عمدة القاري شرح صحيح البخاري

01 - (بابٌ إِذا وقفَ أوْ أوْصَى لأقَارِبِهِ ومَنِ الأقَارِبُ؟)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: إِذا وقف شخص، وَفِي بعض النّسخ: إِذا أوقف، بِزِيَادَة ألف فِي أَوله، وَهِي لُغَة قَليلَة، وَيُقَال: لُغَة رَدِيئَة. قَوْله: (وَمن الْأَقَارِب؟) ، كلمة: من، استفهامية، وَلم يذكر جَوَاب إِذا لمَكَان الْخلاف فِيهِ. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ، رَحمَه الله تَعَالَى: اخْتلف النَّاس فِي الرجل يُوصي بِثلث مَاله لقرابة فلَان، من الْقَرَابَة الَّذين يسْتَحقُّونَ تِلْكَ الْوَصِيَّة؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: هم كل ذِي رحم محرم من فلَان من قبل أَبِيه أَو من قبل أمه. قلت: وَلَا يدْخل الْوَالِدَان وَالْولد. قَالَ الطَّحَاوِيّ: غير أَنه يبدؤ فِي ذَلِك من كَانَت قرَابَته مِنْهُ من قبل أَبِيه على من كَانَت قرَابَته من قبل أمه، أما اعْتِبَار الْأَقْرَب فَلِأَن الْوَصِيَّة أُخْت الْمِيرَاث، وَفِيه يعْتَبر الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب، حَتَّى لَو كَانَ لفُلَان عمان وخالان فَالْوَصِيَّة للعمين، وَلَو كَانَ لَهُ عَم وخالان فللعم النّصْف وللخالين النّصْف، وَأما اعْتِبَار عدم دُخُول الْوَالِدين وَالْولد، فَلِأَن الله تَعَالَى عطف الْأَقْرَبين على الْوَالِدين، والمعطوف

(14/44)


يغاير الْمَعْطُوف عَلَيْهِ. فَإِن قلت: إِذا لم يدْخل الْوَالِد وَالْولد، فَهَل يدْخل الْجد وَولد الْوَلَد؟ قلت: ذكر فِي الزِّيَادَات أَنَّهُمَا يدخلَانِ وَلم يذكر فِيهِ خلافًا، وَذكر الْحسن بن زِيَاد عَن أبي حنيفَة: أَنَّهُمَا لَا يدخلَانِ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَن أبي يُوسُف، وَهُوَ الصَّحِيح وَقَالَ زفر: الْوَصِيَّة لكل من قرب مِنْهُ من قِبَلِ أَبِيه أَو من قِبَل أمه دون من كَانَ أبعد مِنْهُم، وَسَوَاء فِي هَذَا بَين من كَانَ مِنْهُم ذَا رحم محرم وَبَين من كَانَ ذَا رحم غير محرم، وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد: الْوَصِيَّة فِي ذَلِك لكل من جمعه، وَفُلَانًا أبٌ وَاحِد مُنْذُ كَانَت الْهِجْرَة من قِبَل أَبِيه أَو من قِبَلِ أمه. وَقَالَ قوم من أهل الحَدِيث وَجَمَاعَة من الظَّاهِرِيَّة: الْوَصِيَّة لكل من جمعه وَفُلَانًا أَبوهُ الرَّابِع إِلَى مَا هُوَ أَسْفَل من ذَلِك، وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: الْوَصِيَّة فِي ذَلِك لكل من جمعه وَفُلَانًا أَب وَاحِد فِي الْإِسْلَام أَو فِي الْجَاهِلِيَّة، وَتَحْقِيق مَذْهَب الشَّافِعِي مَا ذكره النَّوَوِيّ فِي (الرَّوْضَة) : أوصى لأقارب زيد، دخل فِيهِ الذّكر وَالْأُنْثَى وَالْفَقِير والغني وَالْوَارِث وَغَيره وَالْمحرم وَغَيره والقريب والبعيد وَالْمُسلم وَالْكَافِر لشمُول الِاسْم، وَلَو أوصى لأقارب نَفسه فَفِي دُخُول ورثته وَجْهَان: أَحدهمَا: الْمَنْع، لِأَن الْوَارِث لَا يوصى لَهُ، فعلى هَذَا يخْتَص بالباقين، وَبِهَذَا قطع الْمُتَوَلِي وَرجحه الْغَزالِيّ، وَهُوَ محكي عَن الصيدلاني. وَالثَّانِي: الدُّخُول، لوُقُوع الِاسْم. ثمَّ يبطل نصِيبهم وَيصِح الْبَاقِي لغير الْوَرَثَة. وَهل يدْخل فِي الْوَصِيَّة لأقارب زيد. أُصُوله وفروعه؟ فِيهِ أوجه. أَصَحهَا: عِنْد الْأَكْثَرين: لَا يدْخل الْوَالِدَان وَالْأَوْلَاد، وَيدخل الأجداد والاحفاد. وَالثَّانِي: لَا يدْخل أحد من الْأُصُول وَالْفُرُوع. وَالثَّالِث: يدْخل الْجَمِيع، وَبِه قطع الْمُتَوَلِي، قلت: أَمر الْوَقْف فِي هَذَا كأمر الْوَصِيَّة، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ: تجوز الْوَصِيَّة لكل من جَازَ الْوَقْف عَلَيْهِ من صَغِير وكبير وعاقل وَمَجْنُون وموجود ومعدوم إِذا لم يكن وَارِثا وَلَا قَاتلا.
وَقَالَ ثابِتٌ عنْ أنَسٍ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي طَلْحَةَ اجْعَلْهَا لِفُقَرَاءِ أقَارِبَكَ فَجَعَلَهَا لِحَسَّانَ وأُبَيِّ بنِ كَعبٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهُوَ طرف من حَدِيث أخرجه مُسلم: حَدثنِي مُحَمَّد بن حَاتِم، قَالَ: حَدثنَا بهز، قَالَ: حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة. قَالَ: حَدثنَا ثَابت عَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة: {لن تنالوا الْبر حَتَّى تنفقوا مِمَّا تحبون} (آل عمرَان: 29) . قَالَ أَبُو طَلْحَة: أرى رَبنَا يسألنا من أَمْوَالنَا، فأشهدك يَا رَسُول الله أَنِّي جعلت أرضي بيرحاء لله. قَالَ: فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إجعلها فِي قرابتك) . قَالَ: فَجَعلهَا فِي حسان بن ثَابت وَأبي بن كَعْب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. قَوْله: (إجعلها) ، الضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ يرجع إِلَى أرضي بيرحاء، وَقد بَينه كَذَلِك مُسلم فِي (صَحِيحه) لِأَن الْمُعَلق الْمَذْكُور قِطْعَة من حَدِيث مُسلم، كَمَا ذكرنَا. وَأَبُو طَلْحَة: اسْمه زيد بن سهل بن الْأسود بن حرَام ابْن عَمْرو بن زيد مَنَاة بن عدي بن عَمْرو بن مَالك بن النجار النجاري الْأنْصَارِيّ وَحسان بن ثَابت بن الْمُنْذر بن حرَام بن عَمْرو الى النجار، وَاسم النجار: تيم اللات بن ثَعْلَبَة بن عَمْرو بن الْخَزْرَج الخزرجي الْأنْصَارِيّ، وَأبي بن كَعْب بن الْمُنْذر، وَيُقَال: كَعْب بن قيس بن عبيد بن زيد بن مُعَاوِيَة بن عَمْرو بن

