عمدة القاري شرح صحيح البخاري

68 - (بابُ منْ لَمْ يَرَ كَسْرَ السِّلاَحِ عِنْدَ الْمَوْتِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر من لم ير كسر السِّلَاح عِنْد مَوته، وَأَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى رد مَا كَانَ عَلَيْهِ أهل الْجَاهِلِيَّة من كسر السِّلَاح وعقر الدَّوَابّ إِذا مَاتَ ملككم أَو رَئِيس من أكابرهم، وَرُبمَا يُوصي أحدهم بذلك، فَخَالف الشَّارِع فعلهم وَترك سلاحه وَبغلته وأرضاً جعلهَا صَدَقَة، قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: كسر السِّلَاح إِذا مَاتَ تَضْييع لِلْمَالِ، فَمَا الْحَاجة إِلَى ذكره لِأَن حرمته ظَاهِرَة؟ قلت: المُرَاد من الْكسر البيع والْحَدِيث يدل عَلَيْهِ حَيْثُ كَانَ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دين فَلم يبع سلاحه لأجل الدّين انْتهى قلت: لَيْسَ المُرَاد من وضع التَّرْجَمَة هَذَا الَّذِي ذكره، وَإِنَّمَا المُرَاد مَا ذَكرْنَاهُ الْآن، وَقَوله: وحرمته ظَاهِرَة، أَي: عِنْد الْمُسلمين، وَأهل الْجَاهِلِيَّة مَا كَانُوا يرَوْنَ ذَلِك، بل كَانُوا يوصون بِهِ، فَوَقَعت هَذِه التَّرْجَمَة ردا عَلَيْهِم. وَأما الْجُهَّال من الْمُسلمين، وَإِن فعلوا ذَلِك، فليسوا بمعتقدين حلّه. فَافْهَم.

2192 - حدَّثنا عَمْرُو بنُ عَبَّاسٍ قَالَ حدَّثنا عبْدُ الرَّحْمانِ عنْ سُفْيانَ عنْ أبِي إسْحَاقَ عنْ عَمْرُو بنِ الحارِثِ قَالَ مَا تَرَكَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلاَّ سِلاَحَهُ وبَغْلَةً بَيْضَاءَ وأرْضاً جعَلَهَا صَدَقةً..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من الحَدِيث، وَهُوَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَالف مَا فعله أهل الْجَاهِلِيَّة من كسر سِلَاحهمْ وعقر دوابهم وَترك مَا ذكر فِي الحَدِيث غير مَعْهُود فِيهِ بِشَيْء إلاَّ التَّصَدُّق بِالْأَرْضِ، وَعَمْرو بن عَبَّاس أَبُو عُثْمَان الْبَصْرِيّ من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَعبد الرَّحْمَن هُوَ ابْن مهْدي بن حسان الْعَنْبَري الْبَصْرِيّ، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَأَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي الْكُوفِي، وَعَمْرو بن الْحَارِث بن المصطلق الْخُزَاعِيّ ختن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخُو جوَيْرِية بنت الْحَارِث زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد مر الحَدِيث فِي كتاب الْوَصَايَا فِي: بَاب الْوَصَايَا، فِي أول الْكتاب، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

78 - (بابُ تَفَرُّقِ النَّاسِ عنِ الإمَامِ عِنْدَ القَائِلَةِ والإسْتِظْلاَلِ بالشَّجَرِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر تفرق النَّاس عَن الإِمَام.

3192 - حدَّثنا أبُو اليَمانِ قَالَ أخبرنَا شُعيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ حدَّثنا سِنانُ بنُ أبِي سِنان وَأَبُو سَلَمَةَ أنَّ جابِراً أخْبرَهُ. ح وحدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ قَالَ أخْبرنا ابنُ شِهابٍ عنُ سِنان بنِ أبِي سِنان الدُّؤَلِيِّ أنَّ جابِرَ بنَ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أخْبَرَهُ أنَّهُ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ لله فأدْرَكَتْهُمُ القَائِلَةُ فِي وادٍ كَثيرِ العِضَاهِ يَسْتَظِلُّونَ بالشَّجَرِ فنَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَحْتَ شَجَرَةٍ فَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ ثُمَّ نامَ فاسْتَيْقَظَ وعِنْدَهُ رجل وهْوَ لاَ يَشْعُرُ بِهِ فَقَالَ النبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّ هذَا اخْتَرَطَ سَيْفِي فَقَالَ منْ يَمْنَعكَ قُلْتُ الله فَشامَ السَّيْفَ فَهَا هُوَذَا جالِسٌ ثُمَّ لَمْ يُعَاقِبْهُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، والْحَدِيث مضى قبل هَذَا الْبَاب ببابين، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن أبي الْيَمَان الحكم بن نَافِع ... إِلَى آخِره، وَأخرجه هُنَا من طَرِيقين الأول: عَن أبي الْيَمَان، وَالثَّانِي: عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل الْمنْقري التَّبُوذَكِي ... إِلَى آخِره. قَوْله: (فَشَام) ، بالشين الْمُعْجَمَة أَي: غمد، وَيَجِيء بِمَعْنى: سل، فَهُوَ من الأضداد.

88 - (بابُ مَا قِيلَ فِي الرِّمَاحِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا قيل فِي الرماح من فَضله، وَهُوَ جمع: رمح.

(14/191)


ويُذْكَرُ عنِ ابنِ عُمَرَ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ جُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي وجُعِلَ الذِّلَّةُ والصَّغَارُ علَى مَنْ خالَفَ أمْرِي

هَذَا التَّعْلِيق ذكره الإشبِيلي فِي (الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ) من أَن الْوَلِيد ببن مُسلم رَوَاهُ عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن حسان بن عَطِيَّة عَن أبي منيب الجرشِي عَن ابْن عمر. ومنيب، بِضَم الْمِيم وَكسر النُّون وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف ثمَّ بَاء مُوَحدَة: الجرشِي، بِضَم الْجِيم وَفتح الرَّاء وبالشين الْمُعْجَمَة، وَلَا يعرف اسْم لأبي منيب. وَأخرجه أَحْمد فِي (مُسْنده) بأتم مِنْهُ. قَوْله: (جعل رِزْقِي) أَي: من الْغَنِيمَة. قَوْله: (وَالصغَار) بِفَتْح الصَّاد والغين الْمُعْجَمَة: هُوَ بذل الْجِزْيَة.
وَفِيه: فضل الرمْح وَالْإِشَارَة إِلَى حل الْغَنَائِم لهَذِهِ الْأمة، وَإِلَى أَن رزق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل فِيهَا لَا فِي غَيرهَا من المكاسب.

4192 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرَنَا مالِكٌ عنْ أبِي النضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بنِ عُبَيْدِ الله عنْ نافِعٍ مَوْلى أبِي قَتَادَةَ الأنْصَارِيِّ عنْ أبِي قَتادَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّهُ كانَ مَعَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حتَّى إذَا كانَ بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ تَخَلَّفَ مَعَ أصْحَابٍ لَهُ مُحْرِمِينَ وهْوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ فرَأى حِمَارَاً وحْشِيَاً فاسْتَوَى على فَرَسِهِ فسألَ أصْحَابَهُ أنْ يُنَاوِلوهُ سَوْطَهُ فأبَوْا فسَألَهُمْ رُمْحَهُ فأبَوا فأخَذَهُ ثُمَّ شَدَّ عَلَى الحِمَارِ فقَتَلَهُ فأكَلَ مِنْهُ بَعْضُ أصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأبَى بَعْضٌ فلَمَّا أدْرَكُوا رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سألُوهُ عنْ ذَلِكَ قَالَ إنَّمَا هِيَ طُعْمَةٌ أطْعَمَكُمُوها الله..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَسَأَلَهُمْ رمحه) وَأَبُو النَّضر بالنُّون وَالضَّاد الْمُعْجَمَة، وَأَبُو قَتَادَة الْحَارِث بن ربعي، والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْحَج فِي: بَاب لَا يعين الْمحرم الْحَلَال، وعقيبه: بَاب لَا يُشِير الْمحرم إِلَى الصَّيْد، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى. قَوْله: (محرمين) ، صفة لقَوْله: أَصْحَاب. قَوْله: (وَهُوَ غير محرم) جملَة حَالية.
وعنْ زَيْدِ بنِ أسْلَمَ عنْ عَطَاءِ بنِ يَسارٍ عنْ أبِي قَتَادَةَ فِي الحِمَارِ الوَحْشِيِّ مِثْل حَدِيثِ أبِي النَّضْرِ قَالَ هلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ
أخرج البُخَارِيّ هَذَا مَوْصُولا فِي كتاب الذَّبَائِح فِي: بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّيْد، وَقَالَ: حَدثنَا إِسْمَاعِيل، قَالَ: حَدثنِي مَالك عَن زيد بن أسلم عَن عَطاء بن يسَار عَن أبي قَتَادَة مثله، إلاَّ أَنه قَالَ: هَل مَعكُمْ مِنْهُ شَيْء، وَفِي رُوَاة: هَل مَعكُمْ من لَحْمه شَيْء.
98 - بابُ مَا قِيلَ فِي دِرْعِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والْقَميصِ فِي الحَرْبِ
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا قيل فِي درع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَي شَيْء كَانَت؟ وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الدرْع الزردية، وَيجمع على أَدْرَاع قَوْله: والقميص، أَي: وَفِي بَيَان حكم الْقَمِيص فِي الْحَرْب.
وقالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمَّا خالِدٌ فَقَدِ احْتَبَسَ أدْرَاعَهُ فِي سَبِيلِ الله
هَذَا قِطْعَة من حَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي كتاب الزَّكَاة فِي: بَاب قَول الله تَعَالَى {وَفِي الرّقاب} (الْبَقَرَة: 771، وَالتَّوْبَة: 06) . عَن الْأَعْرَج عَن عَن أبي هُرَيْرَة وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

