عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 16 - (كِتابُ المَناقِبِ)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان المناقب، وَهُوَ جمع المنقبة،
وَهِي ضد المثلبة، وَوَقع فِي بعض النّسخ: بَاب المناقب،
وَالْأول أولى، لِأَن الْكتاب يجمع الْأَبْوَاب وَفِيه
أَبْوَاب كَثِيرَة تتَعَلَّق بأَشْيَاء كَثِيرَة على مَا
لَا يخفى.
1 - (بابُ قَوْلِ الله تَعالى {يَا أيُّهَا النَّاسُ إنَّا
خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وأنْثَى وجَعَلْنَاكُمْ
شُعُوبَاً وقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أكْرَمَكُمْ
عِنْدَ الله أتْقَاكُمْ} (الحجرات: 31) . وَقَولُهِ
{واتَّقُوا الله الَّذي تَسَّاءَلُونَ بِهِ الأرْحَامَ
إنَّ الله كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبَاً} (النِّسَاء: 1) .)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول الله تَعَالَى: {يَا أَيهَا
النَّاس ... } (الحجرات: 31) . إِلَى آخِره، ذكر هَذَا
ليبني عَلَيْهِ تَفْسِير الشعوب والقبائل وَمَا يتَعَلَّق
بهَا، وَاعْلَم أَن هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة نزلت فِي
ثَابت بن قيس، وَقَوله للرجل الَّذِي لم يفسح لَهُ: ابْن
فُلَانَة، فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
من الذاكر فُلَانَة؟ فَقَامَ ثَابت بن قيس. فَقَالَ: أَنا
يَا رَسُول الله! قَالَ: أنظر فِي وُجُوه الْقَوْم، فَنظر
إِلَيْهَا. فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
مَا رَأَيْت يَا ثَابت؟ قَالَ: رَأَيْت أَبيض وأسود وأحمر،
قَالَ: فَإنَّك لَا تفضلهم إلاَّ فِي الدّين وَالتَّقوى،
فَأنْزل الله فِي ثَابت هَذِه الْآيَة.
قَوْله: (من ذكر آدم عَلَيْهِ السَّلَام، وَأُنْثَى) ،
حَوَّاء، عَلَيْهَا السَّلَام، وَقيل: خلقنَا كل وَاحِد
مِنْكُم من أَب وَأم فَمَا مِنْكُم أحد إلاَّ وَهُوَ
يُدْلِي مَا يُدْلِي بِهِ الآخر سَوَاء بِسَوَاء، فَلَا
وَجه للتفاخر والتفاضل فِي النّسَب. قَوْله: (وجعلناكم
شعوباً) ، وَهِي رُؤُوس الْقَبَائِل وجمهورها، قيل: ربيعَة
وَمُضر والأوس والخزرج، وَاحِدهَا: شعب، بِفَتْح الشين،
والشعب الطَّبَقَة الأولى من الطَّبَقَات السِّت الَّتِي
عَلَيْهَا الْعَرَب، وَهِي: الشّعب والقبيلة والعمارة
والبطن والفخذ والفصيلة. فالشعب يجمع الْقَبَائِل،
والقبائل تجمع العمائر، والعمائر تجمع الْبُطُون، والبطن
تجمع الأفخاذ، والفخذ تجمع الفصائل. خُزَيْمَة شعب، وكنانة
قَبيلَة، وقريش عمَارَة، وقصي بطن، وهَاشِم فَخذ،
وَالْعَبَّاس فصيلة، وَسميت الشعوب: شعوباً لِأَن
الْقَبَائِل تتشعب مِنْهَا. وَقَالَ صَاحب (المنتهي) : مَا
تشعب من قبائل الْعَرَب والعجم، والشعوب الْأُمَم
الْمُخْتَلفَة، فالعرب شعب وَفَارِس شعب وَالروم شعب
وَالتّرْك شعب. وَفِي (الموعب) : الشّعب مِثَال كَعْب
وَعَن ابْن الْكَلْبِيّ: بِالْكَسْرِ، وَفِي (نَوَادِر
الهجري) : لم يسمع فصيحاً بِكَسْر الشين، وَفِي (الْمُحكم)
: الشّعب هُوَ الْقَبِيلَة نَفسهَا وَقد غلبت الشعوب
