عمدة القاري شرح صحيح البخاري

591 - (بابٌ إذَا اضْطُرَّ الرَّجُلُ إِلَى النَّظَرِ فِي شُعُورِ أهْلِ الذِّمَّةِ والْمؤْمِناتِ إِذا عَصَيْنَ الله وتَجْرِيدِهِنَّ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا اضْطر الرجل إِلَى النّظر فِي شُعُور أهل الذِّمَّة، وَجَوَاب: إِذا، مَحْذُوف تَقْدِيره: يجوز للضَّرُورَة. قَوْله: (وَالْمُؤْمِنَات) ، بِالْجَرِّ عطف على مَا قبله، وَتَقْدِيره: وَإِذا اضْطر الرجل إِلَى النّظر فِي الْمُؤْمِنَات إِذا عصين الله. قَوْله: (تجريدهن) أَي: وَإِذا اضْطر أَيْضا إِلَى تجريدهن من الثِّيَاب، لِأَن الْمعْصِيَة تبيح حرمتهَا، أَلا ترى أَن عليا وَالزُّبَيْر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أَرَادَا كشف المرأ فِي قَضِيَّة كتاب حَاطِب، وَقد أَجمعُوا أَن الْمُؤْمِنَات والكافرات فِي تَحْرِيم الزِّنَا بِهن سَوَاء، وَكَذَلِكَ تَحْرِيم النّظر إلَيْهِنَّ، وَلَكِن الضرورات تبيح الْمَحْظُورَات، وَلم أر أحدا تعرض لشرح هَذِه التَّرْجَمَة.

1803 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله بنِ حَوْشَبٍ الطَّائِفِيُّ قالَ حدَّثنا هُشَيْمٌ قَالَ أخبرنَا حُصَيْنٌ عنْ سَعْدِ بنِ عُبَيْدَةَ عنْ أبِي عَبْدِ الرَّحْمانِ وكانَ عُثْمَانِياً فَقال لاِبنِ عطِيَّةَ وكانَ علَوَيَّاً إنِّي لأعْلَمُ مَا الَّذِي جَرَّأ صاحِبَكَ علَى الدِّماءِ وسَمِعْتُهُ يَقولُ بعَثَني النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والزُّبَيْرُ فَقالَ ائْتُوا رَوْضَةَ كذَا وتَجِدُونَ بِهَا امْرَأةً أعْطاهَا حاطِبٌ كِتابَاً فأتَيْنَا الرَّوْضَةَ فَقُلْنَا الكِتابَ قالَتْ لَمْ يُعْطِني فقُلْنَا لَتُخْرِجنَّ أوْ لأُجَرِّدَنَّكِ فأخرجَتْ مِنْ حُجْزَتِهَا فأرْسَلَ إِلَى حاطِبٍ فَقالَ لَا تَعْجَلْ وَالله مَا كَفَرْتُ ولاَ ازْدَدْتُ لِلإسْلاَمِ إلاَّ حُبَّاً ولَمْ يَكُنْ أحَدٌ مِنْ أصُحابِكَ إلاَّ ولَهُ بِمَكَّةَ مَنْ يَدْفَعُ الله بِهِ عنْ أهْلِهِ ومالِهِ ولَمْ يَكُنْ لِي أحَدٌ فأحْبَبْتُ أنْ أتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَداً فَصَدَّقَهُ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ عُمَرُ دَعْنِي أضْرِبْ عنُقَهُ

(15/11)


