عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 15 - (بابُ سِهَامِ الفَرَسِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كمية سِهَام فرس الْغَازِي من
الْغَنِيمَة، وَإِضَافَة السِّهَام إِلَى الْفرس
بِاعْتِبَار أَن صَاحبه يسْتَحق من الْغَنِيمَة بِسَبَبِهِ
ثَلَاثَة أسْهم: سَهْمَان للْفرس وَسَهْم للفارس.
3682 - حدَّثنا عُبَيْدُ بنُ إسْمَاعِيلَ عنْ أبِي
أُسَامَةَ عنْ عُبَيْدِ الله عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ رسولَ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم جعَلَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ ولِصاحِبِهِ
سَهْمَاً.
(الحَدِيث 3682 طرفه فِي: 8224) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه بَين فِيهِ سِهَام
الْفرس بقوله: (جعل للْفرس سَهْمَيْنِ) وَفِي الْحَقِيقَة
أَيْضا: السهْمَان لصَاحب الْفرس، وَلَكِن لما كَانَا لَهُ
بِسَبَب الْفرس وَمن جِهَته أضيفا إِلَيْهِ، وَاللَّام
فِيهِ للتَّعْلِيل.
وَعبيد مصغر عبد، ضد الْحر ابْن إِسْمَاعِيل واسْمه فِي
الأَصْل: عبد الله، يكنى أَبَا مُحَمَّد الْهَبَّاري
الْقرشِي الْكُوفِي، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَأَبُو
أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وَعبيد الله ابْن عمر
الْعمريّ.
قَوْله: (ولصاحبه سَهْما) ، أَي: جعل لصَاحب الْفرس سَهْما
غير سهمي الْفرس، فَيصير للفارس ثَلَاثَة أسْهم وَقد فسره
نَافِع كَذَلِك، وَلَفظه: إِذا كَانَ مَعَ الرجل فرس فَلهُ
ثَلَاثَة أسْهم، فَإِن لم يكن مَعَه فرس فَلهُ سهم،
وَسَيَأْتِي هَذَا فِي غَزْوَة خَيْبَر، إِن شَاءَ الله
تَعَالَى.
وَفِي الْبَاب أَحَادِيث نَحْو حَدِيث الْبَاب. فروى أَبُو
دَاوُد: حَدثنَا أَحْمد بن حَنْبَل، قَالَ: أخبرنَا أَبُو
مُعَاوِيَة حَدثنَا عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر:
أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أسْهم لرجل
ولفرسه ثَلَاثَة أسْهم: سَهْما لَهُ وسهمين لفرسه، وَقَالَ
أَبُو دَاوُد أَيْضا: حَدثنَا أَحْمد بن حَنْبَل، قَالَ:
حَدثنَا عبد الله بن يزِيد، قَالَ: حَدثنِي المَسْعُودِيّ،
قَالَ: حَدثنِي أَبُو عمْرَة عَن أَبِيه، قَالَ: أَتَيْنَا
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعَة نفر ومعنا
فرس، فَأعْطى كل إِنْسَان منا سَهْما، وَأعْطى الْفرس
سَهْمَيْنِ. وروى النَّسَائِيّ من حَدِيث يحيى بن عباد بن
عبد الله بن الزبير عَن جده، قَالَ: ضرب رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم عَام خَيْبَر للزبير أَرْبَعَة أسْهم:
سهم للزبير وَسَهْم لذِي الْقُرْبَى لصفية بنت عبد الْمطلب
أم الزبير وسهمين للْفرس. وروى أَحْمد: من حَدِيث مَالك
ابْن أَوْس عَن عمر، وَطَلْحَة بن عبيد الله،
وَالزُّبَيْر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، قَالُوا:
كَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُسهم للفرسين
سَهْمَيْنِ. وروى الدَّارَقُطْنِيّ: من حَدِيث أبي رهم،
قَالَ: غزونا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنا
وَأخي ومعنا فرسَان، فأعطانا سِتَّة أسْهم: أَرْبَعَة
لفرسينا وسهمين لنا. وروى أَيْضا من حَدِيث أبي كَبْشَة
الْأَنمَارِي، قَالَ: لما فتح رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِنِّي جعلت للْفرس سَهْمَيْنِ
وللفارس سَهْما، فَمن أنقصهما أنقصه الله عز وَجل. وروى
أَيْضا من حَدِيث ضباعة بنت الزبير عَن الْمِقْدَاد،
قَالَ: أسْهم لي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَوْم بدر سَهْما ولفرسي سَهْمَيْنِ. وروى أَيْضا من
حَدِيث عَطاء عَن ابْن عَبَّاس: أَن رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قسم لكل فرس بِخَيْبَر سَهْمَيْنِ
سَهْمَيْنِ. وروى أَيْضا من حَدِيث هِشَام بن عُرْوَة عَن
أبي صَالح عَن جَابر، قَالَ: شهِدت مَعَ رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم غزَاة فَأعْطى الْفَارِس منا ثَلَاثَة
أسْهم وَأعْطى الراجل سَهْما. وروى أَيْضا من حَدِيث
الْوَاقِدِيّ حَدثنَا مُحَمَّد بن يحيى بن سهل بن أبي
حثْمَة عَن أَبِيه عَن جده: أَنه شهد حنيناً مَعَ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَسْهم لفرسه سَهْمَيْنِ وَله
سَهْما. وَقَالَ مُحَمَّد بن عَمْرو: حَدثنَا أَبُو بكر بن
يحيى بن النَّضر عَن أَبِيه أَنه سمع أَبَا هُرَيْرَة،
يَقُول: أسْهم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
للْفرس سَهْمَيْنِ ولصاحبه سَهْما.
وَاحْتج بِهَذِهِ الْأَحَادِيث جُمْهُور الْعلمَاء: إِن
سِهَام الْفَارِس ثَلَاثَة: سَهْمَان لفرسه وَسَهْم لَهُ،
وَبِه قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأَبُو يُوسُف
وَمُحَمّد.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يُسهم للفارس إلاَّ سهم وَاحِد
ولفرسه سهم. وَاحْتج فِي ذَلِك بِمَا رَوَاهُ
الطَّبَرَانِيّ فِي (مُعْجَمه) : حَدثنَا حجاج بن عمرَان
السدُوسِي حَدثنَا سُلَيْمَان بن دَاوُد الشَّاذكُونِي
حَدثنَا
(14/154)
مُحَمَّد بن عمر الْوَاقِدِيّ حَدثنَا
مُوسَى بن يَعْقُوب الربعِي عَن عمته قريبَة بنت عبد الله
بن وهب عَن أمهَا كَرِيمَة بنت الْمِقْدَاد ابْن ضباعة بنت
الزبير بن عبد الْمطلب عَن الْمِقْدَاد بن عَمْرو أَنه:
كَانَ يَوْم بدر على فرس يُقَال لَهُ سبْحَة، فَأَسْهم
لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَهْمَيْنِ لفرسه
سهم وَاحِد وَله سهم، وَبِمَا رَوَاهُ الْوَاقِدِيّ أَيْضا
فِي الْمَغَازِي: حَدثنِي الْمُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن
الْحزَامِي عَن جَعْفَر بن خَارِجَة، قَالَ: قَالَ الزبير
بن الْعَوام: شهِدت بني قُرَيْظَة فَارِسًا فَضرب لي
بِسَهْم ولفرسي بِسَهْم. وَبِمَا رَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه
فِي (تَفْسِيره) فِي سُورَة الْأَنْفَال من حَدِيث عُرْوَة
عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت: أساب
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سَبَايَا بني
المصطلق، فَأخْرج الْخمس مِنْهَا ثمَّ قسم بَين
الْمُسلمين، فَأعْطى الْفَارِس سَهْمَيْنِ والراجل سَهْما.
وَبِمَا رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) : حَدثنَا
أَبُو أُسَامَة وَابْن نمير، قَالَا: حَدثنَا عبيد الله
عَن نَافِع عَن ابْن عمر: أَن رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، جعل للفارس سَهْمَيْنِ وللراجل سَهْما.
وَبِمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي أول كِتَابه
(المؤتلف والمختلف) من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أَمِين
عَن ابْن عمر: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
كَانَ يقسم للفارس سَهْمَيْنِ وللراجل سَهْما. وَفِي
(التَّوْضِيح) : خَالف أَبُو حنيفَة عَامَّة الْعلمَاء
قَدِيما وحديثاً، وَقَالَ: لَا يُسهم للفارس إلاَّ سهم
وَاحِد، وَقَالَ: أكره أَن أفضل بَهِيمَة على مُسلم،
وَخَالفهُ أَصْحَابه فَبَقيَ وَحده، وَقَالَ ابْن
سَحْنُون: انْفَرد أَبُو حنيفَة بذلك دون فُقَهَاء
الْأَمْصَار. قلت: لم ينْفَرد أَبُو حنيفَة بذلك، بل جَاءَ
مثل ذَلِك عَن عمر وَعلي وَأبي مُوسَى، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُم. فَإِن قلت: الْوَاقِدِيّ فِيهِ مقَال.
