين مُهْملَة وضاد مُعْجمَة، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: مَعْنَاهُ: شقّ عَلَيْهِم وَعظم، يُقَال: معض من شَيْء سَمعه وامتعض إِذا غضب وشق عَلَيْهِ، وَقَالَ القَاضِي: لَا أصل لهَذَا من كَلَام الْعَرَب، وَأَحْسبهُ: فكرهوا ذَلِك وامتعضوا مِنْهُ أَي: شقّ عَلَيْهِم. وَقَالَ ابْن قرقول: (امتعظوا) ، كَذَا للأصيلي والهمداني، وفسروه: كرهوه، وَهُوَ غير صَحِيح، وَفِي الْخط والهجاء وَإِنَّمَا يَصح لَو كَانَ امتعضوا بضاد غير مشالة، كَمَا عِنْد أبي ذَر هُنَا وعبدوس، بِمَعْنى: (كَرهُوا وانفوا) وَقد وَقع مُفَسرًا كَذَلِك فِي بعض الرِّوَايَات فِي (الْأُم) وَعند الْقَابِسِيّ أَيْضا فِي (الْمَغَازِي) : (امَّعظوا) بتَشْديد الْمِيم وبالظاء الْمُعْجَمَة، وَكَذَا لعبدوس، وَعند بَعضهم: (اتغظوا) ، من الغيظ، وَعند بَعضهم عَن النَّسَفِيّ، واتغضوا، بغين

(13/290)


مُعْجمَة وضاد مُعْجمَة غير مشالة، قَالَ: وكل هَذِه الرِّوَايَات إحالات وتغييرات، وَلَا وَجه لشَيْء من ذَلِك إلاَّ: امتعضوا، وَمعنى: انغضوا فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: تفَرقُوا من الإنغاض، قَالَ الله تَعَالَى: {فسينغضون إِلَيْك} (الْإِسْرَاء: 15) . قَوْله: (مهاجرات) نصب على الْحَال من {الْمُؤْمِنَات) . قَوْله: (أم كُلْثُوم) ، بِضَم الْكَاف وَسُكُون اللَّام وَضم الثَّاء الْمُثَلَّثَة بنت عقبَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن أبي معيط، بِضَم الْمِيم وَفتح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره طاء مُهْملَة: أم حميد بن عبد الرَّحْمَن. قَوْله: (وَهِي عاتق) ، جملَة حَالية، والعاتق بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق: الْجَارِيَة الشَّابَّة أول مَا أدْركْت. قَوْله: (أَن يرجعها) ، بِفَتْح الْيَاء، وَرجع يتَعَدَّى وَلَا يتَعَدَّى. قَوْله: {إِذا جَاءَكُم الْمُؤْمِنَات} وأولها قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا جَاءَكُم الْمُؤْمِنَات مهاجرات فامتحنوهن، الله أعلم بإيمانهن فَإِن علمتموهم مؤمنات فَلَا ترجعوهن إِلَى الْكفَّار، لَا هن حل لَهُم وَلَا هم يحلونَ لَهُنَّ، وَآتُوهُمْ مَا أَنْفقُوا وَلَا جنَاح عَلَيْكُم أَن تنكحوهن إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورهنَّ، وَلَا تمسكوا بعصم الكوفر، واسألوا مَا أنفقتم وليسألوا مَا أَنْفقُوا ذَلِكُم حكم الله يحكم بَيْنكُم وَالله عليم حَكِيم، وَإِن فاتكم شَيْء من أزواجكم إِلَى الْكفَّار فعاقبتم فآتوا الَّذين ذهبت أَزوَاجهم مثل مَا أَنْفقُوا وَاتَّقوا الله الَّذِي أَنْتُم بِهِ مُؤمنُونَ، يَا أَيهَا النَّبِي إِذا جَاءَك الْمُؤْمِنَات يبايعنك على أَن لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئا وَلَا يَسْرِقن وَلَا يَزْنِين وَلَا يقتلن أَوْلَادهنَّ وَلَا يَأْتِين بِبُهْتَان يَفْتَرِينَهُ بَين أَيْدِيهنَّ وَأَرْجُلهنَّ وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف فبايعهن واستغفر لَهُنَّ الله إِن الله غَفُور رَحِيم} (الممتحنة: 01 21) . قَوْله: {إذَا جَاءَكُم الْمُؤْمِنَات} سماهن: مؤمنات لتصديقهن بألسنتهن ونطقهن بِكَلِمَة الشَّهَادَة، وَلم يظْهر مِنْهُنَّ مَا يُنَافِي ذَلِك. قَوْله: (مهاجرات) يَعْنِي: من دَار الْكفْر إِلَى دَار الْإِسْلَام. قَوْله: {فامتحنوهن} أَي: فاختبروهن بِالْحلف وَالنَّظَر فِي الأمارات ليغلب على ظنونكم صدق إيمانهن. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: معنى امتحانهن أَن يستحلفن مَا خرجن من بغض زوج وَمَا خرجن عَن أَرض إِلَى أَرض، وَمَا خرجن التمَاس دنيا، وَمَا خرجن إلاَّ حبا لله وَرَسُوله. قَوْله: {الله أعلم بإيمانهن} أَي: أعلم مِنْكُم لأنكم تكسبون فِيهِ علما يطمئن مَعَه نفوسكم إِذا استحلفتموهن، وَعند الله حَقِيقَة الْعلم بِهِ {فَإِن علمتموهن مؤمنات} الْعلم الَّذِي تبلغه طاقتكم، وَهُوَ الظَّن الْغَالِب بِالْحلف وَظُهُور الأمارات. {فَلَا ترجعوهن إِلَى الْكفَّار} وَلَا تردوهن مؤمنات} الْعلم الَّذِي تبلغه طاقتكم، وَهُوَ الظَّن الْغَالِب بِالْحلف وَظُهُور الأمارات {فَلَا ترجعوهن إِلَى الْكفَّار} وَلَا تردوهن إِلَى أَزوَاجهنَّ الْمُشْركين {لَا هن حل لَهُم وَلَا هم يحلونَ لَهُنَّ} لِأَنَّهُ لَا حل بَين المؤمنة والمشرك. قَوْله: {وَآتُوهُمْ} أَي: أعْطوا أَزوَاجهنَّ الْكفَّار مَا أَنْفقُوا مثل مَا دفعُوا إلَيْهِنَّ من الْمهْر، سمي الظَّن الْغَالِب علما فِي قَوْله: {فَإِن علمتموهن مؤمنات} إِيذَانًا بِأَن الظَّن الْغَالِب وَمَا يُفْضِي إِلَيْهِ الِاجْتِهَاد وَالْقِيَاس بشرائطها جَار مجْرى الْعلم، وَأَن صَاحبه غير دَاخل فِي قَوْله: {وَلَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم} (الْإِسْرَاء: 63) . قَوْله: {وَلَا جنَاح عَلَيْكُم} يَعْنِي: {أَن تنكحوهن إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورهنَّ} وَإِن كَانَ لَهُنَّ أَزوَاج كفار لِأَنَّهُ فرق بَينهمَا الْإِسْلَام إِذا استبرئت أرحامهن بِالْحيضِ، وَالْمرَاد من الأجور: مهورهن، لِأَن الْمهْر أجر الْبضْع. قَوْله: {وَلَا تمسكوا بعصم الكوافر} العصم: جمع الْعِصْمَة، وَهِي مَا يعتصم بِهِ من عقد وَسبب، والكوافر جمع كَافِرَة، وَنهى الله تَعَالَى الْمُؤمنِينَ عَن الْمقَام على نِكَاح المشركات، وأمرهن بفراقهن، وَقَالَ ابْن عَبَّاس: يَقُول: لَا نَأْخُذ بِعقد الكوافر، فَمن كَانَت لَهُ امْرَأَة كَافِرَة بِمَكَّة فَلَا يتقيدن بهَا، فقد انْقَطَعت عصمتها مِنْهُ. قَالَ الزُّهْرِيّ: فَلَمَّا نزلت هَذِه الْآيَة طلق عمر بن الْخطاب امْرَأتَيْنِ كَانَتَا لَهُ بِمَكَّة مشركتين: قريبَة بنت أبي أُميَّة بن الْمُغيرَة، فَتَزَوجهَا بعده مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان، وهما على شركهما بِمَكَّة. وَالْأُخْرَى أم كُلْثُوم بنت عَمْرو الْخُزَاعِيَّة أم عبد الله بن عمر، فَتَزَوجهَا أَبُو جهم بن حذافة، رجل من قَومهَا وهما على شركهما. قَوْله: {واسألوا مَا أنفقتم} أَي: اسألوا أَيهَا الْمُؤْمِنُونَ {الَّذين ذهبت أَزوَاجهم} فلحقن بالمشركين مَا أنفقتم عَلَيْهِنَّ من الصَدَاق من تزوجهن مِنْهُم {وليسألوا} يَعْنِي الْمُشْركين الَّذين لحقت أَزوَاجهم بكم مؤمنات إِذا تَزَوَّجن مِنْكُم من تزَوجهَا مِنْكُم مَا أَنْفقُوا أَي: أَزوَاجهنَّ الْمُشْركين من الْمهْر. قَوْله: {ذَلِكُم} إِشَارَة إِلَى جَمِيع مَا ذكر فِي هَذِه الْآيَة. قَوْله: {حكم الله يحكم بَيْنكُم} إِشَارَة إِلَى جَمِيع مَا ذكر فِي هَذِه الْآيَة. قَوْله: {حكم الله يحكم بَيْنكُم} كَلَام مُسْتَأْنف، وَقيل: حَال من حكم الله على حذف الضَّمِير، أَي: يحكم الله بَيْنكُم {وَالله عليم حَكِيم} . قَوْله: {وَإِن فاتكم شَيْء من أزواجكم} أَي: وَإِن سبقكم وانفلت مِنْكُم من أزواجكم {إِلَى الْكفَّار فعاقبتم} يَعْنِي: فظفرتم وأصبتم من الْكفَّار عُقبى، وَهِي الْغَنِيمَة، وظفرتم وَكَانَت الْعَاقِبَة لكم {فآتوا الَّذين ذهبت أَزوَاجهم} إِلَى الْكفَّار مِنْكُم {مثل مَا أَنْفقُوا عَلَيْهِنَّ} من الْغَنِيمَة الَّتِي صَارَت فِي أَيْدِيكُم من أَمْوَال الْكفَّار. وَقَالَ ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: وَكَانَ جَمِيع من لحق بالمشركين من نسَاء الْمُؤمنِينَ الْمُهَاجِرين رَاجِعَة عَن الْإِسْلَام سِتّ نسْوَة: أم الْحَكِيم بنت أبي سُفْيَان، كَانَت تَحت عِيَاض بن شَدَّاد الفِهري.