بِلَفْظ الْجمع على جيل الْعَجم، وَفِي (تَهْذِيب)
الْأَزْهَرِي: أخذت الْقَبَائِل من قبائل الرَّأْس
لاجتماعها، وَفِي (الصِّحَاح) قبائل الرَّأْس هِيَ الْقطع
المشعوب بَعْضهَا إِلَى بعض تصل بهَا الشؤون، وَقَالَ
الزّجاج: الْقَبِيلَة من ولد إِسْمَاعِيل، عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام، كالسبط من ولد إِسْحَاق، عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام، سموا بذلك ليفرق بَينهمَا، وَمعنى:
الْقَبِيلَة من ولد إِسْمَاعِيل معنى الْجَمَاعَة، يُقَال:
لكل جمَاعَة من وَاحِد: قَبيلَة، وَيُقَال لكل جمع على
شَيْء وَاحِد: قبيل، أَخذ من قبائل الشَّجَرَة وَهِي
أَغْصَانهَا، وَذكر ابْن الهبارية فِي كِتَابَة تِلْكَ
الْمعَانِي: أَن الْقَبَائِل من ولد عدنان مِائَتَان وَسبع
وَأَرْبَعُونَ قَبيلَة، والبطون من وَلَده مِائَتَان
وَأَرْبَعَة وَأَرْبَعُونَ بَطنا والأفخاذ خَمْسَة عشر
فخذاً غير أَوْلَاد أبي طَالب. وَذكر أهل اللُّغَة: أَن
الشعوب مثل مُضر وَرَبِيعَة، والقبائل دون ذَلِك مثل
قُرَيْش وَتَمِيم، ثمَّ العمائر جمع عميرَة، ثمَّ
الْبُطُون جمع بطن، ثمَّ الأفخاذ جمع فَخذ، وَقسم الجواني
الْعَرَب إِلَى عشر طَبَقَات: الجذم ثمَّ الْجُمْهُور ثمَّ
الشّعب ثمَّ الْقَبِيلَة ثمَّ الْعِمَارَة ثمَّ الْبَطن
ثمَّ الْفَخْذ ثمَّ الْعَشِيرَة ثمَّ الفصيلة ثمَّ
الرَّهْط. قَوْله: (لتعارفوا) ، أَي: ليعرف بَعْضكُم
بَعْضًا فِي قرب النّسَب وَبعده، فَلَا يعتري إِلَى غير
آبَائِهِ لَا أَن يتفاخروا بِالْآبَاءِ والأجداد، ويدَّعوا
التَّفَاضُل والتفاوت فِي الْأَنْسَاب، ثمَّ بيَّن
الْفَضِيلَة الَّتِي بهَا يفضل الْإِنْسَان على غَيره
ويكتسب الشّرف وَالْكَرم عِنْد الله تَعَالَى فَقَالَ:
{إِن أكْرمكُم عِنْد الله أَتْقَاكُم} وَقَالَ مُجَاهِد:
(لتعارفوا) ليقال فلَان ابْن فلَان، وَقَرَأَ ابْن
عَبَّاس: لتعرفوا، وَأنْكرهُ بعض أهل اللُّغَة. قَوْله:
(وَقَوله تَعَالَى: {وَاتَّقوا الله الَّذِي} (النِّسَاء:
1) . إِلَى آخِره أَي: اتَّقوا الله بطاعتكم إِيَّاه.
قَالَ إِبْرَاهِيم وَمُجاهد وَالْحسن وَالضَّحَّاك
وَالربيع وَغير وَاحِد: الَّذِي تساءلون بِهِ، أَي: كَمَا
يُقَال: أَسأَلك بِاللَّه وبالرحم، وَعَن الضَّحَّاك:
وَاتَّقوا الله الَّذِي بِهِ تعاقدون وتعاهدون، وَاتَّقوا
الْأَرْحَام أَن تقطعوها، وَلَكِن زوروها وصلوها، والأرحام
جمع: رحم، وَقَرَأَ عبد الله بن يزِيد المقريء و:
الأرحامُ، بِالضَّمِّ على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر
مَحْذُوف أَي: الأرحامُ مِمَّا يتقى بِهِ، وَالْجُمْهُور
على النصب على تَقْدِير: وَاتَّقوا الْأَرْحَام، وقرىء
بِالْجَرِّ أَيْضا عطفا على قَوْله: بِهِ، وَفِيه خلاف
فَأَجَازَهُ
(16/66)
الْكُوفِيُّونَ وَمنعه البصريون لِأَنَّهُ
لَا يجوز عِنْدهم الْعَطف على الضَّمِير الْمَجْرُور إلاَّ
بِإِعَادَة الْجَار. قَوْله: {إِن الله كَانَ عَلَيْكُم
رقيباً} (النِّسَاء: 1) . أَي: مراقباً لجَمِيع أَعمالكُم
وأحوالكم.
