عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 61 - (بابٌ إذَا تَصَدَّقَ أوْ وقَفَ
بَعْضَ مالِهِ أوْ بَعْضَ رَقِيقِه أوْ دَوَابِّهِ فَهْوَ
جائزٌ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا تصدق شخص مَاله ووقف
إِلَى آخِره، أما إِذا تصدق بِبَعْض مَاله فَلَا خلاف
فِيهِ أَنه يجوز، وَكَذَا إِذا تصدق بِكُل مَاله فَإِنَّهُ
يجوز، وَقَالَ ابْن بطال: وَاتفقَ مَالك والكوفيون
وَالشَّافِعِيّ وَأكْثر الْعلمَاء على: أَنه يجوز للصحيح
أَن يتَصَدَّق بِكُل مَاله فِي صِحَّته، إلاَّ أَنهم
استحبوا أَن يبقي لنَفسِهِ مِنْهُ مَا يعِيش بِهِ خوف
الْحَاجة، وَمَا يَتَّقِي من الْآفَات مثل الْفقر وَغَيره،
فَإِن آفَات الدُّنْيَا كَثِيرَة، وَرُبمَا يطول عمره
وَيحصل لَهُ الْعَمى أَو الزمانة مَعَ الْفقر. لقَوْله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: (أمسك عَلَيْك بعض مَالك فَهُوَ خير
لَك) ، ويروى: (أمسك عَلَيْك ثلث مَالك) ، فحض على
الْأَفْضَل، وَقَالَ ابْن التِّين: وَمذهب مَالك أَنه يجوز
إِذا كَانَ لَهُ صناعَة أَو حِرْفَة يعود بهَا على نَفسه
وَعِيَاله، وإلاَّ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِك، وَأما إِذا
وقف بعض مَاله فَهُوَ وقف الْمشَاع، فَإِنَّهُ يجوز عِنْد
أبي يُوسُف وَالشَّافِعِيّ وَمَالك، لِأَن الْقَبْض لَيْسَ
بِشَرْط عِنْدهم، عِنْد مُحَمَّد: لَا يجوز وقف الْمشَاع
فِيمَا يقبل الْقِسْمَة، لِأَن الْقَبْض شَرط عِنْده،
وَأما وقف بعض رَقِيقه فَإِن فِيهِ حكمين. أَحدهمَا: أَنه
مشَاع، وَالْحكم فِيهِ مَا ذكرنَا. وَالْآخر: أَنه وقف
الْمَنْقُول، فَإِنَّهُ يجوز عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ
وَأحمد، وَبِه قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن فِيمَا يتعارف
وَقفه للتعامل بهَا. قَوْله: (أَو بعض رَقِيقه) إِلَى
آخِره، من بَاب عطف الْخَاص على الْعَام. وَقَالَ بَعضهم:
هَذِه التَّرْجَمَة معقودة لجَوَاز وقف الْمَنْقُول
والمخالف فِيهِ أَبُو حنيفَة. انْتهى. قلت: الْمَذْهَب
فِيهِ تَفْصِيل فَلَا يُقَال: الْمُخَالف فِيهِ أَبُو
حنيفَة، كَذَا جزَافا. أما مَذْهَب أبي حنيفَة فَإِنَّهُ
لَا يرى بِالْوَقْفِ أصلا، فضلا عَن صِحَة وقف
الْمَنْقُول، وَأما مَذْهَب أبي يُوسُف وَمُحَمّد
فَإِنَّهُمَا يريان وقف الْمَنْقُول بطرِيق التّبعِيَّة،
كآلات الْحَرْث والثيران، وَعبيد الأكرة تبعا للضيعة
كالبناء يَصح وَقفه تبعا للْأَرْض لَا وَحده، وَأما
الْمَنْقُول بِغَيْر التّبعِيَّة كوقف الْقدر والفأس
والطست وَنَحْو ذَلِك، فَإِنَّهُ يجوز عِنْد مُحَمَّد
للتعارف كَمَا ذكرنَا.
7572 - حدَّثنا يَحْيى بنُ بُكَيْرٍ قَالَ حدَّثنا
اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبرنِي
عبْدُ الرَّحْمانِ بنُ عَبْدِ الله بنِ كَعْبٍ أنَّ عَبْدَ
الله بنَ كَعْبٍ قَالَ سَمِعْتُ كَعْبَ بنَ مالِكٍ رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ قُلْتُ يَا رسولَ الله إنَّ مِنْ
تَوْبَتِي أنْ أنْخَلِعَ مِنْ مالِي صَدَقةً إِلَى الله
وإلَى رَسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أمْسِكُ
عَلَيْكَ بعْضَ مالِكَ فَهْوَ خَيْرٌ لَكَ قُلْتُ فإنِّي
أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أمسك عَلَيْك بعض
مَالك) فَإِن فِيهِ دلَالَة على جَوَاز إِخْرَاج بعض
مَاله، وَالْمَال أَعم من أَن يكون من النُّقُود وَمن
الْعقار.