فإنَّهُ قدْ نافَقَ فَقالَ مَا يُدْرِيك لَعَلَّ الله اطَّلَعَ عَلَى أهْلِ بَدْرً فَقالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فهَذَا الَّذي جرَّأهُ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة كلهَا مَا تتأتى، لِأَن حَدِيث الْبَاب لَيْسَ فِيهِ النّظر إِلَى الْمُؤْمِنَات إِذا عصين الله، نعم يُطَابق التَّرْجَمَة قَوْله: (فأخرجت من حجزَتهَا) وَفِي الحَدِيث الَّذِي مضى فِي: بَاب الجاسوس، فَأَخْرَجته من عقاصها، وَعَن قريب نذْكر التَّوْفِيق بَينهمَا. وعقاصها ذوائبها المضفورة فَلم يكن إلاَّ وَقد كشفت شعرهَا لإِخْرَاج الْكتاب، فبالضرورة حِينَئِذٍ نظرُوا إِلَيْهِ للضَّرُورَة، وَقَوله أَيْضا: (أَو لأجردَنَّكِ) يُطَابق فِي التَّرْجَمَة قَوْله: وتجريدهن، وَقيل: لَيْسَ فِي الحَدِيث بَيَان هَل كَانَت الْمَرْأَة مسلمة أَو ذِمِّيَّة لَكِن لما اسْتَوَى حكمهمَا فِي تَحْرِيم النّظر لغير حَاجَة شملهما الدَّلِيل، وَقَالَ ابْن التِّين: إِن كَانَت مُشركَة لم يُوَافق التَّرْجَمَة، وَأجِيب: بِأَنَّهَا كَانَت ذَات عهد، فَحكمهَا حكم أهل الذِّمَّة.
ذكر رِجَاله وهم: مُحَمَّد بن عبد الله بن حَوْشَب، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْوَاو وَفتح الشين الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة: الطَّائِفِي، وهشيم بن بشير الوَاسِطِيّ، وحصين، بِضَم الْحَاء وَفتح الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ: ابْن عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ وَسعد بن عُبَيْدَة، بِضَم الْعين وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة: أَبُو حَمْزَة السّلمِيّ الْكُوفِي ختن أبي عبد الرَّحْمَن عبد الله السّلمِيّ، وكل هَؤُلَاءِ قد مروا.
والْحَدِيث قد مر من وَجه آخر فِي الْجِهَاد فِي: بَاب الجاسوس، عَن عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: (وَكَانَ عثمانياً) أَي: وَكَانَ عبد الرَّحْمَن يقدم عُثْمَان بن عَفَّان على عَليّ بن أبي طَالب، وَهُوَ قَول أَكثر أهل السّنة. قَوْله: (فَقَالَ لِابْنِ عَطِيَّة) هُوَ حبَان، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة. قَوْله: (وَكَانَ علوياً) أَي: بِفضل عَليّ بن أبي طَالب على عُثْمَان، وَهُوَ قَول جمَاعَة من أهل السّنة من أهل الْكُوفَة. قَوْله: (إِنِّي لأعْلم) مقول قَوْله: قَالَ، أَي: قَالَ أَبُو عبد الرَّحْمَن لِابْنِ عَطِيَّة: إِنِّي لأعْلم مَا الَّذِي جرأ، أَي: أَي شَيْء جرأ صَاحبك، وَقَوله: وَكَانَ علوياً، جملَة مُعْتَرضَة بَين القَوْل ومقوله. قَوْله: (جرأ) بتَشْديد الرَّاء، من الجراءة وَهِي الجسارة، وَأَرَادَ بقوله: صَاحبك، عَليّ بن أبي طَالب، قَالَ الْكرْمَانِي: كَيفَ جَازَ نِسْبَة الجراءة على الْقَتْل إِلَى عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ؟ وَأجَاب بقوله: غَرَضه أَنه لما كَانَ جَازِمًا أَنه من أهل الْجنَّة عرف أَنه إِن وَقع مِنْهُ خطأ فِيمَا اجْتهد فِيهِ عفى عَنهُ يَوْم الْقِيَامَة قطعا انْتهى. قلت: قَول أبي عبد الرَّحْمَن ظن مِنْهُ، لِأَن عليا، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على مكانته من الْفضل وَالْعلم لَا يقتل أحدا، إلاَّ بِالْوَاجِبِ، وَإِن كَانَ قد ضمن لَهُ بِالْجنَّةِ لشهوده بَدْرًا وَغَيرهَا، وَمَعَ هَذَا قَالَ الدَّاودِيّ: بئس مَا قَالَ أَبُو عبد الرَّحْمَن. قَوْله: (وسمعته يَقُول) أَي: سَمِعت عليا، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يَقُول: بَعَثَنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالزُّبَيْر بن الْعَوام رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (رَوْضَة كَذَا) أَي: رَوْضَة خَاخ، كَمَا ذكر هَكَذَا فِي: بَاب الجاسوس. قَوْله: (امْرَأَة) ، وَهِي سارة، بِالسِّين الْمُهْملَة وَالرَّاء، قَوْله: (حَاطِب) ، وَهُوَ حَاطِب بن أبي بلتعة، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون اللاَّم وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وبالعين الْمُهْملَة. قَوْله: (الْكتاب) ، مَنْصُوب بمقدر أَي: هَات الْكتاب وَنَحْوه. قَوْله: (لم يُعْطِنِي) ، أَي: لم يُعْطِنِي حَاطِب الْكتاب، أَو لم يُعْطِنِي أحد الْكتاب. قَوْله: (لتخْرجن) ، بِاللَّامِ الْمَفْتُوحَة وبالنون الْمُشَدّدَة أَي: لتخْرجن الْكتاب أَو (لأجردنَّك) من الثِّيَاب، يُقَال: جردت الثَّوْب عَنهُ، أَي: نَزَعته وكشفت عَنهُ، وَكلمَة: أَو، هُنَا بِمَعْنى إلاَّ فِي الِاسْتِثْنَاء، ولأجردنك، مَنْصُوب بِأَن الْمقدرَة، وَالْمعْنَى: لتخْرجن الْكتاب إلاَّ أَن تجردي كَمَا فِي قَوْلك: لأَقْتُلَنك أَو تسلم، أَي: إلاَّ أَن تسلم، وَقَرِيب مِنْهُ أَن يكون بِمَعْنى: إِلَى، كَمَا فِي قَوْلك: لألزمنك أَو تعطينيحقي، أَي: إِلَى أَن تُعْطِينِي حَقي. قَوْله: (فأخرجت) ، ويروى فَأَخْرَجته، أَي: فأخرجت الْكتاب من حجزَتهَا، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْجِيم وبالزاي، وَهِي معقد الْإِزَار، وحجزة السَّرَاوِيل الَّتِي فِيهَا التكة، وَوَقع فِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ: من حزتها، بِحَذْف الْجِيم، وَهِي لُغَة عامية، وَقد مضى فِي: بَاب الجاسوس أَنَّهَا أخرجته من عقاصها، وَهِي شعورها المضفورة، والتوفيق بَينهمَا بِأَنَّهُ لَعَلَّهَا أخرجته من الحجزة أَولا، ثمَّ أخفته فِي عقاصها ثمَّ اضطرت إِلَى الْإِخْرَاج عَنْهَا، أَو المُرَاد من الحجزة المعقد مُطلقًا، أَو الْحَبل، إِذْ الْحجاز حَبل يشد بوسطه يَد الْبَعِير ثمَّ يُخَالف فيعقد بِهِ رِجْلَاهُ، ثمَّ يشد طرفاه إِلَى حقْوَيْهِ، أَو عقاصها كَانَت تصل إِلَى مَوضِع الحجزة فباعتباره صَحَّ الإطلاقان أَو كَانَ ثُمَّ كِتَابَانِ، وَإِن كَانَ مضمونهما وَاحِدًا، كَمَا أَن الْقَضِيَّة وَاحِدَة. قَوْله: (فَقَالَ: لَا تعجل) ، أَي: فَقَالَ حَاطِب: لَا تعجل يَا رَسُول الله. قَوْله: (فَهَذَا الَّذِي جرأه) أَي: قَوْله: إعملوا مَا شِئْتُم، لأهل بدر، هُوَ الَّذِي جرأ حَاطِبًا، وَبَقِيَّة الْبَحْث مرت فِي: بَاب الجاسوس.

