عمدة القاري شرح
صحيح البخاري بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
95 - (كتابُ بَدْءِ الخَلْقِ)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان بَدْء الْخلق، البدء على وزن:
فعل، بِفَتْح الْبَاء وَسُكُون الدَّال وَفِي آخِره همزَة،
من بدأت الشَّيْء بَدَأَ ابتدأت بِهِ. وَفِي (الْعباب) :
بدأت بالشَّيْء بَدَأَ ابتدأت بِهِ وبدأت الشَّيْء فعلته
ابْتِدَاء، وَبَدَأَ الله الْخلق وأبداهم، بِمَعْنى،
والخلق بِمَعْنى الْمَخْلُوق، وَهَكَذَا وَقع: كتاب بَدْء
الْخلق، بعد ذكر الْبَسْمَلَة فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين،
وَلَيْسَ فِي رِوَايَة أبي ذَر ذكر الْبَسْمَلَة، وَوَقع
فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ ذكر بَدْء الْخلق بدل: كتاب
بَدْء الْخلق.
1 - (بابُ مَا جاءَ فِي قَوْلِ الله تعَالى: {وهْوَ
الَّذِي يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وهُوَ أهْوَنُ
عَلَيْهِ} (الرّوم: 72) .)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وَمَا جَاءَ فِي قَول الله
تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي يبْدَأ الْخلق ثمَّ يُعِيدهُ}
(الرّوم: 72) . وَتَمام الْآيَة: {وَله الْمثل الْأَعْلَى
فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم}
(الرّوم: 72) . قَوْله: {وَهُوَ الَّذِي} أَي: وَهُوَ
الَّذِي يبْدَأ الْخلق أَي: ينشىء الْمَخْلُوق ثمَّ
يُعِيدهُ، أَي: ثَانِيًا للبعث. قَوْله: {وَهُوَ أَهْون
عَلَيْهِ} (الرّوم: 72) . أَي: الْإِعَادَة أَهْون
عَلَيْهِ أَي: أسهل، وَقيل: أيسر، وَقيل: أسْرع عَلَيْهِ،
وَقَالَ مُجَاهِد وَأَبُو الْعَالِيَة: الْإِعَادَة أَهْون
عَلَيْهِ من الْبِدَايَة، وكل هَين عَلَيْهِ. وَقَالَ
الزَّمَخْشَرِيّ: فَإِن قلت: لِمَ ذكر الضَّمِير فِي
قَوْله: {وَهُوَ أَهْون عَلَيْهِ} (الرّوم: 72) .
وَالْمرَاد بِهِ الْإِعَادَة؟ قلت: مَعْنَاهُ: وَأَن
يُعِيدهُ أَهْون عَلَيْهِ. قَوْله: {وَله الْمثل
الْأَعْلَى} (الرّوم: 72) . أَي: الصّفة الْعليا: {فِي
السَّمَوَات وَالْأَرْض وَهُوَ الْعَزِيز} فِي ملكه
{الْحَكِيم} فِي خلقه.
وقالَ الرَّبِيعُ بنُ خَثيمٍ والحَسَنُ كلٌّ علَيْهِ
هَيِّنٌ هَيْنٌ وهَيِّنُ مِثْلُ لَيْنٍ ولَيِّنٍ ومَيْتٍ
ومَيِّتٍ وضَيْقٍ وضَيِّقٍ. أفَعَيِينَا أفأعْيا علَيْنَا
حِينَ أنْشَأكُمْ وأنْشأ خَلْقَكُمْ. لُغُوبٌ النَّصَبُ
أطْوَارَاً طَوْرَاً كذَا وطَوْرَاً كذَا عدَا طَوْرَهُ
أيْ قَدْرَهُ
الرّبيع، بِفَتْح الرَّاء ضد الخريف ابْن خثيم، بِضَم
الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة
وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف: ابْن عَائِذ بن عبد الله
الثَّوْريّ الْكُوفِي من التَّابِعين الْكِبَار الورعين
القانتين، مَاتَ سنة بضع وَسِتِّينَ، وَالْحسن هُوَ
الْبَصْرِيّ وهما فسرا قَوْله تَعَالَى: {هُوَ أَهْون
عَلَيْهِ} (الرّوم: 72) . بِمَعْنى: كل عَلَيْهِ هَين،
فحملا لفظ: أَهْون، الَّذِي هُوَ أفعل التَّفْضِيل
بِمَعْنى: هَين. وَتَعْلِيق الرّبيع وَصله الطَّبَرِيّ من
طَرِيق مُنْذر الثَّوْريّ عَنهُ نَحوه، وَتَعْلِيق الْحسن
وَصله الطَّبَرِيّ أَيْضا من طَرِيق قَتَادَة عَنهُ،
وَلَفظه: وإعادته أَهْون عَلَيْهِ من بدئه، وكل على الله
تَعَالَى هَين. قَوْله: {هيِّن} بتَشْديد الْيَاء {وهَيْن}
بتخفيفها، أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَنَّهُمَا لُغَتَانِ،
كَمَا جَاءَ التَّشْدِيد وَالتَّخْفِيف فِي الْأَلْفَاظ
الَّتِي ذكرهَا، قَالَ الْكرْمَانِي: وغرضه من هَذَا أَن
أَهْون بِمَعْنى: هَين، أَي: لَا تفَاوت عِنْد الله بَين
الإبداء والإعادة كِلَاهُمَا على السوَاء فِي السهولة.
قَوْله: (أفعيينا) ، أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى:
{أفعيينا بالخلق الأول} (ق: 51) . وَفَسرهُ بقوله: أفأعيى
علينا، يَعْنِي مَا أعجزنا الْخلق الأول حني أنشأناكم
وأنشأنا خَلقكُم، وَعدل عَن التَّكَلُّم إِلَى الْغَيْبَة
التفاتاً، وَالظَّاهِر أَن لفظ: (حِين أنشأكم وأنشأنا
خَلقكُم) إِشَارَة إِلَى آيَة أُخْرَى، وَإِلَى تَفْسِيره
وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {إِذْ أنشأكم من الأَرْض وَإِذ
أَنْتُم أجنة فِي بطُون أُمَّهَاتكُم} (النَّجْم: 23) .
وَنقل البُخَارِيّ بِالْمَعْنَى حَيْثُ قَالَ: حِين
أنشأكم، بدل: إِذْ أنشأكم، أَو هُوَ مَحْذُوف فِي اللَّفْظ
وَاكْتفى بالمفسر عَن الْمُفَسّر،
(15/107)
وروى الطَّبَرِيّ من طَرِيق ابْن أبي نجيح
عَن مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: {أفعيينا بالخلق الأول}
(ق: 51) . بقوله: أفأعيى علينا حِين أنشأناكم خلقا
جَدِيدا، فشكوا فِي الْبَعْث، وَقَالَ أهل اللُّغَة: عييت
بِالْأَمر إِذا لم تعرف جِهَته، وَمِنْه: العي فِي
الْكَلَام. قَوْله: لغوب، النصب أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله
تَعَالَى: {وَلَقَد خلقنَا السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا
بَينهمَا فِي سِتَّة أَيَّام وَمَا مسنا من لغوب} (ق: 05)
. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: اللغوب الإعياء، وَالنّصب
التَّعَب وزنا وَمعنى، وَهَذَا تَفْسِير مُجَاهِد، أخرجه
عَنهُ ابْن أبي حَاتِم. وَأخرج من طَرِيق قَتَادَة: أكذب
الله الْيَهُود فِي زعمهم أَنه استراح فِي الْيَوْم
السَّابِع، قَالَ: وَمَا مسنا من لغوب أَي: من إعياء، وغفل
الدَّاودِيّ فَظن أَن النصب فِي كَلَام المُصَنّف بِسُكُون
الصَّاد، وَأَنه أَرَادَ ضبط اللغوب، ثمَّ اعْترض عَلَيْهِ
بقوله: لم أر أحدا نصب اللاَّم، أَي: من الْفِعْل،
وَإِنَّمَا هُوَ بِالنّصب الأحمق. قَوْله: (أطواراً)
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله: وَقد خَلقكُم أطواراً
ثمَّ فسره بقوله: طوراً كَذَا وطوراً كَذَا، يَعْنِي طوراً
نُطْفَة وطوراً علقَة وطوراً مُضْغَة وَنَحْوهَا،
والأطوار: الْأَحْوَال الْمُخْتَلفَة. وَأخرج الطَّبَرِيّ
عَن ابْن عَبَّاس: أَن المُرَاد اخْتِلَاف أَحْوَال
النَّاس من صِحَة وسقم، وَقيل: مَعْنَاهُ أصنافاً فِي
الألوان واللغات، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الأطوار التارات
وَالْحُدُود، وَاحِدهَا طور، أَي: مرّة ملك وَمرَّة هلك
وَمرَّة بؤس وَمرَّة نعم. قَوْله: (عدا طوره) ، فسره
بقوله: قدره، يُقَال: فلَان عدا طوره إِذا جَاوز قدره.
0913 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ قَالَ أخبَرَنَا
سُفْيَانُ عنْ جامِعِ بنِ شَدَّادٍ عنْ صَفْوَانَ بنِ
مُحْرِزٍ عنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْن رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُمَا قَالَ جاءَ نَفَرٌ مِنْ بَني تَمِيمٍ إِلَى
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقالَ يَا بَني تَمِيمٍ
أبْشِرُوا قَالُوا بَشَّرْتَنَا فأعْطِنا فتَغيرَ وجْهُهُ
فَجاءَهُ أهْلُ الْيَمَنِ فَقَالَ يَا أهْلَ الْيَمَنِ
اقْبَلُوا البُشرَى إذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَميمٍ
قَالُوا قَبِلْنَا فأخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يُحَدِّثُ بَدْءَ الخَلْقِ والْعَرْشِ فَجاءَ رَجُلٌ
فَقال يَا عِمْرَانُ راحِلَتُكَ تَفَلَّتَتْ لَيْتَنِي
لَمْ أقُمْ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (يحدث بَدْء الْخلق)
وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وجامع بن شَدَّاد
بِالتَّشْدِيدِ أَبُو صَخْرَة الْمحَاربي الْكُوفِي
وَصَفوَان بن مُحرز، بِضَم الْمِيم على وزن الْفَاعِل من
الْإِحْرَاز: الْمَازِني الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي الْمَغَازِي عَن أبي
نعيم وَعَن عَمْرو بن عَليّ وَفِي بَدْء الْخلق أَيْضا عَن
عَمْرو بن حَفْص وَفِي التَّوْحِيد عَن عَبْدَانِ. وَأخرجه
التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن مُحَمَّد بن بشار. وَأخرجه
النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن عبد
الْأَعْلَى.
قَوْله: (جَاءَ نفر) أَي: عدَّة رجال من ثَلَاثَة إِلَى
عشرَة، وَكَانَ قدومهم فِي سنة تسع. قَوْله: (أَبْشِرُوا)
، أَمر بِهَمْزَة قطع من الْبشَارَة، وَأَرَادَ بهَا مَا
يجازى بِهِ الْمُسلمُونَ وَمَا يصير إِلَيْهِ عاقبتهم،
وَيُقَال: بشرهم بِمَا يَقْتَضِي دُخُول الْجنَّة حَيْثُ
عرفهم أصُول العقائد الَّتِي هِيَ المبدأ والمعاد وَمَا
بَينهمَا. قَوْله: (قَالُوا بشرتنا) ، فَمن الْقَائِلين
بِهَذَا الْأَقْرَع بن حَابِس، كَانَ فِيهِ بعض أَخْلَاق
الْبَادِيَة. قَوْله: (فَأَعْطِنَا) ، أَي: من المَال.
قَوْله: (فَتغير وَجهه) ، أَي: وَجه النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، إِمَّا للأسف عَلَيْهِم كف آثروا
الدُّنْيَا، وَإِمَّا لكَونه لم يحضرهُ مَا يعطيهم
فيتألفهم بِهِ. قَوْله: (فجَاء أهل الْيمن) ، هم الأشعريون
قوم أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَقَالَ ابْن كثير: قدوم
الْأَشْعَرِيين صُحْبَة أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ فِي
صُحْبَة جَعْفَر بن أبي طَالب وَأَصْحَابه من
الْمُهَاجِرين الَّذين كَانُوا بِالْحَبَشَةِ حِين فتح
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَيْبَر، قَوْله:
(اقْبَلُوا الْبُشْرَى) ، حكى عِيَاض: أَن فِي رِوَايَة
الْأصيلِيّ: الْيُسْرَى، بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف
وَالسِّين الْمُهْملَة، قَالَ: وَالصَّوَاب الأول. قَوْله:
(إِذْ لم يقبلهَا) ، كلمة إِذْ، ظرف وَهُوَ اسْم للزمن
الْمَاضِي، وَلها استعمالات أَحدهَا أَن تكون ظرفا
بِمَعْنى الْحِين، وَهُوَ الْغَالِب، وَهنا كَذَلِك.
قَوْله: (فَأخذ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، أَي:
شرع يحدث. قَوْله: (راحلتك) ، الرَّاحِلَة النَّاقة
الَّتِي تصلح لِأَن ترحل والمركب أَيْضا من الْإِبِل ذكرا
كَانَ أَو أُنْثَى، وَيجوز فِيهَا الرّفْع وَالنّصب، أما
الرّفْع فعلى الِابْتِدَاء، وَأما النصب فعلى تَقْدِير:
أدْرك راحلتك. قَوْله: (تفلتت) أَي: تشردت وتشمرت. قَوْله:
(لَيْتَني لم أقِم) ، أَي: قَالَ عمرَان: لَيْتَني لم أقِم
من مجْلِس رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى لم
يفت مني سَماع كَلَامه.
(15/108)
1913 - حدَّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصِ بنِ
غِياثٍ قَالَ حدَّثنا أبي قَالَ حدَّثنا الأعْمَشُ قَالَ
حدَّثنا جامِعُ ابنُ شَدَّادٍ عنْ صَفْوانَ بنِ مُحْرِزٍ
أنَّهُ حَدَّثَهُ عنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ رَضِي الله
تَعَالَى عنهُما قَالَ دخَلَ علَيَّ النَّبِيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وعَقَلْتُ ناقَتِي بالبَابِ فأتاهُ ناسٌ
مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَقال أقْبلَوا البُشْرَى يَا بَنِي
تَمِيمٍ قَالُوا قَدْ بَشَّرْتَنا فأعْطِنَا مَرَّتَيْنِ
ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ ناسٌ مِنْ أهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ
اقْبَلُوا البُشْرَى يَا أهْلَ الْيَمَنِ إِذْ لَمْ
يَقْبَلْهَا بنُو تَميمٍ قَالُوا قَدْ قَبِلْنَا يَا
رسُولَ الله قَالُوا جِئْنَاكَ نَسْألُكَ عنْ هذَا الأمْرِ
قالَ كانَ الله ولَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيرُهُ وَكَانَ
عَرْشُهُ على الماءِ وكتَبَ فِي الذِّكْرِ كلَّ شَيْءٍ
وخَلَقَ السَّمَواتِ والأرْضَ فَنادى مُنادٍ ذَهَبَتْ
ناقَتُكَ يَا ابنَ الحُصَيْنِ فانْطَلَقْتُ فإذَا هِي
يَقْطَعُ دُونَها السَّرابُ فَوالله لوَدِدْتُ أنِّي
كُنْتُ تَرَكْتُهَا. .
هَذَا طَرِيق آخر لحَدِيث عمرَان بن الْحصين مَعَ زِيَادَة
فِيهِ. قَوْله: (جئْنَاك) ، بكاف الْخطاب، هَكَذَا
رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة الْكشميهني:
جِئْنَا، بِلَا كَاف. قَوْله: (نَسْأَلك عَن هَذَا
الْأَمر) أَي: الْحَاضِر الْمَوْجُود، وَلَفظ: الْأَمر،
يُطلق وَيُرَاد بِهِ الْمَأْمُور وَيُرَاد بِهِ الشَّأْن،
وَالْحَال، وَكَأَنَّهُم سَأَلُوا عَن أَحْوَال هَذَا
الْعَالم. قَوْله: (كَانَ الله وَلم يكن شَيْء غَيره)
وَسَيَأْتِي فِي التَّوْحِيد: وَلم يكن شَيْء قبله، وَفِي
رِوَايَة غير البُخَارِيّ، وَلم يكن شَيْء مَعَه، وَوَقع
هَذَا الحَدِيث فِي بعض الْمَوَاضِع: كَانَ الله وَلَا
شَيْء مَعَه وَهُوَ الْآن على مَا عَلَيْهِ كَانَ، وَهِي
زِيَادَة لَيست فِي شَيْء من كتب الحَدِيث نبه عَلَيْهِ
الإِمَام تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية. قَوْله: (وَكَانَ
عَرْشه على المَاء) ، أَي: لم يكن تَحْتَهُ إلاَّ المَاء،
وَفِيه دَلِيل على أَن الْعَرْش وَالْمَاء كَانَا مخلوقين
قبل السَّمَوَات وَالْأَرْض. فَإِن قلت: بَين هَذِه
الْجُمْلَة وَمَا قبلهَا مُنَافَاة ظَاهِرَة لِأَن هَذِه
الْجُمْلَة تدل على وجود الْعَرْش، وَالْجُمْلَة الَّتِي
قبلهَا تدل على أَنه لم يكن شَيْء. قلت: هُوَ من بَاب
الْإِخْبَار عَن حُصُول الجملتين مُطلقًا، وَالْوَاو
بِمَعْنى: ثمَّ فَإِن قلت: مَا الْفرق بَين كَانَ فِي:
كَانَ الله، وَبَين كَانَ فِي: وَكَانَ عَرْشه؟ قلت: كَانَ
الأول: بِمَعْنى الْكَوْن الأزلي، وَكَانَ الثَّانِي:
بِمَعْنى الْحَدث. وَفِي قَوْله: وَكَانَ عَرْشه على
المَاء، دلَالَة على أَن المَاء وَالْعرش كَانَا مبدأ
هَذَا الْعَالم لكَوْنهم خلقا قبل خلق السَّمَوَات
وَالْأَرْض وَلم يكن تَحت الْعَرْش إِذْ ذَاك إلاَّ
المَاء. فَإِن قلت: إِذا كَانَ الْعَرْش وَالْمَاء مخلوقين
أَولا فَأَيّهمَا سَابق فِي الْخلق؟ قلت: المَاء لما روى
أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ مصححاً من حَدِيث أبي رزين
الْعقيلِيّ مَرْفُوعا: إِن المَاء خلق قبل الْعَرْش، وروى
السّديّ فِي تَفْسِيره بأسانيد مُتعَدِّدَة: أَن الله
تَعَالَى لم يخلق شَيْئا مِمَّا خلق قبل المَاء. فَإِن
قلت: روى أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ مصححاً من حَدِيث أبي
رزين الْعقيلِيّ مَرْفُوعا أَن المَاء خلق قبل الْعَرْش
وروى السّديّ فِي تَفْسِيره بأسانيد مُتعَدِّدَة أَن الله
تَعَالَى لم يخلق شَيْئا مِمَّا خلق قبل المَاء (فَإِن
قلت) روى أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ مصححا من حَدِيث عبَادَة
بن الصَّامِت مَرْفُوعا: أول مَا خلق الله الْقَلَم، ثمَّ
قَالَ: أكتب، فَجرى بِمَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم
الْقِيَامَة، وَاخْتَارَهُ الْحسن وَعَطَاء وَمُجاهد،
وَإِلَيْهِ ذهب إِبْنِ جرير وَابْن الْجَوْزِيّ، وَحكى
ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق أَنه قَالَ: أول مَا
خلق الله تَعَالَى النُّور والظلمة، ثمَّ ميز بَينهمَا
فَجعل الظلمَة لَيْلًا أسود مظلماً، وَجعل النُّور نَهَارا
أَبيض مبصراً، وَقيل: أَو مَا خلق الله تَعَالَى نور
مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قلت: التَّوْفِيق بَين
هَذِه الرِّوَايَات بِأَن الأولية نسبي، وكل شَيْء قيل
فِيهِ إِنَّه أول فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا بعْدهَا.
قَوْله: (وَكتب فِي الذّكر) أَي: قدر كل الكائنات وأثبتها
فِي الذّكر أَي: اللَّوْح الْمَحْفُوظ. قَوْله: (تقطع) ،
تفعل من التقطع وَهُوَ بِلَفْظ الْمَاضِي وبلفظ الْمُضَارع
من الْقطع. قَوْله: (السراب) بِالرَّفْع فَاعله، والسراب
هُوَ الَّذِي ترَاهُ نصف النَّهَار كَأَنَّهُ مَاء،
وَالْمعْنَى: فَإِذا هِيَ، انْتهى السراب عِنْدهَا.
قَوْله: (لَوَدِدْت) ، أَي: لأحببت أَنِّي لَو تركتهَا
لِئَلَّا يفوت مِنْهُ سَماع كَلَام رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ الْمُهلب: السُّؤَال عَن مبادىء
الإشياء والبحث عَنْهَا جَائِز شرعا، وللعالم أَن يُجيب
عَنْهَا بِمَا يعلم، فَإِن خشِي من السَّائِل إِيهَام شكّ
أَو تَقْصِير فَلَا، يجِيبه وينهاه عَن ذَلِك.
2913 - وروَاهُ عِيسَى عنْ رَقَبةَ عنْ قَيْسِ بنُ
مُسْلِمٍ عنْ طارِقِ بنِ شِهابٍ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ
رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يَقولُ
(15/109)
قامَ فِينَا النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم مَقاماً فأخبرَنَا عنْ بَدْءِ الْخَلْقِ حتَّى
دَخَلَ أهْلُ الجَنَّةِ منازِلَهُمْ وأهْلُ النَّارِ
مَنَازِلَهُمْ حَفِظَ ذَلِكَ مَنْ حَفِظَهُ ونَسِيَهُ مَنْ
نَسِيَهُ.
عِيسَى هُوَ ابْن مُوسَى البُخَارِيّ أَبُو أَحْمد
التَّيْمِيّ مَوْلَاهُم يلقب: غُنْجَار، بِضَم الْغَيْن
الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون وبالجيم وَبعد الْألف رَاء،
لقب بِهِ لاحمرار خديه، كَانَ من أعبد النَّاس، مَاتَ سنة
سبع أَو سِتّ وَثَمَانِينَ وَمِائَة، وَلَيْسَ لَهُ فِي
البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الْموضع، ورقبة، بِفَتْح الرَّاء
وَالْقَاف وَالْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن مصقلة، بالصَّاد
الْمُهْملَة وبالقاف: الْعَبْدي الْكُوفِي. وَاعْلَم أَن
رِوَايَة الْأَكْثَرين هَكَذَا. عِيسَى عَن رَقَبَة،
وَقَالَ الجياني: سقط بَينه وَبَين رَقَبَة أَبُو حَمْزَة
السكرِي وَهُوَ مُحَمَّد بن مَيْمُون، وَقَالَ أَبُو
مَسْعُود الدِّمَشْقِي: إِنَّمَا رَوَاهُ عِيسَى، يَعْنِي:
ابْن مُوسَى عَن أبي حَمْزَة السكرِي عَن رَقَبَة.
وَقد وصل الطَّبَرَانِيّ هَذَا الحَدِيث من طَرِيق عِيسَى
الْمَذْكُور عَن أبي حَمْزَة عَن رَقَبَة وَلم ينْفَرد
بِهِ عِيسَى، فقد أخرجه أَبُو نعيم من طَرِيق عَليّ بن
الْحُسَيْن بن شَقِيق عَن أبي حَمْزَة وَلَكِن فِي
إِسْنَاده ضعف.
قَوْله: (قَامَ فِينَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
مقَاما) يَعْنِي: قَامَ على الْمِنْبَر، بيَّن ذَلِك مَا
رَوَاهُ أَحْمد وَمُسلم من حَدِيث أبي زيد الْأنْصَارِيّ،
قَالَ: صلى بِنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
صَلَاة الصُّبْح وَصعد الْمِنْبَر فَخَطَبنَا حَتَّى حضرت
الصَّلَاة، ثمَّ نزل فصلى بِنَا الظّهْر ثمَّ صعد
الْمِنْبَر فَخَطَبنَا ثمَّ الْعَصْر كَذَلِك حَتَّى
غَابَتْ الشَّمْس فحدثنا بِمَا كَانَ وَمَا هُوَ كَائِن،
فأعلمنا أحفظنا لفظ أَحْمد وَأفَاد هَذَا بَيَان الْمقَام
الْمَذْكُور زَمَانا ومكاناً، وَأَنه كَانَ على الْمِنْبَر
من أول النَّهَار إِلَى أَن غَابَتْ الشَّمْس. قَوْله:
(حَتَّى دخل) كلمة: حَتَّى، غَايَة للمبدأ وللإخبار، أَي:
حَتَّى أخبر عَن دُخُول أهل الْجنَّة، وَالْغَرَض أَنه
أخبر عَن المبدأ والمعاش والمعاد جَمِيعًا، وَإِنَّمَا
قَالَ: دخل، بِلَفْظ الْمَاضِي مَوضِع الْمُسْتَقْبل
مُبَالغَة للتحقق الْمُسْتَفَاد من خبر الصَّادِق.
وَفِيه: دلَالَة على أَنه أخبر فِي الْمجْلس الْوَاحِد
بِجَمِيعِ أَحْوَال الْمَخْلُوقَات من ابتدائها إِلَى
انتهائها، وَفِي إِيرَاد ذَلِك كُله فِي مجْلِس وَاحِد
أَمر عَظِيم من خوارق الْعَادة، وَكَيف وَقد أعطي جَوَامِع
الْكَلم مَعَ ذَلِك؟
3913 - حدَّثني عبْدُ لله بنُ أبِي شَيْبَةَ عنْ أبِي
أحْمَدَ عنْ سُفْيَانَ عنْ أبِي الزِّنادِ عنِ الأعْرَجِ
عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ
النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُرَاهُ يَقُولُ الله
شَتَمَنِي ابنُ آدَمَ ومَا يَنْبَغِي لَهُ أنْ يَشْتِمَنِي
وتَكَذَّبَنِي وَمَا يَنْبَغِي لَهُ أمَّا شَتْمُهُ
فَقَوْلُهُ إنَّ لِي ولَدَاً وأمَّا تَكْذِيبُهُ
فَقَوْلُهُ لَيْسَ يُعِيدُنِي كَمَا بَدَأنِي.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (لَيْسَ يُعِيدنِي كَمَا
بَدَأَنِي) وَهُوَ قَول منكري الْبَعْث من عباد
الْأَوْثَان.
وَأَبُو أَحْمد اسْمه مُحَمَّد بن عبد الله بن الزبير بن
عمر بن دِرْهَم الْأَزْدِيّ، وَقيل: الْأَسدي الزبيرِي،
نِسْبَة إِلَى جده، مَاتَ بالأهواز فِي جُمَادَى الأولى
سنة ثَلَاث وَمِائَتَيْنِ، وَكَانَ يَصُوم الدَّهْر،
وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَأَبُو الزِّنَاد، بالزي
وَالنُّون: عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن
بن هُرْمُز.
قَوْله: (يَشْتمنِي) ، بِالْفِعْلِ الْمُضَارع، ويروى:
شَتَمَنِي، بالماضي من الشتم، وَهُوَ توصيف الشَّيْء بِمَا
هُوَ إزراء وَنقص لَا سِيمَا فِيمَا يتَعَلَّق بالغيرة
وَإِثْبَات الْوَلَد كَذَلِك، لِأَنَّهُ يسْتَلْزم
الْإِمْكَان المتداعي للحدوث، قَالُوا: إِن هَذَا الحَدِيث
كَلَام قدسي، أَي: نَص إل هِيَ فِي الدرجَة الثَّانِيَة،
لِأَن الله تَعَالَى أخبر نبيه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
مَعْنَاهُ بإلهام وَأخْبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، عَنهُ أمته بِعِبَارَة نَفسه. قَوْله: (وتكذبني) ،
من بَاب التفعل، ويروى: ويكذبني بِضَم الْيَاء من
التَّكْذِيب.
4913 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ قَالَ حدَّثنا
مُغِيرَةُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ القُرَشِيُّ عنْ أبِي
الزِّنَادِ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله
تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لَمَّا قَضَى الله الخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابهِ
فَهْوَ عِنْدَهُ فَوقَ العَرْشِ إنَّ رَحْمَتِي غلَبَتْ
غَضَبِي. .
(15/110)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (لما قضى
الله الْخلق) . ومغيرة، بِضَم الْمِيم وَكسرهَا.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي التَّوْبَة، وَالنَّسَائِيّ
فِي النعوت كلهم عَن قُتَيْبَة.
قَوْله: (لما قضى الله الْخلق) ، قَالَ الْخطابِيّ: يُرِيد
لما خلق الله الْخلق كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فقضاهن
سبع سموات} (فصلت: 21) . أَي: خَلقهنَّ، وَقَالَ ابْن
عَرَفَة: قَضَاء الشي إحكامه وإمضاؤه والفراغ مِنْهُ،
وَبِه سمي القَاضِي لِأَنَّهُ إِذا حكم فقد فرغ مِمَّا
بَين الْخَصْمَيْنِ. قَوْله: (كتب فِي كِتَابه) ، أَي:
أَمر الْقَلَم أَن يكْتب فِي كِتَابه وَهُوَ اللَّوْح
الْمَحْفُوظ، والمكتوب هُوَ: أَن رَحْمَتي غلبت غَضَبي.
قَوْله: (فَهُوَ عِنْده) ، أَي: الْكتاب عِنْده، والعندية
لَيست مكانية بل هُوَ إِشَارَة إِلَى كَمَال كَونه مكنوناً
عَن الْخلق مَرْفُوعا عَن حيّز إدراكهم. قَوْله: (فَوق
الْعَرْش) ، قَالَ الْخطابِيّ: قَالَ بَعضهم: مَعْنَاهُ
دون الْعَرْش استعظاماً أَن يكون شَيْء من الْخلق فَوق
الْعَرْش كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {بعوضة فَمَا
فَوْقهَا} (الْبَقَرَة: 62) . أَي: فَمَا دونهَا أَي:
أَصْغَر مِنْهَا، وَقَالَ بَعضهم: إِن لفظ الفوق زَائِد
كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِن كن نسَاء فَوق
اثْنَتَيْنِ} (النِّسَاء: 11) . إِذْ الثنتان يرثان
الثُّلثَيْنِ. قلت: فِي كل مِنْهُمَا نظر، أما الأول
فَفِيهِ اسْتِعْمَال اللَّفْظ فِي غير مَوْضِعه، وَأما
الثَّانِي فَفِيهِ فَسَاد الْمَعْنى، لِأَن مَعْنَاهُ:
يكون حِينَئِذٍ: فَهُوَ عِنْده الْعَرْش، وَهَذَا لَا
يَصح، وَالْأَحْسَن أَن يُقَال معنى قَوْله: فَهُوَ عِنْده
فَوق الْعَرْش أَي: علم ذَلِك عِنْد الله فَوق الْعَرْش
لَا ينْسَخ وَلَا يُبدل، أَو ذكر ذَلِك عِنْد الله فَوق
الْعَرْش، وَلَا مَحْذُور من إِضْمَار لفظ الْعلم أَو
الذّكر، على أَن الْعَرْش مَخْلُوق وَلَا يَسْتَحِيل أَن
يمسهُ كتاب مَخْلُوق، فَإِن الْمَلَائِكَة حَملَة الْعَرْش
حاملونه على كواهلهم، وَفِيه المماسة فَلَا مَحْذُور أَن
يكون كِتَابه فَوق الْعَرْش. فَإِن قلت: مَا وَجه تَخْصِيص
هَذَا بِالذكر على مَا قلت، مَعَ أَن الْقَلَم كتب كل
شَيْء؟ قلت: لما فِيهِ من الرَّجَاء الْكَامِل وَإِظْهَار
أَن رَحمته وسعت كل شَيْء، بِخِلَاف غَيره. قَوْله: (أَن
رَحْمَتي) ، بِفَتْح أَن على أَنَّهَا بدل من: كتب،
وبكسرها ابْتِدَاء كَلَام يحمي مَضْمُون الْكتاب. قَوْله:
(غلبت) ، فِي رِوَايَة شُعَيْب عَن أبي الزِّنَاد فِي
التَّوْحِيد: سبقت، بدل: غلبت، وَالْمرَاد من الْغَضَب
مَعْنَاهُ الغائي وَهُوَ لَازمه، وَهُوَ إِرَادَة الإنتقام
مِمَّن يَقع عَلَيْهِ الْغَضَب والسبق وَالْغَلَبَة
بِاعْتِبَار التَّعَلُّق أَي: تعلق الرَّحْمَة سَابق غَالب
على تَعْلِيق الْغَضَب، لِأَن الرَّحْمَة مُقْتَضى ذَاته
المقدسة، وَأما الْغَضَب فَإِنَّهُ مُتَوَقف على سَابِقَة
عمل من العَبْد حَادث، وَبِهَذَا ينْدَفع إِشْكَال من أورد
وُقُوع الْعَذَاب قبل الرَّحْمَة فِي بعض الْمَوَاضِع كمن
يدْخل النَّار من الْمُوَحِّدين ثمَّ يخرج بالشفاعة أَو
غَيرهَا، وَقيل: الرَّحْمَة وَالْغَضَب من صِفَات الْفِعْل
لَا من صِفَات الذَّات فَلَا مَانع من تقدم بعض
الْأَفْعَال على بعض، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ فِي سبق
الرَّحْمَة إِشَارَة إِلَى أَن قسط الْخلق مِنْهَا أَكثر
من قسطهم من الْغَضَب، وَأَنَّهَا تنالهم من غير
اسْتِحْقَاق، وَأَن الْغَضَب لَا ينالهم إلاَّ
بِاسْتِحْقَاق، فالرحمة تَشْمَل الشَّخْص جَنِينا ورضيعاً
وفطيماً وناشئاً قبل أَن يصدر مِنْهُ شَيْء من الطَّاعَة
وَلَا يلْحقهُ الْغَضَب إلاَّ بعد أَن يصدر عَنهُ من
الذُّنُوب مَا يسْتَحق مَعَه ذَلِك، وَالله تَعَالَى أعلم.
