عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 46 - (بابُ حَمْلِ الرَّجُلِ امْرَأتَهُ
فِي الغَزْوِ دُونَ بَعْضِ نِسائِهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر حمل الرجل ... إِلَى آخِره،
أَرَادَ أَنه لما غزا أَخذ مَعَه من نِسَائِهِ وَاحِدَة
مِنْهُنَّ، وَلَكِن بعد الْقرعَة بَينهُنَّ، كَمَا صرح
بِهِ فِي حَدِيث الْبَاب.
9782 - حدَّثنا حَجَّاجُ بنِ مِنْهَالٍ قَالَ حدَّثنا عبدُ
الله بنُ عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ قَالَ حدَّثنا يُونُسُ
قَالَ سَمِعْتُ الزُّهُرِيَّ قَالَ سَمِعْتُ عُرْوَةَ بنَ
الزُّبَيْرِ وسَعِيدَ بنَ الْمُسَيَّبِ وعَلْقَمَةَ بنَ
وَقَّاصٍ وعُبَيْدُ الله بنَ عَبْدِ الله عنْ حَدِيثِ
عائِشَةَ كُلٌّ حَدَّثَنِي طائِفَةً مِنَ الحَدِيثِ قالَتْ
كانَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا أرَادَ أنْ
يَخْرُجَ أقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فأيَّتُهُنَّ يَخْرُجُ
سَهْمُها خَرَجَ بِها النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فأقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزاهَا فَخَرَجَ فِيهَا
سَهْمِي فَخَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم بَعْدَما أُنْزِلَ الحِجَابُ..
قيل: لَا مُطَابقَة بَين هَذِه التَّرْجَمَة والْحَدِيث،
لِأَن هَذِه التَّرْجَمَة لَا تصح، إِلَّا بِذكر الْقرعَة
فِيهَا. قلت: لَيْسَ كَذَلِك، لوُجُود الْمُطَابقَة لِأَن
الحَدِيث يَشْمَل التَّرْجَمَة غَايَة مَا فِي الْبَاب
أَنه مَا ذكر الْقرعَة اكْتِفَاء بِمَا فِيهِ من ذكرهَا،
وَلَا يلْزم أَن يذكر فِي التَّرْجَمَة جَمِيع مَا فِي
الحَدِيث، وَهَذَا الحَدِيث قِطْعَة من حَدِيث الْإِفْك،
وَقد مر بِتَمَامِهِ فِي كتاب الشَّهَادَات فِي: بَاب
تَعْدِيل النِّسَاء بَعضهنَّ بَعْضًا، وَقد مر الْكَلَام
فِيهِ مُسْتَوفى.
56 - (بابُ غَزْوِ النِّساءِ وقِتَالِهِنَّ مَعَ
الرِّجَالِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان غَزْو النِّسَاء، يَعْنِي:
خروجهن إِلَى الْغُزَاة مَعَ الرِّجَال.
0882 - حدَّثنا أبُو مَعْمَرٍ قَالَ حدَّثنا عبْدُ
الوَارِثِ قَالَ حدَّثنا عبدُ العَزِيزِ عنْ أنَسٍ رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ لَمَّا كانَ يَوْمُ أُحُدٍ
انْهَزَمَ النَّاسُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ ولَقَدْ رَأيْتُ عائِشَةَ بِنْتَ أبِي بَكْرٍ
وأُمَّ سُلَيْمٍ وإنَّهُمَا لَمُشَمِّرَتَانِ أرَى خَدَمَ
سُوقِهما تَنْقُزَانِ القِرَبَ وَقَالَ غَيْرُهُ
تَنْقُلانِ
(14/165)
القِرَبَ علَى مُتُونِهِمَا ثُمَّ
تُفْرِغَانِهِ فِي أفْوَاهِ القَوْمِ ثُمَّ تَرْجِعَانِ
فَتَمْلآنِها ثُمَّ تَجِيئَانِ فَتفْرِغَانِهَا فِي
أفْوَاهِ القَوْمِ..
قيل: بوب البُخَارِيّ على غزوهن وقتالهن، وَلَيْسَ فِي
الحَدِيث أَنَّهُنَّ قاتلن، فَأَما أَن يُرِيد إِن إعانتهن
للغزاة غَزْو، وَإِمَّا أَن يُرِيد أَنَّهُنَّ مَا ثبتن
للمداواة ولسقي الْجَرْحى إلاَّ وَهن يدافعن عَن
أَنْفسهنَّ. وَهُوَ الْغَالِب، فأضاف إلَيْهِنَّ الْقِتَال
لذَلِك. قلت: كلا الْوَجْهَيْنِ جيد. وَيُؤَيّد الْوَجْه
الأول مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي (سنَنه) من حَدِيث
حشرج بن زِيَاد عَن جدته أم أَبِيه: أَنَّهَا خرجت مَعَ
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي غَزْوَة
خَيْبَر ... الحَدِيث، وَفِيه: فخرجن نعزل الشّعْر ونعين
فِي سَبِيل الله، ومعنا دَوَاء الْجرْح وَتَنَاول
السِّهَام ونسقي السويق، فَقَالَ لَهُنَّ خيرا حَتَّى إِذا
فتح الله خَيْبَر أسْهم لنا كَمَا أسْهم للرِّجَال ...
الحَدِيث، فَهَذَا فِيهِ: نناول السِّهَام، يَعْنِي
للغزاة، والمناول للغازي أجره مثل أجر الْغَازِي، كَمَا
للمناول السهْم للرامي فِي غير الْغُزَاة، وَأجر المناول
فِي الْغُزَاة بطرِيق الأولى. وَيُؤَيّد الْوَجْه
الثَّانِي مَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث أنس: أَن أم سليم
اتَّخذت خنجراً يَوْم حنين، فَقَالَت: اتخذته إِن دنى مني
أحد من الْمُشْركين بقرت بَطْنه، فَهَذِهِ أم سليم اتَّخذت
عدَّة لقتل الْمُشْركين وعزمت على ذَلِك، فَصَارَ حكمهَا
حكم الرِّجَال المقاتلين، وَذكر بَعضهم حَدِيث أبي دَاوُد
الْمَذْكُور وَغَيره مثله، ثمَّ قَالَ: وَلم أر فِي شَيْء
من ذَلِك التَّصْرِيح بأنهن قاتلن. انْتهى. قلت:
التَّلْوِيح يُغني عَن التَّصْرِيح فَيحصل بِهِ
الْمُطَابقَة على الْوَجْه الَّذِي ذَكرْنَاهُ، ثمَّ قَالَ
هَذَا الْقَائِل: يحْتَمل أَن يكون غَرَض البُخَارِيّ
بالترجمة أَن يبين أَنَّهُنَّ لَا يقاتلن وَإِن خرجن فِي
الْغَزْو فالتقدير بقوله: وقتالهن مَعَ الرِّجَال، أَي:
هَل هُوَ سَائِغ أَو إِذا خرجن مَعَ الرِّجَال فِي
الْغَزْو ويقتصرن على مَا ذكر من مداواة الْجَرْحى وَنَحْو
ذَلِك. انْتهى. قلت: لم يكن غَرَض البُخَارِيّ هَذَا
الِاحْتِمَال الْبعيد أصلا وَلَا هَذَا التَّقْدِير
الَّذِي قدره، لِأَنَّهُ خلاف مَا يَقْتَضِيهِ
التَّرْكِيب، فَكيف يَقُول: هَل هُوَ سَائِغ؟ بل هُوَ
وَاجِب عَلَيْهَا الدّفع إِذا دنى مِنْهَا الْعَدو، وكما
فِي حَدِيث أم سليم فَافْهَم.
ذكر رِجَاله وهم أَرْبَعَة: الأول: أَبُو معمر، بِفَتْح
الميمين: اسْمه عبد الله بن عَمْرو بن أبي الْحجَّاج
الْمنْقري المقعد. الثَّانِي: عبد الْوَارِث بن سعيد.
الثَّالِث: عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب أَبُو حَمْزَة.
الرَّابِع: أنس بن مَالك.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث فِي ثَلَاثَة
مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه:
القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: أَن رِجَاله كلهم
بصريون.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ
أَيْضا فِي فضل أبي طَلْحَة وَفِي الْمَغَازِي. وَأخرجه
مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن
الدَّارمِيّ عَن أبي معمر بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (وَأم سليم) ، هِيَ أم أنس بن
مَالك. قَوْله: (المشمرتان) ، من التشمير، يُقَال: شمر
إزَاره إِذا رَفعه، وشمر عَن سَاقه وشمر فِي أمره أَي:
خفف، وشمر لِلْأَمْرِ، أَي: تهَيَّأ لَهُ. قَوْله: (خدم
سوقهما) ، الخدم بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح
الدَّال الْمُهْملَة: الخلاخيل، الْوَاحِد: خدمَة، وَقَالَ
ابْن قرقول: وَقد سمي موضعهَا من السَّاقَيْن خدمَة،
وَجمعه: خدام، بِالْكَسْرِ وَيُقَال: سمي الخلخال خدمَة
لِأَنَّهُ رُبمَا كَانَ من سيور مركب فِيهِ الذَّهَب
وَالْفِضَّة، والخدمة فِي الأَصْل: السّير، والمخدم مَوضِع
الخلخال من السَّاق، وَيُقَال: أَصله أَن الْخدمَة سير
عَلَيْهَا مثل الْحلقَة تشد فِي رسغ الْبَعِير ثمَّ تشد
إِلَيْهَا شرايح نَعله، فَسُمي الخلخال: خدمَة لذَلِك،
وَقيل: الْخدمَة مخرج الرِجل من السَّرَاوِيل، والسوق،
بِالضَّمِّ جمع: سَاق. قَوْله: (تنقزان) ، من النقز،
بالنُّون وَالْقَاف وَالزَّاي، وَهُوَ الوثب، وَقَالَ
الدَّاودِيّ: مَعْنَاهُ: بسرعان الْمَشْي كالهرولة.
