عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 94 - (بابُ نُزُولِ عِيساى بنِ مَرْيَم
عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان نزُول عِيسَى بن مَرْيَم،
عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، يَعْنِي: فِي آخر
الزَّمَان، وَكَذَا هُوَ بِلَفْظ: بَاب، فِي رِوَايَة
الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر بِغَيْر لفظ: بَاب.
8443 - حدَّثنا إسْحااقُ أخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بنُ
إبْرَاهِيمَ حدَّثَنا أبِي عنْ صَالِحٍ عنِ ابنِ شِهاب
أنَّ سَعيدَ بنَ المُسَيَّبِ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ
رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ رسُولُ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم والَّذِي نَفْسِي بِيدِهِ
لَيُوشِكَنَّ أنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابنُ مَرْيَمَ حَكَمَاً
عَدْلاً فيَكْسِرَ الصَّلِيبَ ويَقْتُلَ الخَنْزِيرَ
ويَضَعَ الجِزْيَةَ ويَفِيضُ المَالُ حتَّى لاَ يَقْبَلَهُ
أحَدٌ حتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الوَاحِدَةُ خَيْرَاً
مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ثُمَّ يَقُولُ أبُو
هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ واقْرَؤا إنْ
شِئْتُمْ {وإنْ مِنْ أهْلِ الكِتَابِ إلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ
بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ويَوْمَ القِيَامَةِ يَكُونُ
عَلَيْهِمْ شَهِيدَاً} (النِّسَاء: 951) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَإِسْحَاق هُوَ ابْن
رَاهَوَيْه وَعَن أبي عَليّ الجياني: إِسْحَاق إِمَّا ابْن
رَاهَوَيْه وَإِمَّا ابْن مَنْصُور، وَيَعْقُوب هُوَ ابْن
إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن
عَوْف يروي عَن أَبِيه إِبْرَاهِيم هُوَ ابْن سعد بن
إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور، وَصَالح هُوَ ابْن كيسَان مؤدب
ولد عمر بن عبد الْعَزِيز، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث مر فِي أَوَاخِر الْبيُوع فِي: بَاب قتل
الْخِنْزِير ... إِلَى قَوْله: حَتَّى لَا يقبله أحد، وَمر
الْكَلَام فِيهِ، ولنشرح مَا بَقِي مِنْهُ.
قَوْله: (وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ) ، فِيهِ الْحلف فِي
الْخَبَر مُبَالغَة فِي تأكيده. قَوْله: (ليوشكن) ،
بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَهُوَ من أَفعَال المقاربة،
وَمَعْنَاهُ: ليقربن سَرِيعا.
(16/38)
قَوْله: (فِيكُم) ، خطاب لهَذِهِ الْأمة.
قَوْله: (حكما) ، أَي: حَاكما بِهَذِهِ الشَّرِيعَة، فَإِن
شَرِيعَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تنسخ،
وَفِي رِوَايَة اللَّيْث ابْن سعد عِنْد مُسلم: حكما
مقسطاً، وَله فِي رِوَايَة: إِمَامًا مقسطاً، أَي: عادلاً،
والقاسط الجائر. قَوْله: (وَيقتل الْخِنْزِير) ، وَوَقع
فِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ، وَيقتل الْخِنْزِير والقردة.
قَوْله: (وَيَضَع الْجِزْيَة) ، هَذِه رِوَايَة
الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: وَيَضَع الْحَرْب،
وَالْمعْنَى: أَن الدّين يصير وَاحِدًا، لِأَن عِيسَى،
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لَا يقبل إلاَّ
الْإِسْلَام. فَإِن قلت: وضع الْجِزْيَة مَشْرُوع فِي
هَذِه الْأمة فَلم لَا يكون الْمَعْنى: تقرر الْجِزْيَة
على الْكفَّار من غير مُحَابَاة، فَلذَلِك يكثر المَال؟
قلت: مَشْرُوعِيَّة الْجِزْيَة مُقَيّدَة بنزول عِيسَى،
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَقد قُلْنَا أَن عِيسَى
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا يقبل إِلَّا
الْإِسْلَام وَقَالَ ابْن بطال وَإِنَّمَا قبلناها قبل
نزُول عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام للْحَاجة
إِلَى المَال بِخِلَاف زمن عِيسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، فَإِنَّهُ لَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى المَال،
فَإِن المَال يكثر حَتَّى لَا يقبله أحد. قَوْله: (وَيفِيض
المَال) ، بِفَتْح الْيَاء وَكسر الْفَاء وبالضاد
الْمُعْجَمَة، أَي: يكثر، وَأَصله من فاض المَاء، وَفِي
رِوَايَة عَطاء بن مينا: وليدعون إِلَى المَال فَلَا يقبله
أحد، وَسَببه كَثْرَة المَال ونزول البركات وتوالي
الْخيرَات بِسَبَب الْعدْل وَعدم الظُّلم، وَحِينَئِذٍ
تخرج الأَرْض كنوزها وتقل الرغبات فِي اقتناء المَال
لعلمهم بِقرب السَّاعَة. قَوْله: (حَتَّى تكون السَّجْدَة
الْوَاحِدَة خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا) لأَنهم
حِينَئِذٍ لَا يَتَقَرَّبُون إِلَى الله إلاَّ بالعبادات
لَا بالتصدق بِالْمَالِ. فَإِن قلت: السَّجْدَة
الْوَاحِدَة دَائِما خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا،
لِأَن الْآخِرَة خير وَأبقى. قلت: الْغَرَض أَنَّهَا خير
من كل مَال الدُّنْيَا، إِذْ حِينَئِذٍ لَا يُمكن
التَّقَرُّب إِلَى الله تَعَالَى بِالْمَالِ، وَقَالَ
التوربشتي: يَعْنِي أَن النَّاس يرغبون عَن الدُّنْيَا
حَتَّى تكون السَّجْدَة الْوَاحِدَة أحب إِلَيْهِم من
الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. قَوْله: (ثمَّ يَقُول أَبُو
هُرَيْرَة) إِلَى آخِره، مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ
الْمَذْكُور. قَوْله: (واقرؤا إِن شِئْتُم) ، قَالَ ابْن
الْجَوْزِيّ: إِنَّمَا أَتَى بِذكر هَذِه الْآيَة
للْإِشَارَة إِلَى مناسبتها لقَوْله: (حَتَّى تكون
السَّجْدَة الْوَاحِدَة خيرا من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا)
. فَإِنَّهُ يُشِير بذلك إِلَى صَلَاح النَّاس وَشدَّة
إِيمَانهم وإقبالهم على الْخَيْر، فهم لذَلِك يؤثرون
الرَّكْعَة الْوَاحِدَة على جَمِيع الدُّنْيَا، والسجدة
تذكر وَيُرَاد بهَا الرَّكْعَة. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ:
معنى الحَدِيث أَن الصَّلَاة حِينَئِذٍ تكون أفضل من
الصَّدَقَة لِكَثْرَة المَال إِذْ ذَاك، وَعدم
الِانْتِفَاع بِهِ حَتَّى لَا يقبله أحد. قَوْله: (وَإِن
من أهل الْكتاب) ، كلمة: إِن، نَافِيَة، يَعْنِي: مَا من
أهل الْكتاب من الْيَهُود وَالنَّصَارَى إلاَّ ليُؤْمِنن
بِهِ.
وَاخْتلف أهل التَّفْسِير فِي مرجع الضَّمِير فِي قَوْله
تَعَالَى: بِهِ. فروى ابْن جرير من طَرِيق سعيد بن جُبَير
عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: إِنَّه
يرجع إِلَى عِيسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام،
وَكَذَا رُوِيَ من طَرِيق أبي رَجَاء عَن الْحسن، قَالَ:
قبل موت عِيسَى: وَالله إِنَّه لحي، وَلَكِن إِذا نزل
آمنُوا بِهِ أَجْمَعُونَ، وَذهب إِلَيْهِ أَكثر أهل
الْعلم، وَرجحه ابْن جرير وَأَبُو هُرَيْرَة أَيْضا صَار
إِلَيْهِ فقراءته هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة تدل عَلَيْهِ،
وَقيل: يعود الضَّمِير إِلَى الله، وَقيل: إِلَى النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالضَّمِير فِي قَوْله: (قبل
مَوته) يرجع إِلَى أهل الْكتاب عِنْد الْأَكْثَرين لما روى
ابْن جرير من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس: (لَا
يَمُوت يَهُودِيّ وَلَا نَصْرَانِيّ حَتَّى يُؤمن
بِعِيسَى) فَقَالَ لَهُ عِكْرِمَة: أَرَأَيْت إِن خر من
بَيت أَو احْتَرَقَ أَو أكله السَّبع؟ قَالَ: لَا يَمُوت
حَتَّى يُحَرك شَفَتَيْه بِالْإِيمَان بِعِيسَى، وَفِي
إِسْنَاده: خصيف، وَفِيه ضعف، وَرجح جمَاعَة هَذَا
الْمَذْهَب لقِرَاءَة أبي بن كَعْب، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، إلاَّ ليُؤْمِنن بِهِ قبل مَوْتهمْ، أَي: قبل موت
أهل الْكتاب، وَقيل: يرجع إِلَى عِيسَى، أَي: إلاَّ
ليُؤْمِنن بِهِ قبل موت عِيسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، وَلَكِن لَا ينفع هَذَا الْإِيمَان فِي
تِلْكَ الْحَالة.
فَإِن قلت: مَا الْحِكْمَة فِي نزُول عِيسَى، عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام، والخصوصية بِهِ؟ قلت: فِيهِ
وُجُوه. الأول: للرَّدّ على الْيَهُود فِي زعمهم الْبَاطِل
أَنهم قَتَلُوهُ وصلبوه، فبيَّن الله تَعَالَى كذبهمْ،
وَأَنه هُوَ الَّذِي يقتلهُمْ. الثَّانِي: لأجل دنو أَجله
ليدفن فِي الأَرْض، إِذْ لَيْسَ لمخلوق من التُّرَاب أَن
يَمُوت فِي غير التُّرَاب. الثَّالِث: لِأَنَّهُ دَعَا
الله تَعَالَى لما رأى صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَأمته أَن يَجعله مِنْهُم فَاسْتَجَاب الله دعاءه
وأبقاه حَيا حَتَّى ينزل فِي آخر الزَّمَان ويجدد أَمر
الْإِسْلَام، فيوافق خُرُوج الدَّجَّال فيقتله. الرَّابِع:
لتكذيب النَّصَارَى وَإِظْهَار زيفهم فِي دَعوَاهُم
الأباطيل وَقَتله إيَّاهُم. الْخَامِس: أَن خصوصيته
بالأمور الْمَذْكُورَة لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
أَنا أولى النَّاس بِابْن مَرْيَم لَيْسَ بيني وَبَينه
نَبِي، وَهُوَ أقرب إِلَيْهِ من غَيره فِي الزَّمَان،
وَهُوَ أولى بذلك.
106 - (حَدثنَا ابْن بكير حَدثنَا اللَّيْث عَن يُونُس عَن
ابْن شهَاب عَن نَافِع مولى أبي قَتَادَة
(16/39)
الْأنْصَارِيّ أَن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ
قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
كَيفَ أَنْتُم إِذا نزل ابْن مَرْيَم فِيكُم وإمامكم
مِنْكُم) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَابْن بكير هُوَ
يحيى بن عبد الله بن بكير أَبُو زَكَرِيَّا المَخْزُومِي
الْمصْرِيّ وَاللَّيْث بن سعد وَيُونُس بن يزِيد وَابْن
شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ وَنَافِع مولى
أبي قَتَادَة الْأنْصَارِيّ هُوَ أَبُو مُحَمَّد بن
عَيَّاش الْأَقْرَع قَالَ ابْن حبَان هُوَ مولى امْرَأَة
من غفار وَقيل لَهُ مولى أبي قَتَادَة لملازمته لَهُ
وَلَيْسَ لَهُ عَن أبي هُرَيْرَة فِي الصَّحِيح سوى هَذَا
الحَدِيث الْوَاحِد والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان
عَن حَرْمَلَة وَعَن مُحَمَّد بن حَاتِم وَعَن زُهَيْر بن
حَرْب قَوْله " إِذا نزل ابْن مَرْيَم " أَي عِيسَى بن
مَرْيَم وَلَفظ فِيكُم سقط من رِوَايَة أبي ذَر
وَكَيْفِيَّة نُزُوله أَنه ينزل وَعَلِيهِ ثَوْبَان
مُمَصَّرَانِ كَذَا رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو ذَر عَن أبي
هُرَيْرَة مَرْفُوعا والممصر من الثِّيَاب الَّتِي فِيهَا
صفرَة خَفِيفَة وَفِي كتاب الْفِتَن لأبي نعيم " ينزل
عِنْد القنطرة الْبَيْضَاء على بَاب دمشق الشَّرْقِي تحمله
غمامة وَاضِعا يَدَيْهِ على مَنْكِبي ملكَيْنِ عَلَيْهِ
ريطتان إِذا كب رَأسه يقطر مِنْهُ كالجمان فيأتيه
الْيَهُود فَيَقُولُونَ نَحن أَصْحَابك فَيَقُول كَذبْتُمْ
وَالنَّصَارَى كَذَلِك إِنَّمَا أَصْحَابِي
الْمُهَاجِرُونَ بَقِيَّة أَصْحَاب الملحمة فيجد خليفتهم
يُصَلِّي بهم فَيتَأَخَّر فَيَقُول لَهُ صل فقد رَضِي الله
عَنْك فَإِنِّي إِنَّمَا بعثت وزيرا وَلم أبْعث أَمِيرا "
قَالَ وبخروجه تَنْقَطِع الْإِمَارَة وَفِيه أَيْضا عَن
كَعْب " يحاصر الدَّجَّال الْمُؤمنِينَ بِبَيْت الْمُقَدّس
فيصيبهم جوع شَدِيد حَتَّى يَأْكُلُوا أوتار قسيهم
فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ سمعُوا صَوتا فِي الْغَلَس
فَإِذا عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وتقام
الصَّلَاة فَيرجع إِمَام الْمُسلمين فَيَقُول عِيسَى
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تقدم فلك أُقِيمَت
الصَّلَاة فَيصَلي بهم ذَلِك الرجل تِلْكَ الصَّلَاة ثمَّ
يكون عِيسَى الإِمَام بعد " وَفِيه من حَدِيث أبي
هُرَيْرَة " وَينزل بَين أذانين " وَعَن ابْن عمر
مَرْفُوعا " المحاصرون بِبَيْت الْمُقَدّس إِذْ ذَاك مائَة
ألف امْرَأَة وَاثْنَانِ وَعِشْرُونَ ألفا مُقَاتِلُونَ
إِذْ غشيتهم ضَبَابَة من غمام إِذْ تنكشف عَنْهُم مَعَ
الصُّبْح فَإِذا عِيسَى بَين ظهرانيهم " وروى مُسلم من
حَدِيث ابْن عمر " فِي مُدَّة إِقَامَة عِيسَى عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام بِالْأَرْضِ بعد نُزُوله أَنَّهَا
سبع سِنِين " وروى أَبُو نعيم فِي كتاب الْفِتَن من حَدِيث
ابْن عَبَّاس " أَن عِيسَى إِذْ ذَاك يتَزَوَّج فِي
الأَرْض فيقيم بهَا تسع عشرَة سنة " وبإسناده فِيهِ
مِنْهُم عَن أبي هُرَيْرَة " يُقيم بهَا أَرْبَعِينَ سنة "
وروى أَحْمد وَأَبُو دَاوُد بِإِسْنَاد صَحِيح من طَرِيق
عبد الرَّحْمَن بن آدم عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا مثله
وَعَن كَعْب " يمْكث فيهم عِيسَى أَرْبعا وَعشْرين سنة
مِنْهَا عشر حجج يبشر الْمُؤمنِينَ بدرجاتهم فِي الْجنَّة
" وَفِي لفظ " أَرْبَعِينَ سنة " وَعَن ابْن عَبَّاس "
يتَزَوَّج من قوم شُعَيْب " وَهُوَ ختن مُوسَى عَلَيْهِ
السَّلَام وهم جذام فيولد لَهُ فيهم وَيُقِيم تسع عشرَة
سنة لَا يكون أَمِيرا وَلَا شرطيا وَلَا ملكا " وَعَن
يزِيد بن أبي حبيب " يتَزَوَّج امْرَأَة من الأزد ليعلم
النَّاس أَنه لَيْسَ بإله " وَقيل يتَزَوَّج ويولد لَهُ
وَيمْكث خمْسا وَأَرْبَعين سنة ويدفن مَعَ النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي قَبره وَقيل
يدْفن فِي الأَرْض المقدسة وَهُوَ غَرِيب وَفِي حَدِيث عبد
الله بن عمر يمْكث فِي الأَرْض سبعا ويولد لَهُ ولدان
مُحَمَّد ومُوسَى وَلَيْسَ فِي أَيَّامه إِمَام وَلَا قَاض
وَلَا مفت وَقد قبض الله الْعلم وخلا النَّاس عَنهُ فَينزل
وَقد علم بِأَمْر الله فِي السَّمَاء مَا يحْتَاج إِلَيْهِ
من علم هَذِه الشَّرِيعَة للْحكم بَين النَّاس وَالْعَمَل
فِيهِ فِي نَفسه فيجتمع الْمُؤْمِنُونَ ويحكمونه على
أنفسهم إِذْ لَا يصلح لذَلِك غَيره وَقد ذهب قوم إِلَى أَن
بنزوله يرْتَفع التَّكْلِيف لِئَلَّا يكون رَسُولا إِلَى
أهل ذَلِك الزَّمَان يَأْمُرهُم وينهاهم وَهُوَ مَرْدُود
لِأَنَّهُ لَا ينزل بشريعة متجددة بل ينزل على شَرِيعَة
نَبينَا مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَيكون من أَتْبَاعه قَوْله " وإمامكم مِنْكُم " يَعْنِي
يحكم بَيْنكُم بِالْقُرْآنِ لَا بالإنجيل قَالَه
الْكرْمَانِي (قلت) الْإِنْجِيل لَيْسَ فِيهِ حكم فَلَا
حَاجَة إِلَى قَوْله لَا بالإنجيل وَقيل مَعْنَاهُ
يُصَلِّي مَعكُمْ بِالْجَمَاعَة وَالْإِمَام من هَذِه
الْأمة وَقيل وضع الْمظهر مَوضِع الْمُضمر تَعْظِيمًا لَهُ
وتربية للمهابة يَعْنِي هُوَ مِنْكُم وَالْغَرَض أَنه
خليفتكم وَهُوَ على دينكُمْ كَمَا تَقول لولد زيد والدك
يَأْمُرك بِكَذَا وَلَا تَقول هُوَ أَو فلَان يَأْمُرك
وَقَالَ الطَّيِّبِيّ أَي يؤمكم عِيسَى حَال كَونه فِي
دينكُمْ قيل يُعَكر عَلَيْهِ قَوْله فِي حَدِيث مُسلم "
فَيُقَال لَهُ صل لنا فَيَقُول لَا إِن بَعْضكُم على بعض
أُمَرَاء " تكرمة لهَذِهِ الْأمة وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ
لَو تقدم عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِمَامًا لوقع فِي
النَّفس إِشْكَال ولقيل أتراه تقدم نَائِبا أَو مبتدئا
شرعا فصلى مَأْمُوما لِئَلَّا يتدنس بغبار الشُّبْهَة وَجه
قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا
نَبِي بعدِي " انْتهى وَفِي صَلَاة عِيسَى عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام خلف رجل من هَذِه الْأمة مَعَ كَونه
فِي آخر الزَّمَان وَقرب قيام السَّاعَة دلَالَة للصحيح من
الْأَقْوَال أَنه الأَرْض لَا تَخْلُو عَن قَائِم لله
بِحجَّة
(16/40)
(تَابعه عقيل وَالْأَوْزَاعِيّ) أَي تَابع
يُونُس عقيل بن خَالِد وَعبد الرَّحْمَن بن عمر
وَالْأَوْزَاعِيّ كِلَاهُمَا عَن ابْن شهَاب فِي هَذَا
الحَدِيث فمتابعة عقيل وَصلهَا ابْن مَنْدَه فِي كتاب
الْإِيمَان من طَرِيق اللَّيْث عَنهُ وَلَفظه مثل رِوَايَة
أبي ذَر. ومتابعة الْأَوْزَاعِيّ وَصلهَا ابْن مَنْدَه
أَيْضا وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث وَابْن
الْأَعرَابِي من طَرِيقه عَنهُ وَلَفظه مثل رِوَايَة
يُونُس وَالله أعلم بِالصَّوَابِ -
05 - (بابُ مَا ذُكِرَ عنْ بَنِي إسْرَائِيلَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا ذكر عَن بني إِسْرَائِيل،
أَي: عَن ذُريَّته من الْعَجَائِب والغرائب. وَإِسْرَائِيل
هُوَ يَعْقُوب، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام. وأصل
سَبَب تَسْمِيَة يَعْقُوب بإسرائيل مَا ذكره السّديّ: أَن
إِسْحَاق أَب يَعْقُوب كَانَ قد تزوج رفقا بنت بثويل بن
ناحور بن آزر بن إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، فَولدت لإسحاق عيصو وَيَعْقُوب بَعْدَمَا مضى
من عمره سِتُّونَ سنة، وَلها قصَّة عَجِيبَة، وَهِي أَنه:
لما قربت ولادتهما اقتتلا فِي بطن أمهما، فَأَرَادَ
يَعْقُوب أَن يخرج أَولا قبل عيصو، فَقَالَ عيصو: وَالله
لَئِن خرجت قبلي لأعترضن فِي بطن أُمِّي لأقتلها، فَتَأَخر
يَعْقُوب وَخرج عيصو قبله، فَسُمي عيصو لِأَنَّهُ عصى،
وَسمي يَعْقُوب لِأَنَّهُ خرج آخرا بعقب عيصو، وَكَانَ
يَعْقُوب أكبرهما فِي الْبَطن، وَلَكِن عيصو خرج قبله،
فَلَمَّا كبرا كَانَ عيصو أحبهما إِلَى أَبِيه، وَكَانَ
يَعْقُوب أحبهما إِلَى أمه، فَوَقع بَينهمَا مَا يَقع بَين
الْأَخَوَيْنِ فِي مثل ذَلِك، فخافت أمه عَلَيْهِ من عيصو
أَن يُوقع بِهِ فعلا، فَقَالَت: يَا ابْني إلحق بخالك
فاكمن عِنْده، خشيَة أَن يقْتله عيصو، فَانْطَلق يَعْقُوب
إِلَى خَاله فَكَانَ يسري بِاللَّيْلِ ويكمن بِالنَّهَارِ،
فَلذَلِك سمي: إِسْرَائِيل، وَهُوَ أول من سرى
بِاللَّيْلِ، فَأتى خَاله لابان بِبَابِل، وَقيل: بحران.
0543 - حدَّثنا مُوساى بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا أبُو
عَوانَةَ حدَّثنا عَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ عنْ
رِبْعِيِّ بنِ حِرَاشٍ قَالَ قَالَ عُقْبَةُ بنُ عَمْرِو
لِحُذَيْفَةَ ألاَ تُحَدِّثُنَا مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إنِّي سَمِعْتُهُ
يَقُولُ إنَّ مَعَ الدَّجَّالِ إذَا خَرَجَ مَاء ونارَاً
فأمَّا الَّذي يراى النَّاسُ أنَّها النَّارُ فَماءٌ
بارِدٌ وأمَّا الذِي يرَى النَّاسُ أنَّهُ ماءٌ بارِدٌ
فَنارٌ تُحْرِقُ فَمَنْ أدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ
فَلْيَقَعْ فِي الَّذِي يَراى أنَّهَا نارٌ فإنَّهُ عَذْبٌ
بَارِدٌ. قالَ حُذَيْفَةُ وسَمِعْتُهُ يَقُولُ إنَّ
رَجُلاً كانَ فِيمَنْ كانَ قَبْلَكُمْ أتاهُ المَلَكُ
لِيَقْبِضَ رُوحَهُ فَقِيلَ لَهُ هَلْ عَمِلْتَ مِنْ
خَيْرٍ قَالَ مَا أعْلَمُ قِيلَ لَهُ انْظُرْ قَالَ مَا
أعْلَمُ شَيْئاً غَيْرَ أنِّي كُنْتُ أُبَايِعُ النَّاسَ
فِي الدُّنْيَا فأُجَازِيهِمْ فأُنْظِرُ المُوسِرَ
وأتَجاوَزُ عنِ المُعْسِرِ فأدْخَلَهُ الله الجَنَّةَ.
فقَالَ وسَمِعْتُهُ يَقُولُ إنَّ رَجُلاً حَضَرَهُ
المَوْتُ فلَمَّا يَئِسَ مِنَ الحَياةِ أوْصاى أهْلَهُ
إذَا أَنا مُتُّ فاجْمَعُوا لِي حَطَبَاً كَثِيرَاً
وأوْقِدُوا فِيهِ نَارَاً حَتَّى إذَا أكَلَتْ لَحْمِي
وخَلَصَتْ إلَى عَظْمِي فامْتَحَشَتْ فَخُذُوهَا
فاطْحَنُوهَا ثُمَّ انْظُرُوا يَوْماً رَاحا فاذْرُوهُ فِي
اليَمِّ ففَعَلُوا فَجَمَعَهُ الله فَقَالَ لَهُ لِمَ
فَعَلْتَ ذَلِكَ قَالَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَغَفَرَ الله
لَهُ: قَالَ عُقْبَةُ بنُ عَمْرُو وأنَا سَمِعْتُهُ
يَقُولُ ذَلِكَ وكانَ نبَّاشَاً.