126 - (حَدثنِي مُحَمَّد بن الْمثنى قَالَ حَدثنَا عبد الْوَهَّاب قَالَ حَدثنَا خَالِد عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ فِي قبَّة اللَّهُمَّ إِنِّي أنْشدك عَهْدك وَوَعدك اللَّهُمَّ إِن شِئْت لم تعبد بعد الْيَوْم فَأخذ أَبُو بكر بِيَدِهِ فَقَالَ حَسبك يَا رَسُول الله فقد

(14/192)


ألححت على رَبك وَهُوَ فِي الدرْع فَخرج وَهُوَ يَقُول سَيهْزمُ الْجمع وَيُوَلُّونَ الدبر بل السَّاعَة موعدهم والساعة أدهى وَأمر) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله وَهُوَ فِي الدرْع وَعبد الْوَهَّاب هُوَ ابْن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ وخَالِد هُوَ الْحذاء والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي وَفِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن حَوْشَب وَفِي التَّفْسِير أَيْضا عَن إِسْحَق عَن خَالِد وَعَن مُحَمَّد بن عَفَّان وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن بنْدَار عَن الثَّقَفِيّ بِهِ قَوْله " وَهُوَ فِي قبَّة " جملَة حَالية وَفِي الْمغرب الْقبَّة الخركاهة وَكَذَا كل بِنَاء مدور وَالْجمع قباب وقبة وَقَالَ ابْن الْأَثِير الْقبَّة من الْخيام بَيت صَغِير وَهُوَ من بيُوت الْعَرَب قَوْله " أنْشدك " أَي أطلبك يُقَال نشدتك الله أَي سَأَلتك بِاللَّه كَأَنَّك ذكرته قَوْله " عَهْدك " نَحْو قَوْله تَعَالَى {وَلَقَد سبقت كلمتنا لعبادنا الْمُرْسلين إِنَّهُم لَهُم المنصورون وَإِن جندنا لَهُم الغالبون} قَوْله " وَوَعدك " نَحْو قَوْله تَعَالَى {وَإِذ يَعدكُم الله إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لكم} ويروى أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نظر إِلَى الْمُشْركين وهم ألف وَإِلَى أَصْحَابه وهم ثَلَاثمِائَة فَاسْتقْبل الْقبْلَة وَمد يَدَيْهِ وَقَالَ " اللَّهُمَّ أنْجز لي مَا وَعَدتنِي اللَّهُمَّ إِن تهْلك هَذِه الْعِصَابَة لَا تعبد فِي الأَرْض " فَمَا زَالَ كَذَلِك حَتَّى سقط رِدَاؤُهُ فَأَخذه أَبُو بكر فَأَلْقَاهُ على مَنْكِبَيْه وَالْتَزَمَهُ من وَرَائه وَقَالَ يَا نَبِي الله كَفاك مناشدة رَبك فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَك مَا وَعدك قَوْله " حَسبك " أَي يَكْفِيك مَا قلت قَوْله " ألححت " أَي داومت الدُّعَاء يُقَال ألح السَّحَاب بالمطر دَامَ وَيُقَال مَعْنَاهُ بالغت فِي الدُّعَاء وأطلت فِيهِ وَقَالَ الْخطابِيّ قد يشكل معنى هَذَا الحَدِيث على كثير من النَّاس وَذَلِكَ إِذا رَأَوْا نَبِي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يناشد ربه فِي استنجاز الْوَعْد وَأَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يسكن مِنْهُ فيتوهمون أَن حَال أبي بكر بالثقة بربه والطمأنينة إِلَى وعده أرفع من حَاله وَهَذَا لَا يجوز قطعا فَالْمَعْنى فِي مناشدته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وإلحاحه فِي الدُّعَاء الشَّفَقَة على قُلُوب أَصْحَابه وتقويتهم إِذْ كَانَ ذَلِك أول مشْهد شهدوه فِي لِقَاء الْعَدو وَكَانُوا فِي قلَّة من الْعدَد وَالْعدَد فابتهل فِي الدُّعَاء وألح ليسكن ذَلِك مَا فِي نُفُوسهم إِذا كَانُوا يعلمُونَ أَن وسيلته مَقْبُولَة ودعوته مستجابة فَلَمَّا قَالَ لَهُ أَبُو بكر مقَالَته كف عَن الدُّعَاء إِذْ علم أَنه اسْتُجِيبَ لَهُ بِمَا وجده أَبُو بكر فِي نَفسه من الْقُوَّة والطمأنينة حَتَّى قَالَ لَهُ هَذَا القَوْل وَيدل على صِحَة مَا تأولناه تمثله على أثر ذَلِك بقوله {سَيهْزمُ الْجمع وَيُوَلُّونَ الدبر} وَفِيه تأنيس من استبطأ كريم مَا وعده الله بِهِ من النَّصْر والبشرى لَهُم بهزم حزب الشَّيْطَان وتذكيرهم بِمَا نبههم بِهِ من كِتَابه عز وَجل وَالْمرَاد من الْجمع جمع كفار مَكَّة يَوْم بدر فَأخْبر الله تَعَالَى أَنهم سيهزمون وَيُوَلُّونَ الدبر أَي الإدبار فوحدوا لمراد الْجمع قَوْله " بل السَّاعَة موعدهم " أَي موعد عَذَابهمْ قَوْله " والساعة " أَي عَذَاب يَوْم الْقِيَامَة " أدهى " أَشد وأفظع والداهية الْأَمر الْمُنكر الَّذِي لَا يهتدى لَهُ قَوْله " وَأمر " أَي أعظم بلية وَأَشد مرَارَة من الْهَزِيمَة وَالْقَتْل يَوْم بدر
(وَقَالَ وهيب حَدثنَا خَالِد يَوْم بدر) وهيب هُوَ ابْن خَالِد بن عجلَان أَبُو بكر الْبَصْرِيّ وخَالِد هُوَ الْحذاء يَعْنِي قَالَ وهيب حَدثنَا خَالِد عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَن الَّذِي قَالَه كَانَ يَوْم بدر وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي تَفْسِير سُورَة الْقَمَر فَقَالَ حَدثنِي مُحَمَّد حَدثنَا عَفَّان بن مُسلم عَن وهيب حَدثنَا خَالِد عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ وَهُوَ فِي قبَّة يَوْم بدر الحَدِيث (فَإِن قلت) من الْمَعْلُوم أَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا لم يكن شهد هَذَا وَلَا كَانَ فِي حِين من يُدْرِكهُ قلت رَوَاهُ عَمَّن شهد هَذَا وَأسْقط الْوَاسِطَة على عَادَته فِي أَكثر رواياته وَقد رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث سماك بن الْوَلِيد عَن ابْن عَبَّاس عَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم بِزِيَادَة قَوْله {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ ربكُم} الْآيَة وروى البُخَارِيّ أَيْضا فِي سُورَة الْقَمَر وَقَالَ حَدثنِي إِسْحَاق أخبرنَا خَالِد عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ وَهُوَ فِي قبَّة يَوْم بدر الحَدِيث فَهَذَا البُخَارِيّ روى الحَدِيث الْمَذْكُور أَولا عَن مُحَمَّد عَن عَفَّان وَثَانِيا عَن إِسْحَاق عَن خَالِد أما مُحَمَّد فقد قَالَ الجياني كَذَا فِي روايتنا عَن أبي مُحَمَّد الْأصيلِيّ غير مَنْسُوب وَكَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر وَأبي نصر قَالَ وَسقط ذكره جملَة من نُسْخَة أبي السكن قَالَ وَلَعَلَّه

(14/193)


الذهلي (قلت) هُوَ مُحَمَّد بن يحيى بن عبد الله بن خَالِد بن فَارس الذهلي أَبُو عبد الله النَّيْسَابُورِي الإِمَام روى عَنهُ البُخَارِيّ فِي مَوَاضِع يدلسه فَتَارَة يَقُول حَدثنَا مُحَمَّد وَلم يزدْ عَلَيْهِ وَتارَة ينْسبهُ إِلَى جده فَيَقُول حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله وَأما إِسْحَاق فَهُوَ ابْن شاهين نَص عَلَيْهِ غير وَاحِد وَإِن كَانَ إِسْحَاق روى أَيْضا عَن خَالِد الطَّحَّان لَكِن البُخَارِيّ مَا روى عَنهُ فِي صَحِيحه وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ حَدثنَا خَالِد عَن خَالِد فَخَالِد الأول هُوَ الطَّحَّان وَالثَّانِي هُوَ الْحذاء
6192 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ أخبرنَا سُفْيَانُ عنِ الأعْمَشِ عنْ إبْرَاهِيمَ عنِ الأسْوَدِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا قالَتْ تُوُفِّيَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ودِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِثَلاثِينَ صَاعا مِنْ شَعِيرٍ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَدِرْعه) وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان، وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ، وَالْأسود هُوَ ابْن يزِيد خَال إِبْرَاهِيم. والْحَدِيث قد مر فِي كتاب الرَّهْن فِي: بَاب من رهن درعه.
وَقَالَ يَعْلَى: حدَّثَنَا الأعْمَشُ دِرْعٌ مِنْ حَدِيدٍ

يعلى على وزن يرضى ابْن عبيد بن أبي عبيد أَبُو يُوسُف الطنافسي الْحَنَفِيّ الأيادي الْكُوفِي، توفّي بِالْكُوفَةِ يَوْم الْأَحَد لخمس من شَوَّال سنة تسع وَمِائَتَيْنِ، روى الحَدِيث الْمَذْكُور عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن الْأسود عَن عَائِشَة، وَقد مر هَذَا التَّعْلِيق مَوْصُولا فِي: بَاب الرَّهْن فِي السّلم.
وَقَالَ مُعَلَّى حدَّثنا عبدُ الوَاحِدِ قَالَ حدَّثنا الأعْمشُ وَقَالَ رَهَنَهُ دِرْعَاً مِنْ حَدِيدٍ

هَذَا تَعْلِيق آخر وَصله البُخَارِيّ فِي الاستقراض فِي أول الْبَاب وَقَالَ: حَدثنَا مُعلى بن أَسد حَدثنَا عبد الْوَاحِد ... الحَدِيث إِلَى آخِره.