وَقَالَ غَيره: مَعْنَاهُ الْوُثُوب، وَنَحْوه فِي حَدِيث
ابْن مَسْعُود أَنه: كَانَ يُصَلِّي الظّهْر وَالْخَلَائِق
تنقز من الرمضاء، أَي: تثب، يُقَال: نقز ينقز من بَاب نصر
ينصر، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: نقز الظبي فِي عدوه ينقز
نقزاً ونقزاناً أَي: وثب، والتنقيز التثويب، وَقَالَ
الْخطابِيّ: أَحسب الرِّوَايَة: تزفران، بدل: تنقزان،
والزفر حمل الْقرب الثقال. قلت: مادته زَاي وَفَاء وَرَاء،
قَالَ الْجَوْهَرِي: الزفر، مصدر قَوْلك: زفر الْحمل يزفره
زفراً أَي: حمله، وأزفره أَيْضا، والزفر بِالْكَسْرِ
الْجمل، وَالْجمع أزفار، والزفر أَيْضا الْقرْبَة، وَمِنْه
قيل للإماء اللواتي يحملن الْقرب: زوافر، وَقيل: الزفر
الْبَحْر الْفَيَّاض، فعلى هَذَا كَانَت تملأ الْقرب
حَتَّى تفيض. قَوْله: (الْقرب) ، بِكَسْر الْقَاف: جمع
قربَة، وَفِي (التَّلْوِيح) ضبط الشُّيُوخ الْقرب، بِنصب
الْبَاء
(14/166)
وَهُوَ مُشكل، لِأَن تنقزان لَازم وَوَجهه
أَن يكون النصب بِنَزْع الْخَافِض، أَي: تنقزان بِالْقربِ،
وَأما على رِوَايَة: تزفران وتنقلان، فَلَا إِشْكَال على
مَا لَا يخفى. قيل: كَانَ بعض الشُّيُوخ يرفع الْقرب على
الِابْتِدَاء، وَالْخَبَر مَحْذُوف، وَالتَّقْدِير: الْقرب
على متونها، فَتكون الْجُمْلَة الإسمية فِي مَوضِع الْحَال
بِلَا وَاو، وَقيل: وجد فِي بعض الْأُصُول: تنقزان، بِضَم
التَّاء، فعلى هَذَا يَسْتَقِيم نصب الْقرب، أَي: تحركان
الْقرب بِشدَّة عدوهما، فَكَانَت الْقرب ترْتَفع وتنخفض
مثل الوثب على ظهورهما. قَوْله: (وَقَالَ غَيره) ، أَي:
قَالَ البُخَارِيّ: قَالَ غير أبي معمر عَن عبد الْوَارِث:
تنقلان الْقرب من النَّقْل، بِاللَّامِ دون الزَّاي، وَهِي
رِوَايَة جَعْفَر بن مهْرَان عَن عبد الْوَارِث أخرجهَا
الْإِسْمَاعِيلِيّ. قَوْله: (ثمَّ تفرغانه) ، من الإفراغ،
بالغين الْمُعْجَمَة، يُقَال: فرغ المَاء بِالْكَسْرِ يفرغ
فراغاً مثل سمع سَمَاعا، أَي: صب، وأفرغته أَنا أَي:
صببته. فَإِن قلت: مَا وَجه قَوْله: أرى خدم سوقهما. قلت:
قَالَ النَّوَوِيّ: الرُّؤْيَة للخدم لم يكن فِيهَا نهي،
لِأَن يَوْم أحد كَانَ قبل أَمر النِّسَاء بالحجاب، أَو
لِأَنَّهُ لم يقْصد النّظر إِلَى بعض السَّاق، فَهُوَ
مَحْمُول على أَن تِلْكَ النظرة وَقعت فَجْأَة بِغَيْر قصد
إِلَيْهَا، قيل: قد تمسك بِظَاهِرِهِ من يرى أَن تِلْكَ
الْمَوَاضِع لَيست بِعَوْرَة من الْمَرْأَة وَلَيْسَ
بِصَحِيح.
وفوائد: اخْتلف فِي الْمَرْأَة: هَل يُسهم لَهَا؟ قَالَ
الْأَوْزَاعِيّ: يُسهم للنِّسَاء، لِأَنَّهُ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أسْهم لَهُنَّ بِخَيْبَر، وَأخذ
الْمُسلمُونَ بذلك وَبِه، قَالَ ابْن حبيب، وَقَالَ
الثَّوْريّ والكوفيون وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ: لَا
يُسهم لَهُنَّ وَلَكِن يرْضخ لَهُنَّ محتجين بقول ابْن
عَبَّاس فِي (صَحِيح مُسلم) لنجدة: كن النِّسَاء يجدين من
الْغَنِيمَة وَلم يضْرب لَهُم بِسَهْم. وَذكر
التِّرْمِذِيّ: أَن بعض أهل الْعلم، قَالَ: يُسهم
للذِّمِّيّ، إِذا شهد الْقِتَال مَعَ الْمُسلمين، وروى عَن
الزُّهْرِيّ أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أسْهم لقوم من الْيَهُود قَاتلُوا مَعَه، قَالَ ابْن
الْمُنْذر: وَهُوَ قَول الزُّهْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ
وَإِسْحَاق. وَالْمَجْنُون المطبق لَا يُسهم لَهُ
كَالصَّبِيِّ، وَقيل: يُسهم لَهُ، وَالظَّاهِر أَنه لَا
يُسهم لَهُ كالمفلوج الْيَابِس.
وَاخْتلفُوا فِي الْأَعْمَى والمقعد، وأقطع الْيَدَيْنِ
لاختلافهم، هَل يتَمَكَّن لَهُم نوع من أَنْوَاع الْقِتَال
كإدارة الرَّأْي إِن كَانُوا من أَهله، وكقتال المقعد
رَاكِبًا، وَالْأَعْمَى يناول النبل، وَنَحْو ذَلِك،
ويكثرون السوَاد فَمن رأى لمثل ذَلِك أثرا فِي اسْتِحْقَاق
الْغَنِيمَة أسْهم لَهُم. وَأما الَّذِي يخرج وَبِه مرض
فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّة فِيهِ خلاف: هَل يُسهم لَهُ أم
لَا؟ فَإِن مرض بعد الإدراب فَفِيهِ خلاف، الْأَكْثَرُونَ
يسهمون لَهُ، وَلم يَخْتَلِفُوا أَن من مرض بعد الْقِتَال
يُسهم لَهُ، وَإِن كَانَ مَرضه بعد حوز الْغَنِيمَة.
وَاخْتلف فِي التَّاجِر والأجير على ثَلَاثَة أَقْوَال،
قيل: يُسهم لَهما إِذا شَهدا الْقِتَال مَعَ النَّاس،
قَاتلا أَو لم يقاتلا، وَقيل: لَا يُسهم لَهما مُطلقًا،
وَقيل: إِن قَاتلا يُسهم لَهما وإلاَّ فَلَا، وَعَن مَالك:
لَا يُسهم للْأَجِير والتاجر إلاَّ أَن يقاتلا، وَهُوَ
قَول أبي حنيفَة وَأَصْحَابه، وَعَن مَالك: يُسهم لكل حر
قَاتل، وَهُوَ قَول أَحْمد، وَقَالَ الْحسن بن حَيّ: يُسهم
للْأَجِير، وَرُوِيَ مثل ذَلِك عَن ابْن سِيرِين وَالْحسن
فِي التَّاجِر والأجير: يُسهم لَهما إِذا حضرا الْقِتَال
قَاتلا أَولا، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَإِسْحَاق: لَا
يُسهم للْعَبد وَلَا للْأَجِير الْمُسْتَأْجر على خدمَة
الْقَوْم.
66 - (بابُ حَمْلِ النِّسَاءِ القِرَبَ إلَى النَّاسِ فِي
الغَزْوِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَشْرُوعِيَّة حمل النِّسَاء
... إِلَى آخِره.
1882 - حدَّثنا عَبْدَانُ قَالَ أخبرنَا عبْدُ الله قَالَ
أخبرنَا يُوُنُسُ عنِ ابنِ شِهابٍ قَالَ ثَعْلَبَةُ بنُ
أبِي مالِكٍ إنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّبِ رَضِي الله
تَعَالَى عنهُ قَسَمُ مُرُوطاً بَيْنَ نِساءٍ مِنْ نِساءِ
المَدِينَةِ فَبَقِيَ مِرْطٌ جَيِّدٌ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ
مَنْ عِنْدَهُ يَا أمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أعْطِ هَذَا
ابْنَةَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّتي
عِنْدَكَ يُرِيدُونَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عَلِيٍّ
فَقَالَ عُمَرُ أُمُّ سَلِيطٍ نِساءِ الأنْصَارِ مِمَّنْ
بايَعَ رَسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ عُمَرُ
فإنَّهَا كانَتْ تَزْفِرُ لَنَا القِرَبَ يَوْمَ أُحُدٍ.
(الحَدِيث 1882 طرفه فِي: 1704) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَإِنَّهَا كَانَت تزفر
لنا الْقرب) أَي: تحمل إِلَيْهِم يَوْم أحد، وعبدان لقب
عبد الله بن عُثْمَان بن جبلة الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ
ابْن الْمُبَارك، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد الْأَيْلِي،
وَابْن شهَاب مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وثعلبة بن
أبي مَالك قَالَ الذَّهَبِيّ: ثَعْلَبَة بن أبي مَالك
أَبُو يحيى الْقرظِيّ إِمَام بني قُرَيْظَة، ولد فِي عهد
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَله رُؤْيَة، وَطَالَ
عمره، روى عَنهُ
(14/167)
ابْنه أَبُو مَالك وَصَفوَان بن سليم، لَهُ
حديثان مرسلان، وَقَالَ ابْن سعد: قدم أَبُو مَالك من
الْيمن وَهُوَ على دين الْيَهُودِيَّة، فَتزَوج امْرَأَة
من بني قُرَيْظَة فنسب إِلَيْهِم وَهُوَ من كِنْدَة
فَأسلم. وثعلبة روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَعَن جمَاعَة من الصَّحَابَة وروى عَنهُ جمَاعَة مِنْهُم
الزُّهْرِيّ، وَقَالَ أَبُو عمر: اسْم أبي مَالك عبد الله،
والأثر الْمَذْكُور من أَفْرَاده. وَأخرجه أَيْضا فِي
الْمَغَازِي عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن يُونُس عَن
الزُّهْرِيّ بِهِ.
قَوْله: (مروطاً) جمع مرط، وَهُوَ كسَاء من صوف أَو خَز
يؤتزر بِهِ. قَوْله: (يُرِيدُونَ أم كُلْثُوم) ، بِضَم
الْكَاف والثاء الْمُثَلَّثَة: هِيَ بنت فَاطِمَة بنت
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ولدت فِي حَيَاة
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، خطبهَا عمر إِلَى
عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، فَقَالَ: أَنا أبعثها
إِلَيْك فَإِن رضيتها فقد زوجتكها، فبعثها إِلَيْهِ بِبرد
وَقَالَ لَهَا: قولي لَهُ هَذَا الْبرد الَّذِي قلت لَك،
فَقَالَت: ذَلِك لعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَقَالَ
لَهَا: قولي لَهُ قد رضيت، رَضِي الله تَعَالَى عَنْك.
وَوضع يَده على سَاقهَا، فَقَالَت: أتفعل هَذَا؟ لَوْلَا
أَنَّك أَمِير الْمُؤمنِينَ لكسرت أَنْفك، ثمَّ جَاءَت
أَبَاهَا، فَقَالَت: بعثتني إِلَى شيخ سوء، وأخبرته،
فَقَالَ لَهَا: يَا بنية إِنَّه زَوجك. قَوْله: (أم سليط)
، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَكسر اللَّام، قَالَ أَبُو
عمر فِي (الِاسْتِيعَاب) : أم سليط امْرَأَة من المبايعات
حضرت مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم
أحد، وَقَالَ غَيره: وَلَا يعرف اسْمهَا، وَلَيْسَ فِي
الصحابيات من يشاركها فِي هَذِه الكنية. قلت: ذكرهَا ابْن
سعد فِي (طَبَقَات النِّسَاء) ، وَقَالَ: هِيَ أم قيس بنت
عبيد بن زِيَاد بن ثَعْلَبَة من بني مَازِن تزَوجهَا أَبُو
سليط بن أبي حَارِثَة عَمْرو بن قيس من بني عدي بن النجار،
فَولدت لَهُ سليطاً، وَفَاطِمَة فَلذَلِك كَانَ يُقَال
لَهَا: أم سليط، وَذكر أَنَّهَا شهِدت خَيْبَر وحنيناً
وغفل عَن ذكر شهودها خَيْبَر. قَوْله: (تزفر لنا الْقرب) ،
بِفَتْح أَوله وَسُكُون الزَّاي وَكسر الْفَاء: أَي: تحمل
لنا الْقرب، جمع: قربَة المَاء، وَقد مر عَن قريب مَا
جَاءَ من هَذِه الْمَادَّة.