(15/12)


691 - (بابُ اسْتِقْبَالِ الغُزَاةِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان اسْتِقْبَال الْغُزَاة عِنْد رجوعهم من غزوتهم.

2803 - حدَّثنا عبْدُ الله بنُ أبِي الأسْوَدِ قَالَ حدَّثنا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ وحُمَيْدُ بنُ الأسْوَدِ عنْ حَبِيبِ بنِ الشَّهِيدِ عنِ ابنِ أبِي مُلَيْكَةَ قَالَ ابنُ الزُّبَيْرِ لإبْنِ جَعْفَرٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُم أتَذْكُرُ إذْ تَلَقَّيْنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنا وأنتَ وابنُ عَبَّاسٍ قَالَ نَعَمْ فحَمَلَنا وتَرَكَكَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (إِذْ تلقينا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) .
وَعبد الله بن أبي الْأسود هُوَ عبد الله بن مُحَمَّد بن حميد بن أبي الْأسود أَبُو بكر، ابْن أُخْت عبد الرَّحْمَن بن مهْدي الْحَافِظ، وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَحميد، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة: ابْن الْأسود أَبُو الْأسود الْبَصْرِيّ صَاحب الكرابيس، وَهُوَ من أَفْرَاده أَيْضا، وحبِيب بن الشَّهِيد أَبُو مُحَمَّد الْأَزْدِيّ الْأمَوِي الْبَصْرِيّ، وَابْن أبي مليكَة هُوَ عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكَة، واسْمه زُهَيْر أَبُو مُحَمَّد الْمَكِّيّ الْأَحول، كَانَ قَاضِيا لعبد الله بن الزبير ومؤذناً لَهُ، وَابْن الزبير هُوَ عبد الله بن الزبير بن الْعَوام، وَابْن جَعْفَر هُوَ أَيْضا عبد الله بن جَعْفَر بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَكَانَ لجَعْفَر أَوْلَاد ثَلَاثَة: عبد الله وَمُحَمّد وَعون، وَالظَّاهِر أَنه هُوَ عبد الله. قلت: لم يجْزم بِهِ وَغَيره من الشُّرَّاح، جزم بِأَنَّهُ عبد الله.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْحَج عَن أبي الْأَشْعَث وَمُحَمّد بن عبد الله كِلَاهُمَا عَن يزِيد بن زُرَيْع.
قَوْله: (حَدثنَا عبد الله بن أبي الْأسود) كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره عبد الله بن الْأسود وَهُوَ يروي عَن اثْنَيْنِ أَحدهمَا يزِيد بن زُرَيْع وَالْآخر حميد ابْن الْأسود، وَهُوَ جده، وقرَنه بِيَزِيد، وَمَا لحميد بن الْأسود فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث وَآخر فِي تَفْسِير سُورَة الْبَقَرَة. قَوْله: (قَالَ ابْن الزبير لِابْنِ جَعْفَر) وَفِي رِوَايَة مُسلم، قَالَ عبد الله بن جَعْفَر لِابْنِ الزبير، وَهُوَ عكس مَا فِي رِوَايَة البُخَارِيّ، قَالَ بَعضهم: وَالَّذِي فِي البُخَارِيّ أصح، وَيُؤَيِّدهُ مَا تقدم فِي الْحَج عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: لما قدم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة اسْتقْبل أغيلمة بني عبد الْمطلب فَحمل وَاحِدًا بَين يَدَيْهِ وَآخر خَلفه، فَإِن ابْن جَعْفَر من بني عبد الْمطلب بِخِلَاف ابْن الزبير، وَإِن كَانَ عبد الْمطلب جد أَبِيه لكنه جده لأمه. قلت: التَّرْجِيح بِهَذَا الْوَجْه فِيهِ نظر، وَالزُّبَيْر: أمه صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب عمَّة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ أَبُو عمر: رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: الزبير ابْن عَمَّتي وَحَوَارِيي من أمتِي. فَإِن قلت: أخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ من طَرِيق خَالِد بن سارة عَن عبد الله بن جَعْفَر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حمله خَلفه وَحمل قثم بن الْعَبَّاس بَين يَدَيْهِ. قلت: لَا يسْتَلْزم هَذَا أَن يكون حِين تلقى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد قدومه مَكَّة. قَوْله: (أَتَذكر؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الاستخبار. قَوْله: (إِذْ تلقينا) أَي: حِين تلقينا. قَوْله: (فحملنا) ، بِفَتْح اللاَّم، وَالضَّمِير فِي، حمل، يرجع إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فالمحمول ابْن الزبير وَابْن عَبَّاس، والمتروك عبد الله بن جَعْفَر، وعَلى رِوَايَة مُسلم الْمَتْرُوك ابْن الزبير.
وَفِيه من الْفَوَائِد إِن التلقي للمسافرين والقادمين من الْجِهَاد وَالْحج بالبشر وَالسُّرُور، أَمر مَعْرُوف وَوجه من وُجُوه الْبر. وَفِيه: الْفَخر بإكرام الشَّارِع. وَفِيه: رِوَايَة الصَّبِي ابْن سبع سِنِين وَإِثْبَات الصُّحْبَة لعبد الله بن الزبير لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم توفّي وَهُوَ ابْن ثَمَان سِنِين. وَفِيه: ركُوب الثَّلَاثَة على الدَّابَّة.