(14/45)


مَالك بن النجار، فيجتمع أَبُو طَلْحَة وَحسان وَأبي بن كَعْب فِي عَمْرو بن مَالك بن النجار، ويجتمع أَبُو طَلْحَة وَحسان فِي حرَام بن عَمْرو وجد أَبِيهِمَا، على مَا يَجِيء الْآن، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَقَالَ الأنْصَارِيُّ حدَّثني أبي عنْ ثُمَامَةَ عنْ أنَسٍ مثْلَ حَديثِ ثابِتٍ قَالَ اجْعَلْهَا لِفُقَرَاءِ قَرَابَتِكَ قَالَ أنسٌ فجَعَلَهَا لِحَسَّانَ وأُبَيِّ بنِ كعْبٍ وكانَا أقْرَبَ إلَيْهِ مِنِّي وكانَ قَرَابَةُ حَسَّانٍ وأُبَيٍّ منْ أبي طَلْحَةَ واسْمُهُ زَيْدُ بنُ سَهْلِ بنِ الأسْوَدِ بنِ حَرَامِ بنِ عَمْرِو بن زَيْدِ مَناةَ بنِ عَدِيٍّ بنِ عَمْرِو بنِ مالِكِ بنِ النَّجَّارِ وحسَّانُ بنُ ثابتِ بنِ المُنْذِرِ بنِ حَرامٍ فَيَجْتَمِعَانِ إِلَى حَرامٍ وهْوَ الأبُ الثَّالِثُ وحَرامُ بنُ عَمْرُو بنِ زَيْدِ بنِ عَدِيِّ بنِ عَمْرِو بنِ مالِكِ بنِ النَّجَّارِ فَهْوَ يُجَامِعُ حَسَّانَ وأبَا طَلْحَةَ وأبَيَّا إِلَى ستَّةِ آباءٍ إِلَى عَمْرو بنِ مالِكِ وهْوَ أُبَيُّ بنُ كَعْبِ بنِ قَيْسِ بنُ عُبَيْدِ بنِ زَيْدِ بنُ مُعَاوِيَةَ بنَ عَمْرِو بن مالِكِ بنِ النَّجَّارِ فَعَمْرُو بنُ مالِكٍ يَجْمَعُ حَسَّانَ وأبَا طَلْحَةَ وأُبَيَّا
الْأنْصَارِيّ: هُوَ مُحَمَّد بن عبد الله بن الْمثنى، بِضَم الْمِيم وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَفتح النُّون الْمُشَدّدَة: ابْن عبد الله بن أنس ابْن مَالك، هُوَ يروي عَن أَبِيه عبد الله الْمَذْكُور، وَعبد الله يروي عَن عَمه ثُمَامَة، بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَتَخْفِيف الْمِيم: ابْن عبد الله ابْن أنس، وَهُوَ يروي عَن جده أنس بن مَالك، وَهَذَا الْإِسْنَاد كُله بصريون وأنسيون، وَالْبُخَارِيّ روى عَن الْأنْصَارِيّ كثيرا.
قَوْله: (مثل حَدِيث ثَابت) ، وَهُوَ الْمَذْكُور الْآن، اخْتَصَرَهُ البُخَارِيّ هُنَا وَوَصله فِي تَفْسِير آل عمرَان مُخْتَصرا. أَيْضا عقيب رِوَايَة إِسْحَاق بن أبي طَلْحَة عَن أنس فِي هَذِه الْقِصَّة، قَالَ: حَدثنَا الْأنْصَارِيّ، فَذكر هَذَا الْإِسْنَاد. قَالَ: فَجَعلهَا لحسان وَأبي، وَكَانَا أقرب إِلَيْهِ، وَلم يَجْعَل لي مِنْهَا شَيْئا. وَسقط هَذَا الْقدر من رِوَايَة أبي ذَر. وَقد أخرجه الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا ابْن مَرْزُوق، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ، قَالَ: حَدثنَا حميد عَن أنس، قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة: {لن تنالوا الْبر حَتَّى تنفقوا مِمَّا تحبون} (آل عمرَان: 29) . قَالَ أَو قَالَ: {من ذَا الَّذِي يقْرض الله قرضا حسنا} (الْبَقَرَة: 542، وَالْحَدِيد: 11) . جَاءَ أَبُو طَلْحَة فَقَالَ: يَا رَسُول الله! حائطي الَّذِي بمَكَان كَذَا وَكَذَا لله تَعَالَى، وَلَو اسْتَطَعْت أَن أسره لم أعلنه. فَقَالَ: (إجعله فِي فُقَرَاء قرابتك أَو فُقَرَاء أهلك) . حَدثنَا ابْن مَرْزُوق، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله، قَالَ: حَدثنِي أبي عَن ثُمَامَة، قَالَ: قَالَ أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: كَانَت لأبي طَلْحَة أَرض فَجَعلهَا لله عز وَجل، فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ: (اجْعَلْهَا فِي فُقَرَاء قرابتك) ، فَجَعلهَا لحسان. وَأبي. قَالَ أبي: عَن ثُمَامَة عَن أنس قَالَ: وَكَانَا أقرب إِلَيْهِ مني. انْتهى. أَي: كَانَ حسان وَأبي بن كَعْب إقرب إِلَى أبي طَلْحَة من أنس بن مَالك، لِأَنَّهُمَا يبلغان إِلَى عَمْرو بِوَاسِطَة سِتَّة أنفس، وَأنس يبلغ إِلَيْهِ بِوَاسِطَة اثْنَي عشر نفسا، لِأَن أنس بن مَالك بن النَّضر، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة: ابْن ضَمْضَم، بِفَتْح الضادين المعجمتين: ابْن زيد بن حرَام ضد حَلَال ابْن جُنْدُب بن عَامر بن غنم، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون: ابْن عدي بن عَمْرو بن مَالك بن النجار. قَوْله: (وَكَانَ قرَابَة حسان) إِلَى آخِره من كَلَام البُخَارِيّ، أَو من كَلَام شَيْخه، وَلَيْسَ من الحَدِيث. قَوْله: (واسْمه) أَي: اسْم أبي طَلْحَة. قَوْله: (حرَام) ضد حَلَال كَمَا ذكرنَا. قَوْله: (زيد مَنَاة) ، بِالْإِضَافَة. قَالَ الْكرْمَانِي: لَيْسَ بَين زيد وَبَين مَنَاة ابْن، لِأَنَّهُ اسْم مركب مِنْهُمَا. قَوْله: (ابْن النجار) وَقد ذكرنَا أَن اسْمه: تيم اللات، وَإِنَّمَا سمي النجار لِأَنَّهُ اختتن بالقدوم، وَقيل: ضرب وَجه رجل بقدوم فنجره، فَقيل لَهُ: النجار. قَوْله: (إِلَى حرَام) ، وَهُوَ الْأَب الثَّالِث يَعْنِي: لأبي طَلْحَة، وَوَقع هُنَا وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: وَحرَام بن عَمْرو، وسَاق النّسَب ثَانِيًا إِلَى النجار، وَهُوَ زِيَادَة لَا معنى لَهَا. قَوْله: (فَهُوَ يُجَامع حسان) أَي: الشَّأْن أَن حسان وأبياً يُجَامع أَبَا طَلْحَة، قَالَه الْكرْمَانِي، وَلَيْسَ بِشَيْء، وَالصَّوَاب: أَن لفظ: هُوَ يرجع إِلَى عَمْرو بن مَالك، وَالْمعْنَى: أَن عَمْرو بن مَالك يجمع حسان وَأَبا طَلْحَة وأبياً، هَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي، وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة أبي دَاوُد فِي (السّنَن) وَقَالَ: بَلغنِي عَن مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ أَنه قَالَ: أَبُو طَلْحَة هُوَ زيد بن سهل، فساق نسبه وَنسب حسان بن ثَابت وَأبي بن كَعْب كَمَا تقدم، ثمَّ قَالَ: قَالَ الْأنْصَارِيّ: فَبين أبي طَلْحَة وَأبي بن كَعْب سِتَّة أباء، قَالَ: وَعَمْرو بن مَالك يجمع حسانا وأبياً وَأَبا طَلْحَة، وَالله أعلم، وَكَذَا قَالَ البُخَارِيّ، فعمرو بن مَالك يجمع حسانا وَأَبا طَلْحَة وأبياً، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ إذَا أوْصاى لِقَرَابَتِهِ فَهْوَ إِلَى آبائِهِ فِي الإسْلاَمِ