2 - (بابُ مَا جاءَ فِي سَبْعِ أرَضينَ)
هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا جَاءَ فِي وضع سبع أَرضين.
وقَوْلِ الله تعَالى {ألله الَّذِي خلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ
ومِنَ الأرْضِ مَثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأمْرُ
بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أنَّ الله علَى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ وأنَّ الله قَدْ أحاطَ بِكُلَّ شَيْءٍ عِلْمَاً
(الطَّلَاق: 21) .
وَقَول الله، بِالْجَرِّ عطفا على قَوْله: فِي سبع أَرضين.
قَوْله: (الله) مُبْتَدأ. و: الَّذِي خلق، خَبره. قَوْله:
(سبع سموات وَمن الأَرْض مِثْلهنَّ) فِي الْعدَد، قيل: مَا
فِي الْقُرْآن آيَة تدل على أَن الْأَرْضين سبع: إلاَّ
هَذِه الْآيَة. وَقَالَ الدَّاودِيّ: فِيهِ دلَالَة على
أَن الْأَرْضين بَعْضهَا فَوق بعض مثل السَّمَوَات لَيْسَ
بَينهَا فُرْجَة، وَحكى ابْن التِّين عَن بَعضهم: أَن
الأَرْض وَاحِدَة، قَالَ: وَهُوَ مَرْدُود بِالْقُرْآنِ
وَالسّنة. وروى الْبَيْهَقِيّ عَن أبي الضُّحَى عَن مُسلم
عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أَنه
قَالَ: {الله الَّذِي خلق سبع سموات وَمن الأَرْض
مِثْلهنَّ} (الطَّلَاق: 21) . قَالَ: سبع أَرضين فِي كل
أَرض نَبِي كنبيكم وآدَم كآدمكم ونوح كنوحكم وَإِبْرَاهِيم
كإبراهيمكم وَعِيسَى كعيسى، ثمَّ قَالَ: إِسْنَاد هَذَا
الحَدِيث عَن ابْن عَبَّاس صَحِيح، وَهُوَ شَاذ بِمرَّة
لَا أعلم لأبي الضُّحَى عَلَيْهِ مُتَابعًا. وروى ابْن أبي
حَاتِم من طَرِيق مُحَمَّد عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس،
قَالَ: لَو حدثتكم بتفسير هَذِه الْآيَة لكَفَرْتُمْ،
وكفركم تكذيبكم بهَا، وَقد روى أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ من
حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا، أَن بَين كل سَمَاء وسماء
خَمْسمِائَة عَام، وَأَن سمك كل سَمَاء كَذَلِك، وَأَن
بَين كل أَرض
(15/111)
وَأَرْض خَمْسمِائَة عَام. وَأخرجه
إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَالْبَزَّار من حَدِيث أبي ذَر
نَحوه. فَإِن قلت: روى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ من
حَدِيث الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، مَرْفُوعا: بَين كل سَمَاء وسماء إِحْدَى أَو
اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ سنة. قلت: يجمع بَينهمَا بِأَن
اخْتِلَاف الْمسَافَة بَينهمَا بِاعْتِبَار بطء السّير
وسرعته، وَفِي (تَفْسِير النَّسَفِيّ) : وَقيل: إِن
المُرَاد بقوله: سبع أَرضين الأقاليم السَّبْعَة، والدعوة
شَامِلَة جَمِيعهَا، وَقيل: إِنَّهَا سبع أَرضين
مُتَّصِلَة بَعْضهَا بِبَعْض والحائل بَين كل أَرض وَأَرْض
بحار لَا يُمكن قطعهَا وَلَا الْوُصُول إِلَى الأَرْض
الْأُخْرَى وَلَا تصل الدعْوَة إِلَيْهِم قَوْله:
(لِتَعْلَمُوا) اللاَّم تتَعَلَّق بِخلق، وَقيل: بيتنزل،
وَالْأول أقرب، وَأَن الله تَعَالَى قد أحَاط بِكُل شَيْء
علما لَا يخفى عَلَيْهِ شَيْء، وعلماً مصدر من غير لفظ
الْفِعْل أَي: قد علم كل شَيْء علما.
والسَّقْفِ المَرْفُوعِ السَّماءُ
هَذِه حِكَايَة عَمَّا فِي سُورَة الطّور وَهُوَ: {وَالطور
وَكتاب مسطور فِي رق منشور وَالْبَيْت الْمَعْمُور والسقف
الْمَرْفُوع} (الطّور: 1) . فَقَوله: والسقف الْمَرْفُوع،
بِالرَّفْع مُبْتَدأ وَقَوله: {السَّمَاء} (الطّور: 1) .
خَبره وَهُوَ تَفْسِيره، كَذَا فسره مُجَاهِد، رَوَاهُ
ابْن أبي حَاتِم وَغَيره من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَنهُ،
وَيجوز بِالْجَرِّ على طَرِيق الْحِكَايَة عَمَّا فِي
سُورَة الطّور سمى السَّمَاء سقفاً لِأَنَّهَا للْأَرْض
كالسقف للبيت، وَهُوَ يَقْتَضِي الرَّد على من قَالَ: إِن
السَّمَاء كرية، لِأَن السّقف فِي اللُّغَة الْعَرَبيَّة
لَا يكون كرياً، وَفِيه نظر.
سَمْكَهَا بِنَاءَها
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {رفع
سمكها فسواها} (النازعات: 82) . فِي: والنازعات، وَهنا:
سمكها، مَرْفُوع على الِابْتِدَاء وَخَبره قَوْله: بناؤها،
وَيجوز بِالنّصب على الْحِكَايَة. وَقَوله: {رفع سمكها}
(النازعات: 82) . أَي: بناءها يَعْنِي: رفع بنيانها،
والسمك، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْمِيم،
وَهَكَذَا فسره ابْن عَبَّاس، رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم من
طَرِيق ابْن أبي طَلْحَة عَنهُ.
الْحُبُكُ اسْتِوَاؤُهَا وحُسْنُها
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى
{وَالسَّمَاء ذَات الحبك} (الذاريات: 7) . وَيجوز فِي
الحبك الرّفْع على الِابْتِدَاء وَخَبره: استواؤها، وَيجوز
الْجَرّ على الْحِكَايَة، وَالتَّفْسِير الَّذِي فسره
رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَطاء بن السَّائِب عَن
يزِيد عَن سعيد بن جُبَير عَنهُ، والحبك بِضَمَّتَيْنِ جمع
حبيكة، كطرق جمع طَريقَة، وزنا وَمعنى. وَقيل: وَاحِدهَا
حباك كمثال، وَقيل: الحبك الطرائق الَّتِي ترى فِي
السَّمَاء من آثَار الْغَيْم، وروى الطَّبَرِيّ عَن
الضَّحَّاك نَحوه، وَقيل: هِيَ النُّجُوم أخرجه
الطَّبَرِيّ بِإِسْنَاد حسن عَن الْحسن، وروى الطَّبَرِيّ
عَن عبد الله بن عَمْرو: أَن المُرَاد بالسماء هُنَا
السَّمَاء السَّابِعَة.
وأذِنَتْ سَمِعَتْ وأطَاعَتْ
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {إِذا
السَّمَاء انشقت وأذنت لِرَبِّهَا وحقت} (الانشقاق: 1، 2)
. وَرَوَاهُ هَكَذَا ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق سعيد بن
جُبَير عَن ابْن عَبَّاس: {وأذنت لِرَبِّهَا} أَي: أطاعت،
وَمن طَرِيق الضَّحَّاك: أَي: سَمِعت، قَالَ النَّسَفِيّ:
وَحَقِيقَته من أذن الشَّيْء إِذا أصغى إِلَيْهِ أُذُنه
للاستماع، وَالسَّمَاع يسْتَعْمل للإسعاف والإجابة،
كَذَلِك الْإِذْن أَي: أجابت لِرَبِّهَا إِلَى الانشقاق
وَمَا أَرَادَهُ مِنْهَا.
وألْقَتْ أخْرَجَتْ مَا فِيهَا مِنَ المَوْتَى وتَخَلَّتْ
عَنْهُمْ
أَشَارَ إِلَى قَوْله تَعَالَى بعد قَوْله: {وأذنت
لِرَبِّهَا وحقت وَإِذا الأَرْض مدت وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا
وتخلت} (الانشقاق: 2، 3) . وحقت أَي: حق لَهَا أَن تطيع،
وَأَلْقَتْ أَي: طرحت مَا فِيهَا، ومدت من مد الشَّيْء
فامتد وَهُوَ: أَن تَزُول جبالها وآكامها، وكل أمة فِيهَا
حَتَّى تمتد وتنبسط وَيَسْتَوِي ظهرهَا، وتخلت أَي: خلت
غَايَة الْخُلُو حَتَّى لَا يبْقى فِي بَطنهَا شَيْء
كَأَنَّهَا تكلفت أقْصَى جهدها فِي الْخُلُو.
(15/112)
طَحَاهَا دَحاها
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى:
{وَالْأَرْض وَمَا طحاها، وَنَفس وَمَا سواهَا} (الشَّمْس:
6، 7) . وَأَرَادَ بقوله: (دحاها) ، تَفْسِير قَوْله:
{طحاها} وَهَكَذَا فسره مُجَاهِد، أخرجه عَنهُ عبد بن حميد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق ابْن عَبَّاس وَالسُّديّ
وَغَيرهمَا: {دحاها} أَي: بسطها، من الدحو وَهُوَ الْبسط،
يُقَال: دحا يدحو ويدحي، أَي: بسط ووسع.
بالسَّاهِرَةِ وَجْهُ الأرْضِ كانَ فِيهَا الحَيَوَانُ
نَوْمُهُمْ وسَهَرُهُمْ
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِذا
هم بالساهرة} (النازعات: 41) . أَي: وَجه الأَرْض،
وَلَعَلَّه سمى بهَا لِأَن نوم الْخَلَائق وسهرهم فِيهَا،
هَكَذَا فسره عِكْرِمَة، أخرجه ابْن أبي حَاتِم، وَأخرج
أَيْضا من طَرِيق مُصعب بن ثَابت عَن أبي حَازِم عَن سهل
بن سعد فِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِذا هم بالساهرة}
(النازعات: 41) . قَالَ: أَرض بَيْضَاء عفراء كالخبزة،
وَعَن ابْن أبي حَاتِم: المُرَاد بهَا أَرض الْقِيَامَة،
وَقَالَ النَّسَفِيّ: قيل: هَذِه الساهرة جبل عِنْد بَيت
الْمُقَدّس، وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة: {فَإِذا هم
بالساهرة} (النازعات: 41) . بالصقع الَّذِي بَين جبل حسبان
وجبل أرِيحَا.
5913 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عبْدِ الله قَالَ أخْبَرَنَا
ابنُ عَليَّةَ عنْ عَلِيِّ بنِ المُبَارَكِ قَالَ حدَّثنا
يَحْيَى ابنُ أبِي كَثِيرٍ عنْ مُحَمَّدِ بنِ إبْرَاهِيمَ
بنِ الحَارِثِ عنْ أبِي سلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ
وكانَتْ بَيْنَهُ وبَيْنَ أُنَاسٍ خُصُومَةٌ فِي أرْض
فَدَخَلَ علَى عائِشَةَ فَذَكَرَ لَهَا ذَلِكَ فقالَتْ يَا
أبَا سلَمَةَ اجْتَنِبِ الأرْضَ فإنَّ رسُولَ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ
طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعٍ أرَضِينَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (من سبع أَرضين) . وَعلي
بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وَابْن علية اسْمه
إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم، وَعليَّة اسْم أمه وَقد مر
غير مرّة.
والْحَدِيث قد مضى فِي الْمَظَالِم فِي: بَاب إِثْم من ظلم
شَيْئا من الأَرْض، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن أبي معمر
عَن عبد الْوَارِث عَن حُسَيْن عَن يحيى بن أبي كثير إِلَى
آخِره.
قَوْله: (قيد شبر) ، بِكَسْر الْقَاف وَسُكُون الْيَاء آخر
الْحُرُوف، وَهُوَ الْمِقْدَار. قَوْله: (طوقه) ، على
صِيغَة الْمَجْهُول، وَمعنى التطويق أَن يخسف الله بِهِ
الأَرْض فَتَصِير الْبقْعَة الْمَغْصُوبَة مِنْهَا فِي
عُنُقه يَوْم الْقِيَامَة كالطوق، وَقيل: هُوَ أَن يطوق
حملهَا يَوْم الْقِيَامَة، أَي: يُكَلف، لَا من طوق
التَّقْلِيد، بل من طوق التَّكْلِيف.
6913 - حدَّثنا بِشْرُ بنُ مُحَمَّدٍ أخبرَنا عَبْدُ الله
عنْ مُوسَى بنِ عُقْبَةَ عنْ سَالِمٍ عنْ أبِيهِ قَالَ
قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنْ أخَذَ
شَيْئاً مِنَ الأرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ خُسِفَ بِهِ يَوْمَ
القِيامَةِ إِلَى سَبْعِ أرْضِينَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَبشر، بِكَسْر الْبَاء
الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: ابْن مُحَمَّد
الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي،
وَسَالم يروي عَن أَبِيه عبد الله بن الْمُبَارك.
والْحَدِيث مضى فِي الْمَظَالِم فِي: بَاب إِثْم من ظلم،
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم عَن عبد
الله بن الْمُبَارك.
7913 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ الْمُثَنَّى قَالَ حدَّثنا
عبْدُ الوَهَّابِ قَالَ حدَّثنَا أيُّوبُ عنْ مُحَمَّدِ
بنِ سِيرِينَ عنِ ابنِ أبِي بَكْرَةَ عَن أبي بكرَة رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ الزَّمَانُ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ
يَوْمَ خلَقَ السَّمَواتِ والأرْضَ السَّنَةُ اثْنَا
عَشَرَ شَهْرَاً مِنْهَا أرْبَعةٌ حُرُمٌ ثَلاث
مُتَوَالِياتٌ ذُو القَعْدَةِ وذُو الحِجَّةِ
والْمُحَرَّمُ ورَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادي
وشَعْبَانَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة تتأتى بالتعسف لِأَن الْأَحَادِيث
الْمَذْكُورَة فِيهَا التَّصْرِيح بِسبع أَرضين، وَهَذَا
الْمَذْكُور لفظ: الأَرْض فَقَط، وَلَكِن المُرَاد مِنْهُ
سبع أَرضين أَيْضا. وَعبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ، وَأَيوب
السّخْتِيَانِيّ، وَابْن أبي بكرَة عبد الرَّحْمَن،
وَأَبُو بكرَة نفيع بن الْحَارِث الثَّقَفِيّ، وَقد مضى
فِي كتاب الْعلم عَن أبي بكرَة، وَفِي الْحَج أَيْضا من
هَذَا الْوَجْه، وَلَكِن يَأْتِي نَحوه بأتم مِنْهُ فِي
آخر
(15/113)
الْمَغَازِي.
قَوْله: (الزَّمَان) اسْم لقَلِيل الْوَقْت وَكَثِيره،
وَأَرَادَ بِهِ هُنَا السّنة، وَذَلِكَ أَن قَوْله:
(السّنة إثني عشر شهرا) إِلَى آخِره، جمل مستأنفة مبينَة
للجملة الأولى. فَالْمَعْنى أَن الزَّمَان فِي انقسامه
إِلَى الأعوام، والأعوام إِلَى الْأَشْهر عَاد إِلَى أصل
الْحساب والوضع الَّذِي اخْتَارَهُ الله وَوَضعه يَوْم خلق
السَّمَوَات وَالْأَرْض. قَوْله: (اسْتَدَارَ) ، يُقَال:
دَار يَدُور، واستدار يستدير بِمَعْنى: إِذا طَاف حول
الشَّيْء وَإِذا عَاد إِلَى الْموضع الَّذِي ابْتَدَأَ
مِنْهُ، وَمعنى الحَدِيث: أَن الْعَرَب كَانُوا يؤخرون
الْمحرم إِلَى صفر وَهُوَ النسيء الْمَذْكُور فِي قَوْله
تَعَالَى: {إِنَّمَا النسيء زِيَادَة فِي الْكفْر}
(التَّوْبَة: 73) . وَذَلِكَ لِيُقَاتِلُوا فِيهِ، ويفعلون
ذَلِك كل سنة بعد سنة فَينْتَقل الْمحرم من شهر إِلَى شهر
حَتَّى جَعَلُوهُ فِي جَمِيع شهور السّنة، فَلَمَّا كَانَت
تِلْكَ السّنة قد عَاد إِلَى زَمَنه الْمَخْصُوص بِهِ،
قيل: دارت السّنة كهيئتها الأولى، وَقَالَ بَعضهم:
إِنَّمَا أخر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحَج
مَعَ الْإِمْكَان ليُوَافق أصل الْحساب فيحج فِيهِ حجَّة
الْوَدَاع. قَوْله: (كَهَيْئَته) ، الْكَاف صفة مصدر
مَحْذُوف أَي: اسْتَدَارَ استدارة مثل حَالَته يَوْم خلق
السَّمَوَات وَالْأَرْض. قَوْله: (ثَلَاث مُتَوَالِيَات)
إِنَّمَا حذف التَّاء من الْعدَد بِاعْتِبَار أَن الشَّهْر
وَاحِد الْأَشْهر بِمَعْنى اللَّيَالِي، فَاعْتبر لذَلِك
تأنيثه، وَيُقَال: ذَلِك بِاعْتِبَار الْغرَّة أَو
اللَّيْلَة، مَعَ أَن الْعدَد الَّذِي لم يذكر مَعَه
الْمُمَيز جَازَ فِيهِ التَّذْكِير والتأنيث، ويروى:
(ثَلَاثَة) ، على الأَصْل. قَوْله: (ذُو الْقعدَة)
مَرْفُوع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هِيَ ذُو
الْقعدَة، أَو: أَولهَا ذُو الْقعدَة، وَمَا بعده عطف
عَلَيْهِ. قَوْله: (وَرَجَب مُضْمر) عطف على قَوْله:
(ثَلَاث) ، وَلَيْسَ بعطف على قَوْله: وَالْمحرم،
وَإِنَّمَا أَضَافَهُ إِلَى مُضر لِأَنَّهَا كَانَت تحافظ
على تَحْرِيمه أَشد من مُحَافظَة سَائِر الْعَرَب، وَلم
يكن يستحله أحد من الْعَرَب. قَوْله: (بَين جُمَادَى
وَشَعْبَان) ، ذكره تَأْكِيدًا وإزاحة للريب الْحَادِث
فِيهِ من النسىء. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: النسيء تَأْخِير
حُرْمَة شهر إِلَى شهر آخر، كَانُوا يحلونَ الشَّهْر
الْحَرَام ويحرمون مَكَانَهُ شهرا آخر حَتَّى رفضوا
تَخْصِيص الْأَشْهر الْحرم، فَكَانُوا يحرمُونَ من شهور
الْعَام أَرْبَعَة أشهر مُطلقًا، وَرُبمَا زادوا فِي
الْأَشْهر فيجعلونها ثَلَاثَة عشر، أَو أَرْبَعَة عشر،
قَالَ: وَالْمعْنَى: رجعت الْأَشْهر إِلَى مَا كَانَت
عَلَيْهِ وَعَاد الْحَج إِلَى ذِي الْحجَّة وَبَطل النسيء
الَّذِي كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة، وَقد وَافَقت حجَّة
الْوَدَاع ذَا الْحجَّة، فَكَانَت حجَّة أبي بكر، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، قبلهَا فِي ذِي الْقعدَة.
8913 - حدَّثني عُبَيْدُ بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ
حدَّثناأبُو أُسَامَةَ عنْ هِشَامٍ عنْ أبِيهِ عنْ سَعِيدِ
بنِ زَيْدِ بنِ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ أنَّهُ خَاصَمَتْهُ
أرْوَى فِي حَقٍّ زَعَمَ أنَّهُ انْتَقَصَهُ لَهَا إِلَى
مَرْوانَ فقالَ سَعِيدٌ أنَا أنْتَقِصُ مِنْ حقِّهَا
شَيْئاً أشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يقُولُ منْ أخَذَ شِبْرَاً مِنَ الأرْضِ ظُلْماً
فإنَّهُ يُطَوِّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ
أرْضِينَ. (انْظُر الحَدِيث 2542) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبيد، بِضَم الْعين:
واسْمه فِي الأَصْل عبد الله الْهَبَّاري الْقرشِي
الْكُوفِي، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة،
وَهِشَام بن عُرْوَة بن الزبير يروي عَن أَبِيه عُرْوَة،
وَسَعِيد بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل، بِضَم النُّون وَفتح
الْفَاء: الْعَدوي أحد الْعشْرَة المبشرة، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُم.
والْحَدِيث من قَوْله: (لسمعت رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم) إِلَى آخِره، قد مر فِي الْمَظَالِم فِي:
بَاب إِثْم من ظلم شَيْئا من الأَرْض.
قَوْله (أروى) بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الرَّاء وَفتح
الْوَاو وبالقصر بنت أبي أويس بِالسِّين الْمُهْملَة قَالَ
ابْن الْأَثِير لم أتحقق أَنَّهَا صحابية أَو تابعية
قَوْله: (زعمت) ، أَي: أدعت أَنه أَي: أَن سعيد بن زيد
انتقصه، أَي: انتقصها من حَقّهَا فِي أَرض. قَوْله: (إِلَى
مَرْوَان) ، يتَعَلَّق بقوله: خاصمته، أَي: ترافعا إِلَى
مَرْوَان، وَهُوَ كَانَ يَوْمئِذٍ مُتَوَلِّي الْمَدِينَة،
وَقد ترك سعيد الْحق لَهَا ودعا عَلَيْهَا، فَاسْتَجَاب
الله تَعَالَى دعاءه وَمَرَّتْ الْقِصَّة فِي الْمَظَالِم.
قَالَ ابنُ الزِّنادِ عنْ هشامٍ عنْ أبِيهِ قَالَ قَالَ
لِي سَعِيدُ بنُ زَيْدٍ دَخَلْتُ على النَّبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم
ابْن أبي الزِّنَاد، بِكَسْر الزَّاي وبالنون: هُوَ عبد
الرَّحْمَن بن عبد الله مفتي بَغْدَاد، وَأَرَادَ
البُخَارِيّ بِهَذَا التَّعْلِيق بَيَان لِقَاء عُرْوَة
(15/114)
سعيداً وتصريح سَمَاعه مِنْهُ الحَدِيث
الْمَذْكُور، وَقَالَ بَعضهم: وَقد لَقِي عُرْوَة من هُوَ
أقدم من سعيد كوالده الزبير وَعلي وَغَيرهمَا، قلت: لَا
يلْزم من ذَلِك ملاقاته سعيداً من هَذَا الْوَجْه.
3 - (بابٌ فِي النُّجُومِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا جَاءَ فِي النُّجُوم.
وقَالَ قَتَادَةُ {ولَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيَا
بِمَصَابِيحَ} (الْملك: 5) . خلَقَ هَذِهِ النُّجُومُ
لِثَلاثٍ جَعَلَهَا زِينَةً لِلسَّمَاءِ ورُحُومَاً
لِلْشَّياطِينَ وعَلاماتٍ يُهْتَدَى بِهَا فَمنْ تأوَّلَ
فِيها بِغَيْرِ ذلِكَ أخْطأ وأضاع نَصِيبَهُ وتكَلَّفَ مَا
لَا علْمَ لَهُ بِهِ
هَذَا التَّعْلِيق وَصله عبد بن حميد فِي تَفْسِيره عَن
يُونُس عَن سُفْيَان عَنهُ وَزَاد فِي آخِره: وَأَن نَاسا
جهلة بِأَمْر الله قد أَحْدَثُوا فِي هَذِه النُّجُوم
كهَانَة من غرس بِنَجْم كَذَا كَانَ كَذَا، وَمن سَافر
بِنَجْم كَذَا كَانَ كَذَا، ولعمري مَا من النُّجُوم نجم
إلاَّ ويولد بِهِ الطَّوِيل والقصير والأحمر والأبيض
وَالْحسن والدميم، وَقَالَ الدَّاودِيّ: قَول قَتَادَة فِي
النُّجُوم حسن إلاَّ قَوْله: أَخطَأ وأضاع نصِيبه،
فَإِنَّهُ قصر فِي ذَلِك بل قَائِل ذَلِك كَافِر. انْتهى.
ورد عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لم يتَعَيَّن الْكفْر فِي ذَلِك
إلاَّ فِي حق من نسب الاختراع إِلَى النُّجُوم، وَفِي (ذمّ
النُّجُوم) للخطيب الْبَغْدَادِيّ من حَدِيث إِسْمَاعِيل
بن عَيَّاش عَن البحتري بن عبيد الله عَن أَبِيه عَن أبي
ذَر عَن عمر مَرْفُوعا: لَا تسألوا عَن النُّجُوم. وَمن
حَدِيث عبد الله بن مُوسَى عَن الرّبيع بن حبيب عَن
نَوْفَل بن عبد الْملك عَن أَبِيه عَن عَليّ، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ: نهاني رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، عَن النّظر فِي النُّجُوم. وَعَن أبي هُرَيْرَة
وَابْن مَسْعُود وَعَائِشَة وَابْن عَبَّاس نَحوه. وَعَن
الْحسن: أَن قَيْصر سَأَلَ قس بن سَاعِدَة الأيادي: هَل
نظرت فِي النُّجُوم؟ قَالَ: نعم نظرت فِيمَا يُرَاد بِهِ
الْهِدَايَة وَلم أنظر فِيمَا يُرَاد بِهِ الكهانة. وَفِي
(كتاب الأنواء) لأبي حنيفَة: الْمُنكر فِي الذَّم من
النُّجُوم نِسْبَة الْأَمر إِلَى الْكَوَاكِب وَأَنَّهَا
هِيَ المؤثرة، وَأما من نسب التَّأْثِير إِلَى خَالِقهَا
وَزعم أَنه نصبها أعلاماً وصيرها آثاراً لما يحدثه فَلَا
جنَاح عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ هَشِيماً مُتَغَيِّراً
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَأصْبح
هشيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاح} (الْكَهْف: 54) . وَفسّر ابْن
عَبَّاس ورأبة: هشيماً، بقوله: متغيراً، ذكره إِسْمَاعِيل
ابْن أبي زِيَاد فِي تَفْسِيره عَن ابْن عَبَّاس، وَقد جرت
عَادَة البُخَارِيّ أَنه إِذا ذكر آيَة أَو حَدِيثا فِي
التَّرْجَمَة وَنَحْوهَا يذكر أَيْضا بالتبعية على سَبِيل
الاستطراد مَاله أدنى مُلَابسَة بهَا تكثيراً للفائدة.
والأبُّ مَا يأكُلُ الأنْعَامُ
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى:
{وَحَدَائِق غلبا وَفَاكِهَة وأبَّاً} (عبس: 03، 13) .
وَهَذَا أَيْضا تَفْسِير ابْن عَبَّاس أَيْضا، وَوَصله
ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَاصِم بن كُلَيْب عَن أَبِيه
عَنهُ قَالَ الْأَب مَا أَنْبَتَهُ الأَرْض مِمَّا
تَأْكُله الدَّوَابّ وَلَا يَأْكُلهُ النَّاس وَمن طَرِيق
عَطاء وَالضَّحَّاك الْأَب كل شَيْء ينْبت على وَجه
الأَرْض وَزَاد الضَّحَّاك إلاَّ الْفَاكِهَة.
والأنامُ الخَلْقُ
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى:
{وَالْأَرْض وَضعهَا للأنام} فسر الْأَنَام بقوله الْخلق
وَهَذَا تَفْسِير ابْن عَبَّاس أَيْضا رَوَاهُ ابْن أبي
حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَنهُ فِي الْآيَة
الْمَذْكُورَة، وَالْمرَاد بالخلق: الْمَخْلُوق، وروى من
طَرِيق سماك عَن عِكْرِمَة قَالَ: الْأَنَام النَّاس، وَمن
طَرِيق الْحسن قَالَ: الْجِنّ وَالْإِنْس. وَقَالَ
الشّعبِيّ: هُوَ كل ذِي روح.
برْزَخٌ حاجِبٌ
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {بَينهمَا
برزخ لَا يبغيان} (الرحمان: 02) . فسره بقوله: حَاجِب
يَعْنِي: حَاجِب بَين الْبَحْرين لَا يختلطان، وَهَذَا
أَيْضا
(15/115)
تَفْسِير ابْن عَبَّاس، وحاجب: بِالْبَاء
الْمُوَحدَة فِي قَول الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة
الْمُسْتَمْلِي والكشميهني حاجز، بالزاي مَوضِع الْبَاء،
من حجز بَين الشَّيْئَيْنِ إِذا حَال بَينهمَا.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ ألْفافاً مُلْتَفَّةً. والغُلْبُ
المُلْتَفَّةُ
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى مَا رُوِيَ عَن مُجَاهِد فِي
تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {وجنات ألفافاً} (النبإ: 61) .
أَي: ملتفة، وَصله عَنهُ عبد بن حميد من طَرِيق ابْن أبي
نجيح، وَمعنى ملتفة أَي: ملتفة بَعْضهَا على بعض، وألفاف
جمع لف، وَقيل: جمع لفيف، وَحكى الْكسَائي أَنه جمع
الْجمع، وَقَالَ الطَّبَرِيّ: اخْتلف أهل اللُّغَة فِي
وَاحِد الألفاف، فَقَالَ بعض نحاة الْبَصْرَة: لف، وَقَالَ
بعض نحاة الْكُوفَة: لف ولفيف، وَقَالَ الطَّبَرِيّ: إِن
كَانَ الألفاف جمعا فواحده جمع أَيْضا، تَقول: جنَّة لف
وجنات لف. قَوْله: (والغلب الملتفة) إِشَارَة إِلَى مَا
فِي قَوْله تَعَالَى: {وَحَدَائِق غلبا} (عبس: 03) .
وَفسّر الغلب بقوله: الملتفة، وروى ابْن أبي حَاتِم من
طَرِيق عَاصِم بن كُلَيْب عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس:
الحدائق مَا الْتفت، والغلب مَا غلظ، وروى من طَرِيق
عِكْرِمَة عَنهُ: الغلب شجر بِالْجَبَلِ لَا يحمل يستظل
بِهِ.
{فِرَاشاً} (الْبَقَرَة: 22) . مِهَاداً كقَوْلِهِ
{ولَكُمْ فِي الأرْضِ مُسْتَقَرٌ} (الْبَقَرَة: 63) .
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَهُوَ
الَّذِي جعل لكم الأَرْض فراشا} (الْبَقَرَة: 22) .
وَفَسرهُ بقوله: مهاداً، وَبِه فسر قَتَادَة وَالربيع بن
أنس وَصله الطَّبَرِيّ عَنْهُمَا. قَوْله: (كَقَوْلِه:
{وَلكم فِي الأَرْض مُسْتَقر} (الْبَقَرَة: 63) . أَي:
كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلكم فِي الأَرْض مُسْتَقر}
(الْبَقَرَة: 63) . أَي: مَوضِع قَرَار، وَهُوَ بِمَعْنى
المهاد.
نَكِداً قلِيلاً
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى:
{وَالَّذِي خبث لَا يخرج إلاَّ نكداً} (الْأَعْرَاف: 85) .
وَفسّر النكد بقوله: قَلِيلا، وَكَذَا أخرجه ابْن أبي
حَاتِم من طَرِيق السّديّ، قَالَ: {لَا يخرج إلاَّ نكداً}
(الْأَعْرَاف: 85) . قَالَ: النكد: الشَّيْء الْقَلِيل
الَّذِي لَا ينفع. وَأخرج ابْن أبي حَاتِم أَيْضا من
طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: هَذَا مثل ضرب للْكَافِرِ، كالبلد
السبخة المالحة الَّتِي لَا تخرج مِنْهَا الْبركَة.
4 - (بابُ صِفَةِ الشَّمْسِ والقَمَرِ بِحُسْبَانٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان تَفْسِير صفة الشَّمْس
وَالْقَمَر بحسبان.
قالَ مُجَاهِدٌ كَحُسْبَانِ الرَّحَى
يَعْنِي الشَّمْس وَالْقَمَر يجريان بحسبان، يَعْنِي:
بِحِسَاب مَعْلُوم كجري الرَّحَى، يَعْنِي على حِسَاب
الْحَرَكَة الرحوية الدورية وعَلى وَضعهَا، والحسبان قد
يكون مصدرا، تَقول: حسبت حسابا وحسباناً، مثل: الغفران
والكفران والرجحان وَالنُّقْصَان والبرهان، وَقد يكون جمع
الْحساب مثل: الشهبان والركبان والقضبان والرهبان، وَقَول
مُجَاهِد وَصله الْفرْيَابِيّ فِي (تَفْسِيره) من طَرِيق
ابْن أبي نجيح عَنهُ.
وَقَالَ غَيْرُهُ بِحِسَابٍ ومَنَازِلَ لاَ يَعْدُوَانِهَا
أَي: قَالَ غير مُجَاهِد فِي تَفْسِير الْآيَة
الْمَذْكُورَة: إِن مَعْنَاهَا يجريان بحسبان، أَي: بِقدر
مَعْلُوم، ويجريان فِي منَازِل لَا يعدوانها أَي: لَا
يتجاوزان الْمنَازل، روى ذَلِك الطَّبَرِيّ عَن ابْن
عَبَّاس بِإِسْنَاد صَحِيح، وروى عبد بن حميد أَيْضا من
طَرِيق أبي مَالك الْغِفَارِيّ مثله.
حُسْبانٌ جَمَاعَةُ حِسابٍ مِثْلُ شِهابٍ وشُهْبَانٍ
قد ذكرنَا الْآن أَن لفظ حسبان قد يكون جمعا، وَقد يكون
مصدرا.
ضُحَاهَا ضَوْؤُها
(15/116)
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى قَوْله تَعَالَى:
{وَالشَّمْس وَضُحَاهَا} (الشَّمْس: 1) . وَفسّر الضُّحَى
بالضوء، وَصله عبد بن حميد من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَن
مُجَاهِد، قَالَ: {وَالشَّمْس وَضُحَاهَا} (الشَّمْس: 1) .