قلت: مَا لِلْوَاقِدِي؟ فقد قَالَ إِبْرَاهِيم
الْحَرْبِيّ: سَمِعت مصعباً الزبيرِي، وَسُئِلَ عَن
الْوَاقِدِيّ، فَقَالَ: ثِقَة مَأْمُون، وَكَذَلِكَ قَالَ
الْمسَيبِي حِين سُئِلَ عَنهُ، وَقَالَ أَبُو عبيد
الْقَاسِم بن سَلام الْوَاقِدِيّ ثِقَة، وَعَن
الدَّاودِيّ، قَالَ: الْوَاقِدِيّ أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي
الحَدِيث، وَلَئِن سلمنَا أَن فِيهِ مقَالا فَفِي أَكثر
أَحَادِيث هَؤُلَاءِ أَيْضا مقَال. فَحَدِيث أبي دَاوُد
الَّذِي رَوَاهُ عَن أَحْمد فِيهِ المَسْعُودِيّ فِيهِ
مقَال، واسْمه عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عتبَة بن عبد
الله بن مَسْعُود. وَحَدِيث أبي رهم فِيهِ قيس بن الرّبيع،
قَالَ فِي (التَّنْقِيح) : ضعفه بعض الْأَئِمَّة، وَأَبُو
رهم مُخْتَلف فِي صحبته. وَحَدِيث أبي كَبْشَة
الْأَنمَارِي فِيهِ مُحَمَّد بن عمرَان الْعَبْسِي، قَالَ
النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَفِيه عبد الله بن
بشر، قَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِثِقَة، وَقَالَ يحيى
الْقطَّان: لَا شَيْء، وَقَالَ أَبُو حَاتِم
وَالدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. وَحَدِيث مقداد فِيهِ مُوسَى
بن يَعْقُوب عَن عمته قريبَة فِيهِ لين، وَتفرد بِهِ
عَنْهَا. فَإِن قلت: حَدِيث الْبَاب وَمَا رُوِيَ من
(الصِّحَاح) مثله حجَّة عَلَيْهِ. قلت: لَا، لِأَن ظَاهر
قَوْله تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنما غنتم من شَيْء}
(الْأَنْفَال: 14) . يَقْتَضِي الْمُسَاوَاة بَين
الْفَارِس والراجل، وَهُوَ خطاب لجَمِيع الْغَانِمين، وَقد
شملهم هَذَا الِاسْم، وَحَدِيث الْبَاب وَنَحْوه مَحْمُول
على وَجه التَّنْفِيل.
وَقَالَ مالِكٌ يُسْهَمُ لِلْخَيْلِ والبَرَاذِينِ مِنْهَا
وَفِي بعض النّسخ قَوْله: قَالَ مَالك إِلَى الْبَاب
الَّذِي يَلِيهِ ذكر مقدما على الحَدِيث الْمَذْكُور.
قَوْله: (والبراذين) ، جمع: برذون، بِكَسْر الْبَاء
الْمُوَحدَة وَسُكُون الرَّاء وَفتح الذَّال الْمُعْجَمَة
وَسُكُون الْوَاو وَفِي آخِره نون، وَفِي الْمغرب: البرذون
التركي من الْخَيل وخلافها العراب، وَالْأُنْثَى برذونة،
وَيُقَال: البرذون يجلب من بِلَاد الرّوم، وَله جَلَد على
السّير فِي الشعاب وَالْجِبَال والوعر بِخِلَاف الْخَيل
الْعَرَبيَّة، وَهَذَا التَّعْلِيق رُوِيَ عَن مَالك
بِزِيَادَة: والهجين، وَهُوَ مَا يكون أحد أَبَوَيْهِ
عَرَبيا وَالْآخر غير عَرَبِيّ، وَقيل: الهجين الَّذِي
أَبوهُ فَقَط عَرَبِيّ، وَأما الَّذِي أمه فَقَط
عَرَبِيَّة فيسمى: المقرف، وَعَن أَحْمد: الهجين البرذون،
وَيُقَال: الهجين والبراذين خيل الرّوم وَالْفرس، وَقَالَ
ابْن فَارس: اشتقاق البرذون من برذن الرجل برذنة إِذا ثقل.
لِقَوْلِهِ تَعَالى {والخَيْلَ والبِغَالَ والحَمِيْرَ
لِتَرْكَبُوهَا} (النَّحْل: 8) .
قَالَ ابْن بطال، رَحمَه الله: وَجه الِاحْتِجَاج
بِالْآيَةِ أَن الله تَعَالَى أمتن بركوب الْخَيل، وَقد
أسْهم لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَاسم
الْخَيل يَقع على البرذون والهجين. قلت: وَبقول مَالك
قَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو
ثَوْر، وَقَالَ اللَّيْث: للهجين والبرذون سهم دون سهم
الْفرس، وَلَا يلحقان بالعراب، وَقَالَ ابْن المناصف: أول
من أسْهم البرذون رجل من هَمدَان يُقَال لَهُ الْمُنْذر
الوداعي، فَكتب بذلك إِلَى عمر، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، فأعجبه فجرت سنة للخيل والبراذين، وَفِي ذَلِك
يَقُول شَاعِرهمْ:
(14/155)
(وَمنا الَّذِي قد سنَّ فِي الْخَيل سنَّة
... وَكَانَت سَوَاء قبل ذَاك سهامها)
وَعَن محكول فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي
(الْمَرَاسِيل) : (أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، هجّن الهجين يَوْم خَيْبَر وعرَّب الْعَرَبِيّ،
للعربي سَهْمَان وللهجين سهم) . وَقَالَ الإشبيلي:
وَرُوِيَ مَوْصُولا عَن مَكْحُول عَن زِيَاد بن حَارِثَة
عَن حبيب بن سَلمَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
والمرسل أصح، وَقَالَ ابْن المناصف، وَرُوِيَ أَيْضا عَن
الْحسن وَبِه قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل، وَقَالَ مَكْحُول:
وَلَا شَيْء للبراذين، وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ،
وَقَالَ ابْن حزم: للراجل وراكب الْبَغْل وَالْحمار والجمل
سهم وَاحِد فَقَط، وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأبي
سُلَيْمَان، وَقَالَ أَحْمد: للفارس ثَلَاثَة أسْهم ولراكب
الْبَعِير سَهْمَان.
ولاَ يُسْهَمُ لأِكْثَرَ مِنْ فَرَسٍ
هُوَ من بَقِيَّة كَلَام مَالك، وَهُوَ قَول الْجُمْهُور،
وَبِه قَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ
وَمُحَمّد بن الْحسن وَأهل الظَّاهِر. وَقَالَ
الْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَاللَّيْث وَأحمد وَأَبُو
يُوسُف وَإِسْحَاق: يُسهم لفرسين، وَهُوَ قَول ابْن وهب
وَابْن الجهم من الْمَالِكِيَّة، وَقَالَ ابْن أبي عَاصِم:
وَهُوَ قَول الْحسن وَمَكْحُول وَسَعِيد بن عُثْمَان،
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: لم يقل أحد أَنه يُسهم لأكْثر من
فرسين إلاَّ شَيْئا رُوِيَ عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى
الْأَشْدَق، قَالَ: يُسهم لمن عِنْده أَفْرَاس: لكل فرس
سَهْمَان وَهُوَ شَاذ. وَعَن مَالك، فِيمَا ذكره ابْن
المناصف: إِذا كَانَ الْمُسلمُونَ فِي سفن فَلَقوا الْعَدو
فغنموا أَنه يضْرب للخيل الَّتِي مَعَهم فِي السفن بسهمهم،
وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَالْأَوْزَاعِيّ وَأبي ثَوْر،
وَقَالَ بعض الْفُقَهَاء: الْقيَاس أَن لَا يُسهم لَهَا.
وَاخْتلف فِي فرس يَمُوت قبل حُضُور الْقِتَال، فَقَالَ
الشَّافِعِي وَأحمد وَإِسْحَاق: يُسهم، وَأَبُو ثَوْر: لَا
يُسهم لَهُ إلاَّ إِذا حضر الْقِتَال. وَقَالَ مَالك
وَابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب وَعبد الْملك بن الْمَاجشون:
بالإدراب يسْتَحق الْفرس الإسهام، وَإِلَيْهِ ذهب ابْن
حبيب، قَالَ: وَمن حطم فرسه أَو كسر بعد الإيجاف أسْهم
لَهُ. وَقَالَ مَالك: ويسهم للرهيص من الْخَيل وَإِن لم
يزل رهيصاً من حِين دخل إِلَى حِين خرج بِمَنْزِلَة
الْإِنْسَان الْمَرِيض. قَالَه ابْن الْمَاجشون وَأَشْهَب
وَأصبغ، وَقَالَ اللَّخْمِيّ، وَرُوِيَ عَن مَالك أَنه:
لَا يُسهم للْمَرِيض من الْخَيل. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ
فِي رجل دخل دَار الْحَرْب بفرسه ثمَّ بَاعه من رجل دخل
دَار الْحَرْب رَاجِلا، وَقد غنم الْمُسلمُونَ غَنَائِم
قبل شِرَائِهِ وَبعده: أَنه يُسهم للْفرس، فَمَا غنموا قبل
الشِّرَاء للْبَائِع، وَمَا غنموا بعد الشِّرَاء فسهمه
للْمُشْتَرِي، فَمَا اشْتبهَ من ذَلِك قسم بَينهمَا، وَبِه
قَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وعَلى
هَذَا مَذْهَب الشَّافِعِي إلاَّ فِيمَا اشْتبهَ، فمذهبه
أَنه يُوقف الَّذِي أشكل من ذَلِك بَينهمَا حَتَّى يصطلحا.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا دخل أَرض الْعَدو غازياً
رَاجِلا، ثمَّ ابْتَاعَ فرسا يُقَاتل عَلَيْهِ وأحرزت
الْغَنِيمَة وَهُوَ فَارس أَنه لَا يضْرب لَهُ إلاَّ
بِسَهْم راجل.