7192 - حدَّثنا مُوُساى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا وُهَيْبٌ قَالَ حدَّثنا ابنُ طاوُوسٍ عنْ أبِيهِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَثَلُ البَخِيلِ والْمُتَصَدِّقِ مَثَلُ رَجُلَيْنِ علَيْهِمَا جُبَّتانِ مِنْ حَدِيدٍ قَدِ اضْطَرَّتْ أيْدِيهُمَا إِلَى تَرَاقِيهِما فَكلَّمَا هَمَّ الْمُتَصَدِّقُ بِصَدَقَتِهِ اتَّسَعَتْ علَيْه حتَّى تُعَفِّيَ أثَرَهُ وكُلَّمَا هَمَّ البَخِيلُ بالصَّدقَةِ انْقَبَضَتْ كلُّ حَلَقَةٍ إِلَى صَاحِبَتِهَا وتَقَلَّصَتْ عَلَيْهِ وانْضَمَّتْ يدَاهُ إِلَى تَرَاقِيهِ فَسَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ فَيَجْتَهِدُ أنْ يُوَسِّعَهَا فَلا تَتَّسِعُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (عَلَيْهِمَا جبتان) فَإِن كَانَ جبتان بِالْبَاء الْمُوَحدَة تَثْنِيَة: جُبَّة، فَهِيَ تناسب الْقَمِيص فِي التَّرْجَمَة، وَإِن كَانَ بالنُّون تَثْنِيَة: جنَّة، فَهِيَ تناسب الدرْع، ومُوسَى بن إِسْمَاعِيل الْمنْقري، ووهيب بِالتَّصْغِيرِ ابْن خَالِد، وَابْن طَاوُوس عبد الله يروي عَن أَبِيه.
والْحَدِيث مر فِي كتاب الزَّكَاة فِي: بَاب مثل الْمُتَصَدّق والبخيل، رَوَاهُ البُخَارِيّ من طَرِيقين. الأول: عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل مُخْتَصرا. وَالثَّانِي: عَن أبي الْيَمَان، بأتم مِنْهُ، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (قد اضطرت إيديهما إِلَى تراقيهما) ، أَي: ألجئت أَيْدِيهِمَا إِلَى تراقيهما، وَهُوَ جمع: ترقوة، وَهِي الْعظم الْكَبِير الَّذِي بَين ثغرة النَّحْر والعاتق، وهما ترقوتان من الْجَانِبَيْنِ، ووزنها: فعلوة، بِالْفَتْح وَإِنَّمَا ذكر التراقي لِأَنَّهَا عِنْد الصَّدْر وَهُوَ مَسْلَك الْقلب، وَهُوَ يَأْمر الْمَرْء وينهاه. قَوْله: (تعفي) ، أَي: تمحو، وعفت الرّيح الْمنزل أَي: درسته. قَوْله: (وتقلصت) ، أَي: انزوت وانضمت. قَوْله: (فَسمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول) ، أَي: فَسمع أَبُو هُرَيْرَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قيل: مَجْمُوع الحَدِيث سَمعه أَبُو هُرَيْرَة من رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَمَا وَجه اخْتِصَاصه بِالْكَلِمَةِ الْأَخِيرَة؟ وَأجِيب: بِأَن لفظ، يَقُول، يدل على الِاسْتِمْرَار والتكرار، فَلَعَلَّهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كررها دون أخواتها.

(14/194)


09 - (بابُ الجُبَّةِ فِي السَّفَرِ والحَرْبِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان لبس الْجُبَّة فِي السّفر وَالْحَرب، يَعْنِي فِي الْغُزَاة، وَهُوَ من عطف الْخَاص على الْعَام. وَفِي (الْمطَالع) : الْجُبَّة مَا قطع من الثِّيَاب مشمراً.

8192 - حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثَنا عبْدُ الوَاحِدِ قَالَ حدَّثَنا الأعْمَشُ عنْ أبِي الضُّحَى مُسْلِمٍ هُوَ ابنُ صُبَيْحٍ قَالَ حدَّثَنِي عنْ مَسْرُوق المُغِيرَةُ بنُ شُعْبَةَ قَالَ انْطَلَقَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِحَاجَتهِ ثُمَّ أقْبَلَ فَلَقِيتُهُ بِمَاءٍ وعلَيْهِ جُبَّةٌ شَأمِيَّةٌ فَمَضْمَضَ واسْتَنْشَقَ وغَسَلَ وجْهَهُ فَذَهَبَ يُخْرِجُ يَدَيْهِ مِنْ كُمَّيْهِ فَكانا ضَيِّقَيْنِ فأخْرَجَهُمَا مِنْ تَحْتِ فَغَسَلَهُمَا ومسَحَ بِرَأسِهِ وعَلَى خُفَّيْهِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَعَلِيهِ جُبَّة شامية) وَكَانَ فِي السّفر وَكَانَ فِي غزَاة.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب الصَّلَاة فِي الْجُبَّة الشامية، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن يحيى عَن أبي مُعَاوِيَة عَن الْأَعْمَش إِلَى آخِره.
وَفِيه: جَوَاز إِخْرَاج الْيَدَيْنِ من تَحت الثَّوْب. وَفِيه: خدمَة الْعَالم فِي السّفر.

19 - (بابُ الحَرِيرِ فِي الحَرَبِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز اسْتِعْمَال الْحَرِير فِي الْحَرْب، بِالْحَاء الْمُهْملَة، وَزعم بَعضهم أَنه بِالْجِيم وَفتح الرَّاء، وَلَيْسَ لذَلِك وَجه لِأَنَّهُ لَا يبْقى لَهُ مُنَاسبَة فِي أَبْوَاب الْجِهَاد.

9192 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ المِقْدَامِ قَالَ حدَّثنا خالِدٌ قَالَ حدَّثنا سَعِيدٌ عنْ قَتَادَةَ أنَّ أنَساً حدَّثَهُمْ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَخَّصَ لِعَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ عَوْفٍ والزُّبَيْرِ فِي قَمِيصٍ مِنْ حَرِيرٍ مِنْ حِكَّةٍ كانَتْ بِهِمَا..
قيل: لَيْسَ فِي الحَدِيث لفظ الجرب، فَلَا مُطَابقَة إلاَّ إِذا كَانَ قَوْله: فِي الجرب، بِالْجِيم، كَمَا زَعمه بَعضهم. وَأجِيب: بِأَن ترخيصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعبد الرَّحْمَن وَالزُّبَيْر فِي قَمِيص من حَرِير كَانَ من حكة، وَكَانَ فِي الْغُزَاة، وَيشْهد لَهُ بذلك حَدِيث أنس الَّذِي يَأْتِي عقيب الحَدِيث الْمَذْكُور، وَصرح فِيهِ بقوله: ورأيته عَلَيْهِمَا فِي غزَاة، وَلِهَذَا ترْجم التِّرْمِذِيّ أَيْضا: بَاب مَا جَاءَ فِي لبس الْحَرِير فِي الْحَرْب، ثمَّ روى عَن أنس أَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَالزُّبَيْر بن الْعَوام شكيا الْقمل فِي غزَاة لَهما فَرخص لَهما فِي قَمِيص الْحَرِير، قَالَ: ورأيته عَلَيْهِمَا. قَالَ شَيخنَا زين الدّين: كَانَ التِّرْمِذِيّ رأى تَقْيِيد ذَلِك بِالْحَرْبِ، وَفهم ذَلِك من قَوْله: فِي غزَاة لَهما. وَمِنْهُم من لَا يرى الترخيص بِوُجُود الحكة أَو الْقمل إِلَّا بِقَيْد ذَلِك فِي السّفر، كَمَا فِي رِوَايَة مُسلم فِي السّفر على مَا يَجِيء، وَقيل: التَّعْلِيل ظَاهر فِي ذكر الحكة وَالْقمل، وَأما كَونه فِي سفر أَو فِي غزَاة فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي تَرْجِيح كَون ذَلِك سَببا، وَإِنَّمَا ذكر فِيهِ الْمَكَان الَّذِي رخص لَهما فِيهِ، وَلَا يلْزم مِنْهُ كَون ذَلِك سَببا. قلت: بل هُوَ سَبَب أَيْضا، لِأَن فِيهِ إرهاب الْعَدو كَمَا أُبِيح الْخُيَلَاء فِيهِ، فَيجوز أَن يكون كل وَاحِد من السّفر والغزو والحكة سَببا مُسْتقِلّا. وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: قد روى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرخص فِي كل وَاحِد مِنْهَا مُفردا، فإفرادها فِي رِوَايَة اقْتضى أَن يكون كل وَجه لَهُ حكم، وَجَمعهَا يُوجب أَن يكون ثَلَاث علل اجْتمعت فأثرت فِي الحكم على الِاجْتِمَاع كَمَا تَقْتَضِيه على الإنفراد.
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: أَحْمد بن الْمِقْدَام أَبُو الْأَشْعَث الْعجلِيّ الْبَصْرِيّ. الثَّانِي: خَالِد بن الْحَارِث بن سليم الهُجَيْمِي، بِضَم الْهَاء وَفتح الْجِيم، وَقد مر فِي اسْتِقْبَال الْقبْلَة. الثَّالِث: سعيد بن أبي عرُوبَة، وَفِي بعض النّسخ: شُعْبَة، مَوضِع: سعيد. الرَّابِع: قَتَادَة. الْخَامِس: أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
وَأخرجه مُسلم فِي اللبَاس: حَدثنَا أَبُو كريب مُحَمَّد بن الْعَلَاء حَدثنَا أَبُو أُسَامَة