وَفِيه: أَن الأولى برَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
من أَتْبَاعه السَّابِقَة إِلَيْهِ والنصرة لَهُ والمعونة
بِالْمَالِ وَالنَّفس، ألاَ ترى أَن عمر، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، جعل أم سليط أَحَق بِالْقِسْمَةِ لَهَا من
المروط من حفيدة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لتقدم أم سليط بِالْإِسْلَامِ والنصرة والتأييد،
وَكَذَلِكَ يجب أَن لَا يسْتَحق الْخلَافَة بعده ببنوة
وَلَا قرَابَة، وَإِنَّمَا يسْتَحق بِمَا ذكر الله
بالسابقة والإنفاق والمقاتلة. وَفِيه: الْإِشَارَة
بِالرَّأْيِ على الإِمَام، وَإِنَّمَا ذَلِك للوزير
وَالْكَاتِب وَأهل النَّصِيحَة والبطانة لَهُ، وَلَيْسَ
ذَلِك لغَيرهم إلاَّ أَن يكون من أهل الْعلم والبروز فِي
الْإِمَامَة، فَلهُ الْإِشَارَة على الإِمَام وَغَيره.
قَالَ أَبُو عبْدِ الله تَزْفِرُ تَخِيطُ
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، يَعْنِي: قَالَ:
إِن معنى تزفر الْقرب أَي تخيطها، وَورد عَلَيْهِ بِأَن
ذَلِك لَا يعرف فِي اللُّغَة، وَهَذَا وَقع فِي رِوَايَة
الْمُسْتَمْلِي وَحده. قلت: وَقَالَ أَبُو صَالح، كَاتب
اللَّيْث: تزفر تخرز، وَيُمكن أَن يكون هَذَا مُسْتَند
البُخَارِيّ فِي تَفْسِيره.
76 - (بابُ مُدَاوَاةِ النَّساءِ الْجَرْحَى فِي الغَزْوِ)
أَي: هَذَا بيا فِي بَيَان مَا جَاءَ من مداواة النِّسَاء
الْجَرْحى من الرِّجَال وَغَيرهم، والجرحى جمع جريح.
2882 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا
بِشْرُ بنُ المَفَضَّلِ قَالَ حدَّثنا خالِدُ بنُ
ذَكْوَانَ عنِ الرُّبَيْعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قالَتْ كُنَّا
معَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَسْقِي ونُدَاوي
الجَرْحَى ونَرُدُّ القَتْلَى إِلَى المَدِينَةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَرِجَاله قد مروا فِيمَا
مضى، فعلي بن عبد الله المسندي، مر مرَارًا، وَبشر،
بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن الْمفضل مر فِي الْعلم،
وخَالِد بن ذكْوَان مر فِي الصَّوْم، وَالربيع، بِضَم
الرَّاء وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الْيَاء آخر
الْحُرُوف الْمَكْسُورَة: بنت معوذ، بِضَم الْمِيم وَفتح
الْعين الْمُهْملَة وَكسر الْوَاو الْمُشَدّدَة ثمَّ
الذَّال الْمُعْجَمَة: الْأَنْصَارِيَّة من المبايعات،
وأبوها معوذ بن عفراء لَهُ صُحْبَة.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْجِهَاد عَن
مُسَدّد وَفِي الطِّبّ عَن قُتَيْبَة، وَأخرجه
النَّسَائِيّ فِي السّير عَن عَمْرو ابْن عَليّ.
قَوْله: (نسقي) ، أَي: أَصْحَاب رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (ونداوي الجرخى) ، فِيهِ
مُبَاشرَة الْمَرْأَة غير ذِي محرم مِنْهَا فِي المداواة
وَمَا شاكلها من ألطاف المرضى، وَنقل الْمَوْتَى. فَإِن
قلت: كَيفَ سَاغَ ذَلِك؟ قلت: جَازَ ذَلِك للمتجالات
مِنْهُنَّ، لِأَن مَوضِع الْجرْح
(14/168)
لَا يلتذ بمسه، بل تقشعر مِنْهُ الْجُلُود
وتهابه الْأَنْفس ولمسه عَذَاب لِلاَّمس والملموس، وَأما
غَيْرهنَّ فيعالجن بِغَيْر مُبَاشرَة مِنْهُنَّ لَهُم،
فيضعن الدَّوَاء ويضعه غَيْرهنَّ على الْجرْح، وَقد يُمكن
أَن يضعنه من غير مس شَيْء من جسده. وَيدل على ذَلِك
اتِّفَاقهم أَن الْمَرْأَة إِذا مَاتَت وَلم تُوجد
امْرَأَة تغسلها، أَن الرجل لَا يُبَاشر غسلهَا بالمس. بل
يغسلهَا وَرَاء حَائِل، فِي قَول الْحسن الْبَصْرِيّ
وَالنَّخَعِيّ وَالزهْرِيّ وَقَتَادَة وَإِسْحَاق، وَعند
سعيد بن الْمسيب وَمَالك والكوفيين وَأحمد: تيَمّم
بالصعيد، وَهُوَ أصح الْأَوْجه عِنْد الشَّافِعِيَّة،
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: تدفن كَمَا هِيَ وَلَا تيَمّم،
وَقيل: الْفرق بَين حَال المداواة وتغسيل الْمَيِّت، أَن
الْغسْل عبَادَة والدواء ضَرُورَة، والضرورات تبيح
الْمَحْظُورَات، وَالله أعلم.
86 - (بابُ رَدِّ النِّسَاءِ الجَرْحَى والقَتْلَى)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا جَاءَ من رد النِّسَاء
الْجَرْحى والقتلى، كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين،
وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: إِلَى الْمَدِينَة، بعد
قَوْله: الْقَتْلَى، وَقَالَ ابْن التِّين: كَانُوا يَوْم
أحد يجمعُونَ الرجلَيْن وَالثَّلَاثَة من الشُّهَدَاء على
دَابَّة وتردهن النِّسَاء إِلَى مَوضِع قُبُورهم.
3882 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا بِشْرُ بنُ
المُفَضَّلِ عنْ خالِدِ بنِ ذَكْوَانَ عنِ الرَّبِيعِ
بِنْتِ مُعَوِّذٍ قالَتْ كُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فنَسْقِي القَوْمَ ونَخْدُمُهُمْ
ونَرُدُّ الجَرْحَى والقَتْلَى إِلَى المَدِينَةِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، هَذَا طَرِيق آخر من
حَدِيث الرّبيع، وَهُوَ طَرِيق أوفى بِالْمَقْصُودِ، وَفِي
رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق آخر عَن خَالِد بن
ذكْوَان زِيَادَة وَهِي قَوْله: وَلَا نُقَاتِل.
96 - (بابُ نَزْعِ السَّهْمِ مِنَ البدَنِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَشْرُوعِيَّة نزع السهْم من
بدن الْمُصَاب، قيل: إِنَّمَا ترْجم بِهَذَا لِئَلَّا
يتخيل أَن الشَّهِيد لَا ينْزع عَنهُ السهْم بل يبْقى
فِيهِ كَمَا أَمر بدفنه بدمائه حَتَّى يبْعَث كَذَلِك،
فَبين بِهَذِهِ التَّرْجَمَة أَن هَذَا مَشْرُوع. انْتهى.
وَفِيه نظر، لِأَن حَدِيث الْبَاب يتَعَلَّق بِمن
أَصَابَهُ ذَلِك وَهُوَ فِي الْحَيَاة بعد، وَأحسن من
ذَلِك مَا قَالَه الْمُهلب: إِن فِيهِ جَوَاز نزع السهْم
من الْبدن، وَإِن كَانَ فِي غبه الْمَوْت، وَلَيْسَ ذَلِك
من الْإِلْقَاء إِلَى التَّهْلُكَة إِذا كَانَ يَرْجُو
الِانْتِفَاع بذلك، قَالَ: وَمثله البط والكي. وَغير ذَلِك
من الْأُمُور الَّتِي يتداوى بهَا.
4882 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ العَلاَءِ قَالَ حدَّثَنا
أبُو أُسَامَةَ عنْ بُرَيْدِ بنِ عَبْدِ الله عنْ أبِي
بُرْدَةَ عنْ أبِي مُوسَى رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ
رُمِيَ أبُو عامِرٍ فِي رُكْبَتِهِ فانْتَهَيْتُ إلَيْهِ
قَالَ انْزِعْ هذَا السَّهْمَ فنَزَعْتُهُ فنَزَا مِنْهُ
الماءُ فدَخَلْتُ علَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فأخْبَرْتُهُ فَقَالَ أللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أبي
عامِر.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأَبُو أُسَامَة بن
حَمَّاد بن أُسَامَة، وبريد، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة
ابْن عبد الله بن أبي بردة بن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ،
وبريد هَذَا يروي عَن جده أبي بردة، بِضَم الْبَاء
الْمُوَحدَة وَسُكُون الرَّاء، وَهُوَ يروي عَن أَبِيه أبي
مُوسَى الْأَشْعَرِيّ واسْمه عبد الله بن قيس.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ مقطعاً فِي الْجِهَاد وَفِي
الْمَغَازِي وَفِي الدَّعْوَات عَن أبي كريب مُحَمَّد بن
الْعَلَاء. وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن عبد الله بن
براد وَأبي كريب. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي السّير عَن
مُوسَى بن عبد الرَّحْمَن الْمَسْرُوقي. .
قَوْله: (رمى أَبُو عَامر) ، واسْمه عبيد، بِضَم الْعين:
ابْن وهب، وَقيل: ابْن سليم، بِضَم السِّين الْمُهْملَة
الْأَشْعَرِيّ، عَم أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، كَانَ من
كبار الصَّحَابَة، قتل يَوْم أَوْطَاس، فَلَمَّا أخبر
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رفع يَدَيْهِ
يَدْعُو لَهُ، قَوْله: (فنزا) ، بالزاي، أَي: ظهر وارتفع
وَجرى وَلم يَنْقَطِع، وَقَالَ ابْن التِّين: النز و:
الوثبان، مَعْنَاهُ: خرج المَاء. وَقَالَ صَاحب (الْعين) :
نزا ينزو نَزْوًا ونزواناً، وتنزى: إِذا وثب، قَوْله:
(أللهم اغْفِر لِعبيد) ، إِنَّمَا دَعَا لَهُ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ علم أَنه ميت من ذَلِك.
(14/169)
07 - (بابُ الحِرَاسَةِ فِي الغَزْوِ فِي
سَبيلِ الله)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل الحراسة فِي سَبِيل الله،
والحراسة بِكَسْر الْحَاء الْحِفْظ.
5882 - حدَّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ خَلِيل قَالَ أخبرنَا
علِيُّ بنُ مُسْهَرٍ قَالَ أخبرنَا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ
قَالَ أخبرَنا عبدُ الله بنُ عامِرِ بنِ رَبِيعَةَ قَالَ
سَمِعْتُ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا تَقولُ
كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَهِرَ فلَمَّا
قَدِمَ الْمَدِينَةَ قَالَ لَيْتَ رَجُلاً مِنْ أصْحَابِي
صالِحَاً يَحْرُسُنِي اللَّيْلَةَ إذْ سَمِعْنَا صَوْتَ
سِلاَحٍ فَقالَ مَنْ هذَا فَقَالَ أَنا سَعْدُ بنُ أبِي
وَقَّاصٍ جِئْتُ لأِحْرُسَكَ ونامَ النَّبِيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم.