3803 - حدَّثنا مالِكُ بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا ابنُ عُيَيْنَةَ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ قَالَ السَّائِبُ بنُ يَزيدَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ ذَهَبْنَا نتَلَقَّى رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم معَ الصِّبْيَانِ إِلَى ثَنِيَّةِ الوَدَاعِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَمَالك بن إِسْمَاعِيل بن زِيَاد أَبُو غَسَّان النَّهْدِيّ الْكُوفِي، وَابْن عُيَيْنَة هُوَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة، والسائب بِالسِّين الْمُهْملَة ابْن يزِيد الْكِنْدِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن عَليّ بن عبد الله وَعبد الله بن مُحَمَّد فرقهما. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْجِهَاد عَن أبي الطَّاهِر بن السَّرْح، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن يحيى وَسَعِيد

(15/13)


بن عبد الرَّحْمَن.
قَوْله: (إِلَى ثنية الْوَدَاع) ، المُرَاد من ثنية الْوَدَاع هُنَا هِيَ من جِهَة تَبُوك، لِأَن فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ عَن السَّائِب بن يزِيد قَالَ: لما قدم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من تَبُوك خرج النَّاس يتلقونه إِلَى ثنية الْوَدَاع، فَخرجت مَعَ النَّاس، وَأَنا غُلَام، وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، وَفِي غير هَذَا يحْتَمل أَن يكون ثنية الْوَدَاع الَّتِي من كل جِهَة الَّتِي يصل إِلَيْهَا المشيعون يسمونها ثنية الْوَدَاع، والثنية طَرِيق الْعقبَة، وَحكى صَاحب (الْمُحكم) فِي الثَّنية أَرْبَعَة أَقْوَال: فَقَالَ: والثنية الطَّرِيق فِي الْجَبَل كالنقب. وَقيل: الطَّرِيقَة إِلَى الْجَبَل. وَقيل: هِيَ الْعقبَة. وَقيل: هِيَ الْجَبَل نَفسه، وَقَالَ الدَّاودِيّ ثنية الْوَدَاع من جِهَة مَكَّة وتبوك من الشَّام مقابلتها كالمشرق من الْمغرب، إِلَّا أَن يكون ثنية أُخْرَى فِي تِلْكَ الْجِهَة، قَالَ: والثنية الطَّرِيق فِي الْجَبَل، ورد عَلَيْهِ صَاحب (التَّوْضِيح) : بقوله: وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا الثَّنية مَا ارْتَفع من الأَرْض. قلت: كَانَ هَذَا مَا اطلع على مَا قَالَه صَاحب (الْمُحكم) فَلذَلِك أسْرع بِالرَّدِّ.

791 - (بابُ مَا يَقُولُ إذَا رَجَع مِنَ الغَزْوِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يَقُول الْغَازِي إِذا رَجَعَ من غَزوه.

4803 - حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا جُوِيْرِيَةُ عنْ نافِعٍ عنْ عبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ إذَا قَفَلَ كبَّرَ ثَلاثاً قالَ آيِبُونَ إنْ شاءَ الله تائِبُونَ عَابِدُونَ حامِدُونَ لِرَبِّنَا ساجِدُونَ صَدَقَ الله وعْدَهُ ونَصَرَ عَبْدَهُ وهَزَمَ الأحْزَابَ وحْدَهُ. .

وَجُوَيْرِية مصغر جَارِيَة بن أَسمَاء الضبعِي البشري، والْحَدِيث قد مر فِي الْجِهَاد فِي: بَاب التَّكْبِير إِذا علا شرفاً فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله عَن عبد الْعَزِيز بن أبي سَلمَة عَن صَالح بن كيسَان عَن سَالم بن عبد الله عَن عبد الله بن عمر الحَدِيث وَمضى أَيْضا فِي أَوَاخِر الْحَج فِي بَاب مَا يَقُول إِذا رَجَعَ من الْحَج أَو الْعمرَة أَو الْغَزْو وَأَنه أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن نَافِع عَن عبد الله بن عمر إِلَى آخِره. قَوْله. قَوْله: (إِذا قفل) ، بِالْقَافِ ثمَّ بِالْفَاءِ: مَعْنَاهُ: إِذا رَجَعَ من غَزوه.

