عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 71 - (بابٌ ومِنَ الدَّلِيلِ علَى أنَّ
الخُمُسَ لِلإمَامِ وأنَّهُ يُعْطِي بعض قَرَابَتَه دُونَ
بَعْضٍ مَا قَسَمَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لِبَنِي المُطَّلِبِ وبَني هاشِمٍ مِنْ خَمْسِ خَيْبَرَ)
هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: وَمن الدَّلِيل، وَقد مر تَوْجِيه
هَذَا عِنْد قَوْله: بَاب وَمن الدَّلِيل على أَن الْخمس
لنوائب الْمُسلمين. قَوْله: (للْإِمَام) أَرَادَ بِهِ من
كَانَ نَائِب رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِأَن
التَّصَرُّف فِيهِ لَهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلمن
يقوم مقَامه. قَوْله: (وَأَنه يُعْطي) ، عطف على: أَن
الْخمس، أَي: وعَلى أَنه يُعْطي بعض قرَابَته دون بعض.
قَوْله: (مَا قسم) ، فِي مَحل الرّفْع على الِابْتِدَاء،
و: مَا، مَوْصُولَة وَخَبره قَوْله: وَمن الدَّلِيل،
مقدما. قَوْله: (لبني الْمطلب) ، هَذَا الْمطلب هُوَ عَم
عبد الْمطلب جد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَكَانَ الْمطلب وهَاشِم وَنَوْفَل وَعبد شمس كلهم
أَوْلَاد عبد منَاف، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: عبد شمس
وهَاشِم وَالْمطلب أخوة لأم، وأمهم عَاتِكَة بنت مرّة،
وَكَانَ نَوْفَل أَخَاهُم لأبيهم، فقسم رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، لبني الْمطلب وَبني هَاشم وَترك بِي
نَوْفَل وَبني عبد شمس، فَهَذَا يدل على أَن الْخمس لَهُ،
وَله فِيهِ الْخِيَار يَضَعهُ حَيْثُ شَاءَ.
قَالَ عُمَرُ بنُ عبْدِ العَزِيزِ لَمُ يَعُمَّهُمْ
بِذَلِكَ ولَمْ يَخُصَّ قَرِيباً دُونَ مَنْ أحْوَجُ
إلَيْهِ وإنْ كانَ الَّذِي أعْطَى لِمَا يَشْكُوا إلَيْهِ
مِنَ الحَاجَةِ ولِمَا مستْهُمْ فِي جَنْبِهِ مِنْ
قَوْمِهِمْ وحُلَفَائِهِمْ
قَوْله: (لم يعمهم) أَي: لم يعم قُريْشًا بذلك، أَي: بِمَا
قسمه. قَوْله: (من أحْوج إِلَيْهِ) أَي: من أحْوج هُوَ
إِلَيْهِ، قَالَ ابْن مَالك: فِيهِ حذف الْعَائِد على
الْمَوْصُول، وَهُوَ قَلِيل، وَمِنْه قِرَاءَة يحيى بن
يعمر.
(تَمامًا عليَّ الَّذِي أحسن) ، بِضَم النُّون أَي:
الَّذِي هُوَ أحسن، قَالَ: وَإِذا طَال الْكَلَام فَلَا
ضعف وَمِنْه: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَه وَفِي
الأَرْض إِلَه} (الزخرف: 48) . أَي: وَفِي الأَرْض هُوَ
إِلَه وَاحِد. قلت: وَفِي بعض النّسخ: دون من هُوَ أحْوج
إِلَيْهِ، فعلى هَذَا لَا يحْتَاج إِلَى التَّكَلُّف
الْمَذْكُور، وأحوج من أحوجه إِلَيْهِ غَيره، وأحوج أَيْضا
بِمَعْنى احْتَاجَ. قَوْله: (وَإِن كَانَ) ، شَرط على
سَبِيل الْمُبَالغَة، ويروى بِفَتْح: أَن، قَالَه
الْكرْمَانِي. قَوْله: (أعطيَ) على صِيغَة الْمَجْهُول،
وَحَاصِل الْمَعْنى: وَإِن كَانَ الَّذِي أعطي أبعد
قرَابَة مِمَّن لم يُعط. قَوْله: (لما تَشْكُو) تَعْلِيل
لعطية الْأَبْعَد قرَابَة، وتشكو بتَشْديد الْكَاف من
التشكي من بَاب التفعل، ويروى لما يشكو من شكا يشكو شكاية.
قَوْله: (وَلما مستهم) عطف على: لما، الأولى، ويروى: مسهم،
بِدُونِ تَاء التَّأْنِيث. قَوْله: (فِي جنبه) ، أَي: فِي
جَانِبه. قَوْله: (وحلفائهم) بِالْحَاء الْمُهْملَة، أَي:
حلفاء قَومهمْ بِسَبَب الْإِسْلَام، وَأَشَارَ بذلك إِلَى
مَا لَقِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَصْحَابه
بِمَكَّة من قُرَيْش بِسَبَب الْإِسْلَام.
0413 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ حدَّثنا
اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهابٍ عنِ ابنِ
المُسَيَّبِ عنْ جُبَيْرِ بنِ مُطعمٍ قَالَ مَشَيْتُ أَنا
وعُثْمَانُ بنُ عَفَّانَ إِلَى رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فقُلْنَا يَا رسولَ الله أعْطَيْتَ بَني
المُطَّلِبِ وتَرَكْتَنَا ونَحْنُ وهُمْ مِنْكَ
بِمَنْزِلَةٍ واحِدَةٍ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إنَّما بَنُو المُطَّلِبِ وبَنُو هاشِمٍ
شَيْءٌ واحِدٌ.
(15/63)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَرِجَاله
قد ذكرُوا غير مرّة. والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا
فِي مَنَاقِب قُرَيْش عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن
عقيل وَفِي الْمَغَازِي عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن
يُونُس. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْخراج عَن القواريري
عَن ابْن الْمهْدي وَعَن القواريري عَن عُثْمَان بن عمر،
وَعَن مُسَدّد عَن هشيم وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي قسم
الْفَيْء عَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَعَن عبد الرَّحْمَن بن
عبد الله. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْجِهَاد عَن يُونُس
بن عبد الْأَعْلَى.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (عَن ابْن الْمسيب) ، فِي رِوَايَة
أبي دَاوُد: أَخْبرنِي سعيد بن الْمسيب. قَوْله: (عَن
جُبَير بن مطعم) ، فِي رِوَايَة البُخَارِيّ فِي
الْمَغَازِي من رِوَايَة يُونُس عَن ابْن شهَاب عَن سعيد
بن الْمسيب: أَن جُبَير بن مطعم أخبرهُ. قَوْله: (مشيت
أَنا وَعُثْمَان) ، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد، قَالَ:
أَخْبرنِي جُبَير بن مطعم أَنه جَاءَ هُوَ وَعُثْمَان بن
عَفَّان يكلمان رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فِيمَا قسم من الْخمس فِي بني الْمطلب، فَقلت: يَا رَسُول
الله قسمت لإِخْوَانِنَا فِي بني الْمطلب وَلم تُعْطِنَا
شَيْئا، وقرابتنا وقرابتهم مِنْك وَاحِدَة؟ فَقَالَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّمَا بَنو هَاشم
وَبَنُو الْمطلب شَيْء وَاحِد قَوْله: (بِمَنْزِلَة
وَاحِدَة) لِأَن عُثْمَان ابْن عَفَّان بن أبي الْعَاصِ بن
أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف، وَجبير هُوَ ابْن مطعم
بن عدي بن نَوْفَل بن عبد منَاف، فهما وَبَنُو الْمطلب
كلهم أَوْلَاد عَم جده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله:
(شَيْء وَاحِد) ، بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره
همزَة، قَالَ عِيَاض: روينَا فِي البُخَارِيّ هَكَذَا
بِلَا خلاف، وَقَالَ الْخطابِيّ: روى بَعضهم: سي، بِكَسْر
السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف،
وَمَعْنَاهُ: سَوَاء وَمثل. قيل: هَذَا رِوَايَة
الْكشميهني هُنَا، وَرِوَايَة الْمُسْتَمْلِي فِي
الْمَغَازِي ومناقب قُرَيْش، وَكَذَا رِوَايَة الْحَمَوِيّ
وَيحيى بن معِين وَحده، وَقَالَ الْخطابِيّ: هُوَ أَجود
فِي الْمَعْنى، وَقَالَ عِيَاض: الصَّوَاب رِوَايَة
الْعَامَّة لرِوَايَة أبي دَاوُد: إِنَّا وَبَنُو الْمطلب
لَا نفترق فِي جَاهِلِيَّة وَلَا إِسْلَام، وَإِنَّمَا
نَحن وهم شَيْء وَاحِد، وَشَبك بَين أَصَابِعه. انْتهى.
وَهَذَا دَلِيل على الِاخْتِلَاط والامتزاج كالشيء
الْوَاحِد، لَا على التَّمْثِيل والتنظير. قيل: وَقع فِي
رِوَايَة أبي زيد الْمروزِي: شَيْء أحد، بِغَيْر الْوَاو،
فَقيل: الْوَاحِد والأحد بِمَعْنى وَاحِد، وَقيل: الْأَحَد
الْمُنْفَرد بِالْمَعْنَى، وَالْوَاحد الْمُنْفَرد
بِالذَّاتِ، وَقيل: الْأَحَد لنفي مَا يذكر مَعَه من
الْعدَد، وَالْوَاحد اسْم لمفتاح الْعدَد، وَقيل: لَا
يُقَال: أحد، إِلَّا لله تَعَالَى.
حدَّثَنِي يُونس وزَادَ قَالَ. قَالَ اللَّيْثُ جُبَيْرٌ
ولَمْ يَقْسِمِ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لِبَنِي عبْدِ شَمْسٍ ولاَ لِبَنِي نَوْفَلٍ
هَذَا التَّعْلِيق أسْندهُ البُخَارِيّ فِي الْمَغَازِي
عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن يُونُس بِتَمَامِهِ.
وقالَ ابْنُ إسْحَاقَ عَبْدُ شَمْسٍ وهاشِمٌ والمُطَّلِبُ
إخْوَةٌ لاُِمٍّ وأمُّهُمْ عاتِكَةُ بِنْتُ مُرَّةَ وكانَ
نَوْفَلٌ أخاهُمْ لأِبِيهِمْ
ابْن إِسْحَاق هُوَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق صَاحب
(الْمَغَازِي) ، وَهَذَا التَّعْلِيق ذكره ابْن جرير
وَالزُّبَيْر بن بكار وَمُحَمّد بن إِسْحَاق، وَقَالَ ابْن
جرير: وَكَانَ هَاشم توأم أَخِيه عبد شمس وَأَن هاشماً خرج
وَرجله ملتصقة بِرَأْس عبد شمس، فَمَا تخلصت حَتَّى سَالَ
بَينهمَا، دم، فتفاءل النَّاس بذلك أَن يكون بَين أولادهما
حروب، فَكَانَت وقْعَة بني الْعَبَّاس مَعَ بني أُميَّة بن
عبد شمس سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَمِائَة من الْهِجْرَة.
قَوْله: (وَكَانَ نَوْفَل أَخَاهُم لأبيهم) وَلم يذكر أمه،
وَهِي: واقدة، بِالْقَافِ: بنت عَمْرو المازنية، وَكَانَ
هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة قد سادوا قَومهمْ بعد أَبِيهِم
وَصَارَت إِلَيْهِم الرياسة، فَكَأَن يُقَال لَهُم:
المجيرون، وَذَلِكَ لأَنهم أخذُوا لقومهم قُرَيْش الْأمان
من مُلُوك الأقاليم ليدخلوا فِي التِّجَارَات إِلَى
بلدانهم، فَكَانَ هَاشم قد أَخذ أَمَانًا من مُلُوك
الشَّام وَالروم وغسان، وَأخذ لَهُم عبد شمس من
النَّجَاشِيّ الْأَكْبَر ملك الْحَبَشَة، وَأخذ لَهُم
نَوْفَل من الأكاسرة، وَأخذ لَهُم الْمطلب أَمَانًا من
مُلُوك حمير، وَكَانَت إِلَى هَاشم السِّقَايَة والرفادة
بعد أَبِيه، وَإِلَيْهِ وَإِلَى أَخِيه الْمطلب نسب ذَوي
الْقُرْبَى، وَقد كَانُوا شَيْئا وَاحِدًا، وَقَالَ ابْن
كثير فِي (تَفْسِيره) :
(15/64)
بَنو الْمطلب وازروا بني هَاشم فِي
الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام ودخلوا مَعَهم فِي الشّعب
غَضبا لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وحماية لَهُ
مسلمهم طَاعَة لله وَلِرَسُولِهِ، وكافرهم حمية للعشيرة
وأنفة وَطَاعَة لأبي طَالب، عَم رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وَأما بَنو عبد شمس وَبَنُو نَوْفَل،
وَإِن كَانُوا أَبنَاء عَم، فَلم يوافقوهم على ذَلِك، بل
حاربوهم ونابذوهم، وأمالوا بطُون قُرَيْش على حَرْب
الرَّسُول، وَلِهَذَا كَانَ ذمّ أبي طَالب لَهُم فِي
قصيدته اللاَّمية.