(13/291)


وَفَاطِمَة بنت أبي أُميَّة بن الْمُغيرَة، أُخْت أم سَلمَة، كَانَت تَحت عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَلَمَّا أَرَادَ عمر أَن يُهَاجر أَبَت وارتدت. وَبرْوَع بنت عقبَة، كَانَت تَحت شماس بن عُثْمَان، وَعَبدَة بنت عبد الْعُزَّى، وَزوجهَا عَمْرو بن ود. وَهِنْد بنت أبي جهل بن هِشَام، وَكَانَت تَحت هِشَام بن الْعَاصِ. وكلثوم بنت جَرْوَل، كَانَت تَحت عمر بن الْخطاب، فَأَعْطَاهُمْ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُهُور نِسَائِهِم من الْغَنِيمَة. قَوْله: {يَا أَيهَا النَّبِي إِذا جَاءَك الْمُؤْمِنَات ... } (الممتحنة: 01) . الْآيَة، لما فتح رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفرغ من بيعَة الرِّجَال جَاءَت النِّسَاء يبايعنه. فَنزلت هَذِه الْآيَة. قَوْله: (يَفْتَرِينَهُ بَين أَيْدِيهنَّ وَأَرْجُلهنَّ) يَعْنِي: لَا يَأْتِين بِولد لَيْسَ من أَزوَاجهنَّ، فينسبنه إِلَيْهِم، وَقيل {بَين أَيْدِيهنَّ} ألسنتهن {وَبَين أرجلهن} فروجهن، وَقيل: هُوَ توكيد. مثل {مَا كسبت أَيْدِيكُم} (الشورى: 03) . قَوْله: {وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف} قيل: هَذَا فِي النوح. وَقيل: (لَا يخلون بِغَيْر ذِي محرم) وَقيل: (فِي كل حق مَعْرُوف لله تَعَالَى) . قَوْله: (عُرْوَة فأخبرتني عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا) ، هُوَ مُتَّصِل بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور أَو لَا، قَوْله: (كلَاما) : هُوَ كَلَام عَائِشَة، وَقع حَالا. قَوْله: (وَالله مَا مست يَده) إِلَى آخِره، وَكَانَت عَائِشَة تَقول: كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُبَايع النِّسَاء بالْكلَام بِهَذِهِ الْآيَة وَمَا مس يَد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَد امْرَأَة قطّ، إلاَّ يَد امْرَأَة يملكهَا. وَعَن الشّعبِيّ: كَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُبَايع النِّسَاء وعَلى يَده ثوب قطري، وَعَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ إِذا بَايع النِّسَاء دَعَا بقدح من مَاء، فَغمسَ يَده فِيهِ ثمَّ غمس أَيْدِيهنَّ فِيهِ.
وَاخْتلف الْعلمَاء فِي صلح الْمُشْركين على أَن يرد إِلَيْهِم من جَاءَ مِنْهُم مُسلما، فَقَالَ قوم: لَا يجوز هَذَا، وَهُوَ مَنْسُوخ بقوله، عَلَيْهِ السَّلَام: أَنا بَرِيء من كل مُسلم أَقَامَ مَعَ مُشْرك فِي دَار الْحَرْب، وَقد أجمع الْمُسلمُونَ أَن هِجْرَة دَار الْحَرْب فَرِيضَة على الرِّجَال وَالنِّسَاء، وَذَلِكَ الَّذِي بَقِي من فرض الْهِجْرَة، هَذَا قَول الْكُوفِيّين، وَقَول أَصْحَاب مَالك وَقَالَ الشَّافِعِي: هَذَا الحكم فِي الرِّجَال غير مَنْسُوخ، وَلَيْسَ لأحد هَذَا العقد إلاَّ للخليفة أَو لرجل يَأْمُرهُ، فَمن عقد غير الْخَلِيفَة فَهُوَ مَرْدُود، وَفِي (التَّوْضِيح) : وَقَول الشَّافِعِي، وَهَذَا الحكم فِي الرِّجَال غير مَنْسُوخ يدل أَن مذْهبه أَنه فِي النِّسَاء مَنْسُوخ.

4172 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ عنْ زِيَادِ بنِ عِلاَقَةَ قَالَ سَمِعْتُ جَرِيراً رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يَقُولُ بايَعْتُ رسولَ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاشْتَرَطَ علَيَّ والنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، والْحَدِيث مضى فِي آخر كتاب الْإِيمَان بأتم مِنْهُ. قَوْله: والنصح لكل مُسلم عطف على مُقَدّر يعلم من الحَدِيث الَّذِي بعده.

5172 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا يَحْيَى عنْ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثني قيْسُ بنُ أبِي حازِمٍ عنْ جَرِيرِ بنِ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ بايَعْتُ رسولَ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَى إقَامِ الصَّلاةِ وإيتَاءِ الزَّكاةِ والنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ..
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور عَن مُسَدّد عَن يحيى بن سعيد الْقطَّان عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد البَجلِيّ عَن قيس ابْن أبي حَازِم، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي: واسْمه عبد عَوْف، وَإِسْمَاعِيل وَقيس وَجَرِير ثَلَاثَتهمْ بجليون كوفيون مَكْنُون بِأبي عبد الله، قَوْله: (على إقَام الصَّلَاة) أَصله: إِقَامَة الصَّلَاة، وَإِنَّمَا جَازَ حذف التَّاء فِيهَا لِأَن الْمُضَاف إِلَيْهِ عوض عَنْهَا. وَقد مر الْكَلَام فِي الْحَدِيثين الْمَذْكُورين فِي آخر كتاب الْإِيمَان مُسْتَوفى.

2 - (بابٌ إذَا باعَ نَخْلاً قَدْ أُبِّرَتْ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا بَاعَ شخص نخلا حَال كَونهَا قد أبرت، على صِيغَة الْمَجْهُول، من التَّأْبِير، وَهُوَ تلقيح النّخل وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْكشميهني بعد قَوْله: (أبرت وَلم يشْتَرط الثَّمر) ، أَي: وَالْحَال أَيْضا أَن المُشْتَرِي لم يشْتَرط الثَّمر وَجَوَاب إِذا مَحْذُوف، وَهُوَ قَوْله: (فالثمرة للْبَائِع) إلاَّ أَن يشْتَرط المُشْتَرِي، وَلم يذكرهُ لدلَالَة مَا فِي الحَدِيث عَلَيْهِ.

(13/292)


6172 - حدَّثنا عبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ نافِعٍ عنْ عبدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَنْ باعَ نَخْلاً قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلاَّ أَن يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الْبيُوع فِي: بَاب من بَاعَ نخلا قد أبرت، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله: (الْمُبْتَاع) أَي: المُشْتَرِي.

3 - (بابُ الشُّرُوطِ فِي البَيْعِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الشُّرُوط فِي البيع.

7172 - حدَّثنا عبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ قَالَ حدَّثنا اللَّيْثُ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ عُرْوَةَ أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا أخْبَرَتْهُ أنَّ بَرِيرَةَ جاءَتْ عائِشَةَ تَسْتَعِينُهَا فِي كِتَابَتِها ولَمْ تَكُنْ قَضَتْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئاً قالَتْ لَهَا عائِشَةُ إرْجِعِي إِلَى أهلِكِ فإنْ أحَبوا أنْ أقْضِي عَنْكِ كِتَابَتَكِ ويَكُونَ ولاَؤكِ لِي فَعَلْتُ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ بَرِيرَةُ إِلَى أهْلِهَا فأبَوْا وَقَالُوا إنْ شاءَتْ أنْ تَحْتَسِبَ عَلَيْكَ فَلْتَفْعَلْ ويَكُونَ لَنا وَلاؤُكِ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهَا ابْتَاعِي فأعْتِقي فإنَّمَا الوَلاَءُ لِمَنْ أعْتَقَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن هَذَا الحَدِيث رُوِيَ بِوُجُوه مُخْتَلفَة: مِنْهَا مَا رَوَاهُ ابْن أبي ليلى عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة: أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (قَالَ: إشترى بَرِيرَة واشترطي لَهُم الْوَلَاء) . فَهَذَا فِيهِ عِنْد البيع، وَفِيه شَرط. وَفِيه وَجه الْمُطَابقَة، وَبِهَذَا اسْتدلَّ ابْن أبي ليلى: أَن من اشْترى شَيْئا وَأَشْتَرِط شرطا فَالْبيع جَائِز وَالشّرط بَاطِل، وَفِيه مَذْهَب أبي حنيفَة: أَن البيع وَالشّرط كِلَاهُمَا باطلان، وَمذهب ابْن شبْرمَة كِلَاهُمَا جائزان، وَقد ذكرنَا هَذَا فِي كتاب الْبيُوع فِي: بَاب إِذا اشْترط شُرُوطًا فِي البيع لَا تحل، وَمضى الحَدِيث أَيْضا فِيهِ، وَفِي كتاب الْعتْق أَيْضا وَغَيره، والترجمة الْمَذْكُورَة مُطلقَة يحْتَمل جَوَاز الِاشْتِرَاط فِي الْبيُوع، وَيحْتَمل عدم جَوَازهَا، وَلم يُوضحهُ البُخَارِيّ لمَكَان الِاخْتِلَاف فِيهِ، وَلم أرَ أحدا من الشُّرَّاح ذكر هُنَا شَيْئا حَتَّى إِن مِنْهُم من لم يذكر الْبَاب وَلَا التَّرْجَمَة، وَمِنْهُم من ذكر التَّرْجَمَة، وَقَالَ: فِيهِ حَدِيث عَائِشَة، وأحاله إِلَى مَا سبق، وَهَذَا مِمَّا لَا يُفِيد الناظرين، وَالشَّارِح إِن لم يتبع كَلَام المُصَنّف كلمة كلمة، وَلم يذكر الْمَقْصُود فِيهِ، فَلَيْسَ بشرح.