(14/195)


عَن سعيد بن أبي عرُوبَة حَدثنَا قَتَادَة أَن أنس بن مَالك أنبأهم: أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رخص لعبد الرَّحْمَن ابْن عَوْف وَالزُّبَيْر بن الْعَوام فِي قمص الْحَرِير فِي السّفر من حكة كَانَت بهما، أَو وجع كَانَ بهما، وَفِي رِوَايَة لَهُ: فَرخص لَهما فِي قمص الْحَرِير فِي غزَاة لَهما. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي اللبَاس أَيْضا عَن النُّفَيْلِي وَلَفظه: رخص رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَالزُّبَيْر بن الْعَوام فِي قمص الْحَرِير من حكة كَانَت بهما. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي اللبَاس عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: قَالَ النَّوَوِيّ: هَذَا الحَدِيث صَرِيح الدّلَالَة لمَذْهَب الشَّافِعِي وموافقيه أَنه يجوز لبس الْحَرِير للرجل إِذا كَانَت بِهِ حكة لما فِيهِ من الْبُرُودَة، وَكَذَلِكَ الْقمل، وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا. وَقَالَ مَالك: لَا يجوز، وَكَذَا يجوز لبسه عِنْد الضَّرُورَة كمن فاجأته الْحَرْب، وَلم يجد غَيره وَكَمن خَافَ من حر أَو برد، وَقَالَ الصَّحِيح: عِنْد أَصْحَابنَا أَنه يجوز لبسه للحكة وَنَحْوهَا فِي السّفر والحضر جَمِيعًا، وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا، يخْتَص بِالسَّفرِ، وَهُوَ ضَعِيف حَكَاهُ الرَّافِعِيّ واستنكره، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: يدل الحَدِيث على جَوَاز لبسه للضَّرُورَة، وَبِه قَالَ بعض أَصْحَاب مَالك، وَأما مَالك فَمَنعه من الْوَجْهَيْنِ. والْحَدِيث وَاضح الْحجَّة عَلَيْهِ إلاَّ أَن يَدعِي الخصوصية لَهما وَلَا يَصح، وَلَعَلَّ الحَدِيث لم يبلغهُ.
وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: اخْتلف الْعلمَاء فِي لِبَاسه على عشرَة أَقْوَال: الأول: محرم بِكُل حَال. الثَّانِي: يحرم إلاَّ فِي الْحَرْب. الثَّالِث: يحرم إلاَّ فِي السّفر. الرَّابِع: يحرم إلاَّ فِي الْمَرَض. الْخَامِس: يحرم إلاَّ فِي الْغَزْو. السَّادِس: يحرم إلاَّ فِي الْعلم. السَّابِع: يحرم على الرِّجَال وَالنِّسَاء. الثَّامِن: يحرم لبسه من فَوق دون لبسه من أَسْفَل وَهُوَ الْفرش، قَالَه أَبُو حنيفَة وَابْن الْمَاجشون. التَّاسِع: يُبَاح بِكُل حَال. الْعَاشِر: محرم، وَإِن خلط مَعَ غَيره كالخز.
وَقَالَ ابْن بطال: اخْتلف النَّاس فِي لِبَاسه فأجازته طَائِفَة وكرهته أُخْرَى: فَمِمَّنْ كرهه: عمر بن الْخطاب وَابْن سِيرِين وَعِكْرِمَة وَابْن محيريز، وَقَالُوا: الْكَرَاهَة فِي الْحَرْب أَشد لما يرجون من الشَّهَادَة، وَهُوَ قَول مَالك وَأبي حنيفَة. وَمِمَّنْ أجَازه فِي الْحَرْب أنس، روى معمر عَن ثَابت قَالَ: رَأَيْت أنس بن مَالك لبس الديباج فِي فزعة فزعها النَّاس، وَقَالَ أَبُو فرقد: رَأَيْت على تجافيف أبي مُوسَى الديباح وَالْحَرِير، وَقَالَ عَطاء: الديباج فِي الْحَرْب سلَاح، وَأَجَازَهُ مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة وَعُرْوَة وَالْحسن الْبَصْرِيّ، وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ وَذكر ابْن حبيب عَن ابْن الْمَاجشون: أَنه اسْتحبَّ الْحَرِير فِي الْجِهَاد وَالصَّلَاة بِهِ حِينَئِذٍ للترهيب على الْعَدو والمباهاة.

0292 - حدَّثنا أبُو الْوَلِيدِ قَالَ حدَّثنا هَمَّامٌ عنْ قَتَادَةَ عنْ أنَسٍ ح وحدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ سِنَانٍ قَالَ حدَّثنا هَمَّامٌ عنْ قَتَادَةَ عنْ أنسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ عَبْدَ الرَّحْمانِ بنَ عَوْفٍ والزُّبَيْرَ شَكَوَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعْنِي القَمْلَ فأرْخَصَ لَهُمَا فِي الحَرِيرِ فرأيْتُهُ علَيْهِمَا فِي غَزَاةِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فِي غزَاة) وَهِي للحرب، وَهَذَانِ طَرِيقَانِ آخرَانِ فِي حَدِيث أنس. الأول: عَن أبي الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ عَن همام ابْن يحيى عَن قَتَادَة. وَالثَّانِي: عَن مُحَمَّد بن سِنَان أبي بكر الْعَوْفِيّ الْبَاهِلِيّ الْأَعْمَى، وَهُوَ من أَفْرَاده.
قَوْله: (شكوا) ، كَذَا هُوَ بِالْوَاو وَهُوَ لُغَة يُقَال: شَكَوْت وشكيت بِالْوَاو وَالْيَاء: وَادّعى ابْن التِّين أَنه وَقع شكياً، ثمَّ قَالَ: وَصَوَابه شكوا، لِأَن لَام الْفِعْل مِنْهُ: وَاو، فَهُوَ مثل: {دعوا الله ربهما} (الْأَعْرَاف: 981) . قلت: ذكر الْجُورِي: شكيا، أَيْضا، قَوْله: (يَعْنِي الْقمل) يَعْنِي: كَانَت شكواهما من الْقمل. فَإِن قلت: كَانَ السَّبَب فِي الحَدِيث الْمَاضِي الحكة، حَيْثُ قَالَ: من حكة كَانَت بهما، وَهنا السَّبَب: الْقمل؟ قلت: رجح ابْن التِّين رِوَايَة الحكة، وَقَالَ: لَعَلَّ أحد الروَاة تَأَوَّلَه فَأَخْطَأَ، ووفق الدَّاودِيّ بَين الرِّوَايَتَيْنِ بِاحْتِمَال أَن يكون إِحْدَى العلتين بِأحد الرجلَيْن، وَقَالَ الْكرْمَانِي: لَا مُنَافَاة بَينهمَا وَلَا منع لجمعهما، وَقَالَ بَعضهم: يُمكن الْجمع بِأَن الحكة حصلت من الْقمل فنسبت الْعلَّة تَارَة إِلَى السَّبَب، وَتارَة إِلَى سَبَب السَّبَب. قلت: عِلّة كل مِنْهُمَا سَبَب مُسْتَقل فَلَا تعلق لأحديهما بِالْآخرِ، وَالْحكم يثبت بسببين وَأكْثر، فَالْأَحْسَن مَا قَالَه الْكرْمَانِي. قَوْله: (فرأيه) ، الرَّائِي هُوَ أنس.

(14/196)


1292 - حدَّثنا مسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا يَحْيَى عنْ شُعْبَةَ قَالَ أخبرَنِي قَتادَةُ أنَّ أنَساً حدَّثَهُمْ قَالَ رَخَّصَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِعَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ عَوْفٍ والزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ فِي حَرِيرٍ..
هَذَا طَرِيق آخر عَن مُسَدّد عَن يحيى الْقطَّان عَن شُعْبَة ... إِلَى آخِره. قَوْله: (فِي حَرِير) أَي: فِي لبس حَرِير، وَلم يذكر فِيهِ الْعلَّة وَالسَّبَب وَهِي مَحْمُولَة على الرِّوَايَة الَّتِي بَين فِيهَا السَّبَب الْمُقْتَضِي للترخيص.

2292 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ قَالَ حدَّثنا غُنْدَر قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ قَتادَةَ عنْ أنَسٍ قَالَ وخَصَّ أوْ رُخِّصَ لِحَكَّةٍ بِهِمَا..
هَذَا طَرِيق آخر خَامِس فِي حَدِيث أنس عَن مُحَمَّد بن بشار بِالْبَاء الْمُوَحدَة عَن غنْدر، بِضَم الْغَيْن وَسُكُون النُّون، وَهُوَ مُحَمَّد بن جَعْفَر الْبَصْرِيّ عَن شُعْبَة بن الْحجَّاج. قَوْله: (رخص) على صِيغَة الْمَعْلُوم أَي: رخص رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (أَو رخص) ، على صِيغَة الْمَجْهُول شكّ من الرَّاوِي. قَوْله: (لحكه) ، أَي: لأجل حكة. قَوْله: (بهما) أَي: بِعَبْد الرَّحْمَن ابْن عَوْف، وَالزُّبَيْر بن الْعَوام.

29 - (بابُ مَا يُذْكَرُ فِي السِّكِّينِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يذكر فِي أَمر السكين من جَوَاز إستعماله.