(جزى الله عَنَّا عبد شمس ونوفلاً ... عُقُوبَة شرٍّ عاجلٍ
غير أجلِ)
(بميزان قسط لَا يفِيض شعيرَة ... لَهُ شَاهد من نَفسه
حقُّ عادلِ)
(لقد سفهت أَخْلَاق قوم تبدَّلُوا ... بني خلفٍ قيضاً
بِنَا والغياطلِ)
(وَنحن الصميم من ذؤابة هَاشم ... وَآل قصي فِي الخطوب
الْأَوَائِل)
وَهَذِه قصيدة طَوِيلَة مائَة وَعشرَة أَبْيَات، قد
ذَكرنَاهَا فِي (تاريخنا الْكَبِير) وفسرنا لغاتها.
قَوْله: (بني خلف) ، أَرَادَ رَهْط أُميَّة بن خلف
الجُمَحِي. قَوْله: (قيضاً) أَي: مقايضة، وَهُوَ
الِاسْتِبْدَال، والغياطل: جمع غيطلة، وَهِي الشَّجَرَة.
81 - (بابُ منْ لَم يُخَمِّسِ الأسْلاَبَ)
هَذَا بَاب يذكر فِيهِ من لم ير بتخميس الأسلاب، وَأَشَارَ
بِهَذَا إِلَى خلاف فِيهِ، فَقَالَ الشَّافِعِي: كل شَيْء
من الْغَنِيمَة يُخَمّس إلاَّ السَّلب فَإِنَّهُ لَا
يُخَمّس، وَبِه قَالَ أَحْمد وَابْن جرير. وَجَمَاعَة من
أهل الحَدِيث، وَعَن مَالك: أَن الإِمَام مُخَيّر فِيهِ
إِن شَاءَ خمسه وَإِن شَاءَ لم يخمسه، وَاخْتَارَهُ
القَاضِي إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق، وَفِيه قَول ثَالِث:
أَنَّهَا تخمس، إِذا كثرت وَهُوَ مَرْوِيّ عَن عمر بن
الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَبِه قَالَ إِسْحَاق
بن رَاهَوَيْه، وَقَالَ الثَّوْريّ وَمَكْحُول
وَالْأَوْزَاعِيّ يُخَمّس، وَهُوَ قَول مَالك، وَرِوَايَة
عَن ابْن عَبَّاس، وَقَالَ الزُّهْرِيّ عَن الْقَاسِم بن
مُحَمَّد عَن ابْن عَبَّاس: السَّلب من النَّفْل،
وَالنَّفْل يُخَمّس، وَقَالَ ابْن قدامَة: السَّلب
للْقَاتِل إِذا قتل فِي كل حَال إلأ أَن ينهزم الْعَدو،
وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو ثَوْر، وَدَاوُد وَابْن
الْمُنْذر، وَقَالَ مَسْرُوق: إِذا التقى الزحفان فَلَا
سلب لَهُ، إِنَّمَا النَّفْل قبله أَو بعده، وَنَحْوه قَول
نَافِع. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَسَعِيد بن عبد الْعَزِيز
وَأَبُو بكر بن أبي مَرْيَم: السَّلب للْقَاتِل مَا لم
تمتد الصُّفُوف بَعْضهَا إِلَى بعض، فَإِذا كَانَ كَذَلِك
فَلَا سلب لأحد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف
وَمُحَمّد: السَّلب من غنيمَة الْجَيْش حكمه حكم سَائِر
الْغَنِيمَة إِلَّا أَن يَقُول الإِمَام: من قتل قَتِيلا
فَلهُ سلبه، فَحِينَئِذٍ يكون لَهُ، وَقَالَ ابْن قدامَة:
وَبِه قَالَ مَالك، وَقَالَ أَحْمد: لَا يُعجبنِي أَن
يَأْخُذ السَّلب إلاَّ بِإِذن الإِمَام، وَهُوَ قَول
الْأَوْزَاعِيّ. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر وَالشَّافِعِيّ:
لَهُ أَخذه بِغَيْر إِذْنه. قَوْله: (الأسلاب) ، جمع سلب
بِفتْحَتَيْنِ على وزن فعل بِمَعْنى مفعول، أَي: مسلوب،
وَهُوَ مَا يَأْخُذهُ أحد القرنين فِي الْحَرْب من قرنه
مِمَّا يكون عَلَيْهِ وَمَعَهُ من سلَاح وَثيَاب ودابة
وَغَيرهَا، وَعَن أَحْمد: لَا تدخل الدَّابَّة، وَعَن
الشَّافِعِي: يخْتَص بأداة الْحَرْب.
ومنْ قَتَلَ قَتِيلاً فلَهُ سَلَبُهُ مِنْ غَيْرِ أنْ
يُخَمِّسَ وحُكْمَ الإمامِ فيهِ
قَوْله: (وَمن قتل قَتِيلا فَلهُ سلبه) هَذَا الْمِقْدَار
أخرجه الطَّحَاوِيّ، وَقَالَ: حَدثنَا أَبُو بكرَة وَابْن
مَرْزُوق، قَالَا: حَدثنَا أَبُو دَاوُد عَن حَمَّاد بن
سَلمَة عَن إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة عَن أنس:
أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ يَوْم
حنين: من قتل قَتِيلا فَلهُ سلبه، فَقتل أَبُو طَلْحَة
يَوْمئِذٍ عشْرين رجلا فَأخذ أسلابهم. وَأَبُو بكرَة: بكار
القَاضِي، وَأَبُو دَاوُد سُلَيْمَان بن دَاوُد
الطَّيَالِسِيّ. وَأخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا فِي (سنَنه)
وَلَكِن لَفظه: من قتل كَافِرًا فَلهُ سلبه. قَوْله:
(قَتِيلا) يَعْنِي: مشارفاً للْقَتْل، لِأَن قتل الْقَتِيل
لَا يتَصَوَّر. قَوْله: (من غير أَن يُخَمّس) ، لَيْسَ من
لفظ الحَدِيث، وَأَرَادَ بِهِ أَن السَّلب لَا يُخَمّس،
ويروى: من غير خمس بِضَمَّتَيْنِ، وَخمْس بِسُكُون
الْمِيم. قَوْله: (وَحكم الإِمَام فِيهِ) ، عطف على
قَوْله: من لم يُخَمّس، فَافْهَم.
1413 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا يُوسُفُ بنُ
الماجِشُونِ عنْ صالِحِ بنِ إبْرَاهِيمَ بنِ عَبْدِ
(15/65)
الرَّحْمانِ بنِ عَوْفٍ عنْ أبِيهِ عنْ
جَدِّهِ قَالَ بَيْنَا أَنا واقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ
بَدْرٍ فنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وشِمَالِي فإذَا أَنا
بِغُلامَيْنِ مِنَ الأنْصَارِ حدِيثَةٍ أسْنَانُهُمَا
تَمَنَّيْتُ أنْ أكُونَ بَيْنَ أضْلَعَ مِنْهُمَا
فغَمَزَنِي أحَدُهُمَا فَقَالَ يَا عَمِّ هَلْ تَعْرِفُ
أبَا جَهْلٍ قُلْتُ نَعَمْ مَا حاجَتُكَ إلَيْهِ يَا ابنَ
أخِي قَالَ أُخْبِرْت أنَّهُ يَسُبُّ رسولَ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ رأيْتُهُ
لاَ يُفارِقُ سَوَادِي سَوادَهُ حتَّى يَمُوتَ الأعْجَلُ
مِنَّا فتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ فَغَمَزَنِي الآخَرُ فَقَالَ
لِي مِثْلَها فلَمْ أنْشَبْ أنْ نَظَرْتُ إِلَى أبِي
جَهْلٍ يَجُولُ فِي النَّاسِ قُلْتُ أَلا أَن هذَا
صاحِبُكُمَا الَّذِي سألْتُمَانِي فابْتَدَراهُ
بِسَيْفَيْهِما فضَرَباهُ حتَّى قتَلاهُ ثُمَّ انْصَرَفا
إِلَى رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأخْبَراهُ
فقالَ أيُّكُمَا قتَلَهُ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
أَنا قتَلْتُهُ فَقَالَ هَلْ مَسَحْتُما سَيْفَيْكُما
قَالَا لافنَظَر فِي السَّيْفَيْنِ فَقَالَ كِلاكُما
قتَلَهُ سلَبُهُ لِمُعاذِ بنِ عَمْرِو ابنِ الجَمُوحِ
وَكَانَا مُعَاذَ بنَ عَفْرَاءَ ومُعاذَ بنَ عَمْرِو بنِ
الجَمُوحِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، لم يُخَمّس سلب أبي جهل.
ويوسف هُوَ ابْن يَعْقُوب بن عبد الله بن أبي سَلمَة،
واسْمه دِينَار التَّيْمِيّ الْقرشِي، والماجشون هُوَ
يَعْقُوب، وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ، تَفْسِيره: المورد،
وَهُوَ بِكَسْر الْجِيم وَفتحهَا وَضم الشين الْمُعْجَمَة،
وَصَالح بن إِبْرَاهِيم يروي عَن أَبِيه إِبْرَاهِيم بن
عبد الرَّحْمَن، وَإِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن سمع
أَبَاهُ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ.
والْحَدِيث أخرجه أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن عَليّ بن عبد
الله وَعَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم. وَأخرجه مُسلم فِي
الْمَغَازِي عَن يحيى بن يحيى عَن يُوسُف بن الْمَاجشون.
قَوْله: (بَينا أَنا) قد مر غير مرّة أَن أَصله: بَين،
فأشبعت الفتحة فَصَارَ: بَينا، ويضاف إِلَى جملَة
وَيحْتَاج إِلَى جَوَاب، فَجَوَابه هُوَ قَوْله: فَإِذا
أَنا بغلامين، وهما: معَاذ بن عَمْرو ومعاذ بن عفراء،
وَيَجِيء ذكرهمَا عَن قريب. قَوْله: (حَدِيثَة أسنانهما) ،
صفة الغلامين، فَلذَلِك جر لفظ: حَدِيثَة، و: أسنانهما،
بِالرَّفْع لِأَنَّهُ فَاعل: حَدِيثَة. قَوْله: (بَين
أضلع) ، بالضاد الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة أَي:
بَين أَشد وَأقوى مِنْهُمَا، أَي: من الغلامين
الْمَذْكُورين وَهُوَ على وزن أفعل من الضلاعة، وَهِي:
الْقُوَّة. يُقَال: اضطلع بِحمْلِهِ: أَي: قوي عَلَيْهِ
ونهض بِهِ، وَهَذَا هَكَذَا رُوَاة الْأَكْثَرين، وَوَقع
فِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ وَحده: بَين أصلح مِنْهُمَا،
بالصَّاد والحاء الْمُهْمَلَتَيْنِ، وَنسب ابْن بطال هَذِه
الرِّوَايَة لمسدد شيخ البُخَارِيّ، وَقَالَ: خَالفه
إِبْرَاهِيم بن حَمْزَة عِنْد الطَّحَاوِيّ، ومُوسَى بن
إِسْمَاعِيل عِنْد ابْن سنجر، وَعَفَّان عِنْد ابْن أبي
شيبَة، فكلهم رووا: أضلع، بالضاد الْمُعْجَمَة وَالْعين
الْمُهْملَة، وَرِوَايَة ثَلَاثَة حفاظ أولى من رِوَايَة
وَاحِد خالفهم، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: الَّذِي فِي مُسلم:
أضلع، وَوَقع فِي بعض رواياته: أصلح، وَالْأول الصَّوَاب.
قَوْله: (هَل تعرف أَبَا جهل؟) هُوَ عَمْرو بن هِشَام بن
الْمُغيرَة المَخْزُومِي الْقرشِي فِرْعَوْن هَذِه الْأمة.
قَوْله: (أخْبرت) ، بِضَم الْهمزَة على صِيغَة
الْمَجْهُول. قَوْله: (لَا يُفَارق سوَادِي سوَاده) ،
يَعْنِي: لَا يُفَارق شخصي شخصه، وَأَصله أَن الشَّخْص يرى
على الْبعد أسود. قَوْله: (الأعجل منا) أَي: الْأَقْرَب
أَََجَلًا، وَهُوَ كَلَام مُسْتَعْمل يفهم مِنْهُ أَن
يلازمه وَلَا يتْركهُ إِلَى وُقُوع الْمَوْت
بِأَحَدِهِمَا، وصدور هَذَا الْكَلَام فِي حَال الْغَضَب
والانزعاج يدل على صِحَة الْعقل الوافر وَالنَّظَر فِي
العواقب، فَإِن مُقْتَضى الْغَضَب أَن يَقُول: حَتَّى
أَقتلهُ، لَكِن الْعَاقِبَة مَجْهُولَة. قَوْله: (فَلم
أنشب) ، فَلم ألبث، يُقَال: نشب بَعضهم فِي بعض، أَي: دخل
وَتعلق، ونشب فِي الشَّيْء إِذا وَقع فِيمَا لَا مخلص لَهُ
مِنْهُ، وَلم ينشب أَن فعل كَذَا، أَي: لم يلبث،
وَحَقِيقَته لم يتَعَلَّق بِشَيْء غَيره، وَلَا بسواه،
ومادته: نون وشين مُعْجمَة وباء مُوَحدَة. قَوْله: (يجول
فِي النَّاس) ، بِالْجِيم، وَفِي رِوَايَة مُسلم: (يَزُول)
، هُوَ بِمَعْنَاهُ، أَي: يضطرب فِي الْمَوَاضِع وَلَا
يسْتَقرّ على حَال. قَوْله: (أَلا) ، للتحضيض والتنبيه.