4 - (بابٌ إِذا اشتَرَطَ الْبَائِعُ ظَهْرَ الدَّابَّةِ إِلَى مكانٍ مُسَمَّى جازَ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا اشْترط البَائِع ظهر الدَّابَّة الَّتِي بَاعهَا يَعْنِي: اشْترط ركُوبهَا إِلَى مَكَان مُسَمّى معِين جَازَ هَذَا البيع، وَإِنَّمَا أطلقهُ مَعَ أَن فِيهِ الْخلاف، لِأَنَّهُ يرى بِصِحَّة هَذَا البيع لصِحَّة الدَّلِيل وقوته عِنْده، وَبِه قَالَ أَيْضا جمَاعَة وهم: الْأَوْزَاعِيّ وَمَالك وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر وَابْن الْمُنْذر، فَإِنَّهُم قَالُوا: (إِذا بَاعَ من رجل دَابَّة بِثمن مَعْلُوم على أَن يركبهَا البَائِع. أَن البيع جَائِز، وَالشّرط جَائِز، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِحَدِيث جَابر، هَذَا وَقَالَ: فرقة: (البيع جَائِز وَالشّرط بَاطِل) وهم: ابْن أبي ليلى وَأحمد فِي رِوَايَة وَأَشْهَب من الْمَالِكِيَّة، وَقَالَ آخَرُونَ: البيع فَاسد، وهم: أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ، وَقد بسطنا الْكَلَام فِيهِ فِي كتاب الْبيُوع.

8172 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ حدَّثنا زَكَرِيَّاءُ قَالَ سَمِعْتُ عامِرَاً يَقُولُ حدَّثني جابِرٌ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّهُ كانَ يَسِيرُ علَى جَمَلٍ لهُ قَدْ أعْيَا فمَرَّ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَضَرَبَهُ فَدَعَا لَهُ فَسارَ بِسَيْر لَيْسَ يَسِيِرُ مِثْلَهُ ثُمَّ قالَ بِعْنِيهِ بِوَقِيَّةَ قلْتُ لَا ثُمَّ قَالَ بِعْنِيهِ بِوَقِيَّةٍ فَبِعْتُهُ فاسْتَثْنَيْتُ حُمْلانَهُ إِلَى أهْلِي فلَمَّا قَدِمْنَا أتَيْتُهُ بالجَمَلِ ونَقَدَنِي ثَمَنَهُ ثمَّ انْصَرَفْتُ فأرْسَلَ عَلَى إثْرِي قَالَ مَا كُنْتُ لِآخُذَ جَمَلَكَ فَخُذْ جَمَلَكَ ذالِكَ فَهْوَ مالُكَ.
.

(13/293)


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَبِعْته فاستثنيت حملانه إِلَى أَهلِي، فَإِنَّهُ بيع فِيهِ شَرط ركُوب الدَّابَّة إِلَى مَكَان مُسَمّى، وَهُوَ الْمَدِينَة، وَكَانَ بَينه وَبَين الْمَدِينَة ثَلَاثَة أَيَّام، وَمن هَذَا قَالَ مَالك: إِن كَانَ الِاشْتِرَاط فِي الرّكُوب إِلَى مَكَان قريب: كَالْيَوْمِ واليومين وَالثَّلَاثَة، فَالْبيع جَائِز، وَإِن كَانَ أَكثر من ذَلِك فَلَا يجوز.
وَأَبُو نعيم، بِضَم النُّون: الْفضل بن دُكَيْن، وزكرياء هُوَ ابْن أبي زَائِدَة الْكُوفِي، وعامر هُوَ الشّعبِيّ. والْحَدِيث مضى فِي الاستقراض وَغَيره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، ولنتكلم أَيْضا لزِيَادَة الْفَائِدَة، وَإِن وَقع مكرراً.
قَوْله: (قد أعيى) أَي: تَعب. قَوْله: (فَضَربهُ فَدَعَا لَهُ) كَذَا بِالْفَاءِ فيهمَا، كَأَنَّهُ عقب الدُّعَاء لَهُ بضربه، وَفِي رِوَايَة مُسلم وَأحمد من هَذَا الْوَجْه: فَضَربهُ بِرجلِهِ ودعا لَهُ، وَفِي رِوَايَة يُونُس بن بكير عَن زَكَرِيَّاء عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ، فَضَربهُ ودعا لَهُ فَمشى مشْيَة مَا مَشى قبل ذَلِك مثلهَا وَفِي رِوَايَة مُغيرَة: فزجره ودعا لَهُ، وَفِي رِوَايَة عَطاء وَغَيره عَن جَابر الَّتِي تقدّمت فِي الْوكَالَة: فَمر بِي النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: من هَذَا؟ قلت: جَابر بن عبد الله. قَالَ: مَالك؟ قلت: إِنِّي على جمل ثقال، فَقَالَ: أَمَعَك قضيب؟ قلت: نعم. قَالَ: أعطنيه. فأعطيته فَضَربهُ فزجره، فَكَانَ من ذَلِك الْمَكَان من أول الْقَوْم. وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ، من هَذَا الْوَجْه: فأزحف، فزجره النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فانبسط حَتَّى كَانَ أَمَام الْجَيْش، وَفِي رِوَايَة وهب بن كيسَان عَن جَابر الَّتِي تقدّمت فِي الْبيُوع: (فَتخلف فَنزل فحجنه بِمِحْجَنِهِ) ، ثمَّ قَالَ لي: إركب، فركبته فقد رَأَيْته أكفه عَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعند أَحْمد، من هَذَا الْوَجْه: قلت: يَا رَسُول الله أَبْطَأَ بِي جملي هَذَا. قَالَ: أنخه، وأناخ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ قَالَ: أَعْطِنِي هَذِه الْعَصَا، أَو إقطع لي عَصا من هَذِه الشَّجَرَة، فَقطعت، فَأَخذهَا فنخسه بهَا نخسات، ثمَّ قَالَ: إركب، فركبت. وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث زيد ابْن أسلم عَن جَابر: فَأَبْطَأَ عَليّ جملي حَتَّى ذهب النَّاس، فَجعلت أرقبه ويهمني شَأْنه، فَإِذا النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: أجابر؟ قلت: نعم. قَالَ: مَا شَأْنك؟ قلت: أَبْطَأَ عَليّ جملي، فنفث فِيهَا، أَي: فِي الْعَصَا. ثمَّ مج من المَاء فِي نَحره، ثمَّ ضربه بالعصا، فانبعث فَمَا كدت أمْسكهُ، وَفِي رِوَايَة أبي الزبير عَن جَابر عِنْد مُسلم، فَكنت بعد ذَلِك أحبس خطامه لأسْمع حَدِيثه، وَله من طَرِيق أبي نَضرة عَن جَابر: فنخسه ثمَّ قَالَ: إركب بِسم الله، زَاد فِي رِوَايَة مُغيرَة، فَقَالَ: كَيفَ ترى بعيرك؟ قلت: بِخَير، قد أَصَابَته بركتك. قَوْله: (فَسَار بسير) ، سَار ماضٍ، وبسير: جَار ومجرور، ومصدر لَيْسَ يسير بِلَفْظ فعل الْمُضَارع. قَوْله: (بعنيه بوقية) ، بِفَتْح الْوَاو وَحذف الْألف فِيهِ، لُغَة، قَالَ الْجَوْهَرِي: وَهِي أَرْبَعُونَ درهما. قلت: كَانَ هَذَا فِي عرفهم فِي ذَلِك الزَّمَان، وَفِي عرف النَّاس بعد ذَلِك عشرَة دَرَاهِم، وَفِي عرف أهل مصر الْيَوْم اثْنَي عشر درهما، وَفِي عرف أهل الشَّام: خَمْسُونَ درهما، وَفِي عرف أهل حلب: سِتُّونَ درهما، وَفِي عرف أهل عينتاب: مائَة دِرْهَم، وَفِي عرض بعض أهل الرّوم: مائَة وَخَمْسُونَ درهما، وَفِي مَوَاضِع أَكثر من ذَلِك، حَتَّى إِن موضعا فِيهِ الوقية ألف دِرْهَم. قَوْله: (قلت: لَا) أَي: لَا أبيعه. قَالَ ابْن التِّين: قَوْله: لَا، لَيْسَ بِمَحْفُوظ إلاَّ أَن يُرِيد: لَا أبيعكه، هُوَ لَك بِغَيْر ثمن. قلت: كَأَن ابْن التِّين نزه جَابِرا عَن قَوْله: لَا، لسؤال النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلكنه ثَبت قَوْله لَا وَلَكِن مَعْنَاهُ لَا أبيع بل أهبه لَك وَالنَّفْي يوتوجه لترك البيع لَا الْكَلَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالدَّلِيل عَلَيْهِ رِوَايَة وهب بن كيسَان عَن جَابر عِنْد أَحْمد: أتبيعني جملك هَذَا يَا جَابر؟ قلت: بل أهبه لَك. فَإِن قلت: جَاءَ فِي رِوَايَة أَحْمد: فَكرِهت أَن أبيعه. قلت: كَرَاهَته لوُقُوع صُورَة البيع بَينه وَبَين رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. لِأَن قَصده كَانَ صُورَة الْهِبَة فالكراهة لَا ترجع إِلَى سُؤال الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَلكنه لما سَأَلَهُ ثَانِيًا أجَاب بِالْبيعِ امتثالاً لكَلَامه، وَمَعَ هَذَا أَخذ الثّمن، والجمل على مَا دلّ عَلَيْهِ الحَدِيث. قَوْله: (فاستثنيت حملانه) بِضَم الْحَاء أَي: حمله، أَي: اشْترطت أَن يكون لي حق الْحمل عَلَيْهِ إِلَى الْمَدِينَة، كَأَنَّهُ اسْتثْنى هَذَا الْحق من حُقُوق البيع، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ بِلَفْظ: واستثنيت ظَهره إِلَى أَن تقدم. قَوْله: (فَلَمَّا قدمنَا) أَي: الْمَدِينَة، وَفِي رِوَايَة مُغيرَة عَن الشّعبِيّ الْمُتَقَدّمَة فِي الاستقراض: فَلَمَّا دنونا من الْمَدِينَة استأذنته، فَقَالَ: تزوجت بكرا أم ثَيِّبًا. وَسَيَأْتِي فِي النِّكَاح، فَقدمت الْمَدِينَة فَأخْبرت خَالِي بِبيع الْجمل، فلامني، وَفِي رِوَايَة أَحْمد من رِوَايَة نُبيح: أتيت عَمَّتي بِالْمَدِينَةِ فَقلت لَهَا: ألم تري أَنِّي بِعْت ناضحنا؟ فَمَا رَأَيْتهَا أعجبها. قلت: نُبيح، بِضَم النُّون وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره حاء مُهْملَة: وَاسم خَال جَابر، جد، بِفَتْح الْجِيم وَتَشْديد الدَّال. ابْن قيس، وَاسم عمته. هِنْد بنت عمر. وَقَوله: (على إثري) بِكَسْر الْهمزَة أَي: ورائي. قَوْله: (مَا كنت لآخذ

(13/294)