3292 - حدَّثنا عبْدُ العَزِيزِ بنُ عبْدِ الله قَالَ حدَّثني إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ جَعْفَرِ بنِ عَمْرِو بنِ أُمَيَّةَ عنْ أبِيهِ قَالَ رأيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يأكُلُ مِنْ كَتِفٍ يَحْتَزُّ مِنْهَا ثُمَّ دُعِيَ إلَى الصَّلاَةِ فَصَلَّى ولَمْ يَتَوَضَّأْ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث لِأَن احتزازه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كتف الشَّاة كَانَ بالسكين، وَيشْهد لَهُ الطَّرِيق الآخر الَّذِي يَأْتِي، وَفِيه فَألْقى السكين وَوجه إِدْخَال هَذَا الْبَاب بَين أَبْوَاب الْجِهَاد من حَيْثُ إِن السكين أَيْضا من أَنْوَاع السِّلَاح.
وَعبد الْعَزِيز ابْن عبد الله بن يحيى أَبُو الْقَاسِم الْقرشِي الأويسي الْمدنِي، وَإِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَبُو إِسْحَاق الزُّهْرِيّ الْمدنِي كَانَ على قَضَاء بَغْدَاد، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وجعفر بن عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي الْمدنِي يروي عَن أَبِيه عَمْرو بن أُميَّة بن خويلد الضمرِي الصَّحَابِيّ، وَهَذَا الْإِسْنَاد كُله مدنيون.
قَوْله: (من كتف) ، من كتف شَاة. قَوْله: (يحتز) ، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الزَّاي: من الحز، وَهُوَ الْقطع. والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْوضُوء فِي: بَاب من لم يتَوَضَّأ من لحم الشَّاة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
حدَّثنا أَبُو اليَمانِ قَالَ أخبرَنا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ وزَادَ فألْفَى السِّكِّينَ

هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث عَمْرو بن أُميَّة عَن أبي الْيَمَان الحكم بن نَافِع ... إِلَى آخِره. قَوْله: (وَزَاد) يجوز أَن يكون الْفَاعِل فِيهِ هُوَ الزُّهْرِيّ، وَيجوز أَن يكون جَعْفَر ب عَمْرو، وَيجوز أَن يكون شيخ البُخَارِيّ.
وَفِيه: اسْتِعْمَال السكين، وَجَوَاز قطع اللَّحْم الْمَطْبُوخ بالسكين وَغير الْمَطْبُوخ أَيْضا. فَإِن قلت: روى أَبُو دَاوُد النَّهْي عَن قطعه بهَا. قلت: هُوَ مُنكر قَالَ النَّسَائِيّ، وَقيل: إِنَّمَا يكره قطع الْخبز بالسكين.

39 - (بابُ مَا قِيلَ فِي قِتالِ الرُّومِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا قيل فِي قتال الرّوم من الْفضل، وَالروم هم من ولد الرّوم بن عيصو، قَالَه الْجَوْهَرِي، وَقَالَ الرشاطي: الرّوم ابْن لنطا بن يونان بن يافث بن نوح، عَلَيْهِ السَّلَام، وَهَؤُلَاء الرّوم من اليونانيين، وَيُقَال: إِن الرّوم الثَّانِيَة غلبت على هَؤُلَاءِ، وهم منسوبون إِلَى جدهم، رومي بن لنطا من ولد عيصون إِن إِسْحَاق بن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِم السَّلَام، وَيُقَال لَهُ: روماس، وَهُوَ باني مَدِينَة رُومِية.

(14/197)


4292 - حدَّثني إسْحَاقُ بنُ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيُّ قالَ حدَّثنا يَحْيَى بنُ حَمْزَةَ قَالَ حدَّثني ثَوْرُ ابنُ يَزِيدَ عنْ خالِدِ بنِ مَعْدَانَ أنَّ عُمَيْرَ بنَ الأسْوَدِ العَنْسِيِّ: حدَّثَهُ أنَّهُ أتَى عُبَادَةَ بنَ الصَّامِتِ وهْوَ نازِلٌ فِي ساحِلِ حِمْصَ وهْوَ فِي بِناءٍ لِ ومَعَهُ أُمُّ حَرَامٍ قَالَ عُمَيْرٌ فحَدَّثَتْنَا أُمُّ حَرَامٍ أنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ أوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ البَحْرَ قدْ أوْجَبُوا قالَتْ أُمُّ حَرَامٍ قُلْتُ يَا رسولَ الله أنَا فِيهِمْ قَالَ أنْتِ فِيهِمْ ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَر مَغْفُورٌ لَهُمْ فَقُلْتُ أنَا فِيهِمْ يَا رسولَ الله قَالَ لاَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (يغزون الْبَحْر) لِأَن المُرَاد من غَزْو الْبَحْر هُوَ قتال الرّوم الساكنين من وَرَاء الْبَحْر الْملح. وَفِي قَوْله: (يغزون مَدِينَة قَيْصر) لِأَن المُرَاد بهَا الْقُسْطَنْطِينِيَّة، وَالْمَشْهُور عِنْدهم أَنَّهَا تسمى: اصطنبول.
ذكر رِجَاله وهم سَبْعَة: الأول: إِسْحَاق بن يزِيد من الزِّيَادَة وَقد مر فِي أول الزَّكَاة. الثَّانِي: يحيى بن حَمْزَة، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي، الْحَضْرَمِيّ أَبُو عبد الرَّحْمَن قَاضِي دمشق إِلَى أَن مَاتَ بهَا سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَمِائَة. الثَّالِث: ثَوْر بِلَفْظ الْحَيَوَان الْمَشْهُور ابْن يزِيد من الزِّيَادَة الْحِمصِي. الرَّابِع: خَالِد بن معدان، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة، مر فِي البيع، كَانَ يسبح فِي الْيَوْم أَرْبَعِينَ ألف تَسْبِيحَة. الْخَامِس: عُمَيْر بِالتَّصْغِيرِ ابْن الْأسود الْعَنسِي، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون، وَقيل: بِفَتْحِهَا أَيْضا وبالسين لمهملة نِسْبَة إِلَى عنس، وَهُوَ زيد بن مذْحج بن أدد والعنسي النَّاقة الصلبة، وَقَالَ ابْن بطال: بَنو عنس، بالنُّون بِالشَّام، وَبَنُو عبس بِالْبَاء الْمُوَحدَة بِالْكُوفَةِ، وَبَنُو عَيْش بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف، وبالشين الْمُعْجَمَة بِالْبَصْرَةِ. السَّادِس: عبَادَة بن الصَّامِت. السَّابِع: أم حرَام بنت ملْحَان، زوج عبَادَة بن الصَّامِت، وَأُخْت أم سليم وَخَالَة أنس بن مَالك، قَالَ أَبُو عمر: وَلَا أَقف لَهَا. على اسْم صَحِيح.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع وبصيغة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: السماع. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده ونسبته إِلَى جده، لِأَنَّهُ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم ابْن يزِيد أَبُو النَّضر. وَفِيه: أَن الْإِسْنَاد كُله شَامِيُّونَ. وَفِيه: أَن عُمَيْر بن الْأسود لَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث عِنْد من يفرق بَينه وَبَين أبي عِيَاض عَمْرو بن الْأسود وَالرَّاجِح التَّفْرِقَة. وَهَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أنس عَن أم حرَام بأتم من هَذَا فِي أَوَائِل الْجِهَاد فِي: بَاب الدُّعَاء بِالْجِهَادِ، وَهَذَا الحَدِيث من مُسْند أم حرَام.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أول جَيش من أمتِي يغزون الْبَحْر) أَرَادَ بِهِ جَيش مُعَاوِيَة، وَقَالَ الْمُهلب: مُعَاوِيَة أول من غزا الْبَحْر، وَقَالَ ابْن جرير: قَالَ بَعضهم: كَانَ ذَلِك فِي سنة سبع وَعشْرين، وَهِي غَزْوَة قبرص فِي زمن عُثْمَان بن عَفَّان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: كَانَ ذَلِك فِي سنة ثَمَان وَعشْرين، وَقَالَ أَبُو معشر: غَزَاهَا فِي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ، وَكَانَت أم حرَام مَعَهم، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي (جَامع المسانيد) : أَنَّهَا غزت مَعَ عبَادَة بن الصَّامِت فوقصتها بغلة لَهَا شهباء، فَوَقَعت فَمَاتَتْ، وَقَالَ هِشَام ابْن عمار: رَأَيْت قبرها ووقفت عَلَيْهِ بالسَّاحل بفاقيس. قَوْله: (قد أوجبوا) ، قَالَ بَعضهم: أَي: وَجَبت لَهُم الْجنَّة. قلت: هَذَا الْكَلَام لَا يَقْتَضِي هَذَا الْمَعْنى، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: أوجبوا اسْتِحْقَاق الْجنَّة، وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَوْله: أوجبوا أَي: محبَّة لأَنْفُسِهِمْ. قَوْله: (أول جَيش من أمتِي يغزون مَدِينَة قَيْصر) ، أَرَادَ بهَا الْقُسْطَنْطِينِيَّة كَمَا ذَكرْنَاهُ، وَذكر أَن يزِيد بن مُعَاوِيَة غزا بِلَاد الرّوم حَتَّى بلغ قسنطينية، وَمَعَهُ جمَاعَة من سَادَات الصَّحَابَة مِنْهُم: ابْن عمر، وَابْن عَبَّاس وَابْن الزبير وَأَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ، وَكَانَت وَفَاة أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ هُنَاكَ قَرِيبا من سور الْقُسْطَنْطِينِيَّة وقبره هُنَاكَ تستسقي بِهِ الرّوم إِذا قحطوا. وَقَالَ صَاحب (الْمرْآة) : وَالأَصَح أَن يزِيد بن مُعَاوِيَة غزا القسنطينية فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين، وَقيل: سير مُعَاوِيَة جَيْشًا كثيفاً مَعَ سُفْيَان بن عَوْف إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّة فأوغلوا فِي بِلَاد الرّوم، وَكَانَ فِي ذَلِك الْجَيْش ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَابْن الزبير وَأَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ وَتُوفِّي أَبُو أَيُّوب فِي مُدَّة الْحصار. قلت: الْأَظْهر أَن هَؤُلَاءِ السادات من الصَّحَابَة كَانُوا مَعَ سُفْيَان هَذَا وَلم يَكُونُوا مَعَ يزِيد بن مُعَاوِيَة، لِأَنَّهُ