قَالَ: ضوؤها، وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: يُرِيد أَن
الضُّحَى تقع فِي صدر النَّهَار، وَعِنْده تشتد إضاءة
الشَّمْس، وروى ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق قَتَادَة
وَالضَّحَّاك، وَقَالَ: ضحاها النَّهَار، وَفِي (تَفْسِير
النَّسَفِيّ) . . {وَالشَّمْس وَضُحَاهَا} (الشَّمْس: 1) .
إِذا أشرقت وَقَامَ سلطانها، وَلذَلِك قيل: وَقت الضُّحَى،
وَكَانَ وَجهه شمس الضُّحَى، وَقيل: الضحوة ارْتِفَاع
النَّهَار، وَالضُّحَى فَوق ذَلِك.
أنْ تُدْرِكَ القَمَرَ لاَ يَسْتُرُ ضَوْءُ أحَدِهِما
ضَوْءَ الآخَرِ ولاَ يَنْبَغِي لَهُما ذَلِكَ سَابِقُ
النَّهَارِ يتَطَالَبَانِ حَثِيثَانِ نَسْلَخُ نُخْرِجُ
أحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ ونُجْرِي كلَّ واحِدٍ مِنْهُمَا
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى قَوْله تَعَالَى: {لَا الشَّمْس
يَنْبَغِي لَهَا أَن تدْرك الْقَمَر وَلَا اللَّيْل سَابق
النَّهَار} (يَس: 04) . قَالَ الضَّحَّاك: إِي: لَا يَزُول
اللَّيْل من قبل مَجِيء النَّهَار، وَقَالَ الدَّاودِيّ:
أَي: لَا يَأْتِي اللَّيْل فِي غير وقته. قَوْله: (وَلَا
اللَّيْل سَابق النَّهَار) أَي: يتطالبان حثيثان، أَي:
سريعان، وَقَالَ تَعَالَى: يَطْلُبهُ حثيثاً أَي: سَرِيعا.
قَوْله: (نسلخ مِنْهُ النَّهَار) أَي: نسلخ من اللَّيْل
النَّهَار، والسلخ الْإِخْرَاج. وَيُقَال: سلخت الشَّاة من
الإهاب، وَالشَّاة مسلوخة، وَالْمعْنَى: أخرجنَا النَّهَار
من اللَّيْل إخراجاً لم يبقَ معَهُ شَيْء، فاستعير السلخ
لإِزَالَة الضَّوْء وكشفه عَن مَكَان اللَّيْل وملقى ظله.
قَوْله: (وتجري) بالنُّون من الإجراء. قَوْله: (كل وَاحِد
مِنْهُمَا) ، أَي: من اللَّيْل وَالنَّهَار، وَلما كَانَ
السلخ إِخْرَاج النَّهَار من اللَّيْل وَبِالْعَكْسِ
أَيْضا كَذَلِك، عمم البُخَارِيّ فَقَالَ بِلَفْظ
أَحدهمَا.
واهِيَةٌ وهْيُهَا تَشَقُّقُهَا
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وانشقت السَّمَاء
فَهِيَ يَوْمئِذٍ واهية} (الحاقة: 61) . وَفسّر الوهي
بالتشقيق، وَهَذَا قَول الْفراء، وروى الطَّبَرِيّ عَن
ابْن عَبَّاس: واهية متمزقة ضَعِيفَة.
أرْجَائِها مَا لَمْ يَنْشَقَّ مِنْها فَهْيَ علَى
حافَتَيْهِ كَقَوْلِكَ علَى أرْجَاءِ البِئْرِ
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَالْملك على
أرجائها} (الحاقة: 71) . وَهُوَ جمع الرَّجَاء مَقْصُورا،
وَهُوَ نَاحيَة الْبِئْر، والرجوان حافتا الْبِئْر، وَوَقع
فِي رِوَايَة غير الْكشميهني: فَهُوَ على حافتيها،
وَكَأَنَّهُ أفرد الضَّمِير بِاعْتِبَار لفظ الْملك، وَجمع
بِاعْتِبَار الْجِنْس، وروى عَن قَتَادَة فِي قَوْله:
{وَالْملك على أرجائها} (الحاقة: 71) . أَي: على حافات
السَّمَاء، وروى الطَّبَرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب مثله،
وَعَن سعيد بن جُبَير: على حافاة الدُّنْيَا، وَعَن ابْن
عَبَّاس قَالَ: وَالْملك على حافات السَّمَاء حِين تشقق.
أغْطَشَ وجَنَّ أظْلَمَ
أَشَارَ بقوله: أغطش إِلَى قَوْله تَعَالَى: {أغطش
لَيْلهَا} (النازعات: 92) . وَبِقَوْلِهِ: وجن، إِلَى
قَوْله تَعَالَى: {فلمَّا جن عَلَيْهِ اللَّيْل}
(الْأَنْعَام: 67) . وفسرهما بقوله: أظلم، فَالْأول:
تَفْسِير قَتَادَة أخرجه عبد بن حميد من طَرِيقه،
وَالثَّانِي: تَفْسِير أبي عُبَيْدَة.
وَقَالَ الحَسَنُ كُوِّرَتْ تُكَوَّرُ حتَّى يَذْهَبَ
ضَوْءُهَا
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى قَوْله تَعَالَى: {إِذا الشَّمْس
كورت} (التكوير: 1) . قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: معنى:
كورت، تكور حَتَّى يذهب ضوؤها، وَمعنى تكور تلف، تَقول:
كورت الْعِمَامَة تكويراً إِذا لففتها، والتكوير أَيْضا
الْجمع، تَقول: كورته إِذا جمعته، وَقد أخرج الطَّبَرِيّ
من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس: {إِذا
الشَّمْس كورت} (التكوير:) . يَقُول: أظلمت، وَمن طَرِيق
الرّبيع بن خثيم، قَالَ: كورت، أَي: رمى بهَا، وَمن طَرِيق
أبي يحيى عَن مُجَاهِد: كورت، قَالَ: اضمحلت.
واللَّيْلُ وَمَا وسَقَ جَمَعَ مِنْ دَابَّةٍ
وَصله عبد بن حميد من طَرِيق مبارك بن فضَالة عَن الْحسن
نَحوه.
اتَّسَقَ اسْتَوَى
(15/117)
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى:
{وَالْقَمَر إِذا اتسق} (الانشقاق: 81) . فسره بقوله:
اسْتَوَى، وَصله عبد بن حميد أَيْضا من طَرِيق مَنْصُور
عَنهُ، وأصل اتسق أَو تسق قلبت الْوَاو تَاء وأدغمت
التَّاء فِي التَّاء أَي: تجمع ضوؤه، وَذَلِكَ فِي
اللَّيَالِي الْبيض.
بُرُوجَاً مَنَازِلَ الشَّمْسِ والقَمَرِ
أَشَارَ بِهِ إلَى قولِهِ تعَالَى: {تبَارك الَّذِي جعل
فِي السَّمَاء بروجاً} (الْفرْقَان: 16) . وَفسّر البروج
بالمنازل أَي: منَازِل الشَّمْس وَالْقَمَر. وروى
الطَّبَرِيّ من طَرِيق مُجَاهِد، قَالَ: البروج
الْكَوَاكِب، وَمن طَرِيق أبي صَالح قَالَ: هِيَ النُّجُوم
الْكِبَار، وَقيل: هِيَ قُصُور فِي السَّمَاء، رَوَاهُ عبد
بن حميد من طَرِيق يحيى بن رَافع، وَمن طَرِيق قَتَادَة
قَالَ: هِيَ قُصُور على أَبْوَاب السَّمَاء فِيهَا الحرس،
وَعند أهل الْهَيْئَة: البروج غير الْمنَازل، فالبروج
اثْنَا عشر، والمنازل ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ، فَكل برج
عبارَة عَن منزلتين، وَثلث مِنْهَا، وَبِهَذَا يحصل
الْجَواب عَمَّا قيل: كَيفَ يُفَسر البروج بالمنازل
والبروج اثْنَا عشر والمنازل ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ؟ أَو
المُرَاد بالمنازل مَعْنَاهَا اللّغَوِيّ لَا الَّتِي
عَلَيْهِ أهل التنجيم.
الحَرُورُ بالنَّهَارِ مَعَ الشَّمْسِ
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَلَا الظل وَلَا
الحرور} (فاطر: 12) . وَفسّر الحرور بِأَنَّهُ يكون
بِالنَّهَارِ مَعَ الشَّمْس، كَذَا رُوِيَ عَن أبي
عُبَيْدَة، وَقَالَ الْفراء: الحرور الْحر الدَّائِم
لَيْلًا كَانَ أَو نَهَارا، والسموم بِالنَّهَارِ خَاصَّة.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ ورؤبة: الحَرُورُ باللَّيْلِ
والسَّمُومُ بالنَّهَارِ
رؤبة بِضَم الرَّاء ابْن العجاج، اسْمه عبد الله بن رؤبة
بن لبيد بن صَخْر بن كنيف بن عميرَة بن حييّ بن ربيعَة بن
سعد ابْن مَالك بن سعد التَّمِيمِي السَّعْدِيّ من سعد
تَمِيم الْبَصْرِيّ هُوَ وَأَبوهُ راجزان مشهوران عالمان
باللغة، وهما من الطَّبَقَة التَّاسِعَة من رجال
الْإِسْلَام، وَتَفْسِير رؤبة هَذَا ذكره أَبُو عبيد عَنهُ
فِي (الْمجَاز) وَقَالَ السّديّ: المُرَاد بالظل والحرور
فِي الْآيَة الْجنَّة وَالنَّار أخرجه ابْن أبي حَاتِم
عَنهُ.
يُقَالُ يُولِجُ يْكَوِّرُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {يولج اللَّيْل فِي
النَّهَار} (الْحَج: 162، لُقْمَان: 92، فاطر: 312،
الْحَدِيد: 6) . وَفَسرهُ بقوله: يكور، وَقَالَ بَعضهم:
يكور كَذَا، يَعْنِي بالراء فِي رِوَايَة أبي ذَر
وَرَأَيْت فِي رِوَايَة ابْن شبويه: يكون، بنُون وَهُوَ
الْأَشْبَه. قلت: الْأَشْبَه بالراء لِأَن معنى يكور يلف
النَّهَار فِي اللَّيْل. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: يولج
أَي ينقص من اللَّيْل فيزيد فِي النَّهَار، وَكَذَلِكَ
النَّهَار، وروى عبد بن حميد من طَرِيق مُجَاهِد قَالَ:
مَا نقص من أَحدهمَا دخل فِي الآخر يتقاصان ذَلِك فِي
السَّاعَات.
ولِيجَةً كلُّ شَيْءٍ أدْخَلْتَهُ فِي شَيْءٍ
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى لفظ: وليجة، الْمَذْكُور فِي قَوْله
تَعَالَى: {أم حسبتم أَن تتركوا وَلما يعلم الله الَّذين
جاهدوا مِنْكُم وَلم يتخذوا من دون الله وَلَا رَسُوله
وَلَا الْمُؤمنِينَ وليجة} (التَّوْبَة: 61) . وَقد فسر
وليجة بقوله: (كل شَيْء أدخلته فِي شَيْء) . قَوْله: {أَن
تتركوا} (التَّوْبَة: 61) . أَي: أم حسبتم أَيهَا
الْمُؤْمِنُونَ أَن نترككم مهملين وَلَا نختبركم بِأُمُور
يظْهر فِيهَا أهل الْعَزْم والصدق من الْكَاذِب؟ وَلِهَذَا
قَالَ: {وَلما يعلم الله} (التَّوْبَة: 61) . إِلَى
قَوْله: {وليجة} (التَّوْبَة: 61) . أَي: بطانة ودخيلة، بل
هم فِي الظَّاهِر وَالْبَاطِن على النصح لله
وَلِرَسُولِهِ، فَاكْتفى بِأحد الْقسمَيْنِ عَن الآخر.
وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ: الوليجة الْخِيَانَة، وَقيل:
الخديعة، وَقيل: البطانة من غير الْمُسلمين وَهُوَ أَن
يتَّخذ الرجل من الْمُسلمين دخيلاً من الْمُشْركين يفشون
إِلَيْهِم أسرارهم، وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: كل شَيْء
أدخلته فِي شَيْء لَيْسَ مِنْهُ فَإِنَّهُ وليجة.
9913 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ قَالَ حدَّثنا
سُفْيَانُ عنِ الأعْمَشِ عنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيَّ عنْ
أبِيهِ عنْ أبِي ذَرٍّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ
قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأِبِيَّ ذَرٍّ
حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ أتَدْرِي
(15/118)
أيْنَ تَذْهَبُ قُلْتُ الله ورسُولُهُ
أعْلَمُ قَالَ فإنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ
العَرْشِ فَتَسْتَأذِنَ فَيُؤذَنُ لَهَا ويُوشِكُ أنْ
تَسْجُدَ فَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا وتَسْتَأذِنَ فَلاَ
يُؤذَنُ لَهَا يُقالُ لَها ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ
فتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى:
{والشَّمُسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ
العَزِيزِ العَلِيمِ} (ي س: 83) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْمَذْكُور فِيهِ من
جملَة صِفَات الشَّمْس الَّتِي تعرض عَلَيْهَا، وَزعم
بَعضهم أَن وَجه الْمُطَابقَة هُوَ سير الشَّمْس فِي كل
يَوْم وَلَيْلَة، وَلَيْسَ ذَلِك بِوَجْه، وَالدَّلِيل على
وَجه مَا قُلْنَا أَن فِي بعض النّسخ ذكر هَذَا: بَاب صفة
الشَّمْس، ثمَّ ذكر الحَدِيث الْمَذْكُور، والألفاظ
الَّتِي ذكرهَا من قَوْله: قَالَ مُجَاهِد: كحسبان
الرَّحَى، إِلَى هَذَا الحَدِيث لَيْسَ بموجودة فِي بعض
النّسخ.
وَرِجَال هَذَا الحَدِيث كلهم مضوا عَن قريب،
وَإِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ يروي عَن أَبِيه يزِيد من
الزِّيَادَة ابْن شريك ابْن طَارق التَّيْمِيّ الْكُوفِي،
وَهُوَ يروي عَن أبي ذَر واسْمه جُنْدُب بن جُنَادَة، وَقد
اخْتلف فِي اسْمه وَاسم أَبِيه اخْتِلَافا كثيرا أشهرها
مَا ذَكرْنَاهُ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن
الْحميدِي وَعَن أبي نعيم وَفِي التَّوْحِيد عَن عَيَّاش
عَن يحيى بن جَعْفَر. وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن
أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن أبي كريب وَعَن إِسْحَاق بن
إِبْرَاهِيم وَأبي سعيد الْأَشَج عَن إِسْحَاق وَيحيى بن
أَيُّوب وَعَن عبد الحميد. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي
الْحُرُوف عَن عُثْمَان والقواريري. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ
فِي الْفِتَن وَفِي التَّفْسِير عَن هناد. وَأخرجه
النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن إِسْحَاق بن
إِبْرَاهِيم.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَتَدْرِي؟) الْغَرَض من هَذَا
الِاسْتِفْهَام إِعْلَامه بذلك. قَوْله: (حَتَّى تسْجد
تَحت الْعَرْش) ، فَإِن قلت: مَا المُرَاد بِالسُّجُود
إِذْ لَا جبهة لَهَا، والانقياد حَاصِل دَائِما؟ قلت:
الْغَرَض تشبيهها بالساجد عِنْد الْغُرُوب. فَإِن قلت: يرى
أَنَّهَا تغيب فِي الأَرْض، وَقد أخبر الله تَعَالَى
أَنَّهَا تغرب فِي عين حمئة، فَأَيْنَ هِيَ من الْعَرْش؟
قلت: الأرضون السَّبع فِي ضرب الْمِثَال كقطب الرَّحَى،
وَالْعرش لعظم ذَاته كالرحى، فأينما سجدت الشَّمْس سجدت
تَحت الْعَرْش، وَذَلِكَ مستقرها. فَإِن قلت: أَصْحَاب
الْهَيْئَة قَالُوا: الشَّمْس مرصعة فِي الْفلك فَإِنَّهُ
يَقْتَضِي أَن الَّذِي يسير هُوَ الْفلك، وَظَاهر الحَدِيث
أَنَّهَا هِيَ الَّتِي تسير وتجري؟ قلت: أما أَولا فَلَا
اعْتِبَار لقَوْل أهل الْهَيْئَة عِنْد مصادمة كَلَام
الرَّسُول، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَلَام الرَّسُول،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، هُوَ الْحق لَا مرية فِيهِ،
وَكَلَامهم حدس وتخمين، وَلَا مَانع فِي قدرَة الله
تَعَالَى أَن تخرج الشَّمْس من مجْراهَا وَتذهب إِلَى تَحت
الْعَرْش فتسجد ثمَّ ترجع. فَإِن قلت: قَالَ الله
تَعَالَى: {وكل فِي فلك يسبحون} (الْأَنْبِيَاء: 33، ي س:
04) . أَي: يدورون. قلت: دوران الشَّمْس فِي فلكها لَا
يسْتَلْزم منع سجودها فِي أَي مَوضِع أَرَادَهُ الله
تَعَالَى، وَقَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن يكون المُرَاد
بِالسُّجُود من هُوَ مُوكل بهَا من الْمَلَائِكَة. قلت:
هَذَا الِاحْتِمَال غير ناشىء عَن دَلِيل فَلَا يعْتَبر
بِهِ، وَهُوَ أَيْضا مُخَالف لظَاهِر الحَدِيث، وعدول عَن
حَقِيقَته، وَقيل: المُرَاد من قَوْله: تَحت الْعَرْش،
أَي: تَحت الْقَهْر وَالسُّلْطَان. قلت: لماذا الهروب من
ظَاهر الْكَلَام وَحَقِيقَته؟ على أَنا نقُول: السَّمَوَات
والأرضون وَغَيرهمَا من جَمِيع الْعَالم تَحت الْعَرْش،
فَإِذا سجدت الشَّمْس فِي أَي مَوضِع قدره الله تَعَالَى
يَصح أَن يُقَال: سجدت تَحت الْعَرْش، وَقَالَ ابْن
الْعَرَبِيّ: وَقد أنكر قوم سُجُود الشَّمْس وَهُوَ صَحِيح
مُمكن. قلت: هَؤُلَاءِ قوم من الْمَلَاحِدَة لأَنهم
أَنْكَرُوا مَا أخبر بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَثَبت عَنهُ بِوَجْه صَحِيح: وَلَا مَانع من قدرَة
الله تَعَالَى أَن يمكَّن كل شَيْء من الْحَيَوَان
والجمادات أَن يسْجد لَهُ. قَوْله: (فَتَسْتَأْذِن) ، يدل
على أَنَّهَا تعقل، وَكَذَلِكَ قَوْله: (تسْجد) ، قَالَ
الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: فيمَ تستأذن؟ قلت: الظَّاهِر
أَنه فِي الطُّلُوع من الْمشرق، وَالله أعلم بِحَقِيقَة
الْحَال. انْتهى. قلت: لَا حَاجَة إِلَى الْقَيْد بقوله:
الظَّاهِر، لِأَنَّهُ لَا شكّ أَن استئذانها هَذَا لأجل
الطُّلُوع من الْمشرق على عَادَتهَا، فَيُؤذن لَهَا، ثمَّ
إِذا قرب يَوْم الْقِيَامَة تستأذن فِي ذَلِك فَلَا يُؤذن
لَهَا كَمَا فِي الحَدِيث الْمَذْكُور. قَوْله: (ويوشك أَن
تسْجد) لفظ: يُوشك، من أَفعَال المقاربة، وَهِي على
أَنْوَاع: مِنْهَا مَا وضع للدلالة على قرب الْخَبَر،
وَهُوَ ثَلَاثَة: كَاد وكرب وأوشك، كَمَا عرف
(15/119)
فِي مَوْضِعه، فعلى هَذَا معنى: ويوشك أَن
تسْجد، وَيقرب أَن تسْجد، وَقد علم أَن أَفعَال المقاربة
مُلَازمَة لصيغة الْمَاضِي إلاَّ أَرْبَعَة أَلْفَاظ،
فَاسْتعْمل لَهَا مضارع مِنْهَا: أوشك. قَوْله: (فَلَا
يقبل مِنْهَا) يَعْنِي: لَا يُؤذن لَهَا حَتَّى تسْجد.
قَوْله: (وتستأذن فَلَا يُؤذن لَهَا) ، يَعْنِي: تستأذن
بالسير إِلَى مطْلعهَا فَلَا يُؤذن لَهَا. فَذَلِك قَوْله
تَعَالَى: {وَالشَّمْس تجْرِي لمستقر لَهَا} (ي س: 34) .
أَشَارَ بقوله، فَذَلِك إِلَى مَا تضمن قَوْله: فَإِنَّهَا
تذْهب إِلَى آخِره. قَوْله: (لمستقر لَهَا) يَعْنِي: إِلَى
مُسْتَقر لَهَا. قَالَ ابْن عَبَّاس: لَا يبلغ مستقرها
حَتَّى ترجع إِلَى منازلها. قَالَ قَتَادَة: إِلَى وَقت
وَأجل لَهَا لَا تعدوه، وَقيل: إِلَى انْتِهَاء أمرهَا
عِنْد انْقِضَاء الدُّنْيَا، وَقيل: إِلَى أبعد منازلها
فِي الْغُرُوب، وَقيل: لحد لَهَا من مسيرها كل يَوْم فِي
مرأى عيوننا وَهُوَ الْمغرب، وَقيل: مستقرها أجلهَا
الَّذِي أقرّ الله عَلَيْهِ أمرهَا فِي جريها فاستقرت
عَلَيْهِ، وَهُوَ آخر السّنة. وَعَن ابْن عَبَّاس: إِنَّه
قَرَأَ {لَا مُسْتَقر لَهَا} وَهِي قِرَاءَة ابْن
مَسْعُود، أَي: لَا قَرَار لَهَا فَهِيَ جَارِيَة أبدا
{ذَلِك} (يس: 34) . الجري على ذَلِك التَّقْدِير والحساب
الدَّقِيق الَّذِي يكلُّ الفطن عَن استخراجه وتتحير
الأفهام فِي استنباط مَا هُوَ إلاَّ {تَقْدِير الْعَزِيز}
(ي س: 34) . الْغَالِب بقدرته على كل مَقْدُور {الْعَلِيم}
(ي س: 34) . الْمُحِيط علما بِكُل مَعْلُوم، فَإِن قلت:
روى مُسلم عَن أبي ذَر قَالَ: سَأَلت رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قَول الله تَعَالَى: {وَالشَّمْس
تجْرِي لمستقر لَهَا} (ي س: 34) . قَالَ: مستقرها تَحت
الْعَرْش. قلت: لَا يُنكر أَن يكون لَهَا اسْتِقْرَار تَحت
الْعَرْش من حَيْثُ لَا ندركه وَلَا نشاهده، وَإِنَّمَا
أخبر عَن غيب فَلَا نكذبه وَلَا نكيفه إِن علمنَا لَا
يُحِيط بِهِ.
0023 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ العَزِيزِ
بنُ الْمُخْتَارِ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الله الدَّانَاجُ
قَالَ حدَّثني أَبُو سلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ
أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النَّبِيِّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الشَّمْسُ والقَمَرُ
مُكَوَّرَانِ يَوْمَ القِيَامَةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن تكور الشَّمْس
وَالْقَمَر من صفاتهما. وَعبد الله هُوَ ابْن فَيْرُوز
الداناج، بِالدَّال الْمُهْملَة وَتَخْفِيف النُّون وَفِي
آخِره جِيم، وَيُقَال: بِدُونِ الْجِيم أَيْضا، وَهُوَ
مُعرب، وَمَعْنَاهُ: الْعَالم وَهُوَ بَصرِي.
قَوْله: (مكوران) أَي: مطويان ذَاهِبًا الضَّوْء، وَقَالَ
ابْن الْأَثِير: أَي: يلفان ويجمعان، وَفِي رِوَايَة كَعْب
الْأَحْبَار: يجاء بالشمس وَالْقَمَر ثورين يكوران فِي
النَّار يَوْم الْقِيَامَة، أَي: يلفان ويلقيان فِي
النَّار، وَالرِّوَايَة: ثورين، بالثاء الْمُثَلَّثَة
كَأَنَّهُمَا يمسخان، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: وَقد رُوِيَ
بالنُّون وَهُوَ تَصْحِيف، وَقَالَ الطَّبَرِيّ
بِإِسْنَادِهِ عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس: تَكْذِيب
كَعْب فِي قَوْله: هَذِه يَهُودِيَّة يُرِيد إدخالها فِي
الْإِسْلَام، الله أكْرم وَأجل من أَن يعذب على طَاعَته،
ألم تَرَ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وسخر لكم الشَّمْس
وَالْقَمَر دائبين} (إِبْرَاهِيم: 33) . يَعْنِي: دوامهما
فِي طَاعَته، فَكيف يعذب عَبْدَيْنِ اثنى الله
عَلَيْهِمَا؟ انْتهى.
قلت: قد رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة وَأنس أَيْضا مثل مَا
رُوِيَ عَن كَعْب. أما حَدِيث أبي هُرَيْرَة فقد قَالَ
الْخطابِيّ: وَرُوِيَ فِي هَذَا الحَدِيث زِيَادَة لم
يذكرهَا أَبُو عبد الله وَهِي مَا حَدثنَا ابْن
الْأَعرَابِي حَدثنَا عَبَّاس الدوري حَدثنَا يُونُس بن
مُحَمَّد حَدثنَا عبد الْعَزِيز الْمُخْتَار عَن عبد الله
الداناج: شهِدت أَبَا سَلمَة، حَدثنَا أَبُو هُرَيْرَة عَن
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه قَالَ: (إِن
الشَّمْس وَالْقَمَر ثوران يكوران فِي النَّار يَوْم
الْقِيَامَة) . قَالَ الْحسن: وَمَا ذنبهما؟ قَالَ أَبُو
سَلمَة: أَنا أحَدثك عَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَأَنت تَقول مَا ذنبهما؟ فَسكت الْحسن. وَأما مَا
رُوِيَ عَن أنس فقد رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ
فِي (مُسْنده) : عَن يزِيد الرقاشِي عَن أنس مَرْفُوعا:
(أَن الشَّمْس وَالْقَمَر ثوران عقيران فِي النَّار) .
وَذكره أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِي فِي بعض نسخ
(أَطْرَافه) موهماً أَن ذَلِك فِي الصَّحِيح، وَذكر ابْن
وهب فِي (كتاب الْأَمْوَال) : عَن عَطاء بن يسَار أَنه
تَلا هَذِه الْآيَة: وَجمع {الشَّمْس وَالْقَمَر}
(إِبْرَاهِيم: 33) . قَالَ: يجمعان يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ
يقذفان فِي النَّار فيكونان فِي نَار الله الْكُبْرَى،
وَقَالَ الْخطابِيّ: لَيْسَ المُرَاد بكونهما فِي النَّار،
تعذيبهما بذلك، وَلكنه تبكيت لمن لَكَانَ يعبدهما فِي
الدُّنْيَا ليعلموا أَن عِبَادَتهم لَهما كَانَت بَاطِلَة.
وَقيل: إنَّهُمَا خلقا من النَّار فأعيدا فِيهَا، وَيرد
هَذَا القَوْل مَا رُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود مَرْفُوعا:
(تكلم رَبنَا بكلمتين صير إِحْدَاهمَا شمساً وَالْأُخْرَى
قمراً وَكِلَاهُمَا من النُّور ويعادان يَوْم الْقِيَامَة
إِلَى الْجنَّة) . وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: لَا يلْزم
من جَعلهمَا فِي النَّار تعذيبهما، فَإِن الله فِي النَّار
مَلَائِكَة وَغَيرهَا لتَكون لأهل النَّار عذَابا وَآلَة
من آلَات الْعَذَاب.
(15/120)
1023 - حدَّثنا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ
قَالَ حدَّثني ابنُ وَهْبٍ قَالَ أخبرَني عَمْرٌ وأنَّ
عَبْدَ الرَّحْمانِ ابنَ القاسِمِ قَالَ حدَّثَهُ عنْ
أبِيهِ عنْ عبْدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى
عنهُما أنَّهُ كانَ يُخْبِرُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إنَّ الشَّمْسَ والقَمَرَ لاَ
يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ
ولَكِنَّهُمَا آيَتانِ مِنْ آيَاتِ الله فإذَا
رَأيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا. (انْظُر الحَدِيث 2401) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْكُسُوف الَّذِي
يعرض للشمس والخسوف الَّذِي يعرض للقمر من صفاتهما.
وَيحيى بن سُلَيْمَان بن يحيى أَبُو سعيد الْجعْفِيّ
الْكُوفِي، سكن مصر وَمَات بهَا سنة سبع وَثَلَاثِينَ
وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَابْن وهب هُوَ عبد
الله بن وهب الْمصْرِيّ، وَعَمْرو هُوَ ابْن الْحَارِث
الْمصْرِيّ، وَعبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم يروي عَن
أَبِيه الْقَاسِم بن مُحَمَّد ابْن أبي بكر الصّديق، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ.
وَهَذَا الحَدِيث قد مضى فِي أول أَبْوَاب الْكُسُوف،
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن أصبغ عَن ابْن وهب إِلَى
آخِره نَحوه، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله:
(فصلوا) أَي: صَلَاة الْكُسُوف.
2023 - ح دَّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ أبِي أُوَيْسٍ قَالَ
حدَّثني مالِكٌ عنْ زَيْدِ بنِ أسْلَمَ عنْ عَطَاءِ ابنِ
يَسارٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ عِبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى
عنهُما قَالَ قَالَ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إنَّ الشَّمْسَ والقَمَرَ آيَتانِ مِنْ آيَاتِ الله لاَ
يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أحَدٍ ولاَ لِحَيَاتِهِ فإذَا
رأيْتُمْ ذَلِكَ فاذْكُرُوا الله. .
مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مَا ذكرنَا فِي الحَدِيث
السَّابِق. والْحَدِيث مضى بأتم وأطول مِنْهُ فِي: بَاب
صَلَاة الْكُسُوف، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن عبد الله
بن مسلمة عَن مَالك ... إِلَى آخِره.
3023 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ قَالَ حدَّثنا
اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ أخْبَرَنِي
عُرْوَةُ أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا
أخْبَرَتْهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَوْمَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ قامَ فَكَبَّرَ وقرَأَ
قِرَاءَةً طَوِيلَةً ثُمَّ رَكَعَ ركُوعَاً طَوِيلاً ثُمَّ
رَفَعَ رأسَهُ فَقَالَ سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ وقامَ
كَمَا هُوَ فقَرَأ قِرَاءَةً طَوِيلَةً وهِيَ أدْنَى مِنَ
القِرَاءَةِ الأولى ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعاً طَوِيلاً وهْوَ
أدْنَى مِنَ الرَّكْعَةِ الأولى ثُمَّ سَجَدَ سُجُودَاً
طَوِيلاً ثُمَّ فعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِثْلَ
ذَلِكَ ثُمَّ سلَّمَ وقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ فخَطَبَ
النَّاسَ فَقَالَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ والقَمَرِ
إنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آياتِ الله لاَ يَخْسِفَانِ
لِمَوْتِ أحَدٍ ولاَ لِحَيَاتِهِ فإذَا رَأيْتُمُوهُمَا
فافْزَعُوا إِلَى الصَّلاةِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مُطَابقَة مَا قبله. والْحَدِيث
مضى فِي: بَاب هَل يَقُول: كسفت الشَّمْس أَو خسفت؟
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن سعيد بن عفير عَن اللَّيْث
... إِلَى آخِره نَحوه. قَوْله: (فافزعوا) أَي: التجئوا
إِلَى الصَّلَاة وَذكر الله.
4023 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ الْمُثَنَّى قَالَ حدَّثنا
يَحْيَى عنْ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثني قَيْسٌ عنْ أبِي
مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النَّبِيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الشَّمْسُ والقَمَرُ لاَ
يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أحَدٍ ولاَ لِحَيَاتِهِ
ولَكِنَّهُمَا آيَتانِ مِنْ آيَاتِ الله فإذَا
رَأيْتُمُوهُما فَصَلُّوا. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَيحيى هُوَ ابْن سعيد
الْقطَّان، وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي خَالِد الأحمسي
البَجلِيّ مَوْلَاهُم الْكُوفِي، وَقيس بن أبي حَازِم
واسْمه: عَوْف الأحمسي البَجلِيّ، وَأَبُو مَسْعُود اسْمه:
عقبَة بن عَمْرو البدري. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَفِي
بَعْضهَا ابْن مَسْعُود، أَي: عبد الله، وَهَذَا وَإِن
كَانَ صَحِيحا من جِهَة أَن قيس بن أبي حَازِم بالزاي يروي
عَنهُ أَيْضا، لَكِن الرِّوَايَات
(15/121)
متعاضدة، على أَن الحَدِيث فِي مسانيد
عقبَة لَا عبد الله. والْحَدِيث مضى فِي: بَاب لَا ينكسف
الشَّمْس لمَوْت أحد وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَالله أعلم.
5 - (بابُ مَا جاءَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {وهْوَ الَّذي
يُرْسِلُ الرِّيَاحَ نُشُراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ}
(الْأَعْرَاف: 75) .)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا جَاءَ ... إِلَى آخِره.
قاصِفاً تَقْصِفُ كُلَّ شَيْءٍ
أَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِير لفظ: قاصفاً، فِي قَوْله
تَعَالَى: {فَيُرْسل عَلَيْكُم قاصفاً من الرّيح}
(الْإِسْرَاء: 96) . وَفَسرهُ بقوله: تقصف كل شَيْء،
يَعْنِي تَأتي عَلَيْهِ. . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هِيَ
الَّتِي تقصف كل شَيْء أَي: تحطم، وروى الطَّبَرِيّ من
طَرِيق ابْن جريج، قَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس: القاصف
الَّتِي تفرق، هَكَذَا رَوَاهُ مُنْقَطِعًا، لِأَن ابْن
جريج لم يدْرك ابْن عَبَّاس.