أَرَادَ بِهِ: أَبَا يُوسُف صَاحب أبي حنيفَة. قَوْله: (إِلَى آبَائِهِ فِي الْإِسْلَام) أَي: إِلَى آبَائِهِ الَّذين كَانُوا فِي الْإِسْلَام، وَقد مر فِي أول الْبَاب اخْتِلَاف الْعلمَاء فِيهِ، وَمُحَمّد بن الْحسن مَعَ أبي يُوسُف.

2572 - حدَّثنا عبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالكٌ عنْ إسْحَاقَ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبِي طَلْحَةَ أنَّهُ سَمِعَ أنَساً رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي طَلْحَةَ أراى أنْ تَجْعَلَهَا فِي الأقْرَبِينَ قَالَ أبُو طَلْحَةَ أفعلُ يَا رسولَ الله فقَسَمَهَا أبُو طَلْحةَ فِي أقارِبِهِ وبَنِي عَمِّهِ..
هَذَا الحَدِيث قد مضى مطولا فِي كتاب الزَّكَاة فِي: بَاب الزَّكَاة على الْأَقَارِب، وَمضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى، وَالضَّمِير فِي: (أَن

(14/46)


تجعلها) ، يرجع إِلَى: بيرحاء، وَمضى تَفْسِيره هُنَاكَ.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: لَمَّا نَزَلَتْ {وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ} (الشُّعَرَاء: 412) . وَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا معْشَرَ قُرَيْشٍ

ذكر هَذَا مُخْتَصرا مُعَلّقا، وَوَصله فِي مَنَاقِب قُرَيْش، وَتَفْسِير سُورَة الشُّعَرَاء، بِتَمَامِهِ من طَرِيق عَمْرو بن مرّة عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس، وَأورد فِي آخر الْجَنَائِز طرفا مِنْهُ فِي قصَّة أبي لَهب، مَوْصُولَة وَسَيَأْتِي تَفْسِيره، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

11 - (بابٌ هلْ يَدْخُلُ النِّساءُ والوَلَدُ فِي الأقارِبِ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: هَل يدْخل ... إِلَى آخِره، وَإِنَّمَا ذكره بِكَلِمَة الِاسْتِفْهَام لمَكَان الِاخْتِلَاف فِيهِ. قَوْله: (فِي الْأَقَارِب) ، أَي: فِي وَصيته للأقارب.