هَذَا الحَدِيث مُشْتَمل على ثَلَاثَة أَحَادِيث: الأول:
حَدِيث الدَّجَّال. وَالثَّانِي وَالثَّالِث: فِي رجلَيْنِ
كل وَاحِد فِي رجل، والمطابقة للتَّرْجَمَة فِي الثَّانِي
وَالثَّالِث والْحَدِيث الثَّانِي قد مضى فِي كتاب
الْبيُوع فِي: بَاب من أنظر مُوسِرًا، فَإِنَّهُ أخرجه
هُنَاكَ: عَن أَحْمد بن يُونُس عَن زُهَيْر عَن مَنْصُور
عَن ربعي بن خرَاش ... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ
هُنَاكَ، وَهنا أخرج الثَّلَاثَة: عَن مُوسَى بن
إِسْمَاعِيل الْمنْقري التَّبُوذَكِي عَن أبي عوَانَة
الوضاح بن عبد الله الْيَشْكُرِي وَعَن عبد الْملك بن
عُمَيْر الْكُوفِي عَن ربعي، بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون
الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الْعين الْمُهْملَة: ابْن
حِرَاش، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الرَّاء
وَفِي آخِره شين مُعْجمَة: الْغَطَفَانِي، وَكَانَ من
العبّاد يُقَال: إِنَّه تكلم بعد الْمَوْت، وَعقبَة بن
عَمْرو الْأنْصَارِيّ المعروب بالبدري، وَحُذَيْفَة بن
الْيَمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، ثمَّ إِن
البُخَارِيّ روى
(16/41)
هَذَا الحَدِيث عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل
عَن أبي عوَانَة كَمَا رَأَيْته، وَهُوَ الصَّوَاب، كَمَا
قَالَ أَبُو ذَر لَا كَمَا وَقع فِي بعض نسخه: حَدثنَا
مُسَدّد، وَوَقع فِي كَلَام الجياني: أَنه سَاقه أَولا
بِكَمَالِهِ عَن مُسَدّد، ثمَّ سَاق الْخلاف فِي لَفظه من
الْمَتْن عَن مُوسَى، وَالَّذِي فِي الْأُصُول مَا ذكره
سِيَاقَة وَاحِدَة، لَا كَمَا قَالَه، وَهَذَا الْموضع
مَوضِع تنبه وتيقظ.
قَوْله: (مَاء) ، مَنْصُوب لِأَنَّهُ خبر: إِن، و: نَارا،
عطف عَلَيْهِ. قَوْله: (يرى) بِفَتْح الْيَاء وَضمّهَا،
هَذَا من جملَة فتنته امتحن الله بهَا عباده فيحق الْحق
وَيبْطل الْبَاطِل، ثمَّ يَفْضَحهُ وَيظْهر للنَّاس عَجزه.
قَوْله: (قَالَ حُذَيْفَة) ، شُرُوع فِي الحَدِيث
الثَّانِي. قَوْله: (وسمعته يَقُول) ، أَي: سَمِعت
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول. قَوْله:
(فأجازيهم) ، أَي: أتقاضاهم الْحق، والمجازي المتقاضي،
يُقَال: تجازيت ديني عَن فلَان إِذا تقاضيته، وَحَاصِله
أَخذ مِنْهُم وَأعْطى، وَوَقع فِي رِوَايَة
الْإِسْمَاعِيلِيّ: وأجازفهم، من المجازفة، وَوَقع فِي
أُخْرَى: وأحاربهم، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالرَّاء،
وَكِلَاهُمَا تَصْحِيف. قَوْله: (فَقَالَ، وسمعته) ،
شُرُوع فِي الحَدِيث الثَّالِث، ويروى: وَقَالَ،
بِالْوَاو. قَوْله: (وخلصت) ، بِفَتْح اللَّام أَي: وصلت.
قَوْله: (فامتحشت) ، أَي: احترقت، وَهُوَ على صِيغَة
بِنَاء الْفَاعِل، كَذَا ضَبطه الْكرْمَانِي، وَضَبطه
بَعضهم على بِنَاء صِيغَة الْمَجْهُول، وَله وَجه وَهُوَ
من الامتحاش ومادته: مِيم وحاء مُهْملَة وشين مُعْجمَة،
والمحش: احتراق الْجلد وَظُهُور الْعظم. قَوْله: (يَوْمًا
رَاحا) أَي: يَوْمًا شَدِيد الرّيح، وَإِذا كَانَ طيب
الرّيح يُقَال: يَوْم ريِّح، بِالتَّشْدِيدِ، وَقَالَ
الْخطابِيّ: يَوْم رَاح أَي: ذُو ريح، كَمَا يُقَال: رجل
مَال، أَي: ذُو مَال. قَوْله: (فاذروه) أَمر من الإذراء،
يُقَال: ذرته الرّيح وأذرته تَذْرُوهُ وتذريه أَي: أطارته.
قَوْله: (قَالَ عقبَة بن عَمْرو) ، وَهُوَ أَبُو مَسْعُود
البدري (وَأَنا سمعته) يَعْنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَظَاهر الْكَلَام يَقْتَضِي أَن الَّذِي سَمعه
أَبُو مَسْعُود هُوَ الحَدِيث الْأَخير فَقَط، لَكِن
رِوَايَة شُعْبَة عَن عبد الْملك بن عُمَيْر نبئت أَنه سمع
الْجَمِيع، فَإِنَّهُ أوردهُ فِي الْفِتَن فِي قصَّة
الَّذِي كَانَ يُبَايع النَّاس من حَدِيث حُذَيْفَة،
وَقَالَ فِي آخِره: قَالَ أَبُو مَسْعُود وَأَنا سمعته،
وَكَذَلِكَ فِي حَدِيث الَّذِي أوصى بنيه، كَمَا ستقف
عَلَيْهِ فِي حَدِيث فِي أَوَاخِر هَذَا الْبَاب. قَوْله:
(وَكَانَ نباشاً) ظَاهره أَنه من زِيَادَة أبي مَسْعُود
فِي الحَدِيث، لَكِن أوردهُ ابْن حبَان من طَرِيق ربعي عَن
حُذَيْفَة، قَالَ: توفّي رجل كَانَ نباشاً، فَقَالَ
لأولاده: أحرقوني، فَدلَّ على أَن قَوْله: (وَكَانَ
نباشاً) من رِوَايَة حُذَيْفَة وَأبي مَسْعُود، مَعًا
وَالله أعلم.
4543 - حدَّثني بِشْرُ بنُ مُحَمَّدٍ أخبرَنا عبْدُ الله
أخْبَرَنِي مَعْمَرٌ ويُونُسُ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ
أخبرَني عُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ الله أنَّ عائِشَةَ
وابنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُم قالاَ لَ مَّا
نَزَلَ بِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَفِقَ
يَطْرَحُ خَمِيصَةً عَلى وجْهِهِ فإذَا اغْتَمَّ كشَفَهَا
عنْ وَجْهِهِ فَقَالَ وهْوَ كذَلِكَ لَعْنَةُ الله علَى
اليَهُودِ والنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أنْبِيائِهِمْ
مَسَاجِدَ يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا. .
مطابقته للتَّرْجَمَة يُمكن أَن تُؤْخَذ من قَوْله: (لعنة
الله على الْيَهُود) لأَنهم من بني إِسْرَائِيل، وهم أقدم
من النَّصَارَى. وَبشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة
وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: ابْن مُحَمَّد
السّخْتِيَانِيّ الْمروزِي، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَعبد
الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَعبيد الله بن عبد
الله بن عتبَة. والْحَدِيث مضى فِي كتاب الصَّلَاة فِي
بَاب مُجَرّد عقيب: بَاب الصَّلَاة فِي الْبيعَة، وَمضى
الْكَلَام فِيهِ قَوْله: (لما نزل برَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم) يَعْنِي: الْمَوْت.
5543 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا مُحَمَّدُ
بنُ جَعْفَرٍ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ فُرَاتٍ القَزَّازِ
قَالَ سَمِعْتُ أبَا حازِمٍ قَالَ قاعَدْتُ أبَا
هُرَيْرَةً رَضِي الله تَعَالَى عنهُ خَمْسَ سِنِينَ
فسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ كانَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ
الأنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلفه نَبِي وإنَّهُ
لاَ نَبِيَّ بَعْدِي وسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ
قالُوا فَمَا تأمُرُنَا قَالَ فُوا بِبَيْعَةِ الأوَّلِ
فالأوَّلِ أعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ فإنَّ الله سائِلُهُم
عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ.
(16/42)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَمُحَمّد
بن بشار هُوَ بنْدَار، وَمُحَمّد بن جَعْفَر هُوَ غنْدر،
وفرات، بِضَم الْفَاء وَتَخْفِيف الرَّاء وَفِي آخِره تَاء
مثناة من فَوق: ابْن أبي عبد الرَّحْمَن الْقَزاز، بِفَتْح
الْقَاف وَتَشْديد الزَّاي الأولى الْبَصْرِيّ ثمَّ
الْكُوفِي، وَأَبُو حَازِم، بِالْحَاء الْمُهْملَة
وَالزَّاي: اسْمه سلمَان الْأَشْجَعِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن مُحَمَّد بن
بشار بِهِ وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعبد الله ابْن
براد. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْجِهَاد عَن أبي بكر بن
أبي شيبَة.
قَوْله: (قاعدت أَبَا هُرَيْرَة) إِنَّمَا ذكره بِبَاب
المفاعلة ليدل على قعوده مُتَعَلقا بِأبي هُرَيْرَة
وَلأَجل تعلقه بِالْآخرِ جَاءَ مُتَعَدِّيا، لِأَن أَصله
لَازم كَمَا فِي قَوْلك: كارمت زيدا، فَإِن أَصله لَازم
نَحوه، قَوْله: (تسوسهم الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم
الصَّلَاة وَالسَّلَام) أَي: تتولى أُمُورهم: كَمَا تفعل
الْأُمَرَاء والولاة بالرعية، والسياسة الْقيام على
الشَّيْء بِمَا يصلحه وَذَلِكَ لأَنهم كَانُوا إِذا
أظهرُوا الْفساد بعث الله نَبيا يزِيل الْفساد عَنْهُم
وَيُقِيم لَهُم أَمرهم ويزيل مَا غيروا من حكم
التَّوْرَاة. قَوْله: (خَلفه نَبِي) ، بِفَتْح اللَّام
المخففة، يَعْنِي: يقوم مقَام الأول، وَالْخلف، بِفَتْح
اللَّام وسكونها: كل من يَجِيء بعد من مضى إلاَّ أَنه
بِالتَّحْرِيكِ فِي الْخَيْر، وبالسكون فِي الشَّرّ. قَالَ
الله تَعَالَى: {فخلف من بعدهمْ خلف أضاعوا الصَّلَاة}
(الْأَعْرَاف: 961) . قَوْله: (لَا نَبِي بعدِي) ،
يَعْنِي: لَا يَجِيء بعدِي نَبِي فيفعل مَا يَفْعَلُونَ.
قَوْله: (خلفاء) ، جمع خَليفَة. قَوْله: (فيكثرون) ،
بالثاء الْمُثَلَّثَة من الْكَثْرَة، وَحكى عِيَاض عَن
بَعضهم بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَهُوَ تَصْحِيف، وَوجه
بِأَن المُرَاد إكبار قبايح فعلهم. قَوْله: (فوا)
بِالضَّمِّ أَمر لجَماعَة من: وفى يَفِي، وَالْأَمر
مِنْهُ: فِ، فيا فوا، وَأَصله: أَوْفوا، وَأَصله أوفيوا،
نقلت حَرَكَة الْيَاء إِلَى مَا قبلهَا، فَالتقى ساكنان
فحذفت الْيَاء فَصَارَ أَوْفوا، ثمَّ حذفت الْوَاو اتبَاعا
لحذفها فِي الْمُضَارع لوقوعها بَين الْيَاء والكسرة،
فَصَارَ: أفوا، ثمَّ حذفت الْهمزَة للاستغناء عَنْهَا،
فَصَارَ: فوا، على وزن: عوا. قَوْله: (بيعَة الأول
فَالْأول) مَعْنَاهُ: إِذا بُويِعَ لخليفة بعد خَليفَة
فبيعة الأول صَحِيحَة يجب الْوَفَاء بهَا، وبيعة الثَّانِي
بَاطِلَة يحرم الْوَفَاء بهَا سَوَاء عقدوا للثَّانِي
عَالمين بِعقد الأول أَو جاهلين، وَسَوَاء كَانَا فِي
بلدين أَو أَكثر، وَسَوَاء كَانَ أَحدهمَا فِي بلد
الإِمَام الْمُنْفَصِل أم لَا، وَلم يبين حكم الثَّانِي
فِي هَذَا، وَهُوَ مُبين فِي رِوَايَة أُخْرَى: فاضربوا
عُنُقه، وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ
كَائِنا من كَانَ. قَوْله: (أعطوهم حَقهم) ، أَي: أطيعوهم
وعاشروهم بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة، فَإِن الله يحاسبهم
بِالْخَيرِ وَالشَّر عَن حَال رعيتهم.
6543 - حدَّثنا سَعِيدُ بنُ أبِي مَرْيَمَ حدَّثنا أبُو
غَسَّانَ قَالَ حدَّثني زَيْدُ بنُ أسْلَمَ عنْ عَطَاءِ
بنِ يَسارٍ عنْ أبِي سَعيدٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ
النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَتَتَّبِعُنَّ
سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرَاً بِشِبْرٍ وذِرَاعاً
بِذِراع حتَّى لَوْ سلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لسَلَكْتُمُوهُ
قُلْنا يَا رسُولَ الله اليَهُودَ والنَّصَارَى قَالَ
فَمَنْ. (الحَدِيث 6543 طرفه فِي: 0237) .
وَجه الْمُطَابقَة بَين حَدِيث الْبَاب وَبَين
التَّرْجَمَة يُمكن أَن تُؤْخَذ من قَوْله: (سنَن مَنْ
قَبلَكم) لِأَنَّهُ يَشْمَل بني إِسْرَائِيل وَغَيرهم.
وَسَعِيد بن أبي مَرْيَم هُوَ سعيد بن مُحَمَّد بن الحكم
بن أبي مَرْيَم الْمصْرِيّ، وَأَبُو غَسَّان، بِفَتْح
الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد السِّين الْمُهْملَة
وبالنون: واسْمه مُحَمَّد بن مطرف، مر فِي الصَّلَاة،
وَأَبُو سعيد سعد بن مَالك الْخُدْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي الِاعْتِصَام: عَن
مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز. وَأخرجه مُسلم فِي الْقدر عَن
سُوَيْد بن سعيد، وَهَذَا من الْأَحَادِيث المقطوعة فِي
مُسلم لِأَنَّهُ قَالَ فِي كتاب الْقدر: وحَدثني عدَّة من
أَصْحَابنَا عَن سعيد بن أبي مَرْيَم الَّذِي أخرجه
البُخَارِيّ عَنهُ، وَوَصله عَنهُ رَاوِي كِتَابه
إِبْرَاهِيم بن سُفْيَان، فَقَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن
يحيى حَدثنَا ابْن أبي مَرْيَم.
قَوْله: (لتتبعن) ، بِضَم الْعين وَتَشْديد النُّون.
قَوْله: (سنَن من قبلكُمْ) ، أَي: طَرِيق الَّذين كَانُوا
قبلكُمْ، وَالسّنَن بِفَتْح السِّين: السَّبِيل والمنهاج،
وَقَالَ الْكرْمَانِي: ويروى بِالضَّمِّ. قَوْله: (شبْرًا
بشبر) ، نصب بِنَزْع الْخَافِض تَقْدِيره: لتتبعن سنَن من
قبلكُمْ اتبَاعا بشبر ملتبس بشبر وذراع ملتبس بِذِرَاع،
وَهَذَا كِنَايَة عَن شدَّة الْمُوَافقَة لَهُم فِي
المخالفات والمعاصي، لَا فِي الْكفْر، وَكَذَلِكَ قَوْله:
(لَو سلكوا جُحر ضَب) ، بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْحَاء،
والضب: دويبة تشبه الورن تَأْكُله الْأَعْرَاب،
وَالْأُنْثَى ضبة، وَتقول الْعَرَب: هُوَ قَاضِي الطير
والبهائم، يَقُولُونَ: اجْتمعت إِلَيْهِ أول مَا خلق الله
الْإِنْسَان فوصفته لَهُ، فَقَالَ الضَّب: تَصِفِينَ خلقا
ينزل الطير من السَّمَاء وَيخرج الْحُوت من المَاء، فَمن
كَانَ لَهُ جنَاح فليطر، وَمن كَانَ ذَا
(16/43)
مخلب فليحتفر، وَوجه التَّخْصِيص: بجحر
الضَّب، لشدَّة ضيقه ورداءته، وَمَعَ ذَلِك فَإِنَّهُم
لاقتفائهم آثَارهم واتباعهم طرائقهم لَو دخلُوا فِي مثل
هَذَا الضّيق الرَّدِيء لوافقوهم. قَوْله: (الْيَهُود) ،
يَعْنِي: قَالُوا: يَا رَسُول الله! هم الْيَهُود
وَالنَّصَارَى. قَوْله: (قَالَ فَمن؟) أَي: قَالَ رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَمن غَيرهم، وَهَذَا
اسْتِفْهَام على وَجه الْإِنْكَار، أَي: لَيْسَ المُرَاد
غَيرهم.
7543 - حدَّثنا عِمْرَانُ بنُ مَيْسَرَةَ حدَّثنا عَبْدُ
الوَارِثِ حدَّثنا خَالِدٌ عنْ أبِي قِلاَبَةَ عنْ أنَسٍ
رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ ذَكَرُوا النَّارَ
والنَّاقُوسَ فذَكَرُوا اليَهُودَ والنَّصَارَى فَأمِرَ
بِلالٌ أنْ يَشْفَعَ الأذَانَ وأنْ يُوتِرَ الإقَامَةَ. .
ذكر هَذَا الحَدِيث هُنَا يُمكن أَن يكون لأجل ذكر
الْيَهُود فِيهِ، وهم من بني إِسْرَائِيل، وَقد مضى هَذَا
الحَدِيث فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب بَدْء الْأَذَان
بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن عَن عمرَان بن ميسرَة،
وَكَذَلِكَ مضى مُخْتَصرا من غير هَذَا الطَّرِيق عَن أنس
فِي: بَاب الآذان مثنى مثنى، وَبَاب الْإِقَامَة وَاحِدَة،
و: عبد الْوَارِث الثَّقَفِيّ، وخَالِد هُوَ ابْن مهْرَان
الْحذاء، وَأَبُو قلَابَة، بِكَسْر الْقَاف عبد الله بن
زيد.
8543 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ حدَّثنا سُفْيَانُ
عنِ الأعْمَشِ عنْ أبِي الضُّحَى عنْ مَسْرُوقٍ عنْ
عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أنَّها كانَتْ
تَكْرَهُ أنْ يَجْعَلَ يَدَهُ فِي خاصِرَتهِ وتَقُولُ إنَّ
اليَهُودَ تَفْعَلُهُ.
وَجه ذكر هَذَا هُنَا هُوَ الْوَجْه الْمَذْكُور فِي
الحَدِيث السَّابِق، وسُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَالْأَعْمَش
بن سُلَيْمَان وَأَبُو الضُّحَى، بِضَم الضَّاد
الْمُعْجَمَة مَقْصُور: هُوَ مُسلم بن صبيح.
قَوْله: (أَن يَجْعَل) ، أَي: الْمُصَلِّي، وَهَذَا مُطلق
وَلكنه مُقَيّد بِحَال الصَّلَاة، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ
مَا رَوَاهُ أَبُو نعيم من طَرِيق أَحْمد بن الْفُرَات عَن
مُحَمَّد بن يُوسُف شيخ البُخَارِيّ فِيهِ بِلَفْظ:
أَنَّهَا كرهت الِاخْتِصَار فِي الصَّلَاة، وَقَالَت:
إِنَّمَا يفعل ذَلِك الْيَهُود، وَفِي رِوَايَة
الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق يزِيد بن هَارُون عَن
سُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ بِهَذَا الْإِسْنَاد، يَعْنِي:
وضع الْيَد على الخاصرة، وَهُوَ فِي الصَّلَاة، والخاصرة
الشاكلة، وَيُقَال هُوَ: فعل الْجَبَابِرَة، وَيُقَال:
هُوَ استراحة أهل النَّار، وَيُقَال هُوَ فعل من دهته
مُصِيبَة، وَيُقَال: لما طرد الشَّيْطَان نزل إِلَى
الأَرْض مُخْتَصرا.
تابَعَهُ شُعْبَةُ عنِ الأعْمَشِ
أَي: تَابع سُفْيَان شُعْبَة فِي رِوَايَة هَذَا الحَدِيث
عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش، وَوصل هَذِه الْمُتَابَعَة
ابْن أبي شيبَة من طَرِيقه.
9543 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدَّثنا لَ يْثٌ
عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما
عنْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إنَّما
أجَلُكُمْ فِي أجَلِ مَنْ خَلاَ مِنَ الأممِ مَا بَيْنَ
صَلاَةِ العَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ وإنَّما
مَثَلُكُمْ ومَثَلُ اليَهُودِ والنَّصَارَى كرَجُلٍ
اسْتَعْمَلَ عُمَّالاً فَقَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي إِلَى
نِصْفِ النَّهَارِ علَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ فَعَمِلَتِ
اليَهُودُ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ علَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ
ثُمَّ قَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ
إلَى صَلاَةٍ العَصْرِ علَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ فعَمِلَتِ
النَّصَارَى مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إلَى صَلاةِ العَصْرِ
علَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ ثُمَّ قالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ
صَلاَةِ العَصْرِ إلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ علَى
قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ قَالَ ألاَ فأنْتُمْ الَّذِينَ
تَعْمَلُونَ مِنْ صَلاَةِ العَصْرِ إلَى مَغْرِبِ
الشَّمْسِ علَى قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ ألاَ لَكُمْ
الأجْرُ مَرَّتَيْنِ فغَضِبَتِ اليَهُودُ والنَّصَارى
فقالُوا نَحْنُ أكْثَرُ عَمَلاً وأقَلُّ عَطَاءً قَالَ
الله هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ شَيْئَاً قالُوا
لاَ قَالَ فإنَّهُ فَضْلِي أُعْطِيهِ مَنْ شِئْتُ. .
وَجه الْمُطَابقَة مَا ذكر فِيمَا قبله، وَمثل هَذَا
الحَدِيث مضى فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب من أدْرك
رَكْعَة من الْعَصْر فَإِنَّهُ أخرجه
(16/44)
هُنَاكَ عَن عبد الْعَزِيز بن سعد عَن ابْن
شهَاب عَن مُسلم بن عبد الله عَن أَبِيه. قَوْله: (من خلا)
أَي: من مضى. قَوْله: (عمالاً) ، بِضَم الْعين: جمع عَامل.
0643 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا سُفْيانُ
عنْ عَمْرٍ وعنْ طَاوُوسٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ
سَمِعْتُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يَقُولُ قاتَلَ
الله فُلاناً ألَمْ يَعْلَمْ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَعَنَ الله اليَهُودَ حُرِّمَتْ
عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَجَمَلُوها فَبَاعُوهَا. (انْظُر
الحَدِيث 3222) .
وَجه الْمُطَابقَة فِي ذكر الْيَهُود. وَعلي بن عبد الله
هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة،
وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار. والْحَدِيث مضى فِي كتاب
الْبيُوع فِي: بَاب لَا يذاب شَحم الْميتَة، فَإِنَّهُ
أخرجه هُنَاكَ: عَن الْحميدِي عَن سُفْيَان ... إِلَى
آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله: (قَاتل
الله) ، أَي: لعن الله. قَوْله: (فجملوها) ، بِالْجِيم
أَي: أذابوها.
تابَعَهُ جابِرٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ عنِ النَّبِيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم
أَي: تَابع ابْن عَبَّاس جَابر بن عبد الله. وَوصل هَذِه
الْمُتَابَعَة البُخَارِيّ أَيْضا فِي أَوَاخِر الْبيُوع
فِي: بَاب بيع الْميتَة والأصنام. قَوْله: (وَأَبُو
هُرَيْرَة) ، أَي: وَتَابعه أَبُو هُرَيْرَة أَيْضا، وَوصل
هَذِه الْمُتَابَعَة البُخَارِيّ أَيْضا فِي: بَاب لَا
يذاب شَحم الْميتَة، فَإِنَّهُ أخرجه عَن عَبْدَانِ عَن
عبد الله بن يُونُس إِلَى آخِره.
1643 - حدَّثنا أبُو عاصِمِ الضَّحَّاكُ بنُ مَخْلَدٍ
أخبرَنا الأوْزَاعِيُّ حدَّثنا حَسَّانُ بنُ عَطِيَّةَ عنْ
أبِي كَبْشَةَ عنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍ وأنَّ
النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ بَلِّغُوا
عَنِّي ولَوْ آيَةً وحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ
ولاَ حَرَجَ ومنْ كَذَبَ علَيَّ مُتَعَمِّدَاً
فَلْيَتَبَوَّأ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّار.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَالْأَوْزَاعِيّ عبد
الرَّحْمَن بن عَمْرو، وَأَبُو كَبْشَة السَّلُولي اسْمه
هُوَ كنيته.
والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ أَيْضا فِي الْعلم عَن
مُحَمَّد بن يُوسُف وَعَن عبد الرَّحْمَن بن ثَابت.
وَقَوله: (وَلَو آيَة) ، أَي: عَلامَة ظَاهِرَة فَهُوَ
تتميم ومبالغة، أَي: وَلَو كَانَ الْمبلغ فعلا أَو
إِشَارَة وَنَحْوهَا، قَالَ القَاضِي الْبَيْضَاوِيّ:
إِنَّمَا قَالَ: آيَة، أَي: من الْقُرْآن، وَلم يقل:
حَدِيثا، فَإِن الْآيَات مَعَ تكفل الله بحفظها وَاجِبَة
التَّبْلِيغ، فتبليغ الحَدِيث يفهم مِنْهُ بِالطَّرِيقِ
الأولى، وَقيل: إِنَّمَا قَالَ: آيَة، ليسارع كل سامع
إِلَى تَبْلِيغ مَا وَقع لَهُ من الْآي، وَلَو قل ليشْمل
بذلك نقل جَمِيع مَا جَاءَ بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (وَحَدثُوا عَن بني إِسْرَائِيل) يَعْنِي: مِمَّا
وَقع لَهُم من الْأُمُور العجيبة والغريبة، وَقيل:
المُرَاد ببني إِسْرَائِيل أَوْلَاد إِسْرَائِيل نَفسه،
وهم أَوْلَاد يَعْقُوب، وَالْمرَاد: حدثوا عَنْهُم بقصتهم
مَعَ أخيهم يُوسُف، وَهَذَا بعيد وَفِيه تضييق. وَقَالَ
مَالك: المُرَاد جَوَاز التحديث عَنْهُم بِمَا كَانَ من
أمرٍ حسن، وَأما مَا علم كذبه فَلَا. وَقيل: الْمَعْنى
حدثوا عَنْهُم مثل مَا ورد فِي الْقُرْآن والْحَدِيث
الصَّحِيح، وَقيل: المُرَاد جَوَاز التحدث عَنْهُم بِأَيّ
صُورَة وَقعت من انْقِطَاع أَو بَلَاغ لتعذر الإتصال فِي
التحديث عَنْهُم، بِخِلَاف الْأَحْكَام الإسلامية، فَإِن
الأَصْل فِي التحديث بهَا الِاتِّصَال وَلَا يتَعَذَّر
ذَلِك لقرب الْعَهْد. قَوْله: (وَلَا حرج) أَي: وَلَا ضيق
عَلَيْكُم فِي الحَدِيث عَنْهُم، وَإِنَّمَا قَالَ: وَلَا
حرج، لِأَنَّهُ كَانَ قد تقدم مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم الزّجر عَن الْأَخْذ عَنْهُم وَالنَّظَر فِي كتبهمْ،
ثمَّ حصل التَّوَسُّع فِي ذَلِك، وَكَانَ النَّهْي قبل
اسْتِقْرَار الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة وَالْقَوَاعِد
الدِّينِيَّة خشيَة الْفِتْنَة، ثمَّ لما زَالَ
الْمَحْذُور وَقع الْإِذْن فِي ذَلِك لما فِي ذَلِك من
الِاعْتِبَار عِنْد سَماع الْأَخْبَار الَّتِي وَقعت فِي
زمانهم. وَقيل: لَا حرج أَي: لَا تضيق صدوركم بِمَا
سمعتموه عَنْهُم من الْأَعَاجِيب فَإِن ذَلِك وَقع لَهُم
كثيرا. وَقيل: لَا حرج فِي أَن لَا تحدثُوا عَنْهُم، لِأَن
قَوْله أَولا: حدثوا، صِيغَة أَمر يَقْتَضِي الْوُجُوب،
فَأَشَارَ إِلَى عدم الْوُجُوب، وَإِن الْأَمر فِيهِ
للْإِبَاحَة، بقوله: وَلَا حرج، أَي: فِي ترك التحديث
عَنْهُم. وَقيل: المُرَاد رفع الْحَرج عَن حاكي ذَلِك لما
فِي أخبارهم من الْأَلْفَاظ المستبشعة، نَحْو قَوْلهم:
{إذهب أَنْت وَرَبك فَقَاتلا} (الْمَائِدَة: 42) .
وَقَوْلهمْ: {إجعل لنا إل هَا} (الْأَعْرَاف: 831) .
قَوْله: صِيغَة أَمر يَقْتَضِي الْوُجُوب، لَيْسَ ذَلِك
على إِطْلَاقه، وَإِنَّمَا الْأَمر إِنَّمَا يَقْتَضِي
الْوُجُوب بصيغته إِذا تجرد عَن الْقَرَائِن، وَهنا
قَوْله: وَلَا حرج، قرينَة على أَنه
(16/45)
لَيْسَ بِوَاجِب وَلَا هُوَ للنَّدْب،
وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْأَمر للْإِبَاحَة إِذْ لَا وجوب
وَلَا ندب فِيهِ بِالْإِجْمَاع. قَوْله: (وَمن كذب عَليّ)
إِلَى آخِره، قد مر نَحوه فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب إِثْم
من كذب على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِن
البُخَارِيّ روى فِي هَذَا الْبَاب عَن خَمْسَة من
الصَّحَابَة، وهم: عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، وَالزُّبَيْر بن الْعَوام، وَأنس بن
مَالك، وَسَلَمَة بن الْأَكْوَع، وَأَبُو هُرَيْرَة. وروى
أَيْضا فِي الْجَنَائِز فِي: بَاب مَا يكره من النِّيَاحَة
عَن الْمُغيرَة، وروى أَيْضا هَهُنَا عَن عبد الله بن
عَمْرو، وَقد تكلمنا هُنَاكَ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة.
قَوْله: (فَليَتَبَوَّأ) بِكَسْر اللَّام هُوَ الأَصْل
وبالسكون هُوَ الْمَشْهُور وَهُوَ أَمر من التبوء، وَهُوَ
اتِّخَاذ المباءة، أَي: الْمنزل. وَقَالَ الْجَوْهَرِي:
تبوأت منزلا أَي: نزلته.
2643 - حدَّثنا عبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله قَالَ
حدَّثني إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عنْ صالِحٍ عنِ ابنِ
شِهابٍ قَالَ قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمان
إنَّ أبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ إنَّ
رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إنَّ اليَهُودَ
والنَّصارَى لَا يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ. (الحَدِيث
2643 طرفه فِي: 9985) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (الْيَهُود) . وَصَالح
هُوَ ابْن كيسَان. والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي
الزِّينَة عَن عبيد الله بن سعد بن إِبْرَاهِيم.
قَوْله: (لَا يصبغون) ، أَي: شيب الشّعْر، وَهُوَ مَنْدُوب
إِلَيْهِ لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر
بمخالفتهم. فَإِن قلت: ورد النَّهْي عَن إِزَالَة الشيب؟
قلت: لَا تعَارض بَينهمَا هُنَا لِأَن الصَّبْغ لَا
يَقْتَضِي الْإِزَالَة. وَقيل: المُرَاد بالإزالة النتف،
وَسُئِلَ مَالك عَن النتف؟ فَقَالَ: مَا أعلمهُ حَرَامًا
وَتَركه أحب إِلَيّ، وَالْإِذْن فِيهِ مُقَيّد بِغَيْر
السوَاد، لما روى مُسلم من حَدِيث جَابر أَنه صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: غيروه وجنبوه السوَاد. وروى أَبُو
دَاوُد من حَدِيث ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: (يكون قوم فِي
آخر الزَّمَان يخضبون كحواصل الْحمام لَا يَجدونَ ريح
الْجنَّة) . وَرَوَاهُ الْحَاكِم أَيْضا وَصَححهُ.
والْحَدِيث صَحِيح، وَلَكِن الْكَلَام فِي رَفعه وَوَقفه
وعَلى تَقْدِيره تَرْجِيح وَقفه، فَمثله لَا يدْرك
بِالرَّأْيِ، فَحكمه الرّفْع وَلِهَذَا اخْتَار
النَّوَوِيّ أَن الصَّبْغ بِالسَّوَادِ يكره كَرَاهَة
تَحْرِيم. وَعَن الْحَلِيمِيّ: أَن الْكَرَاهَة خَاصَّة
بِالرِّجَالِ دون النِّسَاء، فَيجوز ذَلِك للْمَرْأَة لأجل
زَوجهَا. وَقَالَ مَالك: الْحِنَّاء والكتم وَاسع والصبغ
بِغَيْر السوَاد أحب إِلَيّ، وَيسْتَثْنى من ذَلِك
الْمُجَاهِد اتِّفَاقًا.
وَقد اخْتلف: هَل كَانَ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يصْبغ؟
فَقَالَ ابْن عمر فِي الْمُوَطَّأ: أما الصُّفْرَة
فَرَأَيْت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصْبغ
بهَا، وَأَنا أحب أَن أصبغ، وَقيل: كَانَ يصفر لحيته،
وَقيل: أَرَادَ بالصفرة فِي حَدِيث ابْن عمر صفرَة
الثِّيَاب، وَقيل: صبغ مرّة، وَقَالَ مَالك: لم يصْبغ، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَا عَليّ وَلَا أبي بن كَعْب
وَلَا ابْن الْمسيب، وَلَا السَّائِب بن يزِيد، وَلَا ابْن
شهَاب. قَالَ: وَالدَّلِيل على أَنه صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لم يصْبغ أَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ أَبُو بكر،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يصْبغ، فَلَو كَانَ صبغ لبدأت
بِهِ. وَقَالَ مَالك: والصبغ بِالسَّوَادِ مَا سَمِعت
فِيهِ شَيْئا، وَغَيره من الصَّبْغ أحب إِلَيّ، والصبغ
بِالْحِنَّاءِ والكتم وَاسع.
3643 - حدَّثني مُحَمَّدٌ قَالَ حدَّثني حَجَّاجٌ حدَّثنا
جَرِيرٌ عنِ الحَسَنِ حدَّثنا جُنْدُبُ بنُ عَبْدِ الله
فِي هاذَا المَسْجِدِ وَمَا نَسِينَا مُنْذُ حَدثنَا وَمَا
نَخْشَى أنْ يَكُونَ جُنْدُبٌ كَذَبَ علَى رَسُولِ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ قَالَ رسُولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم كانَ فِيمَنْ كانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ
جُرْجٌ فجَزِعَ فأخَذَ سِكِّينَاً فَحَزَّ بِها يَدَهُ
فَما رَقأ الدَّمُ حتَّى ماتَ قَالَ الله تَعَالَى
بادرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ حَرَّمْتُ علَيْهِ الجَنَّةَ.
(انْظُر الحَدِيث 4631) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (كَانَ فِيمَن
كَانَ قبلكُمْ) ، لِأَنَّهُ أَعم من أَن يكون من بني
إِسْرَائِيل أَو من غَيرهم، وَمُحَمّد شيخ البُخَارِيّ،
قَالَ ابْن السكن: هُوَ مُحَمَّد بن معمر بن ربعي
الْقَيْسِي الْبَصْرِيّ، وَعَلِيهِ الْأَكْثَر كَذَا نَقله
عَن الْفربرِي، وَقَالَ أَبُو عبد الله الْحَاكِم: هُوَ
مُحَمَّد بن يحيى الذهلي، وحجاج هُوَ ابْن منهال، وَجَرِير
هُوَ ابْن حَازِم، وَالْحسن هُوَ الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الْجَنَائِز فِي: بَاب مَا جَاءَ فِي
قَاتل نَفسه، بأتم مِنْهُ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (فِي هَذَا الْمَسْجِد) أَرَادَ بِهِ: مَسْجِد
الْبَصْرَة. قَوْله: (مُنْذُ حَدثنَا)
(16/46)
بِفَتْح الدَّال، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى
تحَققه لما حدث بِهِ. قَوْله: (وَمَا نخشى أَن يكون
جُنْدُب كذب) ، فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَن الصَّحَابَة
عدُول، وَأَن الْكَذِب مَأْمُون من قبلهم، وَلَا سِيمَا
على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (بِهِ جرح)
، بِضَم الْجِيم وَسُكُون الرَّاء، وَتقدم فِي الْجَنَائِز
بِلَفْظ: بِهِ جراح، وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم: أَن رجلا
خرجت بِهِ قرحَة، بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الرَّاء،
وَهِي: حَبَّة تخرج فِي الْبدن، وَكَأَنَّهُ كَانَ بِهِ
جرح ثمَّ صَار قرحَة، أَو كَانَ كِلَاهُمَا، قَوْله:
(فجزع) ، أَي: لم يصبر على الْأَلَم. قَوْله: (فحز) ،
بِالْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الزَّاي، أَي: قطع.
قَوْله: (فَمَا رقأ) ، بِالْقَافِ والهمز، أَي: لم
يَنْقَطِع الدَّم، يُقَال: رقأ أَي: سكن وَانْقطع. قَوْله:
(بادرني عَبدِي بِنَفسِهِ) كِنَايَة عَن استعجاله
الْمَوْت. قَوْله: (حرمت عَلَيْهِ الْجنَّة) ، تَغْلِيظ،
أَو كَانَ اسْتحلَّ فَكفر، أَو المُرَاد جنَّة مُعينَة
كالفردوس مثلا، أَو الْمَعْنى: حرمت عَلَيْهِ الْجنَّة إِن
شِئْت اسْتِمْرَار ذَلِك.
15 - (حدِيثُ أبْرَصَ وأقْرَعَ وأعْمَى فِي بَنِي
إسْرَائِيلَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حَدِيث أبرص وأقرع، وَهُوَ
الَّذِي ذهب شعر رَأسه من آفَة. قَوْله: (فِي بني
إِسْرَائِيل) ، أَي: الكائنين فِي بني إِسْرَائِيل، وَفِي
بعض النّسخ: بَاب حَدِيث أبرص ... إِلَى آخِره.
4643 - حدَّثني أحْمَدُ بنُ إسْحَاقَ حدَّثنا عَمْرُو بنُ
عاصِمٍ حدَّثنا هَمَّامٌ حدَّثنا إسْحَاقُ بنُ عَبْدِ الله
قَالَ حدَّثني عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ أبِي عَمْرَةَ أنَّ
أبَا هُرَيْرَةَ حدَّثَهُ أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وحدَّثنِي مُحَمَّدٌ حدَّثنا عَبْدُ
الله بنُ رَجاءٍ أخبرَنَا هَمَّامٌ عنْ إسْحَاقَ بنِ
عَبْدِ الله قَالَ أخبرَني عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ أبِي
عَمْرَةَ أنَّ أبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ
حدَّثَهُ أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَقُولُ إنَّ ثَلاثَةً فِي بَنِي إسْرَائِيلَ
أبْرَصَ وأقْرَعَ وأعْمَى بدَا لله أنْ يَبْتَلِيَهُمْ
فبَعَثَ إلَيْهِمْ مَلَكَاً فأتَى الأبْرَص فَقَالَ أيُّ
شَيءٍ أحَبُّ إلَيْكَ قَالَ لَوْنٌ حَسَنٌ وَجلد حسن قَدْ
قَذِرَنِي النَّاسُ قَالَ فَمَسَحَهُ فذَهَبَ عَنْهُ
فأعْطِيَ لَوْناً حَسَناً وجِلْدَاً حَسَنَاً فَقَالَ أيُّ
المَالِ أحَبُّ إلَيْكَ قَالَ الإبِلُ أوْ قالَ البَقَرُ
هُوَ شَكَّ فِي ذَلِكَ أنَّ الأبْرَصَ والأقْرَعَ قَالَ
أحَدُهُمَا الإبِلُ وَقَالَ الآخَرُ البَقَرُ فأعْطَى
ناقَةً عُشَرَاءَ فَقَالَ يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا وأتَى
الأقْرَعَ فَقَالَ أيَّ شَيءٍ أحَبُّ إلَيْكَ قَالَ شَعْرٌ
حَسَنٌ ويَذْهَبُ عَنِّي هذَا قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ
قَالَ فَمَسَحَهُ فذَهَبَ وأُعْطِيَ شَعَرَاً حسَنَاً
قَالَ فأيُّ المَالِ أحَبُّ إلَيْكَ قَالَ البَقَرُ قالَ
فأعْطَاهُ بَقَرَةً حامِلاً وَقَالَ يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا
وأتَى الأَعْمَى فَقَالَ أيُّ شَيْءٍ أحَبُّ إلَيُكَ قَالَ
يَرُدُّ الله إلَيَّ بَصَرِي فأُبْصِرُ بِهِ النَّاسَ
فمَسَحَهُ فرَدَّ الله إلَيْهِ بَصَرَهُ قَالَ فأيُّ
المالِ أحَبُّ إلَيْكَ قَالَ قَالَ الغَنَمْ فأعْطَاهُ
شَاة والِداً فانْتِجَ هاذَانِ وولَّدَ هَذا فَكانَ
لِهَذَا وادٍ مِنْ إبِلٍ ولِهَذَا وَادٍ مِنْ بَقَرٍ
ولِهَذَا وادٍ مِنَ الغَنَمِ ثُمَّ إنَّهُ أتَى الأبْرَصَ
فِي صُورَتِهِ وهَيْئَتِهِ فقالَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ
تَقَطَّعَتْ بِيَ الحِبَالُ فِي سَفَرِي فَلا بَلاغَ
اليَوْمَ إلاَّ بِاللَّه ثُمَّ بِكَ أسْألُكَ بالَّذِي
أعْطَاكَ اللَّوْنَ الحَسَنَ والجِلْدَ الحَسَنَ والمَالَ
بَعِيراً أتَبَلَّغُ علَيْهِ فِي سَفَرِي فقَالَ لَهُ إنَّ
الحُقوقَ كَثِيرَةٌ فَقَالَ لَهُ كأنِّي أعْرِفُكَ ألَمْ
تَكُنْ أبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ فَقِيرَاً فأعْطَاكَ
الله فَقَالَ لَقَدْ ورِثْتُ كابِرَاً عنْ كابِرٍ فَقَالَ
إنَّ كُنْتَ كاذِبَاً فَصَيَّرَكَ الله إِلَى مَا كُنْت
وأتى الأقْرَعَ فِي صُورَتِهِ وهَيْئَتِهِ فَقَالَ لَهُ
مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذَا فَردَّ علَيْهِ مِثْلَ
(16/47)
مَا رَدَّ عَلَيْهِ هَذَا فقالَ إنْ كُنْتَ
كاذِبَاً فَصَيَّرَكَ الله إِلَى مَا كُنْتَ وأتَى
الأعْمَى فِي صُورَتِهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ وابنُ
سَبِيلٍ وتقَطَّعَتْ بِيَ الحِبَالُ فِي سَفَرِي فَلَا
بلاَغَ اليَوْمَ إلاَّ بِاللَّه ثُمَّ بِكَ أسْألُكَ
بالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ شَاة أتَبَلَّغُ بِهَا
فِي سَفَرِي فقالَ قَدْ كُنْتُ أعْمَى فرَدَّ الله بَصَرِي
وفَقِيرَاً فَقَدْ أغْنَانِي فَخُذْ مَا شِئْتَ فَوَالله
لاَ أجْهَدُكَ اليَوْمَ بِشَيْءٍ أخَذْتَهُ لله فقالَ
أمْسِكْ مالَكَ فإنَّمَا ابْتُلِيتُمْ فَقَدْ رَضِي الله
تَعَالَى عنكَ وسَخِطَ علَى صَاحِبَيْكَ. (الحَدِيث 4643
طرفه فِي: 3566) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من لفظ الحَدِيث. وَأخرجه من
طَرِيقين.
ورجالهما ثَمَانِيَة الأول: أَحْمد بن إِسْحَاق بن الْحصين
أَبُو إِسْحَاق السّلمِيّ السرماري، بِضَم السِّين
الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء الْمَفْتُوحَة، وَقيل
بسكونها نِسْبَة إِلَى: سرمارة، قَرْيَة من قرى بُخَارى،
وَهُوَ من أَقْرَان البُخَارِيّ وأفراده، مَاتَ يَوْم
الْإِثْنَيْنِ لست ليالٍ بَقينَ من شهر ربيع الآخر سنة
اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ، الثَّانِي:
عَمْرو، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة: ابْن عَاصِم بن عبيد
الله الْقَيْسِي الْكلابِي الْبَصْرِيّ. الثَّالِث: همام
بن يحيى العوذي الْأَزْدِيّ الْبَصْرِيّ. الرَّابِع:
إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة، واسْمه: زيد بن سهل
الْأنْصَارِيّ ابْن أخي أنس بن مَالك، مَاتَ سنة أَربع
وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ عَن
عبد الرَّحْمَن بن أبي عمْرَة سوى هَذَا الحَدِيث وَآخر
فِي التَّوْحِيد. الْخَامِس: عبد الرَّحْمَن بن أبي
عمْرَة، واسْمه: عَمْرو بن مُحصن الْأنْصَارِيّ النجاري،
قَاضِي أهل الْمَدِينَة. السَّادِس: أَبُو هُرَيْرَة،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. السَّابِع: فِي السَّنَد
الثَّانِي: مُحَمَّد، كَذَا مُجَردا، قَالَ الجياني:
لَعَلَّه مُحَمَّد بن يحيى الذهلي، وَيُقَال: إِنَّه
البُخَارِيّ نَفسه، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَنه روى عَن عبد
الله بن رَجَاء وَهُوَ أحد مشايخه، روى عَنهُ فِي اللّقطَة
وَغَيرهَا بِلَا وَاسِطَة. الثَّامِن: عبد الله بن رَجَاء
بن الْمثنى الْبَصْرِيّ أَبُو عمر، وَمَات سنة تسع عشرَة
وَمِائَتَيْنِ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَيْمَان
وَالنُّذُور وَقَالَ: عَن عَمْرو بن عَاصِم، وَأخرجه مُسلم
فِي آخر الْكتاب عَن شَيبَان بن فروخ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (بدا لله) بتَخْفِيف الدَّال
الْمُهْملَة بِغَيْر همزَة، كَذَا ضَبطه بَعضهم، ثمَّ
قَالَ: أَي سبق فِي علم الله فَأَرَادَ إِظْهَاره،
وَلَيْسَ المُرَاد أَنه ظهر لَهُ بعد أَن كَانَ خافياً،
لِأَن ذَلِك محَال فِي حق الله تَعَالَى، وَقَالَ
الْكرْمَانِي: وَقد روى بَعضهم: بدا الله، وَهُوَ غلط،
وَقَالَ صَاحب (الْمطَالع) : ضبطناه على متقني شُيُوخنَا
بِالْهَمْزَةِ، أَي: ابْتَدَأَ الله أَن يبتليهم، قَالَ:
وَرَوَاهُ كثير من الشُّيُوخ بِغَيْر همز وَهُوَ خطأ،
وَقَالَ الْخطابِيّ: مَعْنَاهُ: قضى الله أَن يبتليهم،
لِأَن الْقَضَاء سَابق، وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن شَيبَان
بن فروخ عَن همام بِهَذَا الْإِسْنَاد بِلَفْظ: أَرَادَ
الله أَن يبتليهم، أَي: يختبرهم. ويروى: يبليهم بِإِسْقَاط
التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق. قَوْله: (قد قذرني النَّاس)
بِكَسْر الذَّال الْمُعْجَمَة أَي: كرهني النَّاس، ويروى:
قذروني النَّاس من بَاب: أكلوني البراغيث، كَذَا قَالَه
الْكرْمَانِي. قَوْله: (فمسحه) أَي: مسح على جِسْمه.
قَوْله: (فَأعْطِي) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله:
(فَقَالَ واي المَال؟) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: أَي
المَال؟ بِلَا وَاو. قَوْله: (أَو قَالَ الْبَقر) شكّ فِي
ذَلِك، وَصرح فِي رِوَايَة مُسلم أَن الَّذِي شكّ هُوَ
إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة رَاوِي الحَدِيث.