جملك) وَوَقع فِي رِوَايَة أبي نعيم، شيخ البُخَارِيّ بِلَفْظ: أَترَانِي إِنَّمَا ماكستك لآخذ جملك ودراهمك؟ همالك. قَوْله: (ماكستك) من المماكسة أَي: المناقصة فِي الثّمن، وَوَقع فِي رواي الْبَزَّار، من طَرِيق أبي المتَوَكل عَن جَابر: أَن الْجمل كَانَ أَحْمَر.
قَالَ شُعْبَةُ عنْ مُغِيرَةَ عنْ عامِرِ عنْ جابِرٍ أفْقَرني رسولُ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ظَهْرَهُ إِلَى المَدِينَةِ
أَشَارَ البُخَارِيّ بِهَذَا، وَبِمَا بعده إِلَى اخْتِلَاف أَلْفَاظ جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مُغيرَة هُوَ ابْن مقسم الْكُوفِي، وعامر هُوَ الشّعبِيّ وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق يحيى بن كثير عَنهُ. قَوْله: أفقرني، بِتَقْدِيم الْفَاء على الْقَاف، أَي: حَملَنِي على فقاره، وَهُوَ عِظَام الظّهْر.
وَقَالَ إسْحَاقُ عنْ جَرِيرٍ عنْ مُغيرَةَ فَبِعْتُهُ علَى أنَّ لي فَقارَ ظَهْرِهِ حتَّى أبْلُغَ المَدِينَةَ
أسْحَاق هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم الْمَعْرُوف بِابْن رَاهَوَيْه، وَجَرِير هُوَ ابْن عبد الحميد، وَهُوَ التَّعْلِيق يَأْتِي مَوْصُولا فِي الْجِهَاد.
وَقَالَ عَطَاءٌ وغيْرُهُ لَكَ ظَهْرُهُ إِلَى المَدِينَةِ
عَطاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح يَعْنِي: روى عَطاء عَن جَابر وَغَيره أَيْضا بِهَذَا اللَّفْظ، وَهَذَا التَّعْلِيق تقدم مَوْصُولا فِي الْوكَالَة.
وقالَ مُحَمَّدُ بنُ الْمُنْكَدِرِ عنْ جابِرٍ شَرَطَ ظَهْرَهُ إِلَى المَدِينَةِ

هَذَا التَّعْلِيق وَصله الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الْمُنْكَدر عَن أَبِيه بِهِ، وَوَصله الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق عُثْمَان بن مُحَمَّد الأخنسي عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، بن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر بِلَفْظ: فَبِعْته إِيَّاه وشرطت إِلَى ركُوبه إِلَى الْمَدِينَة.
وقالَ زَيْدُ بنُ أسْلَمَ عنْ جابِرٍ ولَكَ ظَهْرُهُ حتَّى تَرْجِعَ

هَذَا التَّعْلِيق وَصله الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عبد الله بن زيد بن أسلم عَن أَبِيه بِتَمَامِهِ.
وَقَالَ أبُو الزُّبَيْرِ عنْ جابِرٍ أفْقرْنَاكَ ظَهْرَهُ إلَى المَدِينَةِ
أَبُو الزبير مُحَمَّد بن مُسلم بن تدرس، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب عَن أبي الزبير بِهِ، وَهُوَ عِنْد مُسلم من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ: فَبِعْته مِنْهُ بِخمْس أَوَاقٍ. قلت: على أَن لي ظَهره إِلَى الْمَدِينَة. قَالَ: وَلَك ظَهره إِلَى الْمَدِينَة. وللنسائي من طَرِيق ابْن عُيَيْنَة عَن أَيُّوب. قَالَ: أَخَذته بِكَذَا وَكَذَا، وَقد أعرتك ظَهره إِلَى الْمَدِينَة.
وَقَالَ الأعْمَشُ عنْ سالِمٍ عنْ جابِرٍ تبَلَّغَ علَيْهِ إِلَى أهْلِكَ
الْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان. وَسَالم هُوَ ابْن أبي الْجَعْد، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله أَحْمد وَمُسلم وَعبد بن حميد من طَرِيق الْأَعْمَش. فَلفظ أَحْمد: قد أَخَذته بوقية أركبه فَإِذا قدمت فأتنا بِهِ، وَلَفظ مُسلم: فتبلغ عَلَيْهِ إِلَى الْمَدِينَة، وَلَفظ عبد بن حميد: تبلغ عَلَيْهِ إِلَى إهلك، وَكَذَا لفظ ابْن سعد وَالْبَيْهَقِيّ.
قَالَ أبُو عُبَيْدِ الله الاشتراطُ أكْثَرُ وأصَحُّ عِنْدِي
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، أَشَارَ بذلك إِلَى أَن الروَاة اخْتلفُوا فِي قَضِيَّة جَابر هَذِه: هَل وَقع الشَّرْط فِي العقد عِنْد البيع أَو كَانَ ركُوبه للجمل بعد بَيْعه إِبَاحَة من النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد شِرَائِهِ على طَرِيق الْعَارِية؟ وَقَالَ: وُقُوع الإشتراط فِيهِ أَكثر طرقاً وَأَصَح عِنْدِي مخرجا، وَهَذَا وَجه من وُجُوه التَّرْجِيح، وَمن جملَة من صحّح الِاشْتِرَاط الإِمَام الْحَافِظ الطَّحَاوِيّ، رَحمَه الله، وَلكنه تَأَول بِأَن البيع الْمَذْكُور لم يكن على الْحَقِيقَة، لقَوْله فِي آخِره: (أَترَانِي ماكستك) إِلَى آخِره، قَالَ: إِنَّه يشْعر بِأَن القَوْل الْمُتَقَدّم لم يكن على التبايع حَقِيقَة. قيل: رده الْقُرْطُبِيّ، (بِأَنَّهُ دَعْوَى مُجَرّدَة وتغيير وتجريف) ، لَا تَأْوِيل، (وَكَيف يصنع قَائِله فِي قَوْله: بِعته مِنْك بأوقية بعد المساومة) . وَقَوله: (قد أَخَذته) ، وَغير ذَلِك من الْأَلْفَاظ المنصوصة فِي ذَلِك، انْتهى. قلت: لَا تسلم أَنه دَعْوَى مُجَرّدَة، بل أثبت مَا قَالَه بقوله: (أَترَانِي ماكستك؟) وَبِقَوْلِهِ أَيْضا لجَابِر: (ترى إِنِّي إِنَّمَا حبستك لأذهب ببعيرك، يَا بِلَال! أعْطه أُوقِيَّة، وَخذ بعيرك، فهما، لَك) . فَهَذَا صَرِيح أَنه: لَمْ يكن ثمَّة عقد حَقِيقَة؟ فضلا عَن أَن يكون فِيهِ شَرط، وَقَالَ ابْن حزم: أخبر

(13/295)


عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (أَنه لم يماكسه ليَأْخُذ جمله) ، فصح أَن البيع لم يتم فِيهِ، فَقَط، فَإِنَّمَا اشْترط جَابر ركُوب جمل نَفسه فَقَط، وَقَول الْقُرْطُبِيّ، وَكَيف يصنع قَائِله فِي قَوْله: (بِعته مِنْك) ، لَا يرد على الطَّحَاوِيّ، لِأَنَّهُ لَا يُنكر صُورَة البيع، وَإِنَّمَا يُنكر حَقِيقَة البيع لما ذكرنَا، والقرطبي كَيفَ يصنع بقوله: (ترى أَنِّي حبستك لأذهب ببعيرك؟) فَإِذا تَأمل من لَهُ قريحة حادة، يعلم أَن التَّغْيِير والتحريف مِنْهُ لَا من الطَّحَاوِيّ، وَقد ذكر الْإِسْمَاعِيلِيّ أَيْضا أَن النُّكْتَة فِي ذكر البيع أَنه، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، أَرَادَ أَن يبر جَابر على وَجه لَا يحصل لغيره طمع فِي مثله، فَبَايعهُ فِي جمله على اسْم البيع: ليتوفر عَلَيْهِ بره، وَيبقى الْجمل قَائِما على ملك فَيكون ذَلِك أهنأ لمعروفه. وَقيل: حَاصله أَن الشَّرْط لم يَقع فِي نفس العقد، وَإِنَّمَا وَقع سَابِقًا ولاحقاً، فتبرع بمنفعته أَولا، كَمَا تبرع بِرَقَبَتِهِ آخرا. فَإِن قلت: وَقع فِي كَلَام القَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ من الشَّافِعِيَّة إِن فِي بعض طرق هَذَا الْخَبَر: (فَلَمَّا نقدني الثّمن شرطت حملاني إِلَى الْمَدِينَة) ، وَاسْتدلَّ بهَا على أَن الشَّرْط تَأَخّر عَن العقد. قلت: هَذِه مُجَرّد دَعْوَى تحْتَاج إِلَى بَيَان ذَلِك، على أَنا، وَإِن سلمنَا ثُبُوت ذَلِك، يحْتَاج إِلَى أَن يؤول على أَن معنى: نقدني الثّمن، أَي: قَرَّرَهُ لي، واتفقنا على تَعْيِينه، لِأَن الرِّوَايَات الصَّحِيحَة صَرِيحَة فِي أَن قَبضه الثّمن إِنَّمَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ.
وَقَالَ عُبَيْدُ الله وابنُ إسْحَاقَ عنْ وهْبٍ عنْ جابِرٍ اشْتَرَاهُ النبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِوَقِيَّةٍ
عبيد الله هُوَ ابْن عمر الْعمريّ، وَابْن إِسْحَاق هُوَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق، ووهب هُوَ ابْن كيسَان. أما تَعْلِيق عبيد الله فوصله البُخَارِيّ فِي الْبيُوع، وَلَفظه: (قَالَ: أتبيع جملك؟ قلت: نعم، فَاشْتَرَاهُ مني بأوقية) . وَأما تَعْلِيق ابْن إِسْحَاق فوصله أَحْمد وَأَبُو يعلى وَالْبَزَّار بِطُولِهِ وَفِي حَدِيثهمْ: (قَالَ: قد أَخَذته بدرهم، قلت: إِذا تغبنني يَا رَسُول الله! قَالَ: فبدرهمين؟ قلت: لَا، فَلم يزل يرفع لي حَتَّى بلغ أُوقِيَّة ... الحَدِيث.
وتابَعَهُ زَيْدُ بنُ أسْلَمَ عنْ جابِرٍ
أَي: تَابع وهباً زيد بن أسلم عَن جَابر فِي ذكر الْأُوقِيَّة، وَوصل الْبَيْهَقِيّ هَذِه الْمُتَابَعَة.
وقالَ ابنُ جُرَيْجٍ عنْ عَطَاءٍ وغَيْرِهِ عنْ جَابِرٍ أخَذْتُهُ بِأرْبَعَةِ دَنانِيرَ وهاذا يَكُونُ وَقِيَّةً علَى حِسَابَ الدِّينَارِ بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ
ابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج، وَعَطَاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي الْوكَالَة. قَوْله: (وَهَذَا يكون) إِلَى آخِره، قيل: إِنَّه من كَلَام البُخَارِيّ، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : هَذَا من كَلَام عَطاء. قلت: يحْتَمل هَذَا، وَهَذَا، وَالْأَقْرَب أَن يكون من كَلَام عَطاء، وَقل بَعضهم: (الدِّينَار) مُبْتَدأ، وَقَوله: (بِعشْرَة) ، خَبره أَي: دِينَار ذهب بِعشر دَرَاهِم فضَّة. قلت: هَذَا تصرف عَجِيب لَيْسَ لَهُ وَجه أصلا، لِأَن لفظ (الدِّينَار) ، وَقع مُضافاً إِلَيْهِ، وَهُوَ مجرور بِالْإِضَافَة، وَلَا وَجه لقطع لفظ حِسَاب عَن الْإِضَافَة، وَلَا ضَرُورَة إِلَيْهِ، وَالْمعْنَى أصبح مَا يكون لِأَن معنى قَوْله: (وَهَذَا يكون وقية) ، يَعْنِي: أَرْبَعَة دَنَانِير، يكون وقية على حِسَاب الدِّينَار أَي: الدِّينَار الْوَاحِد بِعشْرَة دَرَاهِم، وَلَقَد تعسف فِي تَفْسِير الدِّينَار بِالذَّهَب وَالدَّرَاهِم بِالْفِضَّةِ، لِأَن الدِّينَار لَا يكون إلاَّ من الذَّهَب، وَالدَّرَاهِم لَا تكون إلاَّ من الْفضة، وَلَا خَفَاء فِي ذَلِك.
ولَمْ يُبَيِّنِ الثَّمَنَ مُغِيرَةَ عنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ وابنُ المُنْكَدِرِ وأبُو الزُّبَيْرِ عنْ جَابِرٍ
أشارَ بِهَذَا إِلَى أَن هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة: الشّعبِيّ وَمُحَمّد بن الْمُنْكَدر وَأَبُو الزبير مُحَمَّد بن مُسلم لم يذكرُوا كمية الثّمن فِي روايتهم عَن جَابر. قَوْله: (وَابْن الْمُنْكَدر) ، بِالرَّفْع مَعْطُوف على الْمُغيرَة الَّذِي هُوَ مَرْفُوع بقوله: (لم يبين) و (الثّمن) ، بِالنّصب مَفْعُوله، أما رِوَايَة الْمُغيرَة عَن الشّعبِيّ فتقدمت مَوْصُولَة فِي الاستقراض، وَسَتَأْتِي مُطَوَّلَة فِي الْجِهَاد، وَلَيْسَ فِيهَا ذكر تعْيين الثّمن، وَكَذَا أخرجه مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَغَيرهمَا بِلَا ذكر الثّمن. وَأما رِوَايَة ابْن الْمُنْكَدر فوصلها الطَّبَرَانِيّ، وَلَيْسَ فِيهَا التَّعْيِين أَيْضا. وَأما رِوَايَة أبي الزبير فوصلها النَّسَائِيّ وَلم يعين الثّمن، وَلَكِن مُسلما أخرجه من طَرِيقه وَعين فِيهِ الثّمن. وَلَفظه: (فَبِعْته مِنْهُ بِخمْس أَوَاقٍ على أَن لي ظَهره إِلَى الْمَدِينَة) .