وَرِجَال هَذَا الحَدِيث قد ذكرُوا غير مرّة، وَعقيل،
بِضَم الْعين، وَهَذَا قِطْعَة من حَدِيث كَعْب بن مَالك
فِي قصَّة تخلفه عَن غَزْوَة تَبُوك، وَسَيَأْتِي الحَدِيث
بِطُولِهِ فِي كتاب الْمَغَازِي، وَهَذَا الْمِقْدَار قد
مضى فِي كتاب الزَّكَاة فِي: بَاب لَا صَدَقَة إلاَّ عَن
ظهر غنى، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
71 - (بابُ مَنْ تَصَدَّقَ إلَى وَكِيلِهِ ثُمَّ رَدَّ
الوَكِيلُ إلَيْهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من تصدق إِلَى وَكيله،
ثمَّ رد الْوَكِيل الصَّدَقَة إِلَيْهِ. قيل: هَذِه
التَّرْجَمَة وحديثها
(14/52)
غير موجودين فِي أَكثر الْأُصُول،
وَلِهَذَا لم يشرحه ابْن بطال وثبتا فِي رِوَايَة أبي ذَر
عَن الْكشميهني خَاصَّة، لَكِن وَقع فِي رِوَايَته على
وَكيله، وَثبتت التَّرْجَمَة وَبَعض الحَدِيث فِي رِوَايَة
الْحَمَوِيّ، وَقد اعْترض بَعضهم على البُخَارِيّ فِي
انتزاع هَذِه التَّرْجَمَة من قصَّة أبي طَلْحَة. وَأجِيب:
بِأَن مُرَاد البُخَارِيّ أَن أَبَا طَلْحَة لما أطلق أَنه
تصدق وفوض إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تعْيين
الْمصرف، فَصَارَ كَأَنَّهُ وَكله ثمَّ رد، عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام، عَلَيْهِ بِأَن قَالَ لَهُ: (دعها
فِي الْأَقْرَبين) ، فَبِهَذَا الْمُقْتَضى صدق وضع هَذِه
التَّرْجَمَة بِهَذِهِ الصُّورَة.
(14/53)
81 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {وإذَا
حَضَرَ القِسْمَةَ أُولُوا القُرْبَى واليَتَامَى
والمَسَاكِينُ فارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} (النِّسَاء: 8) .)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم قَول الله تَعَالَى:
{وَإِذا حضر الْقِسْمَة} (النِّسَاء: 8) . الْآيَة وتمامها
{وَقُولُوا لَهُم قولا مَعْرُوفا} (النِّسَاء: 8) .
قَوْله: {الْقِسْمَة} (النِّسَاء: 8) . أَي: الْقِسْمَة:
الْمِيرَاث. قَوْله: {أولُوا الْقُرْبَى} (النِّسَاء: 8) .
أَي: ذَوُو الْقُرْبَى مِمَّن لَيْسَ بوارث {واليتامى
وَالْمَسَاكِين فارزقوهم مِنْهُ} (النِّسَاء: 8) . أَي:
فارضخوا لَهُم من التَّرِكَة نَصِيبا، وَكَانَ ذَلِك
وَاجِبا فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام، وَقيل: كَانَ
مُسْتَحبا. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وَالضَّمِير فِي:
مِنْهُ، لما ترك الْوَالِدَان وَالْأَقْرَبُونَ.
ثمَّ اخْتلفُوا: هَل هُوَ مَنْسُوخ أم لَا؟ على
قَوْلَيْنِ: فَقَالَت طَائِفَة: وَلَيْسَت بمنسوخة،
مِنْهُم: مُجَاهِد وَأَبُو الْعَالِيَة وَالشعْبِيّ
وَالْحسن وَابْن سِيرِين وَسَعِيد بن جُبَير وَمَكْحُول
وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَعَطَاء بن أبي رَبَاح
وَالزهْرِيّ وَيحيى بن يعمر قَالُوا: إِنَّهَا وَاجِبَة.