وَمَا يُنْهَى عنْ دَعْوَى الجاهِلِيَّةِ
عطف على قَوْله: وَقَول الله الَّذِي هُوَ عطف على قَول
الله الْمَجْرُور بِإِضَافَة الْبَاب إِلَيْهِ، أَي: بَاب
فِيمَا ينْهَى عَن دَعْوَى الْجَاهِلِيَّة، وَهِي الندبة
على الْمَيِّت والنياحة، وَقيل: قَوْلهم: يَا لفُلَان،
وَقيل: الانتساب إِلَى غير أَبِيه، وَقد عقد لَهُ بَابا
عَن قريب يَأْتِي، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
الشُّعُوبُ النَّسَبُ البَعِيدُ: والقَبَائِلُ دُونَ
ذَلِكَ
أَرَادَ بِالنّسَبِ الْبعيد مثل مُضر وَرَبِيعَة، هَذَا
قَول مُجَاهِد وَالضَّحَّاك. قَوْله: (والقبائل دون ذَلِك)
، مثل قُرَيْش وَتَمِيم.
9843 - حدَّثنا خالِدُ بنُ يَزِيدَ الكاهِلِيُّ حدَّثنا
أبُو بَكْرٍ عنْ أبِي حُصِينٍ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ
عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما
وجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا: قالَ
الشُّعُوبُ القَبائِلُ العْظَامُ والقَبَائِلُ البُطُونُ.
مطابقته لِلْآيَةِ الَّتِي هِيَ التَّرْجَمَة ظَاهِرَة،
لِأَن الْمَذْكُور فِيهَا الشعوب والقبائل، وَقد فسر ابْن
عَبَّاس الشعوب بالقبائل الْعِظَام، وَفسّر الْقَبَائِل
بالبطون، وَذَلِكَ لِأَن الشعوب تجمع الْقَبَائِل، وَذكر
عَن ابْن عَبَّاس أَيْضا: أَن الْقَبَائِل الأفخاذ، فعلى
هَذَا أَن الْقَبَائِل الَّتِي فَسرهَا بالبطون تجمع
الأفخاذ. وخَالِد بن يزِيد أَبُو الْهَيْثَم المقرىء
الْكَاهِلِي الْكُوفِي، وَهُوَ من أَفْرَاده، والكاهلي
نِسْبَة إِلَى كَاهِل، بِكَسْر الْهَاء: ابْن الْحَارِث بن
تَمِيم بن سعد بن هُذَيْل بن مدركة بن إلْيَاس بن مُضر،
بطن من هُذَيْل، وَالظَّاهِر أَنه مَنْسُوب إِلَى كَاهِل
بن أَسد بن خُزَيْمَة بن مدركة لِأَن جمَاعَة كَثِيرَة من
أهل الْكُوفَة ينتسبون إِلَيْهِ، وَأَبُو بكر هُوَ ابْن
عَيَّاش ابْن سَالم الْأَسدي الْكُوفِي الحناط، بالنُّون
وَفِي اسْمه أَقْوَال كَثِيرَة، وَالأَصَح أَن اسْمه
كنيته، وَأَبُو حُصَيْن، بِفَتْح الْحَاء وَكسر الصَّاد
الْمُهْمَلَتَيْنِ: اسْمه عُثْمَان بن عَاصِم بن حُصَيْن
الْأَسدي الْكُوفِي.
0943 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا يَحْيَى
بنُ سَعِيدٍ عنْ عُبَيْدِ الله قَالَ حدَّثني سَعِيدُ بنُ
أبِي سَعِيدٍ عنْ أبِيهِ عنْ أبِي هُرَيْرَة رَضِي الله
تَعَالَى عنهُ قَالَ قِيلَ يَا رسولَ الله مَنْ أكْرَمُ
النَّاسِ قَالَ أتْقَاهُمْ قَالُوا لَيْسَ عنْ هاذَا
نَسْألُكَ قَالَ فيُوسُفُ نَبيُّ الله. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (قَالَ أَتْقَاهُم) .
وَيحيى بن سعيد الْقطَّان، وَعبيد الله هُوَ ابْن عمر
الْعمريّ، وَسَعِيد يروي عَن أَبِيه أبي سعيد كيسَان
المَقْبُري. والْحَدِيث مر فِي: بَاب {أم كُنْتُم شُهَدَاء
إِذْ حضر يَعْقُوب الْمَوْت} (الْبَقَرَة: 331) .
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ بأتم مِنْهُ، وَمر الْكَلَام
فِيهِ هُنَاكَ، وَإِنَّمَا أطلق على يُوسُف: أكْرم النَّاس
لكَونه رَابِع نَبِي فِي نسق وَاحِد وَلَا يعلم غَيره
بذلك.