3572 - حدَّثنا أبُو اليَمَانِ قَالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبرنِي سعيدُ بنُ الْمُسَيَّبِ وأبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ أنَّ أبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قامَ رسولُ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حينَ أنْزَلَ الله عزَّ وجَلَّ {وأنْذِرْ عشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ} (الشُّعَرَاء: 412) . قَالَ يَا معْشَرَ قُرَيْشٍ أوْ كَلِمَةً نحْوَهَا اشْتَرُوا أنْفِسَكُمْ لَا أُغْنِي عنكُمْ مِنَ الله شَيْئاً يَا بَنِي عبْدِ مَنافٍ لَا أُغْنِي عنْكُمْ منَ الله شَيْئاً يَا عبَّاسُ بنَ عبْدِ المُطَّلِبِ لَا أُغْنِي عنْكَ منَ الله شَيْئا وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رسولِ الله لَا أُغنِي عنْكِ منَ الله شَيْئاً وَيَا فاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مالِي لَا أُغْنِي عنْكِ مِنَ الله شَيْئاً.
قيل: لَا مُطَابقَة هُنَا بَين الحَدِيث والترجمة لِأَن الْآيَة فِي إنذار الْعَشِيرَة، وَقد أَنْذرهُمْ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَا تعلق لَهُ فِي دُخُول النِّسَاء وَالْولد فِي الْأَقَارِب. وَقَالَ بَعضهم: مَوضِع الشَّاهِد مِنْهُ يَعْنِي: مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: يَا صَفِيَّة وَيَا فَاطِمَة، فَإِنَّهُ سوى فِي ذَلِك بَين عشيرته، فعمهم أَولا، ثمَّ خص بعض الْبُطُون، ثمَّ ذكر عَمه الْعَبَّاس وَعَمَّته صَفِيَّة وبنته فَاطِمَة، فَدلَّ على دُخُول النِّسَاء فِي الْأَقَارِب، وعَلى دُخُول الْفُرُوع أَيْضا، وعَلى عدم التَّخْصِيص بِمن يَرث وَلَا بِمن كَانَ مُسلما، وَيحْتَمل أَن يكون لفظ الْأَقْرَبين صفة لَازمه للعشيرة، وَالْمرَاد بعشيرته قومه، وهم قُرَيْش، وَفِيه نظر: لَا يخفى لِأَن الدّلَالَة الَّتِي ذكرهَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ، أَي: لَا دلَالَة من أَنْوَاع الدلالات. وَكَذَلِكَ قَوْله: (وعَلى عدم التَّخْصِيص) وَكَيف وَجه هَذِه الدّلَالَة؟ فَلَا دلَالَة هُنَا أصلا على مَا ذكره، يعرف ذَلِك بِالتَّأَمُّلِ.
وَأخرج البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث فِي موضِعين من التَّفْسِير بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْوَصَايَا عَن مُحَمَّد بن خَالِد بن خلي عَن بشر بن شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن أَبِيه بِهِ، كَذَلِك، وَأخرجه الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا يُونُس، قَالَ: حَدثنَا سَلامَة بن روح، قَالَ: حَدثنَا عقيل حَدثنِي الزُّهْرِيّ، قَالَ: قَالَ سعيد وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن: أَن أَبَا هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين أنزل عَلَيْهِ: {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} (الشُّعَرَاء: 412) . يَا معشر قُرَيْش اشْتَروا أَنفسكُم من الله لَا أُغني عَنْكُم من الله شَيْئا يَا بني عبد منَاف اشْتَروا أَنفسكُم من الله لَا أُغني عَنْكُم من الله شَيْئا يَا عَبَّاس بن عبد الْمطلب لَا أُغني عَنْك من الله شَيْئا؟) الحَدِيث، قَالَ الطَّحَاوِيّ: فِي هَذَا الحَدِيث أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أمره الله عز وَجل أَن ينذر عشيرته الْأَقْرَبين، دَعَا عشائر قُرَيْش، وَفِيهِمْ من يلقاه عِنْد أَبِيه الثَّانِي، وَفِيهِمْ من يلقاه عِنْد أَبِيه الثَّالِث، وَفِيهِمْ من يلقاه عِنْد أَبِيه الرَّابِع، وَفِيهِمْ من يلقاه عِنْد أَبِيه الْخَامِس، وَفِيهِمْ من يلقاه عِنْد أَبِيه السَّادِس، وَفِيهِمْ من يلقاه عِنْد آبَائِهِ الَّذين فَوق ذَلِك، إلاَّ أَنه مِمَّن جمعته وإياه قُرَيْش وَقد ذكرنَا عَن الطَّحَاوِيّ فِي أول الْبَاب، أَنه ذكر فِي هَذَا الْبَاب خَمْسَة أَقْوَال، وسَاق دَلِيل كل وَاحِد مِنْهُم، ثمَّ ذكر أَن الصَّحِيح من ذَلِك كُله القَوْل الَّذِي ذهب إِلَيْهِ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وأبطل بَقِيَّة الْأَقْوَال، وَصرح بِبُطْلَان مَا ذهب إِلَيْهِ أَبُو حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَمَا ذهب إِلَيْهِ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد، فَهَذَا الَّذِي سلكه هُوَ طَرِيق الْمُجْتَهدين المستنبطين للْأَحْكَام من الْكتاب وَالسّنة، فَلذَلِك ترك تَقْلِيده لأبي حنيفَة وصاحبيه فِي هَذِه الْمَسْأَلَة

(14/47)


وَنقل صَاحب (التَّلْوِيح) : عَن الْإِسْمَاعِيلِيّ أَنه قَالَ: حَدِيث أبي هُرَيْرَة هَذَا وَابْن عَبَّاس أَيْضا مرسلان، لِأَن الْآيَة نزلت بِمَكَّة، وَابْن عَبَّاس كَانَ صَغِيرا، وَأَبُو هُرَيْرَة أسلم بِالْمَدِينَةِ. وَأجِيب عَنهُ بِأَنَّهُ يُمكن أَن يَكُونَا سمعا ذَلِك من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو من صَحَابِيّ آخر.
ثمَّ إِن الْإِجْمَاع قَامَ على أَن اسْم الْوَلَد يَقع على الْبَنِينَ وَالْبَنَات، وَأَن النِّسَاء الَّتِي من صلبه وعصبته كالابنة وَالْأُخْت والعمة يدخلن فِي الْأَقَارِب إِذا وقف على أَقَاربه، أَلا ترى أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خص عمته بالنذارة كَمَا خص ابْنَته، وَكَذَلِكَ من كَانَ فِي مَعْنَاهُمَا مِمَّن يجمعه مَعَه أَب وَاحِد، وروى أَشهب عَن مَالك: أَن الْأُم لَا تدخل. وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: تدخل الْأُم فِي ذَلِك وَلَا تدخل الْأَخَوَات لأم.
وَاخْتلفُوا فِي ولد الْبَنَات وَولد العمات مِمَّن لَا يجْتَمع مَعَ الْمُوصى والمحبس فِي أَب وَاحِد، هَل يدْخلُونَ بِالْقَرَابَةِ أم لَا؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: إِذا وقف وقف على وَلَده دخل فِيهِ ولد وَلَده وَولد بَنَاته مَا تَنَاسَلُوا، وَكَذَلِكَ إِذا أوصى لِقَرَابَتِهِ يدْخل فِيهِ ولد الْبَنَات، والقرابة عِنْد أبي حنيفَة: كل ذِي رحم، فَسقط عِنْده ابْن الْعم والعمة وَابْن الْخَال وَالْخَالَة، لأَنهم لَيْسُوا بمحرمين، والقرابة عِنْد الشَّافِعِي: كل ذِي رحم محرم وَغَيره، وَلم يسْقط عِنْده ابْن الْعم وَلَا غَيره، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : صحّح أَصْحَابه أَنه لَا يدْخل فِي الْقَرَابَة الْأُصُول وَالْفُرُوع وَيدخل كل قرَابَة وَإِن بعد. وَقَالَ مَالك: لَا يدْخل فِي ذَلِك ولد الْبَنَات وَقَوله: لقرابتي وعقبي، كَقَوْلِه: لوَلَدي، وَقَوله: وَلَدي، يدْخل فِيهِ: ولد الْبَنِينَ. وَمن يرجع إِلَى عصبَة الْأَب وصلبه، وَلَا يدْخل ولد الْبَنَات. وَحجَّة من أَدخل ولد الْبِنْت قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن ابْني هَذَا سيد فِي الْحسن بن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا) . وَقَالَ تَعَالَى: {إنَّا خَلَقْنَاكُمْ من ذكر وَأُنْثَى} (الحجرات: 31) . والتولد من جِهَة الْأُم كالتولد من جِهَة الْأَب، وَقد دلّ الْقُرْآن على ذَلِك قَالَ تَعَالَى: {وَمن ذُريَّته دَاوُد} إِلَى أَن قَالَ: {وَعِيسَى} (الْأَنْعَام: 48) . فَجعل عِيسَى من ذُريَّته وَهُوَ ابْن بنته، وَلم يفرق فِي الِاسْم بَين ابْنه وَبَين بنته. وَأجِيب بِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّمَا سمى الْحسن ابْنا على وَجه التخنن، وَأَبوهُ فِي الْحَقِيقَة عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَإِلَيْهِ نسبه، وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْعَبَّاس: (أتركوا لي أبي) ، وَهُوَ عَمه وَإِن كَانَ الْأَب حَقِيقَة خِلَافه وَعِيسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، جرى عَلَيْهِ اسْم الذُّرِّيَّة على طَرِيق الاتساع.
قَوْله: (سليني مَا شِئْت) ، فِيهِ أَن الائتلاف للْمُسلمين وَغَيرهم بِالْمَالِ جَائِز، وَفِي الْكَافِر آكِد.
تابَعَهُ أصْبَغُ عنِ ابنِ وهْبٍ عنْ يُونُسَ عنِ ابنِ شِهَابٍ