لَوَاقِحَ مَلاَقِحَ مُلْقِحَة
أَشَارَ بِهِ إِلَى لفظ: لَوَاقِح، فِي قَوْله تَعَالَى:
{وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاح لَوَاقِح} (الْحَج: 22) . وَفسّر
اللواقح بالملاقح جمع ملقحة، وَهُوَ من النَّوَادِر،
يُقَال: إلقح الْفَحْل النَّاقة وَالرِّيح السَّحَاب ورياح
لَوَاقِح، وَقَالَ ابْن السّكيت: اللواقح الْحَوَامِل.
وَعَن أبي عُبَيْدَة: الملاقح جمع ملقحة وملقح، مثل مَا
قَالَ البُخَارِيّ، وَأنْكرهُ غَيره، فَقَالَ: جمع لاقحة
ولاقح على النّسَب، أَي: ذَات اللقَاح، وَالْعرب تَقول
للجنوب: لاقح وحامل، وللشمال حَائِل وعقيم. وَقَالَ ابْن
مَسْعُود: لَوَاقِح تحمل الرّيح المَاء فتلقح السَّحَاب
وتمر بِهِ فيدر كَمَا تدر اللقحة ثمَّ يمطر، وَقَالَ ابْن
عَبَّاس: تلقح الرِّيَاح وَالشَّجر والسحاب وتمر بِهِ،
وَقَالَ عبد الله بن عمر: الرِّيَاح ثَمَانِيَة: أَربع
عَذَاب وَأَرْبع رَحْمَة، فالرحمة: الناشرات والذاريات
والمرسلات والمبشرات، وَأما الْعَذَاب: فالعاصف والقاصف،
وهما فِي الْبَحْر والصرصر والعقيم، وهما فِي الْبر.
إعْصَارٌ ريحٌ عاصفٌ تَهُبُّ مِنَ الأرْضِ إِلَى
السَّمَاءِ كعَمُودٍ فيهِ نَارٌ
أشارَ بِهَذَا إِلَى تَفْسِير لفظ: إعصار، فِي قَوْله
تَعَالَى: {فأصابها إعصار فِيهِ نَار} (الْبَقَرَة: 662) .
وَعَن ابْن عَبَّاس: هِيَ الرّيح الشَّدِيدَة، وَقيل: ريح
عاصف فِيهَا سموم، وَقيل: هِيَ الَّتِي يسميها النَّاس
الزوبعة، وَعَن الضَّحَّاك: الإعصار ريح فِيهَا برد
شَدِيد، وَالَّذِي قَالَه البُخَارِيّ أظهر لقَوْله
تَعَالَى: {فِيهِ نَار} (الْبَقَرَة: 662) . وَهُوَ
تَفْسِير أبي عُبَيْدَة.
صِرٌّ بَرْدٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِير لفظ: صر، فِي قَوْله
تَعَالَى: {ريح فِيهَا صر} (آل عمرَان: 711) . قَالَ أَبُو
عُبَيْدَة: الصر شدَّة الْبرد.
نُشُراً مُتَفَرِّقَةً
فسر: نشراً، الَّذِي فِي قَوْله تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي
يُرْسل الرِّيَاح نشراً بَين يَدي رَحمته} (آل عمرَان: 11)
. الَّذِي وَصفه برحمة بقوله: مُتَفَرِّقَة، وَهُوَ جمع
نشور، وَعَن عَاصِم، كَأَنَّهُ جمع نشر، وَعَن مُحَمَّد
الْيَمَانِيّ: هُوَ الْمَطَر.
5023 - حدَّثنا آدَمُ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنِ الحَكَمِ
عنْ مُجَاهِدٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى
عنهُما عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ
نُصِرْتُ بالصَّبَا وأُهْلِكَتْ عادٌ بالدَّبُورِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهُ يتَضَمَّن ريح
الرَّحْمَة. والحَكَم بِفتْحَتَيْنِ هُوَ ابْن عتيبة،
والْحَدِيث مضى فِي الاسْتِسْقَاء فِي: بَاب قَول النبيَّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: نصرت بالصبا، فَإِنَّهُ أخرجه
هُنَاكَ: عَن مُسلم عَن شُعْبَة إِلَى آخِره.
(15/122)
6023 - حدَّثنا مَكِّيُّ بنُ إبْرَاهِيمَ
قَالَ حدَّثَنا ابنُ جُرَيْجٍ عنْ عطَاءٍ عنْ عائِشَةَ
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ كانَ النَّبيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا رأى مَخِيلَةً فِي السَّماءِ
أقْبَلَ وأدْبرَ ودَخَلَ وخَرَجَ وتَغَيَّرَ وجهُهُ فإذَا
أمْطَرَتِ السَّماءُ سُرِّيَ عنْهُ فَعرَّفَتْهُ عائِشَةُ
ذَلِكَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا
أدْرِي لَعَلَّهُ كَما قَالَ قَوْمٌ {فلَمَّا رَأوْهُ
عارِضَاً مُسْتَقْبِلَ أوْدِيَتِهِمْ} (الْأَحْقَاف: 42) .
الْآيَة. (الحَدِيث 6023 طرفه فِي: 9284) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه مُشْتَمل على ذكر
الرّيح والمطر الَّذِي يَأْتِي بِهِ الرّيح. ومكي بن
إِبْرَاهِيم بن بشر بن فرقد الْحَنْظَلِي الْبَلْخِي،
وَلَفظ: مكي، على صُورَة النِّسْبَة، اسْمه وَلَيْسَ هُوَ
مَنْسُوبا إِلَى مَكَّة، وَقد وهم الْكرْمَانِي، فَقَالَ:
مكي، نِسْبَة إِلَى مَكَّة وَقَالَ فِي مَوضِع آخر:
كالمنسوب إِلَى مَكَّة: وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن
عبد الْعَزِيز بن جريج وَعَطَاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح.
والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن عبد
الرَّحْمَن بن الْأسود الْبَصْرِيّ. وَأخرجه النَّسَائِيّ
فِيهِ عَن مُحَمَّد بن يحيى بن أَيُّوب الْمروزِي.
قَوْله: (مخيلة) بِفَتْح الْمِيم وَكسر الْخَاء
الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَهِي:
السحابة الَّتِي بخال فِيهَا الْمَطَر. قَوْله: (وَتغَير
وَجهه) خوفًا أَن تصيب أمته عُقُوبَة ذَنْب الْعَامَّة
كَمَا أصَاب الَّذين {قَالُوا: هَذَا عَارض مُمْطِرنَا}
(الْأَنْفَال: 33) . الْآيَة. فَإِن قلت: كَيفَ يلتئم
هَذَا مَعَ قَوْله: {وَمَا كَانَ الله ليعذبهم وَأَنت
فيهم} (الْأَنْفَال: 33) . قلت: الْآيَة نزلت بعد هَذِه
الْقِصَّة، وَهَذِه كَرَامَة لرَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَرفع لدرجته حَيْثُ لَا يعذب أمته وَهُوَ
فيهم، وَلَا يعذبهم أَيْضا وهم يَسْتَغْفِرُونَ بعد
ذَهَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، واستنبطت الصُّوفِيَّة
من ذَلِك: أَن الْإِيمَان الَّذِي فِي الْقُلُوب أَيْضا
يمْنَع من تَعْذِيب أبدانهم كَمَا كَانَ وجوده فيهم
مَانِعا مِنْهُ. قَوْله: (فَإِذا أمْطرت السَّمَاء) قد مر
الْكَلَام فِي أمطر ومطر فِي: بَاب الاسْتِسْقَاء، وَفِي
رِوَايَة أبي ذَر بِدُونِ الْألف. قَوْله: (سري عَنهُ) ،
على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: كشف عَنهُ مَا خالطه من
الوجل، يُقَال: سررت الثَّوْب وسريته إِذا أخلقته، وسريت
الجل عَن الْفرس إِذا نَزَعته عَنهُ، وَالتَّشْدِيد
للْمُبَالَغَة. قَوْله: (فعرفته عَائِشَة) من التَّعْرِيف
أَي: عرفت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وسلمما كَانَ عرض
لَهُ. قَوْله: (عارضاً) وَهُوَ السَّحَاب الَّذِي يعْتَرض
فِي أفق السَّمَاء.
6 - (بابُ ذِكْرِ المَلاَئِكَةِ صَلَواتُ الله علَيْهِمْ)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر الْمَلَائِكَة، وَهُوَ جمع ملك،
وَقَالَ ابْن سَيّده: هُوَ مخفف عَن ملأك كالشمائل جمع
شمأل وإلحاق التَّاء لتأنيث الْجمع وَتركت الْهمزَة فِي
الْمُفْرد للاستثقال. وَقَالَ الْقَزاز: هُوَ مَأْخُوذ من
الألوكة وَهِي الرسَالَة، وَقيل: هُوَ مَأْخُوذ من الْملك
بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون اللَّام: وَهُوَ الْأَخْذ
بِقُوَّة، وَقيل: من الْملك، بِالْكَسْرِ لِأَن الله
تَعَالَى قد جعل لكل ملك ملكا فَملك ملك الْمَوْت قبض
الْأَرْوَاح، وَملك إسْرَافيل الصُّور، وَكَذَا سَائِرهمْ،
وَيفْسد هَذَا قَوْلهم: مَلَائِكَة بِالْهَمْزَةِ وَلَا
أصل لَهُ على هَذَا القَوْل فِي الْهمزَة، وَقد جَاءَ
الْملك جمعا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالْملك على
أرجائها} (الحاقة: 71) . وَالْمَلَائِكَة أجسام لَطِيفَة
هوائية تقدر على التشكل بأشكال مُخْتَلفَة مَسْكَنهَا
السَّمَوَات وَيُقَال جَوْهَر بسيط ذُو نطق وعقل مقدس عَن
ظلمَة الشَّهْوَة وكدورة الْغَضَب {وَلَا يعصون الله مَا
أَمرهم ويفعلون مَا يؤمرون} (التَّحْرِيم: 6) . طعامهم
التَّسْبِيح وشرابهم التَّقْدِيس وانسهم بِذكر الله
تَعَالَى خلقُوا على صور مُخْتَلفَة واقدار مُتَفَاوِتَة
لإِصْلَاح مصنوعاته وَإِسْكَان سمواته.
وقالَ أنسٌ: قَالَ عبدُ الله بنُ سَلاَمٍ لِلنَّبِيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن جِبْرِيلَ علَيْهِ السَّلاَمُ
عَدُوُّ اليَهُودِ مِنَ المَلاَئِكَةِ
هَذَا التَّعْلِيق قِطْعَة من حَدِيث وَصله البُخَارِيّ
فِي كتاب الْهِجْرَة عَن مُحَمَّد بن سَلام عَن مَرْوَان
بن مُعَاوِيَة عَن حميد عَن أنس، وَسَيَأْتِي تَحْقِيقه
إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وقالَ ابنُ عبَّاسٍ إنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ
المَلاَئِكَةُ
هَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ مَرْفُوعا عَن
عَائِشَة بِلَفْظ: مَا فِي السَّمَاء الدُّنْيَا مَوضِع
قدم إلاَّ عَلَيْهِ ملك ساجد أَو قَائِم، فَذَلِك قَوْله:
(15/123)
{وَإِنَّا لنَحْنُ الصافون} (الصافات: 561)
. وروى أَيْضا عَن مُحَمَّد بن سعد حَدثنِي أبي قَالَ:
حَدثنِي عمي، قَالَ: حَدثنِي أبي عَن أَبِيه عَن ابْن
عَبَّاس بِزِيَادَة: الْمَلَائِكَة صافون تسبح لله، عز
وَجل.
7023 - حدَّثنا هُدْبَةُ بنُ خَالِدٍ قَالَ حدَّثنا
هَمَّامٌ عنْ قَتادَةَ ح وَقَالَ لي خلِيفَةُ قَالَ
حدَّثنا يَزِيدُ ابنُ زُرَيْعٍ قَالَ حدَّثنا سَعيدٌ
وهِشامٌ قَالَا حدَّثنا قتَادَةُ قَالَ حدَّثنا أنَسُ بنُ
مالِكٍ عنْ مالِكِ بنِ صَعْصَعَةَ رَضِي الله تَعَالَى
عنهُما قَالَ قَالَ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بَيْنَا أنَا عِنْدَ البَيْتِ بَيْنَ النَّائِمِ
واليَقْظَانِ وذَكَرَ يَعْنِي رَجُلاً بَيْنَ
الرَّجُلَيْنِ فأُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُلِىءَ
حِكْمَةً وإيماناً فَشُقَّ مِنَ النَّحْرِ إِلَى مَرَاقِّ
البَطْنِ ثُمَّ غُسِلَ البَطْنُ بِماءِ زَمْزَمَ ثُمَّ
مُلِىءَ حِكْمَةً وإيمانَاً وأُتِيتُ بِدَابَّةٍ أبْيضَ
دُونَ البَغْلِ وفَوْقَ الحِمارِ البُرَاقُ فانْطَلَقْتُ
مَعَ جِبْرِيلَ حتَّى أتَيْنَا السَّماءَ الدُّنْيَا قِيلَ
مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ قِيلَ ومَنْ مَعَكَ قِيلَ
مُحَمَّدٌ قِيلَ وقَدْ أُرْسِلَ إلَيْهِ قَالَ نَعَمْ
قِيلَ مَرْحَبَاً ولَنِعْمَ الْمَجِيءُ جاءَ فأتَيْتُ على
آدَمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ مَرْحَبَاً بِكَ مِنْ
ابنٍ ونَبِيٍّ فأتَيْنَا السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ قِيلَ
مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ قِيلَ مَنْ مَعَكَ قَالَ
مُحَمَّدٌ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قِيلَ أُرْسِلَ إلَيْهِ
قَالَ نَعَمْ قِيلَ مَرْحَباً بِهِ ولَنِعْمَ المَجِيءِ
جاءَ فأتَيْتُ عَلَى عِيسَى ويَحْيَى فقالاَ مَرْحَبَاً
بِكَ مِنْ أخٍ ونَبِيٍّ فأتَيْنَا السَّمَاءَ الثَّالِثَةَ
قِيلَ مَنْ هذَا قِيلَ جِبريلُ قِيلَ مَنْ مَعَكَ قالَ
مُحَمَّدٌ قِيلَ وقَدْ أُرْسِلَ إلَيْهِ قَالَ نَعَمْ
قِيلَ مَرْحَبَاً بِهِ ولَنعْمَ المَجِيءِ جاءَ فأتَيْتُ
يُوسُفَ فسَلَّمْتُ علَيْهِ قَالَ مَرْحَباً بِكَ مِنْ أخٍ
ونَبِيٍّ فأتَيْنَا السَّماءَ الرَّابِعَةَ قِيلَ مَنْ
هاذَا قِيلَ جِبْرِيلُ قِيلَ مَنْ مَعَكَ قِيلَ مُحَمَّدٌ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قِيلَ وقَدْ أُرْسِلَ إلَيْهِ
قالَ نَعَمْ قِيلَ مَرْحَبَاً بِهِ ولَنِعْمَ الْمَجِيءُ
جاءَ فأتَيْتُ علَى إدْرِيسَ فسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ
مَرْحَباً بِكَ مِنْ أخٍ ونَبِيٍّ فأتَيْنَا السَّماءَ
الخَامِسَةَ قِيلَ مَنْ هاذَا قَالَ جِبْرِيلُ قِيل ومنْ
معَكَ قِيلَ مُحَمَّدٌ قِيلَ وقدْ أُرْسِلَ إلَيْهِ قَالَ
نَعَمْ قِيلَ مَرْحَباً بِهِ ولَنِعْمَ المَجِيءُ جاءَ
فأتَيْنَا علَى هَرُونَ فَسلَّمْتُ علَيْهِ فَقَالَ
مَرْحَباً بِكَ مِنْ أخٍ ونَبِيٍّ فأتَيْنَا علَى
السَّمَاءِ السَّادِسَةِ قِيلَ مَنْ هاذَا قِيلَ جِبرِيلُ
قِيلَ مَنْ معَكَ قِيلَ مُحَمَّدٌ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قيلَ وقَدْ أُرْسِلَ إلَيْهِ مَرْحَباً بِهِ ولَنِعْمَ
المَجِيءُ جاءَ فأتَيْتُ علَى مُوسى فسَلَّمْتُ علَيْهِ
فَقَالَ مَرْحَباً بِكَ مِنْ أخٍ ونَبِيٍّ فلَمَّا
جاوَزْتُ بَكَى فَقيلَ مَا أبْكاكَ قَالَ يَا رَبِّ هاذَا
الغُلامُ الَّذِي بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِنْ
أُمَّتِهِ أفْضَلُ مِمَّا يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِي
فأتَيْنَا السَّماءَ السَّابِعَةَ قِيلَ مَنْ هذَا قَالَ
جِبْرِيلُ قِيلَ مَنْ مَعكَ قِيلَ مُحَمَّدٌ قِيلَ وقَدْ
أُرْسِلَ إلَيْهِ مَرْحَباً بِهِ ونِعْمَ الْمَجِيءِ جاءَ
فأتَيْتُ علَى إبرَاهِيمَ فسَلَّمْتُ علَيْهِ فَقَالَ
مَرْحَباً بِكَ مِنِ ابنٍ ونَبِيٍّ فرُفِعَ لِيَ البَيْتُ
المَعْمُورُ فسألْتُ جِبْرِيلَ فَقَالَ هَذا الْبَيْتُ
المَعْمُورُ يُصَلِّي فِيهِ كلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ ألْفَ
مَلَكٍ إذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا إلَيْهِ آخِرَ مَا
عَلَيْهِمْ ورُفِعَتْ لِيَ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى فإذَا
نَبِقُها كأنَّهُ قِلاَلُ هَجَرٍ ووَرَقُها كأنَّهُ آذَانُ
الفُيُولِ فِي أصْلِهَا أرْبَعةُ أنْهَارٍ نَهْرَانِ
باطِنَانِ ونَهْرَانِ ظاهِرَانِ فسألْتُ جِبْرِيلَ فَقَالَ
أمَّا الباطِنَانِ فَفي الجَنَّةِ وأمَّا الظَّاهِرَانِ
(15/124)
النِّيلُ والْفُرَاتُ ثُمَّ فُرِضَتْ
علَيَّ خَمْسُونَ صَلاَةً فأقْبَلْتُ حتَّى جِئْتُ مُوسَى
فَقَالَ مَا صَنَعْتَ قُلْتُ فُرِضَتْ عَلَيَّ خَمْسُونَ
صَلاَةً قَالَ أَنا أعْلَمُ بالنَّاسِ مِنْكَ عالَجْتُ
بَنِي إسْرَائِيلَ أشَدَّ المُعَالَجَةِ وإنَّ أُمَّتَكَ
لاَ تُطِيقُ فارْجِعْ إلَى رَبِّكَ فسَلْهُ فَرَجَعْتُ
فَسَألْتُهُ فَجعَلَهَا أرْبَعِينَ ثُمَّ مِثْلَهُ ثُمَّ
ثَلاثِينَ ثُمَّ مِثْلَهُ فجَعَلَ عِشْرِينَ ثُمَّ
مِثْلَهُ فَجَعَلَ عَشْرَاً فأتَيْتُ مُوسَى فقالَ
مِثْلَهُ فَجَعَلَهَا خَمْساً فأتَيْتُ مُوسَى فَقَالَ مَا
صَنَعْتَ قُلْتُ جَعَلَها خَمْسَاً فَقالَ مِثْلَهُ قُلْتُ
سَلَّمْتُ بِخَيْرٍ فَنُودِيَ إنِّي قَدْ أمْضَيْتُ
فَرِيضَتِي وخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي وأجْزِي الحَسَنَةَ
عَشْرَاً.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن فِيهِ ذكر جِبْرِيل
صَرِيحًا وَهُوَ من الكروبيين وهم سادة الْمَلَائِكَة.
ذكر رِجَاله وهم تِسْعَة: الأول: هدبة، بِضَم الْهَاء
وَسُكُون الدَّال وبالباء الْمُوَحدَة: ابْن خَالِد بن أبي
الْأسود الْقَيْسِي الْبَصْرِيّ، وَيُقَال: هداب.
الثَّانِي: همام بن يحيى بن دِينَار العوذي، بِفَتْح
الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْوَاو وبالذال
الْمُعْجَمَة. الثَّالِث: قَتَادَة بن دعامة. الرَّابِع:
خَليفَة ابْن خياط أَبُو عَمْرو الْعُصْفُرِي. الْخَامِس:
يزِيد بن زُرَيْع أَبُو مُعَاوِيَة العيشي الْبَصْرِيّ.
السَّادِس: سعيد بن أبي عرُوبَة واسْمه مهْرَان
الْيَشْكُرِي. السَّابِع: هِشَام بن أبي عبد الله
الدستوَائي. الثَّامِن: أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ. التَّاسِع: مَالك بن صعصعة الْأنْصَارِيّ، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ
مقطعاً فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع بَعْضهَا فِي بَدْء الْخلق
عَن هدبة وَخَلِيفَة، وَبَعضهَا فِي الْأَنْبِيَاء عَن
هدبة أَيْضا وَفِي بعض النّسخ عَن عباد بن أبي يعلى.
وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن أبي مُوسَى عَن ابْن أبي
عدي وَعَن أبي مُوسَى عَن معَاذ. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ
فِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن بشار وَابْن أبي عدي.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة عَن يَعْقُوب بن
إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي وَعَن إِسْمَاعِيل ابْن مَسْعُود
وَغَيرهم.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (عَن قَتَادَة (ح) وَقَالَ لي
خَليفَة) كلمة (ح) إِشَارَة إِلَى التَّحْوِيل من إِسْنَاد
إِلَى آخر قبل ذكر الحَدِيث، وَقيل إِلَى الْحَائِل بَين
السندين، وَإِنَّمَا قَالَ: قَالَ لي خَليفَة، وَلم يقل:
حَدثنِي، إشعاراً بِأَنَّهُ سمع مِنْهُ عِنْد المذاكرة لَا
على طَرِيق التحميل والتبليغ. قَوْله: (عِنْد الْبَيْت) ،
أَي: الْكَعْبَة. وَقد مر فِي أول كتاب الصَّلَاة فِي
رِوَايَة أبي ذَر أَنه قَالَ: فرج عَن سقف بَيْتِي،
والتوفيق بَينهمَا هُوَ أَن الْأَصَح كَانَ لَهُ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم معراجان، أَو دخل بَيته ثمَّ عرج بَين
النَّائِم وَالْيَقظَان، وَظَاهر حَدِيث أبي ذَر الَّذِي
مضى فِي أول كتاب الصَّلَاة: أَنه كَانَ فِي الْيَقَظَة
إِذْ هُوَ مُطلق الْإِطْلَاق، وَهُوَ المطابق لما فِي
(مُسْند أَحْمد) عَن ابْن عَبَّاس: أَنه كَانَ فِي
الْيَقَظَة رَآهُ بِعَيْنِه، والتوفيق بَينهمَا بِأَن
يُقَال: إِن كَانَ الْإِسْرَاء مرَّتَيْنِ أَو أَكثر فَلَا
إِشْكَال فِيهِ، وَإِن كَانَ وَاحِدًا فَالْحق أَنه كَانَ
فِي الْيَقَظَة بجسده، لِأَنَّهُ قد أنكرته قُرَيْش،
وَإِنَّمَا يُنكر إِن كَانَ فِي الْيَقَظَة، إِذْ
الرُّؤْيَا لَا تنكر وَلَو بأبعد مِنْهُ. وَقَالَ القَاضِي
عِيَاض: اخْتلفُوا فِي الْإِسْرَاء إِلَى السَّمَوَات،
فَقيل: إِنَّه فِي الْمَنَام، وَالْحق الَّذِي عَلَيْهِ
الْجُمْهُور أَنه أسرِي بجسده. قلت: اخْتلفُوا فِيهِ على
ثَلَاث مقالات: فَذَهَبت طَائِفَة إِلَى أَنه كَانَ فِي
الْمَنَام مَعَ اتِّفَاقهم أَن رُؤْيا الْأَنْبِيَاء،
عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَحي وَحقّ وَإِلَى
هَذَا ذهب مُعَاوِيَة. وَحكي عَن الْحسن، وَالْمَشْهُور
عَنهُ خِلَافه، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِمَا رُوِيَ عَن
عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، مَا فقد جَسَد
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَبِقَوْلِهِ:
بَينا أَنا نَائِم، وَبقول أنس: وَهُوَ نَائِم فِي
الْمَسْجِد الْحَرَام، وَذكر الْقِصَّة، وَقَالَ فِي
آخرهَا: فَاسْتَيْقَظت وَأَنا بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام.
وَذهب مُعظم السّلف إِلَى أَنه كَانَ بجسده وَفِي
الْيَقَظَة، وَهَذَا هُوَ الْحق، وَهُوَ قَول ابْن عَبَّاس
فِيمَا صَححهُ الْحَاكِم وَعدد فِي (الشِّفَاء) عشْرين
نفسا قَالَ بذلك من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وأتباعهم،
وَهُوَ قَول أَكثر الْمُتَأَخِّرين من الْفُقَهَاء
والمحدثين والمفسرين والمتكلمين. وَذَهَبت طَائِفَة إِلَى
أَن الْإِسْرَاء بالجسد يقظة إِلَى بَيت الْمُقَدّس
وَإِلَى السَّمَاء بِالروحِ، وَالصَّحِيح أَنه أسرِي
بالجسد وَالروح فِي الْقِصَّة كلهَا، وَعَلِيهِ يدل قَوْله
تَعَالَى: {سُبْحَانَ الَّذِي أسرى بِعَبْدِهِ}
(الْإِسْرَاء: 1) . إِذْ لَو كَانَ مناماً لقَالَ: بِروح
عَبده وَلم يقل بِعَبْدِهِ، وَلَا يعدل عَن الظَّاهِر
والحقيقة إِلَى التَّأْوِيل إلاَّ عِنْد الاستحالة،
وَلَيْسَ فِي الْإِسْرَاء
(15/125)
بجسده وَحَال يقظته اسْتِحَالَة، وَقَالَ
ابْن عَبَّاس: هِيَ رُؤْيا عين رَآهَا لَا رُؤْيا مَنَام.
وَأما قَول عَائِشَة: مَا فقد جسده، فَلم يحدث عَن
مُشَاهدَة لِأَنَّهَا لم تكن حِينَئِذٍ زَوْجَة وَلَا فِي
سنّ من يضْبط، ولعلها لم تكن ولدت، فَإِذا كَانَ كَذَلِك
تكون قد حدثت بذلك عَن غَيرهَا، فَلَا يرجح خَبَرهَا على
خبر غَيرهَا، وَقَالَ الْحَافِظ عبد الْحق فِي (الْجمع
بَين الصَّحِيحَيْنِ) : وَمَا روى شريك عَن أنس أَنه كَانَ
نَائِما، فَهُوَ زِيَادَة مَجْهُولَة، وَقد روى الْحفاظ
المتقنون وَالْأَئِمَّة المشهورون كَابْن شهَاب وثابت
الْبنانِيّ وَقَتَادَة عَن أنس، وَلم يَأْتِ أحد مِنْهُم
بهَا، وَشريك لَيْسَ بِالْحَافِظِ عِنْد أهل الحَدِيث.
قَوْله: (وَذكر) أَي: رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم. قَوْله: (فأتايت) على صِيغَة الْمَجْهُول، قَوْله:
(بطست) الطست مُؤَنّثَة وَجَمعهَا طسوس وَجَاء بِكَسْر
الطَّاء، وَيُقَال: طس بتَشْديد السِّين. قَوْله: (ملىء)
على صِيغَة الْمَجْهُول من الْمَاضِي والتذكير بِاعْتِبَار
الْإِنَاء، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ملآى، وَفِي
رِوَايَة غَيره: ملآن، فَالْحَاصِل أَن فِيهِ ثَلَاث
رِوَايَات. قَوْله: (حِكْمَة وإيماناً) قَالَ
الْكرْمَانِي: هما مَعْنيانِ، والإفراغ صفة الْأَجْسَام.
قلت: كَانَ فِي الطست شَيْء يحصل بِهِ كَمَال الْإِيمَان
وَالْحكمَة وزيادتهما، فَسُمي إِيمَانًا وَحِكْمَة، لكَونه
سَببا لَهما. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: لعبه من بَاب
التَّمْثِيل أَو تمثل لَهُ الْمعَانِي كَمَا تمثل لَهُ
أَرْوَاح الْأَنْبِيَاء الدارجة بالصور الَّتِي كَانُوا
عَلَيْهَا. قَوْله: (فشق من النَّحْر إِلَى مراق الْبَطن)
النَّحْر الصَّدْر ومراق، بِفَتْح الْمِيم وَتَخْفِيف
الرَّاء وَتَشْديد الْقَاف: وَهُوَ مَا سفل من الْبَطن ورق
من جلده، وَأَصله مراقق، وَسميت بذلك لِأَنَّهَا مَوضِع
رقة الْجلد، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: مَا ذكر من شقّ
الصَّدْر واستخراج الْقلب وَمَا يجْرِي مجْرَاه، فَإِن
السَّبِيل فِي ذَلِك التَّسْلِيم دون التَّعَرُّض بصرفه
إِلَى وَجه يتقوله متكلف ادِّعَاء للتوفيق بَين
الْمَنْقُول والمعقول تبروءاً مِمَّا يتَوَهَّم أَنه
محَال، وَنحن بِحَمْد الله لَا نرى الْعُدُول عَن
الْحَقِيقَة إِلَى الْمجَاز فِي خبر الصَّادِق عَن الْأَمر
الْمحَال بِهِ على الْقُدْرَة. وَاعْلَم أَن هَذَا الشق
غير الشق الَّذِي كَانَ فِي زمن صغره، فَعلم أَن الشق
كَانَ مرَّتَيْنِ. قَوْله: (وأتيت بِدَابَّة أَبيض)
إنماقال: أَبيض، وَلم يقل: بَيْضَاء، لِأَنَّهُ أَعَادَهُ
على الْمَعْنى أَي: بمركوب أَو براق. قَوْله: (الْبراق)
مَرْفُوع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: هُوَ براق،
وَيجوز بِالْجَرِّ على أَنه بدل من دَابَّة، والبراق اسْم
للدابة الَّتِي ركبهَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تِلْكَ
اللَّيْلَة. وَقَالَ ابْن دُرَيْد: اشتقاقه من الْبَرْق،
إِن شَاءَ الله، لسرعته. وَقيل: سمي بِهِ لشدَّة صفائه
وتلألؤ لَونه، وَيُقَال: شَاة برقاء إِذا كَانَ خلال صوفها
طاقات سود، فَيحْتَمل التَّسْمِيَة بِهِ لكَونه ذَا لونين،
وَذكر ابْن أبي خَالِد فِي كتاب (الاحتفال فِي أَسمَاء
الْخَيل وصفاتها) : أَن الْبراق لَيْسَ بِذكر وَلَا
أُنْثَى، وَوَجهه كوجه الْإِنْسَان وَجَسَده كجسد الْفرس،
وقوائمه كقوائم الثور، وذنبه كذنب الغزال، وَقَالَ ابْن
إِسْحَاق: الْبراق دَابَّة أَبيض وَفِي فَخذيهِ جَنَاحَانِ
يحفز بهما رجلَيْهِ، يضع حَافره فِي مُنْتَهى طرفه،
وَقَالَ الزبيدِيّ فِي (مُخْتَصر الْعين) وَصَاحب
(التَّحْرِير) : هِيَ دَابَّة كَانَت الْأَنْبِيَاء،
عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، يركبونها. وَقَالَ
الطَّيِّبِيّ: وَهَذَا الَّذِي قَالَاه يحْتَاج إِلَى نقل
صَحِيح، ثمَّ قَالَ: لَعَلَّهُم حسبوا ذَلِك فِي قَوْله
فِي حَدِيث آخر: فربطته بالحلقة الَّتِي ترْبط بهَا
الْأَنْبِيَاء الْبراق، وَأظْهر مِنْهُ حَدِيث أنس فِي
حَدِيث آخر: قَول جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، للبراق: فَمَا ركبك أحد أكْرم على الله
مِنْهُ. وَعَن قَتَادَة: أَن رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لما أَرَادَ الرّكُوب على الْبراق شمس
فَوضع جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، يَده على
مفرقته ثمَّ قَالَ: ألاَ تَسْتَحي يَا براق مِمَّا تصنع؟
فوَاللَّه مَا ركبك عبد لله قبل مُحَمَّد أكْرم على الله
مِنْهُ. قَالَ: فاستحيى حَتَّى ارفضَّ عرقاً، ثمَّ قر
حَتَّى رَكبه. وَقَالَ ابْن بطال فِي سَبَب نفرة الْبراق
بعد عَهده بالأنبياء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام،
وَطول الفترة بَين عِيسَى وَمُحَمّد، عَلَيْهِمَا
الصَّلَاة وَالسَّلَام. وَقَالَ غَيره: قَالَ جِبْرِيل،
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم حِين شمس بِهِ الْبراق: لَعَلَّك يَا مُحَمَّد مسست
الصَّفْرَاء الْيَوْم يَعْنِي: الذَّهَب فَأخْبر النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وسلمأنه مَا مَسهَا إلاَّ أَنه مر بهَا،
فَقَالَ: تَبًّا لمن يعبدك من دون الله، وَمَا شمس إلاَّ
لذَلِك، ذكره السُّهيْلي. وَسمع العَبْد الضَّعِيف من بعض
مشايخه الثِّقَات أَنه إِنَّمَا شمس ليعد لَهُ الرَّسُول
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالركوب عَلَيْهِ يَوْم
الْقِيَامَة، فَلَمَّا وعد لَهُ ذَلِك قر. وَفِي (صَحِيح
ابْن حبَان) : أَن جِبْرَائِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، حمله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْبراق
رديفاً لَهُ ثمَّ رجعا وَلم يصل فِيهِ أَي: فِي بَيت
الْمُقَدّس، وَلَو صلى لكَانَتْ سنة، وَهُوَ من أظرف مَا
يسْتَدلّ بِهِ على الإرداف. وَفِي حَدِيث أنس وَغَيره أَنه
صلى، وَأنكر ذَلِك حُذَيْفَة، وَقَالَ: وَالله مَا زَالا
عَن ظهر الْبراق حَتَّى رجعا. وَأخرج الْبَيْهَقِيّ حَدِيث
الْإِسْرَاء من حَدِيث شَدَّاد بن أَوْس وَفِيه: أَنه صلى
تِلْكَ اللَّيْلَة بِبَيْت لحم. قَوْله: (حَتَّى أَتَيْنَا
السَّمَاء الدُّنْيَا) لم يذكر فِيهِ مَجِيئه إِلَى
الْقُدس، وَقد قَالَ الله تَعَالَى: {سُبْحَانَ الَّذِي
أسرى بِعَبْدِهِ} (لإسراء: 1) . الْآيَة، ذكر أهل السّير،
والمفسرون
(15/126)
أَنه لما ركب الْبراق أَتَى إِلَى بَيت
الْمُقَدّس، وَمَعَهُ جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، وَلما فرغ أمره فِيهِ نصب لَهُ الْمِعْرَاج،
وَهُوَ السّلم، فَصَعدَ فِيهِ إِلَى السَّمَاء وَلم يكن
الصعُود على الْبراق كَمَا يتوهمه بعض النَّاس، بل كَانَ
الْبراق مربوطاً على بَاب مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس حَتَّى
يرجع عَلَيْهِ إِلَى مَكَّة. قَوْله: (قيل من هَذَا؟)
وَفِي رِوَايَة أبي ذَر الَّتِي مَضَت فِي أول الْكتاب:
فَلَمَّا جِئْت إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا قَالَ جِبْرِيل
لخازن السَّمَاء: إفتح، فَهَذَا يدل على أَن لِلسَّمَوَاتِ
أبواباً وحفظة موكلين بهَا. وَفِيه: إِثْبَات الإستيذان
وَأَنه يَنْبَغِي أَن يَقُول: أَنا زيد، مثلا. قَوْله:
(قَالَ: جِبْرِيل) يَعْنِي: قَالَ: أَنا جِبْرِيل. قَوْله:
(قَالَ: مُحَمَّد) أَي: قَالَ جِبْرِيل: معي مُحَمَّد،
وَالظَّاهِر أَن الْقَائِل فِي قَوْله: قيل، فِي هَذِه
الْمَوَاضِع نفران أَبْوَاب السَّمَاء قَوْله: (وَقد أرسل
إِلَيْهِ) الْوَاو للْعَطْف وحرف الإستفهام مقدره أَي:
أطلب وَأرْسل إِلَيْهِ؟ وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: وَقد بعث
إِلَيْهِ للإسراء وصعود السَّمَوَات؟ قَالَ الطَّيِّبِيّ:
وَلَيْسَ مُرَاده الِاسْتِفْهَام عَن أصل الْبعْثَة
والرسالة، فَإِن ذَلِك لَا يخفى عَلَيْهِ إِلَى هَذِه
الْمدَّة، هَذَا هُوَ الصَّحِيح، وَقيل: مَعْنَاهُ أوحى
إِلَيْهِ وَبعث نَبيا وَالْأول أظهر، لِأَن أَمر نبوته
كَانَ مَشْهُورا فِي الملكوت لَا يكَاد يخفى على خزان
السَّمَوَات وحراسها، وأوقف للاستفتاح والإستيذان، وَقيل:
كَانَ سُؤَالهمْ للاستعجاب بِمَا أنعم الله عَلَيْهِ، أَو
للاستبشار بعروجه، إِذْ كَانَ من البيِّن عِنْدهم عِنْدهم
أَن أحدا من الْبشر لَا يترقى إِلَى أَسبَاب السَّمَوَات
من غير أَن يَأْذَن الله لَهُ، وَيَأْمُر مَلَائكَته
بإصعاده وَأَن جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام،
لَا يصعد بِمن لَا يُرْسل إِلَيْهِ وَلَا يفتح لَهُ
أَبْوَاب السَّمَاء. قَوْله: (مرْحَبًا بِهِ) أَي:
بِمُحَمد، وَمَعْنَاهُ لَقِي رحباً وسعة. وَقيل: مَعْنَاهُ
رحب الله بِهِ مرْحَبًا فَجعل، مرْحَبًا مَوضِع الترحيب،
فعلى الأول انتصابه على المفعولية، وعَلى الثَّانِي: على
المصدرية. قَوْله: (ولنعم الْمَجِيء جَاءَ) الْمَخْصُوص
بالمدح مَحْذُوف، وَفِيه تَقْدِيم وَتَأْخِير، تَقْدِيره:
جَاءَ فلنعم الْمَجِيء مَجِيئه. قَالَ الْمَالِكِي: فِيهِ:
شَاهد على الِاسْتِغْنَاء بالصلة عَن الْمَوْصُول وَالصّفة
عَن الْمَوْصُوف فِي بَاب: نعم، لِأَنَّهَا تحْتَاج إِلَى
فَاعل هُوَ الْمَجِيء وَإِلَى مَخْصُوص بمعناها، وَهُوَ
مُبْتَدأ مخبر عَنهُ بنعم وفاعلها، وَهُوَ فِي هَذَا
الْكَلَام وَشبهه مَوْصُول أَو مَوْصُوف بجاء،
وَالتَّقْدِير: نعم الْمَجِيء الَّذِي جَاءَ، أَو: نعم
الْمَجِيء جَاءَ، وَكَونه مَوْصُولا أَجود لِأَنَّهُ مخبر
عَنهُ، وَكَون الْمخبر عَنهُ معرفَة أولى من كَونه نكرَة.