25 - (بابُ منْ قَادَ دَابَّةَ غَيْرِهِ فِي الحَرْبِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من قاد ... إِلَى آخِره.
4682 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ قَالَ حدَّثنا سَهْلُ بنُ
يُوسُفَ عنْ شُعْبَةَ عنْ أبِي إسْحَاقَ قَالَ رَجلٌ
لِلْبَرَاءِ بنِ عازِبٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا
أفرَرْتُمْ عنْ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ
حُنَيْنٍ قَالَ لاكِنَّ رسولَ الله لَمْ يَفِرَّ إنَّ
هَوَازِنَ كانُوا قَوْمَاً رُماةً وإنَّا لَمَّا
لَقِيناهُمْ حَمَلْنَا علَيْهِمْ فانْهَزَمُوا فأقْبَلَ
المُسْلِمُونَ علَى الغَنَائِمِ واسْتَقْبَلُونَا
بالسِّهَامِ فأمَّا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فلَمْ يَفِرَّ فَلَقَدْ رَأيْتُهُ وإنَّهُ لَعَلَى
بَغْلَتِهِ البَيْضَاءِ وإنَّ أَبَا سُفْيَانَ آخِذٌ
بِلِجَامِهَا والنبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ:
(أَنا النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ ... أنَا ابنُ عَبْدِ
المُطَّلِبْ)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَأَبُو سُفْيَان آخذ
بِلِجَامِهَا) . وَسَهل بن يُوسُف الْأنمَاطِي
الْبَصْرِيّ، وَأَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله
(14/156)
السبيعِي. وَأخرجه مُسلم أَيْضا.
قَوْله: (رجل للبراء) وَفِي رِوَايَة قَالَ للبراء رجل من
قيس. قَوْله: (أَفَرَرْتُم؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على
وَجه الاستخبار. قَوْله: (يَوْم حنين) ، قَالَ
الْوَاقِدِيّ: حنين وادٍ بَينه وَبَين مَكَّة ثَلَاث
لَيَال قرب الطَّائِف، وَقَالَ الْبكْرِيّ: بضعَة عشر
ميلًا، والأغلب فِيهِ التَّذْكِير لِأَنَّهُ اسْم مَاء،
وَرُبمَا أنثت الْعَرَب جعلته إسماً للبقعة، وَهُوَ وَرَاء
عَرَفَات سمي بحنين بن قانية بن مهلايل. وَقَالَ
الزَّمَخْشَرِيّ: هُوَ إِلَى جنب ذِي الْمجَاز، وَكَانَت
سنة ثَمَان، وسببها أَنه لما أجمع، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، على الْخُرُوج إِلَى مَكَّة لنصرة خُزَاعَة، أَتَى
الْخَبَر إِلَى هوَازن أَنه يريدهم، فَاسْتَعدوا للحرب
حَتَّى أَتَوا سوق ذِي الْمجَاز، فَسَار صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم حَتَّى أشرف على وَادي حنين مسَاء لَيْلَة الْأَحَد،
ثمَّ صَالحهمْ يَوْم الْأَحَد نصف شَوَّال. قَوْله: (لَكِن
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يفر) ، هَذَا
هُوَ الْمَعْلُوم من حَاله وَحَال الْأَنْبِيَاء،
عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، لإقدامهم وشجاعتهم
وثقتهم بوعد الله، عز وَجل، ورغبتهم فِي الشَّهَادَة،
وَفِي لِقَاء الله، عز وَجل، وَلم يثبت عَن وَاحِد مِنْهُم
وَالْعِيَاذ بِاللَّه أَنه فر، وَمن قَالَ ذَلِك قتل وَلم
يستتب لِأَنَّهُ صَار بِمَنْزِلَة من قَالَ: إِنَّه صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ أسوداً وأعجمياً، لإنكاره مَا
علم من وَصفه قطعا، وَذَلِكَ كفر. قَالَ الْقُرْطُبِيّ:
وَحكي عَن بعض أَصْحَابنَا الْإِجْمَاع على قتل من أضَاف
إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نقصا أَو عَيْبا، وَقيل:
يُسْتَتَاب، فَإِن تَابَ وإلاَّ قتل. قَالَ ابْن بطال:
لِأَنَّهُ كَافِر إِن لم يتَأَوَّل ويعذر بتأويله. وَقَالَ
النَّوَوِيّ: وَالَّذين فروا يَوْمئِذٍ إِنَّمَا فَتحه
عَلَيْهِ من كَانَ فِي قلبه مرض من مسلمة الْفَتْح
الْمُؤَلّفَة ومشركيها الَّذين لم يَكُونُوا أَسْلمُوا،
وَالَّذين خَرجُوا الْأَجَل الْغَنِيمَة، وَإِنَّمَا
كَانَت هزيمتهم فجاءة. قَوْله: (إِن هوَازن) ، هم قَبيلَة
من قيس، فَإِن قلت: هَذَا الِاسْتِدْرَاك مماذا؟ قلت:
تَقْدِيره: نَحن فَرَرْنَا، وَلَكِن رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لم يفر، وَحذف لقصدهم عدم التَّصْرِيح
بفرارهم، وَكَذَلِكَ التَّقْدِير فِي قَوْله: فَأَما
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلم يفر،
تَقْدِيره: أما نَحن فقد فَرَرْنَا، وَأما رَسُول الله،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلم يفر. قَوْله: (رُمَاة) ،
جمع رام. قَوْله: (واستقبلونا) ويروى: فاستقبلونا،
بِالْفَاءِ. قَوْله: (على بغلته الْبَيْضَاء) ، وَاخْتلف
فِي هَذِه البغلة، فَفِي مُسلم: كَانَت بَيْضَاء أهداها
لَهُ فَرْوَة ابْن نفاثة. وَفِي لفظ: كَانَت شهباء، وَفِي
رِوَايَة ابْن سعد: كَانَ رَاكِبًا دُلْدُل الَّتِي أهداها
لَهُ الْمُقَوْقس، فَيحْتَمل أَن يكون ركبهما يَوْمئِذٍ،
نزل عَن وَاحِدَة وَركب الْأُخْرَى، وركوبه يَوْمئِذٍ
البغلة هُوَ النِّهَايَة فِي الشجَاعَة والثبات، لَا
سِيمَا فِي نُزُوله عَنْهَا، وَمِمَّا يدل على شجاعته
تقدمه يرْكض على البغلة إِلَى جمع الْمُشْركين حِين فر
النَّاس، وَلَيْسَ مَعَه غير اثْنَي عشر نَفرا، وَكَانَ
الْعَبَّاس وَأَبُو سُفْيَان آخذين بلجام البغلة يكفانها
عَن الْإِسْرَاع بِهِ إِلَى الْعَدو، وَأَبُو سُفْيَان
هُوَ ابْن الْحَارِث بن عبد الْمطلب ابْن عَم رَسُول الله،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَخُوهُ من الرضَاعَة، قيل:
اسْمه كنيته، وَقيل: اسْمه الْمُغيرَة، وَكَانَ من فضلاء
الصَّحَابَة، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سنة عشْرين. قَوْله:
(وَالنَّبِيّ يَقُول) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال. وَقَوله:
(أَنا النَّبِي لَا كذب) ، زعم ابْن التِّين أَن بعض أهل
الْعلم كَانَ يرويهِ: لَا كذب، بِنصب الْبَاء ليخرجه عَن
أَن يكون مَوْزُونا، وَفِيه إِثْبَات لنبوته صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم كَأَنَّهُ قَالَ: أَنا لَيْسَ بكاذب فِيمَا
أَقُول، فَيجوز على الانهزام، وانتسابه إِلَى جده لرؤيا
كَانَ عبد الْمطلب رَآهَا دَالَّة على نبوته مَشْهُورَة
عِنْد الْعَرَب وعبررها لَهُ سيف ابْن ذِي يزن، فِيمَا
ذكره ابْن ظفر. قلت: قصَّته أَن عبد الْمطلب لما وَفد على
سيف بن ذِي يزن فِي جمَاعَة من قُرَيْش أخبر سيف أَن يكون
فِي وَلَده نَبِي، وَكَانَ ذَلِك مِمَّا يناقله أهل الْيمن
كَابِرًا عَن كَابر إِلَى أَن بلغ سَيْفا. وَقيل: لِأَن
شهرة جده كَانَت أَكثر من شهرة أَبِيه، لِأَنَّهُ توفّي
شَابًّا فِي حَيَاة أَبِيه.