قَوْله: (فابتداره) ، أَي: سبقاه مُسْرِعين. قَوْله:
(فَنظر فِي السيفين) ليستدل بهما على حَقِيقَة كَيْفيَّة
قَتلهمَا، فَعلم أَن الجموح هُوَ المثخن، وَقَالَ
الْمُهلب: نظره، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي السيفين
ليرى مَا بلغ الدَّم من سيفيهما، وَمِقْدَار عمق دخولهما
فِي جسم الْمَقْتُول ليحكم بِالسَّيْفِ لمن كَانَ فِي
ذَلِك أبلغ، وَلذَلِك سَأَلَهُمَا أَولا: هَل مسحتما
سيفيكما؟ لِأَنَّهُمَا لَو مسحاهما لما بَين المُرَاد من
ذَلِك. قَوْله: (فَقَالَ: كلاكما قَتله) ، إِنَّمَا قَالَ
ذَلِك، وَإِن كَانَ أَحدهمَا أَو الَّذِي
(15/66)
أثخنه تطييباً لقلب الآخر من حَيْثُ إِن
لَهُ مُشَاركَة فِي الْقَتْل. قَوْله: (سلبه) أَي: سلب أبي
جهل لِمعَاذ بن عَمْرو بن الجموح، وَإِنَّمَا حكم لَهُ
مَعَ أَنَّهُمَا اشْتَركَا فِي الْقَتْل لِأَن الْقَتْل
الشَّرْعِيّ الَّذِي يتَعَلَّق بِهِ اسْتِحْقَاق السَّلب
هُوَ الْإِثْخَان، وَهُوَ إِنَّمَا وجد مِنْهُ، وَقَالَ
الْإِسْمَاعِيلِيّ: إِن الأنصاريين ضرباه فأثخناه وبلغا
بِهِ الْمبلغ الَّذِي يعلم أَنه لَا يجوز بَقَاؤُهُ على
تِلْكَ الْحَال إلاَّ قدر مَا يطفأ، فَدلَّ قَوْله: كلاكما
قَتله، على أَن كلاًّ مِنْهُمَا وصل إِلَى قطع الحشوة
وإبانتها، وَبِه يعلم أَن عمل كل من سيفيهما كعمل الآخر،
غير أَن أَحدهمَا سبق بِالضَّرْبِ فَصَارَ فِي حكم
الْمُثبت لجراحه حَتَّى وَقعت بِهِ ضَرْبَة الثَّانِي
فاشتركا فِي الْقَتْل، إلاَّ أَن أَحدهمَا قَتله وَهُوَ
مُمْتَنع وَالْآخر قَتله وَهُوَ مُثبت، فَلذَلِك قضى
بالسلب للسابق إِلَى إثخانه. وَلما روى الطَّحَاوِيّ هَذَا
الحَدِيث قَالَ فِيهِ: دَلِيل على أَن السَّلب لَو كَانَ
وَاجِبا للْقَاتِل بقتْله إِيَّاه لَكَانَ وَجب سلبه
لَهما، وَلم يكن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ينتزعه
من أَحدهمَا فيدفعه إِلَى الآخر إلاَّ يرى أَن الإِمَام
لَو قَالَ: من قتل قَتِيلا فَلهُ سلبه، وَقتل رجلَانِ
قَتِيلا إِن سلبه لَهما، نِصْفَانِ، وَأَنه لَيْسَ
للْإِمَام أَن يحرم أَحدهمَا ويدفعه إِلَى الآخر، لِأَن كل
وَاحِد مِنْهُمَا لَهُ فِيهِ من الْحق مثل مَا لصَاحبه،
وهما أولى بِهِ من الإِمَام، فَلَمَّا كَانَ للنَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي سلب أبي جهل أَن يَجعله
لأَحَدهمَا دون الآخر دلّ ذَلِك أَنه كَانَ أولى بِهِ
مِنْهُمَا، لِأَنَّهُ لم يكن قَالَ يَوْمئِذٍ: من قتل
قَتِيلا فَلهُ سلبه. وَقَالَ أَيْضا: إِن سلب الْمَقْتُول
لَا يجب للْقَاتِل بقتْله صَاحبه إلاَّ أَن يَجْعَل
الإِمَام إِيَّاه لَهُ على مَا فِيهِ صَلَاح الْمُسلمين من
التحريض على قتال عدوهم.
قَوْله: (وَكَانَا) أَي: الغلامان الْمَذْكُورَان من
الْأَنْصَار: معَاذ بن عفراء ومعاذ عَمْرو بن الجموح. أما
معَاذ بن عفراء، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون
الْفَاء وبالراء وبالمد: وَهِي أمه عفراء بنت عبيد بن
ثَعْلَبَة ابْن غنم بن مَالك بن النجار، وَهُوَ معَاذ بن
الْحَارِث بن رِفَاعَة بن سَواد، وَهَكَذَا قَالَه
مُحَمَّد بن إِسْحَاق، وَقَالَ ابْن هِشَام: هُوَ معَاذ
ابْن الْحَارِث بن عفراء بن سَواد بن مَالك بن النجار،
وَقَالَ مُوسَى بن عقبَة: معَاذ بن الْحَارِث بن رِفَاعَة
بن الْحَارِث، شهد بَدْرًا هُوَ وأخواه عَوْف ومعوذ بَنو
عفراء، وهم بَنو الْحَارِث بن رِفَاعَة، وَقَالَ أَبُو
عمر: ولمعاذ بن عفراء رِوَايَة عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، فِي النَّهْي عَن الصَّلَاة بعد الصُّبْح
وَبعد الْعَصْر، مَاتَ فِي خلَافَة عَليّ رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ. وَأما معَاذ: بن عَمْرو بن الجموح،
فالجموح ابْن زيد بن حرَام بن كَعْب بن غنم بن كَعْب بن
سَلمَة بن سعيد بن عَليّ بن أَسد بن ساردة بن يزِيد بن جشم
بن الْخَزْرَج السّلمِيّ الخزرجي الْأنْصَارِيّ، شهد
الْعقبَة وبدراً هُوَ وَأَبوهُ عَمْرو، وَقتل عَمْرو بن
الجموح، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يَوْم أحد، وَذكر ابْن
هِشَام عَن زِيَاد عَن ابْن إِسْحَاق: أَنه الَّذِي قطع
رجل أبي جهل بن هِشَام وصرعه، وَقَالَ: وَضرب ابْنه
عِكْرِمَة بن أبي جهل يَد معَاذ فطرحها، ثمَّ ضربه معوذ بن
عفراء حَتَّى أثْبته وَتَركه وَبِه رَمق، ثمَّ وقف
عَلَيْهِ عبد الله بن مَسْعُود واحتز رَأسه حِين أمره
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن يلتمسه فِي
الْقَتْلَى، وَفِي (صَحِيح مُسلم) ابْن ابْني عفراء ضرباه
حَتَّى برد، بِالدَّال: أَي مَاتَ. وَفِي رِوَايَة:
(حَتَّى برك) ، بِالْكَاف أَي: سقط على الأَرْض، وَكَذَا
فِي البُخَارِيّ فِي: بَاب قتل أبي جهل، وَادّعى
الْقُرْطُبِيّ أَنه وهم، الْتبس على بعض الروَاة معَاذ بن
الجموح بمعاذ بن عفراء، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: ابْن
الجموح لَيْسَ من ولد عفراء، ومعاذ بن عفراء مِمَّن بَاشر
قتل أبي جهل، فَلَعَلَّ بعض إخْوَته حَضَره أَو أَعْمَامه،
أَو يكون الحَدِيث: ابْن عفراء، فغلط الرَّاوِي فَقَالَ:
ابْنا عفراء، وَقَالَ أَبُو عمر: أصح من هَذَا حَدِيث أنس
بن مَالك: أَن ابْن عفراء قَتله، وَقَالَ ابْن التِّين:
يحْتَمل أَن يَكُونَا أَخَوَيْنِ لأم، أَو يكون بَينهمَا
رضَاع، وَقَالَ الدَّاودِيّ: ابْنا عفراء: سهل وَسُهيْل،
وَيُقَال: معوذ ومعاذ، وروى الْحَاكِم فِي (إكليله) من
حَدِيث الشّعبِيّ عَن عبد الرَّحْمَن ابْن عَوْف حمل: رجل
كَانَ مَعَ أبي جهل على ابْن عفراء فَقتله، فَحمل ابْن
عفراء الآخر على الَّذِي قتل أَخَاهُ فَقتله، وَمر ابْن
مَسْعُود على أبي جهل، فَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي أعز
الْإِسْلَام، فَقَالَ أَبُو جهل: تَشْتمنِي يَا رويعي
هُذَيْل؟ فَقَالَ: نعم وَالله، وأقتلك فَحَذفهُ أَبُو جهل
بِسَيْفِهِ، وَقَالَ: دُونك هَذَا إِذا، فَأَخذه عبد الله
فَضَربهُ حَتَّى قَتله، وقاال: يَا رَسُول الله {قتلت
أَبَا جهل} فَقَالَ: الله الَّذِي لَا إل هـ إلاَّ هُوَ،
فَحلف لَهُ، فَأَخذه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بِيَدِهِ ثمَّ انْطلق مَعَه حَتَّى أرَاهُ إِيَّاه،
فَقَامَ عِنْده، وَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي أعز
الْإِسْلَام وَأَهله، ثَلَاث مَرَّات، والتوفيق بَين هَذِه
الرِّوَايَات: إِثْبَات الِاشْتِرَاك فِي قتل أبي جهل،
وَلَكِن السَّلب مَا ثَبت إلاَّ لِلَّذِي أثخنه، على مَا
مر، فَافْهَم.
(15/67)
قَالَ مُحَمَّدٌ سَمِ يُوسُفَ صالِحاً
وإبْرَاهِيمَ أباهُ
مُحَمَّد هُوَ البُخَارِيّ: أَي سمع يُوسُف بن الْمَاجشون
صَالح بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف
الْمَذْكُور فِي الْإِسْنَاد، وَسمع إِبْرَاهِيم أَبَاهُ،
وَهَذِه الزِّيَادَة هُنَا لأبي ذَر، وَأبي الْوَقْت،
وَأَرَادَ بِهَذِهِ دفع قَول من يَقُول: إِن بَين يُوسُف
وَبَين صَالح بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن رجل هُوَ
عبد الْوَاحِد بن أبي عون، وَهُوَ رجل مَشْهُور ثِقَة،
فَيكون الحَدِيث مُنْقَطِعًا، وَقد ذكره الْبَزَّار فِي
رِوَايَته عَن مُحَمَّد بن عبد الْملك القريشي، وَعلي بن
مُسلم قَالَا: حَدثنَا يُوسُف بن أبي سَلمَة حَدثنَا عبد
الْوَاحِد بن أبي عون حَدثنِي صَالح بن إِبْرَاهِيم بِهِ،
ثمَّ قَالَ: هَذَا الحَدِيث لَا نعلمهُ يروي عَن عبد
الرَّحْمَن بن عَوْف عَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم إلاَّ من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا الْإِسْنَاد، ووثق
عبد الْوَاحِد فَأَشَارَ البُخَارِيّ بِهَذِهِ الزِّيَادَة
أَن سَماع يُوسُف عَن صَالح وَسَمَاع إِبْرَاهِيم عَن
أَبِيه ثَابت، فَالْحَدِيث مُتَّصِل.