قَوْله: (فَأتيت على آدم فَسلمت عَلَيْهِ) ، وَفِي
رِوَايَة: وَأمر بِالتَّسْلِيمِ عَلَيْهِم أَي: على
الْأَنْبِيَاء الَّذين لَقِيَهُمْ فِي السَّمَوَات وعَلى
خزان السَّمَوَات وحراسها، لِأَنَّهُ كَانَ عابراً
عَلَيْهِم، وَكَانَ فِي حكم الْقيام وَكَانُوا فِي حكم
الْقعُود، والقائم يسلم على الْقَاعِد، وَإِن كَانَ أفضل
مِنْهُ. قَوْله: من ابْن وَنَبِي كل وَاحِد من الْبُنُوَّة
والنبوة ظَاهر، وَهُوَ من قَوْله: (هَذَا) إِلَى قَوْله:
فَرفع لي كُله ظَاهر إلاَّ بعض الْأَلْفَاظ نفسرها،
فَقَوله: (فَأتيت على إِدْرِيس) وَكَانَ فِي السَّمَاء
الرَّابِعَة. قيل: هَذَا معنى قَوْله: {وَرَفَعْنَاهُ
مَكَانا عليا} (مَرْيَم: 75) . قَالَه أَبُو سعيد
الْخُدْرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقيل: رفعناه
فِي الْمنزلَة والرتبة، وَقيل: المُرَاد من قَوْله:
{وَرَفَعْنَاهُ مَكَانا عليا} (مَرْيَم: 75) . الْجنَّة.
فَإِن قلت: إِذا كَانَ فِي الْجنَّة فَكيف لقِيه فِي
السَّمَاء الرَّابِعَة؟ قلت: قيل: إِنَّه لما أخبر بعروجه،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى السَّمَوَات وَمَا
فَوْقهَا اسْتَأْذن ربه فِي ملاقاته، فَاسْتَقْبلهُ
فَكَانَ اجتماعه بِهِ فِي السَّمَاء الرَّابِعَة
اتِّفَاقًا لَا قصدا. قَوْله: (مرْحَبًا من أَخ وَنَبِي) .
فَإِن قلت: كَيفَ قَالَ إِدْرِيس، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام: من أَخ، وَهُوَ جد لنوح، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، فَكَانَ الْمُنَاسب أَن يَقُول: من ابْن.
قلت: لَعَلَّه قَالَه تلطفاً وتأدباً والأنبياء أخوة.
قَوْله: (فَلَمَّا جَاوَزت بَكَى) ، قَالُوا: كَانَ بكاؤه
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأجل الرقة لِقَوْمِهِ والشفقة
عَلَيْهِم حَيْثُ لم ينتفعوا بمتابعته انْتِفَاع هَذِه
الْأمة بمتابعة نَبِيّهم، وَلم يبلغ سوادهم مبلغ سوادهم،
وَلَا يَنْبَغِي إلاَّ أَن يحمل على هَذَا الْوَجْه أَو
مَا يضاهي ذَلِك، فَإِن الْحَسَد فِي ذَلِك الْعَالم منزوع
عَن عوام الْمُؤمنِينَ، فضلا عَمَّن اخْتَارَهُ الله
لرسالته واصطفاه لمكالمته. قَوْله: (يَا رب هَذَا
الْغُلَام) ، لم يرد مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، بذلك استقصار شَأْنه، فَإِن الْغُلَام قد
يُطلق وَيُرَاد بِهِ الْقوي الطري الشَّاب، وَالْمرَاد
مِنْهُ استقصار مدَّته مَعَ استكثار فضائله وَأمته أتم
سواداً من أمته. وَقَالَ الْخطابِيّ. قَوْله: (الْغُلَام)
، لَيْسَ على معنى الإزراء والاستصغار لشأنه إِنَّمَا هُوَ
على تَعْظِيم منَّة الله تَعَالَى عَلَيْهِ مِمَّا أناله
من النِّعْمَة وأتحفه من الكرائم من غير طول عمر أفناه
مُجْتَهدا فِي طَاعَته وَقد تسمي الْعَرَب الرجل المستجمع
السن غُلَاما مَا دَامَ فِيهِ بَقِيَّة من الْقُوَّة،
وَذَلِكَ فِي لغتهم مَشْهُورَة. قَوْله: (فَأتيت على
إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام) ، هَذَا فِي
السَّمَاء السَّابِعَة، وَذكر فِي حَدِيث أبي ذَر فِي أول
كتاب الصَّلَاة أَنه فِي السَّادِسَة، قيل: فِي
التَّوْفِيق بَينهمَا: بِأَن يُقَال: لَعَلَّه وجد فِي
السَّادِسَة ثمَّ ارْتقى هُوَ أَيْضا إِلَى السَّابِعَة،
وَكَذَلِكَ اخْتلف فِي مُوسَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
هَل هُوَ فِي
(15/127)
السَّادِسَة أَو السَّابِعَة؟ وَالْكَلَام
فِيهِ مثل مَا مر الْآن. قَوْله: (فَرفع لي الْبَيْت
الْمَعْمُور) أَي: كشف لي وَقرب مني، وَالرَّفْع
التَّقْرِيب وَالْعرض، وَقَالَ التوربشتي: الرّفْع تقريبك
الشَّيْء. وَقد قيل فِي قَوْله: {وفرش مَرْفُوعَة}
(الْوَاقِعَة: 43) . أَي: مقربة لَهُم، وَكَأَنَّهُ
أَرَادَ أَن الْبَيْت الْمَعْمُور ظهر لَهُ كل الظُّهُور،
وَكَذَلِكَ سِدْرَة الْمُنْتَهى استبينت لَهُ كل الإستبانة
حَتَّى اطلع عَلَيْهَا كل الِاطِّلَاع، بِمَثَابَة
الشَّيْء المقرب إِلَيْهِ، وَفِي مَعْنَاهُ: رفع لي بَيت
الْمُقَدّس، وَالْبَيْت الْمَعْمُور بَيت فِي السَّمَاء
حِيَال الْكَعْبَة، اسْمه: الضراح، بِضَم الضَّاد
الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الرَّاء وَبِالْحَاءِ
الْمُهْملَة، وعمرانه كَثْرَة غاشيته من الْمَلَائِكَة.
قَوْله: (لم يعودوا) ، ويروى: لم يعتدوا. قَوْله: (آخر مَا
عَلَيْهِم) ، بِالرَّفْع وَالنّصب، فالنصب على الظّرْف،
وَالرَّفْع على تَقْدِير: ذَلِك آخر مَا عَلَيْهِم من
دُخُوله. قَالَ صَاحب (الْمطَالع) : الرّفْع أَجود.
قَوْله: (وَرفعت لي سِدْرَة الْمُنْتَهى) قد ذكرنَا الْآن
معنى الرّفْع، ويروى: السِّدْرَة الْمُنْتَهى بِالْألف
وَاللَّام، والسدرة شَجَرَة النبق، وَسميت بهَا لِأَن علم
الْمَلَائِكَة ينتهى إِلَيْهَا وَلم يجاوزها أحد إلاَّ
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَحكي عَن عبد الله
بن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: إِنَّمَا سميت
بذلك لكَونهَا يَنْتَهِي إِلَيْهَا مَا يهْبط من فَوْقهَا
وَمَا يصعد من تحتهَا من أَمر الله تَعَالَى. قَوْله:
(فَإِذا نبقها) كلمة: إِذا، للمفاجأة، و: النبق، بِفَتْح
النُّون وَكسر الْبَاء: حمل السدر، ويخفف أَيْضا،
الْوَاحِدَة نبقة ونبقة. قَوْله: (قلال هجر) ، القلال جمع
قلَّة، وَقَالَ ابْن التِّين: الْقلَّة مِائَتَا رَطْل
وَخَمْسُونَ رطلا بالرطل الْبَغْدَادِيّ، وَالأَصَح عِنْد
الشَّافِعِيَّة خَمْسمِائَة رَطْل، وَقَالَ الْخطابِيّ:
القلال الجرار، وَهِي مَعْرُوفَة عِنْد المخاطبين
مَعْلُومَة الْقدر، وَقَالَ ابْن فَارس: الْقلَّة مَا
أَقَله الْإِنْسَان من جرة أوجب، قَالَ: وَلَيْسَ فِي
ذَلِك عِنْد أهل اللُّغَة حد مَحْدُود إلاَّ أَن يَأْتِي
فِي الحَدِيث تَفْسِير فَيجب أَن يسلم، وَعبارَة
الْهَرَوِيّ: الْقلَّة: مَا يَأْخُذ مزادة من المَاء، سميت
بذلك لِأَنَّهَا تقل أَي: ترفع، و: هجر، بِفَتْح الْهَاء
وَالْجِيم وَفِي آخِره رَاء: بَلْدَة لَا تَنْصَرِف
للتعريف والتأنيث، وَفِي (الْمطَالع) : هجر مَدِينَة
بِالْيمن هِيَ قَاعِدَة الْبَحْرين بَينهَا وَبَين
الْبَحْرين عشر مراحل، وَيُقَال: الهجر، أَيْضا بِالْألف
وَاللَّام. قَوْله: (كأذان الفيول) وَهُوَ جمع: فيل،
وَهُوَ الْحَيَوَان الْمَعْرُوف. قَوْله: (أَنهَار) ، جمع
نهر بِسُكُون الْهَاء وَفتحهَا. قَوْله: (نهران باطنان)
قَالَ مقَاتل: هما السلسبيل والكوثر. قَوْله: (ونهران
ظاهران) وَقد بَينهمَا فِي الحَدِيث بقوله: النّيل والفرات
يخرجَانِ من أَصْلهَا ثمَّ يسيران حَيْثُ أَرَادَ الله
تَعَالَى، ثمَّ يخرجَانِ من الأَرْض ويجريان فِيهَا.
وَعَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: إِن
جَمِيع الْمِيَاه من تَحت صَخْرَة بَيت الْمُقَدّس وَمن
هُنَاكَ يتفرق فِي الدُّنْيَا. أما النّيل: فمبدؤه من جبال
الْقَمَر، بِضَم الْقَاف وَسُكُون الْمِيم، وَقيل: بِفَتْح
الْمِيم، تَشْبِيها بالقمر فِي بياضه، وَقيل: يَنْبع من
اثْنَي عشر عينا هُنَاكَ، وَيجْرِي فِي ثَلَاثَة أشهر فِي
القفار وَثَلَاثَة أشهر فِي الْعمرَان إِلَى أَن يَجِيء
إِلَى مصر فيفترق فرْقَتَيْن عِنْد قَرْيَة يُقَال لَهَا:
شطنوف، فيمر الغربي مِنْهُ على رشيد وَينصب فِي الْبَحْر
الْملح، وَأما الشَّرْقِي فيفترق أَيْضا فرْقَتَيْن عِنْد
جوجر فيفترق فرْقَتَيْن أَيْضا فتمر الغربية مِنْهُمَا على
دمياط من غربيها، وَينصب فِي الْبَحْر الْملح، والشرقية
مِنْهُمَا تمر على أشمون طناح فينصب هُنَاكَ فِي بحيرة
شَرْقي دمياط يُقَال لَهَا بحيرة تنيس وبحيرة دمياط. وَأما
الْفُرَات: فأصله من أَطْرَاف أرمينية قريب من قاليقلا،
ثمَّ يمر على بِلَاد الرّوم ثمَّ يمر بِأَرْض ملطية ثمَّ
على شمشاط وقلعة الرّوم والبيرة وجسر منيح وبالس وجعبر
والرقة والرحبة وقرقيسا وعانات والحديثة وهيت والأنبار
ثمَّ يمر بالطفوف ثمَّ بالحلة ثمَّ بِالْكُوفَةِ
وَيَنْتَهِي إِلَى البطائح وَينصب فِي الْبَحْر
الشَّرْقِي. قَالُوا: وَمِقْدَار جريانها على وَجه الأَرْض
أَرْبَعمِائَة فَرسَخ.
قَوْله: (عَالَجت بني إِسْرَائِيل) أَي: مارستهم وَلَقِيت
مِنْهُم الشدَّة فِيمَا أردْت مِنْهُم من الطَّاعَة،
والمعالجة مثل المزاولة والمجادلة. قَوْله: (فسله) ، أَصله
فَاسْأَلْهُ، لِأَنَّهُ أَمر من السُّؤَال، فنقلت حَرَكَة
الْهمزَة إِلَى السِّين فحذفت تَخْفِيفًا وَاسْتغْنى عَن
همزَة الْوَصْل فحذفت فَصَارَ: فسله، على وزن: فَلهُ،
قَوْله: (فَارْجِع إِلَى رَبك) ، أَي: إِلَى الْموضع
الَّذِي نَاجَيْت رَبك فِيهِ. قَوْله: (فَرَجَعت) أَي:
إِلَى مَوضِع مناجاتي. قَوْله: (فَسَأَلته) أَي: فَسَأَلت
الله التَّخْفِيف. قَوْله: (فَجَعلهَا) أَي: فَجعل
الْفَرِيضَة الَّتِي قدرهَا أَرْبَعِينَ صَلَاة. قَوْله:
(ثمَّ مثله) ، أَي: ثمَّ قَالَ مُوسَى صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم مثله، قَوْله: (ثمَّ ثَلَاثِينَ) ، أَي: ثمَّ جعلهَا
ثَلَاثِينَ صَلَاة. قَوْله: (ثمَّ مثله) ، أَي: ثمَّ قَالَ
مُوسَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله. قَوْله: (فَجعله
عشْرين) ، أَي: عشْرين صَلَاة. قَوْله: (ثمَّ مثله) ، أَي:
ثمَّ قَالَ مُوسَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله. قَوْله:
(15/128)
(فَجعل عشرا) ، أَي: عشر صلوَات. قَوْله:
(فَأتيت مُوسَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: فِي
الْموضع الَّذِي لَقيته فِيهِ، فَقَالَ مُوسَى أَيْضا
مثله، قَوْله: (فَجَعلهَا خمْسا) أَي: خمس صلوَات.
قَوْله: (فَقَالَ: مَا صنعت؟) أَي: فَقَالَ مُوسَى صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: مَاذَا صنعت فِيمَا رجعت؟
وَهَذِه هِيَ الْمُرَاجَعَة الْأَخِيرَة. قَوْله:
(قلت: جعلهَا خمْسا) أَي: خمس صلوَات. قَوْله:
(فَقَالَ: سلمت بِخَير) أَي: فَقَالَ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لمُوسَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
سلمت، بتَشْديد اللَّام من التَّسْلِيم يَعْنِي: سلمت
لَهُ مَا جعله من خمس صلوَات، فَلم يبْق لي مُرَاجعَة
لِأَنِّي استحييت من رَبِّي، كَمَا مضى فِي حَدِيث أبي
ذَر فِي أول كتاب الصَّلَاة من قَوْله: (إرجع إِلَى
رَبك. قلت: استحييت من رَبِّي) يَعْنِي: من تعدد
الْمُرَاجَعَة. قَوْله: (فَنُوديَ) ، أَي: فجَاء
النداء من قبل الله تَعَالَى: (إِنِّي قد أمضيت
فريضتي) أَي: أنفذت فريضتي بِخمْس صلوَات وخففت عَن
عبَادي من خمسين إِلَى خمس، وأجزي الْحَسَنَة عشرا
فَيحصل ثَوَاب خمسين صَلَاة لكل صَلَاة ثَوَاب عشر
صلوَات. فَإِن قلت: كَيفَ جَازَت هَذِه الْمُرَاجَعَة
فِي بَاب الصَّلَاة من رَسُولنَا مُحَمَّد ومُوسَى،
عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام؟ قلت: لِأَنَّهُمَا
عرفا أَن الْأَمر الأول غير وَاجِب قطعا وَلَو كَانَ
وَاجِبا قطعا وَلَو كَانَ وَاجِبا قطعا لَا يقبل
التَّخْفِيف.
وَفِيه: جَوَاز النّسخ قبل وُقُوعه.
وَقَالَ هَمَّامٌ عنْ قَتَادَةَ عنِ الحَسَنِ عنْ أبِي
هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النَّبِيِّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي البَيْتِ المَعْمُورِ
أَي: قَالَ همام بن يحيى الَّذِي مضى فِي رُوَاة
الحَدِيث الْمَذْكُور الَّذِي روى عَنهُ هدبة فِي
السَّنَد الأول، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن هماماً
فصل فِي سِيَاقَة قصَّة الْبَيْت الْمَعْمُور عَن
قصَّة الْإِسْرَاء، وروى أصل الحَدِيث عَن قَتَادَة
عَن أنس، وقصة الْبَيْت الْمَعْمُور عَن قَتَادَة عَن
الْحسن الْبَصْرِيّ عَن أبي هُرَيْرَة، وَأما سعيد بن
أبي عرُوبَة وَهِشَام الدستوَائي اللَّذَان مضيا فِي
الطَّرِيق الثَّانِي للْحَدِيث الْمَذْكُور
فَإِنَّهُمَا قد أدرجا قصَّة الْبَيْت الْمَعْمُور فِي
حَدِيث أنس، وَقَالَ بَعضهم: رِوَايَة همام مَوْصُولَة
هُنَا عَن هدبة عَنهُ، وَوهم من زعم أَنَّهَا معلقَة،
فقد روى الْحسن عَن سُفْيَان فِي (مُسْنده) الحَدِيث
بِطُولِهِ عَن هدبة، فاقتصر الحَدِيث إِلَى قَوْله:
فَرفع لي الْبَيْت الْمَعْمُور، قَالَ قَتَادَة:
حَدثنَا الْحسن عَن أبي هُرَيْرَة: أَنه رأى الْبَيْت
الْمَعْمُور يدْخلهُ كل يَوْم سَبْعُونَ ألف ملك وَلَا
يعودون فِيهِ، وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن الْحسن
بن سُفْيَان وَأبي يعلى وَالْبَغوِيّ وَغير وَاحِد
كلهم عَن هدبة مفصلا. انْتهى. قلت: ظَاهره التَّعْلِيق
وَإِخْرَاج غَيره إِيَّاه مَوْصُولا لَا يسْتَلْزم أَن
يكون مَا أخرجه البُخَارِيّ بِصُورَة التَّعْلِيق أَن
يكون مَوْصُولا، وَهَذَا ظَاهر لَا يخفى. قَوْله: (عَن
الْحسن عَن أبي هُرَيْرَة) ، قَالَ يحيى بن معِين: لم
يَصح لِلْحسنِ سَماع من أبي هُرَيْرَة، فَقيل ليحيى:
قد جَاءَ فِي بعض الْأَحَادِيث: قَالَ: حَدثنَا أَبُو
هُرَيْرَة. قَالَ: لَيْسَ بِشَيْء، وَقَالَ
الْكرْمَانِي: الْحسن هَهُنَا روى عَنهُ بِلَفْظ: عَن،
فَيحْتَمل أَن يكون بالواسطة.
8023 - حدَّثنا الحَسَنُ بنُ الرَّبِيعِ قَالَ حدَّثنا
أبُو الأحْوَصِ عنِ الأعْمَشِ عنْ زَيْدِ بنِ وهْبٍ
قَالَ عَبْدُ الله حدَّثنا رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وهْوَ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ قَالَ
إنَّ أحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ
أرْبَعِينَ يَوْمَاً ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ
ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ
يَبْعَثُ الله مَلَكَاً فَيُؤْمَرُ بِأرْبَعِ
كَلِمَاتٍ ويُقَالُ لَهُ اكْتُبْ عَمَلَهُ ورِزْقَهُ
وأجَلَهُ وشَقِيٌّ أوْ سَعِيدٌ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ
الرُّوحُ فإنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ لَيَعْمَلُ حتَّى
مَا يَكُونَ بَيْنَهُ وبَيْنَ الجَنَّةِ إلاَّ ذِرَاعٌ
فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ كِتابُهُ بِعَمَلِ أهْلِ النَّارِ
ويَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونَ بَيْنَهُ وبَيْنَ
النَّارِ إلاَّ ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ
الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ. . [/
نه
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (ثمَّ يبْعَث الله
ملكا) لِأَن فِي الحَدِيث ذكر الْملك، وَفِي
التَّرْجَمَة ذكر الْمَلَائِكَة، وَالْمَلَائِكَة
أَنْوَاع لَا يحصي عَددهمْ إلاَّ الله تَعَالَى،
وساداتهم الأكابر أَرْبَعَة: جِبْرِيل وَمِيكَائِيل
وعزرائيل وإسرافيل. وَمِنْهُم: الرّوح، قَالَ الله
تَعَالَى: {يَوْم يقوم الرّوح} (النبإ: 83) .
وَمِنْهُم الْحفظَة. وَمِنْهُم الْمَلَائِكَة الموكلون
بالقطر والنبات والرياح والسحاب.
(15/129)
وَمِنْهُم مَلَائِكَة الْقُبُور. وَمِنْهُم
سياحون فِي الأَرْض يَبْتَغُونَ مجَالِس الذّكر.
وَمِنْهُم كروبيون وروحانيون وحافون ومقربون.
وَمِنْهُم مَلَائِكَة تقذف الشَّيَاطِين بالشهاب.
وَمِنْهُم حَملَة الْعَرْش. وَمِنْهُم موكلون بصخرة
بَيت الْمُقَدّس. وَمِنْهُم موكلون بِالْمَدِينَةِ.
وَمِنْهُم موكلون بتصوير النطف. وَمِنْهُم مَلَائِكَة
يبلغون السَّلَام إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم من أمته. وَمِنْهُم من يشْهد الحروب مَعَ
الْمُجَاهدين. وَمِنْهُم خزان أَبْوَاب السَّمَاء.
وَمِنْهُم الموكلون بالنَّار. وَمِنْهُم مَلَائِكَة
يسمون الزَّبَانِيَة. وَمِنْهُم من يغرسون أَشجَار
الْجنَّة. وَمِنْهُم من يصوغون حلى أهل الْجنَّة.
وَمِنْهُم خدم أهل الْجنَّة. وَمِنْهُم من نصفه ثلج
وَنصفه نَار، وَقد ذكر البُخَارِيّ فِي أَحَادِيث
الْبَاب مِنْهُم جمَاعَة كَمَا تَرْجمهُ.
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: الْحسن بن الرّبيع ضد
الخريف ابْن سُلَيْمَان البَجلِيّ الْكُوفِي، يعرف
بالبوراني، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون
الْوَاو وبالراء. قَالَ أَبُو حَاتِم: كنت أَحسب
الْحسن مكسور الْعُنُق لانحنائه حَتَّى قيل: إِنَّه
لَا ينظر إِلَى السَّمَاء حَيَاء من الله تَعَالَى.
الثَّانِي: أَبُو الْأَحْوَص سَلام بِالتَّشْدِيدِ
ابْن سليم الْحَنَفِيّ، مولى بني حنيفَة الْكُوفِي.
الثَّالِث: سُلَيْمَان الْأَعْمَش. الرَّابِع: زيد بن
وهب أَبُو سُلَيْمَان الْهَمدَانِي الْكُوفِي، خرج
إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقبض
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي
الطَّرِيق. الْخَامِس: عبد الله بن مَسْعُود،
وَهَؤُلَاء كلهم كوفيون.
وَقيل هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ جمَاعَة، مِنْهُم:
سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن الْأَعْمَش إِلَى قَوْله:
شقي أَو سعيد، كَلَام رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَمَا بعده كَلَام ابْن مَسْعُود، وَقد رَوَاهُ
عبد الرَّحْمَن بن حميد الرواسِي عَن الْأَعْمَش
فاقتصر من الْمَتْن على الْمَرْفُوع فَحسب، وَرَوَاهُ
بِطُولِهِ سَلمَة بن كهيل عَن زيد بن وهب ففصل كَلَام
ابْن مَسْعُود من كَلَام رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ قَالَ بعد ذكر الشقاوة والسعادة:
قَالَ عبد الله: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، إِن الرجل
ليعْمَل بِعَمَل أهل الْجنَّة ... الحَدِيث. وَأخرجه
مُسلم من حَدِيث الْأَعْمَش عَن زيد بن وهب عَن عبد
الله قَالَ: حَدثنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم ... إِلَى آخِره نَحوه، غير أَن بعد قَوْله:
وشقي أَو سعيد: فوالذي لَا إل هـ غَيره إِن أحدكُم
ليعْمَل بِعَمَل أهل الْجنَّة حَتَّى مَا يكون بَينه
وَبَينهَا إلاَّ ذِرَاع، فَيَسْبق عَلَيْهِ الْكتاب،
فَيعْمل بِعَمَل أهل النَّار فيدخلها، وَإِن أحدكُم
ليعْمَل بِعَمَل أهل النَّار حَتَّى مَا يكون بَينه
وَبَينهَا إلاَّ ذِرَاع فَيَسْبق عَلَيْهِ الْكتاب
فَيعْمل بِعَمَل أهل الْجنَّة فيدخلها. انْتهى.
والْحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْقدر عَن
أبي الْوَلِيد وَفِي التَّوْحِيد عَن آدم. وَأخرجه
مُسلم فِي الْقدر عَن ابْن أبي شيبَة وَعَن مُحَمَّد
بن عبد الله بن نمير وَعَن عُثْمَان ابْن أبي شيبَة
وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَعَن أبي سعيد الْأَشَج
وَعَن عبد الله بن معَاذ وَأخرجه أَبُو دَاوُد عَن
حَفْص بن عَمْرو وَمُحَمّد بن كثير. وَأخرجه
التِّرْمِذِيّ فِي الْقدر عَن هناد وَعَن مُحَمَّد بن
بشار وَعَن عَليّ بن حجر. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي
السّنة عَن عَليّ بن مُحَمَّد عَن وَكِيع وَمُحَمّد بن
فُضَيْل وَأبي مُعَاوِيَة وَعَن عَليّ بن مَيْمُون،
وَأنكر عَمْرو بن عبيد هَذَا الحَدِيث وَكَانَ من زهاد
الْقَدَرِيَّة وَلَا اعْتِبَار لإنكاره.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (وَهُوَ الصَّادِق المصدوق)
أَي: الصَّادِق فِي قَوْله وَفِيمَا يَأْتِيهِ من
الْوَحْي، والمصدوق أَن الله تَعَالَى صدقه فِي وعده.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: المصدوق أَي: من جِهَة
جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، أَو
الْمُصدق يَعْنِي بتَشْديد الدَّال الْمَفْتُوحَة.
وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: الأولى أَن تجْعَل هَذِه
الْجُمْلَة اعتراضية لَا حَالية فتعم الْأَحْوَال
كلهَا، وَأَن يكون من عاداته ودأبه ذَلِك فَمَا أحسن
موقعه هُنَا. قَوْله: (يجمع) ، على صِيغَة
الْمَجْهُول، قَالُوا: بِمَعْنى الْجمع أَن النُّطْفَة
إِذا وَقعت فِي الرَّحِم وَأَرَادَ الله أَن يخلق
مِنْهَا بشرا طارت فِي أَطْرَاف الْمَرْأَة تَحت كل
شَعْرَة وظفر فتمكث أَرْبَعِينَ لَيْلَة ثمَّ تنزل
دَمًا فِي الرَّحِم، فَذَلِك جمعهَا. قَوْله:
(أَرْبَعِينَ يَوْمًا) هَذِه الْأَرْبَعُونَ الأولى
النُّطْفَة فِيهَا تجْرِي فِي أَطْرَاف الْمَرْأَة
ثمَّ تصير دَمًا. قَوْله: (ثمَّ تكون علقَة) وَهُوَ
الدَّم الغليظ الجامد وَهَذَا فِي الْأَرْبَعين
الثَّانِي، أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: (مثل ذَلِك) أَي:
مثل الأول أَرْبَعِينَ يَوْمًا. قَوْله: (ثمَّ تكون
مُضْغَة) ، وَهِي قِطْعَة من اللَّحْم قدر مَا يمضغ،
وَهَذَا فِي الْأَرْبَعين الثَّالِث، أَشَارَ إِلَيْهِ
بقوله: (مثل ذَلِك) يَعْنِي مثل الثَّانِي أَرْبَعِينَ
يَوْمًا. فَإِن قلت: إِن الله قَادر على أَن يخلقه فِي
لمحة، فَمَا الْحِكْمَة فِي هَذَا الْمِقْدَار؟ قلت:
فِيهِ حكم وفوائد. مِنْهَا: أَنه لَو خلقه دفْعَة
وَاحِدَة لشق على الْأُم لِأَنَّهَا لم تكن مُعْتَادَة
بذلك، وَرُبمَا تهْلك فَجعل أَولا نُطْفَة لتعتاد بهَا
مُدَّة ثمَّ تكون علقَة وهلم جرا ... إِلَى الْولادَة.