(الحَدِيث 0882 طرفه فِي: 1327) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (يَحْرُسنِي
اللَّيْلَة) إِلَى آخِره، الحَدِيث، وَإِسْمَاعِيل بن
خَلِيل أَبُو عبد الله الخزاز الْكُوفِي وَعلي بن مسْهر،
بِضَم الْمِيم: على صِيغَة اسْم الْفَاعِل من الإسهار، قد
مر فِي مُبَاشرَة الْحَائِض، وَيحيى هُوَ ابْن سعيد
الْأنْصَارِيّ وَعبد الله بن عَامر بن ربيعَة بن جُحر بن
سلامان الْقرشِي الْعَنزي، ولد فِي عهد النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ أَبُو عمر: قتل سنة سِتّ من
الْهِجْرَة وَحفظ عَنهُ وَهُوَ صَغِير وَتُوفِّي رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ ابْن أَربع سِنِين
أَو خمس سِنِين وَأَبوهُ عَامر بن ربيعَة من كبار
الصَّحَابَة، وَتُوفِّي عبد الله بن عَامر سنة خمس
وَثَمَانِينَ، وَقَالَ أَبُو عمر: عبد الله بن عَامر بن
ربيعَة هُوَ الْأَصْغَر وَعبد الله ابْن عَامر بن ربيعَة
الْعَدوي هُوَ الْأَكْبَر صحب هُوَ وَأَبوهُ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، وَآخر فِي الصَّحَابَة: عبد الله بن
عَامر بن كريز العبشمي الْقرشِي، ابْن خَال عُثْمَان بن
عَفَّان، وَفِي التَّابِعين: عبد الله بن عَامر بن يزِيد
بن تَمِيم بن ربيعَة الدِّمَشْقِي أَبُو عمرَان الْيحصبِي،
ولي قَضَاء دمشق بعد أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّمَنِّي عَن
خَالِد بن مخلد. وَأخرجه مُسلم فِي فَضَائِل سعد بن أبي
وَقاص عَن القعْنبِي وَعَن قُتَيْبَة وَمُحَمّد بن رمح
وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي
المناقب عَن قُتَيْبَة بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ
عَن عَمْرو بن يحيى وَفِي السّير عَن قُتَيْبَة بِهِ.
قَوْله: (كَانَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سهر) لم
يبين فِيهِ أَن سهره فِي أَي زمَان كَانَ، وَظَاهر
الْكَلَام يَقْتَضِي أَن يكون سهره قبل قدومه الْمَدِينَة
على مَا لَا يخفى، وَلَكِن لَيْسَ الْأَمر كَذَلِك، بل
إِنَّمَا كَانَ سهره بعد مقدمه الْمَدِينَة، يدل عَلَيْهِ
مَا رَوَاهُ مُسلم: حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد حَدثنَا
لَيْث وَحدثنَا مُحَمَّد بن رمح أخبرنَا اللَّيْث عَن يحيى
بن سعيد عَن عبد الله بن عَامر بن ربيعَة: أَن عَائِشَة
قَالَت: سهر رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مقدمه
الْمَدِينَة لَيْلَة، فَقَالَ: لَيْت رجلا صَالحا من
أَصْحَابِي يَحْرُسنِي اللَّيْلَة؟ قَالَت: فَبينا نَحن
كَذَلِك إِذْ سمعنَا خشخشة سلَاح، فَقَالَ: من هَذَا؟
قَالَ سعد بن أبي وَقاص، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَا جَاءَ بك؟) فَقَالَ: وَقع فِي
نَفسِي خوف على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَجئْت أحرسه، فَدَعَا لَهُ رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ نَام، وَله فِي رِوَايَة أرِق رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات لَيْلَة، فَقَالَ:
لَيْت رجلا صَالحا ... الحَدِيث، وَلم يذكر فِيهِ: مقدمه
الْمَدِينَة، فَفِي حَدِيث مُسلم التَّصْرِيح بِأَن سهره
وَقَوله: لَيْت رجلا ... إِلَى آخِره، كَانَا بعد مقدمه
الْمَدِينَة، وَهُوَ ظَاهر لَا يخفى، وَمتْن حَدِيث
البُخَارِيّ ينزل على هَذَا، لِأَن الحَدِيث وَاحِد
والمخرج مُتحد، وَوَقع فِي متن حَدِيث البُخَارِيّ
تَقْدِيم وَتَأْخِير، فَالْأَصْل: سَمِعت عَائِشَة تَقول:
لما قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة سهر
لَيْلَة، وَقَالَ: لَيْت رجلا ... إِلَى آخِره، وتؤكده
رِوَايَة النَّسَائِيّ من طَرِيق أبي إِسْحَاق الْفَزارِيّ
عَن يحيى بن سعيد بِلَفْظ كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
أول مَا قدم الْمَدِينَة سهر من اللَّيْل ...
وَاعْلَم أَنه لَيْسَ المُرَاد بقدومه الْمَدِينَة أول
قدومه إِلَيْهَا من الْهِجْرَة، لِأَن عَائِشَة إِذْ ذَاك
لم تكن عِنْده، وَلَا كَانَ سعد أَيْضا مِمَّن سبق. فَإِن
قلت: التَّرْجَمَة: الحراسة فِي الْغَزْو فِي سَبِيل الله،
فعلى مَا ذكر لم تقع الحراسة فِي الْغَزْو فِي سَبِيل
الله؟ قلت: لم يزل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي
سَبِيل الله سَوَاء كَانَ فِي السّفر أَو الْحَضَر، وَلم
يزل حَاله فِي الْغَزْو كَذَلِك. فَإِن قلت: قَالَ الله
تَعَالَى: {وَالله يَعْصِمك من النَّاس} (الْمَائِدَة: 76)
. فَمَا الْحَاجة إِلَى الحراسة؟ قلت: كَانَ ذَلِك قبل
نزُول الْآيَة، أَو المُرَاد الْعِصْمَة من فتْنَة النَّاس
وَاخْتِلَافهمْ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: لَيْسَ فِي
الْآيَة مَا يُنَافِي الحراسة، كَمَا أَن إِعْلَام الله
بنصر دينه وإظهاره مَا يمْنَع الْأَمر بِالْقِتَالِ وإعداد
الْعدَد.
وَفِي الحَدِيث: الْأَخْذ بالحذر والاحتراس من الْعَدو.
وَفِيه: أَن على النَّاس أَن يحرسوا سلطانهم خشيَة
الْقَتْل.
(14/170)
وَفِيه: الثَّنَاء على من تبرع بِالْخَيرِ
وتسميته صَالحا. وَفِيه: أَن التَّوَكُّل لَا يُنَافِي
تعَاطِي الْأَسْبَاب، لِأَن التَّوَكُّل عمل الْقلب، وَهِي
عمل الْبدن، وَالله تَعَالَى أعلم.
6882 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا أَبُو
بَكْرٍ عنْ أبِي حَصِينٍ عنْ أبِي صالِحٍ عنْ أبي
هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ
والدِّرْهَمِ والقَطِيفَةِ والخَمِيصَةِ إنْ أعْطَى رضى
وإنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ لَمْ يَرْفَعْهُ إسْرَائِيلُ
عنْ أبِي حَصِينٍ.
7882 - وَزَادنَا عَمْرٌ وَقَالَ أخْبَرَنَا عبْدُ
الرَّحْمانِ بنُ عبْدِ الله بنِ دِينارٍ عنْ أبِيهِ عنْ
أبِي صالِحٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ عنِ النَّبِيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ تَعِسَ عبْدُ الدِّينَارِ وعبْدُ
الدِّرْهَمِ وعبْدُ الخَمِيصَةِ إنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وإنْ
لَمْ يُعْطَ سَخِطَ تَعِسَ وانْتَكَسَ وإذَا شِيِكَ فَلاَ
انْتَقَشَ طُوبى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي
سَبِيلِ الله أشْعَثَ رأسُهُ مُغْبَرَّةٍ قَدَماهُ إنْ
كانَ فِي الحِرَاسَةِ كانَ فِي الحِرَاسَةِ وإنْ كانَ فِي
السَّاقَةِ كانَ فِي السَّاقَةِ إنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ
يُؤْذَنْ لَهُ وإنْ شَفَعَ لَمْ يُشْفَّعْ.
(انْظُر الحَدِيث 6882 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (إِن كَانَ فِي الحراسة
كَانَ فِي الحراسة) .
ذكر رِجَاله وهم عشرَة أنفس: الأول: يحيى بن يُوسُف بن أبي
كَرِيمَة، أَبُو يُوسُف. الثَّانِي: أَبُو بكر بن عَيَّاش،
بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر
الْحُرُوف وبالشين الْمُعْجَمَة: ابْن سَالم الحناط
بالنُّون المَقْبُري، وَقد اخْتلف فِي اسْمه اخْتِلَافا
كثيرا، وَالصَّحِيح أَن اسْمه كنيته. الثَّالِث: أَبُو
حُصَيْن، بِفَتْح الْحَاء وَكسر الصَّاد
الْمُهْمَلَتَيْنِ، واسْمه: عُثْمَان بن عَاصِم الْأَسدي.
الرَّابِع: أَبُو صَالح ذكْوَان السمان الزيات. الْخَامِس:
أَبُو هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. السَّادِس:
إِسْرَائِيل بن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي.
السَّابِع: مُحَمَّد بن جحادة، بِضَم الْجِيم وَتَخْفِيف
الْحَاء الْمُهْملَة: الأودي، وَيُقَال: الأيامي.
الثَّامِن: عَمْرو، بِفَتْح الْعين: ابْن مَرْزُوق
الْبَاهِلِيّ، بِالْبَاء الْمُوَحدَة. التَّاسِع: عبد
الرَّحْمَن بن عبد الله بن دِينَار مولى عبد الله بن عمر.
الْعَاشِر: أَبوهُ عبد الله بن دِينَار.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع فِي
موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي ثَمَانِيَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن شَيْخه يحيى بن يُوسُف الزمي، نِسْبَة إِلَى
زم، بِفَتْح الزَّاي وَتَشْديد الْمِيم، وَهِي بُليدة
بخراسان على نهر بَلخ، وَسكن بَغْدَاد، وَهُوَ من
أَفْرَاده، وَأَبُو بكر بن عَيَّاش وَأَبُو حُصَيْن
وَإِسْرَائِيل وَمُحَمّد بن جحادة كوفيون، وَأَبُو صَالح
وَعبد الرَّحْمَن مدنيان، وَعَمْرو بن مَرْزُوق بَصرِي
وَهُوَ من أَفْرَاده. وَفِيه: تابعيان: عبد الله بن
دِينَار وَأَبُو صَالح. وَفِيه: رِوَايَة الابْن عَن
أَبِيه وَهُوَ عبد الرَّحْمَن يروي عَن أَبِيه عبد الله.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ
أَيْضا فِي الرقَاق عَن يحيى بن يُوسُف أَيْضا. وَأخرجه
ابْن مَاجَه فِي الزّهْد عَن يَعْقُوب بن حميد بن كاسب.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (تعس) ، بِفَتْح التَّاء
الْمُثَنَّاة من فَوق وَكسر الْعين الْمُهْملَة بعْدهَا
سين مُهْملَة، قَالَ ابْن التِّين: التعس الكب، أَي: عثر
فَسقط لوجهه، وَذكره بعض أهل اللُّغَة بِفَتْح الْعين،
وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: التعس الشَّرّ، قَالَ الله عز
وَجل: {فتعساً لَهُم} (مُحَمَّد: 8) . وَذكر ابْن التياني
عَن قطرب: تعس وتعس شقي، وَعَن عَليّ بن حَمْزَة
بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح هلك، وَفِي (البارع) : تعسه الله
وأتعسه بِمَعْنى نكسه، وَفِي (التَّهْذِيب) : قَالَ شمر:
لَا أعرف تعسه الله وَلَكِن يُقَال: تعس بِنَفسِهِ وأتعسه
الله، وَقيل: تعس إِذا أَخطَأ حجَّته إِن خَاصم وبُغيته
إِن طلب، وَقيل: التعس أَن يخر على وَجهه والنكس أَن يخر
على رَأسه، وَقَالَ اللَّيْث: التعس أَن لَا ينتعش من
عثرته، وَأَن ينكس فِي سفال، وَذكر الزّجاج: أَن التعس فِي
اللُّغَة الإنحطاط، وَفِي (الْمُحكم) : هُوَ السُّقُوط على
أَي وَجه كَانَ، وَقيل: هُوَ الْبعد. قَوْله: (عبد
الدِّينَار) ، مجَاز عَن حرصه عَلَيْهِ، وَتحمل الذلة
لأَجله، أَي: طلب ذَلِك قد استعبده وَصَارَ عمله كُله فِي
طلبهما، كالعبادة لَهما. قَوْله: (والقطيفة) ، بِفَتْح
الْقَاف وَكسر الطَّاء: دثار مخمل، وَالْجمع قطائف وقُطف.