وَفِيه: جَوَاز الانتماء فِي الْحَرْب، وَإِنَّمَا كره من
ذَلِك مَا كَانَ على وَجه الافتخار فِي غير الْحَرْب،
لِأَنَّهُ رخص فِي الْخُيَلَاء فِي الْحَرْب مَعَ نَهْيه
عَنْهَا فِي غَيرهَا. فَإِن قلت: الْفِرَار من الزَّحْف
كَبِيرَة، فَكيف بِمن انهزم هُنَا؟ قلت: قَالَ
الطَّبَرِيّ: الْفِرَار المتوعد عَلَيْهِ هُوَ أَن يَنْوِي
أَن لَا يعود إِذا وجد قُوَّة وَأما من تحيز إِلَى فِئَة
أَو كَانَ فراره لِكَثْرَة عدد الْعَدو، وَنوى الْعود إِذا
أمكنه، لَيْسَ دَاخِلا فِي الْوَعيد، وَلِهَذَا قَالَ، عز
وَجل، فِي حق هَؤُلَاءِ {ثمَّ أنزل الله سكينته على
رَسُوله وعَلى الْمُؤمنِينَ} (التَّوْبَة: 66) . وَفِيه:
جَوَاز الْأَخْذ بالشدة والتعرض للهلكة فِي سَبِيل الله،
لِأَن النَّاس فروا عَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم. وَلم يبْق إلاَّ اثْنَي عشر رجلا، وهم: عتبَة ومعتب
ابْني أبي لَهب وجعفر بن أبي سُفْيَان بن الْحَارِث بن عبد
الْمطلب، وَأَبُو بكر وَعمر وَعلي وَالْفضل بن عَبَّاس
وَأُسَامَة وَقثم بن الْعَبَّاس وأيمن بن أم أَيمن وَقتل
يَوْمئِذٍ، وَرَبِيعَة بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب وَعقيل
بن أبي طَالب وَأم سليم أم أنس بن مَالك من النِّسَاء.
وَفِيه: ركُوب البغال فِي الْحَرْب للْإِمَام ليَكُون أثبت
لَهُ، وَلِئَلَّا يظنّ بِهِ الاستعداد للفرار والتولي،
وَهُوَ من بَاب السياسة لنفوس الِاتِّبَاع لِأَنَّهُ إِذا
ثَبت أَتْبَاعه، وَإِذا ريىء مِنْهُ الْعَزْم على
الثَّبَات عزم عَلَيْهِ.
(14/157)
وَفِيه: خدمَة السُّلْطَان فِي الْحَرْب
وسياسة دوابه لأشراف النَّاس من قرَابَته وَغَيرهم.
35 - (بابُ الرِّكَابِ والغَرْزِ للدَّابَّةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الركاب والغرز الكائنين
للدابة، فالركاب، بِكَسْر الرَّاء وَتَخْفِيف الْكَاف،
قَالَ الْجَوْهَرِي: ركاب السرج مَعْرُوف، والركاب أَيْضا
الْإِبِل الَّتِي يسَار عَلَيْهَا الْوَاحِدَة رَاحِلَة
وَلَا وَاحِدَة لَهَا من لَفظهَا. قَوْله: (والغرز) ،
بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء وَفِي
آخِره زَاي: وَهُوَ الركاب الَّذِي يركب بِهِ الْإِبِل
إِذا كَانَ من جلد، وَالْفرق بَينهمَا أَن الرِّكاب يكون
من الْحَدِيد أَو الْخشب، والغرز لَا يكون إلاَّ من
الْجلد، وَقيل: هما مُتَرَادِفَانِ، والغرز للجمل والركاب
للْفرس.
5682 - حدَّثني عُبَيْدُ بنُ إسْمَاعِيلَ عنْ أبِي
أُسَامَةَ عنْ عُبَيْدِ الله عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا عنِ النَّبِيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أنَّهُ كانَ إذَا أدْخَلَ رِجْلَهُ فِي
الغَرْزِ واسْتَوَتْ بِهِ ناقَتُهُ قائِمَةً أهَلَّ مِنْ
عِنْدِ مَسْجِدِ ذِي الحُلَيْفَةِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (إِذا أَدخل ررجه فِي
الغرز) فَإِن قلت: لفظ الركاب لَيْسَ فِي الحَدِيث قلت
ألحقهُ بِهِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ، أَو أَشَارَ بِهِ
إِلَى أَنَّهُمَا وَاحِد من الْأَسْمَاء المترادفة. وَعبيد
بن إِسْمَاعِيل قد مر عَن قريب، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد
بن أُسَامَة، وَعبيد الله بن عمر الْعمريّ. وَهَذَا
الْإِسْنَاد بِعَيْنِه قد مر فِي أول: بَاب سِهَام الْفرس.
قَوْله: (قَائِمَة) ، نصب على الْحَال، ومباحثه مرت فِي
أَوَائِل كتاب الْحَج.
45 - (بابُ رُكُوبِ الفَرَسِ العُرْيِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر ركُوب الْفرس العري، بِضَم الْعين
الْمُهْملَة وَسُكُون الرَّاء، وَهُوَ: أَن لَا يكون
عَلَيْهِ سرج وَلَا أَدَاة، وَلَا يُقَال فِي الْآدَمِيّين
إلاَّ عُرْيَان، قَالَه ابْن فَارس، وَهُوَ من
النَّوَادِر، وَحكى ابْن التِّين أَنه ضبط فِي الحَدِيث
بِكَسْر الرَّاء وَتَشْديد الْيَاء.
55 - (بابُ الفَرَسِ القَطُوفِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر الْفرس القطوف، بِفَتْح الْقَاف
وَضم الطَّاء الْمُهْملَة. وَهُوَ من الدَّوَابّ: المقارب
الخطو، وَقيل: الضّيق الْمَشْي، وَيُقَال: قطفت الدَّابَّة
تقطف قطافاً وقطوفاً بِالضَّمِّ، إِذا بطأت السّير مَعَ
تقَارب الخطو، وَقَالَ الثعالبي: إِن مَشى وثباً فَهُوَ
قطوف، وَإِن كَانَ يرفع يَدَيْهِ وَيقوم على رجلَيْهِ
فَهُوَ سبوت، وَإِن التوى براكبه فَهُوَ قموص، وَإِن منع
ظَهره فَهُوَ شموس.
7682 - حدَّثنا عبْدُ الْأَعْلَى بنُ حَمَّادٍ قَالَ
حدَّثنا يَزيدُ بنُ زُرَيْعٍ قَالَ حدَّثنا سَعِيدٌ عنْ
قَتادَةَ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
أنَّ أهْلَ المَدِينَةِ فَزِعُوا مَرَّةً فرَكِبَ
النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرَسَاً
(14/158)
لأِبي طَلْحَةَ كانَ يَقْطِفُ أوْ كانَ
فِيهِ قِطافٌ فلَمَّا رَجَع قَالَ وجَدْنَا فَرَسَكُمْ
هَذَا بَحْرَاً فَكانَ بَعْدَ ذَلِكَ لاَ يُجَارَى..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (كَانَ يقطف أَو كَانَ
فِيهِ قطاف) وَعبد الْأَعْلَى بن حَمَّاد بن نصر أَصله
بَصرِي سكن بَغْدَاد، وَسَعِيد هُوَ ابْن أبي عرُوبَة.
قَوْله: (يقطف) ، بِكَسْر الطَّاء وَبِضَمِّهَا. قَوْله:
(أَو كَانَ فِيهِ قطاف) ، شكّ من الرَّاوِي، والقطاف
بِالْكَسْرِ مصدر، وَقد مر الْآن. قَوْله: (لَا يجارى) ،
على صِيغَة الْمَجْهُول، أَي: لَا يُطيق فرس الجري مَعَه.
وَفِيه: معْجزَة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لكَونه
ركب بطيئاً فَصَارَ بعد ذَلِك لَا يجارى، وَقد مر
الْكَلَام فِيهِ فِي: بَاب اسْم الْفرس وَالْحمار.
65 - (بابُ السَّبْقِ بَيْنَ الخَيْلِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَشْرُوعِيَّة السَّبق بَين
الْخَيل، والسبق، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون
الْبَاء الْمُوَحدَة: مصدر من سبق يسْبق من بَاب ضرب
يضْرب، وبالتحريك: الرَّهْن الَّذِي يوضع لذَلِك.
8682 - حدَّثنا قَبِيصَةُ قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ عنْ
عُبَيْدِ الله عنْ نافِعٍ عنْ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ أجْرَى النَّبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مَا ضُمِّرَ مِنَ الخَيْلِ مِنَ الحَفْياءِ
إِلَى ثَنِيَّةِ الوَدَاعِ وأجْرَى مَا لَمْ يُضَمَّرْ
مِنَ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَني زُرَيْقٍ قَالَ
ابنُ عُمَرَ وكُنْتُ فِيمَنْ أجْرَى..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أجْرى) فِي
الْمَوْضِعَيْنِ، لِأَن الإجراء فِيهِ معنى السَّبق،
وَقبيصَة، بِفَتْح الْقَاف: ابْن عقبَة، قد تكَرر ذكره،
وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَعبيد الله هُوَ ابْن عمر
الْعمريّ. والْحَدِيث مضى فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب
هَل يُقَال مَسْجِد بني فلَان؟ وَقد مر الْكَلَام فِيهِ
هُنَاكَ.
قَالَ عَبْدُ الله حَدثنَا سُفْيَانُ قَالَ حدَّثني
عُبَيْدُ الله قَالَ سُفْيَانُ بَيْنَ الحَفْيَاءِ إِلَى
ثَنِيَّةِ الوَدَاعِ خَمْسَةُ أمْيَالٍ أوْ سِتَّةٌ
وبَيْنَ ثَنيَّةٍ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ مِيلٌ
عبد الله هُوَ ابْن الْوَلِيد الْعَدنِي، وَقَالَ
الْكرْمَانِي: وَمَا وَقع فِي بَعْضهَا بدل عبد الله:
أَبُو عبد الله، فَهُوَ سَهْو، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ،
وَعبيد الله هُوَ ابْن عمر الْعمريّ، وَأَرَادَ
البُخَارِيّ بِهَذَا بَيَان تَصْرِيح الثَّوْريّ عَن
شَيْخه بِالتَّحْدِيثِ، بِخِلَاف الرِّوَايَة الأولى،
فَإِنَّهَا بالعنعنة. . قَوْله: (قَالَ سُفْيَان) ،
مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور.