قَوْله: (فَأعْطى نَاقَة) أَي: الَّذِي تمنى الْإِبِل أعطي
نَاقَة عشراء بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الشين
الْمُعْجَمَة ممدوداً، وَهِي: الْحَامِل الَّتِي أَتَى
عَلَيْهَا فِي حملهَا عشرَة أشهر من يَوْم طرقها الْفَحْل،
وَقيل: يُقَال لَهَا ذَلِك إِلَى أَن تَلد، وَبَعْدَمَا
تضع وَهِي من أنفس المَال. قَوْله: (يُبَارك لَك فِيهَا) ،
كَذَا وَقع بِضَم الْيَاء وَفِي رِوَايَة شَيبَان: بَارك
الله، بِلَفْظ الْفِعْل الْمَاضِي وَإِظْهَار الْفَاعِل،
قَوْله: (فمسحة) أَي: فَمسح على عَيْنَيْهِ. قَوْله: (شَاة
وَالِد) ، أَي: ذَات ولد، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: شَاة
وَالِد، أَي: حَامِل، وَالشَّاة تذكر وتؤنث، وَفُلَان كثير
الشَّاة وَهُوَ فِي معنى الْجمع. قَوْله: (فأنتج هَذَانِ)
أَي: صَاحب الْإِبِل وَالْبَقر، كَذَا وَقع، أنتج، وَهِي
لُغَة قَليلَة، والفصيح عِنْد أهل اللُّغَة: نتجت
النَّاقة، بِضَم النُّون، ونتج الرجل النَّاقة، أَي: حمل
عَلَيْهَا الْفَحْل، وَقد سمع: أنتجت الْفرس، أَي ولدت
فَهِيَ نتوج، وَلَا يُقَال: منتج. قَوْله: (وَولد هَذَا) ،
بتَشْديد اللَّام الْمَفْتُوحَة أَي: صَاحب الشَّاة، وراعي
عرف الِاسْتِعْمَال حَيْثُ قَالَ فِي الْإِبِل وَالْبَقر:
أنتج، وَفِي الْغنم: ولد. قَوْله: (من الْغنم) ، ويروى: من
غنم. قَوْله: (فِي صورته) أَي: فِي الصُّورَة
(16/48)
الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا لما اجْتمع بِهِ
وَهُوَ أبرص، قَوْله: (رجل مِسْكين) زَاد شَيبَان: وَابْن
سَبِيل، قَالَ ابْن التِّين: قَوْله: الْملك لَهُ رجل
مِسْكين ... إِلَى آخِره، أَرَادَ: أَنَّك كنت هَكَذَا،
وَهُوَ من المعاريض، وَالْمرَاد بِهِ ضرب الْمثل ليتيقظ
الْمُخَاطب. قَوْله: (الحبال) بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة
وَبعدهَا بَاء مُوَحدَة مُخَفّفَة: جمع حَبل، أَرَادَ بِهِ
الْأَسْبَاب الَّتِي يقطعهَا فِي طلب الرزق وَقيل:
العقبات، قَالَ الْكرْمَانِي: ويروى بِالْجِيم، وَقيل:
هُوَ تَصْحِيف وَفِي (التَّوْضِيح) : ويروى الْحِيَل جمع
حِيلَة، يَعْنِي: لم يبْق لي حِيلَة. قَوْله: (أتبلغ
عَلَيْهِ) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: أتبلغ بِهِ، وَهُوَ
بالغين الْمُعْجَمَة من: الْبلْغَة، وَهِي الْكِفَايَة،
وَالْمعْنَى: أتوصل بِهِ إِلَى مرادي، يُقَال: تبلغ
بِكَذَا، أَي: اكْتفى بِهِ. قَوْله: (يقذرك النَّاس)
بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة لِأَنَّهُ من بَاب علم يعلم.
قَوْله: (فَقِيرا) ، نصب على الْحَال. قَوْله: (كَابِرًا
عَن كَابر) ، هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة
غَيره: لكابر عَن كَابر، وَفِي رِوَايَة شَيبَان: إِنَّمَا
ورثت هَذَا المَال كَابِرًا عَن كَابر، قَالَ بَعضهم: أَي:
كَبِيرا عَن كَبِير فِي الْعِزّ والشرف. قلت: أَخذه من
كَلَام الْكرْمَانِي، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا
الْمَعْنى: ورثت هَذَا المَال عَن آبَائِي وأجدادي حَال
كَون كل وَاحِد مِنْهُم كَابِرًا عَن كَابر، أَي: كَبِيرا
ورث عَن كَبِير. قَوْله: (فصيرك الله) ، وَإِنَّمَا أوردهُ
بِلَفْظ الْفِعْل الْمَاضِي لإِرَادَة الْمُبَالغَة فِي
الدُّعَاء عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا أدخلت الْفَاء فِيهِ
لِأَنَّهُ دُعَاء. قَوْله: (فوَاللَّه لَا أجهدك الْيَوْم)
بِالْجِيم وَالْهَاء، كَذَا فِي رِوَايَة كَرِيمَة،
وَأكْثر رِوَايَات مُسلم أَي: لَا أشق عَلَيْك فِي رد
شَيْء تطلبه مني أَو تَأْخُذهُ. وَقَالَ عِيَاض: رِوَايَة
البُخَارِيّ لم تخْتَلف، أَنه: لَا أحمدك، بِالْحَاء
الْمُهْملَة وَالْمِيم، يَعْنِي: لَا أحمدك على ترك شَيْء
تحْتَاج إِلَيْهِ من مَالِي. وَقَوله: رِوَايَة
البُخَارِيّ لم تخْتَلف، لَيْسَ كَذَلِك، فَإِن رِوَايَة
كَرِيمَة بِالْجِيم والحاء، كَمَا ذَكرْنَاهُ، وَقَالَ
عِيَاض: لم يَتَّضِح هَذَا الْمَعْنى لبَعض النَّاس،
فَقَالَ: لَعَلَّه: لَا أحدك، بِالْحَاء الْمُهْملَة
وَتَشْديد الدَّال بِغَيْر مِيم، أَي: لَا أمنعك. قَالَ:
وَهَذَا تكلّف، وَقَالَ الْكرْمَانِي مَا حَاصله: إِنَّه
يحْتَمل أَن يكون قَوْله: لَا أحمدك، بتَشْديد الْمِيم
أَي: لَا أطلب مِنْك الْحَمد، فَيكون من قَوْلهم: فلَان
يتحمد عَليّ، أَي: يمتن، وَيكون الْمَعْنى هُنَا: لَا أمتن
عَلَيْك، يُقَال: من أنْفق مَاله على نَفسه فَلَا يتحمد
بِهِ على النَّاس. قَوْله: (إِنَّمَا ابتليتم) أَي:
إِنَّمَا امتحنتم. قَوْله: (فقد رضى الله عَنْك) إِلَى
آخِره، ويروى: وَرَضي عَنْك، على بِنَاء الْمَجْهُول،
وَكَذَلِكَ سخط مثله وَكَانَ الْأَعْمَى خير الثَّلَاثَة.
قَالَ الْكرْمَانِي، رَحمَه الله: وَلَا شكّ أَن مزاجه
كَانَ أقرب إِلَى السَّلامَة من مزاجهما، لِأَن البرص لَا
يحصل إلاَّ من فَسَاد المزاج وخلل فِي الطبيعة، وَكَذَلِكَ
ذهَاب الشّعْر أَيْضا، بِخِلَاف الْعَمى فَإِنَّهُ لَا
يسْتَلْزم فَسَاده فقد يكون من أَمر خارجي.
25 - (بابٌ {أمْ حَسِبْتَ أنَّ أصْحَابَ الكَهْفِ
والرَّقِيمِ} (الْكَهْف: 9) .)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {أم حسبت ...
} إِلَى آخِره، وَلم يذكر فِي الْبَاب إلاَّ تَفْسِير بعض
مَا وَقع فِي قصَّة أَصْحَاب الْكَهْف، وَلَيْسَ فِي
رِوَايَة أبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي والكشميهني لفظ:
بَاب، وَلَيْسَ فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ لَا بَاب وَلَا
غَيره من التَّرْجَمَة، وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب، لِأَن
الْكتاب فِي الحَدِيث لَا فِي التَّفْسِير.
الكَهْفُ الفَتْحُ فِي الجَبَلِ
هُوَ قَول الضَّحَّاك أخرجه عَنهُ ابْن أبي حَاتِم،
وَاخْتلف فِي مَكَان الْكَهْف، فَقيل: بَين أَيْلَة
وفلسطين، وَقيل: بِالْقربِ من أَيْلَة، وَقيل: بِأَرْض
نِينَوَى، وَقيل: بالبلقاء، وَالْأَخْبَار الَّتِي تكاثرت
أَنه بِبِلَاد الرّوم، وَهُوَ الصَّحِيح، فَقيل: بِالْقربِ
من طرسوس، وَقيل: بِالْقربِ من إيلستين، وَكَانَ اسْم
مدينتهم إفسوس، وَاسم ملكهم: دقيانوس، وَقَالَ السُّهيْلي:
مدينتهم يُقَال إِنَّهَا على سِتَّة فراسخ من
الْقُسْطَنْطِينِيَّة، وَكَانَت قصتهم قبل غَلَبَة الرّوم
على يونان، وَأَنَّهُمْ سيحجون الْبَيْت إِذا نزل عِيسَى
ابْن مَرْيَم، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام. وَذكر
ابْن مرْدَوَيْه فِي (تَفْسِيره) : من حَدِيث حجاج بن
أَرْطَأَة عَن الحكم بن عتيبة عَن مقسم عَن ابْن عَبَّاس،
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، مَرْفُوعا: أَصْحَاب
الْكَهْف أعوان الْمهْدي، وَذكر مقَاتل فِي (تَفْسِيره)
اسْم الْكَهْف: مانجلوس.
والرَّقِيمُ الكِتابُ مَرْقُومٌ مَكْتُوبٌ مِنَ الرَّقْمِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِير الرقيم، فَالَّذِي فسره
مَنْقُول عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُمَا، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث
(16/49)
عَليّ بن أبي طَلْحَة عَنهُ. قَوْله: (من
الرقم) أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن اشتقاق الرقيم والمرقوم من
الرقم، وَهُوَ الْكِتَابَة، وَفِي الرقيم أَقْوَال أُخر.
فَعَن أبي عُبَيْدَة: الرقيم الْوَادي الَّذِي فِيهِ
الْكَهْف، وَعَن كَعْب الْأَحْبَار: اسْم الْقرْيَة،
رَوَاهُ الطَّبَرِيّ، وَعَن أنس: أَن الرقيم اسْم
الْكَلْب، رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم، وَكَذَا روى عَن سعيد
بن جُبَير، وَقيل: الرقيم اسْم الصَّخْرَة الَّتِي أطبقت
على الْوَادي الَّذِي فِيهِ الْكَهْف، وَقيل: هُوَ
الْغَار، وَعَن ابْن عَبَّاس: الرقيم لوح من رصاص كتبت
فِيهِ أَسمَاء أَصْحَاب الْكَهْف لما توجهوا عَن قَومهمْ
وَلم يدروا أَيْن توجهوا.
{رَبَطْنا علَى قُلُوبِهِم} (الْكَهْف: 41) .
ألهَمْنَاهُمْ صَبْرَاً
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وربطنا على
قُلُوبهم إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبنَا رب السَّمَوَات
وَالْأَرْض} (الْكَهْف: 41) . وَفسّر: ربطنا، بقوله:
ألهمناهم صبرا، وَهَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة.
شَطَطَاً إفْرَاطَاً
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {لن نَدْعُو
من دونه إل هَا لقد قُلْنَا إِذا شططاً} (الْكَهْف:) .
قَوْله: (شططا) ، مَنْصُوب على أَنه صفة مصدر مَحْذُوف
تَقْدِيره: لقد قُلْنَا إِذا قولا شططاً، أَي: ذَا شطط،
وَهُوَ الإفراط فِي الظُّلم والإبعاد، من شط إِذا بعد،
وَعَن أبي عُبَيْدَة: شططاً أَي جوراً وغلواً.
الوَصِيدُ الفِناءُ وجَمْعُهُ وصائِدُ ووُصْدٌ ويُقالُ
الوَصِيدُ البابُ مُؤْصَدَةٌ مُطْبَقَةٌ أصَدَ البابَ
وأوْصَدَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وكلبهم باسط
ذِرَاعَيْهِ بالوصيد} (الْكَهْف: 81) . وَفسّر الوصيد
بقوله: الفناء، بِكَسْر الْفَاء وَالْمدّ، وَهَكَذَا فسره
ابْن عَبَّاس، وَكَذَا رُوِيَ عَن سعيد بن جُبَير، وَقَالَ
الزَّمَخْشَرِيّ: الوصيد الفناء، وَقيل: العتبة، وَقيل:
الْبَاب. قَوْله: (وَجمعه) أَي: وَجمع الوصيد وصائد ووصد،
بِضَم الْوَاو وَسُكُون الصَّاد، وَيُقَال: الأصيد
كالوصيد، روى ابْن جرير عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء أَن
أهل الْيمن وتهامة يَقُولُونَ: الوصيد، وَأهل نجد
يَقُولُونَ: الأصيد. قَوْله: (مؤصدة) إِشَارَة إِلَى مَا
فِي قَوْله تَعَالَى: {نَار مؤصدة} (الْبَلَد: 02) .
وَفَسرهُ بقوله: مطبقة، وَهَذَا ذكره اسْتِطْرَادًا
لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي سُورَة الْكَهْف، وَلكنه لما كَانَ
الِاشْتِقَاق بَينهمَا من وادٍ واحدٍ ذكره هُنَا،
وَالَّذِي ذكره هُوَ الْمَنْقُول عَن أبي عُبَيْدَة.
قَوْله: (أصد الْبَاب) ، أَي: أغلقة، وَيُقَال فِيهِ: أوصد
أَيْضا بِمَعْنى يُقَال بالثلاثي وبالمزيد.
بَعَثْنَاهُمْ أحْيَيْنَاهُمْ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ
بعثناهم ليتساءلوا بَينهم} (الْكَهْف: 91) . الْآيَة،
وَفَسرهُ بقوله: أحييناهم، وَهَكَذَا فسره أَبُو
عُبَيْدَة.
أزْكَى أكْثَرُ رَيْعاً
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَلْينْظر
أَيهَا أزكى طَعَاما فليأتكم برزق مِنْهُ} (الْكَهْف: 91)
. وَفسّر أزكى بقوله: أَكثر ريعاً، قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ:
أَيهَا، أَي أَي: أَهلهَا، كَمَا فِي قَوْله: {واسأل
الْقرْيَة} (يُوسُف: 28) . أزكى طَعَاما أحل، وَأطيب، أَو
أَكثر وأرخص.
فَضَرَبَ الله عَلَى آذَانِهِمْ فَنامُوا
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فضربنا على
آذانهم فِي الْكَهْف سِنِين عددا} (الْكَهْف: 11) . وَفِي
الْحَقِيقَة أَخذ لَازم الْقُرْآن، وَفَسرهُ بلازمه: إِذْ
لَيْسَ الَّذِي ذكره لفظ الْقُرْآن وَلَا ذَلِك مَعْنَاهُ،
قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: أَي: ضربنا عَلَيْهَا حِجَابا من
أَن تسمع، يَعْنِي: أنمناهم إنامة ثَقيلَة لَا تنبههم
فِيهَا الْأَصْوَات.
{رِجْمَاً بالْغَيْبِ} (الْكَهْف: 22) . لَمْ يَسْتَبِنْ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {سيقولون
ثَلَاثَة رابعهم كلبهم وَيَقُولُونَ خَمْسَة سادسهم كلبهم
رجماً بِالْغَيْبِ} (الْكَهْف: 22) . وَفسّر الرَّجْم
بِالْغَيْبِ بقوله: لم يستبن، وَعَن قَتَادَة مَعْنَاهُ:
قذفا بِالظَّنِّ، رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَنهُ،
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الرَّجْم مَا لم تستيقنه من
الظَّن.
(16/50)
وَقَالَ مُجَاهِدٌ تَقْرِضُهُمْ
تَتْرُكُهُمْ
أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى:
(تقرضهم) ، فِي قَوْله تَعَالَى: {وَترى الشَّمْس إِذا
طلعت تزاور عَن كهفهم ذَات الْيَمين وَإِذا غربت تقرضهم
ذَات الشمَال ... } (الْكَهْف: 71) . الْآيَة، وَفسّر:
تقرضهم، بقوله: تتركهم، وأصل الْقَرْض الْقطع والتفرقة من
قَوْلك قرضته بالمقراض أَي: قطعته، وَالْمعْنَى هُنَا:
تعدل عَنْهُم وتتركهم، قَالَه الْأَخْفَش والزجاج، وَقيل:
تصيبهم يَسِيرا، مَأْخُوذ من قراضة الذَّهَب وَالْفِضَّة،
وَهُوَ مَأْخُوذ مِنْهَا بالمقراض أَي: تعطيهم الشَّمْس
الْيَسِير من شعاعها، وَقيل: مَعْنَاهُ تحاذيهم، وَهُوَ
قَول الْكسَائي وَالْفراء.
35 - (بَاب حَدِيثُ الغَارِ)
أَي: هَذَا بَيَان حَدِيث الْغَار الَّذِي آوى إِلَيْهِ
ثَلَاثَة نفر مِمَّن كَانُوا قبلنَا، قيل: وَجه
الْمُنَاسبَة فِي ذكر حَدِيث الْغَار عقيب حَدِيث أبرص
وأقرع وأعمى هُوَ أَنه ورد أَن الرقيم الْمَذْكُور فِي
قَوْله تَعَالَى: {أم حسبت أَن أَصْحَاب الْكَهْف والرقيم}
(الْكَهْف: 9) . هُوَ الْغَار الَّذِي آوى إِلَيْهِ
الثَّلَاثَة المذكورون، وَذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ
الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد حسن عَن
النُّعْمَان بن بشير أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يذكر الرقيم، قَالَ: إنطلق ثَلَاثَة فَكَانُوا فِي
كَهْف فَوَقع الْحَبل على بَاب الْكَهْف فأوصد عَلَيْهِم
... الحَدِيث. قلت: يحْتَمل أَنه ذكر هَذَا عقيب ذَاك
لِأَن هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة كَانُوا فِي زمن بني
إِسْرَائِيل، يدل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ عَن
عقبَة بن عَامر: أَن ثَلَاثَة نفر من بني إِسْرَائِيل،
الحَدِيث، ذكره فِي الدُّعَاء.
5643 - حدَّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ خَلِيلٍ أخْبرَنَا عليُّ
بنُ مُسْهِرٍ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عُمَرَ عنْ نَافِعٍ
عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُمَا أنَّ رَسُولَ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ بَيْنَمَا ثَلاثَةُ
نَفَرٍ مِمَّنْ كانَ قَبْلَكُمْ يَمْشُونَ إذْ أصَابَهُمْ
مَطَرٌ فأوَوْا إلَى غَارٍ فانْطَبَقَ علَيْهِمْ فَقَالَ
بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إنَّهُ وَالله يَا هاؤُلاءِ لاَ
يُنْجِيكُمْ إلاَّ الصِّدْقُ فَلْيَدْعُ كلُّ رَجُلٍ
مِنْكُمْ بِمَا يَعْلَمُ أنَّهُ قَدْ صَدَقَ فِيهِ فَقَالَ
واحِدٌ مِنْهُمْ أللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّهُ
كانَ لِي أجِيرٌ عمِلَ لِي عَلَى فَرَقٍ مِنْ أرُزٍّ
فذَهَبَ وتَرَكَهُ وأنِّي عَمَدْتُ إِلَى ذَلِكَ الفَرَقِ
فزَرَعْتُهُ فَصارَ مِنْ أمْرِهِ أنِّي اشْتَرَيْتُ مِنْهُ
بَقَرَاً وأنَّهُ أتَانِي يَطْلُبُ أجْرَهُ فقُلْتُ لَهُ
اعْمِدْ إلَى تِلْكَ البَقَرِ فسُقْهَا فَقالَ لِي إنَّمَا
لِي عِنْدَكَ فَرَقٌ مِنْ أَرُزٍّ فَقُلْتُ لَهُ اعْمِدْ
إلَى تِلْكَ البَقَرِ فإنَّهَا مِنْ ذَلِكَ الفَرَقِ
فَساقَها فإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ
خَشْيَتِكَ فَفَرِّجُ عَنَّا فانْسَاخَتْ عنهُمُ
الصَّخْرَةُ فقالَ الآخَرُ اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ
أنَّهُ كانَ لِي أبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ فَكُنْتُ
آتِيهِما كُلَّ لَيْلَةٍ بِلَبَنِ غَنَمٍ لِي فأبْطَأتُ
عَلَيْهِمَا فَجِئْتُ وقَدْ رَقَدَا وأهْلِي وعِيَالِي
يتَضَاغَوْنَ مِنَ الجُوعِ فَكُنْتُ لاَ أسْقِيهِمْ حتَّى
يَشْرَبَ أبَوَايَ فكَرِهْتُ أنْ أوقِظَهُمَا وكَرِهْتُ
أنْ أدَعَهُمَا فَيَسْتَكِنَّا لِشَرْبَتِهِمَا فلَمْ
أزَلْ أنْتَظِرُ حتَّى طَلَعَ الفَجْرُ فإنْ كُنْتَ
تَعْلَمُ أنِّي فعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ
عَنَّا فانْسَاخَتْ عَنْهُمْ الصَّخْرَةُ حتَّى نَظَرُوا
إلَى السَّماءِ فَقَالَ الآخَرُ اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ
تَعْلَمُ أنَّهُ كانَ لِي ابْنَةُ عَمٍّ مِنْ أحَبِّ
النَّاسِ إلَيَّ وإنِّي رَاوَدْتُهَا عنْ نَفْسِها فأبَتْ
إلاَّ أنْ آتِيَهَا بِمِائَةِ دِينارٍ فطَلَبْتُهَا حتَّى
قَدَرْتُ فأتَيْتُهَا بِهَا فَدَفَعْتُها إلَيْهَا
فأمْكَنَتْنِي مِنْ نَفْسِهَا فلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ
رِجْلَيْهَا فقالَتِ اتَّقِ الله ولاَ تَفُضَّ الخَاتَمَ
إلاَّ بِحَقِّهِ فَقُمْتُ وتَرَكْتُ المِائَةَ دِينارٍ
فإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ
خَشْيَتِكَ
(16/51)
فَفَرِّجْ عَنَّا ففَرَّجَ الله عَنْهُمْ
فخَرَجُوا. .
وَجه الْمُطَابقَة قد ذكر الْآن. وَإِسْمَاعِيل بن خَلِيل
أَبُو عبد الله الْخُزَاعِيّ الْكُوفِي، وَقد مضى هَذَا
الحَدِيث فِي الْإِجَارَة فِي: بَاب من اسْتَأْجر أَجِيرا
فَترك أجره، أخرجه عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن
الزُّهْرِيّ عَن سَالم بن عبد الله عَن عبد الله بن عمر،
وَمضى أَيْضا فِي الْبيُوع فِي: بَاب إِذا اشْترى شَيْئا
لغيره عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم عَن أبي عَاصِم عَن
ابْن جريج عَن مُوسَى بن عقبَة عَن نَافِع عَن ابْن عمر،
وَمضى أَيْضا فِي الْبيُوع فِي: بَاب إِذا زرع بِمَال قوم
عَن إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر عَن أبي ضَمرَة عَن مُوسَى
ابْن عقبَة عَن نَافِع عَن عبد الله بن عمر، وَلم يخرج
البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث إلاَّ من رِوَايَة ابْن عمر،
وَكَذَلِكَ مُسلم، وَفِي الْبَاب عَن أنس عِنْد
الطَّبَرَانِيّ وَعَن أبي هُرَيْرَة عِنْد ابْن حبَان،
وَعَن النُّعْمَان بن بشير عِنْد أَحْمد وَعَن عَليّ
وَعقبَة بن عَامر وَعبد الله ابْن عَمْرو ابْن الْعَاصِ
وَعبد الله بن أبي أوفى عِنْد الطَّبَرَانِيّ، وَقد ذكرنَا
فِي كل مَوضِع بِمَا فتح الله تَعَالَى، وَنَذْكُر هُنَا
بعض شَيْء وَمَا علينا إِن وَقع بعض تكْرَار، فَإِن
التكرير يُفِيد تكْرَار الْمسك عِنْد التضوع.
قَوْله: (مِمَّن كَانَ قبلكُمْ) ، يَعْنِي من بني
إِسْرَائِيل كَمَا فِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ الَّتِي
ذَكرنَاهَا آنِفا. قَوْله: (يَمْشُونَ) فِي مَحل الرّفْع
لِأَنَّهُ خبر مُبْتَدأ، وَهُوَ قَوْله: ثَلَاثَة نفر،
وأضيف: بَيْنَمَا إِلَى هَذِه الْجُمْلَة. وَقَوله: (إِذا
أَصَابَهُم) جَوَاب: بَيْنَمَا. قَوْله: (فآووا إِلَى
غَار) ، بقصر الْهمزَة، يُقَال: آوى بِنَفسِهِ مَقْصُور،
وآويته أَنا بِالْمدِّ، وَقيل: يجوز هُنَا الْقصر
وَالْمدّ، وَفِي رِوَايَة أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَأبي
يعلى وَالْبَزَّار: فَدَخَلُوا غاراً فَسقط عَلَيْهِم حجر
يتجافى حَتَّى مَا يرَوْنَ مِنْهُ، وَفِي رِوَايَة سَالم
بن عبد الله بن عمر عَن أَبِيه عِنْد البُخَارِيّ: حَتَّى
أواهم الْمبيت، بِنصب الْمبيت على المفعولية، ووجهوه بِأَن
دُخُول الْغَار من فعلهم فَحسن أَن ينْسب الإيواء
إِلَيْهِم، وَفِي رِوَايَة مُسلم من هَذَا الْوَجْه:
فآواهم المبيتُ بِرَفْع الْمبيت على الفاعلية. قَوْله:
(فانطبق عَلَيْهِم) ، أَي: بَاب الْغَار، وَمضى فِي
الْمُزَارعَة: فانحطت على فَم غارهم صَخْرَة من الْجَبَل
فَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِم، وَفِي رِوَايَة سَالم: فدخلوه
فانحدرت صَخْرَة من الْجَبَل فَسدتْ عَلَيْهِم الْغَار،
وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث النُّعْمَان بن
بشير: إِذْ وَقع الْحجر من الْجَبَل مِمَّا يهْبط من خشيَة
الله حَتَّى سد فَم الْغَار. قَوْله: (إِنَّه) أَي:
الشَّأْن. قَوْله: (فليدعُ كل رجل مِنْكُم) ، وَفِي
رِوَايَة مُوسَى بن عقبَة: أنظروا أعمالاً عملتموها
صَالِحَة لله، وَمثله فِي رِوَايَة مُسلم وَفِي الْبيُوع:
أدعوا الله بِأَفْضَل عمل عملتموه، وَفِي رِوَايَة سَالم:
أَنه لَا ينجيكم إلاَّ أَن تدعوا الله بِصَالح أَعمالكُم.
وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَأنس جَمِيعًا، فَقَالَ
بَعضهم: عفى الْأَثر وَوَقع الْحجر وَلَا يعلم بمكانكم
إلاَّ الله، أدعوا الله بأوثق أَعمالكُم. وَفِي حَدِيث
النُّعْمَان بن بشير إِنَّكُم لن تَجدوا شَيْئا خيرا لكم
من أَن يَدْعُو كل امرىء مِنْكُم بِخَير عمل عمله قطّ.
قَوْله: (فَقَالَ وَاحِد مِنْهُم) ، وَفِي رِوَايَة أبي
ذَر وَأبي الْوَقْت والنسفي: وَقَالَ: أللهم، بِدُونِ ذكر
لفظ: وَاحِد مِنْهُم. قَوْله: (إِن كنت تعلم) ، على خلاف
مُقْتَضى الظَّاهِر، لأَنهم كَانُوا جازمين بِأَن الله
عَالم بذلك فَلَا مجَال لحرف الشَّك فِيهِ، وَأجِيب:
بِأَنَّهُم لم يَكُونُوا عَالمين بِأَن لأعمالهم
اعْتِبَارا عِنْد الله، وَلَا جازمين، فَقَالُوا: إِن كنت
تعلم لَهَا اعْتِبَارا ففرِّج عَنَّا. قَوْله: (على فرق) ،
بِفَتْح الْفَاء وَالرَّاء بعْدهَا قَاف، وَقد تسكن
الرَّاء و: هُوَ مكيال يسع ثَلَاثَة آصَع. قَوْله: (من
أرز) فِيهِ سِتّ لُغَات، قد ذَكرنَاهَا فِيمَا مضى.
قَوْله: (عَمَدت) أَي: قصدت. قَوْله: (اشْتريت مِنْهُ
بقرًا) ، قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: فِيهِ صِحَة بيع
الْفُضُولِيّ؟ قلت: هَذَا شرع من قبلنَا، ثمَّ لَيْسَ
فِيهِ أَن الْفرق كَانَ معينا، وَلم يكن فِي الذِّمَّة
وَقَبضه الْأَجِير وَدخل فِي ملكه، بل كَانَ هَذَا تَبَرعا
مِنْهُ لَهُ. انْتهى. قلت: لَا حَاجَة أصلا إِلَى هَذَا
السُّؤَال، لِأَن بيع الْفُضُولِيّ يجوز إِذا أجَازه صَاحب
الْمَتَاع، فَلَا يُقَال من أول الْأَمر: إِن البيع غير
صَحِيح. قَوْله: (فانساخت) أَي: انشقت، وَأنْكرهُ
الْخطابِيّ لِأَن معنى: انساخ، بِالْمُعْجَمَةِ وَيُقَال:
انصاخ، بالصَّاد الْمُهْملَة بدل السِّين أَي: انْشَقَّ من
قبل نَفسه، قَالَ: وَالصَّوَاب: انساحت، بِالْحَاء
الْمُهْملَة أَي: اتسعت، وَمِنْه: ساحة الدَّار. قَالَ:
وانصاح، بالصَّاد الْمُهْملَة بدل السِّين، أَي: تصدع
يُقَال للبرق، قيل؛ الرِّوَايَة بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة
صَحِيحَة، وَهِي بِمَعْنى: انشقت، وَإِن كَانَ أَصله
بالصَّاد فالصاد قد قلبت سيناً، وَلَا سِيمَا مَعَ الْخَاء
الْمُعْجَمَة: كالصخر والسخر، وَوَقع فِي حَدِيث سَالم:
فانفرجت شَيْئا لَا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوج، وَفِي
حَدِيث النُّعْمَان بن بشير: فانصدع الْجَبَل حَتَّى
رَأَوْا الضَّوْء، وَفِي حَدِيث عَليّ: فانصدع الْجَبَل
حَتَّى طمعوا فِي الْخُرُوج وَلم يستطيعوا، وَفِي حَدِيث
أبي هُرَيْرَة وَأنس فَزَالَ ثلث الْحجر، قَوْله: (أللهم
إِن كنت تعلم أَنه كَانَ لي) ، كَذَا فِي
(16/52)
رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة أبي
ذَر بِحَذْف: أَنه، قَوْله: (أَبَوَانِ) ، من بَاب التغليب
وَالْمرَاد الْأَب وَالأُم، وَصرح بذلك فِي حَدِيث ابْن
أبي أوفى. قَوْله: (شَيْخَانِ كبيران) ، وَزَاد فِي
رِوَايَة أبي ضَمرَة عَن مُوسَى بن عقبَة: ولي صبية صغَار
فَكنت أرعى عَلَيْهِم، وَفِي حَدِيث عَليّ: أَبَوَانِ
ضعيفان فقيران لَيْسَ لَهما خَادِم وَلَا رَاع وَلَا ولي
غَيْرِي فَكنت أرعى لَهما بِالنَّهَارِ وآوي إِلَيْهِمَا
بِاللَّيْلِ. قَوْله: (فأبطأت عَنْهُمَا لَيْلَة) ، وَفِي
رِوَايَة سَالم: فنأي بِي طلب شَيْء يَوْمًا فَلم أرح
عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا، وَالشَّيْء لم يُفَسر مَا هُوَ
فِي هَذِه الرِّوَايَة، وَقد بَين فِي روايه مُسلم من
طَرِيق أبي ضَمرَة، وَلَفظه: وَأَنه نأي بِي ذَات يَوْم
الشّجر، وَالْمرَاد أَنه بعد عَن مَكَانَهُ الَّذِي يرْعَى
فِيهِ على الْعَادة لأجل الْكلأ، فَذَلِك أَبْطَأَ، ويفسره
أَيْضا حَدِيث عَليّ: فَإِن الْكلأ تناءى عَليّ: أَي:
تبَاعد، والكلأ: العشب الَّذِي يرْعَى الْغنم مِنْهُ.
قَوْله: (وَأَهلي) مُبْتَدأ (وعيالي) عطف عَلَيْهِ،
وَخَبره: (يتضاغون) بضاد وغين معجمتين من الضغاء بِالْمدِّ
وَهُوَ الصياح، وَقَالَ الدَّاودِيّ: يُرِيد بالأهل
والعيال: الزَّوْجَة وَالْأَوْلَاد وَالرَّقِيق
وَالدَّوَاب، وَاعْترض عَلَيْهِ ابْن التِّين، فَقَالَ:
لَا معنى للدواب هُنَا. قلت: تدخل الدَّوَابّ فِي
الْعِيَال بِالنّظرِ إِلَى الْمَعْنى اللّغَوِيّ، لِأَن
معنى قَوْلهم: عَال فلَان، أَي: أنْفق عَلَيْهِ، وَجَاء
فِي رِوَايَة سَالم: وَكنت لَا أغبق قبلهمَا أَهلا وَلَا
مَالا. فَهَذَا يُقَوي مَا ذَكرْنَاهُ. قَوْله: (من
الْجُوع) ، أَي: بِسَبَب الْجُوع. وَفِيه: رد على مَا
قَالَ: لَعَلَّ صِيَاحهمْ كَانَ بِسَبَب آخر غير الْجُوع.
قَوْله: (فَكرِهت أَن أوقظهما) ، وَفِي حَدِيث عَليّ: ثمَّ
جَلَست عِنْد رؤوسهما بإنائي كَرَاهِيَة أَن أوقظهما أَو
أؤذيهما، وَفِي حَدِيث أنس: كَرَاهِيَة أَن أرد وسنهما،
وَفِي حَدِيث ابْن أبي أوفى: وكرهت أَن أوقظهما من نومهما،
فَيشق ذَلِك عَلَيْهِمَا. قَوْله: (ليستكنا) من الاستكانة
أَي: ليضعفا لِأَنَّهُ عشاؤهما وَترك الْعشَاء يهرم.
قَوْله: (لشربتهما) ، أَي: لأجل عدم شربهما، وَقَالَ
الْكرْمَانِي: ويروى: ليستكنا، يَعْنِي بتَشْديد النُّون،
أَي: يلبثا فِي كنهما منتظرين لشربهما. قَوْله: (فَأَبت) ،
أَي: امْتنعت، وَفِي رِوَايَة مُوسَى بن عقبَة: فَقَالَت:
لَا تنَال ذَلِك مِنْهَا، حَتَّى قَوْله: (بِمِائَة
دِينَار) وَفِي رِوَايَة سَالم: فأعطيتها عشْرين وَمِائَة
دِينَار وَطلب الْمِائَة مِنْهَا وَالزِّيَادَة من قبل
نَفسه أَو الرَّاوِي الَّذِي لم يذكر الزِّيَادَة طرحها،
وَفِي حَدِيث ابْن أبي أوفى: مَالا ضخماً. قَوْله:
(فَلَمَّا قعدت بَين رِجْلَيْهَا) ، وَفِي حَدِيث ابْن أبي
أوفى: وَجَلَست مِنْهَا مجْلِس الرجل من الْمَرْأَة.
قَوْله: (لَا تفض) ، بالفاى وَالضَّاد الْمُعْجَمَة أَي:
لَا تكسر (والخاتم) كِنَايَة عَن عذرتها وَكَأَنَّهَا
كَانَت بكرا. فَإِن قلت: فِي حَدِيث النُّعْمَان مَا يدل
على أَنَّهَا لم تكن بكرا. قلت: يحمل على أَنَّهَا
أَرَادَت بالخاتم الْفرج، وَالْألف واللاَّم فِي:
الْخَاتم، عوض عَن الْيَاء أَي: خَاتمِي. قَوْله: (إلاَّ
بِحقِّهِ) أَي: الْحَلَال، أَرَادَت أَنَّهَا لَا تحل لَهُ
إلاَّ بتزويج صَحِيح، وَوَقع فِي حَدِيث عَليّ: فَقَالَت:
أذكرك الله أَن لَا ترتكب مني مَا حرم الله عَلَيْك.
قَالَ: أَنا أَحَق أَن أَخَاف رَبِّي، وَفِي حَدِيث
النُّعْمَان بن بشير: فَلَمَّا أمكنتني من نَفسهَا، بَكت،
فَقلت: مايبكيك؟ قَالَت: فعلت هَذَا من الْحَاجة، فَقلت:
إنطلقي. وَفِي حَدِيث ابْن أبي أوفى: فَلَمَّا جَلَست
مِنْهَا مجْلِس الرجل من الْمَرْأَة ذكرت النَّار، فَقُمْت
عَنْهَا.
45 - (بابٌ)
أَي: هَذَا بَاب، وَهُوَ كالفصل لما قبله، وَلَيْسَ فِي
أَكثر النّسخ لفظ: بَاب.
6643 - حدَّثنا أبُو اليَمَانِ أخْبرنَا شُعَيْبٌ حدَّثنا
أبُو الزِّنادِ عنْ عبدِ الرَّحْمانِ حدَّثَهُ أنَّهُ
سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّهُ
سَمِعَ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقولُ
بَيْنَا امْرَأةٌ تُرْضِعُ ابْنَهَا إذْ مَرَّ بِهَا
رَاكِبٌ وهْيَ تُرْضِعُهُ فقالَتِ اللَّهُمَّ لاَ تُمِتْ
ابْنِي حتَّى يَكُونَ مِثْلَ هذَا فَقَالَ اللَّهُمَّ لاَ
تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ ثُمَّ رَجعَ فِي الثَّدْيِ ومُرَّ
بامْرَأةٍ تُجَرَّرُ ويُلْعَبُ بِهَا فقالَتْ اللَّهُمَّ
لاَ تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهَا فَقَالَ اللَّهُمَّ
اجْعَلْنِي مِثْلَهَا فقالَ أمَّا الرَّاكِبُ فإنَّهُ
كافِرٌ وأمَّا المَرْأةُ فإنَّهُمْ يَقُولُونَ لَهَا
تَزْنِي وتَقولُ حَسْبِيَ الله ويَقُولونَ تَسْرِقُ
وتَقولُ حَسْبِيَ الله.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن وَقع هَذَا كَانَ فِي
أَيَّام بني إِسْرَائِيل، وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن
نَافِع، وَعبد الرَّحْمَن هُوَ ابْن هُرْمُز
(16/53)
الْأَعْرَج، وَمضى الحَدِيث فِي: بَاب
{وَاذْكُر فِي الْكتاب مَرْيَم} (مَرْيَم: 61) . عَن قريب،
وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله: (مر) ، بِلَفْظ
الْمَجْهُول. قَوْله: (تجرر) ، بالراء.
7643 - حدَّثنا سعَيدُ بنُ تَليدٍ حدَّثنا ابنُ وَهْبٍ
قَالَ أخبرَنِي جَرِيرُ ابنُ حازِمٍ عنْ أيُّوبَ عنْ
مُحَمَّدِ بنِ سِيرِينَ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله
تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كادَ
يَقْتُلُهُ العَطَشُ إذْ رأتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا
بَنِي إسْرَائِيلَ فنزَعَتْ مُوقَها فسَقَتْهُ فنُفِرَ
لَهَا بِهِ. (انْظُر الحَدِيث 1233) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَسَعِيد هُوَ سعيد بن
عِيسَى بن سعيد بن تليد، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من
فَوق وَكسر اللَّام: أَبُو عُثْمَان الرعيني الْمصْرِيّ
وَهُوَ من أَفْرَاده، وَابْن وهب هُوَ عبد الله بن وهب
الْمصْرِيّ. والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْحَيَوَان
قَوْله: (يطِيف) بِضَم أَوله من أطاف يطِيف بعنى: طَاف
يطوف طوفاً، وَهُوَ الدوران حول الشَّيْء. قَوْله: (بركية)
بِفَتْح الرَّاء وَكسر الْكَاف وَتَشْديد الْيَاء آخر
الْحُرُوف: وَهِي الْبِئْر مطوية كَانَت أَو غير مطوية،
وَغير المطوية يُقَال لَهَا: جب، وقليب، وَقيل: الركي،
الْبِئْر قبل أَن تطوى، فَإِذا طويت فَهِيَ الطوى. قَوْله:
(بغي) بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الْغَيْن
الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْيَاء: وَهِي الزَّانِيَة،
وَتجمع على: بَغَايَا، قَوْله: (موقها) بِضَم الْمِيم
وَسُكُون الْوَاو وَفِي آخِره قَاف، قَالَ بَعضهم: هُوَ
الْخُف. قلت: لَا بل الموق هُوَ الَّذِي يلبس فَوق الْخُف
وَيُقَال لَهُ: الجرموق أَيْضا وَهُوَ فَارسي مُعرب (بِهِ)
فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَلَيْسَ هُوَ فِي رِوَايَة
غَيره، وَقد مضى فِي كتاب الشّرْب عَن أبي هُرَيْرَة نَحْو
هَذَا، وَلَكِن الْقَضِيَّة للرجل، وَكَذَا وَقع فِي
الطَّهَارَة فِي شَأْن الرجل. قَالَ بَعضهم: يحْتَمل تعدد
الْقَضِيَّة. قلت: بل يقطع بِأَنَّهُ قضيتان: إِحْدَاهمَا
للرجل، الْأُخْرَى: للْمَرْأَة، وَإِنَّمَا يُقَال:
يحْتَمل تعدد الْقَضِيَّة أَن لَو كَانَت لوَاحِد،
فَافْهَم.
8643 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عنْ مالِكٍ عنِ
ابنِ شِهابٍ عَن حُمَيْدِ ابنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ أنَّهُ
سَمِعَ مُعاوِيَةَ بنِ أبِي سُفْيانَ عامَ حَجَّ علَى
المِنْبَرِ فتَنَاوَلَ قُصَّةً مِنْ شَعَرٍ كانَتْ فِي
يَدَيْ حَرَسِيٍّ فَقَالَ يَا أهْلَ المَدِينَةِ أيْنَ
عُلَمَاؤُكُمْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَنْهَى عنْ مِثْلِ هَذِهِ ويَقُولُ إنَّمَا
هَلَكَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ حينَ اتَّخَذَهَا نَسَاؤُهُم.
.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (إِنَّمَا هَلَكت بَنو
إِسْرَائِيل) .
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي اللبَاس عَن
إِسْمَاعِيل. وَأخرجه مُسلم فِي اللبَاس عَن يحيى بن يحيى
عَن مَالك وَعَن ابْن أبي عَمْرو عَن حَرْمَلَة بن يحيى
وَعَن عبد بن حميد. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي التَّرَجُّل
عَن القعْنبِي بِهِ. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي
الاسْتِئْذَان عَن سُوَيْد بن نصر. وَأخرجه النَّسَائِيّ
فِي الزِّينَة عَن قُتَيْبَة عَن سُفْيَان بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (عَام حج) ، وَفِي رِوَايَة
للْبُخَارِيّ عَن سعيد بن الْمسيب: آخر قدمة قدامها،
وَكَانَ ذَلِك فِي سنة إِحْدَى وَخمسين وَهِي آخر حجَّة
حَجهَا مُعَاوِيَة فِي خِلَافَته. قَوْله: (على
الْمِنْبَر) ، حَال من مُعَاوِيَة، وَالْمرَاد بِهِ:
مِنْبَر رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله:
(قُصة) ، بِضَم الْقَاف وَتَشْديد الصَّاد الْمُهْملَة:
وَهِي شعر الرَّأْس من جِهَة الناصية. وَهنا المُرَاد
مِنْهُ قِطْعَة، من: قصصت الشّعْر أَي: قطعته. قَوْله:
(حرسي) مَنْسُوب إِلَى الحراس أحد الحرس وهم الَّذين
يَحْرُسُونَ السُّلْطَان. قَالَ الْكرْمَانِي: الْوَاحِد
حرسي لِأَنَّهُ قد صَار اسْم جنس فنسب إِلَيْهِ، وَلَا تقل
حارس إلاَّ أَن تذْهب بِهِ إِلَى معنى الحراسة دون
الْجِنْس، وَيُطلق الحرسي وَيُرَاد بِهِ الجندي. قَوْله:
(فَقَالَ: يَا أهل الْمَدِينَة) أَي: يَا أهل الْمَدِينَة.
وَفِي أَكثر النّسخ لفظ: يَا، غير محذوفة. قَوْله: (أَيْن
عُلَمَاؤُكُمْ؟) قَالَ بَعضهم: فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَن
الْعلمَاء إِذْ ذَاك فيهم كَانُوا قَلِيلا وَهُوَ كَذَلِك،
لِأَن غَالب الصَّحَابَة يَوْمئِذٍ كَانُوا قد مَاتُوا
وَكَانَ رَأْي جهال عوامهم صَنَعُوا ذَلِك، فَأَرَادَ أَن
يذكر علماءهم ويؤنبهم بِمَا تَرَكُوهُ من الْإِنْكَار فِي
ذَلِك. قلت: إِن كَانَ غَالب الصَّحَابَة مَاتُوا فِي
ذَلِك الْوَقْت فقد قَامَ مقامهم أَكثر مِنْهُم جمَاعَة من
التَّابِعين الْكِبَار
(16/54)
وَالصغَار وأتباعهم، وَلم يكن مُعَاوِيَة
قصد هَذَا الْمَعْنى الَّذِي ذكره هَذَا الْقَائِل،
وَإِنَّمَا كَانَ قَصده الْإِنْكَار عَلَيْهِم بإهمالهم
إِنْكَار مثل هَذَا الْمُنكر وغفلتهم عَن تَغْيِيره، وَفِي
هَذَا اعتناء الْوُلَاة بِإِزَالَة الْمُنْكَرَات وتوبيخ
من أهملها. قَوْله: (وَيَقُول) ، عطف على قَوْله:
(وَينْهى) أَي: يَقُول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (إِنَّمَا هَلَكت بَنو إِسْرَائِيل حِين اتخذها)
أَي: حِين اتخذ الْقِصَّة نِسَاؤُهُم، وَكَانَ هَذَا سَببا
لهلاكهم، فَدلَّ على أَن ذَلِك كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِم،
فَلَمَّا فَعَلُوهُ مَعَ مَا انْضَمَّ إِلَى ذَلِك مِمَّا
ارتكبوا من الْمعاصِي هَلَكُوا. وَفِيه: معاقبة الْعَامَّة
بِظُهُور الْمُنكر.
9643 - حدَّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا
إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عنْ أبِيهِ عنْ أبِي سلَمَةَ عنْ
أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النَّبِيِّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إنَّهُ قَدْ كانَ فِيمَا
مَضَى قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ مُحَدَّثُونَ وإنَّهُ إنْ
كانَ فِي أُمَّتِي هَذهِ مِنْهُمْ فإنَّهُ عُمَرُ بنُ
الخَطَّابِ. (الحَدِيث 9643 طرفه فِي: 9863) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فِيمَا مضى قبلكُمْ من
الْأُمَم) . وَعبد الْعَزِيز بن عبد الله بن يحيى الْقرشِي
الأويسي الْمَدِينِيّ وَهُوَ من أَفْرَاده، وَإِبْرَاهِيم
بن سعد يروي عَن أَبِيه سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد
الرَّحْمَن بن عَوْف، وَسعد يروي عَن عَمه أبي سَلمَة بن
عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي فضل عمر، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، عَن يحيى بن قزعة. وَأخرجه
النَّسَائِيّ فِي المناقب عَن مُحَمَّد بن رَافع وَالْحسن
بن مُحَمَّد.
قَوْله: (إِنَّه) أَي: إِن الشَّأْن قد كَانَ فِيمَا مضى
قبلكُمْ من الْأُمَم، أَرَادَ: بني إِسْرَائِيل. قَوْله:
(محدثون) ، بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة الْمُشَدّدَة جمع:
مُحدث، قَالَ الْخطابِيّ: الْمُحدث الملهم الَّذِي يلقِي
الشَّيْء فِي روعه فَكَأَنَّهُ قد حدث بِهِ يظنّ فَيُصِيب،
ويخطر الشَّيْء بِبَالِهِ فَيكون، وَهِي منزلَة جليلة من
منَازِل الْأَوْلِيَاء، وَقيل: الْمُحدث هُوَ من يجْرِي
الصَّوَاب على لِسَانه، وَقيل: من تكَلمه الْمَلَائِكَة.
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: أَخْبرنِي بعض أَصْحَاب أبي
عُيَيْنَة، قَالَ: محدثون، يَعْنِي: مفهمون. وَقَالَ ابْن
وهب: ملهمون، وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: يصيبون إِذا ظنُّوا
وَحَدثُوا. وَقَالَ ابْن التِّين: يَعْنِي متفرسون.
وَقَالَ النَّوَوِيّ حاكياً عَن البُخَارِيّ: يجْرِي
الصَّوَاب على ألسنتهم، وَهَذِه الْمعَانِي مُتَقَارِبَة.
قَوْله: (وَإنَّهُ) أَي: وَإِن الشَّأْن أَن كَانَ فِي
أمتِي مِنْهُم، أَي: من الْمُحدثين، فَإِنَّهُ عمر بن
الْخطاب قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك على سَبِيل
التوقع، وَقد وَقع ذَلِك بِحَمْد الله تَعَالَى. وَفِيه
منقبة عَظِيمَة لعمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ
وَفِيه: كَرَامَة الْأَوْلِيَاء وَأَنَّهَا لَا تَنْقَطِع
إِلَى يَوْم الدّين.
0743 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا مُحَمَّدُ
بنُ أبي عَدِيٍّ عنْ شُعْبَةَ عنْ قَتَادَةَ عنْ أبِي
الصِّدِّيقِ النَّاجِي عنْ أبِي سَعِيدٍ رَضِي الله
تَعَالَى عنهُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ كانَ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ رجُلٌ قتَلَ تِسْعَةً
وتِسْعِينَ إنْسَاناً ثُمَّ خَرَجَ يَسْألُ فأتَى
رَاهِبَاً فسَألَهُ فَقَالَ لَهُ هَلْ مِنْ تَوْبَةٍ قَالَ
لاَ فقَتَلَهُ فجَعَلَ يَسْألُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ ائْتِ
قَرْيَةَ كَذَا وكَذَا فأدْرَكَهُ المَوْتُ فَناءَ
بِصَدْرِهِ نَحْوَهَا فاخْتَصَمَتْ مَلاَئِكَةُ
الرَّحْمَةِ ومَلاَئِكَةُ العَذَابِ فأوْحَى الله إِلَى
هاذِهِ أنْ تَقَرَّبِي وأوْحَى الله إلَى هَذِهِ أنْ
تَبَاعَدِي وَقَالَ قِيسُوا مَا بَيْنَهُمَا فَوُجِدَ إلَى
هَذِهِ أقْرَبَ بِشِبْرٍ فغُفِرَ لَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو الصّديق، بِكَسْر
الْمُهْمَلَتَيْنِ وَتَشْديد الثَّانِيَة: واسْمه بكر بن
قيس، أَو: بكر بن عَمْرو النَّاجِي، بالنُّون وَتَخْفِيف
الْجِيم وَتَشْديد الْيَاء نِسْبَة إِلَى: نَاجِية بنت
غَزوَان أُخْت عتبَة بن لؤَي وَهِي قَبيلَة كَبِيرَة،
وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي التَّوْبَة عَن بنْدَار بِهِ
وَعَن عبيد الله بن معَاذ وَعَن أبي مُوسَى. وَأخرجه ابْن
مَاجَه فِي الدِّيات عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.