هَذِه الْمُتَابَعَة أخرجهَا مُسلم عَن حَرْمَلَة عَن عبد الله بن وهب عَن يُونُس عَن ابْن شهَاب عَن ابْن الْمسيب، وَأبي سَلمَة ابْن عبد الرَّحْمَن عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حِين أنزل الله عَلَيْهِ {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين ... } (الشُّعَرَاء: 412) . الحَدِيث.

21 - (بابٌ هَلْ يَنْتَفعُ الوَاقِفُ بِوَقْفِهِ؟)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: هَل ينْتَفع الْوَاقِف بوقفه الَّذِي وَقفه؟ وَإِنَّمَا ذكره بِكَلِمَة: هَل، الاستفهامية لمَكَان الْخلاف فِيهِ، وانتفاع الْوَاقِف بوقفه أَعم من أَن يكون الْوَقْف على نَفسه أَو أَن يَجْعَل جُزْءا كم ريعه على نَفسه، أَو أَن يَجْعَل النّظر عَلَيْهِ لنَفسِهِ.
وقدِ اشتَرَطَ عُمَرُ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: لَا جناحَ على مَنْ وَليَهُ أنْ يأكُلَ
هَذِه قِطْعَة من قصَّة وقف عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقد مضى مَوْصُولا فِي آخر الشُّرُوط. قيل: ذكره لاشْتِرَاط عمر، لَا حجَّة فِيهِ، لِأَن عمر أخرجهَا عَن يَده ووليها غَيره، فَجعل لمن وَليهَا أَن يَأْكُل على شَرطه. قَوْله: (أَن يَأْكُل) ويروى: (أَن يَأْكُل مِنْهَا) . وَقَالَ ابْن بطال: لَا يجوز للْوَاقِف أَن ينْتَفع بوقفه. لِأَنَّهُ أخرجه لله تَعَالَى، وقطعه عَن ملكه، فانتفاعه بِشَيْء مِنْهُ رُجُوع فِي صدقته، وَقد نهى الشَّارِع عَن ذَلِك، وَإِنَّمَا يجوز لَهُ الِانْتِفَاع بِهِ إِن شَرط ذَلِك فِي الْوَقْف أَو إِن يفْتَقر الْمحبس أَو ورثته فَيجوز لَهُم الْأكل مِنْهُ. وَقَالَ ابْن الْقصار: من حبس دَارا أَو سِلَاحا أَو عبدا فِي سَبِيل الله، فأنفذ ذَلِك فِي وجوهه زَمَانا، ثمَّ أَرَادَ أَن ينْتَفع بِهِ مَعَ النَّاس، فَإِن كَانَ من حَاجَة فَلَا بَأْس، وَذكر ابْن حبيب عَن مالكٍ قَالَ: من حبس أصلا يجْرِي

(14/48)


غَلَّته على الْمَسَاكِين فَإِن وَلَده يُعْطون مِنْهُ إِذا افتقروا، كَانُوا يَوْم مَاتَ أَو حبس فُقَرَاء أَو أَغْنِيَاء، غير أَنهم لَا يُعْطون جَمِيع الْغلَّة مَخَافَة أَن يندرس الْحَبْس، وَيكْتب على الْوَلَد كتاب: أَنهم إِنَّمَا يُعْطون مِنْهُ مَا أعْطوا على المسكنة، وَلَيْسَ لَهُم على حق فِيهِ، دون الْمَسَاكِين، وَاخْتلفُوا: إِذا أوصى بِشَيْء للْمَسَاكِين فَغَفَلَ عَن قسمته حَتَّى افْتقر بعض ورثته، وَكَانُوا يَوْم أوصى أَغْنِيَاء أَو مَسَاكِين، فَقَالَ مطرف: أرى أَن يُعْطوا من ذَلِك على المسكنة، وهم أولى من الأباعد. وَقَالَ ابْن الْمَاجشون: إِن كَانُوا يَوْم أوصى أَغْنِيَاء ثمَّ افتقروا أعْطوا مِنْهُ، وَإِن كَانُوا مَسَاكِين لم يُعْطوا مِنْهُ، لِأَنَّهُ أوصى وَهُوَ يعرف حَاجتهم، فَكَأَنَّهُ أزاحهم عَنهُ. وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: لَا يُعْطوا مِنْهُ شَيْئا مَسَاكِين كَانُوا أَو أَغْنِيَاء يَوْم أوصى.
وقَدْ يَلِي الوَاقِفُ أوْ غَيْرُهُ
هَذَا من تفقه البُخَارِيّ، يَعْنِي: قد يَلِي الْوَاقِف أَمر وَقفه أَو يَلِي غَيره، وَكَلَامه هَذَا يشْعر أَن الْوَاقِف إِذا شَرط ولَايَة النّظر لَهُ جَازَ، وَقَالَ ابْن بطال: ذكر ابْن الْمَوَّاز عَن مَالك أَنه: إِن اشْترط فِي حَبسه أَن يَلِيهِ هُوَ لم يجز، وَعَن ابْن عبد الحكم، قَالَ مَالك: إِن جعل الْوَاقِف الْوَقْف بيد غَيره يجوزه وَيجمع غَلَّته ويدفعها إِلَى الَّذِي حَبسه يَلِي تفرقته، وعَلى ذَلِك حبس، أَن ذَلِك جَائِز. وَقَالَ ابْن كنَانَة: من حبس نَاقَة فِي سَبِيل الله فَلَا ينْتَفع بِشَيْء مِنْهَا، وَله أَن ينْتَفع بلبنها لقِيَامه عَلَيْهَا فَمن أجَاز للْوَاقِف أَن يَلِيهِ فَإِنَّمَا يجوز لَهُ الْأكل مِنْهُ بِسَبَب ولَايَته عَلَيْهِ، كَمَا يَأْكُل الْوَصِيّ من مَال يتيمه بِالْمَعْرُوفِ من أجل ولَايَته وَعَمله، وَإِلَى هَذَا الْمَعْنى أَشَارَ البُخَارِيّ فِي هَذَا الْبَاب، وَلم يجز مَالك للْوَاقِف أَن يَلِي وَقفه، قطعا للذريعة إِلَى الإنفراد بغلته، فَيكون ذَلِك رُجُوعا فِيهِ.
وكَذَلِكَ مَنْ جَعَلَ بَدَنَةٍ أوْ شَيْئاً لله فلَهُ أنْ يَنْتَفِعَ بِها كَما يَنْتَفِعُ غَيْرُهُ وإنْ لَمْ يَشْتَرِطْ