وَقَالَ الثَّوْريّ: عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد فِي
هَذِه الْآيَة، قَالَ: هِيَ وَاجِبَة على أهل الْمِيرَاث
مَا طابت بِهِ أنفسهم، وَهَكَذَا رُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود
وَأبي مُوسَى وَعبد الرَّحْمَن بن أبي بكر، وَقَالَ ابْن
جرير: حَدثنَا الْقَاسِم حَدثنَا الْحُسَيْن حَدثنَا عباد
بن الْعَوام عَن الْحجَّاج عَن الحكم عَن مقسم عَن ابْن
عَبَّاس، قَالَ: هِيَ قَائِمَة يعْمل بهَا. قَالَ
الزُّهْرِيّ: وَهِي محكمَة. وَقَالَت طَائِفَة هِيَ
مَنْسُوخَة، وَبِه قَالَ سعيد بن الْمسيب، وروى ابْن
مرْدَوَيْه، وَقَالَ: حَدثنَا أسيد بن عَاصِم حَدثنَا سعيد
بن عَامر عَن همام حَدثنَا قَتَادَة عَن سعيد بن الْمسيب
أَنه قَالَ: إِنَّهَا مَنْسُوخَة، كَانَت قبل الْفَرَائِض
كل مَا ترك الرجل من مَال أعطي مِنْهُ الْيَتِيم
وَالْفَقِير والمسكين وذوو الْقُرْبَى إِذا حَضَرُوا
الْقِسْمَة، ثمَّ نسخ بعد ذَلِك، نسختها الْمَوَارِيث،
فَألْحق الله بِكُل ذِي حق حَقه، وَصَارَت الْوَصِيَّة من
مَاله يُوصي بهَا لِذَوي قرَابَته حَيْثُ يَشَاء،
وَهَكَذَا رُوِيَ عَن عِكْرِمَة وَأبي الشعْثَاء
وَالقَاسِم بن مُحَمَّد وَأبي صَالح وَأبي مَالك وَزيد بن
أسلم وَالضَّحَّاك وَعَطَاء الْخُرَاسَانِي وَمُقَاتِل بن
حَيَّان وَرَبِيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن، وَهَذَا
مَذْهَب جُمْهُور الْفُقَهَاء الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة
وأصحابهم. قَوْله: {وَقُولُوا لَهُم قولا مَعْرُوفا}
(النِّسَاء: 8) . المُرَاد بِالْمَعْرُوفِ هُنَا، أَن
يَقُول: خُذ بَارك الله لَك، هَذَا عِنْد من يَقُول:
إِنَّهَا محكمَة، وَأما عِنْد من يَقُول: إِنَّهَا
مَنْسُوخَة، فَهُوَ أَن يَقُول: إِنَّه مَال يَتِيم
وَمَالِي فِيهِ شَيْء، أَو: لست أملكهُ، إِنَّمَا هُوَ
للصغار.
9572 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ أبُو النُّعْمَانِ
قَالَ حدَّثنا أَبُو عَوَانَةَ عنْ أبِي بِشْرٍ عنْ
سَعِيدِ ابنِ جُبَيْرِ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ إنَّ نَاسا يَزْعَمُونَ أنَّ
هَذِهِ الآيَةَ نُسِخَتْ وَلَا وَالله مَا نُسِخَتْ
ولَكِنَّهَا مِمَّا تَهَاوَنَ النَّاسُ هُمَا والِيَانِ
والٍ يرِثُ وذَاكَ الَّذِي يَرْزُقُ ووَالٍ لاَ يَرِثُ
فَذَاكَ الَّذِي يَقولُ بالمَعْرُوفِ يَقولُ لاَ أَمْلِكُ
لَكَ أنْ أُعْطِيكَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن حَدِيث الْبَاب
لِابْنِ عَبَّاس، وَالْآيَة الَّتِي هِيَ التَّرْجَمَة غير
مَنْسُوخَة عِنْده، وَأَبُو عوَانَة، بِفَتْح الْعين
الْمُهْملَة: الوضاح الْيَشْكُرِي، وَأَبُو بشر، بِكَسْر
الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: واسْمه
جَعْفَر بن أبي وحشية، واسْمه: إِيَاس الْيَشْكُرِي
الْبَصْرِيّ.
وَهَذَا الحَدِيث من أَفْرَاده، وَذكره فِي التَّفْسِير من
حَدِيث عِكْرِمَة، ثمَّ قَالَ: تَابعه سعيد عَن ابْن
عَبَّاس يَعْنِي هَذَا بِزِيَادَة، قَالَ: هِيَ محكمَة،
وَلَيْسَت بمنسوخة، وَادّعى أَبُو مَسْعُود فِي أَطْرَافه
إرْسَاله يُرِيد: مُرْسل صَحَابِيّ، وَلَيْسَ كَذَلِك،
وَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوف على صَحَابِيّ لَا مُرْسل، لِأَن
الْإِرْسَال لَا بُد فِيهِ من ذكر سيدنَا رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله: وَالله مَا نسخت، يَقْتَضِي
إِعْطَاء شَيْء من التَّرِكَة للحاضرين فِي قَوْله:
{وَإِذا حضر الْقِسْمَة أولو الْقُرْبَى} .
قَوْله (وَلكنهَا) أَي وَلَكِن قَضِيَّة الْآيَة مِمَّا
تهاون النَّاس فِيهَا وَلم يعملوا بِمَا فِيهَا قَوْله
(هما) أَي المتصرفان فِي التَّرِكَة والمتوليان أمرهَا
قِسْمَانِ أَحدهمَا وَال متصرف يَرث المَال كالعصبة مثلا
وَالْآخر وَال يتَصَرَّف لَا يَرث كولي الْيَتِيم.