وَمِنْهَا: إِظْهَار قدرَة الله تَعَالَى وَنعمته
ليعبدوه ويشكروا لَهُ حَيْثُ قلبهم فِي تِلْكَ الأطوار
إِلَى كَونهم إنْسَانا حسن الصُّورَة متحلياً
بِالْعقلِ والشهامة
(15/130)
مزيناً بالفهم والفطانة. وَمِنْهَا: إرشاد
النَّاس وتنبيههم على كَمَال قدرته على الْحَشْر
والنشر، لِأَن من قدر على خلق الْإِنْسَان من مَاء
مهين ثمَّ من علقَة ومضغة مهيأة لنفخ الرّوح فِيهِ،
يقدر على صَيْرُورَته تُرَابا وَنفخ الرّوح فِيهِ
وحشره فِي الْمَحْشَر لِلْحسابِ وَالْجَزَاء. قَوْله:
(ثمَّ يبْعَث الله ملكا) أَي: بعد انْتِهَاء
الْأَرْبَعين الثَّالِثَة يبْعَث الله ملكا (فَيُؤْمَر
بِأَرْبَع كَلِمَات) يَكْتُبهَا وَهِي: قَوْله:
(وَيُقَال لَهُ) ، أَي: للْملك الْمُرْسل: (أكتب عمله
ورزقه وأجله وشقي أَو سعيد) وكل ذَلِك بِمَا اقْتَضَت
حكمته وسبقت كَلمته. قَوْله: (وشقي أَو سعيد) ، كَانَ
من حق الظَّاهِر أَن يُقَال: يكْتب سعادته وشقاوته،
فَعدل حِكَايَة لصورة مَا يَكْتُبهُ، لِأَنَّهُ يكْتب
شقي أَو سعيد. قَوْله: (ثمَّ ينْفخ فِيهِ الرّوح) ،
أَي: بعد كِتَابَة الْملك هَذِه الْأَرْبَعَة ينْفخ
فِيهِ الرّوح.
وَفِي (صَحِيح مُسلم) : أَن أحدكُم يجمع خلقه فِي بطن
أمه أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثمَّ يكون فِي ذَلِك علقَة
مثل ذَلِك، ثمَّ يكون فِي ذَلِك مُضْغَة مثل ذَلِك،
ثمَّ يُرْسل الْملك فينفخ فِيهِ الرّوح وَيُؤمر
بِأَرْبَع كَلِمَات ... الحَدِيث، فَهَذَا يدل على أَن
كتب هَذِه الْأَرْبَعَة بعد نفخ الرّوح، وَلَفظ
البُخَارِيّ يدل على أَن ذَلِك قبل نفخ الرّوح، لِأَن
فِي لَفْظَة: (ثمَّ ينْفخ فِيهِ الرّوح) وَكلمَة:
ثمَّ، تَقْتَضِي تَأَخّر كتب الْملك هَذِه الْأُمُور
إِلَى مَا بعد الْأَرْبَعين الثَّالِثَة. وَقَالَ
النَّوَوِيّ: وَالْأَحَادِيث الْبَاقِيَة تَقْتَضِي
الْكتب عقيب الْأَرْبَعين الأولى، ثمَّ أجَاب عَن
ذَلِك بقوله: إِن قَوْله: ثمَّ يبْعَث إِلَيْهِ
الْملك، فَيُؤذن لَهُ فَيكْتب مَعْطُوف على قَوْله:
(يجمع فِي بطن أمه) ومتعلقاته لَا بِمَا قبله، وَهُوَ
قَوْله: ثمَّ يكون مُضْغَة مثله، وَيكون قَوْله: ثمَّ
يكون علقَة مثله، ثمَّ يكون مُضْغَة مثله، مُعْتَرضًا
بَين الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ، وَذَلِكَ جَائِز
مَوْجُود فِي الْقُرْآن والْحَدِيث الصَّحِيح وَفِي
كَلَام الْعَرَب. وَقَالَ القَاضِي وَغَيره:
وَالْمرَاد بإرسال الْملك فِي هَذِه الْأَشْيَاء أمره
بهَا وَالتَّصَرُّف فِيهَا بِهَذِهِ الْأَفْعَال،
وإلاَّ فقد صرح فِي الحَدِيث بِأَنَّهُ مُوكل بالرحم،
وَأَنه يَقُول: يَا رب هَذِه نُطْفَة يَا رب هَذِه
علقَة. وَقَالَ القَاضِي: وَقَوله فِي الحَدِيث
الَّذِي رُوِيَ عَن أنس: وَإِذا أَرَادَ أَن يخلق خلقا
قَالَ: يَا رب أذكر أم أُنْثَى؟ شقي أم سعيد؟ لَا
يُخَالف مَا قدمْنَاهُ، وَلَا يلْزم مِنْهُ أَن يَقُول
ذَلِك بعد المضغة، بل هُوَ ابْتِدَاء كَلَام وإخبار
عَن حَالَة أُخْرَى، فَأخْبر أَولا بِحَال الْملك مَعَ
النُّطْفَة، ثمَّ أخبر أَن الله تَعَالَى إِذا أَرَادَ
أَن يخلق النُّطْفَة علقَة كَانَ كَذَا وَكَذَا. فَإِن
قلت: فِي رِوَايَة يُرْسل الْملك بعد مائَة وَعشْرين
يَوْمًا، وَفِي رِوَايَة: ثمَّ يدْخل الْملك على
النُّطْفَة بَعْدَمَا تَسْتَقِر فِي الرَّحِم
بِأَرْبَعِينَ أَو خَمْسَة وَأَرْبَعين لَيْلَة،
فَيَقُول: يَا رب أشقي أم سعيد؟ وَفِي رِوَايَة: إِذا
مر بالنطفة ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَة بعث الله
إِلَيْهَا ملكا فصورها وَخلق سَمعهَا وبصرها وجلدها،
وَفِي رِوَايَة حُذَيْفَة بن أسيد: أَن النُّطْفَة تقع
فِي الرَّحِم أَرْبَعِينَ لَيْلَة، ثمَّ يتسور
عَلَيْهَا الْملك، وَفِي رِوَايَة: أَن ملكا موكلاً
بالرحم إِذا أَرَادَ الله أَن يخلق شَيْئا يَأْذَن
لَهُ لبضع وَأَرْبَعين لَيْلَة، وَذكر الحَدِيث، وَفِي
رِوَايَة أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أَن الله قد
وكل بالرحم ملكا فَيَقُول: أَي رب نُطْفَة، أَي رب
علقَة، أَي رب مُضْغَة، فَمَا الْجمع بَين هَذِه
الرِّوَايَات؟ قلت: للْملك مُرَاعَاة لحَال
النُّطْفَة، وَأَنه يَقُول: يَا رب هَذِه نُطْفَة،
هَذِه علقَة، هَذِه مُضْغَة فِي أَوْقَاتهَا، وكل وَقت
يَقُول فِيهِ مَا صَارَت إِلَيْهِ، ولتصرفه وَكَلَامه
أَوْقَات: أَحدهَا حِين يخلقها الله نُطْفَة ثمَّ
ينقلها علقَة وَهُوَ أول علم الْملك بِأَنَّهُ ولد،
لِأَنَّهُ لَيْسَ كل نُطْفَة تصير ولدا، وَذَلِكَ عقيب
الْأَرْبَعين الأولى، فَحِينَئِذٍ يكْتب رزقه وأجله
وَعَمله وشقاوته وسعادته، ثمَّ للْملك تصرف آخر فِي
وَقت آخر، وَهُوَ تَصْوِيره وَخلق سَمعه وبصره وَجلده
ولحمه وعظمه وَكَونه ذكرا أَو أُنْثَى، وَذَلِكَ
إِنَّمَا يكون فِي الْأَرْبَعين الثَّالِثَة، وَهِي
مُدَّة المضغة، وَقبل انْقِضَاء مُدَّة هَذِه
الْأَرْبَعين، وَقبل نفخ الرّوح فِيهِ، لِأَن نفخ
الرّوح لَا يكون إلاَّ بعد تَمام صورته. فَإِن قلت:
رُوِيَ: إِذا مر بالنطفة ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ
لَيْلَة بعث الله إِلَيْهَا ملكا فصورها وَخلق سَمعهَا
وبصرها وجلدها ولحمها وعظمها قَالَ: يَا رب أذكر أم
أُنْثَى؟ فَيَقْضِي رَبك مَا شَاءَ، وَيكْتب الْملك،
ثمَّ يَقُول: يَا رب أَجله؟ فَيَقُول رَبك مَا شَاءَ
وَيكْتب الْملك، وَذكر رزقه؟ قلت: لَيْسَ هَذَا على
ظَاهره وَلَا يَصح حمله على ظَاهره، بل المُرَاد
بتصورها وَخلق سَمعهَا إِلَى آخِره أَنه يكْتب ذَلِك
ثمَّ يَفْعَله فِي وَقت آخر، لِأَن التَّصْوِير عقيب
الْأَرْبَعين الأولى غير مَوْجُود فِي الْعَادة،
وَإِنَّمَا يَقع فِي الْأَرْبَعين الثَّالِثَة وَهِي
مُدَّة المضغة كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: {وَلَقَد
خلقنَا الْإِنْسَان من سلالة من طين} (الْمُؤْمِنُونَ:
8) . إِلَى قَوْله: {لَحْمًا} (الْمُؤْمِنُونَ: 8) .
ثمَّ يكون للْملك فِيهِ تصرف آخر وَهُوَ وَقت نفخ
الرّوح عقيب الْأَرْبَعين الثَّالِثَة حَتَّى يكمل
لَهُ أَرْبَعَة أشهر.
قَوْله: (حَتَّى مَا يكون) ، حَتَّى، هِيَ الناصبة و:
مَا نَافِيَة وَلَفْظَة: يكون، مَنْصُوب بحتى وَمَا
غير كَافَّة لَهَا من الْعَمَل. قَوْله: (إلاَّ
ذِرَاع) ، المُرَاد بالذراع التَّمْثِيل والقرب إِلَى
الدُّخُول، أَي: مَا يبْقى بَينه
(15/131)
وَبَين أَن يصلها إلاَّ كمن بَقِي بَينه
وَبَين مَوضِع من الأَرْض ذِرَاع. قَوْله: (فَيَسْبق
عَلَيْهِ) ، الْفَاء للتعقيب تدل على حُصُول السَّبق
بِلَا مهلة، ضمن يسْبق معنى: يغلب، أَي: يغلب عَلَيْهِ
الْكتاب، وَمَا قدر عَلَيْهِ سبقاً بِلَا مهلة
فَعِنْدَ ذَلِك يعْمل بِعَمَل أهل الْجنَّة أَو أهل
النَّار. قَوْله: (فَيعْمل بِعَمَل أهل النَّار) ،
وَفِيه حذف تَقْدِيره. فيدخلها، وَكَذَلِكَ بعد
قَوْله: (بِعَمَل أهل الْجنَّة فيدخلها) . وَقَالَ
الْخطابِيّ: فِيهِ: أَن ظَاهر الْأَعْمَال من
الْحَسَنَات والسيئات أَمَارَات وَلَيْسَت بموجبات،
وَأَن مصير الْأُمُور فِي الْعَاقِبَة إِلَى مَا سبق
بِهِ الْقَضَاء وَجرى الْقدر، وروى ابْن حبَان فِي
(صَحِيحه) من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء مَرْفُوعا: فرغ
الله إِلَى كل عبد من خمس: من رزقه وأجله وَعَمله
وأثره ومضجعه، يَعْنِي قَبره، فَإِنَّهُ مضجعه على
الدَّوَام {وَمَا تَدْرِي نفس بِأَيّ أَرض تَمُوت}
(لُقْمَان: 43) .
9023 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ قَالَ أخبرَنا
مَخْلَدٌ قَالَ أخْبَرَنا ابنُ جُرَيْجٍ قَالَ
أخْبَرَنِي مُوسَى بنُ عُقْبَةَ عنْ نافِعٍ قَالَ
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ
النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتابَعَهُ أبُو
عَاصِمٍ عنُ ابنِ جُرَيْجٍ قَالَ أخْبَرَنِي مُوسَى
بنُ عُقْبَةَ عنْ نافِعٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ عنِ
النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إذَا أحَبَّ
الله العَبْدَ نادَى جِبْرِيلَ إنَّ الله يُحِبُّ
فُلاناً فأحْبِبْهُ فيُحِبُّهُ جِبْرِيل فَيُنادِي
جِبْرِيلُ فِي أهْلِ السَّماءِ إنَّ الله يُحِبُّ
فُلاَناً فأحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أهْلُ السَّمَاءِ
ويُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي الأرْضِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (نَادَى جِبْرِيل)
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام. وَمُحَمّد بن سَلام،
بِاللَّامِ الْمُشَدّدَة: ومخلد، بِفَتْح الْمِيم
وَاللَّام وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة: ابْن يزِيد
من الزِّيَادَة مر فِي الْجُمُعَة، وَابْن جريج عبد
الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج، وَأَبُو عَاصِم
الضَّحَّاك بن مخلد النَّبِيل.
وَأورد البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث من طَرِيقين:
أَحدهمَا: مَوْصُول وَهُوَ إِلَى قَوْله: وَتَابعه.
وَالثَّانِي: مُعَلّق وَهُوَ من قَوْله: وَتَابعه
أَبُو عَاصِم ... إِلَى آخِره، وَقد وَصله فِي
الْأَدَب عَن عَمْرو بن عَليّ عَن أبي عَاصِم وَسَاقه
على لَفظه هُنَاكَ، قيل: هُوَ أحد الْمَوَاضِع الَّتِي
يسْتَدلّ بهَا على أَنه قد يعلق عَن بعض مشايخه مَا
هُوَ عِنْده بِوَاسِطَة، لِأَن أَبَا عَاصِم من
شُيُوخه يروي عَنهُ كثيرا فِي الْكتاب. وَقَالَ
الطوفي: ذكر البُخَارِيّ الْحبّ فِي كِتَابه وَلم يذكر
البغض، وَهُوَ فِي رِوَايَة غَيره، وَإِذا أبْغض عبدا
نَادَى جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام:
إِنِّي أبْغض فلَانا فَأَبْغضهُ، قَالَ: فَيبْغضهُ
جِبْرِيل، ثمَّ يُنَادي فِي أهل السَّمَاء: أَن الله
يبغض فلَانا فَأَبْغضُوهُ، فَيبْغضُونَهُ، ثمَّ يوضع
لَهُ البغض فِي الأَرْض. قلت: هَذَا أخرجه
الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق روح بن عبَادَة عَن ابْن
جريج.
قَوْله: (وَيُوضَع لَهُ الْقبُول فِي الأَرْض) ،
يَعْنِي: عِنْد أَكثر من يعرفهُ من الْمُؤمنِينَ،
وَيبقى لَهُ ذكر صَالح، وَيُقَال مَعْنَاهُ: يلقِي فِي
قُلُوب أَهلهَا محبته مادحين مثنين عَلَيْهِ.
وَفِيه: أَن كل من هُوَ مَحْبُوب الْقُلُوب فَهُوَ
مَحْبُوب الله، بِحكم عكس الْقَضِيَّة.
0123 - حدَّثنا مُحَمَّدٌ قَالَ حدَّثنا ابنُ أبِي
مَرْيَمَ قَالَ أخْبرَنا اللَّيْثُ قَالَ حدَّثنا ابنُ
أبِي جَعْفَرَ عنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ
عنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله
تَعَالَى عنهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أنَّهَا قالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ إنَّ المَلاَئِكَةَ تَنْزِلُ
فِي العَنَانِ وهْوَ السَّحابُ فَتذْكُرُ الأمْرَ
قُضِيَ فِي السَّماءِ فَتَسْتَرِقُ الشَّيَاطِينَ
السَّمْعَ فتَسْمَعُهُ فَتُوحِيهِ إلَى الْكُهَّانِ
فَيَكْذِبُونَ مَعَهَا مائَةَ كَذْبَةٍ مِنْ عِنْدِ
أنْفُسِهِمْ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: الْمَلَائِكَة،
وَمُحَمّد هُوَ الَّذِي ذكر مُجَردا هُوَ مُحَمَّد بن
يحيى الذهلي، قَالَه الغساني، وَقَالَ أَبُو ذَر بعد
أَن سَاقه: مُحَمَّد هَذَا هُوَ البُخَارِيّ، وَقَالَ
بَعضهم: هَذَا هُوَ الْأَرْجَح عِنْدِي، فَإِن
الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأَبا نعيم لم يجدا الحَدِيث من
غير رِوَايَة البُخَارِيّ فأخرجاه عَنهُ، وَلَو كَانَ
عِنْد غير البُخَارِيّ لما ضَاقَ مخرجه عَلَيْهِمَا.
انْتهى. قلت: عدم وجدان الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأبي نعيم
(15/132)
الحَدِيث لَا يسْتَلْزم أَن يكون مُحَمَّد
هُنَا البُخَارِيّ، وَهَذَا ظَاهر لَا يخفى على أحد
وَلم يجرِ للْبُخَارِيّ الْعَادة بِأَن يذكر اسْمه قبل
ذكر شَيْخه بقوله: حَدثنَا مُحَمَّد، وَذكر فِي (رجال
الصَّحِيحَيْنِ) : مُحَمَّد بن يحيى بن عبد الله بن
خَالِد بن فَارس بن ذُؤَيْب أَبُو عبد الله الذهلي
النَّيْسَابُورِي فِي فصل: أَفْرَاد البُخَارِيّ،
فِيمَن اسْمه مُحَمَّد، وَقَالَ: روى عَنهُ
البُخَارِيّ فِي قريب من ثَلَاثِينَ موضعا وَلم يقل:
حَدثنَا مُحَمَّد بن يحيى الذهلي مُصَرحًا، وَيَقُول:
حَدثنَا مُحَمَّد وَلَا يزِيد عَلَيْهِ، وَيَقُول:
مُحَمَّد بن عبد الله، ينْسبهُ إِلَى جده، وَيَقُول:
حَدثنَا مُحَمَّد بن خَالِد، ينْسبهُ إِلَى جد أَبِيه،
وَالسَّبَب فِي ذَلِك أَن البُخَارِيّ لما دخل نيسابور
شغب عَلَيْهِ مُحَمَّد بن يحيى الذهلي فِي مَسْأَلَة
خلق اللَّفْظ، وَكَانَ قد سمع مِنْهُ فَلم يتْرك
الرِّوَايَة عَنهُ وَلم يُصَرح باسمه. وَابْن أبي
مَرْيَم هُوَ سعيد بن مُحَمَّد بن الحكم، وَابْن أبي
مَرْيَم بن أبي جَعْفَر هُوَ عبيد الله بن أبي
جَعْفَر، واسْمه يسَار الْقرشِي، وَمُحَمّد بن عبد
الرَّحْمَن أَبُو الْأسود.
وَالنّصف الأول من هَذَا الْإِسْنَاد بصريون، وَالنّصف
الثَّانِي مدنيون، وأوله هُوَ مُحَمَّد بن عبد
الرَّحْمَن.
قَوْله: (الْعَنَان) ، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة
وَتَخْفِيف النُّون الأولى: السَّحَاب. قَوْله:
(فَتذكر) أَي: الْمَلَائِكَة الْأَمر الَّذِي قضي فِي
السَّمَاء وجوده وَعَدَمه. قَوْله: (فتسترق) ، تفتعل
من السّرقَة، أَي: تستمع سَرقَة، يُقَال: اسْترق
السّمع أَي: اسْترق مستخفياً. قَوْله: (إِلَى
الْكُهَّان) ، بِضَم الْكَاف وَتَشْديد الْهَاء، جمع:
كَاهِن وَهُوَ الَّذِي يتعاطى الْإِخْبَار عَن
الكائنات فِي مُسْتَقْبل الزَّمَان، ويدعى معرفَة
الْأَسْرَار، وَفِي (الْمغرب) : لما بعث النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وحرست السَّمَاء بطلت الكهانة.
1123 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ قَالَ حدَّثنا
إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ قَالَ حدَّثنا ابنُ شِهَابٍ
عنْ أبي سلَمَةَ والأغَرِّ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي
الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ النبيُ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إذَا كانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ كانَ
عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أبْوابِ المَسْجِدِ
مَلاَئِكَةٌ يَكْتُبُونَ الأوَّلَ فَالأوَّلَ فإذَا
جَلَسَ الإمَامُ طَوَوُا الصُّحُفَ وجاؤُا
يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ. (انْظُر الحَدِيث 929) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (مَلَائِكَة) .
وَأحمد بن يُونُس هُوَ ابْن عبد الله بن يُونُس
الْيَرْبُوعي الْكُوفِي، وَإِبْرَاهِيم بن سعد ابْن
إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الزُّهْرِيّ
الْقرشِي الْمَدِينِيّ، وَابْن شهَاب مُحَمَّد بن
مُسلم الزُّهْرِيّ، وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن
ابْن عَوْف، والأغر، بِفَتْح الْهمزَة والغين
الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء: اسْمه سلمَان أَبُو
عبد الله الْجُهَنِيّ مَوْلَاهُم الْمدنِي، كَذَا وَقع
فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: الْأَغَر، وَوَقع فِي
رِوَايَة الْكشميهني: الْأَعْرَج، بِالْعينِ
الْمُهْملَة وبالجيم فِي آخِره، وَالْأول أشهر. وَأخرج
النَّسَائِيّ من وَجه آخر عَن الزُّهْرِيّ عَن
الْأَعْرَج وَحده.
والْحَدِيث مر فِي كتاب الْجُمُعَة فِي: بَاب
الِاسْتِمَاع إِلَى الْخطْبَة بأتم مِنْهُ فَإِنَّهُ
أخرجه هُنَاكَ: عَن آدم عَن ابْن أبي ذِئْب عَن
الزُّهْرِيّ عَن أبي عبد الله الْأَغَر عَن أبي
هُرَيْرَة، الحَدِيث، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
2123 - حدَّثنا علِيُّ بنُ عَبْدِ الله قالَ حدَّثَنَا
سُفْيَانُ قَالَ حدَّثَنا الزُّهْرِيُّ عنْ سَعِيدِ
بنِ المُسَيَّبِ قَالَ مرَّ عُمَرُ فِي المَسْجِدِ
وحَسَّانُ يُنْشِدُ فَقَالَ كُنْتُ أُنْشِدُ فِيهِ
وفِيهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ ثُمَّ الْتَفَتَ إلَى
أبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ أنْشُدُكَ بِاللَّه أسَمِعْتَ
رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ أجِبْ
عَنِّي أللَّهُمَّ أيِّدْهُ بِرُوحِ القُدُسِ قَالَ
نَعَمْ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (بِروح الْقُدس)
فَإِنَّهُ جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام،
وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة.
قَوْله: (فِي الْمَسْجِد) أَي: النَّبَوِيّ: وَالْوَاو
فِي (وَحسان) ، للْحَال، وَكَذَا الْوَاو فِي: (وَفِيه
من هُوَ خير مِنْك) . وَقد مضى فِي: بَاب الشّعْر فِي
الْمَسْجِد، عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن: أَنه
سمع حسان بن ثَابت يستشهد أَبَا هُرَيْرَة: أنْشدك
الله {هَل سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَقُول: يَا حسان أجب عَن رَسُول الله} أللهم أيده
بِروح الْقُدس؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: نعم. قَوْله:
(أسمعت؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل
الاستخبار. قَوْله: (أجب عني) ، أَي: قل جَوَاب هجو
الْكفَّار عَن جهتي.
3123 - حدَّثنا حَفْصُ بنُ عُمَرَ قَالَ حدَّثنا
شُعْبَةُ عنْ عَدِيِّ بنِ ثَابِتٍ عنِ الْبَرَاءِ
(15/133)
رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ
النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِحَسَّانَ
اهْجُهُم أوْ هاجِهِمْ وجِبْرِيلُ مَعَكَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَجِبْرِيل مَعَك)
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَدَب عَن
سُلَيْمَان بن حَرْب وَفِي الْمَغَازِي عَن حجاج بن
منهال. وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن عبيد الله
بن معَاذ وَعَن زُهَيْر وَعَن أبي بكر بن نَافِع وَعَن
بنْدَار عَن غنْدر. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي
الْقَضَاء عَن حميد بن مسْعدَة وَفِي المناقب عَن
أَحْمد بن حَفْص.
قَوْله: (اهجهم) ، أَمر من: هجا يهجو هجواً، وَهُوَ
نقيض الْمَدْح. قَوْله: (أَو هاجهم) ، شكّ من
الرَّاوِي من المهاجاة، وَمَعْنَاهُ: جازهم بهجوهم.
قَوْله: (وَجِبْرِيل مَعَك) ، يَعْنِي: يؤيدك ويعينك
عَلَيْهِ.
4123 - حدَّثنا مُوساى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا
جَرِيرٌ (ح) وحدَّثنا إسْحَاقُ قَالَ أخْبرنا وهْب بنُ
جَرِير قَالَ حدَّثنا أبي قَالَ سَمِعْتُ حُمَيْدَ بنَ
هِلاَلٍ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى
عنهُ قَالَ كأنِّي أنْظُرُ إِلَى غُبَارٍ ساطِعٍ فِي
سِكَّةِ بَنِي غَنْمٍ زَادَ مُوسى مَوْكِبَ جِبْرِيلَ.
(الحَدِيث 4123 طرفه فِي: 8114) . [/ نه
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (موكب جِبْرِيل)
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، ومُوسَى بن
إِسْمَاعِيل التَّبُوذَكِي، وَجَرِير هُوَ ابْن حَازِم
أَبُو النَّصْر الْأَزْدِيّ الْبَصْرِيّ، وَإِسْحَاق
هُوَ ابْن رَاهَوَيْه، ووهب بن جرير يروي عَن أَبِيه
جرير بن حَازِم الْمَذْكُور، وروى هَذَا الحَدِيث من
طَرِيقين. الأول: عَن مُوسَى عَن جرير عَن حميد عَن
أنس. وَالثَّانِي: عَن إِسْحَاق عَن وهب بن جرير عَن
أَبِيه عَن حميد بن هِلَال بن هُبَيْرَة الْعَدوي
أَبُو نصر الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي
عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل أَيْضا.
قَوْله: (فِي سكَّة بني غنم) ، السِّكَّة، بِكَسْر
السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْكَاف: الزقاق، و:
بني غنم، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون
النُّون: بطن من الْخَزْرَج، وهم من ولد غنم بن مَالك
بن النجار، مِنْهُم أَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ
وَآخَرُونَ. وَقَالَ بَعضهم: وَوهم من زعم أَن
المُرَاد هُنَا ببني غنم حَيّ من بني تغلب، بِفَتْح
التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الْغَيْن
الْمُعْجَمَة، فَإِن أُولَئِكَ لم يَكُونُوا يَوْمئِذٍ
بِالْمَدِينَةِ. انْتهى. قلت: أَرَادَ بِهَذَا الْحَط
على الْكرْمَانِي، فَإِن الْقَائِل بِهِ هُوَ
الْكرْمَانِي. قَوْله: (زَاد مُوسَى) ، هُوَ مُوسَى بن
إِسْمَاعِيل الْمَذْكُور. وَأَرَادَ بِهَذَا أَن
مُوسَى زَاد فِي الْمَتْن هَذِه الزِّيَادَة، وَقد
أوصلها البُخَارِيّ فِي الْمَغَازِي عَنهُ. قَوْله:
(موكب جِبْرِيل) ، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.
قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض.
قلت: الأولى أَن يُقَال: مَنْصُوب بِفعل مَحْذُوف
تَقْدِيره: أنظر موكب جِبْرِيل، وَنَحْو ذَلِك، وَيجوز
أَن يرفع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره:
هَذَا موكب جِبْرِيل، وَقَالَ ابْن التِّين:
الْأَحْسَن أَن يكون مجروراً على أَنه بدل من لفظ:
غُبَار، وَقَالَ الْكرْمَانِي: ويروى: وموكب جِبْرِيل،
بِالْوَاو والموكب نوع من السّير، وَيُقَال للْقَوْم
الرّكُوب على الْإِبِل للزِّينَة: موكب، وَكَذَلِكَ
جمَاعَة الفرسان. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الموكب
جمَاعَة من ركاب يَسِيرُونَ بِرِفْق، وهم أَيْضا:
الْقَوْم الرّكُوب للزِّينَة والتنزه، وَذكره فِي:
بَاب وكب، فَدلَّ على أَن الْمِيم زَائِدَة،
وَكَذَلِكَ ذكره الْجَوْهَرِي فِي: بَاب وكب.
5123 - حدَّثنا فَرْوَةُ قَالَ حدَّثنا عَلِيُّ بنُ
مُسْهِرٍ عنْ هِشامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ
عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا أنَّ الحَارِثَ
بنَ هِشَامٍ قَالَ سَأَلَ النَّبِيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم كَيْفَ يأتِيكَ الوَحْيُ قَالَ كُلُّ
ذَاكَ يأتِي المَلَكُ أحْيانَاً فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ
الجَرَسِ فَيَفْصُمُ عَنِّي وقَدْ وَعَيْتُ مَا قَالَ
وهْوَ أشَدُّهُ علَيَّ ويَتَمَثَّلُ لِي المَلَكُ
أحْيَانَاً رَجُلاً فَيُكَلِّمُنِي فأعِي مَا يَقُولُ.
(انْظُر الحَدِيث 2) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (الْملك) فِي
الْمَوْضِعَيْنِ. وفروة، بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون
الرَّاء: ابْن أبي المغراء أَبُو الْقَاسِم
الْكِنْدِيّ الْكُوفِي وَهُوَ من أَفْرَاده.
والْحَدِيث مر فِي أول الْكتاب فَإِنَّهُ أخرجه
هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن هِشَام
بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة ... إِلَى آخِره.
قَوْله: (فَيفْصم) ، بِالْفَاءِ أَي: يقطع.
6123 - حدَّثنا آدَمُ قَالَ حدَّثنا شَيْبَانُ قَالَ
حدَّثنا يَحيى بنُ أبِي كَثِيرٍ عنْ أبِي سلَمَةَ عنْ
أبِي هُرَيْرَةَ
(15/134)
رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ سَمِعْتُ
النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ مَنْ
أنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ الله دَعَتْهُ
خَزَنَةُ الجَنَّةِ أيْ فُلُ هَلُمَّ فَقالَ أبُو
بَكْرٍ ذَاكَ الَّذِي لَا تَواى علَيْهِ قَالَ
النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرْجُو أَن
تَكُونَ مِنْهُمْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (خَزَنَة الْجنَّة)
فَإِنَّهُم الْمَلَائِكَة. والْحَدِيث مضى فِي كتاب
الْجِهَاد فِي: بَاب فضل النَّفَقَة، فَإِنَّهُ أخرجه
هُنَاكَ عَن سعد بن حَفْص عَن شَيبَان عَن يحيى عَن
أبي سَلمَة ... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ
هُنَاكَ.
قَوْله: (زَوْجَيْنِ) ، أَي: دِرْهَمَيْنِ أَو
دينارين. قَوْله: (أَي فل) أَي: يَا فلَان. قَوْله:
(لَا توى) بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق أَي:
الاهلاك.
8123 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ حدَّثنا عُمَرُ
بنُ ذَرٍّ ح وحدَّثني يَحْيَى بنُ جَعْفَرٍ قَالَ
حدَّثنا وَكِيعٌ عنْ عُمَرَ بنِ ذَرٍّ عنْ أبِيهِ عنْ
سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عَباسٍ رَضِي الله
تَعَالَى عنهُما قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لِجِبْرِيلَ ألاَ تَزُورُنَا أكْثَرَ
مِمَّا تَزُورُنَا قَالَ فنَزَلَتْ: {وَمَا نَتنَزَّلُ
إلاَّ بِأمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أيْدِينَا
وَمَا خَلْفَنَا} (مَرْيَم: 46) . الْآيَة.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله لجبريل، عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام. وَأَبُو نعيم، بِضَم النُّون:
الْفضل بن دُكَيْن، وَعَمْرو بن ذَر، بِفَتْح الذَّال
الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء، وَتقدم فِي
التَّيَمُّم، وَيحيى بن جَعْفَر بن أعين أَبُو
زَكَرِيَّا البُخَارِيّ البيكندي، وَهُوَ من
أَفْرَاده، وَعمر بن ذَر
(15/135)
يرْوى عَن أَبِيه ذَر بن عبد الله
الْهَمدَانِي الْكُوفِي.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير
عَن أبي نعيم أَيْضا وَفِي التَّوْحِيد عَن خَلاد بن
يحيى وَفِي بَدْء الْخلق أَيْضا عَن يحيى عَن وَكِيع.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن الْحُسَيْن
ابْن حُرَيْث وَعَن عبد بن حميد. وَأخرجه النَّسَائِيّ
فِيهِ عَن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل وَعَن إِبْرَاهِيم
بن الْحسن، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن.
قَوْله: (حَدثنَا عمر) ، بِصِيغَة الْجمع وَكلمَة: (ح)
، بعده للتحويل. قَوْله: (وحَدثني) ، بِصِيغَة
الْإِفْرَاد وسَاق الحَدِيث على لفظ وَكِيع. قَوْله:
(أَلا تَزُورنَا؟) كلمة: أَلاَ، هُنَا للعرض والتحضيض،
وَيجوز أَن تكون لِلتَّمَنِّي. قَوْله: (فَنزلت) أَي:
نزلت الْآيَة الَّتِي أَولهَا {وَمَا نَتَنَزَّل إلاَّ
بِأَمْر رَبك} (مَرْيَم: 46) . إِلَى آخِره.
9123 - حدَّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ حدَّثني سُلَيْمَانُ
عنْ يُونُسَ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ
عَبْدِ الله ابنِ عُتْبَةَ بنِ مَسْعُودٍ عنِ ابنِ
عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّ رسولَ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أقْرأني جِبْرِيلُ علَى
حَرْفٍ فَلَمْ أزَلْ أسْتَزِيدُهُ حَتى انْتَهاى إِلَى
سَبْعَةِ أحْرُفٍ. (الحَدِيث 9123 طرفه فِي: 1994) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (جِبْرِيل) عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام. وَإِسْمَاعِيل بن أبي أويس،
وَسليمَان بن بِلَال، وَيُونُس ابْن يزِيد، وَابْن
شهَاب مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي فَضَائِل
الْقُرْآن عَن سعيد بن عفير. وَأخرجه مُسلم فِي
الصَّلَاة عَن حَرْمَلَة عَن عبد بن حميد.