5803 - حدَّثنا أَبُو مَعْمَر قَالَ حدَّثنا عبْدُ الوَارِثِ قَالَ حدَّثني يَحْيَى بنُ أبي إسْحَاقَ عنْ أنَس ابنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مقفلة من عسفان وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَى رَاحِلَتِهِ وقَدْ أرْدَفَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ فعَثَرَتْ ناقَتُهُ فَصُرِعَا جَمِيعاً فاقْتَحَمَ أبُو طَلحَةَ فقالَ يَا رسولَ الله جعَلَنِي الله فِدَاءَكَ قَالَ عَلَيْكَ المَرْأةَ فقَلَبَ ثَوْباً علَى وجْهِهِ وأتاهَا فألقاَهُ علَيْهَا وأصْلَحَ لَهُمَا مَرْكَبَهُمَا فَرَكِبا فاكْتَنَفْنا رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلَمَّا أشْرَفْنَا علَى المَدِينَةِ قَالَ آيِبُونَ تَائِبُونَ عابِدُونَ لِرَبِنا حامِدُونَ فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ ذالِكَ حتَّى دَخَلَ المَدِينَةَ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأَبُو معمر، بِفَتْح الميمين: واسْمه عبد الله بن عَمْرو الْمنْقري المقعد الْبَصْرِيّ، وَعبد الْوَارِث هُوَ ابْن سعيد وَيحيى بن أبي إِسْحَاق مولى الحضارمة الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْجِهَاد وَفِي الْأَدَب عَن عَليّ عَن بشر بن الْمفضل وَفِي اللبَاس عَن مُحَمَّد عَن الْحسن بن مُحَمَّد بن الصَّباح، وَأخرجه مُسلم فِي الْمَنَاسِك عَن زُهَيْر بن حَرْب وَعَن حميد بن مسْعدَة. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْحَج وَفِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن عمرَان بن مُوسَى.
قَوْله: (مقفله) ، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْقَاف وَفتح الْفَاء، أَي: مرجعه. قَوْله: (من عسفان) ، بِضَم الْعين وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة، وَقد مر غير مرّة أَنه مَوضِع على مرحلَتَيْنِ من مَكَّة. وَقَالَ الْحَافِظ الدمياطي: هَذَا وهم، وَإِنَّمَا هُوَ عِنْد مقفله من خَيْبَر، لِأَن غَزْوَة عسفان إِلَى بني لحيان كَانَت فِي سنة سِتّ وغزوة خَيْبَر كَانَت فِي سنة سبع، وإرداف رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، صَفِيَّة ووقوعهما كَانَ فِيهَا. قَوْله: (فصرعا) أَي: وَقعا. قَوْله: (فاقتحم) ، من قحم فِي الْأَمر إِذا رمى نَفسه فِيهِ من غير روية. قَوْله: (الْمَرْأَة) ، بِالنّصب

(15/14)


أَي: إلزم الْمَرْأَة، ويروى: بِالْمَرْأَةِ وَهِي صَفِيَّة. قَوْله: (فَقلب) ، أَي: أَبُو طَلْحَة قلب ثَوْبه على وَجهه وأتاها أَي: وأتى صَفِيَّة. قَوْله: (وَأصْلح لَهما) أَي: للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَصفِيَّة. قَوْله: (فاكتنفنا) ، أَي: احطنا بِهِ، يُقَال: كنفت الرجل أَي: حطته وصنته. قَوْله: (فَلَمَّا أَشْرَفنَا على الْمَدِينَة) ، من أشرفت على الشَّيْء إِذا اطَّلَعت عَلَيْهِ، وأشرفت الشَّيْء أَي: علوته.
وَفِي الحَدِيث فَوَائِد: فِيهِ: إرداف الْمَرْأَة خلف الرجل وسترها عَن النَّاس. وَفِيه: ستر من لَا تجوز رُؤْيَته وَستر الْوَجْه عَنهُ. وَفِيه: خدمَة الإِمَام والعالم وخدمة أهل الْعلم. وَفِيه: اكتناف الإِمَام والاجتماع حوله عِنْد دُخُول المدن. وَفِيه: حمد الله للْمُسَافِر عِنْد إِتْيَانه سالما إِلَى أَهله وسؤاله الله التَّوْبَة. وَفِيه: حجاب أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ وَإِن كن كالأمهات.