قَوْله: (وَذَاكَ الَّذِي يرْزق) ، إِشَارَة إِلَى
الْوَالِي الَّذِي يتَصَرَّف وَيَرِث هُوَ الَّذِي يرْزق
الْحَاضِرين الْقِسْمَة من أولي الْقُرْبَى واليتامى
وَالْمَسَاكِين، وَمعنى: يرْزق، يرْضخ لَهُم مَا طابت
أنفسهم وَلم يعين فِيهِ شَيْئا مُقَدرا. قَوْله: (فَذَاك
الَّذِي يَقُول) إِلَى آخِره، إِشَارَة إِلَى الْوَالِي
الَّذِي يتَصَرَّف وَلَا يَرث، فَإِنَّهُ يَقُول: لَا أملك
لَك أَن أُعْطِيك شَيْئا. وَهُوَ الَّذِي خُوطِبَ بقوله:
{وَقُولُوا لَهُم قولا مَعْرُوفا} (النِّسَاء: 8) . قَالَ
الزَّمَخْشَرِيّ: الْخطاب للْوَرَثَة
(14/54)
وحدهم بِأَن يجمعوا بَين الْأَمريْنِ:
الْإِعْطَاء والاعتذار عَنْهُم عَن الْقلَّة، وَنَحْوهَا.
وروى قَتَادَة عَن يحيى بن يعمر قَالَ: ثَلَاث آيَات فِي
كتاب الله تَعَالَى محكمات مبينات قد ضيعهن النَّاس، فَذكر
هَذِه الْآيَة، وَآيَة الاسْتِئْذَان {وَالَّذين لم
يبلغُوا الْحلم مِنْكُم} (النُّور: 85) . فِي العورات
الثَّلَاث، وَهَذِه الْآيَة: {يَا أَيهَا النَّاس إِنَّا
خَلَقْنَاكُمْ من ذكر وَأُنْثَى} (الحجرات: 31) .
91 - (بابُ مَا يُسْتَحَبُّ لِمَنْ يُتَوَفَّى فَجْأةً أنْ
يَتَصَدَّقُوا عنْهُ وقَضاءِ النُّذُورِ عنِ المَيِّتِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يسْتَحبّ لمن يَمُوت
فجاءة، أَي: بَغْتَة، وَهُوَ بِضَم الْفَاء وَتَخْفِيف
الْجِيم ممدودة، وَيجوز فتح الْفَاء وَسُكُون الْجِيم
بِغَيْر مد. قَوْله: (أَن يتصدقوا) كلمة: أَن،
مَصْدَرِيَّة وَالضَّمِير فِي: أَن يتصدقوا، لأهل
الْمَيِّت، أَو لأَصْحَابه بِقَرِينَة الْحَال. قَوْله:
(وَقَضَاء النذور) ، بِالْجَرِّ عطف على قَوْله: (لمن
يتوفى) ، وَالتَّقْدِير: وَفِي بَيَان اسْتِحْبَاب قَضَاء
النذور عَن الْمَيِّت الَّذِي مَاتَ وَعَلِيهِ نذر.
0672 - حدَّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ حدَّثني مالكٌ عنْ
هِشَامٍ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهَا أنَّ رَجُلاً قَالَ للنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسَها وأُرَاها لوْ
تَكلَّمَتْ تَصَدَّقتْ أفَأتَصَدَّقُ عنْهَا قَالَ: نَعَمْ
تَصَدَّقْ عَنْها.
(انْظُر الحَدِيث 8831) .
مطابقته للجزء الأول للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْمَاعِيل
هُوَ ابْن أبي أويس، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة بن الزبير
بن الْعَوام يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن
عَائِشَة.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا فِي الْوَصَايَا عَن
مُحَمَّد بن سَلمَة عَن ابْن الْقَاسِم عَن مَالك بِهِ.
قَوْله: (أفتلتت) ، بِلَفْظ الْمَجْهُول من الافتلات، أَي:
مَاتَت بَغْتَة، وكل شَيْء عوجل مبادرة فَهُوَ فلتة.
قَوْله: (نَفسهَا) ، بِالنّصب على أَنه مفعول ثَان،
وبالرفع على أَنه مفعول أقيم مقَام الْفَاعِل، وَالنَّفس
مُؤَنّثَة، وَهِي هُنَا: الرّوح، وَقد تكون النَّفس
بِمَعْنى الذَّات. وَقَالَ بَعضهم: كَأَن البُخَارِيّ رمز
إِلَى أَن الْمُبْهم فِي حَدِيث عَائِشَة هُوَ سعد بن
عبَادَة الَّذِي تقدم فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس فِي قصَّة
سعد بن عبَادَة بِلَفْظ آخر، وَلَا تنَافِي بَين قَوْله:
إِن أُمِّي مَاتَت وَعَلَيْهَا نذر، وَبَين قَوْله: إِن
أُمِّي توفيت وَأَنا غَائِب عَنْهَا، فَهَل ينفعها شَيْء
إِن تَصَدَّقت بِهِ عَنْهَا؟ لاحْتِمَال أَن يكون سَأَلَ
عَن النّذر وَعَن الصَّدَقَة عَنْهَا. انْتهى. قلت:
الْمُنَافَاة بَين حَدِيث عَائِشَة وَبَين حَدِيث ابْن
عَبَّاس ظَاهِرَة بِلَا شكّ إِن قرىء قَوْله: أَرَاهَا،
بِفَتْح الْهمزَة، وَإِن قرىء بضَمهَا فَكَذَلِك، لِأَن
الرجل يخبر عَن حَال أمه مُشَاهدَة. فَإِن قلت: يحْتَمل
أَن الرجل سَأَلَ عَن النّذر وَعَن الصَّدَقَة جَمِيعًا.