2413 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عنْ مالِكٍ عنْ
يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ عنِ ابنِ أفْلَحَ عنْ أبِي محَمَّدٍ
مَوْلَى أبي قَتَادَة عنْ أبِي قتَادَةَ رَضِي الله
تَعَالَى عنهُ قَالَ خَرَجْنَا مَع رسولِ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم عامَ حُنَيْنٍ فلَمَّا الْتَقَيْنَا كانَتْ
لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلةٌ فرَأيْتُ رَجُلاً مِنَ
المُشْرِكِينَ عَلا رَجُلاً مِنَ المُسْلِمِينَ
فاسْتَدَرْتُ حتَّى أتَيْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ حتَّى
ضَرَبْتُهُ بالسَّيْفِ علَى حَبْلِ عاتِقِهِ فأقْبَلَ
عَلَيَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وجَدْتُ مِنْها رِيحَ المَوْتِ
ثُمَّ أدْرَكَهُ المَوْتُ فأرْسَلَنِي فَلَحِقْتُ عُمَرَ
بنَ الخَطَّابِ فقُلْتُ مَا بالُ النَّاسِ قَالَ أمْرُ
الله ثُمَّ إنَّ النَّاسَ رَجَعُوا وجَلَسَ النَّبِيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ مَنْ قَتَلَ قَتيلاً لَهُ
علَيْهِ بَيِّنَةٌ فلَهُ سَلَبُهُ فَقُمْتُ فَقُلْتُ مَنْ
يَشْهَدُ لي ثُمَّ جَلَسْتُ ثُمَّ قالَ مَنْ قتَلَ
قَتِيلاً لَهُ عليهِ بَيِّنَةٌ فلَهُ سَلْبُهُ فقلْتُ منْ
يَشْهَدُ لي ثُمَّ جَلَسْتُ ثمَّ قالَ الثَّالِثَةَ
مِثلَهُ فقالَ رَجُلٌ صَدَقَ يَا رسولَ الله وسَلَبُهُ
عِنْدِي فأرْضِه عنِّي فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ
رَضِي الله تَعَالَى عنهُ لَا الله إِذا يَعْمِدُ إِلَى
أسَدٍ منْ أُسْدِ الله يقاتِلُ عنِ الله ورَسُولِهِ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يُعْطِيكَ سلَبَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَدَقَ فأعْطَاهُ فبعْتُ
الدِّرْعَ فابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفاً فِي بَنِي سلَمَةَ
فإنَّهُ لأوَّلُ مالٍ تأثَّلْتُهُ فِي الإسْلامِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن السَّلب الَّذِي أَخذه
أَبُو قَتَادَة لم يُخَمّس، وَهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه
قد ذكر فِي كتاب الْبيُوع فِي: بَاب بيع السِّلَاح فِي
الْفِتْنَة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ مُخْتَصرا.
وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ وَابْن أَفْلح هُوَ عمر بن
كثير بن أَفْلح، وَأَبُو مُحَمَّد هُوَ نَافِع مولى أبي
قَتَادَة، وَأَبُو قَتَادَة الْحَارِث بن ربعي
الْأنْصَارِيّ.
وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، وَمن أخرجه غَيره،
ولطائف إِسْنَاده.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (عَام حنين) ، وَكَانَ فِي السّنة
الثَّامِنَة من الْهِجْرَة، وحنين وادٍ بَينه وَبَين
مَكَّة ثَلَاثَة أَمْيَال، وَهُوَ منصرف. قَوْله:
(جَوْلَة) ، أَي: بِالْجِيم أَي: دوران واضطراب، من جال
يجول إِذا دَار. قَوْله: (فاستدرت) ، من الدوران، هَذِه
رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين:
فاستدبرت من الاستدبار. قَوْله: (على حَبل عَاتِقه) ،
وَهُوَ مَوضِع الرِّدَاء من الْعُنُق، وَقيل: مَا بَين
الْعُنُق والمنكب، وَقيل: هُوَ عرق أَو عصب هُنَاكَ.
قَوْله: (مَا بَال النَّاس؟) أَي: مَا حَال النَّاس
منهزمين. قَوْله: (قَالَ: أَمر الله) ، أَي: قَالَ عمر:
جَاءَ أَمر الله تَعَالَى، وَيُقَال: مَعْنَاهُ مَا حَالهم
بعد الانهزام؟ فَقَالَ: أَمر الله غَالب وَالْعَاقبَة
لِلْمُتقين. قَوْله: (رجعُوا) أَي: بعد الانهزام. قَوْله:
(لَاها الله إِذا) ، كَذَا الرِّوَايَة بِالتَّنْوِينِ،
قَالَ الْخطابِيّ: وَالصَّوَاب فِيهِ: لَاها الله ذَا،
بِغَيْر ألف قبل الذَّال، وَمَعْنَاهُ: لَا وَالله
يجْعَلُونَ الْهَاء مَكَان الْوَاو، بِمَعْنى: وَالله لَا
يكون ذَا. وَقَالَ الْمَازرِيّ: مَعْنَاهُ: لَاها الله ذَا
يَمِيني أَو قسمي، وَقَالَ أَبُو زيد: ذَا، زَائِدَة،
وَفِي هَذَا لُغَتَانِ: الْمَدّ وَالْقصر، قَالُوا:
وَيلْزم الْجَرّ بعْدهَا كَمَا يلْزم بعد الْوَاو،
وَقَالُوا: وَلَا يجوز الْجمع بَينهمَا، فَلَا يُقَال:
لَاها وَالله. وَقَالَ أَبُو عُثْمَان الْمَازِني:
(15/68)
من قَالَ: لَاها الله إِذا، فقد أَخطَأ،
إِنَّمَا هُوَ: لَاها الله ذَا، وَقَالَ الْجَوْهَرِي:
هَا، للتّنْبِيه، وَقد يقسم بهَا يُقَال: لَاها الله مَا
فعلت، وَقَوْلهمْ: لَاها الله ذَا، أَن أَصله: لَا وَالله
هَذَا، ففرقت بَين: هَا وَذَا، وَتَقْدِيره: لَا وَالله
مَا فعلت هَذَا، وَقَالَ الْكرْمَانِي الْمَعْنى صَحِيح
على لفظ: إِذا، يَعْنِي بِالتَّنْوِينِ جَوَابا وَجَزَاء،
وَتَقْدِيره: لَا وَالله إِذا صدق لَا يكون أَو لَا يعمد،
ويروى بِرَفْع: الله، مُبْتَدأ و: هَا، للتّنْبِيه، و: لَا
يعمد، خَبره، قَوْله: (يعمد) بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف
وبالنون أَيْضا، وَكَذَلِكَ (يعطيك) بِالْيَاءِ وَالنُّون
أَي: لَا يقْصد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إِلَى رجل كالأسد يُقَاتل عَن جِهَة الله وَرَسُوله نصْرَة
فِي الدّين فَيَأْخُذ حَقه. قَوْله: (يعطيك) أَي: لَا
يعطيك أَيهَا الرجل المسترضي حق أبي قَتَادَة لَا وَالله
كَيفَ وَهُوَ أَسد الله؟ قَوْله: (إِلَى أسَدٍ مِن أُسْدِ
الله) ، الأول بِفتْحَتَيْنِ مُفْرد، وَالثَّانِي، بِضَم
الْهمزَة وَسُكُون السِّين جمع أَسد، (فَقَالَ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: صدق) . أَي: أَبُو بكر. قَوْله:
(فَأعْطَاهُ) أَي: فَأعْطى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أَبَا قَتَادَة الدرْع، وَمُقْتَضى الظَّاهِر أَن
يَقُول: فَأَعْطَانِي، فَعدل إِلَى الْغَيْبَة التفاتاً
أَو تجريداً، وَهُوَ مفعول ثَان، وَالْأول مَحْذُوف،
وَإِنَّمَا أعطَاهُ بِلَا بَيِّنَة لِأَنَّهُ، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، لَعَلَّه علم أَنه الْقَاتِل بطرِيق من
الطّرق، وَلَا يُقَال: إِن أَبَا قَتَادَة اسْتحق السَّلب
بِإِقْرَار من هُوَ فِي يَده، لِأَن المَال كَانَ
مَنْسُوبا إِلَى الْجَيْش جَمِيعهم، فَلَا اعْتِبَار
لإِقْرَاره. قَوْله: (فابتعت بِهِ مخرفاً) ، أَي: اشْتريت
بالدرع، أَي: بِثمنِهِ إِن كَانَ بَاعه، والمخرف، بِفَتْح
الْمِيم وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء
بعْدهَا فَاء، وَهُوَ الْبُسْتَان، وَقيل: الْحَائِط من
النّخل يخرف فِيهِ الرطب، أَي: يجتنى. قَوْله: (فِي بني
سَلمَة) بِكَسْر اللَّام. قَوْله: (تأثلته) ، أَي: جمعته،
وَهُوَ من بَاب التفعل، فِيهِ معنى التَّكَلُّف مَأْخُوذ
من الأثلة، وَهُوَ الأَصْل، أَي: اتخذته أصلا لِلْمَالِ،
ومادته: همزَة وثاء مُثَلّثَة وَلَام، يُقَال: مَال مؤثل
ومجد مؤثل، أَي: مَجْمُوع ذُو أصل.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: احْتج بِهِ من قَالَ: إِن
السَّلب من رَأس الْغَنِيمَة لَا من الْخمس، لِأَن إعطاءه
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا قَتَادَة كَانَ قبل
الْقِسْمَة لِأَنَّهُ نقل حِين برد الْقِتَال، وَأجَاب
أَصْحَابنَا وَمَالك عَنهُ، فَقَالَ: هَذَا حجَّة لنا
لِأَنَّهُ إِنَّمَا قَالَ ذَلِك بعد تقضي الْحَرْب، وَقد
حيزت الْغَنَائِم، وَهَذِه حَالَة قد سبق فِيهَا مِقْدَار
حق الْغَانِمين، وَهُوَ الْأَرْبَعَة الْأَخْمَاس على مَا
أوجبهَا الله لَهُم، فَيَنْبَغِي أَن يكون من الْخمس.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: هَذَا الحَدِيث أدل دَلِيل على
صِحَة مَذْهَب مَالك وَأبي حنيفَة، وَزعم من خَالَفنَا أَن
هَذَا الحَدِيث مَنْسُوخ بِمَا قَالَه يَوْم حنين، وَهُوَ
فَاسد لوَجْهَيْنِ. الأول: أَن الْجمع بَينهمَا مُمكن،
فَلَا نسخ. الثَّانِي: روى أهل السّير وَغَيرهم أَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ يَوْم بدر: من
قتل قَتِيلا فَلهُ سلبه، كَمَا قَالَه يَوْم حنين، وغايته
أَن يكون من بَاب تَخْصِيص الْعُمُوم. وَفِيه: أَن (لَاها
الله) ، يَمِين، وَلَكنهُمْ قَالُوا: إِنَّه كِنَايَة، إِن
نوى بهَا الْيَمين كَانَت يَمِينا، وإلاَّ فَلَا. قلت:
ظَاهر الحَدِيث يدل على أَنه يَمِين. وَفِيه: جَوَاز
كَلَام الْوَزير ورد مسَائِل الْأَمِير قبل أَن يعلم
جَوَاب الْأَمِير، كَمَا فعله أَبُو بكر، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، حِين قَالَ: (لَاها الله) . وَفِيه: إِذا
ادّعى رجل أَنه قتل رجلا بِعَيْنِه، وَادّعى سلبه هَل
يعْطى لَهُ؟ فَقَالَت طَائِفَة: لَا بُد من الْبَيِّنَة،
فَإِن أصَاب أحدا فَلَا بُد أَن يحلف مَعَه وَيَأْخُذهُ،
وَاحْتَجُّوا بِظَاهِر هَذَا الحَدِيث، وَبِه قَالَ
اللَّيْث وَالشَّافِعِيّ وَجَمَاعَة من أهل الحَدِيث،
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: لَا يحْتَاج إِلَيْهَا وَيُعْطى
بقوله. وَفِيه: من اسْتدلَّ بِهِ على دُخُول من لَا سهم
لَهُ فِي عُمُوم قَوْله: من قتل قَتِيلا، وَعَن
الشَّافِعِي: لَا يسْتَحق السَّلب إلاَّ من اسْتحق السهْم،
وَبِه قَالَ مَالك، لِأَنَّهُ إِذا لم يسْتَحق السهْم
فَلِأَن لَا يسْتَحق السَّلب بِالطَّرِيقِ الأولى، ورد
بِأَن السهْم علق على المظنة، وَالسَّلب يسْتَحق
بِالْفِعْلِ فَهُوَ أولى، وَهَذَا هُوَ الْأَصَح. وَفِيه:
أَن السَّلب مُسْتَحقّ للْقَاتِل الَّذِي أثخنه
بِالْقَتْلِ دون من وقف عَلَيْهِ. وَفِيه: أَن السَّلب
مُسْتَحقّ للْقَاتِل من كل مقتول حَتَّى لَو كَانَ
الْمَقْتُول امْرَأَة، وَبِه قَالَ أَبُو ثَوْر وَابْن
الْمُنْذر، وَقَالَ الْجُمْهُور: شَرطه أَن يكون
الْمَقْتُول من الْمُقَاتلَة، وَقَالَ ابْن قدامَة: وَيجوز
أَن يسلب الْقَتْلَى ويتركهم عُرَاة، قَالَه
الْأَوْزَاعِيّ، وَكَرِهَهُ الثَّوْريّ وَابْن الْمُنْذر.
91 - (بابُ مَا كانَ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يُعْطِي المُؤلَّفَةَ قُلوبُهُمْ وغَيْرَهُمْ مِنَ
الخُمْسِ ونَحْوهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا كَانَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يُعْطي الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم وهم ضعفاء
النِّيَّة فِي الْإِسْلَام وشرفاء يتَوَقَّع
بِإِسْلَامِهِمْ إِسْلَام نظرائهم. قَوْله: (وَغَيرهم) ،
أَي: الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم مِمَّن يظْهر لَهُ الْمصلحَة
فِي إِعْطَائِهِ. قَوْله: (وَنَحْوه) ، أَي: وَنَحْو
الْخمس، وَهُوَ مَال الْخراج والجزية والفيء.