قَوْله: (على حرف) أَي: على لُغَة، وَقيل: الْحَرْف
الْإِعْرَاب، وَقيل: الكيفيات. قَوْله: (فَلم أزل
أستزيده) ، أَي: اطلب مِنْهُ الزِّيَادَة على حرف
وَاحِد، وَفِي رِوَايَة: وَكَانَ مِيكَائِيل عَن
شِمَاله، فَنظر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى
مِيكَائِيل كالمستشير، فَلم يزل يُشِير إِلَيْهِ:
استزده، حَتَّى قَالَ: (سَبْعَة أحرف) كلهَا شافٍ
كافٍ، فَلهَذَا قيل: إِن المراء فِي الْقُرْآن كفر،
وَأَنه لَا يَنْبَغِي أَن يَقُول أحد لبَعض الْقُرْآن
لَيْسَ هُوَ هَكَذَا، وَلَا يُقَال: إِن بعض الْقُرْآن
خير من بعض. قَوْله: (إِلَى سَبْعَة أحرف) أَي:
سَبْعَة لُغَات من لُغَة الْعَرَب، يَعْنِي: أَنَّهَا
مفرقة فِي الْقُرْآن، فبعضه بلغَة قُرَيْش، وَبَعضه
بلغَة هُذَيْل، وَبَعضه بلغَة هوَازن، وَبَعضه بلغَة
الْيمن، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَن يكون فِي الْحَرْف
الْوَاحِد سَبْعَة أوجه، على أَنه قد جَاءَ فِي
الْقُرْآن مَا قد قرىء بسبعة وَعشرَة، كَقَوْلِه:
{مَالك يَوْم الدّين} {وَعبد الطاغوت} (الْمَائِدَة:
06) . وَمِمَّا يبين ذَلِك قَول ابْن مَسْعُود: إِنِّي
قد سَمِعت الْقُرَّاء فوجدتهم متقاربين، فاقرأوا كَمَا
علمْتُم إِنَّمَا هُوَ كَقَوْل أحدكُم: هَلُمَّ وتعال
وَأَقْبل. وَفِيه أَقْوَال غير ذَلِك هَذَا أحْسنهَا.
0223 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ مُقَاتِلٍ قَالَ
أخْبَرَنَا عبْدُ الله قالَ أخْبرَنا يُونُسُ عنِ
الزُّهْرِيِّ قَالَ حدَّثني عُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ
الله عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما
قَالَ كانَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أجْوَدَ النَّاسِ وكانَ أجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي
رَمَضانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وكانَ جِبْرِيلُ
يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ
فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فلَرَسُولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أجْوَدُ
بالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ. (انْظُر
الحَدِيث 6 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (جِبْرِيل) فِي
الْمَوْضِعَيْنِ، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك.
والْحَدِيث قد مر فِي أول الْكتاب فَإِنَّهُ أخرجه
هُنَاكَ عَن عَبْدَانِ عَن عبد الله عَن يُونُس إِلَى
آخِره.
وعنْ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا مَعْمَرٌ بِهاذَا
الإسْنَادِ نَحْوَهُ
عبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك هُوَ مَوْصُول عَن
مُحَمَّد بن مقَاتل، وَكَانَ ابْن الْمُبَارك قصد
فِيهِ الرِّوَايَة عَن شيخيه أَحدهمَا: يُونُس،
وَالْآخر: معمر.
ورَوَى أبُو هُرَيْرَةَ وفَاطِمَةُ رَضِي الله
تَعَالَى عنهُما عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أنَّ جِبْرِيلَ كانَ يُعَارِضُهُ الْقُرآنَ
(15/136)
أما رِوَايَة أبي هُرَيْرَة فوصلها
البُخَارِيّ فِي فَضَائِل الْقُرْآن، وَسَيَأْتِي إِن
شَاءَ الله تَعَالَى، وَأما رِوَايَة فَاطِمَة فوصلها
فِي عَلَامَات النُّبُوَّة، وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ
الله تَعَالَى.
1223 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ قَالَ حدَّثنا لَ يْثٌ عنِ
ابنِ شِهَابٍ أنَّ عُمَرَ بنَ عبْدِ العَزِيزِ أخَّر
العَصْرَ شَيْئاً فَقَالَ لَهُ عُرْوَةُ أمَا إنَّ
جِبْرِيلَ قَدْ نَزَلَ فَصلَّى أمَامَ رَسُولِ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقال عُمَرُ أعْلَمْ مَا
تَقُولُ يَا عُرْوَةُ قَالَ سَمِعْتُ بَشيرَ بنَ أبِي
مَسْعُودٍ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا مَسْعُودٍ يَقُولُ
سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَقُولُ نَزلَ جِبْرِيلُ فأمَّني فصَلَّيْتُ مَعَهُ
ثُمَّ صَلَّيْتُ معَهُ ثُمَّ صَلَّيْتُ معَهُ ثُمَّ
صَلَّيْتُ معَهُ ثُمَّ صَلَّيْتُ معَهُ يَحْسُبُ
بِأصَابِعِهِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ. (انْظُر الحَدِيث 125
وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (نزل جِبْرِيل) .
وَبشير، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الشين
الْمُعْجَمَة: يروي عَن أَبِيه أبي مَسْعُود واسْمه:
عقبَة بن عَمْرو البدري. وَهَذَا الحَدِيث قد تقدم
فِي: بَاب مَوَاقِيت الصَّلَاة، وَلَكِن بِعِبَارَة
مُخْتَلفَة، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ
مُسْتَوفى.
قَوْله: (فصلى أَمَام رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم) ، أَي: قدَّامه، وَحكى ابْن مَالك أَنه روى
بِالْكَسْرِ بِمَعْنى: الإِمَام الَّذِي يؤم النَّاس،
وَقَالَ بَعضهم: وَاسْتشْكل بِأَن الْأَمَام معرفَة
والموضع مَوضِع الْحَال، فَوَجَبَ جعله نكرَة
بالتأويل. قلت: لَا يحْتَاج إِلَى هَذَا التعسف، لِأَن
لفظ: أَمَام، الَّذِي بِمَعْنى: قُدَّام، ظرف وَهُوَ
مَنْصُوب على الظَّرْفِيَّة.
2223 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ قَالَ حدَّثنا
ابنُ أبِي عَدِيٍّ عنْ شُعْبَةَ عنْ حَبِيبِ بنِ أبِي
ثابِتٍ عنْ زَيْدِ بنِ وهْبٍ عنْ أبِي ذَرٍّ رَضِي
الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لي جِبرِيلُ مَنْ ماتَ منْ
أُمَّتِكَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّه شَيْئاً دخَلَ
الجَنَّةَ أوْ لَمْ يَدْخُلِ النَّارَ قَالَ وإنْ
زَناى وإنْ سَرَقَ قَالَ وَإِن. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (جِبْرِيل) عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام. وَابْن أبي عدي هُوَ مُحَمَّد
بن أبي عدي الْقَسْمَلِي، وَقد مر غير مرّة.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الاسْتِئْذَان فِي: بَاب
أَدَاء الدُّيُون مَضْمُونا إِلَى شَيْء آخر، وَمر
الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (دخل الْجنَّة) ، قَالَ الْخطابِيّ: فِيهِ
إِثْبَات دُخُول، وَنفي دُخُول، وكل وَاحِد مِنْهُمَا
متميز عَن الآخر بِوَصْف أَو وَقت، وَالْمعْنَى: إِن
مَاتَ على التَّوْحِيد فَإِن مصيره إِلَى الْجنَّة،
وَإِن ناله قبل ذَلِك من الْعقُوبَة مَا ناله، وَأما
لفظ: لم يدْخل النَّار، فَمَعْنَاه: لم يدْخل دُخُولا
تخليدياً، وَيجب التَّأْوِيل بِمثلِهِ جمعا بَين
الْآيَات وَالْأَحَادِيث. قَوْله: (وَإِن) أَي: وَإِن
زنى وَإِن سرق، فِيهِ دَلِيل على جَوَاز حذف فعل
الشَّرْط والاكتفاء بحرفه.
3223 - حدَّثنا أبُو اليَمَانِ قَالَ أخبرَنا شُعَيْبٌ
قَالَ حدَّثنا أبُو الزِّنادِ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبِي
هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ
النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المَلاَئِكَةُ
يتَعَاقَبُونَ مَلاَئِكَةٌ باللَّيْلِ ومَلائِكَةٌ
بالنَّهارِ ويَجْتَمِعُونَ فِي صَلاةِ الفَجْرِ
والعَصْرِ ثُمَّ يَعْرُجُ اليْهِ الَّذِينَ باتُوا
فِيكُمْ فيَسْأَلُهُمْ وهْوَ أعْلَمُ فيَقُولُ كَيْفَ
تَرَكْتُمْ عِبَادِي فيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ
يُصَلُّونَ وأتَيْنَاهُمْ يُصَلُّونَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (الْمَلَائِكَة)
وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَأَبُو
الزِّنَاد، بالزاي وَالنُّون: عبد الله بن ذكْوَان،
والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز.
قَوْله: (الْمَلَائِكَة) مُبْتَدأ و (يتعاقبون) خَبره
أَي: يَأْتِي بَعضهم عقيب بعض بِحَيْثُ إِذا نزلت
طَائِفَة صدرت الْأُخْرَى. قَوْله: (مَلَائِكَة
بِاللَّيْلِ وملائكة بِالنَّهَارِ) ، يُوضح معنى
التَّعَاقُب. قَوْله: (يصلونَ) ، ويروى: وهم يصلونَ،
وَالْجُمْلَة حَالية فِي الْوَجْهَيْنِ، وَكَذَا
الْكَلَام فِي: يصلونَ، الثَّانِي وَقد اسْتَوْفَيْنَا
الْكَلَام فِيهِ فِي: بَاب فضل صَلَاة الْعَصْر،
لِأَنَّهُ أخرج الحَدِيث هُنَاكَ: عَن عبد الله بن
يُوسُف عَن مَالك عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج
... إِلَى آخِره.
(15/137)
7 - (بابٌ إذَا قَالَ أحدُكُمْ آمِينَ
والمَلائِكَةُ فِي السَّماءِ فَوافَقَتْ إحْدَاهُمَا
الأُخْرَى غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا قَالَ الإِمَام ...
إِلَى آخِره، قَالُوا: لَيْسَ لذكر هَذَا الْبَاب
هُنَا وَجه، لِأَن جَمِيع أَحَادِيث هَذَا الْبَاب فِي
ذكر الْمَلَائِكَة، وَهُوَ مُتَّصِل بِالْبَابِ
السَّابِق، وَلِهَذَا لَا يُوجد هَذَا فِي كثير من
النّسخ، وَكَذَا لم يَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر ذكر
هَذَا الْبَاب.
قَوْله: (آمين) مَقْصُور وممدود، وَمَعْنَاهُ: استجب.
قَوْله: (فَوَافَقت إِحْدَاهمَا) أَي: إِحْدَى كلمتي:
آمين، وَأخذ هَذِه التَّرْجَمَة من حَدِيث أبي
هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أَن رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (إِذا قَالَ
الإِمَام: {غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين}
فَقولُوا: آمين، فَإِنَّهُ مَا وَافق قَوْله قَول
الْمَلَائِكَة غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه) رَوَاهُ
البُخَارِيّ من حَدِيث أبي صَالح عَنهُ، وروى ابْن
مَاجَه من حَدِيث سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة:
أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ:
(إِذا أمَّن الإِمَام فأمِّنُوا، فَإِن الْمَلَائِكَة
تؤمن، فَمن وَافق تأمينه تَأْمِين الْمَلَائِكَة غفر
لَهُ مَا تقدم من ذَنبه) .
4223 - حدَّثنا مُحَمَّدٌ قَالَ أخْبرنا مَخْلَدٌ
قَالَ أخبرَنا ابنُ جُرَيْجٍ عنْ اسْماعِيلَ بن
أُمَيَّةَ أنَّ نَافِعًا حدَّثَهُ أنَّ القَاسِمَ بنَ
مُحَمَّدٍ حدَّثَهُ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهَا قالَتْ حَشَوْتُ لِلنَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وِسادَةً فِيها تَماثِيلُ كأنَّها نُمْرِقَةٌ
فَجاءَ فَقامَ بَيْنَ الْبابَيْنِ وجعَلَ يَتَغَيَّرُ
وجْهُهُ فَقُلْتُ مَا لَنَا يَا رسُولَ الله قَالَ مَا
بالُ هاذِهِ الوِسَادَةِ قالَتْ وِسادَةٌ جعَلْتُهَا
لَكَ لِتَضْطَجِعَ عَلَيْهَا قَالَ أمَا عَلِمْتِ أنَّ
المَلائِكَةَ لاَ تَدْخُلُ بَيْتَاً فِيهِ صُورَةٌ
وأنَّ مَنْ صنَعَ الصُّورَةَ يُعَذَّبُ يَوْمَ
القِيَامَةِ يَقُولُ أحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة أَعنِي: بَاب ذكر الْمَلَائِكَة
فِي قَوْله: (أَن الْمَلَائِكَة) وَكَذَا الْمُطَابقَة
بَين أَحَادِيث هَذَا الْبَاب كلهَا، وَبَين هَذِه
التَّرْجَمَة فِي ذكر الْمَلَائِكَة.
وَمُحَمّد هَذَا هُوَ مُحَمَّد بن سَلام، ومخلد هُوَ
ابْن يزِيد، وَابْن جريج عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز
ابْن جريج وَعَن قريب مضى هَكَذَا هَؤُلَاءِ
الثَّلَاثَة على نسق وَاحِد، وَإِسْمَاعِيل بن
أُميَّة، بِضَم الْهمزَة وَفتح الْمِيم وَتَشْديد
الْيَاء آخر الْحُرُوف: ابْن عَمْرو بن سعيد بن
الْعَاصِ الْأمَوِي الْقرشِي الْمَكِّيّ، وَالقَاسِم
بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْبيُوع فِي: بَاب
التِّجَارَة فِيمَا يكره لبسه للرِّجَال وَالنِّسَاء،
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن عبد الله ابْن يُوسُف
عَن مَالك عَن نَافِع عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَن
عَائِشَة. . إِلَى آخِره.
قَوْله: (وسَادَة) بِكَسْر الْوَاو، وَهِي المخدة
وَجَمعهَا: وسائد، و: التماثيل جمع التمثال، وَهُوَ
وَإِن كَانَ فِي الأَصْل للصورة الْمُطلقَة
فَالْمُرَاد مِنْهُ هُنَا صُورَة الْحَيَوَان. قَوْله:
(كَأَنَّهَا نمرقة) ، لفظ الرواوي عَن عَائِشَة
والنمرقة بِضَم النُّون وَالرَّاء وبكسرها وَبِغير
هَاء وَقَالَ الْجَوْهَرِي النمرق والنمرقة وسَادَة
صَغِيرَة وَرُبمَا سموا الطنفسة الَّتِي فَوق الرحل
نمرقة، عَن أبي عبيد، وَيجمع على: نمارق. قَوْله:
(فَقَامَ بَين الْبَابَيْنِ) ويروى: بَين النَّاس.
قَوْله: (وَجعل) من أَفعَال المقاربة، وَهِي على
ثَلَاثَة أَقسَام مِنْهَا مَا وضع للدلالة على
الشُّرُوع، وَهِي: طفق وَجعل وعلق وَأخذ، وَيعْمل عمل
كَانَ إلاَّ أَنه يجب أَن يكون خَبره جملَة، وَهَهُنَا
كَذَلِك. قَوْله: (فَقلت: مالنا) ويروى: فَقَالَت:
مالنا؟ يَعْنِي: مَا فعلنَا حَتَّى تغير وَجهك؟
قَوْله: (مَا بَال هَذِه النمرقة) أَي: مَا شَأْنهَا
فِيهَا تماثيل؟ قَوْله: (قَالَ: أما علمت) أَي: قَالَ
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَوْله:
(يَقُول) أَي: يَقُول الله، ويروى: فَيُقَال. قَوْله:
(أحيوا) بِفَتْح الْهمزَة، وَبَاقِي الْكَلَام مر
هُنَاكَ.
5223 - حدَّثنا ابنُ مُقَاتِلٍ قَالَ أخبرَنَا عبْدُ
الله قَالَ أخْبرَنا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ
عُبَيْدِ الله ابنِ عَبْد الله أنَّهُ سَمِعَ ابنَ
عبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما يقُولُ سَمِعْتُ
أبَا طَلْحَةَ يقُولُ سَمِعْتُ
(15/138)
رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يقُولُ لاَ تَدْخُل المَلاَئِكَةُ بَيْتاً فيهِ كَلْبٌ
وَلَا صُورَةُ تَماثِيلَ. .
وَجه مُطَابقَة هَذَا إِلَى آخر الْبَاب قد
ذَكرْنَاهُ، وَابْن مقَاتل هُوَ مُحَمَّد بن مقَاتل
الْمروزِي المجاور بِمَكَّة، وَهُوَ من أَفْرَاده،
وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَمعمر
بِفَتْح الميمين هُوَ ابْن رَاشد، وَأَبُو طَلْحَة
هُوَ زيد بن سهل الْأنْصَارِيّ. وَقَالَ
الدَّارَقُطْنِيّ: وَافق معمر هُنَا عَن الزُّهْرِيّ
جمَاعَة وَخَالفهُم الْأَوْزَاعِيّ فَرَوَاهُ عَن
الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله عَن أبي طَلْحَة، وَلم يذكر
ابْن عَبَّاس، وَرَوَاهُ سَالم أَبُو النَّضر عَن عبيد
الله نَحْو رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ، وَفِي
النَّسَائِيّ عَن معقل عَن الْأَوْزَاعِيّ كَرِوَايَة
الْجَمَاعَة، وَقَالَ: هَذَا هُوَ الصَّوَاب، وَحَدِيث
الْوَلِيد خطأ، ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث الْوَلِيد عَن
الْأَوْزَاعِيّ عَن الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله، قَالَ:
حَدثنِي أَبُو طَلْحَة ... فَذكره، وروى التِّرْمِذِيّ
من حَدِيث إِسْحَاق بن مُوسَى الْأنْصَارِيّ: حَدثنَا
معن حَدثنَا مَالك عَن أبي النَّضر عَن عبيد الله بن
عبد الله ابْن عتبَة: أَنه دخل على أبي طَلْحَة
الْأنْصَارِيّ يعودهُ، فَوجدَ عِنْده سهل بن حنيف،
قَالَ: فَدَعَا أَبُو طَلْحَة إنْسَانا ينْزع نمطاً
تَحْتَهُ، فَقَالَ لَهُ سهل: لم تنزعه؟ قَالَ: لِأَن
فِيهِ تصاوير. وَقَالَ فِيهَا النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مَا قد علمت، قَالَ سهل: أَو لم
يُقَال: إلاَّ مَا كَانَ رقماً فِي ثوب؟ فَقَالَ:
بلَى، وَلكنه أطيب لنَفْسي. هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
قلت: فِي رِوَايَة مَالك هَذِه مَا يَقْتَضِي
الِاتِّصَال بَين عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة
وَبَين أبي طَلْحَة، فَإِنَّهُ دخل على أبي طَلْحَة
وسَمعه مِنْهُ، وَهَكَذَا فِي رِوَايَة مُحَمَّد بن
إِسْحَاق عَن سَالم أبي النَّضر عَنهُ عِنْد
النَّسَائِيّ، وَفِي رِوَايَة السِّتَّة، مَا خلا
أَبَا دَاوُد، وَمن رِوَايَة الزُّهْرِيّ أَيْضا
إِدْخَال ابْن عَبَّاس بَين عبيد الله ابْن عبد الله
وَبَين أبي طَلْحَة، فَهَل الحكم للرواية الزَّائِدَة
أَو للرواية النَّاقِصَة؟ فَاخْتَارَ ابْن الصّلاح
الحكم للناقصة لِأَنَّهُ يُصَرح فِيهَا بالاتصال،
وَاخْتَارَ النَّسَائِيّ الزَّائِدَة لِأَنَّهُ روى
كلتيهما وَرجح الزَّائِدَة.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه
البُخَارِيّ أَيْضا فِي بَدْء الْخلق عَن عَليّ بن عبد
الله وَفِي الْمَغَازِي عَن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى،
وَعَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس وَفِي اللبَاس عَن آدم.
وَأخرجه مُسلم فِي اللبَاس عَن يحيى بن يحيى وَعَن
عَمْرو النَّاقِد وَأبي بكر بن أبي شيبَة وَإِسْحَاق
بن إِبْرَاهِيم وَعَن أبي الطَّاهِر بن السَّرْح
وحرملة بن يحيى وَعَن إِسْحَاق إِبْنِ إِبْرَاهِيم
وَعبد بن حميد. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي
الاسْتِئْذَان عَن سَلمَة بن شيبَة وَالْحسن بن عَليّ
وَعبد بن حميد. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّيْد عَن
قُتَيْبَة وَإِسْحَاق بن مَنْصُور، وَفِي الزِّينَة
عَن وهب بن بَيَان وَعَن مُحَمَّد بن عبد الْملك وَعَن
يزِيد بن مُحَمَّد، وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي اللبَاس
عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (فِيهِ كلب) قَالَ ابْن
التِّين: يُرِيد كلب دَار، قَالَ: وَأَرَادَ
بِالْمَلَائِكَةِ غير الْحفظَة، وَكَذَا قَالَ
النَّوَوِيّ: إِن هَؤُلَاءِ هم الَّذين يطوفون
بِالرَّحْمَةِ والتبريك وَالِاسْتِغْفَار، بِخِلَاف
الْحفظَة، وَقَالَ الْخطابِيّ: إِنَّمَا لم يدْخل فِي
بَيت إِذا كَانَ فِيهِ شَيْء من هَذِه مِمَّا يحرم
اقتناؤه من الْكلاب والصور، وَأما مَا لَيْسَ بِحرَام
من كلب الصَّيْد أَو الزَّرْع أَو الْمَاشِيَة
وَالصُّورَة الَّتِي تمتهن فِي الْبسط والوسائد
وَغَيرهمَا فَلَا يمْتَنع دُخُول الْمَلَائِكَة
بِسَبَبِهِ. وَقَالَ النَّوَوِيّ: الْأَظْهر أَنه عَام
فِي كل كلب وكل صُورَة. ثمَّ قيل: سَبَب الْمَنْع من
دُخُول الْمَلَائِكَة كَونهَا مَعْصِيّة فَاحِشَة،
وَكَونهَا مضاهاة لخلق الله، وفيهَا مَا يعبد من دون
الله، وامتناعهم من الدُّخُول فِي بَيت فِيهِ كلب
لِكَثْرَة أكله النَّجَاسَات، وَلِأَن بَعْضهَا يُسمى
شَيْطَانا، وَالْمَلَائِكَة ضد لَهُم، ولقبح رَائِحَة
الْكَلْب، وَالْمَلَائِكَة يكْرهُونَ الرَّائِحَة
الكريهة، وَلِأَنَّهَا ينْهَى عَن اتخاذها مِمَّا لم
يُؤذن فِيهِ، فَعُوقِبَ متخذها بحرمانه دُخُول
الْمَلَائِكَة بَيته وصلاتها فِيهِ، واستغفارها لَهُ
وتبريكها عَلَيْهِ، وَدفعهَا أَذَى الشَّيْطَان. قلت:
كل هَذِه فِي الْكَلْب لَا يشفي العليل وَلَا يرْوى
الغليل، وَهَذَا الْخِنْزِير أَسْوَأ حَالا من
الْكَلْب، مَعَ أَنه مَا ورد فِيهِ شَيْء وَفِي
النَّجَاسَة هُوَ أنجس مِنْهُ، لِأَنَّهُ نجس الْعين
بِالنَّصِّ بِخِلَاف الْكَلْب فَإِن فِي نَجَاسَة عينه
خلافًا. قَوْله: (وَلَا صُورَة تماثيل) من إِضَافَة
الْعَام إِلَى الْخَاص.
6223 - حدَّثنا أحْمَدُ قَالَ حدَّثنا ابنُ وهْبٍ
قَالَ أخْبرَنا عَمْرٌ وأنَّ بُكَيْرَ بنَ الأشَجِّ
حدَّثَهُ أنَّ بُسْرَ بنَ سَعِيدٍ حَدَّثَهُ أنَّ
زَيْدَ بنَ خالِدٍ الجُهَنِيَّ رَضِي الله تَعَالَى
عنهُ حدَّثَهُ ومَعَ بُسْرِ بنِ
(15/139)
سَعِيدٍ عُبَيْدُ الله الخَوْلاَنِيُّ
الَّذِي كانَ فِي حَجْرٍ مَيْمُونَةَ رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ حدَّثَهُما زَيْدُ بنُ خَالِدٍ أنَّ أبَا
طَلْحَةَ قَالَ حدَّثَهُ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لاَ تَدْخُلُ المَلاَئِكَةُ
بَيْتاً فِيهِ صُورَةٌ قَالَ بُسْرٌ فَمَرِضَ زَيْدُ
بنُ خَالِدٍ فَعُدْنَاهُ فإذَا نَحْنُ فِي بيْتِهِ
بِسِتْرٍ فِيهِ تَصاوِيرُ فَقُلْتُ لِعُبَيْدِ الله
الخَوْلانِيِّ ألَمْ يُحَدِّثْنا فِي التَّصَاوِيرِ
فَقَالَ إنَّهُ قَالَ إلاَّ رَقْمٌ فِي ثَوْبٍ ألاَ
سَمِعْتَهُ قُلْتُ لَا قَالَ بَلى قَدْ ذَكَرَهُ. .
أَحْمد هُوَ أَبُو صَالح الْمصْرِيّ، وَجزم بِهِ أَبُو
نعيم، وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَحْمد بن صَالح، أَو
ابْن عِيسَى التسترِي، وَذكره فِي (رجال
الصَّحِيحَيْنِ) : أَحْمد، غير مَنْسُوب، يحدث عَن عبد
الله بن وهب الْمصْرِيّ حدث عَنهُ البُخَارِيّ فِي غير
مَوضِع من (الْجَامِع) وَاخْتلفُوا فِي أَحْمد هَذَا،
فَقَالَ قوم: إِنَّه أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن ابْن
أخي ابْن وهب، وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّه أَحْمد بن
صَالح أَو أَحْمد بن عِيسَى وَقَالَ أَبُو أَحْمد
الْحَافِظ النَّيْسَابُورِي: أَحْمد عَن ابْن وهب هُوَ
ابْن أخي ابْن وهب، وَقَالَ أَبُو عبد الله بن
مَنْدَه: كلما قَالَ البُخَارِيّ فِي (الْجَامِع) :
حَدثنَا أَحْمد عَن ابْن وهب فَهُوَ ابْن صَالح
الْمصْرِيّ، وَلم يخرج البُخَارِيّ عَن أَحْمد بن عبد
الرَّحْمَن فِي (الصَّحِيح) شَيْئا وَإِذا حدث عَن
أَحْمد بن عِيسَى نسبه، وَابْن وهب هُوَ عبد الله بن
وهب الْمصْرِيّ، وَعَمْرو بِفَتْح الْعين هُوَ ابْن
الْحَارِث الْمصْرِيّ، وَبُكَيْر، بِضَم الْبَاء
الْمُوَحدَة: مصغر بكر بن الْأَشَج، بالشين
الْمُعْجَمَة وبتشديد الْجِيم، وَقد مر فِي الْوضُوء،
وَبسر، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون السِّين
الْمُهْملَة: ابْن سعيد مولى الْحَضْرَمِيّ من أهل
الْمَدِينَة، وَزيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ من مشاهير
الصَّحَابَة، وَعبيد الله الْخَولَانِيّ هُوَ عبيد
الله بن الْأسود، وَيُقَال: ابْن الْأسد الْخَولَانِيّ
ربيب مَيْمُونَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي اللبَاس عَن
قُتَيْبَة عَن اللَّيْث. وَأخرجه مُسلم فِي اللبَاس
عَن قُتَيْبَة بِهِ. وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن قُتَيْبَة بِهِ وَعَن
عُثْمَان بن أبي شيبَة وَعَن وهب بن بَقِيَّة. وَأخرجه
النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن إِسْحَاق بن
إِبْرَاهِيم وَعَن عِيسَى بن حَمَّاد.
قَوْله: (الأرقم) أصل الرقم الْكِتَابَة وَالصُّورَة
غير الرقم، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الرقم النقش
والوشم. قَوْله: (ألاَ سَمعته؟) كلمة: ألاَ، بِفَتْح
الْهمزَة وَاللَّام المخففة، وَمَعْنَاهَا هَهُنَا
الِاسْتِفْهَام عَن النَّفْي. قَوْله: (قلت: لَا) أَي:
لم أسمعهُ قَالَ: بلَى، سمعته قد ذكره أَي: الحَدِيث.
7223 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حدَّثني
ابنُ وَهْبٍ قَالَ حدَّثني عَمْرٌ وعنْ سالِمٍ عنْ
أبِيهِ قَالَ وعَدَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
جِبْرِيلُ فَقال إنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتاً فِيهِ
صُورَةٌ وَلَا كلْبٌ. (الحَدِيث 7223 طرفه فِي: 0695)
.
يحيى بن سُلَيْمَان أَبُو سعيد الْجعْفِيّ الْكُوفِي،
سكن مصر، وَعَمْرو، بِفَتْح الْعين وبالواو كَذَا وَقع
فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَظن بَعضهم أَنه عَمْرو
بن الْحَارِث، وَهُوَ خطأ لِأَنَّهُ لم يدْرك سالما،
وَالصَّوَاب: عمر، بِضَم الْعين وَبِغير وَاو، وَهُوَ:
عمر ابْن مُحَمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن
الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَكَذَا ثَبت
فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَكَذَا وَقع فِي اللبَاس
عَن يحيى بن سُلَيْمَان بِهَذَا الْإِسْنَاد. قَوْله:
(وعد النَّبِي) بِالنّصب، وَجِبْرِيل بِالرَّفْع
فَاعله يَعْنِي وعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
أَن ينزل فَلم ينزل، فَسَأَلَهُ رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، عَن السَّبَب فَقَالَ: إِنَّا لَا
ندخل بَيْتا فِيهِ صُورَة وَلَا كلب.
8223 - حدَّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ حدَّثني مالِكٌ عنْ
سُمَيٍّ عنْ أبِي صالِحٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ رسُولَ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا قَالَ الإمامُ سَمِعَ الله
لِمَنْ حَمِدَهُ فقُولُوا اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ
الحَمْدُ فإنَّهُ مَنْ وافَقَ قَوْله قَولَ
المَلائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ
ذَنْبِهِ. (انْظُر الحَدِيث 697) .
إِسْمَاعِيل بن أبي أُويس، وَسمي، بِضَم السِّين
الْمُهْملَة وَفتح الْمِيم وَتَشْديد الْيَاء آخر
الْحُرُوف: مولى أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن ابْن
الْحَارِث
(15/140)
بن هِشَام بن الْمُغيرَة، وَأَبُو صَالح
عبد الله بن ذكْوَان، والْحَدِيث مضى فِي كتاب
الصَّلَاة فِي: بَاب فضل أللهم رَبنَا وَلَك الْحَمد،
وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
1323 - حدَّثنا عبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرَنا
ابنُ وَهْبٍ قَالَ أخبرَنِي يُونُسُ عنِ ابنِ شِهَابٍ
قَالَ حدَّثني عُرْوَةُ أنَّ عائِشةَ رَضِي الله
تَعَالَى عنهَا زَوْجَ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم حدَّثَتْهُ أنَّها قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم هَلْ أتَى علَيْكَ يَوْمٌ كانَ أشَدَّ
مِنَ يَوْمِ أُحُدٍ قَالَ لَقَدْ لَقِيتُ منْ قَوْمِكَ
مَا لَقِيتُ وكانَ أشَدُّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ
الْعُقَبَةِ إذْ عَرَضتُ نَفْسي علَى ابنِ عَبْدِ
يالِيلَ بنِ عَبْدِ كُلاَلٍ فلَمْ يُجِبْني إِلَى مَا
أرَدْتُ فانْطَلَقْتُ وأنَا مَهْمُومٌ علَى وَجْهِي
فلَمْ أسْتَفِقِ إلاَّ وَأَنا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ
فرَفعْتُ رأسِي فإذَا أَنا بِسَحابَةٍ قدْ أظَلَّتْني
فنظَرْتُ فَإِذا فِيها جِبرِيلُ فَنادَانِي فَقال إنَّ
الله قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا
علَيْكَ وقَدْ بَعثَ إلَيْكَ ملَكَ الجِبَالِ
لِتَأمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ فَنَادَانِي ملَكُ
الجِبَالِ فسَلَّمَ علَيَّ ثُمَّ قالَ يَا مُحَمَّدُ
فَقَالَ ذالِكَ فِيما شِئْتَ إنْ شِئْتَ أنْ أُطِيقَ
علَيْهِمْ الأخْشَبَيْنِ فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بَلْ أرْجُو أنْ يُخْرِجَ الله من
أصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ الله وحْدَهُ لَا يُشْرِكُ
بِهِ شَيْئاً. (الحَدِيث 1323 طرفه فِي: 9837) .
الحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّوْحِيد
عَن عبد الله بن يُوسُف أَيْضا. وَأخرجه مُسلم فِي
الْمَغَازِي عَن أبي الطَّاهِر ابْن السَّرْح وحرملة
بن يحيى وَعَمْرو بن سَواد. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي
النعوت عَن أبي الطَّاهِر بِهِ.
قَوْله: (يَوْم أحد)
(15/141)
هُوَ يَوْم غَزْوَة أحد، كَانَت فِي سنة
ثَلَاث من الْهِجْرَة. قَوْله: (يَوْم الْعقبَة) هِيَ
الَّتِي تنْسب إِلَيْهَا جَمْرَة الْعقبَة وَهِي بمنى.