قلت: هَذَا هُنَا احْتِمَال، وَمثل هَذَا الِاحْتِمَال لَا
يقطع بِهِ فالمنافاة حَاصِلَة. فَإِن قلت: الحَدِيث قد مضى
فِي كتاب الْجَنَائِز فِي: بَاب موت الْفُجَاءَة، وَلَفظه:
(إِن أُمِّي افتلتت نَفسهَا، وأظنها لَو تَكَلَّمت
تَصَدَّقت. .) الحَدِيث، فَهَذَا يدل قطعا على أَن
الْهمزَة فِي أَرَاهَا مَضْمُومَة وَأَنه بِمَعْنى:
وأظنها، لَو تَكَلَّمت فَهَذَا بِوَجْه دَعْوَى عدم
الْمُنَافَاة. قلت: فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ عَن ابْن
الْقَاسِم عَن مَالك بِلَفْظ: (وَأَنَّهَا لَو تَكَلَّمت
تَصَدَّقت) ، فَهَذَا صَرِيح فِي أَن هَذَا الرجل فِي
حَدِيث عَائِشَة غير سعد بن عبَادَة، وَأَنه سَأَلَ عَن
الصَّدَقَة عَن أمه، وَأَن سَعْدا سَأَلَ عَن الصَّدَقَة،
فِي رِوَايَة ابْن عَبَّاس، وَفِي رِوَايَة أُخْرَى عَنهُ:
أَنه سَأَلَ عَن النّذر، وَعدم الْمُنَافَاة يَتَأَتَّى
فِي رِوَايَة سعد فَقَط، وَأما الْمُنَافَاة بَين حَدِيث
عَائِشَة هُنَا وَبَين حَدِيث ابْن عَبَّاس فَظَاهره
بِرِوَايَة النَّسَائِيّ. وَالله أعلم. قَوْله: (أفأتصدق
عَنْهَا؟) ، قَالَ: وَفِي الرِّوَايَة الَّتِي مرت فِي
الْجَنَائِز: (فَهَل لَهَا أجر إِن تَصَدَّقت عَنْهَا؟
قَالَ: نعم) . قَوْله: (نعم) ، يدل على أَن الصَّدَقَة
تَنْفَع الْمَيِّت، وَكَذَلِكَ قَوْله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: (إِذا مَاتَ ابْن آدم انْقَطع عمله إلاَّ من
ثَلَاث: صَدَقَة جَارِيَة) الحَدِيث يدل على ذَلِك.
وَحَدِيث سعد بن عبَادَة، لما أمره، وَمِنْهَا:، بالتصدق
عَن أمه، قَالَ: (أَي الصَّدَقَة أفضل؟ قَالَ: سقِِي
المَاء) ، فَهَذِهِ الْأَحَادِيث عَن رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، دلّت على أَن تَأْوِيل قَوْله
تَعَالَى: {وَأَن لَيْسَ للْإنْسَان إلاَّ مَا سعى}
(النَّجْم: 93) . على الْخُصُوص. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر:
أما الْعتْق عَن الْمَيِّت فَلَا أعلم فِيهِ خَبرا ثَبت
عَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد ثَبت عَن
عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أَنَّهَا أعتقت
عبدا عَن أَخِيهَا عبد الرَّحْمَن، وَكَانَ مَاتَ وَلم
يوص، وَأَجَازَ ذَلِك الشَّافِعِي، قَالَ بعض أَصْحَابه:
لما جَازَ أَن يتَطَوَّع
(14/55)
بِالنَّفَقَةِ، وَهِي مَال، فَكَذَا
الْعتْق. وَفرق غَيره بَينهمَا، فَقَالَ: إِنَّمَا أجزناها
للْأَخْبَار الثَّابِتَة، وَالْعِتْق لَا خير فِيهِ، بل
فِي قَوْله: (الْوَلَاء لمن أعتق) ، دلَالَة على مَنعه،
لِأَن الْحَيّ هُوَ الْمُعْتق بِغَيْر أَمر الْمَيِّت،
فَلهُ الْوَلَاء إِذا ثَبت لَهُ الْوَلَاء، فَلَيْسَ
للْمَيت مِنْهُ شَيْء، وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيح، لِأَنَّهُ
قد رُوِيَ فِي حَدِيث سعد بن عبَادَة أَنه قَالَ للنَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن أُمِّي هَلَكت فَهَل ينفعها
أَن أعتق عَنْهَا؟ قَالَ: نعم) . فَدلَّ على أَن الْعتْق
ينفع الْمَيِّت، وَيشْهد لذَلِك فعل عَائِشَة الَّذِي سبق.
1672 - حدَّثنا عبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخْبرنا
مالِكٌ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عبْدِ الله
عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ
سَعْدَ بنَ عُبَادَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
اسْتَفْتَى رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ
إنَّ أمِّي ماتَتْ وعلَيْهَا نَذْرٌ فقَالَ اقْضهِ عَنْها.