قَوْله: (ثمَّ خرج يسْأَل) ، أَي: عَن التَّوْبَة
وَالِاسْتِغْفَار، وَفِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق هِشَام
عَن قَتَادَة، يسْأَل عَن أعلم أهل الأَرْض؟ فَدلَّ على
رَاهِب. قَوْله: (فَأتى رَاهِبًا) ، الراهب وَاحِد
رُهْبَان النَّصَارَى وَهُوَ الْخَائِف والمتعبد. قيل:
فِيهِ إِشْعَار بِأَن ذَلِك كَانَ بعد رفع عِيسَى،
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لِأَن الرهبانية إِنَّمَا
ابتدعها أَتْبَاعه
(16/55)
كَمَا نَص عَلَيْهِ فِي الْقُرْآن. قَوْله:
(فَقَالَ لَهُ: هَل من تَوْبَة؟) يَعْنِي: فَقَالَ للراهب:
هَل من تَوْبَة لي؟ وَفِي بعض النّسخ فَقَالَ: لَهُ
تَوْبَة؟ وَقَالَ بعض شراحه: حذف أَدَاة الإستفهام، وَفِيه
تَجْرِيد لِأَن حق الْقيَاس أَن يَقُول: أَلِي تَوْبَة؟
قلت: لَيْسَ هَذَا بتجريد، وَإِنَّمَا هُوَ الْتِفَات.
وَقَوله: لِأَن حق الْقيَاس، غير موجه لِأَنَّهُ لَا
قِيَاس هُنَا، وَإِنَّمَا يُقَال فِي مثل هَذَا: لِأَن
مُقْتَضى الظَّاهِر أَن يُقَال كَذَا. قَوْله: (فَقتله)
أَي: قتل الراهب الَّذِي سَأَلَهُ وأجابه بِلَا. قَوْله:
(فَجعل يسْأَل) أَي: من النَّاس ليدلوه على من يَأْتِي
إِلَيْهِ فيسأله عَن التَّوْبَة. قَوْله: (فَقَالَ لَهُ
رجل: ائتِ قَرْيَة كَذَا وَكَذَا) ، وَزَاد فِي رِوَايَة
هِشَام فَإِن بهَا أُنَاسًا يعْبدُونَ الله فاعبد الله
مَعَهم وَلَا ترجع إِلَى أَرْضك فَإِنَّهَا أَرض سوء،
فَانْطَلق حَتَّى إِذا كَانَ نصف الطَّرِيق أَتَاهُ
الْمَوْت. قَوْله: (فأدركه الْمَوْت) ، أَي: فِي
الطَّرِيق، وَالْفَاء فِيهِ فصيحة تَقْدِيره: فَذهب إِلَى
تِلْكَ الْقرْيَة فأدركه الْمَوْت، وَالْمرَاد إِدْرَاك
أَمَارَات الْمَوْت. قَوْله: (فنَاء) بنُون وَمد وَبعد
الْألف همزَة، أَي: مَال بصدره إِلَى نَاحيَة تِلْكَ
الْقرْيَة الَّتِي توجه إِلَيْهَا للتَّوْبَة
وَالْعِبَادَة، وَقيل: فنى، على وزن سعى بِغَيْر مد أَي
بعد، فعلى هَذَا الْمَعْنى بَعُدَ عَن الأَرْض الَّتِي خرج
مِنْهَا. وَقيل: قَوْله فنَاء بصدره مدرج، وَالدَّلِيل
عَلَيْهِ أَنه قَالَ فِي آخر الحَدِيث: قَالَ قَتَادَة:
قَالَ الْحسن: ذكر لنا أَنه لما أَتَاهُ الْمَوْت ناء
بصدره. قَوْله: (فاختصمت فِيهِ) ، وَزَاد فِي رِوَايَة
هِشَام. فَقَالَت مَلَائِكَة الرَّحْمَة: جَاءَنَا
تَائِبًا مُقبلا بِقَلْبِه إِلَى الله تَعَالَى. وَقَالَت
مَلَائِكَة الْعَذَاب: إِنَّه لم يعْمل خيرا قطّ،
فَأَتَاهُم ملك فِي صُورَة آدَمِيّ فجعلوه حكما بَينهم
فَقَالَ: قيسوا مَا بَين الْأَرْضين، فَإلَى أَيهمَا كَانَ
أدنى فَهُوَ لَهَا. قَوْله: (فَأوحى الله إِلَى هَذِه)
أَي: إِلَى الْقرْيَة المتوجه إِلَيْهَا (أَن تقربي) كلمة
أَن، تفسيرية. قَوْله: (وَأوحى إِلَى هَذِه) أَي: إِلَى
الْقرْيَة المتوجه مِنْهَا: (أَن تباعدي) . قَوْله: (قيسوا
مَا بَينهمَا) أَي: مَا بَين القريتين، وَقَالَ بَعضهم
مُتَعَجِّبا: وَقعت لي تَسْمِيَة القريتين المذكورتين من
حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ فِي (الْكَبِير)
للطبراني، قَالَ: فِيهِ أَن اسْم الْقرْيَة الصَّالِحَة
نصْرَة وَاسم الْقرْيَة الْآخِرَة كفرة. قلت: هَذَا لَيْسَ
مَحل التَّعَجُّب والاستغراب فَإِن اسْمهَا مَذْكُور فِي
مَوَاضِع كَثِيرَة، وَقد ذكرهَا أَبُو اللَّيْث
السَّمرقَنْدِي فِي (تَنْبِيه الغافلين) . قَوْله: (فَوجدَ
إِلَى هَذِه) ، أَي: إِلَى الْقرْيَة الَّتِي توجه
إِلَيْهَا. قَوْله: (فغفر لَهُ) أَي: غفر الله لَهُ. فَإِن
قيل: حُقُوق الْآدَمِيّين لَا تسْقط بِالتَّوْبَةِ بل لَا
بُد من الاسترضاء. وَأجِيب: بِأَن الله تَعَالَى إِذا قبل
تَوْبَة عَبده يرضى خَصمه.
وَفِي الحَدِيث: مَشْرُوعِيَّة التَّوْبَة من جَمِيع
الْكَبَائِر حَتَّى من قتل النَّفس، وَقَالَ القَاضِي:
مَذْهَب أهل السّنة أَن التَّوْبَة تكفر الْقَتْل كَسَائِر
الذُّنُوب، وَمَا رُوِيَ عَن بَعضهم من تَشْدِيد فِي
الزّجر وتقنيط عَن التَّوْبَة، فَإِنَّمَا رُوِيَ ذَلِك
لِئَلَّا تجترىء النَّاس على الدِّمَاء، قَالَ الله
تَعَالَى: {إِن الله لَا يغْفر أَن يُشْرك بِهِ وَيغْفر
مَا دون ذَلِك لمن يَشَاء} (النِّسَاء: 84 و 611) . فَكل
مَا دون الشّرك يجوز أَن يغْفر لَهُ. وَأما قَوْله
تَعَالَى: {وَمن يقتل مُؤمنا مُتَعَمدا فَجَزَاؤُهُ
جَهَنَّم} (النِّسَاء: 39) . فَمَعْنَاه: جَزَاؤُهُ أَن
جازاه وَقد لَا يجازى بل يعْفُو عَنهُ، وَإِذا اسْتحلَّ
قَتله بِغَيْر حق وَلَا تَأْوِيل فَهُوَ كَافِر يخلد فِي
النَّار إِجْمَاعًا. وَفِيه: فضل الْعَالم على العابد،
لِأَن الَّذِي أفتاه أَولا بِأَن لَا تَوْبَة لَهُ غلبت
عَلَيْهِ الْعِبَادَة، فاستعظم وُقُوع مَا وَقع من ذَلِك
الْقَاتِل من استجرائه على قتل هَذَا الْعدَد الْكثير،
وَأما الثَّانِي فغلب عَلَيْهِ الْعلم فأفتاه بِالصَّوَابِ
ودله على طَرِيق النجَاة. وَفِيه: حجَّة من أجَاز
التَّحْكِيم، وَأَن المحكمان إِذا رَضِيا جَازَ
عَلَيْهِمَا الحكم. وَفِيه: أَن للْحَاكِم، إِذا
تَعَارَضَت عِنْده الْأَحْوَال وتعذرت الْبَينَات، أَن
يسْتَدلّ بالقرائن على التَّرْجِيح. وَفِيه: من جَوَاز
الِاسْتِدْلَال على أَن فِي بني آدم من يصلح للْحكم بَين
الْمَلَائِكَة. وَفِيه: رَجَاء عَظِيم لأَصْحَاب العظائم.
1743 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا سُفْيَانُ
حدَّثنا أبُو الزِّنَادِ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبِي سلَمَةَ
عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ
صَلَّى رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلاَةَ
الصُّبْحِ ثُمَّ أقْبَلَ علَى النَّاسِ فَقالَ بَيْنَا
رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إذْ رَكِبَهَا فضَرَبَهَا فقالَتْ
إنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهاذَا إنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْثِ
فقالَ النَّاسُ سُبْحَانَ الله بَقَرَةٌ تَكَلَّمُ فإنِّي
أُومِنُ بِهَذَا أنَا وأبُو بَكْرٍ وعُمَرُ وَمَا هُما
ثَمَّ وبَيْنَمَا رَجُلٌ فِي غَنَمِهِ إذْ عَدَا الذِّئْبُ
فذَهَبَ مِنْهَا بِشاةٍ فطَلَبَ حتَّى كأنَّهُ
اسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ فَقَالَ لَهُ الذِّئْبُ هَذَا
(16/56)
اسْتَنْقَذْتَهَا مِنِّي فَمنْ لَها يَوْمَ
السَّبْعُ يَوْمَ لاَ رَاعِيَ غَيْرِي فقالَ النَّاسُ
سُبْحَانَ الله ذِئْبٌ يَتَكَلَّمُ قَالَ فإنِّي أومِنُ
بِهَذَا أنَا وأبُو بَكْر وعُمَرُ وَمَا هُمَا ثَمَّ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (بَينا رجل) و
(بَيْنَمَا رجل) لِأَنَّهُمَا من بني إِسْرَائِيل. وَعلي
بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن
عُيَيْنَة، وَأَبُو الزِّنَاد عبد الله بن ذكْوَان،
والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز يروي عَن أبي سَلمَة بن
عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَهُوَ من رِوَايَة الأقران،
وَذكر أَبُو مَسْعُود أَن أَبَا سَلمَة سقط من رِوَايَة
عَليّ بن عبد الله، وَذكر خلف وَغَيره أَنه لم يسْقط.
والْحَدِيث مضى فِي الْمُزَارعَة فِي: بَاب اسْتِعْمَال
الْبَقر للحراثة عَن مُحَمَّد بن بشار عَن غنْدر عَن
شُعْبَة عَن سعد عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة،
وَلَيْسَ فِيهِ الْأَعْرَج، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (إِذْ ركبهَا) جَوَاب: بَينا. قَوْله: (وَمَا هما
ثمَّ) ، أَي: لَيْسَ أَبُو بكر وَعمر حاضرين هُنَاكَ.
قَوْله: (هَذَا) أَي: هَذَا الذِّئْب (استنقذتها) ويروى:
استنقذها، وَيكون الْمَعْنى: هَذَا الرجل. قَوْله: (من
لَهَا يَوْم السَّبع؟) ، أَي: من لَهَا يَوْم الْفِتَن
حِين يَتْرُكهَا النَّاس هملاً لَا راعي لَهَا نهبة فَيبقى
السَّبع رَاعيا لَهَا؟ وَقد مضى بَقِيَّة الْكَلَام فِي
الْمُزَارعَة.
وحدَّثنا عَلِيٌّ حدَّثنا سُفْيَانُ عنْ مِسْعَرٍ عنْ
سَعْدِ بنِ إبْرَاهِيمَ عنْ أبِي سلَمَةَ عنْ أبِي
هُرَيْرَةَ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بِمِثْلِهِ
هَذَا طَرِيق آخر أَشَارَ بِهِ إِلَى أَنه سَمعه من شَيْخه
عَليّ بن عبد الله مفرقاً، ولسفيان فِيهِ شَيْخَانِ
أَحدهمَا: أَبُو الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج. وَالْآخر: عَن
مسعر، بِكَسْر الْمِيم: ابْن كدام عَن سعد بن إِبْرَاهِيم،
كِلَاهُمَا عَن أبي سَلمَة وَفِي كل من الإسنادين رِوَايَة
القرين عَن قرينه، لِأَن الْأَعْرَج قرين أبي سَلمَة،
لِأَنَّهُ شَاركهُ فِي أَكثر شُيُوخه، وسُفْيَان بن
عُيَيْنَة قرين مسعر لِأَنَّهُ شَاركهُ فِي أَكثر شُيُوخه،
وَأَن كَانَ مسعر أكبر سنا من سُفْيَان.
2743 - حدَّثنا إسْحَاقُ بنُ نَصْرٍ أخبرَنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ عنْ مَعْمَرٍ عنْ هَمَّامٍ عنْ أبِي
هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ
النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ
رَجُلٍ عَقارَاً لَهُ فَوَجَدَ الرَّجُلُ الَّذِي اشْتَرَى
العَقَارَ فِي عَقَارِهِ جَرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ فَقَالَ
لَهُ الَّذِي اشْتَرَى العَقَارَ خُذْ ذَهَبَكَ مِنِّي
إنَّمَا اشْتَرَيْتُ مِنْكَ الأرْضَ ولَمْ أبْتَعْ مِنْكَ
الذَّهَبَ وَقَالَ الَّذِي لَهُ الأرْضُ إنَّمَا بِعْتُكَ
الأرْضَ وَمَا فِيهَا فَتَحَاكَمَا إِلَى رَجُلٍ فَقَالَ
الَّذِي تَحاكَمَا إلَيْهِ ألَكُمَا ولَدٌ قَالَ
أحَدُهُمَا لِي غُلامٌ وقالَ الآخَرُ لِي جارِيَةٌ قَالَ
انْكِحُوا الغلاَمَ الجارِيَةَ وأنْفِقُوا علَى
أنْفُسِهِما مِنْهُ وتَصَدَّقَا.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الرجلَيْن
الْمَذْكُورين فِيهِ من بني إِسْرَائِيل. وَإِسْحَاق بن
نصر هُوَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن نصر السَّعْدِيّ
البُخَارِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْقَضَاء عَن مُحَمَّد بن
رَافع.
قَوْله: (عقارا) : الْعقار أصل المَال من الأَرْض وَمَا
يتَّصل بهَا، وعقر الشَّيْء أَصله، وَمِنْه عقر الأَرْض
بِفَتْح الْعين وَضمّهَا. وَقيل: الْعقار الْمنزل والضيعة،
وَخَصه بَعضهم بِالنَّخْلِ، وَقَالَ ابْن التِّين: الْعقار
الضّيَاع، وعقار الرجل ضيعته. قَوْله: (جرة) ، وَهِي من
الفخار مَا يصنع من الْمدر. قَوْله: (وَلم أبتعْ مِنْك)
أَي: وَلم أشترِ مِنْك الذَّهَب. قَوْله: (فتحاكما إِلَى
رجل) ، ظَاهره أَنَّهُمَا حكما ذَلِك الرجل، لَكِن فِي
حَدِيث إِسْحَاق بن بشير التَّصْرِيح بِأَنَّهُ كَانَ
حَاكما مَنْصُوبًا للنَّاس. قَوْله: (ألكما ولد؟) بِفَتْح
الْوَاو وَاللَّام وَالْمرَاد بِهِ جنس الْوَلَد،
لِأَنَّهُ يَسْتَحِيل أَن يكون للرجلين جَمِيعًا ولد
وَاحِد، وَالْمعْنَى: ألكل وَاحِد مِنْكُمَا ولد؟ وَيجوز
بِضَم الْوَاو وَسُكُون اللَّام وَهُوَ صِيغَة جمع، فَيكون
الْمَعْنى ألكما أَوْلَاد؟ وَيجوز كسر الْوَاو أَيْضا.
فَإِن قلت: جَاءَ: أَنْفقُوا وَأنْكحُوا بِصِيغَة الْجمع.
وَقَوله: (تصدقا) بِصِيغَة التَّثْنِيَة. قلت: لِأَن العقد
لَا بُد فِيهِ من شَاهِدين فيكونان مَعَ الرجلَيْن
أَرْبَعَة وَهُوَ جمع، وَالنَّفقَة قد يحْتَاج فِيهَا
إِلَى الْمعِين كَالْوَكِيلِ فَيكون أَيْضا جمعا. وَأما
وَجه التَّثْنِيَة فِي الصَّدَقَة فَلِأَن
(16/57)
الزَّوْجَيْنِ مخصوصان بذلك.
وَفِي الحَدِيث: إِشَارَة إِلَى جَوَاز التَّحْكِيم، وَفِي
هَذَا الْبَاب خلاف، فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن وَافق
رَأْي الْمُحكم رَأْي قَاضِي الْبَلَد نفذ وإلاَّ فَلَا،
وَأَجَازَهُ مَالك وَالشَّافِعِيّ بِشَرْط أَن يكون فِيهِ
أَهْلِيَّة الحكم وَأَن يحكم بَينهمَا بِالْحَقِّ سَوَاء
وَافق ذَلِك رَأْي قَاضِي الْبَلَد أم لَا. وَقَالَ
الْقُرْطُبِيّ: هَذَا الرجل الَّذِي تحاكما إِلَيْهِ لم
يصدر مِنْهُ حكم على أحد مِنْهُمَا، وَإِنَّمَا أصلح
بَينهمَا لما ظهر لَهُ من ورعهما وَحسن حَالهمَا، وَلما
ارتجى من طيب نسلهما وَصَلَاح ذريتهما. وَحكى الْمَازرِيّ
خلافًا عِنْدهم فِيمَا إِذا ابْتَاعَ أَرضًا فَوجدَ فِيهَا
شَيْئا مَدْفُونا، هَل يكون ذَلِك للْبَائِع أَو
للْمُشْتَرِي؟ فَإِن كَانَ من أَنْوَاع الأَرْض: كالحجارة
والعمد والرخام فَهُوَ للْمُشْتَرِي، وَإِن كَانَ كالذهب
وَالْفِضَّة فَإِن كَانَ من دَفِين الْجَاهِلِيَّة فَهُوَ
ركاز، وَإِن كَانَ من دَفِين الْمُسلمين فَهُوَ لقطَة،
وَإِن جهل ذَلِك كَانَ مَالا ضائعاً، فَإِن كَانَ هُنَاكَ
بَيت مَال يحفظ فِيهِ وإلاَّ صرف إِلَى الْفُقَرَاء
وَالْمَسَاكِين وَفِيمَا يستعان بِهِ على أُمُور الدّين،
وَفِيمَا أمكن من مصَالح الْمُسلمين. وَقَالَ ابْن
التِّين: فَإِن كَانَ من دفائن الْإِسْلَام فَهُوَ لقطَة،
وَإِن كَانَ من دفائن الْجَاهِلِيَّة، فَقَالَ مَالك: هُوَ
للْبَائِع، وَخَالفهُ ابْن الْقَاسِم فَقَالَ: إِن مَا فِي
داخلها بِمَنْزِلَة مَا فِي خَارِجهَا، وَقَول مَالك أحسن
لِأَن من ملك أَرضًا باختطاط ملك مَا فِي بَاطِنهَا،
وَلَيْسَ جَهله بِهِ حِين البيع يسْقط ملكه فِيهِ.
3743 - حدَّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله قَالَ
حدَّثني مالِكٌ عنْ مُحَمَّدِ بنِ الْمُنْكَدِرِ وعنْ أبِي
النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بنِ عُبَيْدِ الله عنْ عامِرِ
بنِ سَعْدِ بنِ أبِي وقَّاصٍ عنْ أبِيهِ أنَّهُ سَمِعَهُ
يَسْألُ أُسَامَةَ بنَ زَيْدٍ ماذَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الطَّاعُونِ فَقال
أُسَامَةُ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الطَّاعُونُ رِجْسٌ أُرْسِلَ علَى طائِفَةٍ مِنْ بَنِي
إسْرَائِيلَ أوْ علَى مَنْ كانَ قَبْلَكُمْ فَإذَا
سَمِعْتُمْ بِهِ بِأرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ وإذَا
وقَعَ بِأرْضٍ وأنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارَاً
مِنْهُ. قالَ أبُو النَّضْرِ لاَ يُخْرِجُكُمْ إلاَّ
فِرَارَاً مِنْهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (على طَائِفَة من بني
إِسْرَائِيل) . وَأَبُو النَّضر، بِسُكُون الضَّاد
الْمُعْجَمَة: اسْمه سَالم وَهُوَ ابْن أبي أُميَّة مولى
عمر بن عبيد الله بن معمر الْقرشِي التَّيْمِيّ الْمدنِي.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي ترك الْحِيَل عَن
أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ. وَأخرجه مُسلم
فِي الطِّبّ عَن يحيى بن يحيى عَن مَالك بِهِ وَعَن
جمَاعَة آخَرين. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْجَنَائِز
عَن قُتَيْبَة وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطِّبّ عَن
قُتَيْبَة وَعَن الْحَارِث بن مِسْكين عَن أبي الْقَاسِم
عَن مَالك.
قَوْله: (فِي الطَّاعُون) أَي: فِي حَال الطَّاعُون وشأنه
وَهُوَ على وزن: فاعول، من الطعْن غير أَنه عدل عَن أَصله
وَوضع دَالا على الْمَوْت الْعَام الْمُسَمّى بالوباء
وَقَالَ الْخَلِيل: الوباء هُوَ الطَّاعُون، وَقيل: هُوَ
كل مرض عَام يَقع بِكَثِير من النَّاس نوعا وَاحِدًا،
بِخِلَاف سَائِر الْأَوْقَات، فَإِن أمراضهم فِيهَا
مُخْتَلفَة. فَقَالُوا: كل طاعون وباء، وَلَيْسَ كل وباء
طاعوناً، وَقيل: الطَّاعُون هُوَ الْمَوْت الْكثير. وَقيل:
بثر وورم مؤلم جدا يخرج مَعَ لهيب ويسود مَا حوله أَو يخضر
وَيحصل مَعَه خفقان الْقلب والقيء وَيخرج فِي المراق
والآباط. قَوْله: (رجز) ، أَي: عَذَاب كَائِن على من كَانَ
قبلنَا، وَهُوَ رَحْمَة لهَذِهِ الْأمة كَمَا صرح بِهِ فِي
حَدِيث آخر. قَوْله: (فَلَا تقدمُوا) ، بِفَتْح الدَّال
عَلَيْهِ أَي: على الطَّاعُون الَّذِي وَقع بِأَرْض،
وَذَلِكَ لِأَن الْمقَام بالموضع الَّذِي لَا طاعون فِيهِ
أسكن للقلوب. قَوْله: (فِرَارًا مِنْهُ) أَي: لأجل
الْفِرَار من الطَّاعُون.
وَذكر ابْن جرير الْخلاف عَن السّلف فِي الْفِرَار مِنْهُ،
وَذكر عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَنه: كَانَ يبْعَث
بنيه إِلَى الْأَعْرَاب من الطَّاعُون، وَعَن الْأسود بن
هِلَال ومسروق، أَنَّهُمَا كَانَا يفران مِنْهُ، وَعَن
عَمْرو بن الْعَاصِ، أَنه قَالَ: تفَرقُوا فِي هَذَا الرجز
فِي الشعاب والأودية ورؤوس الْجبَال، فَبلغ معَاذًا
فَأنكرهُ. وَقَالَ: بل هُوَ شَهَادَة وَرَحْمَة ودعوة
نَبِيكُم، وَكَانَ بِالْكُوفَةِ طاعون فَخرج الْمُغيرَة
مِنْهَا، فَلَمَّا كَانَ فِي حضار بني عَوْف طعن فَمَاتَ.
وَأما عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
فَإِنَّهُ رَجَعَ من سرع وَلم يقدم عَلَيْهِ حِين قدم
الشَّام وَذَلِكَ لدفع الأوهام المشوشة لنَفس الْإِنْسَان،
وَتَأَول من فر أَنه لم ينهَ عَن الدُّخُول أَو الْخُرُوج
مَخَافَة أَن يُصِيبهُ غير الْمُقدر، وَلَكِن مَخَافَة
الْفِتْنَة أَن يَظُنُّوا أَن هَلَاك القادم إِنَّمَا حصل
بقدومه، وسلامة الفار إِنَّمَا كَانَت بفراره، وَهَذَا من
نَحْو النَّهْي
(16/58)
عَن الطَّيرَة. وَعَن ابْن مَسْعُود: هُوَ
فتْنَة على الْمُقِيم والفار، وَأما الفار فَيَقُول:
فَرَرْت فنجوت، وَأما الْمُقِيم فَيَقُول: أَقمت فمت
وَإِنَّمَا فر من لم يأتِ أَجله، وَأقَام من حضر أَجله.
وَقَالَت عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
(الْفِرَار مِنْهُ كالفرار من الزَّحْف) . وَيُقَال: قَلما
فر أحد من الوباء فَسلم. وَيَكْفِي فِي ذَلِك موعظة قَوْله
تَعَالَى: {ألم تَرَ إِلَى الَّذين خَرجُوا من دِيَارهمْ
وهم أُلُوف حذر الْمَوْت ... } (الْبَقَرَة: 342) .
الْآيَة، قَالَ الْحسن: خَرجُوا حذرا من الطَّاعُون
فأماتهم الله فِي سَاعَة وَاحِدَة، وهم أَرْبَعُونَ ألفا.