(14/198)


لم يكن أَهلا أَن يكون هَؤُلَاءِ السادات فِي خدمته. وَقَالَ الْمُهلب: فِي هَذَا الحَدِيث منقبة لمعاوية لِأَنَّهُ أول من غزا الْبَحْر، ومنقبة لوَلَده يزِيد، لِأَنَّهُ أول من غزا مَدِينَة قَيْصر. انْتهى. قلت: أَي منقبة كَانَت ليزِيد وحاله مَشْهُور؟ فَإِن قلت: قَالَ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي حق هَذَا الْجَيْش: مغْفُور لَهُم. قلت: لَا يلْزم، من دُخُوله فِي ذَلِك الْعُمُوم أَن لَا يخرج بِدَلِيل خَاص، إِذْ لَا يخْتَلف أهل الْعلم أَن قَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مغْفُور لَهُم، مَشْرُوط بِأَن يَكُونُوا من أهل الْمَغْفِرَة حَتَّى لَو ارْتَدَّ وَاحِد مِمَّن غَزَاهَا بعد ذَلِك لم يدْخل فِي ذَلِك الْعُمُوم، فَدلَّ على أَن المُرَاد مغْفُور لمن وجد شَرط الْمَغْفِرَة فِيهِ مِنْهُم، وَقَيْصَر لقب هِرقل ملك الرّوم، كَمَا أَن كسْرَى لقب من ملك الْفرس، وخاقان من ملك التّرْك، وَالنَّجَاشِي من ملك الْحَبَشَة.

49 - (بابُ قِتالِ اليَهُودِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إِخْبَار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قتال الْيَهُود فِي مُسْتَقْبل الزَّمَان، وَهُوَ أَيْضا من معجزاته، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالْيَهُود ...

5292 - حدَّثنا إسْحَاقُ بنُ مُحَمَّدٍ الفَرْوِيِّ قَالَ حدَّثنا مالِكٌ عنْ نافِعٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ تُقَاتِلُونَ اليَهُودَ حتَّى يَخْتَبِيءَ أحَدُهُمْ ورَاءَ الحَجَرِ فَيَقُولُ يَا عَبْدَ الله هذَا يَهُودِيٌّ ورَائِي فاقْتُلْهُ.
(الحَدِيث 5292 طرفه فِي: 3953) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (تقاتلون الْيَهُود) وَإِسْحَاق بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن أبي فَرْوَة أَبُو يَعْقُوب الْفَروِي، بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الرَّاء، فنسبته إِلَى جده الْمَذْكُور، مَاتَ سنة سِتّ وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ.
قَوْله: (تقاتلون) ، خطاب للحاضرين، وَالْمرَاد غَيرهم من أمته فَإِن هَذَا إِنَّمَا يكون إِذا نزل عِيسَى بن مَرْيَم، عَلَيْهِمَا السَّلَام، فَإِن الْمُسلمين يكونُونَ مَعَه وَالْيَهُود مَعَ الدَّجَّال. .
وَفِيه: إِشَارَة إِلَى بَقَاء شَرِيعَة نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِن عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَام، يكون على شَرِيعَة نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَفِيه: معْجزَة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيْثُ أخبر بِمَا سيقع عِنْد نزُول عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَام، من تكلم الجماد والإخبار وَالْأَمر بقتل الْيَهُود وإظهاره إيَّاهُم فِي مَوَاضِع اختفائهم. قَوْله: (فَيَقُول يَا عبد الله) أَي: يَقُول الْحجر: يَا عبد الله، بِأَن ينطقه الله بذلك، وَهُوَ على كل شَيْء قدير، وَقيل: يحْتَمل أَن يكون مجَازًا، لِأَنَّهُ لَا يبْقى مِنْهُم أحد فِي ذَلِك الْوَقْت، وَالْأول أولى.

6292 - حدَّثنا إسْحَاقُ بنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ أخبرَنا جَرِيرٌ عنْ عُمَارَةَ بنِ القَعْقاع عنْ أبِي زُرْعَةَ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عنْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا اليَهُودَ حتَّى يَقُولَ الحَجَرُ وَرَاءَهُ اليَهُودِيُّ يَا مُسْلِمُ هَذا يَهُودِيٌّ ورَائِي فاقْتُلْهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الَّذِي يعرف بِابْن رَاهَوَيْه، وَجَرِير بن عبد الحميد، وَعمارَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم: ابْن الْقَعْقَاع، وَقد مر فِي: بَاب الْجِهَاد من الْإِيمَان، وَأَبُو زرْعَة، بِضَم الزَّاي وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْعين الْمُهْملَة: ابْن عَمْرو بن جرير بن عبد الله البَجلِيّ، وَفِي اسْمه أَقْوَال، وَقد مر أَيْضا فِي: بَاب الْجِهَاد من الْإِيمَان.

59 - (بابُ قِتالِ التُّرْكِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قتال الْمُسلمين مَعَ التّرْك الَّذِي هُوَ من أَشْرَاط السَّاعَة. وَاخْتلفُوا فِي أصل التّرْك، فَقَالَ الْخطابِيّ: التّرْك هم بَنو قنطوراء، وَهِي اسْم جَارِيَة كَانَت لإِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ السَّلَام، ولدت أَوْلَادًا جَاءَت من نسلهم التّرْك. وَقَالَ كرَاع: التّرْك هم الَّذين يُقَال لَهُم: الديلم، وَقَالَ ابْن عبد الْبر: التّرْك هم ولد يافث، وهم أَجنَاس كَثِيرَة أَصْحَاب مدن وحصون، وَمِنْهُم فِي رُؤُوس الْجبَال والبراري لَيْسَ لَهُم عمل سوى الصَّيْد، وَمن لم يصد ودج دَابَّته وصيره فِي مصران يَأْكُلهُ، ويأكلون الرخم والغربان

(14/199)


وَلَيْسَ لَهُم دين، وَمِنْهُم من يتدين بدين الْمَجُوسِيَّة، وهم الْأَكْثَرُونَ، وَمِنْهُم من يتهود وملكهم يلبس الْحَرِير وتاج الذَّهَب ويحتجب كثيرا وَفِيهِمْ سحرة. وَقَالَ وهب بن مُنَبّه: التّرْك بَنو عَم يَأْجُوج وَمَأْجُوج، وَقيل: أصل التّرْك أَو بَعضهم من حمير، وَقيل: إِنَّهُم بقايا قوم تبع، وَمن هُنَاكَ يسمون أَوْلَادهم بأسماء الْعَرَب العاربة، فَهَؤُلَاءِ من كَانَ مثلهم يَزْعمُونَ أَنهم من الْعَرَب وألسنتهم عجمية وبلدانهم غير عَرَبِيَّة، دخلُوا إِلَى بِلَاد الْعَجم واستعجموا. وَقيل: التّرْك من ولد أفريدون بن سَام بن نوح، عَلَيْهِ السَّلَام، وَسموا تركا لِأَن عبد شمس بن يشجب لما وطىء أَرض بابل أَتَى بِقوم من أحامرة ولد يافث، فاستنكر خلقهمْ وَلم يحب أَن يدخلهم فِي سبي بابل، فَقَالَ: اتركوهم، فسموا: التّرْك. وَقَالَ صاعد فِي (كتاب الطَّبَقَات) : أما التّرْك فأمة كَثِيرَة الْعدَد فخمة المملكة، ومساكنهم مَا بَين مَشَارِق خُرَاسَان من مملكة الْإِسْلَام وَبَين مغارب الصين وشمال الْهِنْد إِلَى أقْصَى الْمَعْمُور فِي الشمَال، وفضيلتهم الَّتِي برعوا فِيهَا واحرزوا خصالها الْحُرُوف ومعالجة آلاتها. قلت: التّرْك والصين والصقالبة ويأجوج وَمَأْجُوج من ولد يافث بن نوح، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بِاتِّفَاق النسابين، وَكَانَ ليافث سَبْعَة أَوْلَاد مِنْهُم ابْن يُسمى: كور، فالترك كلهم من بني كومر، وَيُقَال: التّرْك هُوَ ابْن يافث لصلبه وهم أَجنَاس كَثِيرَة ذَكَرْنَاهُمْ فِي (تاريخنا الْكَبِير) . وَقَالَ المَسْعُودِيّ فِي (مروج الذَّهَب) : فِي التّرْك استرخاء فِي المفاصل واعوجاج فِي سيقانهم ولين فِي عظامهم، حَتَّى إِن أحدهم ليرمي بالنشاب من خَلفه كرميه من قدامه، فَيصير قَفاهُ كوجهه وَوَجهه كقفاه.