(15/69)
(رَوَاهُ عبد الله بن زيد عَن النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -) أَي روى مَا ذكر
فِي التَّرْجَمَة عبد الله بن زيد بن عَاصِم الْأنْصَارِيّ
الْمَازِني الْمدنِي وَسَيَأْتِي حَدِيثه الطَّوِيل
مَوْصُولا فِي قصَّة حنين إِن شَاءَ الله تَعَالَى
50 - (حَدثنَا مُحَمَّد بن يُوسُف قَالَ حَدثنَا
الْأَوْزَاعِيّ عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب
وَعُرْوَة بن الزبير أَن حَكِيم بن حزَام رَضِي الله عَنهُ
قَالَ سَأَلت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فَأَعْطَانِي ثمَّ سَأَلته فَأَعْطَانِي ثمَّ
قَالَ لي يَا حَكِيم إِن هَذَا المَال خضر حُلْو فَمن
أَخذه بسخاوة نفس بورك لَهُ فِيهِ وَمن أَخذه بإشراف نفس
لم يُبَارك لَهُ فِيهِ وَكَانَ كَالَّذي يَأْكُل وَلَا
يشْبع وَالْيَد الْعليا خير من الْيَد السُّفْلى قَالَ
حَكِيم فَقلت يَا رَسُول الله وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ
لَا أرزأ أحدا بعْدك شَيْئا حَتَّى أُفَارِق الدُّنْيَا
فَكَانَ أَبُو بكر يَدْعُو حكيما ليعطيه الْعَطاء فيأبى
أَن يقبل مِنْهُ شَيْئا ثمَّ إِن عمر دَعَاهُ ليعطيه فَأبى
أَن يقبل فَقَالَ يَا معشر الْمُسلمين إِنِّي أعرض
عَلَيْهِ حَقه الَّذِي قسم الله لَهُ من هَذَا الْفَيْء
فيأبى أَن يَأْخُذهُ فَلم يرزأ حَكِيم أحدا من النَّاس بعد
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَتَّى
توفّي) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله سَأَلت رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأَعْطَانِي
ثمَّ سَأَلت فَأَعْطَانِي وَحَكِيم بن حزَام كَانَ من
الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم وَهُوَ بِفَتْح الْحَاء وَكسر
الْكَاف وحزام بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف
الزَّاي والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الزَّكَاة فِي بَاب
الاستعفاف فِي الْمَسْأَلَة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن
عَبْدَانِ عَن عبد الله عَن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ إِلَى
آخِره نَحوه وَتقدم الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى
قَوْله " لَا أرزأ " بِتَقْدِيم الرَّاء على الزَّاي أَي
لَا آخذ من أحد شَيْئا بعْدك وَأَصله النَّقْص
51 - (حَدثنَا أَبُو النُّعْمَان قَالَ حَدثنَا حَمَّاد بن
زيد عَن أَيُّوب عَن نَافِع أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله
عَنهُ قَالَ يَا رَسُول الله إِنَّه كَانَ على اعْتِكَاف
يَوْم فِي الْجَاهِلِيَّة فَأمره أَن يَفِي بِهِ قَالَ
وَأصَاب عمر جاريتين من سبي حنين فوضعهما فِي بعض بيُوت
مَكَّة قَالَ فَمن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - على سبي حنين فَجعلُوا يسعون فِي السكَك
فَقَالَ عمر يَا عبد الله انْظُر مَا هَذَا فَقَالَ من
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على
السَّبي قَالَ اذْهَبْ فَأرْسل الجاريتين قَالَ نَافِع
وَلم يعْتَمر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - من الْجِعِرَّانَة وَلَو اعْتَمر لم يخف على
عبد الله) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله وَأصَاب عمر
جاريتين من سبي حنين وَأَبُو النُّعْمَان هُوَ مُحَمَّد بن
الْفضل السدُوسِي وَهَذَا الحَدِيث يشْتَمل على ثَلَاثَة
أَحْكَام الأول فِي الِاعْتِكَاف أخرجه البُخَارِيّ فِي
كتاب الِاعْتِكَاف فِي بَاب إِذا نذر فِي الْجَاهِلِيَّة
أَن يعْتَكف ثمَّ أسلم فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبيد
بن إِسْمَاعِيل إِلَى آخِره لَكِن رَوَاهُ نَافِع هُنَاكَ
عَن ابْن عمر أَن عمر وَهنا عَن نَافِع أَن عمر هَذَا
مُرْسل لِأَنَّهُ لم يدْرك رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلَا عمر بن الْخطاب رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ فَكل مَا رَوَاهُ عَنْهُمَا فَهُوَ مُرْسل
وَقد مر الْكَلَام فِيهِ. الثَّانِي فِي الْمَنّ على
السَّبي وَهُوَ قَوْله قَالَ وَأصَاب عمر جاريتين وَهُوَ
أَيْضا مُرْسل وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ روى سُفْيَان بن
عُيَيْنَة عَن أَيُّوب حَدِيث الجاريتين فوصله عَنهُ قوم
وأرسله عَنهُ آخَرُونَ. الثَّالِث فِي الْعمرَة وَهُوَ
أَيْضا مُرْسل وَوَصله مُسلم قَالَ حَدثنَا أَحْمد بن
عَبدة الضَّبِّيّ حَدثنَا حَمَّاد بن زيد حَدثنَا أَيُّوب
عَن نَافِع قَالَ ذكر عِنْد ابْن عمر عمْرَة رَسُول الله
(15/70)
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من
الْجِعِرَّانَة فَقَالَ لم يعْتَمر مِنْهَا وَلَيْسَ فِي
قَول نَافِع حجَّة لِأَن ابْن عمر لَيْسَ كل مَا علمه حدث
بِهِ نَافِعًا وَلَا كل مَا حدث بِهِ حفظه نَافِع وَلَا كل
مَا علم ابْن عمر لَا ينساه وَالْعمْرَة من الْجِعِرَّانَة
أشهر من هَذَا وَأظْهر أَن يشك فِيهَا
(وَزَاد جرير بن حَازِم عَن أَيُّوب عَن نَافِع عَن ابْن
عمر قَالَ من الْخمس) أَرَادَ بِهَذَا أَن حَدِيث السَّبي
فِي رِوَايَة جرير بن حَازِم مَوْصُول وَأَن الَّذِي أصَاب
عمر جاريتين كَانَ من الْخمس قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ
حَدِيث جرير مَوْصُول وَحَمَّاد أثبت فِي أَيُّوب من جرير
(وَرَوَاهُ معمر عَن أَيُّوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر فِي
النّذر وَلم يقل يَوْم) أَي روى حَدِيث الِاعْتِكَاف معمر
بِفَتْح الميمين قيل اتّفقت الرِّوَايَات كلهَا على أَنه
بِفَتْح الميمين ابْن رَاشد وَقَالَ بَعضهم وَحكى بعض
الشُّرَّاح أَنه مُعْتَمر بِفَتْح الْمِيم وَبعد الْعين
تَاء مثناة من فَوق وَهُوَ تَصْحِيف قلت إِن أَرَادَ بِهِ
الْكرْمَانِي فَهُوَ لم يقل هَكَذَا وَإِنَّمَا عِبَارَته
معمر بِفَتْح الميمين ابْن رَاشد وَفِي بَعْضهَا مُعْتَمر
بِلَفْظ الْفَاعِل من الاعتمار وَكِلَاهُمَا أدْركَا
أَيُّوب وسمعا مِنْهُ وَالْأول أشهر قَوْله " فِي النّذر "
أَي فِي حَدِيث النّذر قَوْله " وَلم يقل يَوْم " يَعْنِي
لم يذكر لفظ يَوْم فِي قَوْله على اعْتِكَاف يَوْم وَيجوز
فِي يَوْم الْجَرّ بِالتَّنْوِينِ على طَرِيق الْحِكَايَة
وَيجوز النصب على الظَّرْفِيَّة
52 - (حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل قَالَ حَدثنَا جرير
بن حَازِم حَدثنَا الْحسن قَالَ حَدثنِي عَمْرو بن تغلب
رَضِي الله عَنهُ قَالَ أعْطى رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قوما وَمنع آخَرين فكأنهم
عتبوا عَلَيْهِ فَقَالَ إِنِّي أعطي قوما أَخَاف ظلعهم
وجزعهم وَأكل أَقْوَامًا إِلَيّ مَا جعل الله فِي قُلُوبهم
من الْخَيْر والغنى مِنْهُم عَمْرو بن تغلب فَقَالَ عَمْرو
بن تغلب مَا أحب أَن لي بِكَلِمَة رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حمر النعم) مطابقته
للتَّرْجَمَة فِي قَوْله أعْطى رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قوما. وَالْحسن هَذَا هُوَ
الْبَصْرِيّ وَعَمْرو بِالْوَاو بن تغلب بِفَتْح التَّاء
الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الْغَيْن الْمُعْجَمَة
وَكسر اللَّام وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة وَقد مر الحَدِيث
فِي كتاب الْجُمُعَة فِي بَاب من قَالَ فِي الْخطْبَة بعد
الثَّنَاء أما بعد فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد
بن معمر قَالَ حَدثنَا أَبُو عَاصِم عَن جرير بن حَازِم
إِلَى آخِره قَوْله " كَأَنَّهُمْ عتبوا عَلَيْهِ " أَي
لاموا قَالَ الْخَلِيل حَقِيقَة العتاب مُخَاطبَة الادلال
ومذاكرة الموجدة قَوْله " ظلعهم لَيْسَ هُنَاكَ "
وَإِنَّمَا هُنَاكَ لما رأى فِي قُلُوبهم من الْجزع والهلع
والظلع بِفَتْح الظَّاء الْمُعْجَمَة وَاللَّام وبالعين
الْمُهْملَة وَهُوَ الاعوجاج وأصل الظلع الْميل وَأطلق
هَهُنَا على مرض الْقلب وَضعف الْيَقِين قَوْله " وجزعهم "
بِالْجِيم وَالزَّاي قَوْله " وَأكل " أَي أفوض قَوْله "
من الْغنى " بِالْكَسْرِ وَالْقصر بِلَفْظ ضد الْفقر فِي
رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره من الْغناء
بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة ثمَّ نون ممدودة وَهُوَ
الْكِفَايَة قَوْله " بِكَلِمَة رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَي الَّتِي قَالَهَا فِي
حَقه وَهِي إِدْخَاله فِي أهل الْخَيْر والغناء وَيُقَال
المُرَاد الْكَلِمَة الَّتِي قَالَهَا فِي حق غَيره
فَالْمَعْنى لَا أحب أَن يكون لي حمر النعم بَدَلا من
الْكَلِمَة الْمَذْكُورَة الَّتِي لي أَو أَن يكون لي
ذَلِك وتقال تِلْكَ الْكَلِمَة فِي حق غَيْرِي قَوْله "
حمر النعم " قَالَ الْجَوْهَرِي النعم وَاحِد الانعام
وَهُوَ المَال الراعية وَأكْثر مَا يَقع هَذَا الِاسْم على
الْإِبِل والحمر بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون
الْمِيم
(وَزَاد أَبُو عَاصِم عَن جرير قَالَ سَمِعت الْحسن يَقُول
حَدثنَا عَمْرو بن تغلب أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أُتِي بِمَال أَو بسبي فَقَسمهُ
بِهَذَا) أَبُو عَاصِم هُوَ الضَّحَّاك الْمَشْهُور
بالنبيل أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ وَهَذَا من الْمَوَاضِع
الَّتِي علق البُخَارِيّ عَن بعض شُيُوخه مَا بَينه
وَبَينه وَاسِطَة وَسَاقه مَوْصُولا فِي أَوَاخِر
الْجُمُعَة وَأدْخل بَينه وَبَين أبي عَاصِم وَاسِطَة
حَيْثُ قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن معمر قَالَ حَدثنَا
أَبُو عَاصِم عَن جرير بن حَازِم وَقد ذَكرْنَاهُ الْآن
وَهنا روى عَنهُ بِوَاسِطَة وَتارَة يرْوى بِلَا وَاسِطَة
قَوْله أَو بسبي
(15/71)
بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون
الْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي رِوَايَة الْكشميهني بِشَيْء
بالشين الْمُعْجَمَة وَهُوَ أشمل وأعم من ذَلِك قَوْله "
بِهَذَا " أَي بِهَذَا الَّذِي ذكر فِي الحَدِيث
33 - (حَدثنَا أَبُو الْوَلِيد قَالَ حَدثنَا شُعْبَة عَن
قَتَادَة عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنِّي أعطي
قُريْشًا أتألفهم لأَنهم حَدِيث عهد بجاهلية) مطابقته
للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد
الْملك الطَّيَالِسِيّ وَأخرج البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث
مطولا ومختصرا فَأخْرجهُ فِي مَنَاقِب قُرَيْش عَن
سُلَيْمَان بن حَرْب وَفِي الْمَغَازِي عَن بنْدَار عَن
غنْدر وَفرق عَن أبي الْوَلِيد وآدَم على مَا يَجِيء