(13/296)


وَقَالَ الأعْمَشُ عنْ سالِمٍ عنْ جابرٍ وَقِيَّة ذَهَبٍ
أَي: قَالَ سُلَيْمَان الْأَعْمَش فِي رِوَايَة عَن سَالم ابْن أبي الْجَعْد عَن جَابر وقية ذهب، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله مُسلم وَأحمد وَغَيرهمَا هَكَذَا.
وَقَالَ أبُو إسْحَاقَ عنْ سالِمٍ عَنْ جابِرِ بمائَتَيْ دِرْهَمٍ
أَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي، وَسَالم مر الْآن، وَلم تخْتَلف نسخ البُخَارِيّ أَنه قَالَ: (بِمِائَتي دِرْهَم) ، وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي بعض الرِّوَايَات للْبُخَارِيّ: (ثَمَان مائَة دِرْهَم) ، وَالظَّاهِر أَنه تَصْحِيف.
وَقَالَ داوُدُ بنُ قَيْسٍ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ مِقسَمٍ عنْ جابرٍ اشْتَراهُ بِطَرِيقِ تَبُوكَ أحْسِبُهُ قَالَ بأرْبَعِ أوَاقٍ
دَاوُد بن قيس الْفراء الدّباغ الْمَدِينِيّ أَبُو سُلَيْمَان وَعبيد الله بن مقسم، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْقَاف الْقرشِي الْمدنِي، وَهَذِه الرِّوَايَات تصرح بِأَن قصَّة جَابر وَقعت فِي طَرِيق تَبُوك، فوافقه على ذَلِك عَليّ بن زيد بن جدعَان عَن أبي المتَوَكل عَن جَابر أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مر بجابر فِي غَزْوَة تَبُوك) ، فَذكر الحَدِيث، وَقد أخرجه البُخَارِيّ من وَجه آخر عَن أبي المتَوَكل عَن جَابر فَقَالَ: فِي بعض أَسْفَاره، وَلم يُعينهُ، وَكَذَا أبهمه أَكثر الروَاة عَن جَابر، وَمِنْهُم من قَالَ: كنت فِي سفر، وَمِنْهُم من قَالَ: كنت فِي غَزْوَة، وَلَا مُنَافَاة بَين هَاتين الرِّوَايَتَيْنِ وَجزم ابْن إِسْحَاق عَن وهب بن كيسَان فِي رِوَايَته أَن ذَلِك كَانَ فِي غَزْوَة ذَات الرّقاع، وَكَذَلِكَ أخرجه الْوَاقِدِيّ من طَرِيق عَطِيَّة بن عبد الله بن أنيس عَن جَابر، وَيُؤَيّد هَذِه رِوَايَة الطَّحَاوِيّ: أَن ذَلِك وَقع فِي رجوعهم من طَرِيق مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة، وَلَيْسَت طَرِيق تَبُوك ملاقية لطريق مَكَّة: بِخِلَاف غَزْوَة ذَات الرّقاع، وَجزم السُّهيْلي أَيْضا بِمَا قَالَه ابْن إِسْحَاق قَوْله: (بِأَرْبَع أَوَاقٍ) ، بِالتَّنْوِينِ، ويروى: بِأَرْبَع أواقي، بِالْيَاءِ الْمُشَدّدَة على الأَصْل فَخفف بِحَذْف أَحدهمَا ثمَّ أعل إعلال قاضٍ.
وَقَالَ أبُو نَضْرَةَ عَن جَابر اشْتَرَاهُ بِعِشْرِينَ دِيناراً

أَبُو نَضرة، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة: واسْمه الْمُنْذر بن مَالك الْعَبْدي، مَاتَ سنة ثَمَان وَمِائَة، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن مَاجَه من طَرِيق الْجريرِي عَنهُ بِلَفْظ: فَمَا زَالَ يزيدني دِينَارا دِينَارا حَتَّى بلغ عشْرين دِينَارا، وَأخرجه مُسلم وَالنَّسَائِيّ من طَرِيق أبي نَضرة، وَلم يعين الثّمن.
وقَوْلُ الشَّعْبِيِّ بِوَقِيَّةٍ أكْثَرُ الإشْتِرَاطُ أكْثرُ وأصَحُّ عِنْدِي قالَهُ أبُو عَبْدِ الله

هَذَا كَلَام البُخَارِيّ، أَي: قَول عَامر الشّعبِيّ: بوقية، أَكثر من غَيره فِي الرِّوَايَات، وَوَقع فِي بعض النّسخ: بعد هَذَا الِاشْتِرَاط، أَكثر، وَأَصَح عِنْدِي قَالَه أَبُو عبد الله، وَقد مر هَذَا فِيمَا مضى عَن قريب، وَأَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ وَاعْلَم أَنَّك رَأَيْت فِي قصَّة جَابر هَذَا الِاخْتِلَاف فِي ثمن الْجمل الْمَذْكُور فِيهَا: فروى أُوقِيَّة وَرُوِيَ: (أَرْبَعَة دَنَانِير) ، وَرُوِيَ: أُوقِيَّة ذهب، وَرُوِيَ أَربع أَوَاقٍ، وَرُوِيَ: خمس أَوَاقٍ، وَرُوِيَ: مِائَتَا دِرْهَم، وروى: (عشرُون دِينَارا) هَذَا كُله فِي رِوَايَة البُخَارِيّ، وروى أَحْمد وَالْبَزَّار من حَدِيث أبي المتَوَكل عَن جَابر: (ثَلَاثَة عشر دِينَارا) ، وَهَذَا اخْتِلَاف عَظِيم، وَالثمن فِي نفس الْأَمر وَاحِد مِنْهَا، والرواة كلهم عدُول، فَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: لَيْسَ اخْتلَافهمْ فِي قدر الثّمن بضائر، لِأَن الْغَرَض الَّذِي سيق الحَدِيث لأَجله بَيَان كرمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتواضعه وحنوه على أَصْحَابه وبركة دُعَائِهِ وَغير ذَلِك، وَلَا يلْزم من وهم بَعضهم فِي قدر الثّمن توهين لأصل الحَدِيث.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: اخْتلفُوا فِي ثمن الْجمل اخْتِلَافا لَا يقبل التلفيق، وتكلَّف ذَلِك بعيد عَن التَّحْقِيق، وَهُوَ مَبْنِيّ على أَمر لم يَصح نَقله، وَلَا استقام ضَبطه، مَعَ أَنه لَا يتَعَلَّق بتحقيق ذَلِك حكم، وَإِنَّمَا يحصل من مَجْمُوع الرِّوَايَات أَنه بَاعه الْبَعِير بِثمن مَعْلُوم، بَينهمَا، وَزَاد عِنْد الْوَفَاء زِيَادَة مَعْلُومَة، وَلَا يضر عدم الْعلم بتحقيق ذَلِك. وَقَالَ الْكرْمَانِي فِي وَجه التَّوْفِيق: وقية الذَّهَب قد تَسَاوِي مِائَتي دِرْهَم المساوية لعشرين دِينَارا على حِسَاب الدِّينَار بِعشْرَة، وَأما وقية الْفضة فَهِيَ أَرْبَعُونَ درهما المساوية لأربعة دَنَانِير، وَأما أَرْبَعَة أَوَاقٍ فَلَعَلَّهُ اعْتبر اصْطِلَاح أَن كل وقية عشرَة دَرَاهِم، فَهِيَ أَيْضا وقية بالاصطلاح الأول، وَالْكل رَاجع