أَشَارَ بِهَذَا أَيْضا إِلَى جَوَاز انْتِفَاع الْوَاقِف بوقفه مَا لم يضرّهُ، وَإِن لم يشْتَرط ذَلِك فِي أصل الْوَقْف. وَقَالَ الدَّاودِيّ: لَيْسَ فِيهِ حجَّة لما بوب لَهُ، لِأَن مهديها إِنَّمَا جعلهَا لله عز وَجل، إِذا بلغت محلهَا، وَأبقى ملكه عَلَيْهَا مَعَ مَا عَلَيْهِ من الْخدمَة من السَّوق والعلف، ألاَ تَرى أَنَّهَا: إِن كَانَت وَاجِبَة، أَن عَلَيْهِ بدلهَا إِن عطبت قبل محلهَا، وَإِنَّمَا أمره، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بركوبها لمَشَقَّة السّفر، وَلِأَنَّهُ لم ير لَهُ مركبا غَيرهَا، وَإِذا كَانَ ركُوبهَا مهْلكا لَهَا لم يجز لَهُ ذَلِك، كَمَا لَا يجوز لَهُ أكل شَيْء من لَحمهَا.

4572 - حدَّثنا قُتَيْبَةَ بنُ سَعِيدٍ قَالَ حدَّثنا أَبُو عَوَانَةَ عنْ قَتَادَةَ عنْ أنَس رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى رَجُلاً يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ لَهُ ارْكَبْها فَقَالَ يَا رسولَ الله إنَّها بَدَنةٌ فَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ أَو الرَّابِعَةِ ارْكَبْها ويْلَكَ أوْ وَيْحَكَ.
(انْظُر الحَدِيث 0971 وطرفه) .
أَبُو عوَانَة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة اسْمه الوضاح الْيَشْكُرِي، والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْحَج فِي: بَاب ركُوب الْبدن، فَإِنَّهُ رَوَاهُ هُنَاكَ: عَن أبي هُرَيْرَة وَعَن أنس، مضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

5572 - حدَّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ حدَّثنا مالِكُ عنْ أبِي الزِّنادِ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى رجُلاً يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ ارْكَبْهَا قَالَ يَا رسُولَ الله إنَّهَا بَدَنَةٌ قَالَ ارْكَبْهَا ويْلَكَ فِي الثَّانِيَةِ أوْ فِي الثَّالِثَةِ..
إِسْمَاعِيل بن أبي أويس، وَأَبُو الزِّنَاد عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز. والْحَدِيث مضى فِي الْحَج كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن.

31 - (بابٌ إذَا وقَفَ شَيْئاً فلَمْ يَدْفَعُهُ إِلَى غَيْرِهِ فَهْوَ جائِزٌ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: إِذا وقف شخص وَقفا فَلم يَدْفَعهُ إِلَى غَيره بِأَن لم يُخرجهُ من يَده، فَهُوَ جَائِز، يَعْنِي: صَحِيح

(14/49)


لَا يحْتَاج إِلَى قبض الْغَيْر، وَهُوَ قَول الْجُمْهُور مِنْهُم الشَّافِعِي وَأَبُو يُوسُف. وَقَالَت طَائِفَة: لَا يَصح الْوَقْف حَتَّى يُخرجهُ عَن يَده، ويقبضه غَيره وَبِه قَالَ ابْن أبي ليلى وَمُحَمّد بن الْحسن وَحجَّة الْجُمْهُور أَن عمر وعلياً وَفَاطِمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، أوقفوا أوقافاً وأمسكوها بِأَيْدِيهِم، وَكَانُوا يصرفون الِانْتِفَاع مِنْهَا فِي وُجُوه الصَّدَقَة، فَلم تبطل. وَاحْتج الطَّحَاوِيّ أَيْضا بِأَن الْوَقْف شَبيه بِالْعِتْقِ، لإشتراكهما فِي أَنَّهُمَا تمْلِيك لله تَعَالَى، فَينفذ بالْقَوْل الْمُجَرّد عَن الْقَبْض، وَيُفَارق الْهِبَة، فَإِنَّهَا تمْلِيك لآدَمِيّ، فَلَا يتمَّ إلاَّ بِالْقَبْضِ.
لأنَّ عُمرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أوْقَفَ وَقَالَ لاَ جُنَاحَ علَى منْ ولِيَهُ أنْ يأكُلَ ولَمْ يخُصَّ إنْ ولِيَهُ عُمرُ أوْ غَيْرُهُ

هَذَا تَعْلِيل لقَوْله: فَهُوَ جَائِز، قيل: فِيهِ نظر، لِأَن غَايَة مَا ذكر عَن عمر هُوَ أَن كل من ولي الْوَقْف أُبِيح لَهُ التَّنَاوُل، وَلَا يلْزم من ذَلِك أَن كل أحد يسوغ لَهُ أَن يتَوَلَّى الْوَقْف الْمَذْكُور، بل الْوَقْف لَا بُد لَهُ من متولٍ. وَأجِيب: بِأَن عمر لما وقف ثمَّ شَرط لم يَأْمُرهُ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن يُخرجهُ من يَده، فَكَانَ سُكُوته عَن ذَلِك دَالا على صِحَة الْوَقْف وَإِن لم يقبضهُ الْمَوْقُوف عَلَيْهِ.
قَالَ النبيُّ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي طَلْحَةَ أراى أنْ تَجْعَلَها فِي الأقْرَبِينَ فَقَالَ أفْعَلُ فقَسَمَها فِي أقَارِبِهِ وبَني عَمِّهِ