قَوْله: (والخميصة) ،
(14/171)
بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر
الْمِيم: كسَاء إسود مربع لَهُ علمَان. قَوْله: (إِن أعطي)
على صِيغَة الْمَجْهُول، قَالَ ابْن بطال: أَي إِن أعْطى
مَاله عمل وَرَضي عَن خالقه، وَإِن لم يُعْط لم يرض ويتسخط
بِمَا قدر لَهُ، فصح بِهَذَا أَنه عبد فِي طلب هذَيْن
فَوَجَبَ الدُّعَاء عَلَيْهِ بالتعس لِأَنَّهُ أوقف عمله
على مَتَاع الدُّنْيَا الفاني وَترك النَّعيم الْبَاقِي.
قَوْله: (لم يرفعهُ إِسْرَائِيل) ، أَي: لم يرفع الحَدِيث
إِسْرَائِيل ابْن يُونُس عَن أبي حُصَيْن، بل وَقفه
عَلَيْهِ، وَكَذَا مُحَمَّد بن جحادة. قَوْله: (وزادنا
عَمْرو) ، وَهُوَ عَمْرو بن مَرْزُوق أحد مَشَايِخ
البُخَارِيّ، ويروى: وَزَاد لنا، وَالَّذِي زَاد لَهُ هُوَ
قَوْله: وانتكس ... إِلَى آخِره، وروى أَبُو نعيم
الْأَصْبَهَانِيّ حَدِيث عَمْرو هَذَا عَن حبيب بن الْحسن
عَن يُوسُف القَاضِي، حَدثنَا عَمْرو بن مَرْزُوق
أَنبأَنَا عبد الرَّحْمَن بن عبد الله ... فَذكره. قَوْله:
(وانتكس) بِالسِّين الْمُهْملَة، أَي: عاوده الْمَرَض
كَمَا بَدَأَ بِهِ، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: أَي انْقَلب على
رَأسه، وَهُوَ دُعَاء عَلَيْهِ بالخيبة، لِأَن من انتكس
فقد خَابَ وخسر. وَقَالَ صَاحب (الْمطَالع) : ذكره بالشين
الْمُعْجَمَة وَفَسرهُ بِالرُّجُوعِ وَجعله دُعَاء لَهُ
لَا عَلَيْهِ، وَالْأول أوجه. قَوْله: (وَإِذا شيك) ،
بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر
الْحُرُوف بعْدهَا كَاف، أَي إِذا أَصَابَته شَوْكَة لَا
قدر على إخْرَاجهَا بالمنقاش، وَهُوَ معنى قَوْله: (انتقش)
بِالْقَافِ والشين الْمُعْجَمَة، يُقَال: نقشت الشَّوْكَة
إِذا أخرجتها بالمنقاش، وَيُقَال: انتقش الرجل إِذا سل
الشَّوْكَة من قدمه، وَذكر ابْن قُتَيْبَة أَن بَعضهم
رَوَاهُ بِالْعينِ الْمُهْملَة بدل الْقَاف، وَمَعْنَاهُ
صَحِيح، لَكِن مَعَ ذكر الشَّوْكَة تقوى رِوَايَة الْقَاف،
وَوَقع فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ عَن أبي زيد الْمروزِي:
وَإِذا شِئْت، بتاء مثناة من فَوق بدل الْكَاف، وَهُوَ خطأ
فَاحش، وَإِنَّمَا خص إنقاش الشوك بِالذكر، لِأَن الإنقاش
أسهل مَا يتَصَوَّر فِي المعاونة لمن أَصَابَهُ مَكْرُوه،
فَإِذا نفى ذَلِك الأهون فَيكون مَا فَوق ذَلِك منفياً
بِالطَّرِيقِ الأولى. قَوْله: (طُوبَى لعبد) ، طُوبَى على
وزن: فعلى، من الطّيب، فَلَمَّا ضمت الطَّاء انقلبت
الْيَاء واواً، وطوبى: اسْم الْجنَّة، وَقيل: هِيَ شَجَرَة
فِيهَا، وَيُقَال: طُوبَى لَك، وطوباك، بِالْإِضَافَة.
قَوْله: (آخذ) اسْم فَاعل من الْأَخْذ مجرور، لِأَنَّهُ
صفة عبد، و: الْعَنَان، بِكَسْر الْعين لجام الْفرس.
قَوْله: (أَشْعَث) صفة لعبد بِفَتْح الثَّاء، لِأَن جَرّه
بالفتحة لِأَنَّهُ غير منصرف. وَقَوله: (رَأسه) ، مَرْفُوع
لِأَنَّهُ فَاعل وَيجوز فِي أَشْعَث الرّفْع، قَالَه
الْكرْمَانِي وَلم يبين وَجهه، وَقَالَ بَعضهم: وَيجوز فِي
أَشْعَث الرّفْع على أَنه صفة الرَّأْس، أَي: رَأسه
أَشْعَث. قلت: هَذَا الَّذِي ذكره لَا يَصح عِنْد
المعربين، وَالرَّأْس فَاعل أَشْعَث، وَكَيف يكون وَصفته
والموصوف لَا يتَقَدَّم على الصّفة وَالتَّقْدِير الَّذِي
قدره يُؤَدِّي إِلَى إِلْغَاء قَوْله رَأسه بعد قَوْله:
أَشْعَث، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: أَشْعَث رَأسه مغبرة قدماه
حالان من قَوْله: لعبد، لِأَنَّهُ مَوْصُوف. قَوْله: (إِن
كَانَ فِي الحراسة) أَي: فِي حراسة الْعَدو، خوفًا من أَن
يهجم الْعَدو عَلَيْهِم وَذَلِكَ يكون فِي مُقَدّمَة
الْجَيْش والساقة مؤخرة الْجَيْش، وَالْمعْنَى إيتماره لما
أَمر وإقامته حَيْثُ أقيم لَا يفقد من مَكَانَهُ بِحَال،
وَإِنَّمَا ذكر الحراسة والساقة لِأَنَّهُمَا أَشد مشقة
وَأكْثر آفَة، الأول عِنْد دُخُولهمْ دَار الْحَرْب،
وَالْآخر عِنْد خُرُوجهمْ مِنْهَا. فَإِن قلت: مَا وَجه
اتِّحَاد الشَّرْط وَالْجَزَاء؟ قلت: وَجه ذَلِك أَنه يدل
على فخامة الْجَزَاء وكماله نَحْو من كَانَت هجرته إِلَى
الله وَرَسُوله فَهجرَته إِلَى الله وَرَسُوله، أَي: من
كَانَ فِي السَّاقَة فَهُوَ فِي أَمر عَظِيم، أَو المُرَاد
مِنْهُ لَازمه، نَحْو: فَعَلَيهِ أَن يَأْتِي بلوازمه
وَيكون مشتغلاً بخويصة عمله، أَو قلَّة ثَوَابه. قَوْله:
(إِذا اسْتَأْذن لم يُؤذن لَهُ) ، إِشَارَة إِلَى عدم
التفاته إِلَى الدُّنْيَا وأربابها بِحَيْثُ يفنى بكليته
فِي نَفسه لَا يَبْتَغِي مَالا وَلَا جاهاً عِنْد النَّاس،
بل يكون عِنْد الله وجيهاً، وَلم يقبل النَّاس شَفَاعَته،
وَعند الله يكون شَفِيعًا مشفعاً. قَوْله: (يشفع) ،
بِفَتْح الْفَاء الْمُشَدّدَة، أَي: لم تقبل شَفَاعَته.
قَالَ أَبُو عَبْدِ الله لَمْ يَرْفَعْهُ إسْرَائِيلُ
وَمُحَمَّدُ بنُ جُحَادَةَ عنْ أبِي حَصِينٍ
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، أَي: لم يرفع
الحَدِيث الْمَذْكُور إِسْرَائِيل بن يُونُس وَمُحَمّد بن
جحادة عَن أبي حُصَيْن عُثْمَان بن عَاصِم بل، وَقَفاهُ
عَلَيْهِ، وَقد ذَكرْنَاهُ.
وَقَالَ تَعْساً كأنَّهُ يَقُولُ فأتْعَسَهُمُ الله
هَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي، وَجَرت عَادَة
البُخَارِيّ فِي شرح اللَّفْظ الَّتِي توَافق مَا فِي
الْقُرْآن بتفسيرها، وَهَكَذَا فسر أهل التَّفْسِير قَوْله
تَعَالَى: {فتعساً لَهُم} (مُحَمَّد: 8) . كَأَنَّهُ
يَقُول: فأتعسهم الله، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.
(14/172)
طُوبَى فُعْلَى مِنْ كُلِّ شَيْءٍ طَيِّبٍ
وهْيَ ياءٌ إِلَى الوَاوِ وهْيَ مِنْ يَطِيبُ
هَذَا أَيْضا من كَلَام البُخَارِيّ، فسر: طُوبَى، بِهَذَا
وَقد ذكرنَا الْكَلَام فِيهِ.
17 - (بابُ فَضْلِ الخِدْمَةِ فِي الغَزْوِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل الْخدمَة للغازي فِي
الْغُزَاة، سَوَاء كَانَت من صَغِير لكبير، أَو من كَبِير
لصغير، أَو لمن يُسَاوِيه، وَفِي هَذَا الْبَاب ثَلَاثَة
أَحَادِيث كلهَا عَن أنس: فَفِي الأول: خدمَة الْكَبِير
للصَّغِير، وَفِي الثَّانِي: خدمَة الصَّغِير للكبير،
وَفِي الثَّالِث: تُوجد الْخدمَة لمن يُسَاوِيه، على مَا
نذكرهُ.
8882 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَرْعَرَةَ قَالَ حدَّثنا
شُعْبَةُ عنْ يُونُسَ بنِ عُبَيْدٍ عنْ ثابِتٍ البُنانِيِّ
عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ
صَحِبْتُ جَرِيرَ بنَ عَبْدِ الله فَكانَ يَخْدُمُنِي
وهْوَ أكْبَرُ مِنْ أنَسٍ قَالَ جَرِيرٌ إنِّي رأيْتُ
الأنْصَارَ يَصْنَعُونَ شَيْئاً لاَ أجِدُ أحَدَاً
مِنْهُمْ إلاَّ أكْرَمْتُهُ.