(13/297)


إِلَى وقية، وَوَقع الِاخْتِلَاف فِي اعْتِبَارهَا كَمَا وكيفاً. وَقَالَ عِيَاض: قَالَ أَبُو جَعْفَر الدَّاودِيّ: لَيْسَ لوقية الذَّهَب وزن مَعْلُوم وأوقية الْفضة أَرْبَعُونَ درهما. قَالَ: وَسبب اخْتِلَاف هَذِه الرِّوَايَات أَنهم رووا بِالْمَعْنَى، وَهُوَ جَائِز، وَالْمرَاد: أُوقِيَّة الذَّهَب كَمَا وَقع بِهِ العقد، وعنى: أواقي الْفضة، كَمَا حصل بِهِ إِنْفَاذه، وَيحْتَمل هَذَا كُله زِيَادَة على الْأُوقِيَّة، كَمَا ثَبت فِي الرِّوَايَات أَنه قَالَ: وَزَادَنِي.، وَأما رِوَايَة: أَرْبَعَة دَنَانِير، فموافقة أَيْضا لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون أُوقِيَّة الذَّهَب حِينَئِذٍ وزن أَرْبَعَة دَنَانِير، وَرِوَايَة عشْرين دِينَارا مَحْمُولَة على دَنَانِير صغَار كَانَت لَهُم، وَأما رِوَايَة: أَربع أَوَاقٍ شكّ فِيهِ الرَّاوِي، فَلَا اعْتِبَار بهَا، وفوائد الحَدِيث مر ذكرهَا فِي الاستقراض.

5 - (بابُ الشُّرُوطِ فِي المُعَامَلَةِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَحْكَام الشُّرُوط فِي الْمُعَامَلَة، أَي: الْمُزَارعَة وَغَيرهَا.

9172 - حدَّثنا أبُو اليَمانِ قَالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ قَالَ حدَّثنا أبُو الزِّنَادِ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قالَتِ الأنْصَارُ للنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اقسِمْ بَيْنَنا وبيْنَ إخْوَانِنَا النَّخِيلَ قَالَ لَا فَقَالَ الأنْصَارُ تَكْفُونا المؤنةَ ونُشْرِكُكُمْ فِي الثَّمَرَةِ قَالُوا سَمِعْنَا وأطَعْنَا..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (تكفونا المؤونة ونشرككم فِي الثَّمَرَة) ، لِأَن فِيهِ شرطا على مَا لَا يخفى، وَرِجَال هَذَا الحَدِيث قد تكَرر ذكرهم، وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة، وَأَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون: عبد الله بن ذكْوَان الزيات، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز. والْحَدِيث مضى فِي الْمُزَارعَة فِي: بَاب إِذا قَالَ: إكفني مؤونة النّخل، بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن، وَإِنَّمَا أَعَادَهُ هُنَا لأجل التَّرْجَمَة الْمَذْكُورَة.
قَوْله: (إِخْوَاننَا) ، أَرَادَ بهم الْمُهَاجِرين. قَوْله: (قَالَ: لَا) أَي: قَالَ للْأَنْصَار: لَا، وأفرد نظرا إِلَى أَنه صَار علما لَهُم، ويروى. قَالُوا. قَوْله: (تكفُونا) ويروى: (وتكفوننا) ، والمؤونة تهمز وَلَا تهمز، وَهِي: التَّعَب والشدة، وَالْمرَاد بِهِ هَهُنَا السَّقْي والجداد، وَنَحْو ذَلِك. قَوْله: (ونشرككم) ، بِفَتْح الرَّاء، وَهَذَا يُسَمِّي بِعقد الْمُسَاقَاة. قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: أَيْن الشَّرْط؟ وَإِن كَانَ فَأَي شَرط هُوَ من الْأَقْسَام الثَّلَاثَة؟ قلت: تَقْدِيره: إِن تكفوننا المؤونة نقسم أَو نشرككم، وَهَذَا شَرط لغَوِيّ اعْتَبرهُ الشَّارِع.

0272 - حدَّثنا مُوساى بنُ إسْمَاعِيل قَالَ حدَّثنا جُوَيْرِيَةُ بنُ أسْمَاءَ عنْ نافِعٍ عنْ عبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ أعْطَى رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَيْبَرَ اليَهُودَ أنْ يَعْمَلُوها ويَزْرَعُوها ولَهُمْ شَطْرُ مَا يخْرُجُ مِنْها..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَا أعْطى خيبَر اليَهودَ إلاَّ بِشرْط أَن يعملوها ويزرعوها) وَهَذَا هُوَ عقد الْمُزَارعَة، ومُوسَى هُوَ ابْن إِسْمَاعِيل أَبُو سَلمَة الْبَصْرِيّ الْمَعْرُوف بالتبوذكي، والْحَدِيث مضى فِي الْمُزَارعَة، فِي: بَاب الْمُزَارعَة مَعَ الْيَهُود، وَالله أعلم.

6 - (بابُ الشُّروطِ فِي المهْرِ عنْدَ عُقْدَةِ النِّكَاحِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الشُّرُوط فِي الْمهْر عِنْد عقدَة النِّكَاح، بِضَم الْعين، أَي: عِنْد عقد النِّكَاح.
وَقَالَ عُمَرُ إنَّ مَقَاطِعَ الحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ ولَكَ مَا شرَطْتَ
عمر هُوَ ابْن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهَذَا التَّعْلِيق ذكره ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عُيَيْنَة عَن يزِيد بن جَابر عَن إِسْمَاعِيل بن عبيد الله عَن عبد الرَّحْمَن بن غنم عَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: لَهَا شَرطهَا، قَالَ: رجل إِذا يطلقنا. فَقَالَ عمر: إِن مقاطع الْحُقُوق عِنْد الشُّرُوط. قَوْله: (مقاطع الْحُقُوق) ، المقاطع جمع مقطع، وَهُوَ مَوضِع الْقطع فِي الأَصْل، وَأَرَادَ بمقاطع الْحُقُوق مواقفه الَّتِي يَنْتَهِي إِلَيْهَا.

(13/298)


وقالَ الْمِسْوَرُ سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَكَرَ صِهْرَاً لَهُ فأثناى علَيْهِ فِي مُصَاهَرَتِهِ فأحْسَنَ قَالَ حدَّثني وصدَّقَنِي ووَعَدَنِي فَوفاى لي
الْمسور، بِكَسْر الْمِيم: ابْن مخرمَة، وَهَذَا التَّعْلِيق مضى عَن قريب فِي بَاب: (من أَمر بإنجاز الْوَعْد) ، وَأَرَادَ بصهره، أَبَا الْعَاصِ ابْن الرّبيع زوج بنته زَيْنَب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أسر يَوْم بدر فمنَّ عَلَيْهِ بِلَا فدَاء كَرَامَة لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ قد أَبى أَن يُطلق بنته، إِذْ مَشى إِلَيْهِ الْمُشْركُونَ فِي ذَلِك، فَشكر لَهُ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مصاهرته، وَأثْنى عَلَيْهِ، ورد زَيْنَب إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد بدر بقريب حِين طلبَهَا مِنْهُ، وَأسلم قبل الْفَتْح.

9 - (حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف قَالَ حَدثنَا اللَّيْث قَالَ حَدثنِي يزِيد بن أبي حبيب عَن أبي الْخَيْر عَن عقبَة بن عَامر رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَحَق الشُّرُوط أَن توفوا بِهِ مَا استحللتم بِهِ الْفروج) مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث وَهُوَ أَن أَحَق الشُّرُوط بِالْوَفَاءِ مَا يسْتَحل بِهِ الرجل فرج الْمَرْأَة وَهُوَ الْمهْر والترجمة الشُّرُوط فِي الْمهْر عِنْد عقد النِّكَاح من تَعْيِينه وَبَيَان كميته وَكَونه حَالا أَو منجما كُله أَو بعضه وَغير ذَلِك وَأَبُو الْخَيْر ضد الشَّرّ واسْمه مرْثَد بن عبد الله الْيَزنِي والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي النِّكَاح عَن أبي الْوَلِيد وَأخرجه مُسلم فِي النِّكَاح عَن يحيى بن أَيُّوب وَعَن ابْن نمير وَعَن ابْن أبي شيبَة وَعَن أبي مُوسَى وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن عِيسَى بن حَمَّاد عَن اللَّيْث بِهِ وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن أبي مُوسَى مُحَمَّد بن الْمثنى بِهِ وَعَن يُوسُف بن عِيسَى وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عِيسَى بن حَمَّاد بِهِ وَعَن عبد الله بن مُحَمَّد وَفِي الشُّرُوط عَن عبيد الله بن سعيد وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي النِّكَاح عَن عَمْرو بن عبد الله وَمُحَمّد بن إِسْمَاعِيل (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " أَحَق الشُّرُوط " وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ " أَن أَحَق الشُّرُوط " هَل المُرَاد بقوله أَحَق الْحُقُوق اللَّازِمَة أَو هُوَ من بَاب الْأَوْلَوِيَّة قَالَ صَاحب الأكمال أَحَق هُنَا بِمَعْنى أولى لَا بِمَعْنى الْإِلْزَام عِنْد كَافَّة الْعلمَاء قَالَ وَحمله بَعضهم على الْوُجُوب وَالْمرَاد بِالشُّرُوطِ الَّتِي هِيَ أَحَق بِالْوَفَاءِ هَل هُوَ عَام فِي الشُّرُوط كلهَا أَو الشُّرُوط الْمُبَاحَة أَو مَا يتَعَلَّق بِالنِّكَاحِ من الْمهْر والنحلة وَالْعدة أَو المُرَاد بِهِ وجوب الْمهْر فَقَط وَلَا شكّ فِي أَن الشُّرُوط الَّتِي لَا تجوز خَارِجَة عَن هَذَا وَأَنَّهَا لَا يُوفي بهَا وَكَذَلِكَ الشُّرُوط الَّتِي تنَافِي مُوجب العقد كاشتراط أَن يطلقهَا أَو أَن لَا ينْفق عَلَيْهَا أَو نَحْو ذَلِك ثمَّ اخْتلفُوا هَل تلْزم الشُّرُوط الْجَائِزَة كلهَا أَو مَا يتَعَلَّق بِالنِّكَاحِ من الْمهْر وَنَحْوه فروى ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن أبي الشعْثَاء عَن الشّعبِيّ قَالَ إِذا شَرط لَهَا دارها فَهُوَ بِمَا اسْتحلَّ من فرجهَا وَقَالَ النَّوَوِيّ قَالَ الشَّافِعِي وَأكْثر الْعلمَاء هَذَا مَحْمُول على شُرُوط لَا تنَافِي مُقْتَضى النِّكَاح بل تكون من مُقْتَضَاهُ ومقاصده كاشتراط الْعشْرَة بِالْمَعْرُوفِ والإنفاق عَلَيْهَا وكسوتها وسكناها بِالْمَعْرُوفِ وَأَنه لَا يقصر فِي شَيْء من حُقُوقهَا وَيقسم لَهَا كَغَيْرِهَا وَأما شَرط يُخَالف مُقْتَضَاهُ كَشَرط أَن لَا يقسم لَهَا وَلَا يتسرى عَلَيْهَا وَلَا ينْفق عَلَيْهَا وَلَا يُسَافر بهَا وَنَحْو ذَلِك فَلَا يجب الْوَفَاء بِهِ بل يَلْغُو الشَّرْط وَيصِح النِّكَاح بِمهْر الْمثل وَاسْتدلَّ بَعضهم على أَنه إِذا اشْترط الْوَلِيّ لنَفسِهِ شَيْئا غير الصَدَاق أَنه يجب على الزَّوْج الْقيام بِهِ لِأَنَّهُ من الشُّرُوط الَّتِي اسْتحلَّ بِهِ فرج الْمَرْأَة فَذهب عَطاء وَطَاوُس وَالزهْرِيّ أَنه للْمَرْأَة وَبِه قضى عمر بن عبد الْعَزِيز وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَأبي عبيد وَذهب عَليّ بن الْحُسَيْن ومسروق إِلَى أَنه للْوَلِيّ وَقَالَ عِكْرِمَة إِن كَانَ هُوَ الَّذِي ينْكح فَهُوَ لَهُ وَخص بَعضهم ذَلِك بِالْأَبِ خَاصَّة لتبسطه فِي مَال الْوَلَد وَذهب سعيد بن الْمسيب وَعُرْوَة بن الزبير إِلَى التَّفْرِقَة بَين أَن يشْتَرط ذَلِك قبل عصمَة النِّكَاح أَو بعده فَقَالَا أَيّمَا امْرَأَة أنكحت على صدَاق أَو عدَّة لأَهْلهَا فَإِن كَانَ قبل عصمَة النِّكَاح فَهُوَ لَهَا وَمَا كَانَ من حباء لأَهْلهَا فَهُوَ لَهُم فَقَالَ مَالك إِن كَانَ هَذَا الِاشْتِرَاط فِي حَال العقد فَهُوَ للْمَرْأَة وَإِن كَانَ بعده فَهُوَ لمن وهب لَهُ وَاحْتج لذَلِك بِمَا روى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من رِوَايَة ابْن جريج عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ

(13/299)


" أَيّمَا امْرَأَة نكحت على صدَاق أَو حباء أَو عدَّة قبل عصمَة النِّكَاح فَهُوَ لَهَا وَمَا كَانَ بعد عصمَة النِّكَاح فَهُوَ لمن أعْطِيه وأحق مَا أكْرم عَلَيْهِ الرجل ابْنَته أَو أُخْته " وَبقول مَالك أجَاب الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم وَنَصّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاء رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة ثمَّ قَالَ فِي آخر الْبَاب وَقد قَالَ الشَّافِعِي فِي كتاب الصَدَاق الصَدَاق فَاسد وَلها مهر مثلهَا وَقَالَ شَيخنَا هَذَا مَا صَححهُ أَصْحَاب الشَّافِعِي قَالَ الرَّافِعِيّ وَالظَّاهِر من الْخلاف القَوْل بِالْفَسَادِ وَوُجُوب مهر الْمثل وَقَالَ النَّوَوِيّ أَنه الْمَذْهَب وَقَالَ التِّرْمِذِيّ الْعَمَل على حَدِيث عقبَة عِنْد بعض أهل الْعلم من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنْهُم عمر بن الْخطاب قَالَ إِذا تزوج رجل امْرَأَة وَشرط لَهَا أَن لَا يُخرجهَا من مصرها فَلَيْسَ لَهُ أَن يُخرجهَا وَهُوَ قَول بعض أهل الْعلم وَبِه يَقُول الشَّافِعِي وَأحمد وَإِسْحَاق وَرُوِيَ عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه قَالَ شَرط الله قبل شَرطهَا كَأَنَّهُ رأى للزَّوْج أَن يُخرجهَا وَإِن كَانَت اشْترطت على زَوجهَا أَن لَا يُخرجهَا وَذهب بعض أهل الْعلم إِلَى هَذَا وَهُوَ قَول سُفْيَان الثَّوْريّ وَبَعض أهل الْكُوفَة -
7 - (بابُ الشُّرُوطِ فِي المُزَارَعَةِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الشُّرُوط فِي الْمُزَارعَة. وَالْبَاب الَّذِي قبل هَذَا الْبَاب أَعنِي: بَاب الشُّرُوط فِي الْمُعَامَلَة أَعم من هَذَا الْبَاب، لِأَن ذَلِك يَشْمَل الْمُزَارعَة وَالْمُسَاقَاة، وَهَذَا مَخْصُوص بالمزارعة.

2272 - حدَّثنا مَالِكُ بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا ابنُ عُيَيْنَةَ قَالَ حدَّثنا يَحْيى بنُ سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ حَنْظَلَةَ الزُّرَقِيَّ قَالَ سَمِعْتُ رافِعَ بنَ خَدِيج رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يقولُ كُنَّا أكْثَرَ الأنْصَارِ حقْلاً فكُنَّا نُكْرِي الأرْضَ فَرُبَّمَا أخْرَجَتْ هَذِهِ ولَمْ تُخْرِجْ ذِهِ فَنُهِينَا عنْ ذالِكَ وَلم نُنْهَ عنِ الورِقِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ شرطا، بيَّنَ ذَلِك رَافع فِي حَدِيثه الَّذِي مضى فِي الْمُزَارعَة فِي: بَاب مَا يكره من الشُّرُوط فِي الْمُزَارعَة، وَلَفظه: وَكَانَ أَحَدنَا يكْرِي أرضه، فَيَقُول: هَذِه الْقطعَة لي وَهَذِه لَك، فَرُبمَا أخرجت ذه وَلم تخرج ذه، فنهاهم النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَأخرجه البُخَارِيّ هُنَاكَ عَن صَدَقَة بن الْفضل: أخبرنَا ابْن عُيَيْنَة عَن يحيى سمع حَنْظَلَة الزرقي عَن رَافع. . إِلَى آخِره، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (حقلاً) ، نصب على التَّمْيِيز، والحقل: الزَّرْع والقراح وَغير ذَلِك. قَوْله: (وَلم ننه) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (عَن الورِق) ، أَي: لم ينهنا النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الاكتراء بالورق، بِكَسْر الرَّاء، أَي: بِالدَّرَاهِمِ.

8 - (بابُ مَا لَا يجُوزُ مِنَ الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا لَا يجوز فعله من الشُّرُوط فِي عقد النِّكَاح.

3272 - حدَّثنا حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا يَزيدُ بنُ زُرَيْعَ قَالَ حدَّثنا مَعْمرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عَن سعيدٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ لَا يَبِيعُ حاضِرٌ لِبَادٍ وَلَا تَناجشُوا وَلَا يَزيدَنَّ على بَيْعِ أخيهِ وَلَا يَخْطُبَنَّ على خِطْبَتِهِ وَلَا تَسألِ المرأةُ طلاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَكْفِيءَ إنَاءَهَا..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (وَلَا تسْأَل الْمَرْأَة. .) إِلَى آخِره، وَلَكِن بتعسف يَجِيء على قَول من يَقُول: إِن معنى قَوْله: (وَلَا تسْأَل الْمَرْأَة. .) إِلَى آخِره: وَهُوَ أَن تسْأَل الْأَجْنَبِيَّة طَلَاق زَوْجَة الرجل على أَن ينْكِحهَا وَيصير إِلَيْهَا مَا كَانَ من نَفَقَته ومعروفه: كَأَن فِيهِ شرطا وَهُوَ طَلَاق الأولى بِنِكَاح الثَّانِيَة، وَمعمر هُوَ ابْن رَاشد، وَسَعِيد هُوَ ابْن الْمسيب، والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْبيُوع فِي: بَاب لَا يَبِيع على بيع أَخِيه، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَليّ بن عبد الله عَن سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب إِلَى آخِره، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (اختها) ، أَي: ضَرَّتهَا، وَقيل: أُخْتهَا فِي الْإِسْلَام، وَيدخل فِي هَذَا الحكم الْكَافِرَة. قَوْله: (لتستكفيء) ، من الاستكفاء، يُقَال: كفأت الْإِنَاء أَي: كببته وقلبته، وأكفأته أَي: أملته، والإناء الظّرْف.

(13/300)


9 - (بابُ الشُّرُوطِ الَّتِي لَا تَحِلُّ فِي الحُدُودِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الشُّرُوط الَّتِي لَا تحل فِي الْحُدُود.

5272 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ قَالَ حدَّثنا لَ يْثٌ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله ابنِ عَتْبَةَ بنِ مَسْعُودٍ عنْ أبِي هُرَيَرَةَ وزَيْدِ بنِ خالِدٍ الجُهْنَيِّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّهُما قَالَا أنَّ رجُلاً من الأعْرَابِ أتاى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله أنْشُدُكَ الله إلاَّ قَضَيْتَ لي بِكِتَابِ الله فَقَالَ الخَصْمُ الآخَرُ وهْوَ أفْقَرُ منْهُ نعَمْ فاقْضِ بَيْنَنا بِكِتَابَ الله وائْذِنْ لي فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُلْ قَالَ إنَّ ابْني كانَ عَسِيفاً على هذَا فَزَناى بامْرَأتِهِ وإنِّي أُخْبِرْتُ أنَّ علَى ابْنِي الرَّجْمَ فافْتَدَيْتُ منْهُ بِمِائَةِ شاةَ وولِيدَةٍ فسَألْتُ أهْلَ العِلْمِ فأخبرُوني إنَّما علَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وتَغْرِيبُ عامٍ وأنَّ على امْرأةِ هاذَا الرَّجْمَ فَقَالَ رسولُ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأقْضِيَنَّ بيْنَكُمَا بِكِتَابِ الله الوَلِيدَةُ والْغنَمُ رَدُّ عَلَيْكَ وعلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائةٍ وتَغْرِيبُ عامٍ اغْدُ يَا انَيْسُ إِلَى امْرَأةِ هذَا فإنْ اعْتَرَفَتْ فارْجُمْهَا قَالَ فَغَدَا علَيْهَا فاعْتَرَفَتْ فأمَرَ بِها رسولُ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرُجِمَتْ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَافْتَدَيْت مِنْهُ بِمِائَة شَاة ووليدة) لِأَن ابْن هَذَا كَانَ عَلَيْهِ جلد مائَة وتغريب عَام، وعَلى الْمَرْأَة الرَّجْم، فَجعلُوا فِي الْحَد الْفِدَاء بِمِائَة شَاة ووليدة، كَأَنَّهُمَا وَقعا شرطا لسُقُوط الْحَد عَنْهُمَا، فَلَا يحل هَذَا فِي الْحُدُود، وَفِيه تعسف لَا يخفى، لِأَن الَّذِي وَقع فِيهِ صلح، وَلِهَذَا ذكر الحَدِيث الْمَذْكُور فِي: بَاب إِذا اصْطَلحُوا على صلح جوز، وَهنا بيَّن التَّرْجَمَة، والْحَدِيث بعد لَا يخفى، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى.
قَوْله: (أنْشدك الله إلاَّ قضيتَ) أَي: مَا أطلب مِنْك إلاَّ قضاءَكَ بِكِتَاب الله. قَوْله: (وائذن لي) عطف على قَوْله: (إقض) إِذْ المستأذن هُوَ الرجل الْأَعرَابِي لَا خَصمه.