وَذكر أَبُو الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابه: كَانَت
الْعَرَب تَقول إِذا دخل أحد بَلَدا وفيهَا وباء فَإِنَّهُ
ينهق نهيق الْحمار قبل دُخُوله فِيهَا إِذا فل أَمن من
الوباء. فَإِن قلت: عدم الْقدوم عَلَيْهِ تَأْدِيب
وَتَعْلِيم، وَعدم الْخُرُوج إِثْبَات التَّوَكُّل
وَالتَّسْلِيم، وهما ضدان يُؤمر وَينْهى عَنهُ. قلت: قَالَ
ابْن الْجَوْزِيّ: إِنَّه لم يُؤمن على القادم عَلَيْهِ
أَن يظنّ إِذا أَصَابَهُ أَن ذَلِك على سَبِيل الْعَدْوى
الَّتِي لَا صنع للْعُذْر فِيمَا نهي عَن ذَلِك، فكلا
الْأَمريْنِ مُرَاد لإِثْبَات الْعذر وَترك التَّعَرُّض
لما فِيهِ من تزلزل الْبَاطِن. وَقَالَ بَعضهم: إِنَّمَا
نهى عَن الْخُرُوج لِأَنَّهُ إِذا خرج الأصحاء وَهلك
المرضى فَلَا يبْقى من يقوم بأمرهم.
قَوْله: (قَالَ أَبُو النَّضر: لَا يخرجكم إلاَّ فِرَارًا
مِنْهُ) ، كَذَا هُوَ بِالنّصب، وَيجوز رَفعه، واستشكلهما
الْقُرْطُبِيّ لِأَنَّهُ يُفِيد بِحكم ظَاهره أَنه لَا
يجوز لأحد أَن يخرج من الوباء إلاَّ من أجل الْفِرَار،
وَهَذَا محَال، وَهُوَ نقيض الْمَقْصُود من الحَدِيث،
فَلَا جرم قَيده بعض رُوَاة الْمُوَطَّأ بِكَسْر الْهمزَة
وَسُكُون الْفَاء، ورد هَذَا بِأَنَّهُ لَا يُقَال: أفر
إفراراً، وَإِنَّمَا يُقَال: فر فِرَارًا وَقيل: أَلا
هَهُنَا غلط من الرَّاوِي؟ وَالصَّوَاب حذفهَا، وَقيل:
إِنَّهَا زَائِدَة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {مَا مَنعك
أَن لَا تسْجد} (الْأَعْرَاف: 21) . أَي: مَا مَنعك أَن
تسْجد؟ وَوجه طَائِفَة النصب على الْحَال، وَجعلُوا:
ألاَّ، للْإِيجَاب لَا للاستثناء، وَتَقْدِيره: لَا
تخْرجُوا إِذا لم يكن خروجكم إلاَّ فِرَارًا مِنْهُ، فأباح
الْخُرُوج لغَرَض آخر كالتجارة وَنَحْوهَا.
4743 - حدَّثنا مُوساى بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا دَاوُدُ
بنُ أبِي الفُرَاتِ حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ بُرَيْدَةَ
عنْ يَحْيَى بنِ يَعْمَرَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قالَتْ سألْتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
عنِ الطَّاعُونِ فأخْبَرَنِي أنَّهُ عَذَابٌ يَبْعَثُهُ
الله علَى مَنْ يَشاءُ وأنَّ الله جَعَلَهُ رَحْمَةً
لِلْمُؤْمِنِينَ لَيْسَ مِنْ أحَدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ
فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صابِرَاً مُحْتَبِساً يَعْلَمُ
أنَّهُ لاَ يُصِيبُهُ إلاَّ مَا كتَبَ الله لَهُ إلاَّ
كانَ لَهُ مِثْلُ أجْرِ شَهِيدٍ.
هَذَا الحَدِيث من جنس الحَدِيث السَّابِق، فَلذَلِك ذكره
عَقِيبه فَتَقَع الْمُطَابقَة بَينه وَبَين التَّرْجَمَة
من حَيْثُ أَنه مُطَابق للمطابق والمطابق للمطابق للشَّيْء
مُطَابق لذَلِك الشَّيْء.
وَدَاوُد بن أبي الْفُرَات، بِضَم الْفَاء وَتَخْفِيف
الرَّاء وبالتاء الْمُثَنَّاة من فَوق: الْمروزِي ثمَّ
الْبَصْرِيّ مَاتَ سنة سبع وَسِتِّينَ وَمِائَة، وَعبد
الله بن بُرَيْدَة، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة مصغر بردة:
ابْن الْحصيب بالمهملتين قَاضِي مرو، تقدم فِي الْحيض،
وَيحيى بن يعمر، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون
الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْمِيم وبالراء: الْبَصْرِيّ
النَّحْوِيّ القَاضِي أَيْضا بمرو التَّابِعِيّ الْجَلِيل.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن
مُوسَى بن إِسْمَاعِيل أَيْضا وَفِي الطِّبّ عَن إِسْحَاق
عَن حبَان بن هِلَال وَفِي الْقدر عَن إِسْحَاق بن
إِبْرَاهِيم عَن النَّضر بن شُمَيْل، وَأخرجه النَّسَائِيّ
فِي الطِّبّ عَن الْعَبَّاس ابْن مُحَمَّد وَعَن
إِبْرَاهِيم بن يُونُس.
قَوْله: (لَيْسَ من أحد) كلمة: من، زَائِدَة. قَوْله:
(فيمكث فِي بَلَده) ، أَي: يسْتَقرّ فِيهِ وَلَا يخرج.
قَوْله: (صَابِرًا) ، حَال وَكَذَا قَوْله: (محتسباً)
إِمَّا من الْأَحْوَال المترادفة أَو المتداخلة،
وَكَذَلِكَ قَوْله: (يعلم) حَال. قَوْله: (إلاَّ كَانَ
لَهُ) ، اسْتثِْنَاء من قَوْله: أحد.
وَفِيه: بَيَان عناية الله تَعَالَى بِهَذِهِ الْأمة
المكرمة حَيْثُ جعل مَا وعد عذَابا لغَيرهم رَحْمَة لَهُم.
5743 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدَّثنا لَ يْثٌ
عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهَا أنَّ قُرَيْشَاً أهَمَّهُمْ شأنُ
المَرْأةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سرَقَتْ فَقَالُوا
ومنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فقالُوا ومنْ يَجْتَرِي علَيْهِ إلاَّ أُسَامَةُ بنُ
زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ فَقَالَ
(16/59)
رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ الله ثُمَّ قامَ
فاخْتطَبَ ثُمَّ قالَ إنَّمَا أهْلَكَ الَّذِينَ
قَبْلَكُمْ أنَّهُمْ كانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمْ
الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وإذَا سرَقَ فِيهِم الضَّعِيفُ
أقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ وايْمُ الله لَوْ أنَّ فاطِمَةَ
ابْنَةَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (إِنَّمَا أهلك الَّذين
من قبلكُمْ) لِأَن المُرَاد مِنْهُم بَنو إِسْرَائِيل،
وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَوْله فِي بعض طرقه: إِن بني
إِسْرَائِيل كَانُوا.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي فضل أُسَامَة عَن
قُتَيْبَة وَفِي الْحُدُود عَن أبي الْوَلِيد. وَأخرجه
مُسلم فِي الْحُدُود عَن قُتَيْبَة وَمُحَمّد بن رمح.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن يزِيد بن خَالِد وقتيبة.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ وَالنَّسَائِيّ فِي الْقطع
جَمِيعًا عَن قُتَيْبَة. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي
الْحُدُود عَن مُحَمَّد بن رمح.
قَوْله: (أَهَمَّهُمْ) ، أَي: أحزنهم. قَوْله: (شَأْن
الْمَرْأَة) ، أَي: حَال الْمَرْأَة المخزومية، وَهِي
فَاطِمَة بنت الْأسود بن عبد الْأسد بنت أخي أبي سَلمَة
عبد الله بن عبد الْأسد وَكَانَت سرقت حليا وَكَانَ ذَلِك
فِي غَزْوَة الْفَتْح. وَقتل أَبوهَا كَافِرًا يَوْم بدر،
وَكَانَ حلف ليكسرن حَوْض رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، فقاتل حَتَّى وصل إِلَيْهِ فأدركه حَمْزَة، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، وَهُوَ يكسرهُ فَقتله، فاختلط دَمه
بِالْمَاءِ. قَوْله: (فَقَالُوا) ، أَي: قُرَيْش. قَوْله:
(فِيهَا) ، أَي: فِي الْمَرْأَة المخزومية، أَي: لأَجلهَا.
قَوْله: (وَمن يجترىء عَلَيْهِ؟) أَي: وَمن يتجاسر
عَلَيْهِ؟ بطرِيق الإدلال. قَوْله: (حب رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم) بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة
وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: أَي مَحْبُوب رَسُول الله،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (أَتَشفع) ، الْهمزَة
فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الْإِنْكَار. قَوْله: (أَنهم)
بِفَتْح الْهمزَة. قَوْله: (وأيم الله) اخْتلف فِي همزته:
هَل هِيَ للوصل أَو للْقطع؟ وَهُوَ من أَلْفَاظ الْقسم
نَحْو: لعمر الله، وعهد الله، وَفِيه لُغَات كَثِيرَة
وتفتح همزته وتكسر. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: وهمزتها همزَة
وصل، وَقد تقطع، وَأهل الْكُوفَة من النُّحَاة يَزْعمُونَ
أَنه جمع يَمِين، وَغَيرهم يَقُول: هُوَ اسْم مَوْضُوع
للقسم.
وَفِيه: النَّهْي عَن الشَّفَاعَة فِي الْحُدُود وَلَكِن
ذَلِك بعد بُلُوغه إِلَى الإِمَام. وَفِيه: منقبة ظَاهِرَة
لأسامة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
6743 - حدَّثنا آدَمُ حدَّثنا شُعْبَةُ حدَّثنا عَبْدُ
المَلِكِ بنُ مَيْسَرَةَ قَالَ سَمِعْتُ النَّزَّال بنَ
سَبْرَةَ الهِلاَلِيَّ عنِ ابنِ مَسْعُودٍ رَضِي الله
تَعَالَى عنهُ قَالَ سَمِعْتُ رَجُلاً قرَأ وسَمِعْتُ
النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقْرَأُ خِلافَهَا
فَجِئْتُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فأخْبَرْتُهُ فعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الكَرَاهِيَةَ
وَقَالَ كِلاَكُمَا مُحْسِنٌ وَلاَ تَخْتَلِفُوا فإنَّ
مَنْ كانَ قَبْلَكُمْ اخْتَلَفُوا فَهَلَكُوا. (انْظُر
الحَدِيث 0142 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَإِن من كَانَ قبلكُمْ
اخْتلفُوا) . وآدَم هُوَ ابْن أبي إِيَاس، وَعبد الْملك
ميسرَة ضد الميمنة، والنزال، بِفَتْح النُّون وَتَشْديد
الزَّاي وباللام، سبق مَعَ الحَدِيث فِي كتاب الْخُصُومَات
فَإِنَّهُ أخرج هَذَا الحَدِيث هُنَاكَ عَن أبي الْوَلِيد
عَن شُعْبَة عَن عبد الْملك بن ميسرَة ... إِلَى آخِره.
قَوْله: (قَرَأَ) ويروى: قَرَأَ آيَة، وَقد مر الْكَلَام
فِيهِ هُنَاكَ.
131 - (حَدثنَا عمر بن حَفْص حَدثنَا أبي حَدثنَا
الْأَعْمَش قَالَ حَدثنِي شَقِيق قَالَ عبد الله كَأَنِّي
أنظر إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- يَحْكِي نَبيا من الْأَنْبِيَاء ضربه قومه فأدموه وَهُوَ
يمسح الدَّم عَن وَجهه وَيَقُول اللَّهُمَّ اغْفِر لقومي
فَإِنَّهُم لَا يعلمُونَ) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله
نَبيا من الْأَنْبِيَاء وَالظَّاهِر أَنه من أَنْبيَاء بني
إِسْرَائِيل وَقَالَ النَّوَوِيّ هَذَا النَّبِي الَّذِي
حكى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا
جرى لَهُ من الْمُتَقَدِّمين وَقَالَ بَعضهم يحْتَمل أَن
يكون هُوَ نوح عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَإِن قومه
كَانُوا يبطشون بِهِ فيخنقونه حَتَّى يغشى عَلَيْهِ فَإِذا
أَفَاق قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِر لقومي فَإِنَّهُم لَا
يعلمُونَ (قلت) على قَوْله لَا مُطَابقَة بَينه وَبَين
التَّرْجَمَة فَإِن التَّرْجَمَة فِي بني إِسْرَائِيل ونوح
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قبل بني إِسْرَائِيل
بِمدَّة متطاولة وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ أَن النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هُوَ الحاكي والمحكي
(قلت) هَذَا أَيْضا نَحوه وَعمر بن حَفْص شيخ البُخَارِيّ
يروي
(16/60)
عَن أَبِيه حَفْص بن غياث بن طلق
النَّخعِيّ الْكُوفِي قاضيها وَهُوَ يروي عَن سُلَيْمَان
الْأَعْمَش عَن شَقِيق بن سَلمَة عَن عبد الله بن مَسْعُود
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ
أَيْضا فِي اسْتِتَابَة الْمُرْتَدين وَأخرجه مُسلم فِي
الْمَغَازِي عَن مُحَمَّد بن نمير وَعَن أبي بكر بن أبي
شيبَة وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْفِتَن عَن ابْن نمير
بِهِ -
8743 - حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ حدَّثنا أبُو عَوانَةَ عنْ
قَتَادَةَ عنْ عُقْبَةَ بنِ عَبْدِ الغافِرِ عنْ أبِي
سَعِيدٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عَن النَّبِيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أنَّ رَجُلاً كانَ قَبْلَكُمْ رغَسَهُ الله
مَالا فَقَالَ لِبَنِيه لَمَّا حُضِرَ أيَّ أبٍ كُنْتُ
لَكُمْ قَالُوا خَيْرَ أبٍ قَالَ فإنِّي لَمْ أعْمَلْ
خَيْرَاً قَطُّ فإذَا مُتُّ فأحْرِقُونِي ثُمَّ
اسْحَقُونِي ثُمَّ ذَرُّونِي فِي يَوْم عاصِفٍ ففَعَلُوا
فَجَمَعَهُ الله عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ مَا حَمَلَكَ قَالَ
مَخافَتَكَ فتَلَقَّاهُ بِرَحْمَتِهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أَن رجلا كَانَ
قبلكُمْ) . وَأَبُو الْوَلِيد هُوَ هِشَام بن عبد الْملك،
وَأَبُو عوَانَة، بِفَتْح الْعين: الوضاح ابْن عبد الله
الْيَشْكُرِي، وَعقبَة بن عبد الغافر أَبُو نَهَار
الْأَزْدِيّ الْكُوفِي وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى
هَذَا الحَدِيث وَحَدِيث آخر مضى فِي الْوكَالَة.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الرقَاق عَن
مُوسَى بن إِسْمَاعِيل وَفِي التَّوْحِيد عَن عبد الله
ابْن أبي الْأسود، وَأخرجه مُسلم فِي التَّوْبَة عَن عبيد
الله بن معَاذ وَعَن يحيى بن حبيب وَعَن أبي مُوسَى وَعَن
ابْن أبي شيبَة.
قَوْله: (رغسه الله) ، بِفَتْح الرَّاء والغين
الْمُعْجَمَة وَالسِّين الْمُهْملَة، أَي: أعطَاهُ الله،
وَقيل: أَي أَكثر مَاله وَبَارك فِيهِ، وَهُوَ من الرغس
وَهُوَ الْبركَة والنماء وَالْخَيْر، وَرجل مرغوس كثير
المَال وَالْخَيْر، وَقيل: رغس كل شَيْء أَصله،
فَكَأَنَّهُ جعل لَهُ أصلا من المَال. وَقيل: يرْوى: رَأسه
الله مَالا، بِالسِّين الْمُهْملَة. وَقَالَ ابْن التِّين،
هَذَا غلط، فَإِن صَحَّ فَهُوَ بشين مُعْجمَة من الريش
والرياش وَهُوَ المَال. قلت: فِي رِوَايَة مُسلم: راشه
الله، بالراء والشين الْمُعْجَمَة من الريش وَهُوَ المَال.
قَوْله: (لما حضر) ، على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: لما
حَضَره الْمَوْت. قَوْله: (فِي يَوْم عاصف) ، أَي: عاصف
رِيحه أَي: شَدِيد. قَوْله: (مَا حملك؟) أَي: أَي شَيْء
حملك على هَذِه الْوَصِيَّة؟ قَوْله: (مخافتك) أَي:
حَملتنِي مخافتك، أَي: لأجل الْخَوْف مِنْك، فَيكون
ارْتِفَاع مخافتك بِالْفِعْلِ الْمَحْذُوف، وَقَالَ
الْكرْمَانِي: ارتفاعه بِأَنَّهُ مُبْتَدأ مَحْذُوف
الْخَبَر، أَو بِالْعَكْسِ، ويروى بِالنّصب على نزع
الْخَافِض أَي: لأجل مخافتك. قلت: الَّذِي ذَكرْنَاهُ أوجه
وأنسب على مَا لَا يخفى على المعرب. قَوْله: (فَتَلقاهُ) ،
بِالْقَافِ عِنْد أبي ذَر أَي: استقبله برحمته، وَقَالَ
ابْن التِّين: لَا أعلم للفاء وَجها إلاَّ أَن يكون أَصله:
فتلففه رَحمته، فَلَمَّا اجْتمعت الفاآت الثَّلَاث أبدلت
الْأَخِيرَة ألفا فَصَارَ: تلفاه، ويروى: فتلافاه، وَهِي
رِوَايَة الْكشميهني.
وَقَالَ مُعاذٌ حدَّثَنَا شُعْبَةُ عنْ قَتَادَةَ قَالَ
سَمِعْتُ عُقْبَةَ بنَ عَبْدِ الغَافِرِ سَمِعْتُ أبَا
سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم
هَذَا التَّعْلِيق وَصله مُسلم عَن عبيد الله بن معَاذ
الْعَنْبَري عَن أَبِيه حَدثنَا أبي حَدثنَا شُعْبَة عَن
قَتَادَة سمع عقبَة بن عبد الغافر يَقُول: سَمِعت أَبَا
سعيد الْخُدْرِيّ يحدث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: (أَن رجلا فِيمَن كَانَ قبلكُمْ راشه الله تَعَالَى
مَالا وَولدا، فَقَالَ لوَلَده: لتفعلن مَا آمركُم بِهِ
أَو لأولين ميراثي غَيْركُمْ إِذا أَنا مت، فأحرقوني،
وأكبر ظَنِّي أَنه قَالَ ثمَّ اسحقوني واذروني فِي الرّيح،
فَإِنِّي لم ابتهر عِنْد الله خيرا، وَإِن الله يقدر على
أَن يُعَذِّبنِي، قَالَ: فَأخذ مِنْهُم ميثاقاً فَفَعَلُوا
ذَلِك بِهِ وذري، فَقَالَ الله تَعَالَى: مَا حملك على مَا
فعلت؟ قَالَ: مخافتك، قَالَ: فَمَا تلافاه غَيرهَا) .
9743 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا أبُو عَوَانَةَ عنْ
عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ عنْ رِبْعِيِّ بنِ حِرَاشٍ
قَالَ قَالَ عُقْبَةُ لِحُذَيْفَةَ ألاَ تُحَدِّثُنا مَا
سَمِعْتَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ
سَمِعْتُهُ يَقُولُ إنَّ رَجُلاً
(16/61)
حَضَرَهُ المَوْتُ لَمَّا أيِسَ مِنَ
الحَيَاةِ أوْصَى أهْلَهُ إذَا مِتُّ فاجْمَعُوا لِي
حَطَباً كَثِيرَاً ثُمَّ أوْرُوا نارَاً حتَّى إذَا
أكَلَتْ لَحْمِي وخَلَصَتْ إلَى عَظْمِي فَخُذُوهَا
فاطْحَنُوهَا فَذَرُّونِي فِي اليَمِّ فِي يَوْمٍ حارٍّ
أوْ رَاح فجَمَعَهُ الله فَقَالَ لِمَ فَعَلْتَ قَالَ
خَشْيَتِكَ فغَفَرَ لَهُ قَالَ عُقْبَةُ وأنَا سَمِعْتُهُ
يَقُولُ. (انْظُر الحَدِيث 2543 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أَن رجلا حَضَره
الْمَوْت) وَهَذَا الحَدِيث مضى فِي أول: بَاب مَا ذكر عَن
بن إِسْرَائِيل، بأتم مِنْهُ، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ:
عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن أبي عوَانَة عَن عبد الله
بن عُمَيْر عَن ربعي بن حِرَاش ... إِلَى آخِره، وَهنا
أخرجه: عَن مُسَدّد عَن أبي عوَانَة الوضاح، وَهَذَا
هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني، وَأَبُو ذَر صوب رِوَايَة
الْأَكْثَرين، وَهِي: عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل
التَّبُوذَكِي، وَذكر أَبُو نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) :
أَنه عَن مُوسَى ومسدد جَمِيعًا لِأَنَّهُمَا قد سمعا من
أبي عوَانَة، وَقد ذكرنَا هُنَاكَ مَا تيَسّر لنا من لطف
الله وفضله، فلنذكر هُنَا مَا يجلب من الْفَوَائِد
أحْسنهَا وأخصرها.
فَقَوله: (قَالَ عقبَة) هُوَ عقبَة بن عَمْرو أَبُو
مَسْعُود البدري، لَا عقبَة بن عبد الغافر الْمَذْكُور
آنِفا. وَلَا يلتبس عَلَيْك. قَوْله: (ألاَ تحدثنا) ،
كلمة: أَلا، هُنَا للعرض والتحضيض، ومعناهما طلب الشَّيْء،
وَلَكِن الْعرض طلب بلين والتحضيض طلب بحث وإلاَّ هَذِه
تختيص بالفعلية. قَوْله: (قَالَ سمعته) أَي: قَالَ عقبَة:
سَمِعت حُذَيْفَة، يَقُول: قَالَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (أوصى إِلَى أَهله) ويروى (أوصى
أَهله) قَوْله: (صم أوروا) أَمر للْجمع بِفَتْح الْهمزَة
من أورى يوري إيراءً، يُقَال: ورى الزند يري: إِذا خرجت
ناره، وأوراه غَيره إِذا استخرج ناره. قَوْله: (وَإِذا
خلصت) بِفَتْح اللاَّم أَي: وصلت. قَوْله: (فذروني) ،
بِضَم الذَّال وَتَشْديد الرَّاء من: ذروت الشَّيْء أذروه
ذَروا: إِذا فرقته. قَوْله: (فِي اليم) ، أَي: فِي
الْبَحْر. قَوْله: (فِي يَوْم حَار أَو رَاح) هَذَا على
الشَّك فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ، وَعند أبي الْهَيْثَم:
حَار فَقَط بالراء أَي: شَدِيد الْحر. قَالَ الْجَوْهَرِي:
حر النَّهَار فِيهِ لُغَتَانِ تَقول: حررت يَا يَوْم
بِالْفَتْح وحررت بِالْكَسْرِ وأحر النَّهَار لُغَة فِيهِ
سَمعهَا الْكسَائي. قَوْله: (أَو رَاح) ، أَي: ذِي ريح
شَدِيدَة، وَفِي رِوَايَة الْمروزِي: حَاز، بحاء مُهْملَة
وزاي مُشَدّدَة وَمَعْنَاهُ: يحز بِبرْدِهِ أَو حره،
وَكَذَا قَيده الْأصيلِيّ وَأَبُو ذَر، وَفِي رِوَايَة
الْقَابِسِيّ: فِي يَوْم حَان، بالنُّون، وَاقْتصر ابْن
التِّين على هَذِه الرِّوَايَة، ثمَّ نقل عَن ابْن فَارس:
الحون ريح يحن كحنين الْإِبِل، قَالَ: فعلى هَذَا يقْرَأ:
فِي يَوْم حَان بتَشْديد النُّون، يُرِيد حَان رِيحه.