6803 - حدَّثنا عَلِيٌّ قَالَ حدَّثنا بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ قَالَ حدَّثنا يَحْيَى بنُ أبي إسحاقَ عنْ أنَسِ ابنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّهُ أقْبَلَ هُوَ وَأَبُو طَلْحَةَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومَعَ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَفِيَّةُ مُرْدِفَها علَى رَاحِلَتِهِ فلَمَّا كانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ عَثَرَتِ النَّاقَةُ فَصُرِعَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمَرْأةُ وإنَّ أَبَا طَلْحَةَ قَالَ أحْسِبُ قَالَ اقْتَحَمَ عنْ بَعِيرِهِ فَأتى رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا نَبِيَّ الله جعَلَنِي الله فِدَاءَكَ هَلْ أصَابَكَ مِنْ شَيْءٍ قَالَ لاَ ولَكِنْ عَلَيْكَ بالْمَرْأةِ فألْقَى أَبُو طَلْحَةَ ثَوْبَه علَى وَجْهِهِ فقَصَدَ قَصْدَها فألْقَى ثَوْبَهُ علَيْهَا فَقامَتِ الْمَرْأةُ فَشدَّ لَهُمَا علَى راحِلَتِهِما فرَكِبَا فسارُوا حتَّى إذَا كانوُا بِظَهْرِ الْمَدِينَةِ أوْ قالَ أشْرَفُوا علَى المَدِينَةِ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آيِبُونَ تائِبُونَ عابِدُونَ لِرَبِّنَا حامِدُون فلَمْ يَزَلْ يَقُولُها حتَّى دَخَلَ المَدِينَةَ. .

هَذَا وَجه آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور، وَهُوَ فِي رِوَايَة الْكشميهني وَحده، وَعلي هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وَيحيى هُوَ ابْن أبي إِسْحَاق الْمَذْكُور. قَوْله: (وَأَبُو طَلْحَة) هُوَ: زيد بن سهل الْأنْصَارِيّ.
قَوْله: (على رَاحِلَته) أَي: نَاقَته. قَوْله: (وَالْمَرْأَة) بِالرَّفْع عطفا على، النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَيجوز بِالنّصب على تَقْدِير: مَعَ الْمَرْأَة. قَوْله: (أَحسب) أَي: أَظن. قَوْله: (هَل أَصَابَك من شَيْء) كلمة: من، زَائِدَة. قَوْله: (عَلَيْك بِالْمَرْأَةِ) أَي: إلزم الْمَرْأَة وَانْظُر فِي أمرهَا. قَوْله: (فقصد قَصدهَا) أَي: نحا نَحْوهَا. قَوْله: (بِظهْر الْمَدِينَة) أَي: بظاهرها، قَوْله: (أَو قَالَ: أشرفوا) ، شكّ من الرَّاوِي.

891 - (بابُ الصَّلاةِ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الصَّلَاة إِذا قدم الْغَازِي أَو الْمُسَافِر من سَفَره.

8803 - حدَّثنا أبُو عَاصِمٍ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ عَن عَبْدِ الرَّحْمانِ بِنِ عبْدِ الله ابْن كَعْبٍ عنْ أبِيهِ وعَمِّهِ عُبَيْدِ الله بنِ كَعْبٍ عنْ كعْبٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ النَّبِيَّ كانَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ ضُحًى دَخَلَ المَسْجِدَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أنْ يَجْلِسَ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأَبُو عَاصِم الضَّحَّاك بن مخلد النَّبِيل الْبَصْرِيّ، وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج

(15/15)


وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن أبي مُوسَى عَن أبي عَاصِم بِهِ وَعَن مَحْمُود بن غيلَان عَن عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج بِهِ، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْجِهَاد عَن مُحَمَّد بن المتَوَكل الْعَسْقَلَانِي وَالْحسن بن عَليّ الْحَلَال وَعَن أبي الطَّاهِر بن السَّرْح، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي السّير عَن عَمْرو بن عَليّ عَن أبي عَاصِم بِهِ وَعَن يُوسُف بن سعيد وَفِيه وَفِي الصَّلَاة عَن سُلَيْمَان بن دَاوُد.
قَوْله: (ضحى) بِالضَّمِّ وَالْقصر، قَالَ ابْن الْأَثِير: الضحوة ارْتِفَاع أول النَّهَار، وَالضُّحَى هُوَ فَوْقه، وَبِه سميت صَلَاة الضُّحَى.
وَفِيه: أَن الصَّلَاة عِنْد الْقدوم من السّفر سنة وفضيلة فِيهَا معنى الْحَمد لله على السَّلامَة والتبرك بِالصَّلَاةِ أول مَا يبْدَأ فِي الْحَضَر، وَنعم الْمِفْتَاح إِلَى كل خير، وفيهَا يُنَاجِي العَبْد ربه، وَذَلِكَ هدي رَسُوله وسنته، وَلنَا فِيهِ الأسوة. وَفِيه: الِابْتِدَاء بِبَيْت الله تَعَالَى قبل بَيته، وجلوسه للنَّاس عِنْد قدومه ليسلموا عَلَيْهِ.