قَوْله " أتألفهم " أَي أطلب ألفهم قَوْله " لأَنهم حَدِيث
عهد " أَي قريب الْعَهْد بالْكفْر ويروى حديثوا عهد
بِصِيغَة الْجمع والْحَدِيث على وزن فعيل يستوى فِيهِ
الْمُذكر والمؤنث والمثنى وَالْجمع وَإِن كَانَ بِمَعْنى
الْفَاعِل
54 - (حَدثنَا أَبُو الْيَمَان قَالَ أخبرنَا شُعَيْب
قَالَ حَدثنَا الزُّهْرِيّ قَالَ أَخْبرنِي أنس بن مَالك
أَن نَاسا من الْأَنْصَار قَالُوا لرَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حِين أَفَاء الله على
رَسُوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من
أَمْوَال هوَازن مَا أَفَاء فَطَفِقَ يُعْطي رجَالًا من
قُرَيْش الْمِائَة من الْإِبِل فَقَالُوا يغْفر الله
لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
يُعْطي قُريْشًا ويدعنا وسيوفنا تقطر من دِمَائِهِمْ قَالَ
أنس فَحدث رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - بمقالتهم فَأرْسل إِلَى الْأَنْصَار فَجَمعهُمْ فِي
قبَّة من أَدَم وَلم يدع مَعَهم أحدا غَيرهم فَلَمَّا
اجْتَمعُوا جَاءَهُم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ مَا كَانَ حَدِيث بَلغنِي
عَنْكُم قَالَ لَهُ فقهاؤهم أما ذَوُو رَأينَا يَا رَسُول
الله فَلم يَقُولُوا شَيْئا وَأما أنَاس منا حَدِيثَة
أسنانهم فَقَالُوا يغْفر الله لرَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُعْطي قُريْشًا وَيتْرك
الْأَنْصَار وسيوفنا تقطر من دِمَائِهِمْ فَقَالَ رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنِّي أعطي
رجَالًا حَدِيث عَهدهم بِكفْر أما ترْضونَ أَن يذهب
النَّاس بالأموال وترجعون إِلَى رحالكُمْ برَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فو الله مَا تنقلبون
بِهِ خير مِمَّا يَنْقَلِبُون بِهِ قَالُوا بلَى يَا
رَسُول الله قد رَضِينَا فَقَالَ لَهُم إِنَّكُم
سَتَرَوْنَ بعدِي أَثَرَة شَدِيدَة فَاصْبِرُوا حَتَّى
تلقوا الله وَرَسُوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - على الْحَوْض قَالَ أنس فَلم نصبر) مطابقته
للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع
قَوْله " فَطَفِقَ " بِمَعْنى أَخذ فِي الْفِعْل وَجعل
يفعل وَهُوَ من أَفعَال المقاربة قَوْله " الْمِائَة من
الْإِبِل " ذكر ابْن إِسْحَاق الَّذين أَعْطَاهُم رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْمئِذٍ
مائَة من الْإِبِل يتألفهم ويتألف بهم قَومهمْ هم أَبُو
سُفْيَان صَخْر بن حَرْب وَابْنه مُعَاوِيَة وَحَكِيم بن
حزَام والْحَارث بن الْحَارِث بن كلدة والْحَارث بن هِشَام
وَسَهل بن عَمْرو وَحُوَيْطِب بن عبد الْعُزَّى والْعَلَاء
بن حَارِثَة الثَّقَفِيّ وعيينة بن حصن وَصَفوَان بن
أُميَّة والأقرع بن حَابِس وَمَالك بن عَوْف النصري
فَهَؤُلَاءِ أَصْحَاب المئين وَأعْطى دون الْمِائَة
رجَالًا من قُرَيْش مِنْهُم مخرمَة بن نَوْفَل الزُّهْرِيّ
وَعُمَيْر بن وهب الجُمَحِي وَهِشَام بن عمر وأخو بني
عَامر قَالَ ابْن اسحاق لَا أحفظ مَا أَعْطَاهُم وَقد عرفت
أَنَّهَا دون الْمِائَة وَأعْطى سعد بن يَرْبُوع بن عنكثة
بن عَامر بن مَخْزُوم خمسين من الْإِبِل والسهمي كَذَلِك
وَقَالَ ابْن هِشَام واسْمه عدي بن قيس وَأعْطى عَبَّاس بن
مرداس أباعر قَليلَة وَقَالَ ابْن التِّين أَنهم فَوق
الْأَرْبَعين وعد مِنْهُم عِكْرِمَة بن أبي جهل قَوْله "
فَحدث رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
" على صِيغَة الْمَجْهُول أَي أخبر رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا قَالَه أنَاس من
الْأَنْصَار قَوْله " فقهاؤهم " أَي أَصْحَاب الْفَهم
وَالْعلم واشتقاق الْفِقْه فِي الأَصْل من الْفَهم
وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ مَا جعله الْعرف خَاصّا بِعلم
الشَّرِيعَة وتخصيصا بِعلم -
(15/72)
الْفُرُوع مِنْهَا. قَوْله: (أما ذَوُو
رَأينَا) أَي: أما أَصْحَاب رَأينَا الَّذين ترجع
إِلَيْهِم الْأُمُور فَلم يَقُولُوا شَيْئا من ذَلِك.
قَوْله: (حَدِيثَة أسنانهم) أَرَادوا بهم الشبَّان
الْجُهَّال الَّذين مَا تمكنوا من القَوْل بِالصَّوَابِ.
وَقَوله: (أسنانهم) مَرْفُوع: بحَديثه. قَوْله: (إِلَى
رجالكم) ، هُوَ جمع الرحل، وَهُوَ مسكن الرجل وَمَا
يستصحبه من الْمَتَاع. قَوْله: (خير) أَي: رَسُول الله،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير من المَال، قَوْله: (أَثَرَة)
بِفَتْح الْهمزَة والثاء الْمُثَلَّثَة: وَهُوَ اسْم من
آثر يُؤثر إيثاراً إِذا أعْطى يُقَال: اسْتَأْثر فلَان
بالشَّيْء أَي: استبد بِهِ، وَأَرَادَ اسْتِقْلَال
الْأُمَرَاء بالأموال وحرمانكم مِنْهَا، وَهَذَا مر فِي
كتاب الشّرْب.
8413 - حدَّثنا عبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله
الأوَيْسِيُّ قَالَ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عنْ
صالِحٍ عنِ ابنِ شِهابٍ قَالَ أخبرَني عُمَرُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ أنَّ مُحَمَّدَ بنَ
جُبَيْرٍ قَالَ أخْبَرَني جُبَيْرُ بنُ مُطْعِمٍ أنَّهُ
بَيْنا هُوَ مَعَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ومَعَهُ النَّاسُ مُقْبِلاً مِنْ حُنَيْنٍ علِقَتْ رسولَ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الأعْرَابُ يَسْألُونَهُ
حتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى سَمُرَةٍ فَخَطِفَتْ رِدَاءَهُ
فوَقَفَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الأعْرابُ
يَسْألُونَهُ حتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى سَمُرَةٍ فَخَطِفَتْ
رِدَاءَهُ فوَقَفَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ أعْطُونِي رِدَائي فَلَوْ كانَ عَدَدُ هَذِهِ
العِضَاهِ نَعَماً لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ ثُمَّ لاَ
تَجِدُوني بَخِيلاً ولاَ كذُوباً وَلا جبَانَاً. (انْظُر
الحَدِيث 1282) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تستأنس من قَوْله: (لقسمتُه
بَيْنكُم) وَإِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد
الرَّحْمَن بن عَوْف، وَصَالح هُوَ ابْن كيسَان.
والْحَدِيث مر فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بَاب الشجَاعَة فِي
الْحَرْب والجبن فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن أبي
الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ عَن عمر بن
مُحَمَّد ... إِلَى آخِره.
قَوْله: (مُقبلا) ، نصب على الْحَال، وَوَقع فِي رِوَايَة
الْكشميهني: مقفله أَي: مرجعه. قَوْله: (إِلَى سَمُرَة) ،
بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَضم الْمِيم: وَهِي شَجَرَة
طَوِيل مُتَفَرِّقَة الرَّأْس قَليلَة الظل صَغِيرَة
الْوَرق والشوك صلب الْخشب. قَوْله: (فخطفت رِدَاءَهُ)
أَي: خطفت السمرَة على سَبِيل الْمجَاز أَو خطفت
الْأَعْرَاب. قَوْله: (العضاه) هُوَ شجر الشوك كالطلح
والعوسج والسدر، واحدتها: عضة، كشفة وشفاه، وَأَصلهَا عضهة
وشفهة، فحذفت الْهَاء وَقيل: وَاحِدهَا عضاهة، وَقد مر
تَحْقِيق الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
9413 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ قَالَ حدَّثنا مالِكٌ
عنْ إسْحَاقَ بنِ عَبْدِ الله عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ كُنْتُ أمْشِي مَعَ النَّبِيِّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ
غَلِيظُ الحَاشِيَةِ فأدْرَكَهُ أعْرَابِيٌّ فَجَذَبَهُ
جَذْبَةً شَدِيدَةً حتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عاتِقِ
النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَدْ أثَرْتَ بِهِ
حاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جذْبَتِهِ ثُمَّ قالَ
مُرْ لِي مِنْ مالِ الله الَّذِي عِنْدَكَ فالْتَفَتَ
إلَيْهِ فضَحِكَ ثُمَّ أمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهُ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أعْطى لهَذَا الْأَعرَابِي مَعَ إساءته فِي
حَقه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تألفاً لَهُ، وَإِسْحَاق بن
عبد الله بن أبي طَلْحَة أَبُو يحيى الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي اللبَاس عَن
إِسْمَاعِيل بن أبي أويس وَفِي الْأَدَب عَن عبد الْعَزِيز
بن عبد الله الأويسي. وَأخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن
عَمْرو بن مُحَمَّد النَّاقِد وَعَن يُونُس بن عبد
الْأَعْلَى، وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي اللبَاس عَن يُونُس
بن عبد الْأَعْلَى بِهِ مُخْتَصرا.
قَوْله: (وَعَلِيهِ برد نجراني) الْوَاو فِيهِ للْحَال،
وَالْبرد، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة: وَهُوَ نوع من
الثِّيَاب مَعْرُوف، وَالْجمع أبراد وبرود، ونجراني:
بالنُّون الْمَفْتُوحَة وَسُكُون الْجِيم وبالراء: نِسْبَة
إِلَى نَجْرَان، بلد بِالْيمن. قَوْله: (إِلَى صفحة عاتق
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، صفح كل شَيْء وَجهه
وناحيته، والعاتق مَا بَين الْمنْكب والعنق. قَوْله:
(جذبة) ، الجذبة والجبذة بِمَعْنى وَاحِد.
وَفِيه: لطف رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وحلمه
وَكَرمه، وَأَنه لعلى خلق عَظِيم.
0513 - حدَّثنا عُثْمَانُ بنُ أبِي شَيْبَةَ قَالَ حدَّثنا
جَرِيرٌ عنْ مَنْصُورٍ عنْ أبِي وَائِلٍ عنْ عَبْدِ الله
(15/73)
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ لَمَّا
كانَ يَوْمَ حُنَيْنٍ آثَرَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أُناساً فِي القِسْمَةِ فأعْطَى الأقْرعَ بنَ
حَابِسٍ مِائَةً مِنَ الإبلِ وأعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ
ذَلِكَ وأعْطَى أُنَاساً مِنْ أشْرَافِ العَرَبِ
فآثَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي القِسْمَةِ قَالَ رَجُلٌ وَالله
إنَّ هَذِهِ القِسْمَةَ مَا عُدِلَ فِيها وَمَا أُرِيدَ
بِهَا وجْهُ الله فَقُلْتُ وَالله لأُخْبِرَنَّ النَّبِيَّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأتَيْتُهُ فأخْبَرْتُهُ فَقَالَ
فَمَنْ يَعْدِلُ إذَا لَمْ يَعْدِلِ الله ورسُولُهُ رَحِمَ
الله مُوساى قدْ أُوذِيَ بِأكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَجَرِير بِفَتْح الْجِيم
ابْن عبد الحميد، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر،
وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي الْمَغَازِي عَن
قُتَيْبَة، وَأخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن زُهَيْر بن
حَرْب.