75 - (بابُ إضْمَارِ الخَيْلِ لِلسَّبْقِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إِضْمَار الْخَيل لأجل
السَّبق، هَل هُوَ شَرط أم لَا؟ الْإِضْمَار والتضمير أَن
يظاهر على الْخَيل بالعلف حَتَّى يسمن، ثمَّ لَا تعلف
إلاَّ قوتاً لتخف. وَقيل: يشد عَلَيْهَا سُرُوجهَا وتجلل
بالإجلة حَتَّى تعرق تحتهَا فَيذْهب رهلها، ويشتد لَحمهَا،
وَيُقَال: تضمير الْخَيل أَن تدخل فِي بَيت وَينْقص من
علفه ويجلل حَتَّى يكثر عرقه فينقص لَحْمه فَيكون أقوى
لجريه، وَقيل: ينقص علفه ويجلل بجل مبلول.
9682 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ قَالَ حدَّثنا
اللَّيْثُ عنْ نافِعٍ عنْ عبدِ الله رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سابَقَ بَيْنَ
الخَيْلِ التِي لَمْ تُضَمَّرْ وكانَ أمْدُهَا مِنَ
الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ وأنَّ عبْدَ
الله بنَ عُمَرَ كانَ سابَقَ بِهَا..
هَذَا طَرِيق آخر لحَدِيث عبد الله بن يُونُس الْيَرْبُوعي
الْكُوفِي عَن اللَّيْث بن سعد، ومطابقته للتَّرْجَمَة غير
ظَاهِرَة، لِأَنَّهُ ترْجم بإضمار الْخَيل، وَذكر الْخَيل
الَّتِي لم تضمر، وَلَكِن قيل: الْمُسَابقَة بالمضمرة لم
تنكر عَادَة، وَأما غير المضمرة فقد تنكر، ويعتقد
(14/159)
أَنه لَا يجوز لما فِيهِ من مشقة سوقها،
والخطر فِيهِ، فَبين بِالْحَدِيثِ جَوَازه وَإِن
الْإِضْمَار لَيْسَ بِشَرْط فِي الْمُسَابقَة، وَوجه آخر
وَهُوَ أَنه: أَرَادَ حَدِيث ابْن عمر بِطُولِهِ، وَفِيه
السَّبق بالنوعين، فَذكر طرفا مِنْهُ للْعلم بباقيه،
وَقَالَ ابْن بطال: إِنَّمَا ترْجم لطريق اللَّيْث
بالإضمار وَأوردهُ بِلَفْظ: سَابق بَين الْخَيل الَّتِي لم
تضمر، ليشير بذلك إِلَى تَمام الحَدِيث.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي المغاز عَن يحيى بن يحيى
وقتيبة وَمُحَمّد بن رمح. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي
الْخَيل عَن قُتَيْبَة بِهِ.
قَوْله: (أمدها) الأمد: الْغَايَة الَّتِي يَنْتَهِي
إِلَيْهَا من مَوضِع أَو وَقت.
قَالَ أَبُو عبدِ الله أمَدَاً غايَةً فَطالَ علَيْهِمُ
الأمَدُ
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، وَوَقع هَذَا فِي
رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وَحده، وَالَّذِي ذكره هُوَ
تَفْسِير أبي عُبَيْدَة فِي (الْمجَاز) .
85 - (بابُ غايَةِ السَّبْقِ لِلْخَيْلِ المُضَمَّرَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان غَايَة السَّبق، وَفِي بعض
النّسخ: غَايَة السباق.
0782 - حدَّثنا عبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا
مُعاوِيَةُ قَالَ حدَّثنا أبُو إسْحَاقَ عنْ مُوسى بنِ
عُقْبَةَ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى
عنهُما قَالَ سابَقَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بَيْنَ الخَيْلِ الَّتِي قَدْ أضْمَرَتْ فأرْسَلَهَا مِنَ
الحَفْيَاءِ وكانَ أمَدُها ثَنِيَّةَ الوَدَاعِ فَقُلْتُ
لِمُوسَى فَكَمْ كانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَالَ سِتَّةُ
أمْيَالٍ أوْ سَبْعَةٌ وسابَقَ بَيْنَ الخَيْلِ التِي لَم
تُضَمَّرْ فأرْسَلَهَا مِنْ ثَنِيَّةِ الوَدَاعِ وكانَ
أمَدُهَا مَسْجِدَ بَنِي زُرَيْقٍ قُلْتُ فَكَمْ بَيْنَ
ذَلِكَ قَالَ مِيلٌ أوْ نَحْوُهُ وكانَ ابنُ عُمَرَ
مِمَّنْ سابَقَ فِيها..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهُوَ طَرِيق آخر لحَدِيث
ابْن عمر عَن عبد الله بن مُحَمَّد المسندي عَن مُعَاوِيَة
بن عَمْرو الْأَزْدِيّ عَن أبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن
مُحَمَّد بن الْحَارِث الْفَزارِيّ عَن مُوسَى بن عقبَة بن
أبي عَيَّاش الْأَسدي الْمَدِينِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن مُحَمَّد بن
رَافع عَن عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج.
قَوْله: (فَقلت لمُوسَى) ، الْقَائِل هُوَ أَبُو إِسْحَاق.
وَفِيه: مَشْرُوعِيَّة الْمُسَابقَة وَأَنه لَيْسَ من
الْعَبَث بل من الرياضة المحمودة الموصلة إِلَى تَحْصِيل
الْمَقَاصِد فِي الْغَزْو وَالِانْتِفَاع بهَا عِنْد
الْحَاجة، وَهِي دَائِرَة بَين الِاسْتِحْبَاب
وَالْإِبَاحَة بِحَسب الْبَاعِث على ذَلِك، وَجعلهَا
بَعضهم سنة، وَبَعْضهمْ إِبَاحَة. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ:
لَا خلاف فِي جَوَاز الْمُسَابقَة على الْخَيل وَغَيرهَا
من الدَّوَابّ وعَلى الْأَقْدَام، وَكَذَا الترامي
بِالسِّهَامِ وَاسْتِعْمَال الأسلحة، لما فِي ذَلِك من
التدريب على الْحَرْب. انْتهى. وَقد خرج هَذَا من بَاب
الْقمَار بالسنَّة، وَكَذَلِكَ هُوَ خَارج من تَعْذِيب
الْبَهَائِم، لِأَن الْحَاجة إِلَيْهَا تَدْعُو إِلَى
تأديبها وتدريبها. وَفِيه: تجويع الْبَهَائِم على وَجه
الصّلاح عِنْد الْحَاجة إِلَى ذَلِك. وَفِيه: رياضة
الْخَيل الْمعدة للْجِهَاد. وَفِيه: أَن الْمُسَابقَة بَين
الْخَيل يجب أَن يكون أمدها مَعْلُوما وَأَن تكون الْخَيل
مُتَسَاوِيَة الْأَحْوَال أَو مُتَقَارِبَة، وَأَن لَا
يسابق الْمُضمر مَعَ غَيره، وَهَذَا إِجْمَاع من
الْعلمَاء، لِأَن صَبر الْفرس الْمُضمر المجوع فِي الجري
أَكثر من صَبر المعلوف، فَلذَلِك جعلت غَايَة المضمرة
سِتَّة أَمْيَال أَو سَبْعَة، وَجعلت غَايَة المعلوفة
ميلًا وَاحِدًا. وَقَالَ بَعضهم: وَفِيه: نِسْبَة الْفِعْل
إِلَى الْآمِر بِهِ، لِأَن قَوْله: (سَابق) أَي: أَمر
وأباح. قلت: لَيْت شعري مَا وَجه هَذِه النِّسْبَة، وَقد
صرح ابْن عمر بِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَابق
وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة إِسْنَاد السباق إِلَى نَفسه،
وَلَا معنى للعدول عَن الْحَقِيقَة إِلَى الْمجَاز من غير
دَاع ضَرُورِيّ، وَقد صرح أَحْمد فِي (مُسْنده) من
رِوَايَة عبد الله بن عمر المكبر عَن نَافِع عَن ابْن عمر:
أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سَابق بَين
الْخَيل، وراهن. انْتهى. وَلم يتَعَرَّض هُنَا للمراهنة،
وَقد قَالَ التِّرْمِذِيّ: بَاب الْمُرَاهنَة على الْخَيل،
وَلَعَلَّه أَشَارَ إِلَى الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ
أَحْمد. وَقد أجمع الْعلمَاء على جَوَاز الْمُسَابقَة
بِلَا عوض، لَكِن قصرهَا مَالك وَالشَّافِعِيّ على الْخُف
والحافر والنصل، وَخَصه بعض الْعلمَاء بِالْخَيْلِ،
وَأَجَازَهُ عَطاء فِي كل شَيْء.