مطابقته للجزء الثَّانِي للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَعبيد
الله بن عبد الله الْعمريّ. قَوْله: (عَن ابْن عَبَّاس ان
سعد بن عبَادَة) ، كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة مَالك،
وَتَابعه اللَّيْث وَبكر بن وَائِل وَغَيرهمَا عَن
الزُّهْرِيّ، وَقَالَ سُلَيْمَان بن كثير عَن الزُّهْرِيّ
عَن عبيد الله بن عبد الله عَن ابْن عَبَّاس عَن سعد بن
عبَادَة: أَنه استفتى، فَجعله من مُسْند سعد، أخرجه
النَّسَائِيّ قيل: هَذَا أرجح، لِأَن ابْن عَبَّاس لم
يدْرك الْقِصَّة. كَمَا ذكرا عَن قريب، وَيكون ابْن
عَبَّاس قد أَخذه عَنهُ. قلت: يحْتَمل أَن يكون أَخذه عَن
غَيره، كَمَا هُوَ عَادَته فِي أَحَادِيث كَثِيرَة.
قَوْله: (وَعَلَيْهَا نذر) ، قد اخْتلفت الْآثَار فِي
النّذر الَّذِي على أم سعد، فَقيل: كَانَ الْعتْق، وَقد مر
الْآن، وَقيل: كَانَ الصّيام. فروى فِي ذَلِك عَن ابْن
عَبَّاس أَن رجلا، قَالَ: يَا رَسُول الله: (إِن أُمِّي
مَاتَت وَعَلَيْهَا صَوْم) ، وَقيل: كَانَ النّذر
بِالصَّدَقَةِ. وَالله أعلم.
02 - (بابُ الإشْهَادِ فِي الوَقْفِ والصَّدَقَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم شَهَادَة الْإِشْهَاد فِي
الْوَقْف وَالصَّدَََقَة.
2672 - حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ مُوسَى قَالَ أخْبرنا
هِشامُ بنُ يُوسُفَ أنَّ ابنَ جُرَيْجٍ أخْبَرَهُمْ قَالَ
أخْبَرَنِي يَعْلَى أنَّهُ سَمِعَ عِكْرَمَةَ مَوْلَى ابنِ
عَبَّاسٍ يَقُولُ أنْبَأَنَا ابنُ عَبَّاسٍ أنَّ سَعْدَ
بنَ عُبَادَة رَضِي الله تَعَالَى عنهُمْ أخَا بَنِي
ساعِدَةَ تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ وهْوَ غائِبٌ فأتَى النبيَّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رسولَ الله إنَّ
أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَأَنا غَائِبٌ عَنْهَا فَهَلْ
يَنْفَعُها إنْ تَصَدَّقْتُ بهِ عَنْهَا قَالَ نَعَمْ
قَالَ فإنِّي أُشْهِدُكَ أنَّ حائِطِي المِخْرَافَ
صَدَقَةٌ عَلَيْهَا.
(انْظُر الحَدِيث 6572 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة الَّتِي هِيَ قَوْله: وَالصَّدَََقَة
ظَاهِرَة (صُورَة) ، وَكَذَلِكَ يُطَابق قَوْله فِي
الْوَقْف معنى، لِأَن الصَّدَقَة عَلَيْهَا تكون بطرِيق
الْوَقْف، وَقد تكلم الشُّرَّاح فِيهِ بالتعسف مَا لَا
يُفِيد.
والْحَدِيث مضى قبله بِثَلَاثَة أَبْوَاب، وَمضى الْكَلَام
فِيهِ.
قَوْله: (أخابني سَاعِدَة) أَي: وَاحِدًا مِنْهُم،
وَالْغَرَض أَنه أَيْضا أَنْصَارِي ساعدي.
وَفِيه: مطلوبية الْإِشْهَاد، وَإِذا أَمر بِالْإِشْهَادِ
فِي البيع وَهُوَ خُرُوج ملك من ملك بعوَض، فالوقف أولى
بذلك، لِأَن الْخُرُوج عَنهُ بِغَيْر عوض. وَقَالَ ابْن
بطال الْإِشْهَاد وَاجِب فِي الْوَقْف، وَلَا يتم إلاَّ
بِهِ، وَقَالَ الْمُهلب: إِذا لم يبين الْحُدُود فِي
الْوَقْف، إِنَّمَا يجوز إِذا كَانَت الأَرْض مَعْلُومَة
يَقع عَلَيْهَا، وَيتَعَيَّن بِهِ كَمَا كَانَ بيرحاء
وكالمخراف معينا عِنْد من أشهده، وعَلى هَذَا الْوَجْه تصح
التَّرْجَمَة، وَأما إِذا لم يكن الْوَقْف معينا، وَكَانَت
لَهُ مخاريف وأموال كَثِيرَة فَلَا يجوز الْوَقْف إلاَّ
بالتحديد وَالتَّعْيِين، وَلَا خلاف فِي هَذَا.