7292 - حدَّثنا أبُو النُّعْمَانِ قَالَ حدَّثنا جَرِيرُ بنُ حَازِمٍ قالَ سَمِعْتُ الحَسَنَ يَقُولُ حدَّثنا عَمْرُو بنُ تَغْلِبَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّ مِنْ أشْرَاطِ السَّاعَةِ أنْ تُقَاتِلُوا قَوْماً يَنْتَعِلُونَ نِعَالَ الشَّعْرِ وإنَّ مِنْ أشْرَاطِ السَّاعَةِ أَن تُقَاتِلُوا قَوْماً عَرَاضَ الوُجُوهِ كأنَّ وجُوهَهمُ المَجانُّ المُطْرَقَةُ.
(الحَدِيث 7292 طرفه فِي: 2953) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث، لِأَن قَوْله: (رَاض الْوُجُوه) إِلَى آخِره صفة التّرْك.
وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي، وَجَرِير بن حَازِم، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي، وَالْحسن هُوَ الْبَصْرِيّ، وَعَمْرو، بِالْفَتْح: ابْن تغلب، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَكسر اللَّام وبالباء الْمُوَحدَة: الْعَبْدي، من عبد الْقَيْس، يُقَال: أَنه من النمر بن قاسط يعد فِي أهل الْبَصْرَة.
وَرِجَال الْإِسْنَاد كلهم بصريون.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي عَلَامَات النُّبُوَّة عَن سُلَيْمَان بن حَرْب. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْفِتَن عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (إِن من أَشْرَاط السَّاعَة) ، أَي: من عَلَامَات يَوْم الْقِيَامَة، والأشراط جمع شَرط، بِفَتْح الرَّاء. وَقَالَ أَبُو عبيد: وَبِه سميت شَرط اللِّسَان، لأَنهم جعلُوا لأَنْفُسِهِمْ عَلَامَات يعْرفُونَ بهَا. قَوْله: (ينتعلون بنعال الشّعْر) ، مَعْنَاهُ: أَنهم يصنعون من الشّعْر حبلاً ويصنعون مِنْهَا نعالاً، وَيُقَال: مَعْنَاهُ أَن شُعُورهمْ كثيفة طَوِيلَة فَهِيَ إِذا أسدلوها كاللباس تصل إِلَى أَرجُلهم كالنعال، وَإِنَّمَا كَانَت نعَالهمْ من الشّعْر، أَو من جُلُود مشعرة لما فِي بِلَادهمْ من الثَّلج الْعَظِيم الَّذِي لَا يكون فِي غَيرهَا، وَيكون من جلد الذِّئْب وَغَيره، وَذكر الْبكْرِيّ فِي (أَخْبَار التّرْك) : كَانَ أَعينهم حدق الْجَرَاد يتخذون الدرق يربطون خيولهم بالحبل، وَفِي لفظ: حَتَّى يُقَاتل الْمُسلمُونَ التّرْك يلبسُونَ الشّعْر. انْتهى. وَهَذِه إِشَارَة إِلَى الشرابيش الَّتِي تدار عَلَيْهَا بالقندس، والقندس كلب المَاء، وَهُوَ من ذَوَات الشّعْر، وَالنعال جمع نعل، وَالشعر بِفَتْح الْعين وَكسرهَا، وَقَالَ بَعضهم: هَذَا الحَدِيث وَالَّذِي بعده ظَاهر فِي أَن الَّذين ينتعلون نعال الشّعْر غير التّرْك، وَقد وَقع فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق مُحَمَّد بن عباد، قَالَ: بَلغنِي أَن أَصْحَاب بابك كَانَت نعَالهمْ الشّعْر. قلت: هَذَا الَّذِي قَالَه غير صَحِيح، وَلَا احتجاج بِهَذِهِ الرِّوَايَة، لِأَن كَون نعال أَصْحَاب بابك من الشّعْر لَا يُنَافِي كَونهَا للترك أَيْضا، وَلَا يفهم من ذَلِك الخصوصية بذلك لأَصْحَاب بابك، على أَنه يجوز أَن يكون أَصْحَاب بابك أَيْضا من التّرْك، لِأَن التّرْك أَجنَاس كَثِيرَة، وَخبر الْبكْرِيّ يُصَرح بِالرَّدِّ على هَذَا الْقَائِل، وأصرح من هَذَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث بُرَيْدَة: يُقَاتِلكُمْ قوم صغَار الْأَعْين، يَعْنِي التّرْك ... الحَدِيث، وَمَعَ هَذَا على مَا ذكره لَا تبقى مُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث أصلا، لِأَن التَّرْجَمَة بِلَفْظ التّرْك، وَإِذا كَانَ الَّذين ينتعلون نعال الشّعْر غير التّرْك يكون بَين التَّرْجَمَة

(14/200)


والْحَدِيث بون عَظِيم، على أَن الْأَوْصَاف الْمَذْكُورَة فِيهِ وَفِي الحَدِيث الَّذِي بعده كلهَا أَوْصَاف التّرْك، فَإِذا كَانَ التّرْك أجناساً كَثِيرَة لَا يلْزم أَن ينتعل كلهم نعال الشّعْر، وَأما بابك الَّذِي ذكره فَهُوَ بباءين موحدتين مفتوحتين، وَفِي آخِره كَاف يُقَال لَهُ بابك الخرمي، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء الْمَفْتُوحَة، وَكَانَ قد أظهر الزندقة وَتَبعهُ طَائِفَة فَقَوِيت شوكته فِي أَيَّام الْمَأْمُون وغلبوا على بِلَاد كَثِيرَة من بِلَاد الْعَجم إِلَى أَن قتل فِي أَيَّام المعتصم فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ، وَكَانَ خُرُوجه فِي سنة إِحْدَى وَمِائَتَيْنِ. قَوْله: (عراض الْوُجُوه) ، قَالَ ابْن قرقول: أَي: سعتها. قَوْله: (المجان) ، بِفَتْح الْمِيم وَتَشْديد النُّون جمع: مجن، بِكَسْر الْمِيم وَهُوَ الترس. قَوْله: (المطرقة) ، بِضَم الْمِيم وَسُكُون الطَّاء الْمُهْملَة وَفتح الرَّاء. قَالَ الْخطابِيّ: هِيَ الَّتِي ألبست الأطرقة من الْجُلُود، وَهِي الأعشية مِنْهَا شبه عرض وُجُوههم ونتوء وجناتهم بِظُهُور الترس، والأطرقة جمع طراق، وَهُوَ جلدَة تقدر على قدر الدرقة وتلصق عَلَيْهَا. وَقَالَ القَاضِي الْبَيْضَاوِيّ: شبه وُجُوههم بالترس لبسطها وتدويرها، وبالمطرقة لغلظها وَكَثْرَة لَحمهَا. وَقَالَ الْهَرَوِيّ: المجان المطرقة هِيَ الَّتِي أطرقت بالعصب أَي ألبست بِهِ. وَقيل: المطرقة هِيَ الَّتِي ألبست الطراق وَهُوَ الْجلد الَّذِي يَغْشَاهُ وَيعْمل هَذَا حَتَّى يبْقى كَأَنَّهُ ترس على ترس، وَقَالَ ابْن قرقول: قَالَ بَعضهم الأصوب فِيهِ المطرقة، بتَشْديد الرَّاء، وَهُوَ مَا ركب بعضه فَوق بعض.
فَإِن قلت: هَذَا الْخَبَر من جملَة معجزات النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيْثُ أخبر عَن أَمر سَيكون، فَهَل وَقع هَذَا أم سيقع؟ قلت: قد وَقع بضع ذَلِك على مَا أخبر بِهِ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سنة سبع عشرَة وسِتمِائَة، وَقد خرج جَيش عَظِيم من التّرْك فَقتلُوا أهل مَا وَرَاء النَّهر وَمَا دونه من جَمِيع بِلَاد خُرَاسَان، وَلم ينج مِنْهُم إلاَّ من اختفى فِي المغارات والكهوف، فهتكوا فِي بِلَاد الْإِسْلَام إِلَى أَن وصلوا إِلَى بِلَاد قهستان، فخربوا مَدِينَة الرّيّ وقزوين وأبهر وزنجان وأردبيل ومراغة كرْسِي بِلَاد إذربيجان واستأصلوا شأفة من فِي هَذِه الْبِلَاد من سَائِر الطوائف، واستباحوا النِّسَاء وذبحوا الْأَوْلَاد، ثمَّ وصلوا إِلَى الْعرَاق الثَّانِي، وَأعظم مدنه مَدِينَة أصفهان، وَقتلُوا فِيهَا من الْخَلَائق مَا لَا يُحْصى، وربطوا خيولهم إِلَى سواري الْمَسَاجِد والجوامع، كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث.
وروى أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرَة عَن أَبِيه، قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لينزلن طَائِفَة من أمتِي أَرضًا يُقَال لَهَا الْبَصْرَة، فَيَجِيء بَنو قنطوراء عراض الْوُجُوه صغَار الْعُيُون حَتَّى ينزلُوا على جسر لَهُم يُقَال لَهُ دجلة، فيفترق الْمُسلمُونَ ثَلَاث فرق: أما فرقة فتأخذ بأذناب الْإِبِل فتلحق بالبادية فَهَلَكت، وَأما فرقة فتأخذ على أَنْفسهَا فكفرت، فَهَذِهِ وَذَلِكَ سَوَاء، وَأما فرقة فيجعلون عيالاتهم خلف ظُهُورهمْ ويقاتلون، فقتلاهم شَهِيد، وَيفتح الله على بَقِيَّتهمْ.
وروى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث بُرَيْدَة: إِن أمتِي يَسُوقهَا قوم عراض الْوُجُوه، كَأَن وُجُوههم الجحف، ثَلَاث مَرَّات حَتَّى يلحقوهم بِجَزِيرَة الْعَرَب، قَالُوا: يَا نَبِي الله! من هم؟ قَالَ: التّرْك، وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ ليربطن خيولهم إِلَى سواري مَسَاجِد الْمُسلمين.