قيل: هَذَا الحَدِيث لَيْسَ فِي مَحَله، وَإِنَّمَا مَحَله
المناقب، وَحَاصِله نفي الْمُطَابقَة.
قلت: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث مُحَمَّد بن
عرْعرة: حَدثنَا شُعْبَة عَن يُونُس بن عبيد عَن ثَابت
الْبنانِيّ عَن أنس بن مَالك، قَالَ: خرجت مَعَ جرير بن
عبد الله فِي سفر وَكَانَ يخدمني، فَقلت لَهُ: لَا تفعل،
إِنِّي رَأَيْت الْأَنْصَار تصنع برَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا آلَيْت أَن لَا أصحب أحدا مِنْهُم
إلاَّ خدمته، وَفِي آخِره: وَكَانَ جرير أكبر من أنس.
وَقَالَ ابْن بشار: أسن من أنس، انْتهى. فَهَذَا يدل على
أَن معنى قَوْله: (صَحِبت جرير بن عبد الله) ، يَعْنِي:
فِي السّفر. وَهُوَ أَعم من أَن يكون سفر الْغَزْو أَو
غَيره، فَبِهَذَا يَقع الحَدِيث فِي بَابه، فتوجد
الْمُطَابقَة.
قَوْله: (وَهُوَ أكبر من أنس) فِيهِ الْتِفَات أَو
تَجْرِيد، وَكَانَ مُقْتَضى الظَّاهِر أَن يَقُول: وَهُوَ
أكبر مني قَوْله: (يصنعون شَيْئا) ، أَي: من خدمَة رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا يَنْبَغِي وَمن
تعظيمهم إِيَّاه غَايَة مَا يكون. قَوْله: (مِنْهُم) ،
أَي: من الْأَنْصَار. وَقَوله فِي رِوَايَة مُسلم: آلَيْت،
أَي: حَلَفت.
وَفِيه: فضل الْأَنْصَار وَفضل جرير وتواضعه ومحبته للرسول
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
9882 - حدَّثنا عبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله قَالَ
حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ عنْ عَمْرِو بنِ أبِي
عَمْرٍ ومَوْلى المطَّلِبِ بنِ حَنْطَبٍ أنَّهُ سَمِعَ
أنَسَ بنَ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يَقُولُ
خَرَجْتُ مَعَ رَسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى
خَيْبَرَ أخْدُمُهُ فلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم رَاجِعَاً وبدَا لَهُ أُحُدٌ قَالَ هاذَا
جَبَلٌ يُحِبُّنَا ونُحِبُّهُ ثُمَّ أشارَ بِيَدِهِ إلَى
المَدِينَةِ قَالَ ألَّلهُمَّ إنِّي احَرِّمُ مَا بَيْنَ
لاَبَتَيْهَا كَتَحْرِيمِ إبْرَاهِيمَ مَكَّةَ أللَّهُمَّ
بارِكْ لَنَا فِي صاعِنا ومُدِّنَا..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (خرجت مَعَ رَسُول الله،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى خَيْبَر أخدمه) .
وَعبد الْعَزِيز بن عبد الله ابْن يحيى أَبُو الْقَاسِم
الْقرشِي العامري الأويسي الْمَدِينِيّ، وَهُوَ من
أَفْرَاده، وَمُحَمّد بن جَعْفَر بن أبي كثير
الْأنْصَارِيّ الْمَدِينِيّ وَعَمْرو بن أبي عَمْرو مولى
الْمطلب بن حنْطَب، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون
النُّون وَفتح الطَّاء الْمُهْملَة، وَقد مر فِي: بَاب
الْحِرْص على كِتَابَة الحَدِيث.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي أَحَادِيث
الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، عَن
القعْنبِي، وَفِي الْمَغَازِي عَن عبد الله بن يُوسُف،
وَفِي الِاعْتِصَام عَن إِسْمَاعِيل بن أبي إويس. وَأخرجه
مُسلم فِي الْمَنَاسِك عَن قُتَيْبَة وَيحيى بن أَيُّوب
وَعلي بن حجر وَعَن قُتَيْبَة بن سعيد وَسَعِيد بن
مَنْصُور كِلَاهُمَا عَن يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن،
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن الْأنْصَارِيّ
وَهُوَ إِسْحَاق بن مُوسَى عَن معن بن عِيسَى وَعَن
قُتَيْبَة، كِلَاهُمَا عَن مَالك بِبَعْضِه طلع لَهُ أحد.
قَوْله: (إِلَى خَيْبَر) ، أَي: إِلَى غَزْوَة خَيْبَر
وَكَانَت سنة سِتّ، وَقيل: سنة سبع. قَوْله: (أخدمه) ،
جملَة وَقعت حَالا. قَوْله: (رَاجعا) ، حَال من النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (وبدا لَهُ) ، أَي ظهر
لَهُ جبل أحد. قَوْله: (يحبنا) ، يُمكن حمله على
الْحَقِيقَة بِأَن يخلق الله فِيهِ الْمحبَّة، وَالله
(14/173)
على كل شَيْء قدير. وَقَالَ الْخطابِيّ:
الْحبّ والبغض لَا يجوزان على الْجَبَل نَفسه، وَإِنَّمَا
هُوَ كِنَايَة عَن أهل الْجَبَل وهم سكان الْمَدِينَة،
يُرِيد بِهِ الثَّنَاء على الْأَنْصَار، والإخبار عَن حبهم
لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وحبه إيَّاهُم
وَهُوَ نَحْو: {واسأل الْقرْيَة} (يُوسُف: 28) . قَوْله:
(لابتيها) ، أَي: لابتي الْمَدِينَة وَهِي تَثْنِيَة لابة
بِالْبَاء الْمُوَحدَة الْخَفِيفَة، وَهِي الْحرَّة
وَالْمَدينَة بَين الحرتين، والحرة، بِفَتْح الْحَاء
الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء، وَهِي الأَرْض ذَات
الْحِجَارَة السود، وَيجمع على حر وحرار وحرات وحرين
واحرين وَهُوَ من الجموع النادرة، واللاَّبة تجمع على لوب
ولابات مَا بَين الثَّلَاث إِلَى الْعشْر فَإِذا كثرت جمعت
على اللاَّب واللوب، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي كتاب
الْحَج فِي: بَاب لابتي الْمَدِينَة. قَوْله: (كتحريم
إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام) التَّشْبِيه
فِي نفس الْحُرْمَة وَفِي وجوب الْجَزَاء وَنَحْوه.
قَوْله: (أللهم بَارك لنا فِي صاعنا ومدنا) أَي: بَارك لنا
فِي الطَّعَام الَّذِي يُكَال بالصيعان والأمداد ودعا
لَهُم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْبركَةِ
فِي أقواتهم، وَمر الْكَلَام فِيهِ أَيْضا فِي بَاب
مُجَرّد عَن التَّرْجَمَة فِي آخر كتاب الْحَج.
وَفِيه: جَوَاز خدمَة الصَّغِير للكبير لشرف فِي نَفسه أَو
فِي قومه أَو لعلمه أَو لصلاحه، وَنَحْو ذَلِك.
0982 - حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ أَبُو الرَّبِيعِ
عنْ إسْمَاعِيلَ بنَ زَكَرِيَّاءَ قَالَ حَدثنَا عاصِمٌ
عنْ مُورِّقٍ العِجْلِيِّ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى
عنهُ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أكْثَرُنَا ظِلاًّ الَّذِي يَسْتَظِلُّ بِكِسَائِهِ
وأمَّا الَّذِينَ صامُوا فلَمْ يَعْمَلُوا شَيْئَاً وأمَّا
الَّذِينَ أفْطَرُوا فَبَعَثُوا الرِّكَابَ وامْتَهَنُوهَا
وعالَجُوا فَقَالَ النبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْم بالأجْرِ.
قيل: هَذَا الحَدِيث من الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا فِي
غير مظانها لكَونه لم يذكرهُ فِي الصّيام، وَاقْتصر على
إِيرَاده هُنَا. قلت: يُمكن أَن يُقَال: إِن لَهُ بعض
مَظَنَّة هُنَا، وَهُوَ أَن قَوْله: (فبعثوا الركاب
وامتهنوا وعالجوا) عبارَة عَن الْخدمَة لِأَن معنى قَوْله:
(بعثوا الركاب) أَي: إِلَى المَاء للسقي، والركاب،
بِالْكَسْرِ الْإِبِل الَّتِي يسَار عَلَيْهَا، وَمعنى
قَوْله: (وامتهنوا) أَي: خدموا، لِأَن الامتهان: الْخدمَة
والابتذال، وَمعنى قَوْله: (وعالجوا) أَي: تناولوا
الطَّبْخ والسقي، وكل هَذَا عبارَة عَن الْخدمَة وَهِي
أَعم من أَن يخدموا أنفسهم أَو يخدموا غَيرهم، أَو يخدموا
أنفسهم وَغَيرهم، بل هم خدموا الصائمين لأَنهم سقطوا على
مَا يَجِيء من رِوَايَة مُسلم، وَكَانَ ذَلِك فِي السّفر،
لِأَن فِي رِوَايَة مُسلم عَن مُورق عَن أنس، قَالَ:
كُنَّا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فِي السّفر
... الحَدِيث، فَحِينَئِذٍ يُطَابق الحَدِيث التَّرْجَمَة
من هَذَا الْوَجْه، وَسليمَان بن دَاوُد أَبُو الرّبيع
الْعَتكِي الزهْرَانِي الْبَصْرِيّ وَإِسْمَاعِيل بن
زَكَرِيَّاء أَبُو زِيَاد الخلقاني الْكُوفِي وَعَاصِم
هُوَ ابْن سُلَيْمَان الْأَحول، ومورق بِكَسْر الرَّاء
الْمُشَدّدَة وبالقاف: الْعجلِيّ وهما تابعيان فِي نسق،
وَقَالَ بَعضهم: والإسناد كُله بصريون. قلت: لَيْسَ
كَذَلِك، وَإِسْمَاعِيل ومورق كوفيان.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الصَّوْم عَن أبي بكر بن أبي
شيبَة، وَعَن أبي كريب، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن
إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم.
قَوْله: (أكثرنا ظلاً من يستظل بكسائه) يُرِيد: لم يكن
لَهُم أخبية، وَذَلِكَ لما كَانُوا عَلَيْهِ من الْقلَّة،
وَفِي رِوَايَة مُسلم: فنزلنا منزلا فِي يَوْم حَار أكثرنا
ظلاً صَاحب الكساء، فمنا من يَتَّقِي الشَّمْس بِيَدِهِ،
وَأما الَّذين صَامُوا فَلم يعملوا شَيْئا، يَعْنِي:
لعجزهم، وَفِي رِوَايَة مُسلم: فَسقط الصوامون. قَوْله:
(وَأما الَّذين أفطروا) إِلَى قَوْله: (وعالجوا) قد
ذَكرْنَاهُ الْآن، وَفِي رِوَايَة مُسلم: وَقَامَ المفطرون
فَضربُوا الْأَبْنِيَة وَسقوا الركاب. قَوْله: (ذهب
المفطرون) بِالْأَجْرِ، أَي: بِالْأَجْرِ الْأَكْمَل
الوافر، لِأَن نفع صَوْم الصائمين قَاصِر على أنفسهم
وَلَيْسَ المُرَاد نقص أجرهم، بل المُرَاد أَن المفطرين
حصل لَهُم أجر عَمَلهم وَمثل أجر الصوام لتعاطيهم اشغالهم
واشغال الصوام.