(14/160)
وَأما الْمُسَابقَة بعوض فَإِن كَانَ
المَال شرطا من جَانب وَاحِد بِأَن يَقُول أَحدهمَا
لصَاحبه: إِن سبقتني فلك كَذَا وَإِن سبقتك فَلَا شَيْء
لي، فَهُوَ جَائِز. وَحكي عَن مَالك أَنه: لَا يجوز،
لِأَنَّهُ قمار، وَلَو شَرط المَال من الْجَانِبَيْنِ حرم
بِالْإِجْمَاع إلاَّ إِذا أدخلا ثَالِثا بَينهمَا. وَقَالا
للثَّالِث: إِن سبقتنا فالمالان لَك، وَإِن سبقناك فَلَا
شَيْء لَك، وَهُوَ فِيمَا بَينهمَا أَيهمَا سبق أخذا لجعل
عَن صَاحبه، وَسَأَلَ أَشهب مَالِكًا عَن الْمُحَلّل،
قَالَ: لَا أحبه، وَلنَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من
حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
قَالَ: (من أَدخل فرسه بَين فرسين وَهُوَ لَا يَأْمَن إِن
سبق فَلَيْسَ قماراً، وَإِن أَمن إِن يسْبق فَهُوَ قمار) .
فَلهَذَا يشْتَرط أَن يكون فرس الْمُحَلّل أَو بعيره
مكافياً بفرسيهما، أَو بعيريهما، وَإِن لم يكن مكافئاً
كَانَ أَحدهمَا بطيئاً فَهُوَ قمار، وَقَالَ مُحَمَّد:
إِدْخَال الثَّالِث إِنَّمَا يكون حِيلَة إِذا توهم سبقه،
كَذَا فِي (التَّتِمَّة) : وَيشْتَرط فِي الْمُسَابقَة فِي
الْحَيَوَان تَحْدِيد الْمسَافَة، وَكَذَا فِي المناضلة
بِالرَّمْي.
والمسابقة بالأقدام تجوز إِذا كَانَ المَال مَشْرُوطًا من
جَانب وَاحِد، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي فِي قَول، وَقَالَ
فِي الْمَنْصُوص: لَا يجوز، وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد.
وَلَا تجوز الْمُسَابقَة فِي البغال وَالْحمير، وَبِه
قَالَ الشَّافِعِي فِي قَول، وَمَالك وَأحمد: إِذا كَانَ
بِجعْل، وَعَن الشَّافِعِي، فِي قَول: تجوز.
95 - (بابُ ناقَةِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ذكر نَاقَة النَّبِي، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي بعض النّسخ: بَاب نَاقَة النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْقَصْوَاء والعضباء.
قَالَ ابنُ عُمَرَ أرْدَفَ النبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم اسامَةَ علَى القَصْوَاءِ
هَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ ابْن مَنْدَه فِي كتاب
(الأرداف) من طَرِيق عَاصِم بن عبيد الله عَن سَالم عَن
أَبِيه، فَذكره من غير ذكر الْقَصْوَاء وَقَالَ ابْن
التِّين: ضبطت القصوى، بِضَم الْقَاف وَالْقصر، وَهِي
عِنْد أهل اللُّغَة بِالْفَتْح وَالْمدّ، وَقَالَ ابْن
قرقول: هِيَ المقطوعة ربع الْأذن، وَالْقصر خطأ، وَهِي
الَّتِي هَاجر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
عَلَيْهَا. وَيُقَال لَهَا: العضباء، ابتاعها أَبُو بكر،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، من نعم بني الْحَرِيش
والجدعاء، وَكَانَت شهباء، وَكَانَ لَا يحملهُ إِذا نزل
عَلَيْهِ الْوَحْي غَيرهَا، وَتسَمى أَيْضا: الْحِنَّاء
والسمراء والعريس والسعدية والبغوم واليسيرة والرياء وبردة
والمروة والجعدة ومهرة والشقراء. وَفِي (الْمُحكم) :
القصاء، حذف فِي طرف أذن النَّاقة وَالشَّاة، وَهُوَ أَن
يقطع مِنْهَا شَيْء قَلِيل، وَقد قصاها قصواً، وقصاها،
وناقة قصواء ومقصوة، وجمل مقصو وأقصى، وَأنكر بَعضهم:
أقْصَى. وَقَالَ اللحياني: بعير أقْصَى ومقصى ومقصو، وناقة
قصواء ومقصاة ومقصوة: مَقْطُوعَة طرف الْأذن، والقصية من
الْإِبِل: الْكَرِيمَة الَّتِي لَا تجهد فِي حل وَلَا حمل،
وَقيل: القصية من الْإِبِل رذالتها. وَقَالَ الْجَوْهَرِي:
كَانَت نَاقَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لم تكن
مَقْطُوعَة الْأذن، وَجزم ابْن بطال: بِأَن الْقَصْوَاء من
النوق الَّتِي فِي أذنها حذف، يُقَال مِنْهُ: نَاقَة قصواء
وبعير مقصي، قَالَ أَبُو عبيد: العضباء مشقوقة الْأذن.
وَقَالَ ابْن فَارس: العضباء لقب لَهَا، وَقَالَ
الْكرْمَانِي: وَأما نَاقَة رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، الَّتِي كَانَت تسمى العضباء، إِنَّمَا
كَانَ ذَلِك لقباً لَهَا وَلم تكن أذنها مشقوقة. وَقَالَ
صَاحب (الْعين) نَاقَة عضباء مشقوقة الْأذن، وشَاة عضباء
مَكْسُورَة الْقرن، والعضب: الْقطع، وَقد عضبه يعضبه: إِذا
قطع.
وَقَالَ المِسْوَرُ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم مَا خَلأتِ القَصْوَاءُ
الْمسور، بِكَسْر الْمِيم: ابْن مخرمَة بن نَوْفَل، لَهُ
ولأبيه صُحْبَة، وَهَذَا التَّعْلِيق ذكره البُخَارِيّ
مُسْندًا فِي كتاب الشُّرُوط فِي: بَاب الشُّرُوط فِي
الْجِهَاد مطولا. قَوْله: (مَا خلأت) أَي: مَا وقفت وبركت.
1782 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا
مُعاوِيَةُ قَالَ حدَّثنا أَبُو إسْحَاقَ عنْ حُمَيْدٍ
قَالَ سَمِعْتُ أنَساً رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يَقولُ
كانَتْ ناقَةُ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُقالُ
لَها العَضْباءُ.
(14/161)
الْمُطَابقَة بَينه وَبَين التَّرْجَمَة من
حَيْثُ إِن ذكر النَّاقة يَشْمَل العضباء وَغَيرهَا، وَعبد
الله بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالمسندي، وَمُعَاوِيَة هُوَ
ابْن عَمْرو الْأَزْدِيّ وَأَبُو إِسْحَاق هُوَ
إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْفَزارِيّ، وَقد مضى رجال
إِسْنَاده كلهم عَن قريب.
2782 - حدَّثنا مالِكُ بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا
زُهَيْرٌ عنْ حُمَيْدٍ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ قَالَ كانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ناقَةٌ تُسَمَّى العَضْبَاءَ لَا تُسْبَقُ قَالَ حُمَيْدٌ
أوْ لَا تَكاد تُسْبَقُ فَجاءَ أعْرَابي عَلى قَعُودٍ
فسَبَقَها فَشَقَّ ذَلِكَ علَى الْمُسْلِمِيمنَ حتَّى
عرَفَهُ فَقالَ حَق علَى الله أَن لاَ يَرْتَفِعَ شَيْءٌ
مِنَ الدُّنْيَا إلاَّ ووَضَعَهُ طَوَّلَهُ مُوسَى عنْ
حَمَّادٍ عنْ ثابِتٍ عنْ أنَسٍ عنُ النَّبِيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم..
مطابقته للتَّرْجَمَة مَا ذَكرْنَاهُ فِي الحَدِيث الأول،
وَمَالك بن إِسْمَاعِيل بن زيدا النَّهْدِيّ الْكُوفِي،
وَزُهَيْر هُوَ ابْن مُعَاوِيَة.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَب عَن أَحْمد بن
سُلَيْمَان عَن مُوسَى بن دَاوُد عَن زُهَيْر بِهِ.
قَوْله: (أَو لَا تكَاد) شكّ من الرَّاوِي. قَوْله: (على
قعُود) ، بِفَتْح الْقَاف. وَهُوَ مَا اسْتحق الرّكُوب من
الْإِبِل، وَيُقَال: الْقعُود من الْإِبِل، مَا يعده
الْإِنْسَان للرُّكُوب وَالْحمل، وَقَالَ الْأَزْهَرِي عَن
اللَّيْث: الْقعُود والقعودة من الْإِبِل خَاصَّة، وَلم
أسمع قعوده بِالْهَاءِ لغير اللَّيْث، وَلَا يكون إلاَّ
للذّكر، وَلَا يُقَال للْأُنْثَى: قعودة، قَالَ:
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ أَنه قَرَأَ بِخَط أبي
الْهَيْثَم: ذكر الْكسَائي أَنه سمع من يَقُول: قعودة،
للقلوص وللذكر قعُود، وَجمع الْقعُود قعدان، والقعادين جمع
الْجمع. وَفِي (الْمُحكم) : الْقعدَة والقعودة وَالْقعُود
من الْإِبِل مَا اتَّخذهُ الرَّاعِي للرُّكُوب. وَالْجمع:
أقعدة وَقعد وقعائد. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: هُوَ الْبكر
حَتَّى يركب، وَأَقل ذَلِك إِن يكون ابْن سنتَيْن إِلَى
أَن يدْخل فِي السَّادِسَة فيسمى جملا. قَوْله: (حَتَّى
عرفه) ، أَي: حَتَّى عرفه رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم كَونه شاقاً عَلَيْهِم، وَيُقَال: عرف أثر
الْمَشَقَّة، وَسَيَجِيءُ فِي الرقَاق، فَلَمَّا رأى مَا
فِي وُجُوههم، وَقَالُوا: سبقت العضباء ... الحَدِيث.