8292 - حدَّثنا سَعِيدُ بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا يَعْقُوبُ قَالَ حدَّثنا أبي عَن صالِحٍ عنِ الأعْرَجِ قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرة رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ رسولُ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تقُومُ السَّاعَةُ حتَّى تُقاتِلُوا التُّرْكَ صغَارَ الأعْيُنِ حُمْرَ الوجُوهِ ذُلْفَ الأنُوفِ كأنَّ وُجُوهَهُمُ المَجانُّ المُطْرَقَةُ ولاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمَاً نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة أظهر من مُطَابقَة الحَدِيث السَّابِق، لِأَن فِيهِ التَّصْرِيح بِلَفْظ التّرْك.
وَسيد بن مُحَمَّد أَبُو عبد الله الْجرْمِي الْكُوفِي المتشيع، وَيَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، أَصله مدنِي سكن بالعراق، يروي عَن أَبِيه إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور، وَصَالح هُوَ ابْن كيسَان، والأعرج هُوَ عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز.
قَوْله: (ذلف الأنوف) ، بِضَم الذَّال الْمُعْجَمَة جمع: الأذلف، وَهُوَ صغر الْأنف مستوى الأرنبة، وَهُوَ الفطس. وَقيل: قصر الْأنف وانبطاحه، وَرَوَاهُ بَعضهم بدال مُهْملَة، وَقَالَ ابْن قرقول: وقيدناه بِالْوَجْهَيْنِ، وبالمعجمة أَكثر. وَقيل: تشمير الْأنف عَن الشّفة، وَعَن ابْن فَارس: الذلف الأستواء فِي طرف الْأنف، وَالْعرْف تَقول: أَمْلَح النِّسَاء الذلف، والأنوف جمع أنف مثل: فلس وفلوس، وَيجمع على أنف وإناف. وَفِي (الْمُخَصّص) : هُوَ جمع المنخر، وَسمي أنفًا لتقدمه.

(14/201)


69 - (بابُ قِتَالِ الَّذِينَ يَنْتَعِلُونَ الشَّعَرَ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قتال الْقَوْم الَّذين ينتعلون الشّعْر، وهم أَيْضا من التّرْك، كَمَا ذَكرْنَاهُ، وَلَكِن لما رُوِيَ الحَدِيث الْمَذْكُور فِي الْبَاب السَّابِق عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، من وَجه آخر، عقد لَهُ هَذِه التَّرْجَمَة، لِأَن لفظ أبي هُرَيْرَة فِي الحَدِيث الْمَاضِي: (لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى تقاتلوا قوما نعَالهمْ الشّعْر) ، وَقع فِي آخر الحَدِيث، وَهُوَ فِي هَذَا الحَدِيث وَقع فِي صَدره.

9292 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ قَالَ الزُّهْرِيُّ عنْ سَعِيدِ بنِ الْمُسَيَّبِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عنِ النَّبِيِّصلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تقُومُ السَّاعَةُ حتَّى تُقَاتِلُوا قَوْماً نِعالُهُمْ الشَعَرُ ولاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى تُقَاتِلوا قَومَاً كأنَّ وجُوهَهُمْ المَجَانُّ المُطْرَقَةُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَمَعْنَاهُ قد ذكر عَن قريب. وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (أَن الدَّجَّال يخرج من أَرض بالمشرق يُقَال لَهَا خُرَاسَان، يتبعهُ أَقوام كَأَن وُجُوههم المجان المطرقة) . وَقَالَ: حسن غَرِيب، وَهَذَا يدل على أَن خُرُوج التّرْك على الْمُسلمين يتَكَرَّر، وَهَكَذَا وَقع كَمَا ذكرنَا، وسيقع أَيْضا عِنْد ظُهُور الدَّجَّال، وَالله تَعَالَى أعلم.
قَالَ سُفْيَانُ وزَادَ فِيهِ أبُو الزِّنَادِ عَن الأعْرَجِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رِوَايَةً صِغارَ الأعْيُنِ ذُلْفَ الأنُوفِ كأنَّ وُجُوهَهُمْ المَجانُّ المُطْرَقَةُ

أَي: قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة: زَاد فِي الحَدِيث الْمَذْكُور. أَبُو الزِّنَاد، بالزاي وَالنُّون: عبد الله بن ذكْوَان عَن عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز الْأَعْرَج، وَقَالَ بَعضهم: هُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وَأَخْطَأ من زعم أَنه مُعَلّق. قلت: الْقَائِل بِالتَّعْلِيقِ هُوَ صَاحب (التَّلْوِيح) : فَإِنَّهُ قَالَ: هَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ البُخَارِيّ مُسْندًا فِي عَلَامَات النُّبُوَّة، ونسبته إِلَى الْخَطَأ جزما خطأ، لِأَن ظَاهر الْكَلَام هُوَ التَّعْلِيق، وَالَّذِي ادَّعَاهُ هَذَا الْقَائِل إحتمال قَوْله: رِوَايَة، بِالنّصب أَي: زَاد على سَبِيل الرِّوَايَة، لَا على طَرِيق المذاكرة، أَي قَالَه عِنْد النَّقْل والتحميل لَا عِنْد القال والقيل. قَوْله: (صغَار الْأَعْين) ، بِالنّصب لِأَنَّهُ مفعول زَاد.

79 - (بابُ مَنْ صَفَّ أصْحَابَهُ عِنْدَ الْهَزِيمَةِ ونَزلَ عنْ دَابَّتِهِ واسْتَنْصَرَ)

أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر من صف أَصْحَابه عِنْد هزيمتهم وَثَبت هُوَ وَنزل عَن دَابَّته واستنصر الله تَعَالَى، وَهَذَا كَانَ يَوْم حنين حَيْثُ انْقَلب أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، منهزمين من عدوهم كَمَا وَصفهم الله تَعَالَى: {ثمَّ وليتم مُدبرين} (التَّوْبَة: 52) . وَثَبت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَذَلِكَ لما خصّه الله تَعَالَى من الشجَاعَة والنجدة، فَنزل عَن بغلته واستنصر، يَعْنِي دَعَا الله بالنصرة فنصره الله تَعَالَى، إِذْ رماهم بِالتُّرَابِ كَمَا يَأْتِي بَيَانه مستقصىً فِي الْمَغَازِي، ونزوله كَانَ بِسَبَب الرجالة البَاقِينَ مَعَه ليتأسوا بِهِ.

0392 - حدَّثنا عَمْرُو بنُ خالِدٍ قَالَ حدَّثنا زُهَيْرٌ قَالَ حدَّثنا أبُو إسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ البَرَاءَ وسَألَهُ رَجلٌ أكنْتُمْ فَرَرْتُمْ يَا أَبَا عُمارَةَ يَوْمَ حُنَيْنٍ قَالَ لاَ وَالله مَا وَلَّى رسولُ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولَكِنَّهُ خَرَجَ شُبَّانُ أصْحَابِهِ وأخِفَّاؤُهُمْ حُسَّرَاً لَيْسَ بِسِلاحٍ فأتَوْا قَوْماً رُماةً جَمْعَ هَوَازِنَ وبَنِي نَصْرٍ مَا يَكادُ يَسْقُطُ لَهُمُ سَهْمٌ فرَشَقُوهُمْ رَشْقَاً مَا يَكادُونَ يُخْطِئُونَ فأقْبَلُوا هُنالِكَ إِلَى النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهْوَ عَلَى بَغْلَتِهِ البيْضَاءِ وابنُ عَمِّهِ أَبُو سُفْيَانَ بنُ الحَارِثِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ يَقودُ بِهِ فَنَزَلَ واسْتَنْصَرَ ثُمَّ قَالَ أَنا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أنَا ابنُ عَبْدِ الْمُطَّلِب ثُمَّ صَفَّ أصْحَابَهُ.
.

(14/202)


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَنزل واستنصر) .
وَعَمْرو بن خَالِد بن فروخ الْحَرَّانِي الْجَزرِي سكن مصر وَهُوَ من أَفْرَاده، وَزُهَيْر هُوَ ابْن مُعَاوِيَة، وَأَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله.
والْحَدِيث قد مضى فِي: بَاب من قاد دَابَّة غَيره فيكتاب الْجِهَاد، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن قُتَيْبَة عَن سهل بن يُوسُف عَن شُعْبَة عَن سهل بن أبي إِسْحَاق ... إِلَى آخِره.
قَوْله: (يَا أَبَا عمَارَة) ، بِضَم الْعين وَتَخْفِيف الْمِيم، كنية أبي الدَّرْدَاء. قَوْله: (وأخفاؤهم) ، وَجمع خف بِمَعْنى الْخَفِيف، وهم الَّذين لَيْسَ مَعَهم سلَاح يثقلهم. قَوْله: (حسراً) ، بِضَم الْحَاء وَتَشْديد السِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ وبالراء: جمع حاسر، وَهُوَ الَّذِي لَا سلَاح مَعَه، وَقيل: هُوَ الَّذِي لَا درع لَهُ وَلَا مغفر، وانتصابه على الْحَال من: شُبَّان أَصْحَابه. قَوْله: (لَيْسَ بسلاح) ، اسْم: لَيْسَ، مُضْمر، وَالتَّقْدِير: لَيْسَ أححدهم ملتبساً بسلاح، ويروى لَيْسَ سلَاح، بِدُونِ الْبَاء، وَسلَاح مَرْفُوع على أَنه اسْم: لَيْسَ، وَالْخَبَر مَحْذُوف، أَي: لَيْسَ سلَاح لَهُم. قَوْله: (رُمَاة) ، جمع رام، وانتصابه على أَنه صفة: قوما، وانتصاب قوما على المفعولية. قَوْله: (جمع هوَازن) ، مَنْصُوب على أَنه بدل من: قوما، وَيجوز رَفعه على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: هم جمع هوَازن، وَجمع بني نصر وهما قبيلتان. قَالَ الْجَوْهَرِي: نصر أَبُو قَبيلَة من بني أَسد وَهُوَ نصر بن قعين. قَوْله: (فرشقوهم) ، الرشق الرَّمْي، وَقَالَ الدَّاودِيّ: مَعْنَاهُ يَرْمِي الْجَمِيع سِهَامهمْ. قَوْله: (وَابْن عَمه) ، مُبْتَدأ، وَالْوَاو للْحَال، وَخَبره قَوْله: (يَقُود بِهِ) .