أَرَادَ بِهَذَا أَيْضا الِاحْتِجَاج على عدم اشْتِرَاط الْقَبْض فِي جَوَاز الْوَقْف، وَهَذَا قد تقدم مَوْصُولا قَرِيبا. قَالَ الدَّاودِيّ: مَا اسْتدلَّ بِهِ البُخَارِيّ على صِحَة الْوَقْف قبل الْقَبْض من قصَّة عمر وَأبي طَلْحَة حمل للشَّيْء على ضِدّه وتمثيله بِغَيْر جنسه وَدفع للظَّاهِر عَن وَجهه، لِأَنَّهُ هُوَ روى أَن عمر دفع الْوَقْف لابنته، وَأَن أَبَا طَلْحَة دفع صدقته إِلَى أبي بن كَعْب وَحسان. وَأجِيب بِأَن البُخَارِيّ: إِنَّمَا أَرَادَ أَنه، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، أخرج عَن أبي طَلْحَة ملكه بِمُجَرَّد قَوْله: (هِيَ لله صَدَقَة) ، وَبِهَذَا يَقُول مَالك: إِن الصَّدَقَة تلْزم بالْقَوْل، وَإِن كَانَ يَقُول: إِنَّهَا لَا تتمّ إلاَّ بِالْقَبْضِ، ونوزع فِي ذَلِك بِاحْتِمَال أَنَّهَا خرجت من يَد أبي طَلْحَة، وَاحْتِمَال أَنَّهَا استمرت فَلَا دلَالَة فِيهَا، وَدفع بِأَن أَبَا طَلْحَة أطلق صَدَقَة أرضه وفوض إِلَى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مصرفها فَلَمَّا قَالَ لَهُ: (أرى أَن تجعلها فِي الْأَقْرَبين) ففوض لَهُ قسمتهَا بَينهم، صَار كَأَنَّهُ أقرها فِي يَده بعد أَن مَضَت الصَّدَقَة. قلت: وَفِي نفس الحَدِيث: أَن الَّذِي تولى قسمتهَا هُوَ أَبُو طَلْحَة بِنَفسِهِ، وَالنَّبِيّ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عين لَهُ جِهَة الْمصرف، لكنه أجمل لِأَنَّهُ قَالَ: (فِي الْأَقْرَبين) ، وَهَذَا مُجمل، وَلما لم يُمكن لَهُ أَن يقسمها على الْأَقْرَبين كلهم لكثرتهم وانتشارهم فَقَسمهَا على بَعضهم مِمَّن اخْتَار مِنْهُم.

41 - (بابٌ إذَا قَالَ دارِي صَدَقَةٌ لله ولَمْ يُبَيِّنْ لِلْفُقَرَاءِ أوْ غَيْرِهِمْ فَهْوَ جائزٌ ويَضَعُها فِي الأقرَبِينَ أوْ حيْثُ أرادَ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: إِذا قَالَ شخص: دَاري هَذِه صَدَقَة لله، وَالْحَال أَنه لم يبين، يَعْنِي: هَل هِيَ على الْفُقَرَاء أَو غَيرهم، فَهُوَ جَائِز يَعْنِي: يتم وَقفه، فَإِن شَاءَ يَضَعهَا فِي أَقَاربه أَو حَيْثُ شَاءَ من الْجِهَات. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا قَالَ الرجل: أرضي هَذِه صَدَقَة، وَلم يزدْ على هَذَا شَيْئا أَنه يَنْبَغِي لَهُ أَن يتَصَدَّق بأصلها على الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين، أَو يَبِيعهَا وَيتَصَدَّق بِثمنِهَا على الْمَسَاكِين، وَلَا يكون وَقفا، وَلَو مَاتَ كَانَ جَمِيع ذَلِك مِيرَاثا بَين ورثته على كتاب الله تَعَالَى، وكل صَدَقَة لَا تُضَاف إِلَى أحد فَهِيَ للْمَسَاكِين.
قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي طَلْحَةَ حينَ قَالَ أحَبُّ أمْوَالِي إلَيَّ بِيرُحاءَ وأنَّها صدَقَةٌ لله فأجازَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذالِكَ

أَشَارَ بِهَذَا إِلَى الِاحْتِجَاج فِيمَا ذهب إِلَيْهِ من جَوَاز وقف من قَالَ: دَاري هَذِه صَدَقَة، وَسكت عَلَيْهِ، وَلم يبين مصرفاً

(14/50)


من الْجِهَات، وَقد مر هَذَا الحَدِيث غير مرّة، وَمر أَيْضا تَفْسِير بيرحاء فِي كتاب الزَّكَاة فِي: بَاب الزَّكَاة على الْأَقَارِب. قَوْله: (فَأجَاز النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك) من كَلَام البُخَارِيّ أَي: أجَاز النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَول أبي طَلْحَة. حَيْثُ قَالَ فِي الحَدِيث الْمَذْكُور: (إِن أحب أَمْوَالِي إليَّ بيرحاء وَإِنَّهَا صَدَقَة لله) ، الحَدِيث.
وَقَالَ بعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ حتَّى يُبينَ لِمَنْ والأوَّلُ أصَحُّ

أَي: قَالَ بعض الْعلمَاء: لَا يجوز مَا ذكر من الصَّدَقَة على الْوَجْه الْمَذْكُور حَتَّى يبين، أَي: حَتَّى يعين لمن هِيَ، وَأَرَادَ بذلك الإِمَام الشَّافِعِي، فَإِنَّهُ قَالَ فِي قَول: إِن الْوَقْف لَا يَصح حَتَّى يعين جِهَة مصرفه، وإلاَّ فَهُوَ باقٍ على ملكه. وَقَالَ فِي قَول آخر: يَصح الْوَقْف، وَإِن لم يعين مصرفه، وَهُوَ قَول مَالك وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد، رَحِمهم الله. قيل: إِن المُرَاد بقوله: قَالَ بَعضهم الْحَنَفِيَّة، وَهُوَ غير صَحِيح، لِأَن مَذْهَب أبي حنيفَة قد ذَكرْنَاهُ الْآن، وَمذهب أبي يُوسُف وَمُحَمّد: الْجَوَاز مُطلقًا. قَوْله: (وَالْأول) ، أَي: الَّذِي ذكره أَولا، وَهُوَ الْجَوَاز هُوَ الْأَصَح.