01 - (بابُ مَا يَجُوزُ منْ شُرُوطِ الْمُكَاتَبِ إذَا رَضِيَ بالبَيْعِ على أَن يُعْتَقَ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يجوز شُرُوط الْمكَاتب إِلَى آخِره، وَكلمَة: على، هُنَا للتَّعْلِيل، وَالتَّقْدِير: إِذا رَضِي بِالْبيعِ لأجل عتقه، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {ولتكبروا الله على مَا هدَاكُمْ} (الْبَقَرَة: 581 وَالْحج: 73) . أَي: لهدايته إيَّاكُمْ.

6272 - حدَّثنا خَلاَّدُ بنُ يَحْيَى قَالَ حدَّثنا عبْدُ الوَاحِدِ بنُ أيْمَنَ المَكِّي عنْ أبِيهِ قَالَ دخَلْتُ على عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالتْ دَخَلتْ علَيَّ بَرِيرَةُ وهْيَ مُكَاتَبَةٌ فقالَتْ يَا أمَّ المُؤْمِنِينَ اشْتَرِيني فإنَّ أهْلِي يَبِيعُونِي فأعْتقِينِي قالَتْ نَعَمْ قالَتْ إنَّ أهْلِي لَا يَبِيعُونِي حتَّى يَشْتَرِطُوا وَلاَئِي قالتْ لَا حاجَةَ لي فيكِ فَسَمِعَ ذالِكَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوْ بلَغَهُ فَقَالَ مَا شَأنُ بَريرَةَ فَقَالَ اشْتِرِيها فأعْتَقِيهَا ولْيَشْتَرِطُوا مَا شاؤا قالتْ فاشْتَرَيْتُهَا فأعْتَقْتُهَا واشْتَرَطُ أهْلُهَا ولاَءَهَا فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الوَلاءُ لِمَنْ أعْتَقَ وإنِ اشْتَرَطُوا مائةَ شَرْطٍ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تفهم من معنى الحَدِيث، لِأَن بَرِيرَة قَالَت لعَائِشَة: إشتريني فأعتقيني، وَالْحَال أَنَّهَا كَانَت مُكَاتبَة، فَكَأَنَّهَا شرطت عَلَيْهَا أَن تعتقها إِذا اشترتها. والْحَدِيث قد مر فِيمَا مضى فِي مَوَاضِع، وَهَذَا هُوَ الثَّالِث عشر مِنْهَا، وَمضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى، وخلاد بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد اللَّام، أَيمن ضد الْأَيْسَر الحبشي مولى ابْن أبي عَمْرو المَخْزُومِي الْقرشِي الْمَكِّيّ، وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَدخُول أَيمن على عَائِشَة، إِمَّا أَنه كَانَ قبل آيَة الْحجاب، أَو من وَرَاء الْحجاب. قَوْله: (فَإِن أَهلِي يبيعوني) ، ويروى: يبيعونني على الأَصْل، وَكَذَا فِي قَوْله: لَا يبيعوني.

(13/301)


11 - (بابُ الشُّرُوطِ فِي الطَّلاقِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الشُّرُوط فِي تَعْلِيق الطَّلَاق.
وَقَالَ ابنُ الْمُسَيَّبِ والحَسَنُ وعَطاءٌ إنْ بدَأ بالطَّلاقِ أوْ أخَّرَ فَهْوَ أحَقُّ بِشَرْطِهِ

ابْن الْمسيب هُوَ سعيد بن الْمسيب، وَالْحسن الْبَصْرِيّ، وَعَطَاء بن أبي رَبَاح. قَوْله: (إِن بَدَأَ بِالطَّلَاق) يَعْنِي: فِي التَّعْلِيق. (أَو أخَّر) أَي: أَوَاخِر لفظ الطَّلَاق بِأَن قَالَ: أنتِ طَالِق إِن دخلتِ الدَّار، أَو قَالَ: إِن دخلت الدَّار فأنتِ طالقٍ، فَلَا تفَاوت بَينهمَا فِي الحكم، وروى ابْن أبي شيبَة: حَدثنَا عباد بن الْعَوام عَن سعيد عَن قَتَادَة عَن سعيد بن الْمسيب، وَالْحسن فِي الرجل يحلف بِالطَّلَاق فَيبْدَأ بِهِ، قَالَا: لَهُ ثنياه، قدم الطَّلَاق أَو أَخّرهُ. قَوْله: ثنياه أَي: لَهُ مَا شَرطه فِي ذَلِك شرطا أَو علقه على شَيْء، فَلهُ مَا شَرط مِنْهُ أَو اسْتثْنى مِنْهُ، وَمذهب شُرَيْح وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: إِذا بَدَأَ بِالطَّلَاق قبل يَمِينه، وَقع الطَّلَاق، بِخِلَاف مَا إِذا أَخّرهُ، وَقد خالفهما الْجُمْهُور فِي ذَلِك.

7272 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَرْعَرَةَ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ عَدِيِّ بنِ ثابتٍ عنْ أبِي حازِمٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ نَهاى رسولُ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنِ التَّلَقِّي وأنْ يَبْتَاعَ الْمُهَاجِرُ للأعْرَابِيِّ وأنْ تَشْتَرِطَ المَرْأةُ طَلاقَ أُخْتِها وأنْ يَسْتام الرَّجُلُ على سَوْمِ أخِيهِ وَنهى عنِ النَّجْشِ وعنِ التَّصْرِيَةِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَأَن تشْتَرط الْمَرْأَة طَلَاق أُخْتهَا) ، لِأَن مَفْهُومه أَنه إِذا اشْترطت ذَلِك فَطلق أُخْتهَا، لِأَنَّهُ لَو لم يَقع لم يكن للنَّهْي عَنهُ معنى. قَالَه ابْن بطال وَمُحَمّد بن عرْعرة، بِفَتْح الْعَينَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَسُكُون الرَّاء الأولى: النَّاجِي السَّامِي الْبَصْرِيّ، وَأَبُو حَازِم، بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالزاي: اسْمه سُلَيْمَان الْأَشْجَعِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْبيُوع عَن عبيد الله بن معَاذ وَعَن أبي بكر بن نَافِع وَعَن ابْن الْمثنى وَعَن عبد الْوَارِث بن عبد الصَّمد، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن تَمِيم.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (عَن التلقي) ، أَي: تلقي الركْبَان بشرَاء مَتَاعهمْ قبل معرفَة سعر الْبَلَد. قَوْله: (وَأَن يبْتَاع) أَي: يَشْتَرِي (المُهَاجر) أَي: الْمُقِيم (للأعرابي) الَّذِي يسكن الْبَادِيَة. وَفِيه بَيَان أَن النَّهْي فِي بيع الْحَاضِر للبادي يتَنَاوَل الشِّرَاء قَوْله: (وَعَن التصرية) ، أَي: تصرية ضرع الْحَيَوَان ليخدع المُشْتَرِي بِكَثْرَة اللَّبن، وَقد مر الْكَلَام فِي الْأَحْكَام الَّتِي فِي هَذَا الحَدِيث مفرقاً فِي موَاضعه.
تابَعَهُ مُعاذٌ وعبْدُ الصَّمَدِ عنْ شُعْبَةَ

أَي: تَابع محمدُ بن عرْعرة معاذَ بن معَاذ بن نصر الْعَنْبَري التَّمِيمِي، قَاضِي الْبَصْرَة، وَعبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث كِلَاهُمَا تَابعا مُحَمَّد بن عرْعرة فِي تصريحه بِرَفْع الحَدِيث إِلَى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإسْنَاد النَّهْي إِلَيْهِ صَرِيحًا، فرواية معَاذ وَصلهَا مُسلم، وَلَفظه: أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: نهى عَن التلقي ... الحَدِيث، وَرِوَايَة عبد الصَّمد وَصلهَا مُسلم أَيْضا بِمثل حَدِيث معَاذ.
وَقَالَ غُنْدَرٌ وعبْدُ الرَّحْمانِ نُهِيَ

غنْدر مُحَمَّد بن جَعْفَر وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي، يَعْنِي: كِلَاهُمَا روياه أَيْضا عَن شُعْبَة. وَقَالا: (نُهِيَ) ، بِضَم النُّون وَكسر الْهَاء على صِيغَة الْمَجْهُول من الْمَاضِي الْمُفْرد، وَرِوَايَة غنْدر وَصلهَا مُسلم عَن أبي بكر بن نَافِع عَن غنْدر.
وَقَالَ آدمُ نُهِينَا

أَي: قَالَ آدم بن أبي إِيَاس عَن شُعْبَة. (نُهِينا) ، على صِيغَة الْمَجْهُول للمتكلم مَعَ الْغَيْر.

(13/302)


وَقَالَ النَّضْرُ وحَجَّاجُ بنُ مِنْهَال نَهى

النَّضر، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة، وحجاج. كِلَاهُمَا أَيْضا رويا عَن شُعْبَة: (نَهى) ، بِفَتْح النُّون على الْمَعْلُوم من الْمَاضِي الْمُفْرد، وَلم يعينا الْفَاعِل، وَرِوَايَة النَّضر وَصلهَا إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فِي (مُسْنده) عَنهُ، وَرِوَايَة حجاج وَصلهَا الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق إِسْمَاعِيل القَاضِي.