قَوْله: (آثر) بِالْمدِّ أَي: اخْتَار أُنَاسًا فِي
الْقِسْمَة بِالزِّيَادَةِ، والأقرع بن حَابِس، بِالْحَاء
الْمُهْملَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي آخِره سين
مُهْملَة: ابْن عقال بن مُحَمَّد بن سُفْيَان بن مجاشع
التَّمِيمِي الْمُجَاشِعِي الدَّارمِيّ، أحد الْمُؤَلّفَة
قُلُوبهم، وَكَانَ الْأَقْرَع وعيينة بن حصن شَهدا مَعَ
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتح مَكَّة وحنيناً
والطائف، وَقَالَ الذَّهَبِيّ: قَالَ ابْن دُرَيْد: اسْمه
فرَاش، ولقبه الْأَقْرَع لقرع بِرَأْسِهِ، وَكَانَ أحد
الْأَشْرَاف وَاسْتَعْملهُ عبد الله بن عَامر على جَيش
سيَّره إِلَى خُرَاسَان فأصيب هُوَ والجيش بجوزجان،
وعيينة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْيَاء آخر
الْحُرُوف الأولى وَسُكُون الثَّانِيَة أَبُو حصن بن
حُذَيْفَة بن بدر الْفَزارِيّ من الْمُؤَلّفَة، قَالَ
الذَّهَبِيّ: وَكَانَ أَحمَق مُطَاعًا، دخل على النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِغَيْر إِذن وأساء الْأَدَب،
فَصَبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على جفوته
وأعرابيته، وَقد ارْتَدَّ وآمن بطليحة ثمَّ أسر فمنَّ
عَلَيْهِ الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ثمَّ لم يزل
مظْهرا لِلْإِسْلَامِ، واسْمه حُذَيْفَة ولقبه عُيَيْنَة
لشتر عينه. قَوْله: (فَقَالَ رجل)
. قَوْله: (أَو مَا أُرِيد فِيهَا) أَي: فِي هَذِه
الْقِسْمَة، وَكلمَة: أَو، شكّ من الرَّاوِي وَفِي مُسلم
بِالْوَاو من غير شكّ. قَوْله: (فَأَخْبَرته) ، وَفِي
رِوَايَة مُسلم بعده: بِمَا قَالَ، قَالَ: فَتغير وَجهه
حَتَّى كَانَ كالصرف، بِكَسْر الصَّاد الْمُهْملَة
وَسُكُون الرَّاء وَفِي آخِره فَاء، وَهُوَ صبغ أَحْمَر
يصْبغ بِهِ الْجُلُود، وَقَالَ ابْن دُرَيْد: وَقد يُسمى
الدَّم صرفا، وَفِي رِوَايَة أُخْرَى لَهُ: قَالَ: فَأتيت
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فساررته فَغَضب من ذَلِك
غَضبا شَدِيدا واحمرَّ وَجهه حَتَّى تمنيت أَنِّي لم أذكر
لَهُ، وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: حكم الشَّرْع أَن من سبّ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كفر وَقتل، وَلم يذكر
فِي هَذَا الحَدِيث أَن الرجل قتل، وَقَالَ الْمَازرِيّ:
يحْتَمل أَن يكون لم يفهم مِنْهُ الطعْن فِي النُّبُوَّة،
وَإِنَّمَا نسبه إِلَى ترك الْعدْل فِي الْقِسْمَة
فَلَعَلَّهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لم يُعَاقب هَذَا
الرجل لِأَنَّهُ لم يثبت عَلَيْهِ ذَلِك، وَإِنَّمَا نَقله
عَنهُ وَاحِد، وبشهادة الْوَاحِد لَا يراق الدَّم. قَوْله:
(أوذي) ، على صِيغَة الْمَجْهُول.
1513 - حدَّثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنِ قالَ حدَّثنا أبُو
أسَامَةَ قَالَ حدَّثنا هِشامٌ قَالَ أخْبَرَنِي أبي عنْ
أسْمَاءَ ابْنَةِ أبي بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُمَا قالَتْ كُنْتُ أنْقُلُ النَّوَى مِنْ أرْضِ
الزُّبَيْرِ الَّتِي أقْطَعَهُ رسُولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم علَى رَأسِي وهْيَ مِنِّي علَى ثُلُثَيْ
فَرْسَخٍ. (الحَدِيث 1513 طرفه فِي: 4225) .
وَجه الْمُطَابقَة بَينه وَبَين قَوْله فِي التَّرْجَمَة:
وَغَيرهم، أَي: وَغير الْمُؤَلّفَة، وَفِي قَوْله:
وَغَيره، أَي: وَغير الْخمس يُؤْخَذ من هَذَا وَفِيه دقة.
وغيلان، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة، وَأَبُو أُسَامَة
حَمَّاد بن أُسَامَة، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة يروي عَن
أَبِيه عُرْوَة ابْن الزبير بن الْعَوام.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ مطولا فِي النِّكَاح وَلم
يذكر هُنَا إلاَّ قصَّة النَّوَوِيّ. وَأخرجه مُسلم فِي
النِّكَاح عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَفِي
الاسْتِئْذَان عَن أبي كريب، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي
عشرَة النِّسَاء عَن مُحَمَّد بن عبد الله
(15/74)
ابْن الْمُبَارك.
قَوْله: (أقطعه) أَي: أعطَاهُ قِطْعَة من الْأَرَاضِي
الَّتِي جعلت الْأَنْصَار لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، حِين قدم الْمَدِينَة، أَو من أَرَاضِي بني
النَّضِير، كَمَا فِي الحَدِيث بعده. قَوْله: (على
رَأْسِي) ، يتَعَلَّق بقوله: انقل. قَوْله: (وَهِي) ، أَي
الأَرْض الَّتِي أقطعه.
وَقَالَ أبُو ضَمْرَةَ عنْ هِشامٍ عنْ أبِيهِ أنَّ
النَّبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقْطَعَ الزُّبَيْرَ
أرْضَاً مِنْ أمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ
أَبُو ضَمرَة، بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَسُكُون
الْمِيم وبالراء: اسْمه أنس بن عِيَاض، وَهِشَام هُوَ ابْن
عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام. وَأَشَارَ بِهَذَا
التَّعْلِيق إِلَى أَن أَبَا ضَمرَة خَالف أُسَامَة فِي
وَصله فَأرْسلهُ كَمَا نرى، وَأَيْضًا فِيهِ تعْيين
الأَرْض الْمَذْكُورَة وَأَنَّهَا كَانَت مِمَّا أَفَاء
الله تَعَالَى على رَسُوله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من
أَمْوَال بني النَّضِير، فأقطع الزبير مِنْهَا، وَبِهَذَا
يُجَاب عَن إِشْكَال الْخطابِيّ حَيْثُ قَالَ: لَا أَدْرِي
كَيفَ أقطع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَرض
الْمَدِينَة وَأَهْلهَا قد أَسْلمُوا راغبين فِي الدّين
إلاَّ أَن يكون المُرَاد مَا وَقع من الْأَنْصَار أَنهم
جعلُوا للنَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَا لَا يبلغهُ
المَاء من أَرضهم فأقطع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لمن شَاءَ مِنْهُ.
2513 - حدَّثني أحْمَدُ بنُ الْمِقْدَامِ قَالَ حدَّثنا
الْفُضَيْلُ بنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حدَّثنا مُوسى بنُ
عُقْبَةَ قَالَ أخبرَنِي نافِعٌ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي
الله تَعَالَى عنهُما أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ أجْلَى
الْيَهُودَ والنَّصارى مِنْ أرْضِ الحِجَازِ وكانَ رسولُ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَمَّا ظَهرَ على أهْلِ
خَيْبَرَ أرادَ أنْ يُخْرِجَ اليَهُودَ مِنها وكانَتِ
الأرْضُ لَمَّا ظَهَرَ علَيْهَا لِلْيَهُودَ ولِلْرَّسُولِ
ولِلْمُسْلِمِينَ فَسأل الْيَهُودُ رسولَ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَن يَتْرُكَهُمْ علَى أنْ يَكفُوا العَملَ
ولَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ فَقالَ رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم نُقِرُّكُمْ على ذَلِكَ مَا شِئْنَا
فأُقِرُّوا حَتَّى أجْلاهُمْ عُمَرُ فِي إمارَتِهِ إِلَى
تَيْماءَ وأرِيحا. .
قيل: لَا مُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة هُنَا
لِأَنَّهُ لَيْسَ للعطاء فِيهِ ذكر. وَأجِيب: بِأَن فِيهِ
جِهَات قد علم من مَكَان آخر أَنَّهَا كَانَت جِهَات
عَطاء، فَبِهَذَا الطَّرِيق يدْخل تَحت التَّرْجَمَة.
وَأحمد بن الْمِقْدَام بن سُلَيْمَان الْعجلِيّ
الْبَصْرِيّ، والفضيل مصغر فضل النميري الْبَصْرِيّ.
وَقد مر الحَدِيث فِي كتاب الْمُزَارعَة فِي: بَاب إِذا
قَالَ رب الأَرْض أقرك بِمَا أقرك الله، فَإِنَّهُ أخرجه
هُنَاكَ مطولا عَن أَحْمد بن الْمِقْدَام عَن فُضَيْل بن
سُلَيْمَان عَن مُوسَى عَن نَافِع عَن ابْن عمر ... إِلَى
آخِره، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (أجلى الْيَهُود وَالنَّصَارَى) ، أَي: أخرجهم من
وطنهم، يُقَال: أجليت الْقَوْم عَن وطنهم وجلوتهم، وجلى
الْقَوْم وأجلوا وجلوا، وَإِنَّمَا فعل هَذَا عمر لقَوْله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يبْقين دينان بِجَزِيرَة
الْعَرَب، وَالصديق اشْتغل عَنهُ بِقِتَال أهل الرِّدَّة،
أَو لم يبلغهُ الْخَبَر، وَالله أعلم. قَوْله: (للْيَهُود
وَلِلرَّسُولِ وللمسلمين) هَكَذَا فِي رِوَايَة
الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة ابْن السكن: لما ظهر
عَلَيْهَا لله وَلِلرَّسُولِ، قيل: هَذَا هُوَ الصَّوَاب،
وَقَالَ ابْن أبي صفرَة: وَالَّذِي فِي الأَصْل صَحِيح
أَيْضا، قَالَ: وَالْمرَاد بقوله: (لما ظهر عَلَيْهَا) ،
أَي: لما ظهر على فتح أَكْثَرهَا قبل أَن يسْأَله
الْيَهُود أَن يصالحوه فَكَانَت للْيَهُود، فَلَمَّا
صَالحهمْ على أَن يسلمُوا لَهُ الأَرْض كَانَت لله
وَلِلرَّسُولِ، وَيحْتَمل أَن يكون على حذف مُضَاف أَي:
ثَمَرَة الأَرْض، وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد بِالْأَرْضِ
مَا هِيَ أَعم من المفتتحة وَغير المفتتحة، وَالْمرَاد
بظهوره عَلَيْهَا: غلبته لَهُم، فَكَانَت حِينَئِذٍ بعض
الأَرْض للْيَهُود وَبَعضهَا للرسول وللمسلمين. قَوْله:
(نقرَّكم) من التَّقْرِير، هَذِه رِوَايَة الْكشميهني،
وَفِي رِوَايَة غَيره: نترككم. قَوْله: (تيماء) ، بِفَتْح
التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الْيَاء آخر
الْحُرُوف وبالمد، قَالَ ابْن قرقول هِيَ من أُمَّهَات
الْقرى على الْبَحْر من بِلَاد طَيء، مِنْهَا يخرج إِلَى
الشَّام. وَقَالَ الْبكْرِيّ: قَالَ السكونِي: ترتحل من
الْمَدِينَة وَأَنت تُرِيدُ تيماء فتنزل الصَّهْبَاء
لأشجع، ثمَّ تنزل الثمدى لأشجع، ثمَّ تنزل الْعين ثمَّ
سلاج لبني عذرة، ثمَّ تسير ثَلَاث لَيَال فِي الجناب ثمَّ
تنزل تيماء، وَهُوَ لطي، قَوْله: (وأريحاء) ، بِفَتْح
(15/75)
الْهمزَة وَكسر الرَّاء وَبِالْحَاءِ
الْمُهْملَة، قَالَ الْبكْرِيّ: أرِيحَا قَرْيَة بِالشَّام
وَهِي أَرض سميت بأريحا بن لمك بن أرفخشذ بن سَام ابْن
نوح، عَلَيْهِ السَّلَام، وَالله تَعَالَى أعلم.
02 - (بابُ مَا يُصِيبُ مِنَ الطَّعامِ فِي أرْضِ
الحَرْبِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم مَا يُصِيب الْمُجَاهِد من
الطَّعَام فِي دَار الْحَرْب هَل يُؤْخَذ مِنْهُ الْخمس
أَو هَل يُبَاح أكله للغزاة؟ وَفِيه خلاف، فَعِنْدَ
الْجُمْهُور: لَا بَأْس بِأَكْل الطَّعَام فِي دَار
الْحَرْب بِغَيْر إِذن الإِمَام مَا داموا فِيهَا
فَيَأْكُلُونَ مِنْهُ قدر حَاجتهم، وَلَا بَأْس بِذبح
الْبَقر وَالْغنم قبل أَن يَقع فِي المقاسم، هَذَا قَول
اللَّيْث وَالْأَرْبَعَة وَالْأَوْزَاعِيّ وَإِسْحَاق،
وَاتَّفَقُوا أَيْضا على جَوَاز ركُوب دوابهم وَلبس
ثِيَابهمْ وَاسْتِعْمَال سِلَاحهمْ حَال الْحَرْب، ورده
بعد انْقِضَاء الْحَرْب، وَقَالَ الزُّهْرِيّ: لَا يَأْخُذ
شَيْئا من الطَّعَام وَغَيره إلاَّ بِإِذن الإِمَام،
وَقَالَ سُلَيْمَان بن مُوسَى: يَأْخُذ إلاَّ أَن ينْهَى
الإِمَام.