قَوْله: (إِذْ عرضت نَفسِي) أَي: حِين عرضت نَفسِي،
كَانَ ذَلِك فِي شَوَّال فِي سنة عشر من المبعث،
وَأَنه كَانَ بعد موت أبي طَالب وَخَدِيجَة، رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهَا، وَذكر مُوسَى بن عقبَة فِي
(الْمَغَازِي) : عَن ابْن شهَاب: أَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لما مَاتَ أَبُو طَالب توجه إِلَى
الطَّائِف رَجَاء أَن يؤوه فَعمد إِلَى ثَلَاثَة نفر
من ثَقِيف وهم ساداتهم، وهم أخوة: عبد ياليل وحبِيب
ومسعود بَنو عَمْرو، فَعرض عَلَيْهِم نَفسه وشكا
إِلَيْهِم مَا انتهك مِنْهُ قومه، فَردُّوا عَلَيْهِ
أقبح رد. قَوْله: (على ابْن عبد ياليل) ، بِالْيَاءِ
آخر الْحُرُوف وَكسر اللَّام وَسُكُون الْيَاء آخر
الْحُرُوف وَفِي آخِره لَام: ابْن عبد كلال، بِضَم
الْكَاف وَتَخْفِيف اللَّام وَفِي آخِره لَام، وَاسم
عبد ياليل: كنَانَة، وَيُقَال: مَسْعُود. وَفِي
(الجمهرة) للكلبي: عبد ياليل بن عَمْرو بن عُمَيْر بن
عَوْف بن عقدَة بن عفرَة بن عَوْف بن ثَقِيف،
وَالْمَذْكُور هُنَا: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
عرض نَفسه على ابْن عبد ياليل وَالَّذِي فِي
(الْمَغَازِي) : أَن الَّذِي كَلمه هُوَ عبد ياليل
نَفسه، وَعند أهل النّسَب أَن عبد كلال أَخُوهُ لَا
أَبوهُ، وَكَانَ ابْن عبد ياليل من أكَابِر أهل
الطَّائِف من ثَقِيف، وَقد روى عبد بن حميد فِي
(تَفْسِيره) : من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد
فِي قَوْله تَعَالَى: {على رجل من القريتين عَظِيم}
(الزخرف: 13) . قَالَ: نزلت فِي عتبَة بن ربيعَة
وَابْن عبد ياليل الثَّقَفِيّ، وَعَن ابْن سعد: كَانَت
إِقَامَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي
الطَّائِف عشرَة أَيَّام، وَذكر ابْن إِسْحَاق وَابْن
عقبَة: أَن كنَانَة بن عبد يَا ليل وَفد مَعَ وَفد
الطَّائِف سنة عشر فأسلموا، وَذكر أَبُو عمر فِي
(الصَّحَابَة) كَذَلِك، وَذكر المدايني: أَن الْوَفْد
أَسْلمُوا إلاَّ كنَانَة، فَخرج إِلَى الرّوم وَمَات
بهَا بعد ذَلِك، وَالله أعلم. قَوْله: (على وَجْهي) ،
مُتَعَلق بقوله: انْطَلَقت، أَي على الْجِهَة المواجهة
لي. قَوْله: (بقرن الثعالب) جمع الثَّعْلَب
الْحَيَوَان الْمَشْهُور، وَهُوَ مَوضِع بِقرب مَكَّة،
وَقَالَ النَّوَوِيّ: هُوَ مِيقَات أهل نجد، وَيُقَال
لَهُ: قرن الْمنَازل، بِفَتْح الْمِيم، وَيُقَال: هُوَ
على مرحلَتَيْنِ من مَكَّة، وأصل الْقرن كل جبل صَغِير
مُنْقَطع من جبل كَبِير، وَقَالَ عِيَاض: يُقَال
فِيهِ: قرن، غير مُضَاف على يَوْم وَلَيْلَة من
مَكَّة، قَالَ: وَرَوَاهُ بَعضهم بِفَتْح الرَّاء
وَهُوَ غلط، وَقَالَ الْقَابِسِيّ: من سكن الرَّاء
أَرَادَ الْجَبَل المشرف على الْموضع، وَمن فتحهَا
أَرَادَ الطَّرِيق الَّذِي يتفرق مِنْهُ، فَإِنَّهُ
مَوضِع فِيهِ طرق مُتَفَرِّقَة. قَوْله: (ملك
الْجبَال) ، أَي: بعث الله إِلَيْك ملك الْجبَال،
وَهُوَ الْملك الَّذِي سخر الله لَهُ الْجبَال وَجعل
أمرهَا بِيَدِهِ. قَوْله: (ذَلِك) ، مُبْتَدأ وَخَبره
مَحْذُوف أَي: ذَلِك كَمَا قَالَ جِبْرِيل، أَو كَمَا
سَمِعت مِنْهُ، أَو الْمُبْتَدَأ مَحْذُوف، أَي:
الْأَمر ذَلِك. قَوْله: (فِيمَا شِئْت؟) كلمة مَا،
فِيهِ استفهامية وَجَزَاء قَوْله: (إِن شِئْت) مُقَدّر
أَي: إِن شِئْت لفَعَلت. قَوْله: (ذَلِك فِيمَا شِئْت
إِن شِئْت) كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن
شَيْخه، وروى عَن الْكشميهني مثله إلاَّ أَنه قَالَ:
فَمَا شِئْت، وروى الطَّبَرَانِيّ عَن مِقْدَام بن
دَاوُد عَن عبد الله بن يُوسُف شيخ البُخَارِيّ
فَقَالَ: يَا مُحَمَّد إِن الله بَعَثَنِي إِلَيْك
وَأَنا ملك الْجبَال لتأمرني بِأَمْرك، فَمَا شِئْت
إِن شِئْت. قَوْله: (أَن أطبق) أَي: بِأَن أطبق، و:
أَن، مَصْدَرِيَّة تَقْدِيره: لفَعَلت بإطباق الأخشبين
عَلَيْهِم، والأخشبان بِالْخَاءِ والشين المعجمتين هما
جبلا مَكَّة: أَبُو قبيس وَالَّذِي يُقَابله قيقعان،
وَقَالَ الصغاني: بل هُوَ الْجَبَل الْأَحْمَر الَّذِي
يشرف عَليّ قيقعان، وَوهم من قَالَ: ثَوْر. قلت:
الَّذِي قَالَ: الأخشبان: أَبُو قبيس وثور، هُوَ
الْكرْمَانِي، وسميا بذلك لصلابتهما وَغلظ حجارتهما،
يُقَال: رجل أخشب إِذا كَانَ صلب الْعِظَام عاري
اللَّحْم، وَالْمرَاد من قَوْله: أَن أطبق عَلَيْهِم:
أَن يلتقيا على من بِمَكَّة فيصيران كطبق وَاحِد
عَلَيْهِم. قَوْله: (بل أَرْجُو) كَذَا هُوَ فِي
رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني:
أَنا أَرْجُو. قَوْله: (أَن يخرج الله) ، بِضَم
الْيَاء من الْإِخْرَاج. قَوْله: (من يعبد الله) فِي
مَحل النصب لِأَنَّهُ مفعول: يخرج. قَوْله: (يعبد
الله) أَي: يوحده. قَوْله: (لَا يُشْرك بِهِ شَيْئا)
تَفْسِيره.
2323 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ قَالَ حدَّثنا أَبُو
عَوَانَةَ قَالَ حدَّثنا أبُو إسْحَاقَ
الشَّيْبَانِيُّ قَالَ سألْتُ زرَّ ابنَ حُبَيْشٍ عَنْ
قَوْلِ الله تَعَالَى {فَكانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أوْ
أدْنَى فأوْحاى إِلَى عَبْدِهِ مَا أوْحاى} (النَّجْم:
9، 01) . قَالَ حدَّثنا ابنُ مَسْعُودٍ أنَّهُ رَأى
جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَناحٍ.
أَبُو عوَانَة بِفَتْح الْعين الوضاح بن عبد الله
الْيَشْكُرِي، وَأَبُو إِسْحَاق الشَّيْبَانِيّ اسْمه
سُلَيْمَان بن أبي سُلَيْمَان، واسْمه فَيْرُوز
الْكُوفِي، وزر، بِكَسْر الزَّاي وَتَشْديد الرَّاء:
ابْن حُبَيْش، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح
الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف
وَفِي
(15/142)
آخِره شين مُعْجمَة: الْأَسدي الْكُوفِي
مَاتَ سنة اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ. قَوْله: { (قاب
قوسين} (والنجم: 9) . أَي: قدر قوسين. قَوْله:
(حَدثنَا ابْن مَسْعُود) أَي: عبد الله بن مَسْعُود،
ويروى: قَالَ لي ابْن مَسْعُود. قَوْله: (أَنه) أَي:
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَسَيَأْتِي
الْكَلَام فِي سُورَة: والنجم، مَبْسُوطا، إِن شَاءَ
الله تَعَالَى.
4323 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله بنِ
إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله
الأنْصَارِيُّ عنِ ابنِ عَوْنٍ أنْبَأنَا الْقَاسِمُ
عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا قالَتْ مَنْ
زَعَمَ أنَّ مُحَمَّداً رَأى رَبَّهُ فَقدْ أعْظَمَ
ولَكِنْ قدْ رأى جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ وخَلْقِهِ
سَادًّا مَا بَيْنَ الأفُقِ. .
مُحَمَّد بن عبد الله شَيْخه من أَفْرَاده، وَمُحَمّد
بن عبد الله بن الْمثنى بن عبد الله بن أنس بن مَالك
الْأنْصَارِيّ الْبَصْرِيّ، وَابْن عون هُوَ عبد الله
بن عون بن أرطبان أَبُو عون الْمُزنِيّ الْبَصْرِيّ،
وَالقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهُم.
قَوْله: (فقد أعظم) أَي: دخل فِي أَمر عَظِيم، ومفعوله
مَحْذُوف. قَوْله: (فِي صورته) ، أَي: فِي هَيئته
وَحَقِيقَته. قَوْله: (وخلقه) أَي: خلقته الَّتِي خلق
عَلَيْهَا. قَوْله: (سَادًّا) نصب على الْحَال من
جِبْرِيل أَي: مطبقاً بَين أفق السَّمَاء. وَقَالَ
أَحْمد بِإِسْنَادِهِ عَن أبي وَائِل عَن ابْن
مَسْعُود، قَالَ: رأى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، جِبْرِيل فِي صورته وَله سِتّمائَة جنَاح، كل
جنَاح مِنْهَا قد سد الْأُفق، يسْقط من جنَاحه من
التهاويل والدر والياقوت مَا الله بِهِ عليم،
والتهاويل: الألوان الْمُخْتَلفَة. وَقَالَ ابْن
الْكَلْبِيّ: سَأَلَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، جِبْرِيل أَن يَأْتِيهِ فِي صورته الَّتِي خلقه
الله عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهُ: لَا تَسْتَطِيع أَن
تثبت، فَقَالَ: بلَى، فَظهر لَهُ فِي سِتّمائَة جنَاح
سد الْأُفق جنَاح مِنْهَا، فشاهد رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، أمرا عَظِيما فَصعِقَ، وَذَلِكَ
معنى قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَد رَآهُ نزلة أُخْرَى}
(النَّجْم: 31) . وَقد ثَبت أَن جِبْرِيل، عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام، كَانَ يَأْتِي النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صُورَة دحْيَة الْكَلْبِيّ،
وَتارَة كَانَ يَأْتِيهِ فِي صُورَة أَعْرَابِي،
وَأَتَاهُ مرَّتَيْنِ فِي صورته الَّتِي خلق
عَلَيْهَا، مرّة منهبطاً من السَّمَاء، وَمرَّة عِنْد
سِدْرَة الْمُنْتَهى، وَجِبْرِيل هُوَ أَمِين الْوَحْي
وخازن الْقُدس، وَيُقَال لَهُ: الرّوح الْأمين، وروح
الْقُدس، والناموس الْأَكْبَر، وطاووس الْمَلَائِكَة.
وَمعنى: جبر: عبد، وأيل: اسْم من أَسمَاء الله
تَعَالَى، وَمَعْنَاهُ: عبد الله، وَفِيه أَرْبَعَة
عشر لُغَة ذكرتها فِي (التَّارِيخ الْكَبِير) فِي: فضل
خلق الْمَلَائِكَة.
ثمَّ اعْلَم أَن إِنْكَار عَائِشَة، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهَا، الرُّؤْيَة لم تذكرها رِوَايَة،
إِذْ لَو كَانَ مَعهَا رِوَايَة فِيهِ لذكرته،
وَإِنَّمَا اعتمدت على الاستنباط من الْآيَات، وَهُوَ
مَشْهُور قَول ابْن مَسْعُود، وَعَن أبي هُرَيْرَة
مثلهَا، وَعَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُمَا: أَنه رَآهُ بِعَيْنِه، رُوِيَ ذَلِك عَنهُ
بطرق، وروى ابْن مرْدَوَيْه فِي (تَفْسِيره) عَن
الضَّحَّاك وَعِكْرِمَة عَنهُ فِي حَدِيث طَوِيل،
وَفِيه: فَلَمَّا أكرمني رَبِّي بِرُؤْيَتِهِ بِأَن
أثبت بَصرِي فِي قلبِي أجد بَصرِي لنوره نور الْعَرْش،
وروى اللالكائي من حَدِيث حَمَّاد ابْن سَلمَة عَن
قَتَادَة عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا:
رَأَيْت رَبِّي، عز وَجل، وَمن حَدِيث أبي هُرَيْرَة،
قَالَ: رَأَيْت رَبِّي، عز وَجل ... الحَدِيث. وَذكر
ابْن إِسْحَاق: أَن ابْن عمر أرسل إِلَى ابْن عَبَّاس
يسْأَله: هَل رأى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم ربه؟ فَقَالَ: نعم، وَالْأَشْهر عَنهُ أَنه
رَآهُ بِعَيْنيهِ، وَرُوِيَ عَنهُ: أَن الله تَعَالَى
اخْتصَّ مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام،
بالْكلَام، وَإِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، بالخلة ومحمدا بِالرُّؤْيَةِ وَقَالَ
الْمَاوَرْدِيّ قيل إِن الله قسم كَلَامه ورؤيته بَين
مُحَمَّد ومُوسَى عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام
فَرَآهُ مُحَمَّد مرَّتَيْنِ، وَكلمَة مُوسَى
مرَّتَيْنِ، وَحكى أَبُو الْفَتْح الرَّازِيّ وَأَبُو
اللَّيْث السَّمرقَنْدِي هَذِه الْحِكَايَة عَن كَعْب
(15/143)
وَحكى عبد الرَّزَّاق عَن الْحسن أَنه
كَانَ يحلف بِاللَّه لقد رأى مُحَمَّد ربه، وَحكى
النقاش عَن أَحْمد: أَنا أَقُول بِحَدِيث ابْن
عَبَّاس: بِعَيْنِه رَآهُ حَتَّى انْقَطع نفس أَحْمد.
وَقَالَ الْأَشْعَرِيّ وَجَمَاعَة من أَصْحَابه: أَنه
رره ببصره وعيني رَأسه. وَقَالَ: كل آيَة أوتيها نَبِي
من الْأَنْبِيَاء فقد أُوتِيَ مثلهَا نَبينَا صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وَخص من بَينهم بتفضيل الرُّؤْيَة.
فَإِن قلت: قَالَ الله تَعَالَى: {لَا تُدْرِكهُ
الْأَبْصَار} (الْأَنْعَام: 301) . وَقَالَ: {لن
تراني} (الْأَعْرَاف: 341) . قلت: المُرَاد بالإدراك
الْإِحَاطَة وَنفي الْإِحَاطَة لَا يسْتَلْزم نفي نفس
الرُّؤْيَة، وَعَن ابْن عَبَّاس: لَا يُحِيط بِهِ،
وَنحن نقُول بِهِ، وَقيل: لَا تُدْرِكهُ أبصار
الْكفَّار، وَقيل: لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار،
وَإِنَّمَا يُدْرِكهُ المبصرون، وَلَيْسَ فِي الشَّرْع
دَلِيل قَاطع على اسْتِحَالَة الرُّؤْيَة وَلَا
امتناعها، إِذْ كل مَوْجُود فرؤيته جَائِزَة غير
مستحيلة. وَأما قَوْله: {لن تراني} (الْأَعْرَاف: 341)
. فَمَعْنَاه: فِي الدُّنْيَا، وَذكر القَاضِي أَبُو
بكر أَن مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، رأى
ربه، فَلذَلِك صعق، وَأَن الْجَبَل رأى ربه فَلذَلِك
صَار دكاً، استنبطه من قَوْله: {وَلَكِن انْظُر إِلَى
الْجَبَل فَإِن اسْتَقر مَكَانَهُ فَسَوف تراني}
(الْأَعْرَاف: 341) . ثمَّ قَالَ: {فَلَمَّا تجلى ربه
للجبل جعله دكاً وخر مُوسَى صعقاً} (الْأَعْرَاف: 341)
. فَرَآهُ الْجَبَل فَصَارَ دكا، وَرَآهُ مُوسَى،
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَصعِقَ.
5323 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ قَالَ حدَّثنا
أبُو أُسَامَةَ قَالَ حدَّثنا زَكَرِيَّاءُ بنُ أبِي
زَائِدَةَ عنِ ابنِ الأشْوَعِ عنِ الشَّعْبِيِّ عنْ
مَسْرُوقٍ قَالَ قُلْتُ لِ عَائِشَةَ رَضِي الله
تَعَالَى عنهَا فأيْنَ قَوْلُهُ {ثُمَّ دَنا فتَدَلَّى
فَكانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أوْ أدْنَى} (النَّجْم: 8 9)
. قالَتْ ذااكَ جِبْرِيلُ كانَ يأتِيهِ فِي صُورَةِ
الرَّجُلِ وإنَّهُ أتاهُ هاذِهِ المَرَّةَ فِي
صُورَتهِ الَّتِي هِيَ صُورَتُهُ فسَدَّ الأُفُقَ. .
مُحَمَّد بن يُوسُف هَذَا هُوَ أَبُو أَحْمد
البُخَارِيّ البيكندي، وَقد جزم بِهِ أَبُو عَليّ
الجياني، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة،
وَابْن الأشوع، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الشين
الْمُعْجَمَة وَفتح الْوَاو وَفِي آخِره عين مُهْملَة:
واسْمه سعيد بن عَمْرو بن أَشوع نسب إِلَى جده،
وَالشعْبِيّ عَامر بن شرَاحِيل، ومسروق بن الأجدع.
والْحَدِيث مُسلم فِي الْإِيمَان عَن مُحَمَّد بن عبد
الله ابْن نمير عَن أبي أُسَامَة نَحوه.
قَوْله: (فَأَيْنَ قَوْله) وَمعنى الْفَاء هُنَا: إِذا
أنْكرت رُؤْيَته فَمَا معنى قَوْله: {ثمَّ دنا
فَتَدَلَّى} (النَّجْم: 8 9) . فَقَالَت: المُرَاد
بِهِ قربه من جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام. فَإِن قلت: ملاقاة جِبْرِيل، عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام، كَانَت دائمة. قلت: لجبريل
صُورَة خَاصَّة خلق عَلَيْهَا لم يره رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي تِلْكَ الصُّورَة الخلقية
إلاَّ هَذِه الْمرة، وَمرَّة أُخْرَى، وَقد ذَكرْنَاهُ
عَن قريب.
6323 - حدَّثنا مُوساى قَالَ حدَّثنا جَريرٌ قَالَ
حدَّثنا أبُو رَجاءٍ عنْ سَمُرَةَ قَالَ قَالَ
النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأيْتُ اللَّيْلَةَ
رَجُلَيْنِ أتَيانِي قالاَ الَّذِي يُوقِدُ النَّارَ
مالِكٌ خازِنُ النَّارِ وَأنَا جِبْرِيلُ وهاذَا
ميكَائيلُ. .
مُوسَى هُوَ ابْن إِسْمَاعِيل التَّبُوذَكِي، وَجَرِير
بِفَتْح الْجِيم هُوَ ابْن حَازِم بن زيد أَبُو
النَّصْر الْأَزْدِيّ الْبَصْرِيّ، وَأَبُو رَجَاء
اسْمه عمرَان بن ملْحَان، وَيُقَال: ابْن تيم،
وَيُقَال: ابْن عبد الله العطاردي الْبَصْرِيّ، أدْرك
زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يره،
وَأسلم بعد الْفَتْح، وأتى عَلَيْهِ مائَة وَعِشْرُونَ
سنة. وَقيل: أَكثر من ذَلِك. والْحَدِيث مضى فِي كتاب
الْجَنَائِز فِي بَاب مُجَرّد بعد: بَاب مَا قيل فِي
أَوْلَاد الْمُشْركين، مطولا بِعَين هَذَا
الْإِسْنَاد.
7323 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا أبُو عَوانَةَ
عنِ الأعْمَشِ عنْ أبِي حازِمٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ
رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا دَعا الرَّجُلُ امْرَأتَهُ
إِلَى فِرَاشِهِ فأبَتْ فَباتَ غَضْبانَ عَلَيْها
لَعَنَتْهَا المَلائِكَةُ حتَّى تُصْبِحَ.
أَبُو عوَانَة الوضاح مضى عَن قريب، وَالْأَعْمَش
سُلَيْمَان، وَأَبُو حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة
وَالزَّاي سلمَان الْأَشْجَعِيّ، والْحَدِيث أخرجه
أَيْضا فِي النِّكَاح عَن مُحَمَّد بن بشار. وَأخرجه
مُسلم فِي النِّكَاح عَن أبي بكر بن أبي شيبَة، وَأبي
كريب
(15/144)
وَعَن أبي سعيد الْأَشَج وَعَن زُهَيْر بن
حَرْب. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُحَمَّد بن
عَمْرو الرَّازِيّ. وَأخرجه فِي الْمَلَائِكَة عَن
مُحَمَّد بن الْعَلَاء.
تابَعَهُ شُعْبَةُ وأبُو حَمْزَةَ وابنُ دَاوُدَ وأبُو
مُعَاوِيَةَ عنِ الأعْمَشِ
أَي: تَابع أَبُو عوَانَة شعبةُ بن الْحجَّاج فوصل
هَذِه الْمُتَابَعَة البُخَارِيّ فِي النِّكَاح فِي:
بَاب إِذا باتت الْمَرْأَة مهاجرة فرَاش زَوجهَا،
فَقَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار حَدثنَا ابْن أبي
عدي عَن شُعْبَة عَن سُلَيْمَان عَن أبي حَازِم عَن
أبي هُرَيْرَة ... إِلَى آخِره، نَحوه سَوَاء. قَوْله:
(وَأَبُو حَمْزَة) أَي: وَتَابعه أَبُو حَمْزَة،
وَهُوَ مُحَمَّد بن مَيْمُون السكرِي. قَوْله: (وَابْن
دَاوُد) ، أَي: وَتَابعه ابْن دَاوُد وَهُوَ عبد الله
الْخُرَيْبِي، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وبالراء، وَوصل
مُتَابَعَته مُسَدّد فِي (مُسْنده الْكَبِير) :
قَوْله: (وَأَبُو مُعَاوِيَة) أَي: وَتَابعه أَبُو
مُعَاوِيَة وَهُوَ مُحَمَّد بن خازم بالمعجمتين وَوصل
مُتَابَعَته مُسلم فَقَالَ: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي
شيبَة، وَأَبُو كريب قَالَا: حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة
وحَدثني أَبُو سعيد الْأَشَج، قَالَ: حَدثنِي وَكِيع
وحَدثني زُهَيْر بن حَرْب، وَاللَّفْظ لَهُ، قَالَ:
حَدثنَا جرير، كلهم عَن الْأَعْمَش عَن أبي حَازِم عَن
أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: إِذا دَعَا الرجل امْرَأَته ... إِلَى
آخِره نَحوه، غير أَن فِي قَوْله: فَلم تأته، مَوضِع:
فَأَبت، فِي رِوَايَة البُخَارِيّ، رَحمَه الله.
8323 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ
أخْبَرَنَا اللَّيْثُ قَالَ حدَّثني عُقَيْلٌ عنِ ابنِ
شِهابٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سلَمَةَ قَالَ أخبرَني
جابِرُ بنُ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُما
أنَّهُ سَمِعَ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يقُولُ ثمَّ فتَرَ عَنِّي الوَحْيُ فتْرَةً فبَيْنَا
أنَا أمْشِي سَمِعْتُ صَوْتاً مِنَ السَّماءَ
فرَفَعْتُ بَصَري قِبلَ السَّماءِ فإذَا الملَكُ
الَّذِي جاءَنِي بِحِرَاءِ قاعِدٌ علَى كُرْسِيٍّ
بيْنَ السَّماءِ والأرْضِ فَجِئْثتُ مِنْهُ حَتَّى
هَوَيْتُ إِلَى الأرْضِ فَجِئْتُ أهْلِي فقُلْتُ
زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فأنْزَلَ الله تَعَالَى: {يَا
أيُّها المُدَّثِّر} إِلَى قَوْلِهِ {والرِّجْزَ
فاهْجُرْ} (المدثر: 1 5) . قَالَ أبُو سَلَمَةَ
والرِّجْزُ الأوْثَانُ. .
رُوَاة هَذَا الحَدِيث قد مروا غير مرّة على نسق
وَاحِد ومفترقين أَيْضا. والْحَدِيث قد مر بشرحه فِي
أول الْكتاب. قَوْله: (فجثئت مِنْهُ) ، على صِيغَة
الْمَجْهُول من ألجأث بِالْجِيم والهمزة وبالثاء
الْمُثَلَّثَة، أَي: رعبت، وَفِيه لُغَة أُخْرَى:
جثثت، بثاءين مثلثتين وَمَعْنَاهُ: هويت، أَي: سَقَطت.
قَوْله: (وَالرجز: الْأَوْثَان) تَفْسِير مِنْهُ بِأَن
المُرَاد من: الرجز، فِي قَوْله: {وَالرجز فاهجر}
(المدثر: 5) . الْأَوْثَان وَهُوَ جمع وثن، وَهُوَ مَا
لَهُ جثة من خشب أَو حجر أَو فضَّة أَو جَوَاهِر،
وَكَانَت الْعَرَب تنصبها وتعبدها.
9323 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ قَالَ حدَّثنا
غُنْدَرٌ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ قَتادَةَ وَقَالَ
لِي خَلِيفَةُ حدَّثنا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ قَالَ
حدَّثنا سَعِيدٌ عنْ قَتَادَةَ عنْ أبي العَالِيَةِ
قَالَ حدَّثنا ابنُ عَمِّ نَبيِّكُمْ يَعْنِي ابنَ
عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما عنِ النَّبِيِّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ رأيْتُ لَيْلَةَ
أُسْرِيَ بِي مُوساى رَجُلاً آدَمُ طُوَالاً جَعْدَاً
كأنَّهُ مِنْ رِجالِ شَنُوءَةَ ورَأيْتُ عِيساى
رَجُلاً مَرْبُوعاً مَرْبُوعَ الخَلْقِ إِلَى
الحُمْرَةِ والْبَياضِ سِبْطَ الرَّأسِ ورَأيْتُ
مالِكاً خازنَ النَّارِ والدَّجَّالَ فِي آياتٍ
أراهُنَّ الله إيَّاهُ فَلاَ تَكُنْ فِي مِرْيَةِ مِنْ
لِقَائِهِ. (الحَدِيث 9323 طرفه فِي: 6933) .
غنْدر، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون:
لقب مُحَمَّد بن جَعْفَر أبي عبد الله الْبَصْرِيّ
صَاحب الكرابيس. قَوْله: (وَقَالَ لي خَليفَة) هُوَ
ابْن خياط هُوَ شيخ البُخَارِيّ، وَأَشَارَ بِهَذَا
إِلَى أَنه جمع بَين روايتي شُعْبَة بن الْحجَّاج عَن
قَتَادَة وَسَعِيد ابْن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة،
أَيْضا، وسَاق الحَدِيث على لفظ سعيد بن أبي عرُوبَة،
وَأَبُو الْعَالِيَة، بِالْعينِ الْمُهْملَة، اسْمه:
رفيع، بِضَم الرَّاء
(15/145)
وَفتح الْفَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي
آخِره عين مُهْملَة الريَاحي، بِكَسْر الرَّاء
وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف وَبِالْحَاءِ
الْمُهْملَة: الْبَصْرِيّ، وَأَبُو الْعَالِيَة الآخر
يروي أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس: واسْمه مُخْتَلف فِيهِ،
وشهرته بالبراء، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة
وَتَشْديد الرَّاء، وَكَانَ يبري النبل، وَهُوَ أَيْضا
بَصرِي.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي أَحَادِيث
الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، عَن
ابْن بشار عَن غنْدر عَن شُعْبَة نَحْو الأول: وَأخرجه
مُسلم فِي الْإِيمَان عَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَعَن
مُحَمَّد بن بشار، كِلَاهُمَا عَن غنْدر بِهِ وَعَن
عبد بن حميد عَن يُونُس بن مُحَمَّد عَن شَيبَان عَن
قَتَادَة، أتم من الأول.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (آدم) ، من الأدمة وَهِي فِي
النَّاس السمرَة الشَّدِيدَة، وَقيل: هُوَ من أدمة
الأَرْض، وَهِي: لَوْنهَا، وَبِه سمي آدم، عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام، والأدمة فِي الْإِبِل الْبيَاض
مَعَ سَواد المقلتين، يُقَال: بعير آدم بيَّن الأدمة،
وناقة أدماء. قَوْله: (طوال) ، بِضَم الطَّاء
الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْوَاو وَمَعْنَاهُ: طَوِيل
قَوْله: (جعد) أَي غير سبط الشّعْر وَقَالَ ابْن
الْأَثِير الْجَعْد فِي صِفَات الرِّجَال يكون مدحا
وذما فالملح مَعْنَاهُ شَدِيد الْأسر والخلق، أَو يكون
جعد الشّعْر وَهُوَ ضد السبط، لِأَن السبوطة
أَكْثَرهَا فِي شُعُور الْعَجم، وَأما الذَّم: فَهُوَ
الْقصير المتردد الْخلق. وَقَالَ الدَّاودِيّ: لَا أرى
جَعدًا مَحْفُوظًا، لِأَن الطوَال لَا يُوصف بالجعودة،
وَقَالَ ابْن التِّين: هَذَا كَلَام غير صَحِيح، لِأَن
الطول لَا يُنَافِيهِ بل يكون الطَّوِيل جَعدًا
وسبطاً. قَوْله: (شنُوءَة) ، بِفَتْح الشين
الْمُعْجَمَة وَضم النُّون وَسُكُون الْوَاو وَفتح
الْهمزَة، قيل: هُوَ من قحطان، وَقَالَ الْكرْمَانِي:
شنُوءَة اسْم قَبيلَة بطن من الأزد طوال القامات،
وَقَالَ ابْن هِشَام: شنُوءَة هُوَ عبد الله بن كَعْب
بن عبد الله بن مَالك بن نضر بن الأزد، وَإِنَّمَا
قيل: أَزْد شنُوءَة، لشنئان كَانَ بَينهم وَهُوَ:
البغض، وَالنِّسْبَة إِلَيْهِ شنوي، وَجه تَشْبِيه
مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بِرِجَال
شنُوءَة فِي الطول والسمرة. قَوْله: (مربوعاً) أَي:
لَا قَصِيرا وَلَا طَويلا. قَوْله: (مَرْبُوع الْخلق)
، بِفَتْح الْخَاء أَي: معتدل الْخلقَة مائلاً إِلَى
الْحمرَة. قَوْله: (سبط الرَّأْس) ، بِكَسْر الْبَاء
الْمُوَحدَة وسكونها، وَمَعْنَاهُ: مسترسل الشّعْر،
وَقَالَ النَّوَوِيّ: فتحهَا وَكسرهَا لُغَتَانِ
مشهورتان، وَيجوز إسكانها مَعَ كسر السِّين وَمَعَ
فتحهَا على التَّخْفِيف، كَمَا فِي الْكَتف، وَقَالَ:
وَأما الْجَعْد فِي صفة مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، فَالْأولى أَن يحمل على جعودة الْجِسْم،
وَهِي اكتنازه واجتماعه لَا جعودة الشّعْر، لِأَنَّهُ
جَاءَ فِي رِوَايَة أبي هُرَيْرَة: أَنه رجل الشّعْر.
قَوْله: (والدجال) ، بِالنّصب أَي: وَرَأَيْت
الدَّجَّال. قَوْله: (فِي آيَات) أَي: فِي آيَات
أُخْرَى (أراهن الله إِيَّاه) أَي: النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (فَلَا تكن فِي مرية) ،
بِكَسْر الْمِيم، وَهُوَ: الشَّك. قَالَ النَّوَوِيّ:
هَذَا استشهاد من بعض الروَاة على أَنه صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لَقِي مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الظَّاهِر أَنه
كَلَام رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
وَالضَّمِير رَاجع إِلَى الدَّجَّال، وَالْخطاب لكل
وَاحِد من الْمُسلمين.
قَالَ أنَسٌ وأبُو بَكْرَةَ عنِ النَّبِيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم تَحْرُسُ المَلائِكَةُ المَدِينَةَ
مِنَ الدَّجَّالِ
تَعْلِيق أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَصله
البُخَارِيّ فِي أَوَاخِر الْحَج فِي فضل الْمَدِينَة
فِي: بَاب لَا يدْخل الدَّجَّال الْمَدِينَة،
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن إِبْرَاهِيم بن
الْمُنْذر عَن الْوَلِيد عَن عَمْرو عَن إِسْحَاق عَن
أنس ... الحَدِيث، وَتَعْلِيق أبي بكرَة نفيع ابْن
الْحَارِث وَصله أَيْضا فِي هَذَا الْبَاب عَن عبد
الْعَزِيز بن عبد الله عَن إِبْرَاهِيم بن سعد عَن
أَبِيه عَن جده عَن أبي بكرَة عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم ... إِلَى آخِره.
|