قَوْله: (أَن لَا يرْتَفع شَيْء من الدُّنْيَا) ، وَفِي
رِوَايَة مُوسَى ابْن إِسْمَاعِيل: أَن لَا يرفع شَيْئا،
وَكَذَلِكَ فِي الرقَاق، على مَا سَيَأْتِي، إِن شَاءَ
الله تَعَالَى، وَكَذَا فِي رِوَايَة أبي دَاوُد عَن
النُّفَيْلِي عَن زُهَيْر، وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ من
رِوَايَة شُعْبَة عَن حميد: أَن لَا يرفع شَيْء نَفسه فِي
الدُّنْيَا. قَوْله: (طوله مُوسَى) ، أَي: رَوَاهُ مُوسَى
بن إِسْمَاعِيل التَّبُوذَكِي مطولا عَن حَمَّاد بن سَلمَة
عَن ثَابت الْبنانِيّ عَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
وَهَذَا التَّعْلِيق وَقع فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي
وَحده هُنَا.
وَفِيه: إتخاذ الْإِبِل للرُّكُوب والمسابقة عَلَيْهَا.
وَفِيه: التزهيد فِي الدُّنْيَا للْإِشَارَة إِلَى أَن كل
شَيْء مِنْهَا لَا يرْتَفع إلاَّ يتضع. وَفِيه: الْحَث على
التَّوَاضُع. وَفِيه: حسن خلق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وتواضعه وعظمته فِي صُدُور أَصْحَابه.
06 - (بَاب الْغَزْوِ عَلى الْحمِيرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْغَزْو على الْحمير، وَهُوَ
جمع حمَار، وَيجمع على أَحْمَر أَيْضا، وَيجمع الْحمر على
حمرات جمع صِحَة، وَجَاء على أحمرة أَيْضا، والأتان:
حمارة. وَهَذَا الْبَاب وَقع فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي
وَحده بِلَا حَدِيث، فَكَأَنَّهُ وضع التَّرْجَمَة وأخلى
بَيَاضًا للْحَدِيث، فاستمر على ذَلِك، وَضم النَّسَفِيّ
هَذِه التَّرْجَمَة للتَّرْجَمَة الَّتِي تَلِيهَا،
فَقَالَ: بَاب الْغَزْو على الْحمير وَبغلة النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم الْبَيْضَاء، وَلم يتَعَرَّض إِلَى
وَجهه أحد من الشُّرَّاح، وَلَيْسَ لَهُ وَجه أصلا على مَا
لَا يخفى.
16 - (بابُ بَغْلَةِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
البَيْضَاءِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر بغلة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم الْبَيْضَاء.
قالَهُ أنَسٌ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
أَي: قَالَ ذَلِك أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، وَسَيَأْتِي هَذَا مَوْصُولا فِي غَزْوَة حنين،
أخرجه مُحَمَّد بن بشار حَدثنَا معَاذ حَدثنَا ابْن عون
عَن هِشَام بن زيد بن أنس بن مَالك، قَالَ: لما كَانَ
يَوْم حنين أَقبلت هوَازن ... الحَدِيث، وَفِيه قَالُوا:
لبيْك يَا رَسُول الله نَحن مَعَك، وَهُوَ على بغلة
بَيْضَاء ... الحَدِيث.
(14/162)
وقَالَ أبُو حُمَيْدٍ أهْدَى مَلِكُ
أيْلَةَ لِلْنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَغْلَةً
بَيْضَاءَ
أَبُو حميد، بِضَم الْحَاء: هُوَ عبد الرَّحْمَن بن سعد بن
الْمُنْذر السَّاعِدِيّ الصَّحَابِيّ، مَاتَ فِي آخر
خلَافَة مُعَاوِيَة. وأيلة، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون
الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح اللَّام وَفِي آخِره هَاء،
إخر الْحجاز وَأول الشَّام، بَينهَا وَبَين الْمَدِينَة
خمس عشرَة مرحلة. وَقَالَ أَبُو عبيد: الأيلة، على وزن:
فعلة، مَدِينَة على شاطيء الْبَحْر فِي منصف مَا بَين مصر
وَمَكَّة، وَاسم ملكهَا الَّذِي أهْدى البغلة للنَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم (يوحنا بن روبة) ، وَفِي رِوَايَة
سُلَيْمَان عِنْد مُسلم: وَجَاء اسْم رَسُول بن الْعلمَاء
صَاحب إيلة إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بِكِتَاب، وَأهْدى لَهُ بغلة بَيْضَاء. قلت: الظَّاهِر أَن
عُلَمَاء اسْم أم يوحنا، وَاسم البغلة: دُلْدُل،
وَالصَّحِيح أَن دُلْدُل أهداها لَهُ الْمُقَوْقس، وَقَالَ
مُسلم: كَانَت البغلة الَّتِي أهداها صَاحب أَيْلَة
بَيْضَاء، وَيُقَال لَهَا: إيلية، وَهَذَا التَّعْلِيق
أخرجه البُخَارِيّ مَوْصُولا فِي كتاب الزَّكَاة فِي: بَاب
خرص التَّمْر، وَمر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.
3782 - حدَّثنا عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ قَالَ حدَّثنا يَحْيَى
قَالَ حدَّثنا سُفْيانُ قَالَ حدَّثني أَبُو إسحاقَ قَالَ
سَمِعْتُ عَمْرَو بنَ الحَارِثِ قَالَ مَا تَرَكَ
النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلاَّ بَغْلَتَهُ
البَيْضاءَ وسلاحَهُ وأرْضَاً تَرَكَها صَدَقَةً..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَعَمْرو بن عَليّ بن بَحر
بن كثير أَبُو حَفْص الْبَاهِلِيّ الْبَصْرِيّ
الصَّيْرَفِي، وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وسُفْيَان
هُوَ الثَّوْريّ، وَأَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله
السبيعِي، وَعَمْرو بن الْحَارِث بن أبي ضرار المصطلقي
الْخُزَاعِيّ أَخُو جوَيْرِية بنت الْحَارِث زوج النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْجِهَاد عَن
عَمْرو بن الْعَبَّاس وَفِي الْمَغَازِي عَن قُتَيْبَة
وَفِي الْوَصَايَا عَن إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث وَفِي
الْخمس عَن مُسَدّد. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي
الشَّمَائِل عَن أَحْمد بن منيع. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي
الأحباس عَن قُتَيْبَة بِهِ وَعَن عَمْرو بن عَليّ عَن
يحيى وَعَن عَمْرو بن عَليّ عَن أبي بكر الْحَنَفِيّ، وَقد
مر الْكَلَام فِيهِ فِي أول الْوَصَايَا. وَقَالَ
الْكرْمَانِي قَوْله: (وأرضاً) : نصف أَرض فدك، وَثلث أَرض
وَادي الْقرى، وسهمه من خَيْبَر، وَحقه من بني النَّضِير،
وَالضَّمِير فِي: تَركهَا، رَاجع إِلَى كل الثُّلُث لَا
إِلَى الأَرْض فَقَط. قَالَ: نَحن معاشر الْأَنْبِيَاء لَا
نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة.
4782 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ الْمُثَنَّى قَالَ حدَّثنا
يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ عنْ سِفْيانَ قَالَ حدَّثني أَبُو
إِسْحَاق عنِ الْبَرَاءِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ
لَهُ رَجُلٌ يَا أبَا عُمارَةَ ولَّيْتُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ
قَالَ لاَ وَالله مَا وَلَّى النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم ولَكِنْ ولَّى سَرَعَانُ النَّاسِ فلَقِيَهُمْ
هَوَازِنْ بالنَّبْلِ والنَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
علَى بَغْلَتِهِ البَيْضَاءِ وأبُو سُفْيانَ بنُ الحَارِثِ
آخِذٌ بِلِجَامِهَا والنَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَقُولُ:
(أنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ ... إِنَّا ابنُ عَبْدِ
المُطَّلِبْ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (والنَّبي، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، على بغلته الْبَيْضَاء) والْحَدِيث قد مر
عَن قريب فِي: بَاب من قاد دَابَّة فِي الْحَرْب، وَقد مر
الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.
قَوْله: (يَا أَبَا عمَارَة) ، بِضَم الْعين الْمُهْملَة
وَتَخْفِيف الْمِيم: كنية الْبَراء. قَوْله: (وليتم) ،
أَي: أدبرتم. قَوْله: (سرعَان النَّاس) ، قَالَ ابْن
التِّين: ضبط بِكَسْر السِّين وَضمّهَا، وَيجوز فِيهِ فتح
السِّين مَعَ فتح الرَّاء وسكونها، وهم أَوَائِل النَّاس،
وَفِي (التَّوْضِيح) : وهم الَّذين واجهوا الْعَدو
فَلَمَّا ولَّى أُولَئِكَ ضَاقَتْ عَلَيْهِم الأَرْض
والسبل. وَقَالَ الْكرْمَانِي: سرعَان، جمع: سريع. قَوْله:
(بِالنَّبلِ) ذكر فِي (مُخْتَصر كتاب الْعين) : أَن النبل
لَا وَاحِد لَهَا من لَفظهَا، وَإِنَّمَا وَاحِدهَا: سهم،
وَقيل: النبل: السِّهَام الْعَرَبيَّة.