(14/56)
12 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {وآتُوا
اليَتَامَى أمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُوا الخَبِيثَ
بالطَّيِّبِ وَلَا تأكُلُوا أمْوَالَهُمْ إِلَى
أمْوَالِكُمْ إنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً وإنْ خِفْتُمْ
أنْ لاَ تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى فانْكِكُوا مَا طابَ
لَكُمْ مِنَ النِّساءِ} (النِّسَاء: 21، 31)
هَذَا الْبَاب، وَثَلَاثَة أَبْوَاب بعده مترجمة بآيَات من
الْقُرْآن أدخلها بَين أَبْوَاب الْوَقْف الْمَذْكُورَة
فِي كتاب الْوَصَايَا، وَلَيْسَ لذكرها فِيهَا وَجه كَمَا
يَنْبَغِي، وَلَكِن من حَيْثُ إِن الْأَمر فِي الْأَوْقَاف
وَالنَّظَر فِيهَا جعل إِلَى من يَليهَا، كَمَا جعل
أَمْوَال الْيَتَامَى إِلَى من يَلِي أَمرهم وَينظر فيهم،
فالنظر فِي الْأَوْقَاف كالنظر لِلْيَتَامَى فِي رِعَايَة
الْمصَالح، والمباشرة بالأمانات، وَإِبَاحَة تنَاول
الْجعَالَة للنظار بِالْمَعْرُوفِ كإباحتها للأوصياء
بِالْمَعْرُوفِ، وَهَذَا مِمَّا فتح لي من الْقَبْض الإلهي
زادنا الله بَصِيرَة فِي الْأُمُور الدِّينِيَّة
والدنيوية. قَوْله: عز وَجل {وَآتوا الْيَتَامَى}
(النِّسَاء: 21 31) . أَي: أعْطوا أَمْوَال الْيَتَامَى
إِلَيْهِم إِذا بلغُوا الْحلم كَامِلَة موفرة. قَوْله:
{وَلَا تتبدلوا الْخَبيث بالطيب} (النِّسَاء: 21 31) .
أَي: الْحَرَام بالحلال، وَلَا تجْعَلُوا الزيف بدل الْجيد
والمهزول بدل السمين، وَقَالَ سعيد بن جُبَير وَالزهْرِيّ:
لَا تعط مهزولاً وَلَا تَأْخُذ سميناً. وَقَالَ السّديّ:
كَانَ أحدهم يَأْخُذ الشَّاة السمينة من غنم الْيَتِيم
وَيجْعَل فِيهَا مَكَانهَا الشَّاة المهزولة، يَقُول: شَاة
بِشَاة، وَيَأْخُذ الدِّرْهَم الْجيد ويطرح مَكَانَهُ
الزيف، وَيَقُول: دِرْهَم بدرهم. وَقَالَ سُفْيَان
الثَّوْريّ، عَن أبي صَالح: لَا تعجل بالرزق الْحَرَام قبل
أَن يَأْتِيك الرزق الْحَلَال. وَقَالَ سعيد بن جُبَير:
لَا تبدل الْحَرَام من أَمْوَال النَّاس بالحلال من
أَمْوَالكُم. قَوْله: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالهم إِلَى
أَمْوَالكُم} (النِّسَاء: 21 31) . قَالَ سعيد بن جُبَير
وَمُجاهد وَمُقَاتِل بن حَيَّان وَالسُّديّ وسُفْيَان بن
حُسَيْن، أَي: لَا تخلطوها فتأكلوها جَمِيعًا. وَقيل:
إِلَى، بِمَعْنى: مَعَ، والأجود أَن يكون موضعهَا، وَيكون
الْمَعْنى: وَلَا تضموا أَمْوَالهم إِلَى أَمْوَالكُم.
قَوْله: إِنَّه كَانَ حوباً كَبِيرا} (النِّسَاء: 21 31) .
قَالَ ابْن عَبَّاس أَي: إِثْمًا كَبِيرا عَظِيما.
وَهَكَذَا رُوِيَ عَن مُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَسَعِيد بن
جُبَير وَالْحسن وَابْن سِيرِين وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك
وَآخَرين، وروى ابْن مرْدَوَيْه بِإِسْنَادِهِ إِلَى وَاصل
مولى ابْن عُيَيْنَة عَن ابْن سِيرِين عَن ابْن عَبَّاس
أَن أَبَا أَيُّوب طلق امْرَأَته، فَقَالَ لَهُ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يَا أَبَا أَيُّوب! إِن طَلَاق
أم أَيُّوب كَانَ حوباً) . وَقَالَ ابْن سِيرِين: الْحُوب
الْإِثْم. قَوْله: {وَإِن خِفْتُمْ أَن لَا تقسطوا}
(النِّسَاء: 21 31) . أَي: إِن خِفْتُمْ أَن لَا تعدلوا
فِي نِكَاح الْيَتَامَى، فَحذف لفظ: النِّكَاح، وَقَالَ
ابْن عَبَّاس: كَمَا خِفْتُمْ أَن لَا تقسطوا فِي
الْيَتَامَى فخافوا مثل ذَلِك فِي سَائِر النِّسَاء،
وَانْكِحُوا مَا طَابَ لكم مِنْهُنَّ، وَقيل: مَعْنَاهُ:
إِذا كَانَت تَحت حجر أحدكُم يتيمة وَخَافَ أَن لَا
يُعْطِيهَا مهر مثلهَا فليعدل إِلَى مَا سواهَا من
النِّسَاء فَإِنَّهُنَّ كثير، وَلم يضيق الله عَلَيْهِ،
وَقيل: كَانَت قُرَيْش فِي الْجَاهِلِيَّة يكثرون
التَّزْوِيج بِلَا حصر، فَإِذا كثرت عَلَيْهِم الْمُؤَن
وَقل مَا بِأَيْدِيهِم أكلُوا مَا عِنْدهم من أَمْوَال
الْيَتَامَى، فَقيل لَهُم: إِن خِفْتُمْ أَن لَا تقسطوا
فِي الْيَتَامَى فانكحوا إِلَى الْأَرْبَع. قَوْله: {مَا
طَابَ لكم} أَي: من طَابَ لكم.