قيل: فِيهِ: أَن أجر الْخدمَة فِي الْغَزْو أعظم من أجر
الصّيام. وَفِيه: أَن التعاون فِي الْجِهَاد وَفِي خدمَة
الْمُجَاهدين فِي حل وارتحال وَاجِب على جَمِيع
الْمُجَاهدين. وَفِيه: جَوَاز خدمَة الرجل لمن يُسَاوِيه،
لِأَن الْخدمَة أَعم كَمَا ذكرنَا.
27 - (بابُ فَضْلِ مَنْ حَمَلَ مَتاع صاحِبِهِ فِي
السَّفَرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل ... إِلَى آخِره،
وَالْمَتَاع فِي اللُّغَة كل مَا انْتفع بِهِ.
(14/174)
1982 - حدَّثني إسْحَاقُ بنُ نَصْرٍ قَالَ
حدَّثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عنْ مَعْمَرٍ عنْ هَمَّامٍ عنْ
أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النَّبِيِّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كُلُّ سُلامَى عَلَيْهِ
صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ يُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ
يحامِلُهُ علَيْهَا أوْ يَرْفَعُ علَيْهَا مَتاعَهُ
صَدَقَةٌ والكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ وكُلُّ خَطْوَةٍ
يَمْشِيهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ ودلُّ الطَّرِيقِ
صَدَقَةٌ.
(انْظُر الحَدِيث 7072 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (يعين الرجل فِي
دَابَّته) إِلَى قَوْله: (والكلمة الطّيبَة) . فَإِن قلت:
لَيْسَ فِيهِ ذكر السّفر. قلت: إِطْلَاق هَذَا الْكَلَام
يتَنَاوَل حَالَة السّفر بِالطَّرِيقِ الأولى.
وَإِسْحَاق بن نصر هُوَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن نضر
السَّعْدِيّ النجاري، كَانَ ينزل بِالْمَدِينَةِ بِبَاب
بني سعد، فَالْبُخَارِي تَارَة يَقُول: إِسْحَاق بن
إِبْرَاهِيم بن نصر، وَتارَة يَقُول: إِسْحَاق بن نصر،
فينسبه إِلَى جده، وَعبد الرَّزَّاق بن همام بن نَافِع
الصَّنْعَانِيّ الْيَمَانِيّ، وَمعمر بِفَتْح الميمين:
ابْن رَاشد، وَهَمَّام هُوَ ابْن مُنَبّه الْأَنْبَارِي
الصَّنْعَانِيّ، وَقد مر فِي الصُّلْح فِي: بَاب فضل
الْإِصْلَاح بَين النَّاس، بِهَذَا الْإِسْنَاد بعض هَذَا
الحَدِيث عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كل سلامى من النَّاس عَلَيْهِ
صَدَقَة، وَفِيه زِيَادَة على حَدِيث الْبَاب. وَهِي
قَوْله: كل يَوْم تطلع فِيهِ الشَّمْس يعدل بَين اثْنَيْنِ
صَدَقَة.
قَوْله: (كل سلامى) ، بِضَم السِّين الْمُهْملَة
وَتَخْفِيف اللَّام وَفتح الْمِيم وبالألف: عِظَام
الْأَصَابِع، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي الْبَاب
الْمَذْكُور. قَوْله: (كل يَوْم) نصب على الظَّرْفِيَّة.
قَوْله: (ويعين) مُبْتَدأ على تَقْدِير الْمصدر نَحْو:
تسمع بالمعيدي. يَعْنِي: وَأَن تعين، و: أَن، مَصْدَرِيَّة
تَقْدِيره: وإعانتك الرجل. وَقَوله: (صَدَقَة) خَبره.
قَوْله: (يحامله عَلَيْهَا) أَي: يساعده فِي الرّكُوب
وَفِي الْحمل على الدَّابَّة. قَوْله: (وكل خطْوَة)
الخطوة، بِفَتْح الْخَاء: الْمرة الْوَاحِدَة، وبالضم: مَا
بَين الْقَدَمَيْنِ، وَقَالَ ابْن التِّين: وَضبط فِي
البُخَارِيّ بِالضَّمِّ. قَوْله: (وَدلّ الطَّرِيق)
بِفَتْح الدَّال وَتَشْديد اللَّام: بِمَعْنى الدّلَالَة
لمن يحْتَاج إِلَيْهِ.
37 - (بابُ فَضْلِ رِبَاطَ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ الله)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل رِبَاط يَوْم، الرِّبَاط
بِكَسْر الرَّاء وبالباء الْمُوَحدَة الْخَفِيفَة:
مُلَازمَة الْمَكَان الَّذِي بَين الْمُسلمين وَالْكفَّار
لحراسة الْمُسلمين مِنْهُم. قلت: الرِّبَاط هِيَ المرابطة،
وَهِي مُلَازمَة ثغر الْعَدو، وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: أصل
الرِّبَاط والمرابطة: أَن يرْبط هَؤُلَاءِ خيولهم
وَهَؤُلَاء خيولهم فِي الثغر كل يعد لصَاحبه، وَقَالَ ابْن
التِّين: بِشَرْط أَن يكون غير الوطن، قَالَه ابْن حبيب
عَن مَالك وَفِيه نظر لِأَنَّهُ قد يكون وَطنه يَنْوِي
بِالْإِقَامَةِ فِيهِ دفع الْعَدو، وَيُقَال: الرِّبَاط
المرابطة فِي نَحْو الْعَدو وَحفظ ثغور الْإِسْلَام
وصيانتها عَن دُخُول الْأَعْدَاء إِلَى حوزة بِلَاد
الْمُسلمين.
وقَوْلِ الله تَعَالَى {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اصْبِرُوا} (آل عمرَان: 02) . إِلَى آخِرِ الْآيَة
وَقَوله، مجرور عطفا على قَوْله: فضل رِبَاط، وَتَمام
الْآيَة: {وَصَابِرُوا وَرَابطُوا وَاتَّقوا الله
لَعَلَّكُمْ تفلحون} (آل عمرَان: 02) . قَالَ زيد بن أسلم:
اصْبِرُوا على الْجِهَاد وَصَابِرُوا الْعَدو وَرَابطُوا
الْخَيل على الْعَدو، وَعَن الْحسن وَقَتَادَة: اصْبِرُوا
على طَاعَة الله وَصَابِرُوا أَعدَاء الله وَرَابطُوا فِي
سَبِيل الله، وَعَن الْحسن أَيْضا: اصْبِرُوا على المصائب
وَصَابِرُوا على الصَّلَوَات الْخمس، وَقَالَ مُحَمَّد
ابْن كَعْب: إصبروا على دينكُمْ وَصَابِرُوا لوعدي الَّذِي
وعدتكم عَلَيْهِ وَرَابطُوا عدوي وَعَدُوكُمْ حَتَّى يتْرك
دينه لدينكم واتقوني فِيمَا بيني وَبَيْنكُم لَعَلَّكُمْ
تفلحون غَدا إِذا لقيتموني. وَفِي (تَفْسِير ابْن كثير) :
قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: أمروا أَن يصبروا على دينهم
الَّذِي ارْتَضَاهُ الله لَهُم، وَهُوَ الْإِسْلَام، وَلَا
يَدعُوهُ لسراء وَلَا لضراء وَلَا لشدَّة وَلَا لرخاء
حَتَّى يموتوا مُسلمين، وَأَن يصابروا الْأَعْدَاء الَّذين
يملون دينهم. وَقَالَ ابْن مرْدَوَيْه: حَدثنَا مُحَمَّد
بن أَحْمد أخبرنَا مُوسَى بن إِسْحَاق أخبرنَا أَبُو
جُحَيْفَة عَليّ بن يزِيد الْكُوفِي أخبرنَا ابْن أبي
كَرِيمَة عَن مُحَمَّد بن يزِيد عَن أبي سَلمَة بن عبد
الرَّحْمَن، قَالَ: أقبل أَبُو هُرَيْرَة يَوْمًا فَقَالَ:
يَا ابْن أخي! أَتَدْرِي فِيمَا أنزلت هَذِه الْآيَة: {يَا
أَيهَا الَّذين آمنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا} (آل عمرَان:
02) . الْآيَة؟ قلت: لَا. قَالَ:
(14/175)
أما أَنه لم يكن فِي زمَان النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم غَزْو يرابطون فِيهِ، وَلكنهَا نزلت
فِي قوم يعمرون الْمَسَاجِد وَيصلونَ الصَّلَاة فِي
مواقيتها ثمَّ يذكرُونَ الله فِيهَا فَعَلَيْهِم أنزلت:
{اصْبِرُوا} (آل عمرَان: 02) . أَي على الصَّلَوَات الْخمس
{وَصَابِرُوا} (آل عمرَان: 02) . أَنفسكُم وهواكم
{وَرَابطُوا} (آل عمرَان: 02) . فِي مَسَاجِدكُمْ
{وَاتَّقوا الله} فِيمَا علمكُم {لَعَلَّكُمْ تفلحون} (آل
عمرَان: 02) . وَهَكَذَا روى الْحَاكِم أَيْضا فِي
(مُسْتَدْركه) .
2982 - حدَّثنا عبْدُ الله بنُ مُنير قَالَ سَمِعَ أبَا
النَّضْرِ قَالَ حدَّثنا عبْدُ الرَّحْمانِ بنُ عَبْدِ
الله بنِ دِينارٍ عنْ أبِي حازِمٍ عنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ
السَّاعِدِيِّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ رسولَ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ رِباطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ
الله خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا ومَوْضِعُ
سَوْطٍ أحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا
وَمَا عَلَيْهَا والرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا العَبْدُ فِي
سَبِيلِ الله أَو الغَدْوَةُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا
عَلَيْهَا.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَعبد الله بن مُنِير،
بِضَم الْمِيم وَكسر النُّون أَبُو عبد الرَّحْمَن
الْمروزِي، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَأَبُو النَّضر، بِفَتْح
النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة واسْمه هَاشم بن
الْقَاسِم التَّمِيمِي، وَيُقَال: اللَّيْثِيّ
الْكِنَانِي، خراساني سكن بَغْدَاد وَمَات بهَا يَوْم
الْأَرْبَعَاء غرَّة ذِي الْقعدَة سنة سبع وَمِائَتَيْنِ،
وَأَبُو حَازِم الْأَعْرَج سَلمَة بن دِينَار، وَسَهل بن
سعد بن مَالك السَّاعِدِيّ الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن أبي بكر بن أبي
النَّضر.