26 - (بابُ جِهَادِ النِّساءِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جِهَاد النِّسَاء.
(14/163)
5782 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ
قَالَ أخبرنَا سُفْيَانُ عنْ مُعَاوِيَةَ بنِ إسْحَاقَ عنْ
عائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عنْ عائِشَةَ أُمِّ
الْمُؤمِنِينَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتِ
اسْتَأذَنْتُ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي
الجِهَادِ فَقَالَ جِهادُكُنَّ الحَجُّ..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، بَين أَن جِهَاد النِّسَاء الْحَج، وسُفْيَان هُوَ
الثَّوْريّ وَمُعَاوِيَة ابْن إِسْحَاق بن طَلْحَة بن عبيد
الله الْقرشِي التَّيْمِيّ، سمع عمته عَائِشَة بنت
طَلْحَة، وَقد تقدم فِي أول الْجِهَاد عَن عَائِشَة بنت
طَلْحَة عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: يَا رَسُول الله،
نرى الْجِهَاد أفضل الْعَمَل أَفلا نجاهد؟ قَالَ: (لَكِن
أفضل الْجِهَاد حج مبرور) . وَقد مر الْكَلَام فِيهِ
هُنَاكَ.
وَقَالَ عَبْدُ الله بنُ الوَلِيدِ: قَالَ: حدَّثنا
سُفْيَانُ عنْ مُعاوِيَةَ بِهَذَا
عبد الله بن الْوَلِيد الْعَدنِي، وسُفْيَان هُوَ
الثَّوْريّ، وَمُعَاوِيَة هُوَ ابْن إِسْحَاق بن طَلْحَة
الْمَذْكُور آنِفا، وَهَذَا التَّعْلِيق مَوْصُول فِي
(جَامع) سُفْيَان.
6782 - حدَّثنا قَبِيصَةُ قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ عنْ
مُعَاوِيَةَ بِهَذَا.
هَذَا إِسْنَاد آخر عَن سُفْيَان عَن مُعَاوِيَة بِهَذَا
الحَدِيث
وعنْ حَبِيبِ ابنِ أبِي عَمْرَةَ عنْ عائِشَةَ بِنْتِ
طَلْحَةَ عنْ عائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِنينَ عنِ
النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سألَهُ نِساؤُهُ عنِ
الجِهَادِ فَقَالَ نِعْمَ الجِهَادُ الحَجُّ. .
رِوَايَة حبيب بن أبي عمْرَة هَذِه مَوْصُولَة من رِوَايَة
قبيصَة الْمَذْكُورَة، وَقَالَ ابْن بطال: هَذَا دَال على
أَن النِّسَاء لَا جِهَاد عَلَيْهِنَّ، وأنهن غير داخلات
فِي قَوْله تَعَالَى: {انفروا خفافاً وثقالاً}
(التَّوْبَة: 14) . وَهُوَ إِجْمَاع، وَلَيْسَ فِي قَوْله:
(جهادكن الْحَج) أَنه لَيْسَ لَهُنَّ أَن يتطوعن بِهِ،
وَإِنَّمَا فِيهِ أَنه الْأَفْضَل لَهُنَّ، وَسَببه
أَنَّهُنَّ لسن من أهل الْقِتَال لِلْعَدو، وَلَا قدرَة
لَهُنَّ عَلَيْهِ وَلَا قيام بِهِ، وَلَيْسَ للْمَرْأَة
أفضل من الاستتار وَترك مُبَاشرَة الرِّجَال بِغَيْر قتال،
فَكيف فِي حَال الْقِتَال الَّتِي هِيَ أصعب؟ وَالْحج
يمكنهن فِيهِ بمجانبة الرِّجَال، والاستتار عَنْهُن،
فَلذَلِك كَانَ أفضل لَهُنَّ من الْجِهَاد.
36 - (بابُ غَزْوِ المَرْأةِ فِي البَحْرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان غَزْو الْمَرْأَة فِي
الْبَحْر.
8782 - حدَّثنا عبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا
مُعاوِيَةُ بنُ عُمَرٍ قَالَ حدَّثنا أَبُو إسْحَاقَ عنْ
عَبْدِ الله بنِ عبْدِ الرَّحْمانِ الأنْصَارِيِّ قَالَ
سَمِعْتُ أنَساً رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يَقُولُ دَخَلَ
رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَى ابْنَةِ
مِلْحَانَ فاتَّكأ عِنْدَهَا ثُمَّ ضَحِكَ فَقالَتْ لِمَ
تَضْحَكُ يَا رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ
ناسٌ مِنْ أُمَّتِي يَرْكَبُونَ البَحْرَ الأخْضَرَ فِي
سَبِيلِ الله مَثَلُهُمْ مَثَلُ الْمُلُوكِ علَى
الأسِرَّةِ فقالَتْ يَا رسولَ الله ادْعُ الله أنْ
يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا
مِنْهُمْ ثُمَّ عادَ فَضَحِكَ فقَالَتْ لَهُ مِثْلَ أوْ
مِمَّ ذَلِكَ فَقَالَ لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ فقالَتِ ادْعُ
الله أنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ أنْتِ مِنَ
الأوَّلِينَ ولَسْتِ مِنَ الآخَرِينَ قَالَ قَالَ أنَسٌ
فَتَزَوَّجَتْ عُبَادَةَ بنَ الصَّامِتِ فَرَكِبَتِ
البَحْرَ مَعَ بِنْتِ قَرَظَةَ فَلَمَّا قَفَلَتْ رَكِبَتْ
دَابَّتَهَا فَوَقَصَتْ بِهَا فَسَقَطَتْ عَنْهَا
فَماتَتْ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَعبد الله بن مُحَمَّد
هُوَ المسندي، وَمُعَاوِيَة بن عَمْرو الْأَزْدِيّ،
وَأَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد
(14/164)
ابْن الْحَارِث الْفَزارِيّ، وَقد تقدم الحَدِيث عَن قريب
فِي: بَاب من يصرع فِي سَبِيل الله. وَفِي (التَّوْضِيح) :
سقط فِي البُخَارِيّ هُنَا بَين أبي إِسْحَاق وَعبد الله
الْأنْصَارِيّ الرَّاوِي عَن أنس زَائِدَة بن قدامَة
الثَّقَفِيّ، نبه عَلَيْهِ أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِي.
وَأجِيب: بِأَن هَذَا تحكم بِلَا دَلِيل، كَيفَ وَقد ثَبت
سَماع أبي إِسْحَاق من عبد الله بن عبد الرَّحْمَن.
قَوْله: (ابْنة ملْحَان) هِيَ أم حرَام خَالَة أنس بن
مَالك. قَوْله: (قَالَ: قَالَ أنس) أَي: قَالَ عبد الله بن
عبد الرَّحْمَن: قَالَ أنس بن مَالك. قَوْله: (فَتزوّجت) ،
أَي: ابْنة ملْحَان تزوجت عبَادَة بن الصَّامِت، ظَاهره
أَنَّهَا تزوجته بعد هَذِه الْمقَالة، وَوَقع فِي رِوَايَة
أبي إِسْحَاق عَن أنس فِي أول الْجِهَاد لفظ: وَكَانَت أم
حرَام تَحت عبَادَة بن الصَّامِت، فَدخل عَلَيْهَا رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَظَاهره هَذَا أَنَّهَا
كَانَت حِينَئِذٍ زَوجته، ووفق ابْن التِّين بَين
الرِّوَايَتَيْنِ بِأَن يحمل على أَنَّهَا كَانَت، زَوجته
ثمَّ طَلقهَا ثمَّ رَاجعهَا بعد ذَلِك، وَقيل: يحمل قَوْله
فِي رِوَايَة أبي إِسْحَاق: وَكَانَت تَحت عبَادَة، جملَة
مُعْتَرضَة أَرَادَ الرَّاوِي وصفهَا بِهِ غير مُقَيّد
بِحَال من الْأَحْوَال وَفِيه تَأمل. قَوْله: (فركبت
الْبَحْر مَعَ بنت قرظة) ، بِالْقَافِ وَالرَّاء والظاء
الْمُعْجَمَة المفتوحات، وَاسْمهَا: فَاخِتَة، بِالْفَاءِ
وَكسر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من
فَوق، وَقيل: كنُود، امْرَأَة مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان،
كَانَ مُعَاوِيَة أَخذهَا مَعَه لما غزا قبرس فِي الْبَحْر
سنة ثَمَان وَعشْرين، وَكَانَ مُعَاوِيَة أول من ركب
الْبَحْر للغزاة فِي خلَافَة عُثْمَان، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ. وقرظة بن عبد عَمْرو بن نَوْفَل بن عبد
منَاف، صرح بذلك خَليفَة بن خياط فِي (تَارِيخه) وَغَيره،
وَقد وهم من قَالَ: إِنَّهَا بنت قرظة بن كَعْب
الْأنْصَارِيّ، وَذكر البلاذري فِي (تَارِيخه) : أَن قرظة
بن عبد عَمْرو مَاتَ كَافِرًا ولبنتها رُؤْيَة، وَكَذَا
لأَخِيهَا مُسلم بن قرظة الَّذِي قتل يَوْم الْجمل مَعَ
عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا. |