3672 - حدَّثنا أبُو اليَمان قَالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ
الزُّهْرِيِّ قَالَ كانَ عُرْوةُ بنُ الزُّبَيْرِ
يُحَدِّثُ أنَّهُ سألَ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهَا {وإنْ خِفْتُمْ أنْ لَا تُقْسِطُوا فِي
الْيَتَامَى فانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}
(النِّسَاء: 21 31) . قَالَ هِيَ لِلْيَتِيمَة فِي حجْرِ
ولِيِّها فيَرْغَبُ فِي جَمالِهَا ومالِها ويُرِيدُ أنْ
يَتَزَوَّجَهَا بأدْنى مِنْ سُنَّةِ نِسائِها فنُهُوا عنْ
نِكَاحِهِنَّ إلاَّ أنْ يُقُسِطُوا لَهُنَّ فِي إكْمَالِ
الصَّدَّاق وأُمِرُوا بِنِكَاحِ مَنْ سِوَاهُنَّ مِنَ
النِّساءِ قالَتْ عائِشَةُ ثُمَّ اسْتَفْتَى الناسُ رسولَ
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعْدُ فأنْزَلَ الله عزَّ
وَجلَّ {ويَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ الله
يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} (النِّسَاء: 721) . قالَتْ فبَيَّنَ
الله فِي هَذِهِ الآيَةِ أنَّ اليَتِيمَةَ إذَا كانَتْ
ذَاتَ جَمالٍ ومالٍ رغِبُوا فِي نِكَاحِهَا ولَمْ
يُلْحِقُوها بِسُنَّتِها بإكْمَالِ الصَّدَّاقِ فإذَا
كانَتْ مَرْغُوبَةً عنْها فِي قِلَّةِ المالِ والجَمالِ
تَرَكُوهَا والْتَمَسُوا غَيْرَهَا منَ النِّسَاءِ قَالَ
فَكَمَا يَتْرُكونها حِينَ يَرْغَبُونَ عَنْها فَلَيْسَ
لَهُمْ أنْ يَنْكِحُوها إذَا رَغِبُوا فيهَا إلاَّ أنْ
يُقُسِطُوا لَها الأوْفى مِنَ الصَّدَاقِ ويُعْطُوهَا
حَقَّها.
.
(14/57)
هَذَا السَّنَد بِعَين هَؤُلَاءِ الرِّجَال قد مر غير
مرّة، وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع.
والْحَدِيث مضى فِي: بَاب شركَة الْيَتِيم وَأهل
الْمِيرَاث بأتم مِنْهُ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (بِأَدْنَى من سنة نسائها) أَي: بِأَقَلّ من مهر
مثلهَا من قراباتها. قَوْله: (ثمَّ استفتى النَّاس، رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بعد) ، أَي: بعد نزُول
قَوْله تَعَالَى: {وَإِن خِفْتُمْ أَن لَا تقسطوا فِي
الْيَتَامَى فأنكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء}
(النِّسَاء: 31) . وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: قَرَأت على
مُحَمَّد بن عبد الحكم: أخبرنَا ابْن وهب أَخْبرنِي يُونُس
عَن ابْن شهَاب اخبرني عُرْوَة بن الزبير، قَالَت
عَائِشَة: ثمَّ إِن النَّاس استفتوا رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، بعد هَذِه الْآيَة فِيهِنَّ، فَأنْزل
الله: {ويستفتونك فِي النِّسَاء قل الله يفتيكم فِيهِنَّ
وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُم فِي الْكتاب} (النِّسَاء: 721) .
الْآيَة. قَالَت: وَالَّذِي ذكر الله أَنه يُتْلَى
عَلَيْهِم فِي الْكتاب الْآيَة الأولى الَّتِي هِيَ قَول
الله تَعَالَى {وَإِن خِفْتُمْ أَن لَا تقسطوا فِي
الْيَتَامَى فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء}
(النِّسَاء: 721) . قَوْله: (بإكمال الصَدَاق) بَيَان
للإلحاق بسنتها. |