51 - (بابٌ إذَا قَالَ أرْضِي أوْ بُسْتَانِي صَدَقَةٌ عنْ أُمِّي فهْوَ جائزٌ وإنْ لَمْ يُبَيِّنْ لِمَنْ ذالِكَ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا قَالَ ... إِلَى آخِره. قَوْله: (وَإِن لم يبين لمن ذَلِك) ، يُفِيد زِيَادَة فَائِدَة، لِأَنَّهُ بَين بقوله: (عَن أُمِّي) أَن الصَّدَقَة عَنْهَا جَائِزَة، وَلكنه لم يبين لمن تِلْكَ الصَّدَقَة، فَلَا يضرّهُ ذَلِك، وَقد ذكرنَا الْخلاف فِيهِ فِي الْبَاب السَّابِق.

6572 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ سلامٍ قَالَ أخبرنَا مخْلدُ بنُ يَزِيدَ قَالَ أخبرنَا ابنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبرنِي يَعْلاى أنَّهُ سَمِعَ عِكْرِمَةَ يقُولُ أنْبَأنا ابنُ عبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ سعْد بنَ عُبَادَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ وهْوَ غائِبٌ عنْها فَقَالَ يَا رسولَ الله إنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَأَنا غائبٌ عَنْهَا أيَنْفَعُهَا شَيْءٌ إنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عنْها قَالَ نعمْ قَالَ فإنِّي أُشْهِدُكَ أنَّ حائِطِي المِخْرَافَ صدقَةٌ علَيْهَا.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: مُحَمَّد، كَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين بِغَيْر نِسْبَة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر وَابْن شبويه: حَدثنَا مُحَمَّد بن سَلام، وَقَالَ الجياني: نسبه شُيُوخنَا إِلَى سَلام. الثَّانِي: مخلد، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح اللَّام: ابْن يزِيد من الزِّيَادَة، مر فِي الْجُمُعَة. الثَّالِث: عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج. الرَّابِع: يعلى، على وزن يرضى: ابْن حَكِيم، قَالَه الْكرْمَانِي أخذا من قَول الطرقي، قيل: إِنَّه وهم فِيهِ، وَهُوَ يعلى بن مُسلم بن هُرْمُز. الْخَامِس: عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس. السَّادِس: عبد الله بن عَبَّاس.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع، والإخبار كَذَلِك فِي موضِعين. وَفِيه: الإنباء فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: السماع فِي مَوضِع. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: أَن شَيْخه بخاري بيكندي، وَهُوَ من أَفْرَاده وَأَن شيخ شَيْخه حراني جزري، وَأَن ابْن جريج مكي، وَأَن يعلى أَيْضا يعد فِي المكيين، وَأَصله من الْبَصْرَة وَلَيْسَ لَهُ عَن عِكْرِمَة فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الْموضع، وَأَن عِكْرِمَة مدنِي.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْوَصَايَا عَن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى عَن هِشَام.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَن سعد بن عبَادَة) هُوَ الْأنْصَارِيّ الخزرجي سيد الْخَزْرَج. قَوْله: (أمه) هِيَ: عمْرَة بنت مَسْعُود، وَقيل: سعد بن قيس بن عمر، وأنصارية خزرجية، وَذكر ابْن سعد أَنَّهَا أسلمت وبايعت وَمَاتَتْ سنة خمس، وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة دومة الجندل، وَابْنهَا سعد بن عبَادَة مَعَه قَالَ: فَلَمَّا رجعُوا جَاءَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فصلى على قبرها، قيل: فعلى هَذَا يكون هَذَا الحَدِيث مُرْسل صَحَابِيّ، لَان ابْن عَبَّاس كَانَ حِينَئِذٍ مَعَ أَبَوَيْهِ بِمَكَّة. قَوْله: (وَهُوَ غَائِب) ، جملَة إسمية وَقعت حَالا. قَوْله: (عَنْهَا) ، أَي: عَن أمه فِي الْمَوْضِعَيْنِ. قَوْله: (أينفعها؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الاستخبار. قَوْله: (بِهِ) يرجع إِلَى قَوْله: بِشَيْء. قَوْله: (نعم) ، أَي: قَالَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ينفعها عِنْد الله. قَوْله: (إِن حائطي) ، الْحَائِط الْبُسْتَان من النّخل إِذا كَانَ عَلَيْهِ حَائِط أَي: جِدَار، وَيجمع على: حَوَائِط. قَوْله: (المخراف) ، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره فَاء، وَهُوَ اسْم للحائط، فَلذَلِك انتصب على أَنه عطف بَيَان، وَوَقع فِي

(14/51)


رِوَايَة عبد الرَّزَّاق: (مخرف) بِدُونِ ألف. قَالَ الْقَزاز: (المخراف) جمَاعَة النّخل، بِفَتْح الْمِيم وبكسرها: الزنبيل الَّذِي يخْتَرف فِيهِ الثِّمَار. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: (المخرف) ، بِالْفَتْح يَقع على النّخل، وعَلى الرطب، وَقَالَ الْخطابِيّ: (المخراف) الثَّمَرَة سميت مخرافاً لما يجتني من ثمارها، كَمَا يُقَال: امْرَأَة مذكار. قَالَ: وَقد يَسْتَوِي هَذَا فِي نعت الذُّكُور وَالْإِنَاث، وَيُقَال: (المخراف) ، الشَّجَرَة وَهُوَ الصَّوَاب، وَتَكَلَّمُوا فِيهِ كثيرا، وَالْحَاصِل أَن المخراف هُنَا اسْم حَائِط سعد ابْن عبَادَة كَمَا ذكرنَا. قَوْله: (صَدَقَة عَلَيْهَا) ، ويروى: عَنْهَا، وَهَذِه هِيَ الْأَصَح، لَا مَا قَالَه صَاحب (التَّوْضِيح) : إِن كليهمَا بِمَعْنى وَاحِد. فَافْهَم.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: أَن ثَوَاب الصَّدَقَة عَن الْمَيِّت يصل إِلَى الْمَيِّت وينفعه. قَالَ الْكرْمَانِي: وَهُوَ مُخَصص لعُمُوم قَوْله تَعَالَى: {وَأَن لَيْسَ للانسان إلاَّ مَا سعى} (النَّجْم: 93) . قلت: يلْزمه أَن يَقُول أَيْضا بوصول ثَوَاب الْقِرَاءَة إِلَى الْمَيِّت.