991 - (بابُ الطَّعامِ عنْدَ القُدُومِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَشْرُوعِيَّة اتِّخَاذ الطَّعَام عِنْد الْقدوم من السّفر.
وكانَ ابنُ عُمَرَ يُفْطِرُ لِمَنْ يَغْشَاهُ
يفْطر من الْإِفْطَار لَا من التفطير. قَوْله: (لمن يَغْشَاهُ) أَي: لأجل من يقدم عَلَيْهِ وَينزل لَدَيْهِ، وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ القَاضِي إِسْمَاعِيل فِي (أَحْكَامه) عَن حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب عَن نَافِع عَنهُ أَنه كَانَ: إِذا كَانَ مُقيما لم يفْطر، وَإِذا كَانَ مُسَافِرًا لم يصم، فَإِذا قدم أفطر أَيَّامًا لغاشيته ثمَّ يَصُوم.

9803 - ح دَّثني مُحَمَّدٌ أخبرَنا وَكِيعٌ عنْ شُعْبَةَ عنْ مُحَارِبِ بنِ دِثارٍ عنْ جَابِرِ بنِ عبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ نَحَرَ جَزُوراً أوْ بَقَرَةً زَادَ مُعاذٌ عنْ شُعْبَةَ عنْ مُحَارِبٍ سَمِعَ جابِرَ بنَ عَبْدِ الله اشْتَري مِنِّي النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعِيراً بِوَقِيَّتَيْنِ ودِرْهَمٍ أوْ دِرْهَمَيْنِ فلَمَّا قَدِمَ صَرَارَاً أمَرَ بِبَقَرةٍ فَذُبِحَتْ فأكلُوا مِنْها فلَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ أمَرَنِي أَن آتِيَ الْمَسْجِدَ فأصلِّي رَكْعَتَيْنِ وَوَزَنَ لِي ثَمَنَ البَعِيرِ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَمُحَمّد هُوَ ابْن سَلام.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَطْعِمَة عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة عَن وَكِيع.
قَوْله: (وجزوراً) أَي: نَاقَة أَو جملا، زَاد معَاذ، وَهُوَ معَاذ بن معَاذ الْعَنْبَري، وَقد وَصله مُسلم. قَوْله: (بوقيتين) ويروى: بأوقيتين. قَوْله: (أَو دِرْهَمَيْنِ) شكّ من الرَّاوِي، وَهَذَا الطَّعَام يُسمى النقيعة، بِفَتْح النُّون وَكسر الْقَاف: مُشْتَقّ من النَّقْع، وَهُوَ الْغُبَار لِأَن الْمُسَافِر يَأْتِي وَعَلِيهِ غُبَار السّفر. وَقَالَ فِي (الموعب) : النقيعة الْمَحْض من اللَّبن يبرد، وَقَالَ السّلمِيّ: طَعَام الرجل لَيْلَة يملك، وَعَن صَاحب (الْعين) : النقيعة العبيطة من الْإِبِل، وَهِي جزور توفر أعضاؤها وتنقع فِي أَشْيَاء على حيالها، وَقد نقعوا نقيعة، وَلَا يُقَال: انقعوا.
صِرَارٌ مَوْضِعٌ نَاحِيَةً بالمَدِينَةِ
صرار بِكَسْر الصَّاد الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الرَّاء الأولى: مَوضِع قريب من الْمَدِينَة على نَحْو ثَلَاثَة أَمْيَال من طَرِيق الْعرَاق، وَقَيده الدَّارَقُطْنِيّ بِالْمُهْمَلَةِ، وَعند الْحَمَوِيّ وَغَيره وَالْمُسْتَمْلِي وَابْن الْحذاء: ضرار، بالضاد الْمُعْجَمَة. وَقَالَ ابْن قرقول: وَهُوَ وهم، وَقَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ، وَهِي بِئْر قديمَة تِلْقَاء حرَّة رَاقِم، وَالله تَعَالَى أعلم.
بِسْمِ الله الرَّحْمانِ الرَّحِيم

(15/16)