وَفِي (التَّوْضِيح) : وَتَبعهُ بعض شُيُوخنَا فاقتصر
عَلَيْهِ فِي شَرحه وأهمل الْبَاقِي. قَوْله: (فَجَمعه
الله) أَي: جمع جسده لِأَن التحريق والتفريق إِنَّمَا وَقع
عَلَيْهِ وَهُوَ الَّذِي يجمع ويعاد عِنْد الْبَعْث، وَفِي
حَدِيث سلمَان الْفَارِسِي عِنْد أبي عوَانَة فِي
(صَحِيحه) : فَقَالَ الله: كن، فَكَانَ كأسرع من طرف
الْعين. قَوْله: (فَقَالَ: لِمَ فعلت) أَي: فَقَالَ الله
تَعَالَى لذَلِك الرجل: لِمَ فعلت هَذَا؟ (قَالَ: من
خشيتك) ، أَي: من أجل خَشْيَتِي مِنْك. قَوْله: (فغفر
لَهُ) فَإِن قلت: إِن كَانَ هَذَا الرجل مُؤمنا فلِمَ شَك
فِي قدرَة الله تَعَالَى؟ حَيْثُ قَالَ: فوَاللَّه لَئِن
قدر عَليّ رَبِّي ليعذبني عذَابا مَا عذبه أحدا، على مَا
يَأْتِي عَن قريب فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، وَإِن لم يكن، فَكيف غفر لَهُ؟ قلت: كَانَ
مُؤمنا بِدَلِيل الخشية، وَمعنى: قدر، مخففاً ومشدداً: حكم
وَقضى، أَو ضيق. وَقَالَ النَّوَوِيّ: قيل: أَيْضا: إِنَّه
على ظَاهره، وَلَكِن قَالَه غير ضَابِط لنَفسِهِ وقاصد
لمعناه، بل قَالَه فِي حَالَة غلب عَلَيْهِ فِيهَا الدهش
وَالْخَوْف بِحَيْثُ ذهب تدبره فِيمَا يَقُوله، فَصَارَ
كالغافل وَالنَّاسِي لَا يُؤَاخذ عَلَيْهِمَا، أَو أَنه
كَانَ فِي زمَان يَنْفَعهُ مُجَرّد التَّوْحِيد، أَو كَانَ
فِي شرعهم جَوَاز الْعَفو عَن الْكَافِر. وَقَالَ
الْخطابِيّ: فَإِن قلت: كَيفَ يغْفر لَهُ وَهُوَ مُنكر
للقدرة على الْإِحْيَاء؟ قلت: لَيْسَ بمنكر، إِنَّمَا هُوَ
رجل جَاهِل ظن أَنه إِذا صنع بِهِ هَذَا الصَّنِيع ترك
فَلم ينشر وَلم يعذب، وَحَيْثُ قَالَ: من خشيتك، علم أَنه
أَنه رجل مُؤمن فعل مَا فعل من خشيَة الله، ولجهله حسب أَن
هَذِه الْحِيلَة تنجيه. قَوْله: (وَقَالَ عقبَة) ، أَي:
عقبَة بن عَمْرو أَبُو مَسْعُود البدري: (وَأَنا سمعته
يَقُول) أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
حدَّثنا مُوسَى حدَّثنا أبُو عَوَانَةَ حدَّثنا عَبْدُ
المَلِكِ وَقَالَ فِي يَوْمٍ رَاحٍ
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل
التَّبُوذَكِي خَالف مُسَددًا فِي لَفظه من الحَدِيث
الْمَذْكُور، وَهِي قَوْله: فِي يَوْم رَاح، لِأَن فِي
رِوَايَة مُسَدّد: فِي يَوْم حَار، على مَا مر عَن قريب.
(16/62)
0843 - حدَّثنا عبْدُ الْعَزِيزِ بنُ
عَبْدِ الله حدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عنِ ابنِ
شِهَابٍ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ
عنْ أبِي هُرَيْرَةَ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ كانَ رَّجُلُ يُدَايِنُ النَّاسَ فَكانَ
يَقُولُ لِفَتَاهُ إذَا أتَيْتَ مُعْسِرَاً فتَجَاوَزَ
عنْهُ لَعَلَّ الله أنْ يَتَجاوَزَ عَنَّا قَالَ فَلَقِيَ
الله فتَجَاوَزَ عَنْهُ. (انْظُر الحَدِيث 8702) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي أول الحَدِيث، وَقد مضى هَذَا
الحَدِيث فِي الْبيُوع فِي: بَاب من أنظر مُعسرا،
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن هِشَام بن عمار عَن يحيى بن
حَمْزَة عَن الزبيدِيّ عَن الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله بن
عبد الله ... إِلَى آخِره نَحوه، غير أَن فِيهِ: كَانَ
تَاجِرًا يداين النَّاس.
1843 - حدَّثني عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثنا هِشَامٌ
أخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ حُمَيْدِ بنِ
عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله
تَعَالَى عنهُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ كانَ رَجُلٌ يُسْرِفُ عَلَى نَفْسِهِ فلَمَّا
حَضَرَهُ المَوْتُ قَالَ لِبَنِيهِ إذَا أنَا مُتُّ
فأحْرِقُونِي ثُمَّ اطْحَنُونِي ثُمَّ ذَرُّونِي فِي
الرِّيحِ فَوَالله لَئِنْ قَدَرَ علَيَّ رَبِّي
لَيُعَذِّبَنِّي عَذَابَاً مَا عَذَّبَهُ أحَدَاً فلَمَّا
ماتَ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ فأمَرَ الله الأرْضَ فَقَالَ
اجْمَعِي مَا فِيكِ مِنْهُ فَفَعَلَتْ فإذَا هُوَ قَائِمٌ
فَقَالَ مَا حَمَلَكَ علَى مَا صَنَعْتَ قَالَ يَا رَبِّ
خَشَيْتُكَ فغَفَرَ لَهُ وَقَالَ غَيْرَهُ مَخافَتُكَ يَا
رَبِّ. (الحَدِيث 1843 طرفه فِي: 6057) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَكَانَ رجل مُسْرِف
على نَفسه) . وَعبد الله بن مُحَمَّد هُوَ الْمَعْرُوف
بالمسندي، وَهِشَام هُوَ ابْن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ،
وَكَانَ قاضيها. قَوْله: (ثمَّ ذروني) ، بِفَتْح الذَّال
وَتَخْفِيف الرَّاء أَي: اتركوني، وَهُوَ أَمر من: يذر،
وَالْعرب أماتوا ماضيه، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ثمَّ
أذروني، بِفَتْح الْهمزَة فِي أَوله من: أذرت الرّيح
الشَّيْء: إِذا فرقته بهبوبها. قَوْله: (فوَاللَّه لَئِن
قدر عَليّ) قد مضى مَعْنَاهُ عَن قريب. قَوْله: (فعل بِهِ
ذَلِك) أَي: الَّذِي أوصى بِهِ الرجل. قَوْله: (وَقَالَ
غَيره) المُرَاد من لفظ: الْغَيْر، هُوَ عبد الرَّزَّاق،
فَإِن هشاماً روى عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ بِلَفْظ:
خشيتك، وروى عبد الرَّزَّاق عَن معمر بِلَفْظ: مخافتك بدل
خشيتك، ومعناهما وَاحِد، وَبَقِيَّة مَعَاني أَلْفَاظ
الحَدِيث قد مرت عَن قريب.
2843 - حدَّثني عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدِ بنِ أسْمَاءَ
حدَّثنا جُوَيْرِيَةُ بنُ أسْمَاءَ عنْ نافِعٍ عنْ عَبْدِ
الله ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّ رَسُولَ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ عُذِّبَتْ امْرَأةٌ
فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حتَّى ماتَتْ فدَخَلَتْ فِيهَا
النَّارَ لاَ هِيَ أطْعَمَتْهَا وَلَا هِيَ سَقَتْهَا إذْ
حَبَسَتْهَا ولاَ هِيَ تَرَكَتْهَا تأكُلُ مِنْ خَشَاشِ
الأرْضِ. (انْظُر الحَدِيث 5632 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن وضع الحَدِيث هُنَا
يدل على أَن تِلْكَ الْمَرْأَة من بني إِسْرَائِيل وَعبد
الله بن مُحَمَّد بن أَسمَاء بن عبيد بن مِخْرَاق الضبعِي
الْبَصْرِيّ ابْن أخي جوَيْرِية بن أَسمَاء وَهُوَ شيخ
مُسلم أَيْضا، وَجُوَيْرِية مصغر جَارِيَة بِالْجِيم ابْن
أَسمَاء بن عبيد ابْن مِخْرَاق الضبعِي الْبَصْرِيّ،
والْحَدِيث مر فِي أَوَاخِر بَدْء الْخلق فِي: بَاب خمس من
الدَّوَابّ، وَمر أَيْضا نَحوه فِي الصَّلَاة فِي: بَاب
مَا يقْرَأ بعد التَّكْبِير. وَأخرجه مُسلم فِي
الْحَيَوَان وَفِي الْأَدَب عَن عبد الله بن مُحَمَّد
الْمَذْكُور وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله: (فِي
هرة) ، أَي: بِسَبَب هرة، وَقد تَجِيء كلمة: فِي،
للسَّبَبِيَّة كَمَا فِي نَحْو: فِي النَّفس المؤمنة مائَة
إبل. قَوْله: (خشَاش الأَرْض) بالمعجمات وَفتح الْخَاء،
وَهِي: حشرات الأَرْض وهوامها.
(16/63)
3843 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ يُوُنُسَ عَنْ
زُهَيْرٍ حدَّثنا مَنْصُورٌ عَن رِبْعِيِّ ابنِ حِرَاشٍ
حدَّثنَا أَبُو مَسْعُودٍ عُقْبَةُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّ مِمَّا أدْرَكَ النَّاسُ
مِنْ كَلاَمِ النُبوَّةِ إذَا لَمْ تَسْتَحِي فافْعَلْ مَا
شِئْتَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة يُمكن أَن تُؤْخَذ من أول الحَدِيث
لِأَن المُرَاد من النَّاس الْأَوَائِل، وَهُوَ يَشْمَل
بني إِسْرَائِيل وَغَيرهم فَافْهَم. وَأحمد ابْن يُونُس
هُوَ أَحْمد بن عبد الله بن يُونُس اليربرعي الْكُوفِي،
وَزُهَيْر هُوَ ابْن مُعَاوِيَة الْكُوفِي، وَمَنْصُور
هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر الْكُوفِي، وَربع ابْن حِرَاش مر
عَن قريب، وَأَبُو مَسْعُود عقبَة بن عَمْرو البدري،
وَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظ وَحكى الدَّارَقُطْنِيّ فِي
(الْعِلَل) رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن سعد عَن مَنْصُور عَن
عبد الْملك فَقَالَ: عَن ربعي عَن حُذَيْفَة، وَرَوَاهُ
أَيْضا أَبُو مَالك الْأَشْجَعِيّ عَن ربعي بن حِرَاش عَن
حُذَيْفَة. قيل: لَا يبعد أَن يكون ربعي سَمعه من أبي
مَسْعُود وَمن حُذَيْفَة جَمِيعًا.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَدَب عَن
أَحْمد بن يُونُس. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَب عَن
القعْنبِي. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الزّهْد عَن عَمْرو بن
رَافع.
قَوْله: (إِن مِمَّا أدْرك النَّاس) بِالرَّفْع وَالنّصب،
أَي: مِمَّا أدْركهُ النَّاس أَو مِمَّا بلغ النَّاس.
قَوْله: (من كَلَام النُّبُوَّة) أَي: مِمَّا اتّفق
عَلَيْهِ الْأَنْبِيَاء، أَي: إِنَّه مِمَّا ندب إِلَيْهِ
الْأَنْبِيَاء وَلم ينْسَخ فِيمَا نسخ من شرائعهم.
لِأَنَّهُ أَمر أطبقت عَلَيْهِ الْعُقُول، وَفِي رِوَايَة
أبي دَاوُد وَأحمد وَغَيرهمَا: من كَلَام النُّبُوَّة
الأولى، وَفِي بعض نسخ البُخَارِيّ هَكَذَا أَيْضا.
قَوْله: (فافعل مَا شِئْت) ويروى: فَاصْنَعْ مَا شِئْت.
وَفِيه: أوجه: أَحدهَا: إِذا لم تستح من العتب وَلم تخش
الْعَار فافعل مَا تحدثك بِهِ نَفسك، حسنا كَانَ أَو
قبيحاً، وَلَفظه أَمر وَمَعْنَاهُ توبيخ. الثَّانِي: أَن
يحمل الْأَمر على بَابه تَقول: إِذا كنت آمنا فِي فعلك أَن
تَسْتَحي مِنْهُ لجريك فِيهِ على الصَّوَاب وَلَيْسَ من
الْأَفْعَال الَّتِي يستحي مِنْهَا فَاصْنَعْ مَا شِئْت.
الثَّالِث: مَعْنَاهُ الْوَعيد أَي: إفعل مَا شِئْت تجازى
بِهِ. كَقَوْلِه عز وَجل: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُم} (فصلت:
04) . الرَّابِع: لَا يمنعك الْحيَاء من فعل الْخَيْر.
الْخَامِس: هُوَ على طَرِيق الْمُبَالغَة فِي الذَّم، أَي:
تَركك الْحيَاء أعظم مِمَّا تَفْعَلهُ، وَاعْلَم أَن
الْجُمْلَة أَعنِي قَوْله: إِذا لم تستح إسم: إِن، على
تَقْدِير القَوْل، أَو خَبره على تَأْوِيل من التبعيضية
بِلَفْظ الْبَعْض، وَلَفظ: إصنع، أَمر بِمَعْنى الْخَبَر
أَو أَمر تهديدي، أَي: إصنع مَا شِئْت فَإِن الله يجْزِيك.
5843 - حدَّثنا بِشْرُ بنُ مُحَمَّدٍ أخبرَنا عُبَيْدُ
الله أخبرَنا يُونُسُ عنِ الزُّهْرِيِّ أخبرَني سالِمٌ
أنَّ ابنَ عُمَرَ حدَّثَهُ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ بَيْنَما رجُلٌ يَجُرُّ إزَارَهُ
مِنَ الخُيَلاَءِ خُسِفَ بِهِ فَهْوَ يَتَجَلْجَلُ فِي
الأرْضِ إلَى يَوْمِ القِيَامَةِ. (الحَدِيث 5843 طرفه
فِي: 0975) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من لفظ الحَدِيث، لِأَن
الرجل الَّذِي فِيهِ من الْأَوَائِل وَهُوَ يَشْمَل بني
إِسْرَائِيل وَغَيرهم، وَقيل: هَذَا الرجل هُوَ قَارون
وَهُوَ من بني إِسْرَائِيل. وَبشر. بِكَسْر الْبَاء
الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: ابْن مُحَمَّد
أَبُو مُحَمَّد السّخْتِيَانِيّ الْمروزِي وَهُوَ من
أَفْرَاده، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي،
وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد الْأَيْلِي، وَالزهْرِيّ هُوَ
مُحَمَّد بن مُسلم، وَسَالم هُوَ ابْن عبد الله ابْن عمر.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن وهب بن
بَيَان.
قَوْله: (بَيْنَمَا) ظرف مُضَاف إِلَى جملَة فَيحْتَاج
إِلَى جَوَاب، وَجَوَابه هُوَ قَوْله: (خسف بِهِ) .
قَوْله: (من الْخُيَلَاء) هُوَ التكبر والتبختر مَعَ
الْإِعْجَاب. قَوْله: (يتجلجل) أَي: يَتَحَرَّك فِي
الأَرْض، والجلجلة الْحَرَكَة مَعَ صَوت، وَقَالَ ابْن
دُرَيْد: كل شَيْء خلطت بعضه بِبَعْض فقد جلجلته. وَعَن
ابْن فَارس: هُوَ أَن يسيخ فِي الأَرْض مَعَ اضْطِرَاب
شَدِيد وتدافع من شقٍ إِلَى شقٍ.
تابَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ خَالِدٍ عنِ الزُّهْرِيِّ
أَي: تَابع يونُسَ عبدُ الرَّحْمَن بن خَالِد فِي
رِوَايَته عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَعبد
الرَّحْمَن هَذَا هُوَ أَبُو خَالِد الفهمي مولى اللَّيْث
ابْن سعد بن عَوْف، روى عَنهُ اللَّيْث، وَكَانَ والياً
لهشام على مصر سنة ثَمَان عشرَة وَمِائَة، وعزل سنة تسع
عشرَة، وَتُوفِّي سنة سبع وَعشْرين وَمِائَة، وَوصل هَذِه
الْمُتَابَعَة الذهلي فِي (الزهريات) عَن أبي صَالح عَن
اللَّيْث عَن عبد الرَّحْمَن.
5843 - حدَّثنا بِشْرُ بنُ مُحَمَّدٍ أخبرَنا عُبَيْدُ
الله أخبرَنا يُونُسُ عنِ الزُّهْرِيِّ أخبرَني سالِمٌ
أنَّ ابنَ عُمَرَ حدَّثَهُ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ بَيْنَما رجُلٌ يَجُرُّ إزَارَهُ
مِنَ الخُيَلاَءِ خُسِفَ بِهِ فَهْوَ يَتَجَلْجَلُ فِي
الأرْضِ إلَى يَوْمِ القِيَامَةِ. (الحَدِيث 5843 طرفه
فِي: 0975) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من لفظ الحَدِيث، لِأَن
الرجل الَّذِي فِيهِ من الْأَوَائِل وَهُوَ يَشْمَل بني
إِسْرَائِيل وَغَيرهم، وَقيل: هَذَا الرجل هُوَ قَارون
وَهُوَ من بني إِسْرَائِيل. وَبشر. بِكَسْر الْبَاء
الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: ابْن مُحَمَّد
أَبُو مُحَمَّد السّخْتِيَانِيّ الْمروزِي وَهُوَ من
أَفْرَاده، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي،
وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد الْأَيْلِي، وَالزهْرِيّ هُوَ
مُحَمَّد بن مُسلم، وَسَالم هُوَ ابْن عبد الله ابْن عمر.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن وهب بن
بَيَان.
قَوْله: (بَيْنَمَا) ظرف مُضَاف إِلَى جملَة فَيحْتَاج
إِلَى جَوَاب، وَجَوَابه هُوَ قَوْله: (خسف بِهِ) .
قَوْله: (من الْخُيَلَاء) هُوَ التكبر والتبختر مَعَ
الْإِعْجَاب. قَوْله: (يتجلجل) أَي: يَتَحَرَّك فِي
الأَرْض، والجلجلة الْحَرَكَة مَعَ صَوت، وَقَالَ ابْن
دُرَيْد: كل شَيْء خلطت بعضه بِبَعْض فقد جلجلته. وَعَن
ابْن فَارس: هُوَ أَن يسيخ فِي الأَرْض مَعَ اضْطِرَاب
شَدِيد وتدافع من شقٍ إِلَى شقٍ.
تابَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ خَالِدٍ عنِ الزُّهْرِيِّ
أَي: تَابع يونُسَ عبدُ الرَّحْمَن بن خَالِد فِي
رِوَايَته عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَعبد
الرَّحْمَن هَذَا هُوَ أَبُو خَالِد الفهمي مولى اللَّيْث
ابْن سعد بن عَوْف، روى عَنهُ اللَّيْث، وَكَانَ والياً
لهشام على مصر سنة ثَمَان عشرَة وَمِائَة، وعزل سنة تسع
عشرَة، وَتُوفِّي سنة سبع وَعشْرين وَمِائَة، وَوصل هَذِه
الْمُتَابَعَة الذهلي فِي (الزهريات) عَن أبي صَالح عَن
اللَّيْث عَن عبد الرَّحْمَن.
(16/64)
6843 - حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ
حدَّثَنا وُهَيْبٌ قَالَ حدَّثني ابْن طاوُوسٍ عنْ أبِيِه
عَن أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عنِ
النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ نَحْنُ
الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ بَيْدَ كلِّ
أُمَّةٍ أُوتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِنَا وأُوتِينَا مِنْ
بَعْدِهِمْ فهَذَا اليَوْمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ
فغَدَاً لِلْيَهُودِ وبَعْدُ غَدٍ لِلْنَّصَارَى. عَلَى
كُلِّ مُسْلِمٍ فِي كلِّ سَبْعَةِ أيَّامٍ يَوْمٌ يَغْسِلُ
رأسَهُ وجَسَدَهُ. (انْظُر الحَدِيث 798 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (أُوتُوا الْكتاب
من قبلنَا) لأَنهم من بني إِسْرَائِيل وَغَيرهم. وَابْن
طَاوُوس هُوَ عبد الله، يروي عَن أَبِيه طَاوُوس.
والْحَدِيث مضى فِي أول كتاب الْجُمُعَة من وَجه آخر
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب
عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج أَنه: سمع أَبَا
هُرَيْرَة ... إِلَى آخِره، وَهنا زِيَادَة على ذَلِك،
وَهُوَ قَوْله: على كل مُسلم ... إِلَى آخِره.
قَوْله: (نَحن الْآخرُونَ) أَي: فِي الدُّنْيَا
(السَّابِقُونَ) فِي الْآخِرَة. قَوْله: (بيد) بِفَتْح
الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح
الدَّال الْمُهْملَة، وَمَعْنَاهُ: غير، يُقَال، فلَان
كثير المَال بيد أَنه بخيل، وَيَجِيء بِمَعْنى: إلاَّ،
وَبِمَعْنى: لَكِن، وَقَالَ الْمَالِكِي: الْمُخْتَار
عِنْدِي فِي: بيد أَن يَجْعَل حرف اسْتثِْنَاء بِمَعْنى:
لَكِن، لِأَن معنى إلاَّ مَفْهُوم مِنْهَا، وَلَا دَلِيل
على إسميتها. وَالْمَشْهُور اسْتِعْمَالهَا متلوة بِأَن
كَمَا فِي الحَدِيث، وَالْأَصْل فِيهِ: بيد أَن كل أمة ...
فَحذف أَن، وَبَطل عَملهَا. قَالَ أَبُو عبيد: وَفِيه
لُغَة أُخْرَى: ميد، بِالْمِيم وَجَاء فِي الحَدِيث: أَنا
أفْصح الْعَرَب ميد أَنِّي من قُرَيْش، وَقَالَ
الطَّيِّبِيّ: قيل: معنى: بيد، على أَنه، وَعَن
الْمُزنِيّ: سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول بيد من أجل قَوْله
اخْتلفُوا فِيهِ، معنى الِاخْتِلَاف فِيهِ أَنه فرض يَوْم
للْجمع لِلْعِبَادَةِ، ووكل إِلَى اختيارهم فمالت
الْيَهُود إِلَى السبت وَالنَّصَارَى إِلَى الْأَحَد،
وهدانا الله إِلَى يَوْم الْجُمُعَة الَّذِي هُوَ أفضل
الْأَيَّام. قَوْله: (على كل مُسلم) إِلَى آخِره، المُرَاد
بِهِ: يَوْم الْجُمُعَة، لِأَنَّهُ فِي كل سَبْعَة أَيَّام
يَوْم، وإشار بقوله: (يغسل رَأسه وَجَسَده) إِلَى
الِاغْتِسَال يَوْم الْجُمُعَة فَإِنَّهُ لَهُ فضلا
عَظِيما حَتَّى صرح فِي الحَدِيث الصَّحِيح أَنه وَاجِب
وَإِلَيْهِ ذهب مَالك وَآخَرُونَ.
8843 - حدَّثنا آدَمُ حدَّثنا شُعْبَةُ حدَّثنا عَمْرُو
بنُ مُرَّةَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بنَ الْمُسَيِّبِ قَالَ
قدِمَ مُعاوِيَةُ بنُ أبِي سُفْيَانَ المَدِينَةَ آخِرَ
قَدْمَةٍ قَدِمَهَا فَخَطَبَنا فأخْرَجَ كُبَّةً مِنْ
شَعَرٍ فَقَالَ مَا كُنْتُ أرَى أنَّ أحَدَاً يَفْعَلُ
هَذَا غَيْرَ اليَهُودِ وإنَّ النَّبِيَّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم سَمَّاهُ الزُّورَ يَعْنِي الوِصَالَ فِي
الشَّعَرَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (الْيَهُود) لأَنهم من
بني إِسْرَائِيل وَقد مر نَحوه من حَدِيث مُعَاوِيَة عَن
قريب فِي هَذَا الْبَاب، غير أَنه من وَجه آخر. قَوْله:
(قدمة) ، بِفَتْح الْقَاف وَكَانَ ذَلِك فِي سنة إِحْدَى
وَخمسين. قَوْله: (كبة) ، بِضَم الْكَاف وَتَشْديد الْبَاء
الْمُوَحدَة من الْغَزل، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الكبة
الْجَرّ وَهُوَ من الْغَزل، تَقول مِنْهُ: كببت الْغَزل،
أَي: جعلته كبباً، وَفِي الحَدِيث الَّذِي مضى قصَّة من
شعر. قَوْله: (سَمَّاهُ الزُّور) ، الزُّور الْكَذِب
والتزيين بِالْبَاطِلِ وَلَا شكّ أَن وصل الشّعْر مِنْهُ
وَفِيه طَهَارَة شعر الْآدَمِيّ.
تابَعَهُ غُنْدَرٌ عنْ شُعْبَةَ
أَي: تَابع آدَمَ شيخ البُخَارِيّ غندرُ، بِضَم الْغَيْن
الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون وَفتح الدَّال وَفِي آخِره
رَاء، وَهُوَ لقب مُحَمَّد بن جَعْفَر فِي رِوَايَة
الحَدِيث الْمَذْكُور عَن شُعْبَة، وَوصل مُسلم هُنَا
الْمُتَابَعَة وَقَالَ: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة
حَدثنَا غنْدر عَن شُعْبَة وَحدثنَا ابْن الْمثنى وَابْن
بشار، قَالَا: حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر حَدثنَا
شُعْبَة عَن عَمْرو بن مرّة عَن سعيد بن الْمسيب (قَالَ:
قدم مُعَاوِيَة الْمَدِينَة فَخَطَبنَا وَأخرج كبة من شعر،
فَقَالَ: مَا كنت أرى أَن أحدا يَفْعَله إلاَّ الْيَهُود،
إِن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بلغه فَسَماهُ
الزُّور) . وَقَالَ مُسلم: وَجَاء رجل بعصا على رَأسهَا
خرقَة، قَالَ مُعَاوِيَة: وَهَذَا الزُّور، قَالَ
قَتَادَة: يَعْنِي مَا يكثر النِّسَاء أشعارهن من الْخرق،
وَالله تَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ.
بِسم الله الرحْمان الرَّحِيم
(16/65)
|