قَوْله: (سمع أَبَا النَّضر) ، التَّقْدِير أَنه سمع أَبَا
النَّضر. قَوْله: (رِبَاط يَوْم) ، قد مر تَفْسِير
الرِّبَاط عَن قريب. قَوْله: (وَمَا عَلَيْهَا) ، أَي: على
الدُّنْيَا وَفَائِدَة الْعُدُول عَن قَوْله: وَمَا
فِيهَا، هُوَ أَن معنى الاستعلاء أَعم من الظَّرْفِيَّة
وَأقوى فقصده زِيَادَة الْمُبَالغَة. قَوْله: (وَمَوْضِع
سَوط أحدكُم) . إِلَى قَوْله: (عَلَيْهَا) ، لِأَن
الدُّنْيَا فانية وكل شَيْء فِي الْجنَّة باقٍ، وَإِن صغر
فِي التَّمْثِيل لنا، وَلَيْسَ فِيهِ صَغِير، فَهُوَ أدوم
وَأبقى من الدُّنْيَا الفانية المنقطعة فَكَانَ الدَّائِم
الْبَاقِي خيرا من الْمُنْقَطع. قَوْله: (والروحة) إِلَى
آخِره، وَتَفْسِير الغدوة والروحة مر فِي أَوَائِل كتاب
الْجِهَاد فِي: بَاب الغدوة والروحة، لِأَنَّهُ أخرج
هُنَاكَ عَن سهل بن سعد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ: (الروحة والغدوة فِي سَبِيل الله أفضل من
الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا) . فَإِن قلت: روى أَحْمد
وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث عُثْمَان، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، (رِبَاط يَوْم فِي سَبِيل الله خير
من ألف يَوْم فِيمَا سواهُ من الْمنَازل) . قلت: لَا
تعَارض، لِأَنَّهُ باخْتلَاف العاملين أَو باخْتلَاف
الْعَمَل بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكَثْرَة والقلة.
106 - (حَدثنَا قُتَيْبَة قَالَ حَدثنَا يَعْقُوب عَن
عَمْرو عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لأبي طَلْحَة
التمس لي غُلَاما من غِلْمَانكُمْ يخدمني حَتَّى أخرج
إِلَى خَيْبَر فَخرج بِي أَبُو طَلْحَة مردفي وَأَنا
غُلَام راهقت الْحلم فَكنت أخدم رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا نزل فَكنت أسمعهُ
كثيرا يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الْهم والحزن
وَالْعجز والكسل وَالْبخل والجبن وضلع الدّين وَغَلَبَة
الرِّجَال ثمَّ قدمنَا خَيْبَر فَلَمَّا فتح الله عَلَيْهِ
الْحصن ذكر لَهُ جمال صَفِيَّة بنت حييّ بن أَخطب وَقد قتل
زَوجهَا وَكَانَت عروسا فاصطفاها رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لنَفسِهِ فَخرج بهَا حَتَّى
بلغنَا سد الصَّهْبَاء حلت فَبنى بهَا ثمَّ صنع حَيْسًا
فِي نطع صَغِير ثمَّ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - آذن من حولك فَكَانَت تِلْكَ
وَلِيمَة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - على صَفِيَّة ثمَّ خرجنَا إِلَى الْمَدِينَة قَالَ
فَرَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - يحوي لَهَا وَرَاءه
(14/176)
بعباءة ثمَّ يجلس عِنْد بعيره فَيَضَع
ركبته فتضع صَفِيَّة رجلهَا على رُكْبَتَيْهِ حَتَّى تركب
فسرنا حَتَّى إِذا أَشْرَفنَا على الْمَدِينَة نظر إِلَى
أحد فَقَالَ هَذَا جبل يحبنا ونحبه ثمَّ نظر إِلَى
الْمَدِينَة فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أحرم مَا بَين
لابتيها بِمثل مَا حرم إِبْرَاهِيم مَكَّة اللَّهُمَّ
بَارك لَهُم فِي مدهم وصاعهم) مطابقته للتَّرْجَمَة
تُؤْخَذ من قَوْله التمس لي غُلَاما إِلَى قَوْله فَكنت
أخدم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَيَعْقُوب هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد
الْقَارِي بِالتَّشْدِيدِ من القارة حَلِيف بني زهرَة
أَصله مدنِي سكن الْإسْكَنْدَريَّة وَعَمْرو بن أبي عَمْرو
مولى الْمطلب والْحَدِيث يشْتَمل على عدَّة أَحَادِيث
الأول حَدِيث التمس لي غُلَاما الثَّانِي حَدِيث
الِاسْتِعَاذَة أخرجه فِي الدَّعْوَات أَيْضا عَن
قُتَيْبَة الثَّالِث حَدِيث صَفِيَّة أخرجه أَبُو دَاوُد
فِي الْبيُوع وَفِي الْمَغَازِي عَن عبد الْغفار بن دَاوُد
وَفِي الْمَغَازِي أَيْضا عَن أَحْمد وَأخرجه أَبُو دَاوُد
فِي الْخراج عَن سعيد بن مَنْصُور عَن يَعْقُوب بن عبد
الرَّحْمَن بِبَعْضِه الرَّابِع حَدِيث أحد وَحَدِيث لابتي
الْمَدِينَة أخرجه أَيْضا فِي الْجِهَاد عَن عبد الْعَزِيز
بن عبد الله وَفِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم
الصَّلَاة وَالسَّلَام عَن القعْنبِي وَفِي الْمَغَازِي
عَن عبد الله بن يُوسُف وَفِي الِاعْتِصَام عَن
إِسْمَاعِيل بن أبي أويس وَأخرجه مُسلم فِي الْمَنَاسِك
عَن قُتَيْبَة وَيحيى بن أَيُّوب وَعلي بن حجر وَعَن
قُتَيْبَة وَسَعِيد بن مَنْصُور كِلَاهُمَا عَن يَعْقُوب
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن الْأنْصَارِيّ
وَهُوَ إِسْحَق بن مُوسَى (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " لأبي
طَلْحَة " زوج أم أنس واسْمه زيد بن سهل الْأنْصَارِيّ
وَقد مر غير مرّة قَوْله " يخدمني " بِالْجَزْمِ لِأَنَّهُ
جَوَاب الْأَمر وَيجوز الرّفْع على تَقْدِير هُوَ يخدمني
قَوْله " مردفي " من الإرداف وَالْوَاو فِي قَوْله وَأَنا
غُلَام للْحَال قَوْله " راهقت الْحلم " أَي قاربت
الْبلُوغ قَوْله " من الْهم والحزن " قَالَ الْخطابِيّ
أَكثر النَّاس لَا يفرقون بَين الْهم والحزن وهما على
اخْتِلَافهمَا فِي الِاسْم يتقاربان فِي الْمَعْنى إِلَّا
أَن الْحزن إِنَّمَا يكون على أَمر قد وَقع والهم إِنَّمَا
هُوَ فِيمَا يتَوَقَّع وَلم يكن بعد وَقَالَ الْقَزاز
الْهم هُوَ الْغم والحزن تَقول أهمني هَذَا الْأَمر
وأحزنني وَيحْتَمل أَن يكون من همه الْمَرَض إِذا أذابه
وأنحله مَأْخُوذ من هم الشَّحْم إِذا أذابه وَالشَّيْء
مهموم أَي مذاب قَوْله " وضلع الدّين " بِفَتْح الضَّاد
الْمُعْجَمَة وَاللَّام أَي ثقل الدّين وَأمر مضلع أَي
مثقل قَوْله " وَغَلَبَة الرِّجَال " قَالَ الْكرْمَانِي
عبارَة عَن الْهَرج والمرج وَيُقَال غَلَبَة الرِّجَال
عبارَة عَن توَحد الرجل فِي أمره وتغلب الرِّجَال عَلَيْهِ
قَوْله " صَفِيَّة بنت حييّ " بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة
وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف المخففة وَتَشْديد الْيَاء
الْأَخِيرَة وأخطب بِسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح
الطَّاء الْمُهْملَة وشذ بالمهملتين وَحَدِيث صَفِيَّة قد
مر فِي كتاب الْبيُوع فِي بَاب هَل يُسَافر الرجل بالجارية
قبل أَن يَسْتَبْرِئهَا فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد
الْغفار بن دَاوُد عَن يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن عَن
عَمْرو بن أبي عَمْرو عَن أنس بن مَالك قَالَ قدم النَّبِي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خَيْبَر الحَدِيث
إِلَى قَوْله حَتَّى تركب وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ
مُسْتَوْفِي قَوْله " عروسا " نعت يَسْتَوِي فِيهِ
الْمُذكر والمؤنث مادام فِي تعريسهما أَيَّامًا
وَالْأَحْسَن أَن يُقَال للرجل معرس لِأَنَّهُ قد أعرس أَي
اتخذ عرسا قَوْله " سد الصهبا " اسْم مَوضِع قَوْله "
حَيْسًا " بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء
آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره سين مُهْملَة وَهُوَ طَعَام
يتَّخذ من التَّمْر والأقط وَالسمن وَقد يَجْعَل عوض الأقط
الدَّقِيق أَو الفتيت قَوْله " فِي نطع " بِفَتْح النُّون
وَكسرهَا وَسُكُون الطَّاء وَفتحهَا أَربع لُغَات قَوْله "
يحوي " أَي يَجْعَل العباءة لَهَا حوية يَجْعَلهَا حول
سَنَام الْبَعِير وَفِي الْعين الحوية مركب يهيأ
للْمَرْأَة وَيُقَال الحوية كسَاء محشو قَوْله " هَذَا جبل
يحبنا " قد مر عَن قريب فِي بَاب فضل الْخدمَة فِي
الْغَزْو وَكَذَلِكَ حَدِيث لابتي الْمَدِينَة قيل فِي صدر
هَذَا الحَدِيث إِشْكَال قَالَه الدَّاودِيّ وَغَيره
وَهُوَ أَن الظَّاهِر أَن ابْتِدَاء خدمَة أنس للنَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من كَانَ أول مَا
قدم الْمَدِينَة وَأَنه صَحَّ عَنهُ أَنه قَالَ خدمت
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تسع
سِنِين وَفِي رِوَايَة عشر سِنِين وخيبر كَانَت سنة سبع
فَيلْزم أَن يكون إِنَّمَا خدم أَربع سِنِين وَأجِيب بِأَن
معنى قَوْله لأبي طَلْحَة التمس لي غُلَاما من غلمانك
تعْيين من خرج مَعَه فِي تِلْكَ السفرة فعين لَهُ أَبُو
طَلْحَة أنسا فينحط الالتماس على الاسْتِئْذَان فِي
المسافرة بِهِ لَا فِي أصل الْخدمَة فَإِنَّهَا
(14/177)
كَانَت مُتَقَدّمَة فيزول الْإِشْكَال بِهَذَا الْوَجْه
فَافْهَم وَفِي الحَدِيث جَوَاز اسْتِخْدَام الْيَتِيم
بِغَيْر أُجْرَة لِأَن أنسا كَانَ يَخْدمه من غير
اشْتِرَاط أُجْرَة وَلَا نَفَقَة فَجَائِز على الْيَتِيم
أَن تسلمه أمه أَو وَصِيّه وشبههما فِي الصِّنَاعَة
والمهنة وَهُوَ لَازم لَهُ ومنعقد عَلَيْهِ وَفِي
التَّوْضِيح وَفِيه جَوَاز اسْتِخْدَام الْيَتَامَى بشبعهم
وكسوتهم وَجَوَاز الِاسْتِخْدَام لَهُم بِغَيْر نَفَقَة
وَلَا كسْوَة إِذا كَانَ فِي خدمَة عَالم أَو إِمَام فِي
الدّين لِأَنَّهُ لم يذكر فِي حَدِيث أنس أَن لَهُ أجر
الْخدمَة وَإِن كَانَ قد يجوز أَن تكون نَفَقَته من عِنْد
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَفِيه جَوَاز حمل الصّبيان فِي الْغَزْو كَمَا بوب لَهُ
وَالله أعلم - |