3513 - حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ
عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلالٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ مُغَفَّلٍ
رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ كُنَّا مُحَاصِرِينَ
قَصْرَ خَيْبَرَ فرَمَى إنْسَانٌ بِجِرَابٍ فِيهِ شَحْمٌ
فنَزَوْت لآِخُذَهُ فالْتَفَتُّ فإذَا النَّبِيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم رَآهُ وَلم يُنكر عَلَيْهِ. فَإِن قلت:
قَالَ: (فنزوت لآخذه) وَلَيْسَ فِيهِ أَنه أَخذه حَتَّى
يَتَأَتَّى عدم الأنكار. قلت: جَاءَ فِي رِوَايَة
سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة عَن حميد بن هِلَال عَن عبد الله
بن مُغفل، قَالَ: أصبت جراباً من شَحم يَوْم خَيْبَر،
قَالَ: فالتزمته فَقلت: لَا أعطي الْيَوْم أحدا من هَذَا
شَيْئا. رَوَاهُ مُسلم عَن شَيبَان بن فروخ عَن سُلَيْمَان
ابْن الْمُغيرَة.
وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ،
وَعبد الله بن مُغفل بالغين الْمُعْجَمَة وَالْفَاء.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي
وَفِي الذَّبَائِح عَن أبي الْوَلِيد وَفِي الْمَغَازِي
أَيْضا عَن عبد الله بن مُحَمَّد. وَأخرجه مُسلم فِي
الْمَغَازِي عَن بنْدَار عَن سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة،
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْجِهَاد عَن مُوسَى بن
إِسْمَاعِيل والقعنبي. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي
الذَّبَائِح عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم.
قَوْله: (بجراب) ، هُوَ: المزود، وَقَالَ الْقَزاز: هُوَ
بِفَتْح الْجِيم وَهُوَ وعَاء من جُلُود، وَفِي (غرائب
الْمُدَوَّنَة) : هُوَ بِكَسْر الْجِيم وَفتحهَا. وَقَالَ
صَاحب (الْمُنْتَهى) : الجراب، بِالْكَسْرِ والعامة تفتحه،
وَجمعه: أجربة وجُرب بِإِسْكَان الرَّاء وَفتحهَا. قَوْله:
(فنزوت) ، بالنُّون وَالزَّاي أَي: وَثَبت مسرعاً. قَوْله:
(فَإِذا النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: هُنَاكَ
وَنَحْوه، لِأَن كلمة: إِذا، الَّتِي للمفاجأة تقع بعْدهَا
الْجُمْلَة. قَوْله: (فَاسْتَحْيَيْت مِنْهُ) ، أَي: من
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إراد أَنه استحيى
مِنْهُ من فعل ذَلِك.
وَفِيه: إِشَارَة إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ من توقير
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمن الْإِعْرَاض عَن
خوارم الْمُرُوءَة. وَفِيه: جَوَاز أكل الشحوم الَّتِي
تُوجد عِنْد الْيَهُود، وكات مُحرمَة عَلَيْهِم وكرهها
مَالك وَعنهُ تَحْرِيمهَا، وَكَذَا عَن أَحْمد، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ.
4513 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا حَمَّادُ بنُ
زَيْدٍ عنْ أيُّوبَ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله
تَعَالَى عنهُما قَالَ كُنَّا نُصِيبُ فِي مَغَازِينَا
العَسَلَ والعِنَبَ فنَأكُلُهُ وَلَا نَرْفَعُهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. قَوْله: (الْعَسَل)
بِالنّصب مفعول: نصيب، وَعند أبي نعيم من رِوَايَة يُونُس
بن مُحَمَّد، وَعند الْإِسْمَاعِيلِيّ من رِوَايَة أَحْمد
بن إِبْرَاهِيم، كِلَاهُمَا عَن حَمَّاد بن زيد فَزَاد
فِيهِ: والفواكه، وروى الْإِسْمَاعِيلِيّ أَيْضا من طَرِيق
ابْن الْمُبَارك عَن حَمَّاد بن زيد بِلَفْظ: كُنَّا نصيب
الْعَسَل وَالسمن فِي الْمَغَازِي فنأكله، وَمن طَرِيق
جرير بن حَازِم عَن أَيُّوب، بِلَفْظ: أصبْنَا طَعَاما
وأغناماً يَوْم اليرموك، وَهَذَا مَوْقُوف يُوَافق
الْمَرْفُوع، لِأَن يَوْم اليرموك كَانَ بعد النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، قَوْله: (وَلَا نرفعه) ، أَي: وَلَا
نحمله للادخار. قيل: وَيحْتَمل أَن يُرِيد، وَلَا نرفعه
إِلَى مُتَوَلِّي الْقِسْمَة أَو إِلَى النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لأجل الاسْتِئْذَان، وَفِيه مَا فِيهِ.
4513 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا حَمَّادُ بنُ
زَيْدٍ عنْ أيُّوبَ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله
تَعَالَى عنهُما قَالَ كُنَّا نُصِيبُ فِي مَغَازِينَا
العَسَلَ والعِنَبَ فنَأكُلُهُ وَلَا نَرْفَعُهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. قَوْله: (الْعَسَل)
بِالنّصب مفعول: نصيب، وَعند أبي نعيم من رِوَايَة يُونُس
بن مُحَمَّد، وَعند الْإِسْمَاعِيلِيّ من رِوَايَة أَحْمد
بن إِبْرَاهِيم، كِلَاهُمَا عَن حَمَّاد بن زيد فَزَاد
فِيهِ: والفواكه، وروى الْإِسْمَاعِيلِيّ أَيْضا من طَرِيق
ابْن الْمُبَارك عَن حَمَّاد بن زيد بِلَفْظ: كُنَّا نصيب
الْعَسَل وَالسمن فِي الْمَغَازِي فنأكله، وَمن طَرِيق
جرير بن حَازِم عَن أَيُّوب، بِلَفْظ: أصبْنَا طَعَاما
وأغناماً يَوْم اليرموك، وَهَذَا مَوْقُوف يُوَافق
الْمَرْفُوع، لِأَن يَوْم اليرموك كَانَ بعد النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، قَوْله: (وَلَا نرفعه) ، أَي: وَلَا
نحمله للادخار. قيل: وَيحْتَمل أَن يُرِيد، وَلَا نرفعه
إِلَى مُتَوَلِّي الْقِسْمَة أَو إِلَى النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لأجل الاسْتِئْذَان، وَفِيه مَا فِيهِ.
(15/76)
5513 - حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا
عَبْدُ الوَاحِدِ قَالَ حدَّثنا الشَّيْبَانِي قَالَ
سَمِعْتُ ابنَ أبِي أوْفَى رَضِي الله تَعَالَى عنهُما
يَقُولُ أصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ لَيَالِيَ خَيْبَرَ فلَمَّا
كانَ يَوْمُ خَيْبَرَ وقَعْنَا فِي الحُمُرِ الأهْلِيَّةِ
فانْتَحَرْنَاهَا فلَمَّا غَلَتِ القُدُورُ نادَى مُنادي
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اكْفِؤُوا القُدُورَ
فَلا تَطْعَمُوا مِنْ لُحُومِ الحُمْرِ شَيْئاً: قَالَ
عَبْدُ الله فَقُلْنَا إنَّما نَهَى النَّبِيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لأِنَّهَا لَمْ تُخَمَّسْ قَالَ وَقَالَ
آخَرُونع حَرَّمَهَا البَتَّةَ وسألْتُ سَعِيدَ بنَ
جُبَيْرٍ فَقَالَ حَرَّمَهَا البَتَّةَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن عَادَتهم جرت
بالإسراع إِلَى المأكولات، وَلَوْلَا ذَلِك مَا أقدموا
بِحَضْرَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على ذَلِك،
فَلَمَّا أمروا بالإراقة كفوا.
وَعبد الْوَاحِد بن زِيَاد الْعَبْدي الْبَصْرِيّ،
والشيباني، بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء
آخر الْحُرُوف وبالباء الْمُوَحدَة وَالنُّون: هُوَ
سُلَيْمَان بن أبي سُلَيْمَان، واسْمه فَيْرُوز الْكُوفِي
وَابْن أبي أوفى هُوَ عبد الله بن أبي أوفى، وَاسم أبي
أوفى: عَلْقَمَة.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن سعيد بن
سُلَيْمَان. وَأخرجه مُسلم فِي الذَّبَائِح عَن أبي بكر بن
أبي شيبَة وَعَن أبي كَامِل الجحدري، وَأخرجه النَّسَائِيّ
فِي الصَّيْد عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن يزِيد الْمقري.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الذَّبَائِح عَن سُوَيْد بن سعيد.
قَوْله: (مجاعَة) أَي: جوع شَدِيد. قَوْله: (اكفوا) ، أَي:
إقلبوا، من: كفأت الْقدر إِذا كببتها لتفرغ مَا فِيهَا،
وكفأت الْإِنَاء وأكفأته إِذا كببته وَإِذا أملته. قَوْله:
(وَلَا تطعموا) أَي: وَلَا تذوقوا. قَوْله: (قَالَ عبد
الله) ، هُوَ عبد الله بن أبي أوفى الصَّحَابِيّ رَاوِي
الحَدِيث، وَبَين ذَلِك فِي الْمَغَازِي من وَجه آخر عَن
الشَّيْبَانِيّ، بِلَفْظ: قَالَ ابْن أبي أوفى: فتحدثنا
... فَذكر نَحوه، وَفِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق عَليّ بن
مسْهر عَن الشَّيْبَانِيّ، قَالَ: فتحدثنا بَيْننَا ...
أَي: الصَّحَابَة، وَهَذِه إِشَارَة إِلَى أَن الصَّحَابَة
اخْتلفُوا فِي عِلّة النَّهْي عَن لُحُوم الْحمر: هَل هُوَ
لذاتها أَو لعَارض؟ فَقَالَ عبد الله: إِنَّمَا نهى
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهَا لم تخمس،
فَهَذَا يدل على أَنَّهَا إِذا خمست تُؤْكَل. وَقَالَ
بَعضهم: لِأَنَّهَا كَانَت تَأْكُل القذر، وَفِي (كتاب
الْأَطْعِمَة) لعُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ،
بِإِسْنَادِهِ عَن سعيد بن جُبَير، قَالَ: إِنَّمَا نهى
عَنْهَا لِأَنَّهَا كَانَت تَأْكُل القذر، وَقَالَ
آخَرُونَ، مِنْهُم عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى، قَالَ:
إِنَّمَا كرهت ابقاء على الظّهْر وخشية أَن يفنى. قَوْله:
(وَقَالَ آخَرُونَ: حرمهَا أَلْبَتَّة) ، أَي: قَالَ
جمَاعَة آخَرُونَ من الصَّحَابَة: حرمهَا الْبَتَّةَ،
يَعْنِي قطعا، وَهُوَ مَنْصُوب على المصدرية، يُقَال: بته
الْبَتَّةَ من الْبَتّ، وَهُوَ الْقطع. قَوْله: (وَسَأَلت
سعيد ابْن جُبَير) ، السَّائِل هُوَ الشَّيْبَانِيّ،
وللشيباني رِوَايَة عَن سعيد بن جُبَير من غير هَذَا
الحَدِيث عِنْد النَّسَائِيّ. فَإِن قلت: روى ابْن شاهين
فِي (ناسخه) اسْتِدْلَالا على نسخ التَّحْرِيم بأسناد جيد
عَن الْبَراء بن عَازِب، قَالَ: أمرنَا رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم خَيْبَر أَن نكفيء الْحمر
الْأَهْلِيَّة نيئة ونضيجة، ثمَّ أَمر ...
. . بعد ذَلِك، وروى أَبُو دَاوُد أَيْضا من حَدِيث غَالب
بن أبجر أَنه قَالَ: يَا رَسُول الله {لم يبْق فِي مَالِي
شيى أطْعم أَهلِي إلاَّ حمر لي} فَقَالَ: أطْعم أهلك من
سمين مَالك. قلت: الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الثَّابِتَة
ترد ذَلِك كُله، وَقَالَ الْخطابِيّ: حَدِيث غَالب
مُخْتَلف فِي إِسْنَاده فَلَا يثبت، وَالنَّهْي ثَابت،
وَقَالَ عبد الْحق: لَيْسَ هُوَ بِمُتَّصِل الْإِسْنَاد،
وَقَالَ السُّهيْلي: ضَعِيف لَا يُعَارض بِمثلِهِ حَدِيث
النَّهْي. |