3 - (حَدثنَا قيس بن حَفْص حَدثنَا عبد الْوَاحِد حَدثنَا
كُلَيْب بن وَائِل قَالَ حَدَّثتنِي ربيبة النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - زَيْنَب ابْنة أبي
سَلمَة قَالَ قلت لَهَا أَرَأَيْت النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَكَانَ من مُضر قَالَت
فَمِمَّنْ كَانَ إِلَّا من مُضر من بني النَّضر بن
كنَانَة) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله إِلَّا من مُضر
فَإِنَّهُ من الشعوب وَقيس بن حَفْص أَبُو مُحَمَّد
الدَّارمِيّ الْبَصْرِيّ وَعبد الْوَاحِد هُوَ ابْن زِيَاد
وكليب مصغر كلب ابْن وَائِل بِالْهَمْز تَابِعِيّ وسط
كُوفِي وَأَصله من الْمَدِينَة وَلَيْسَ فِي البُخَارِيّ
غير هَذَا الحَدِيث قَوْله " أَرَأَيْت " أَي أَخْبِرِينِي
قَوْله " أَكَانَ من مُضر " الْهمزَة فِيهِ للاستفهام
قَوْله " فَمِمَّنْ كَانَ " بِالْفَاءِ رِوَايَة
الْكشميهني وَرِوَايَة
(16/67)
غَيره بِلَا فَاء وَيَجِيء تَفْسِيره عَن
قريب
4 - (حَدثنَا مُوسَى حَدثنَا عبد الْوَاحِد حَدثنَا
كُلَيْب حَدَّثتنِي ربيبة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وأظنها زَيْنَب قَالَت نهى رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن
الدُّبَّاء والحنتم والمقير والمزفت وَقلت لَهَا
أَخْبِرِينِي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - مِمَّن كَانَ من مُضر كَانَ قَالَت فَمِمَّنْ كَانَ
إِلَّا من مُضر كَانَ من ولد النَّضر بن كنَانَة) هَذَا
طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور. ومُوسَى بن
إِسْمَاعِيل التَّبُوذَكِي قَوْله " وأظنها زَيْنَب "
الظَّاهِر أَن قَائِله مُوسَى لِأَن قيس بن حَفْص فِي
الرِّوَايَة السَّابِقَة قد جزم بِأَنَّهَا زَيْنَب
وشيخهما وَاحِد (فَإِن قلت) قد أخرج الْإِسْمَاعِيلِيّ
هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة حبَان بن هِلَال عَن عبد
الْوَاحِد قَالَ وَلَا أعلمها إِلَّا زَيْنَب قلت فعلى
هَذَا الشَّك فِيهِ من شَيْخه عبد الْوَاحِد كَانَ يجْزم
بهَا تَارَة ويشك فِيهَا أُخْرَى قَوْله قَالَت نهى
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنَّمَا
ذكرت النَّهْي عَن هَذِه الْأَشْيَاء هُنَا لِأَنَّهَا
رَوَت الحَدِيث على هَذِه الصُّورَة قَوْله " الدُّبَّاء "
بِضَم الدَّال وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة وبالمد القرع
وَاحِدهَا دباة والحنتم بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة
وَسُكُون النُّون وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق
وَفِي آخِره مِيم وَهِي جرار مدهونة خضر كَانَت تحمل
فِيهَا الْخمر إِلَى الْمَدِينَة وَاحِدهَا حنتمة والمقير
المطلي بالقار وَهُوَ الزفت وَعَن أبي ذَر صَوَابه النقير
بالنُّون وَكسر الْقَاف قَوْله " أَخْبِرِينِي " خطاب من
كُلَيْب لِزَيْنَب قَوْله " النَّبِي " مُبْتَدأ وَخَبره
هُوَ قَوْله مِمَّن كَانَ يَعْنِي من أَي قَبيلَة قَوْله "
من مُضر " كَأَن همزَة الِاسْتِفْهَام فِيهِ مقدرَة أَي
أَمن مُضر كَانَ وَمُضر بِضَم الْمِيم وَفتح الضَّاد
الْمُعْجَمَة هُوَ ابْن نزار بن معد بن عدنان واشتقاق مُضر
من المضيرة وَهُوَ شَيْء يصنع من اللَّبن سمي بِهِ لبياض
لَونه وَالْعرب تسمي الْأَبْيَض أَحْمَر فَلذَلِك سميت
مُضر الْحَمْرَاء وَقَالَ ابْن سَيّده سمي مُضر لِأَنَّهُ
كَانَ مُولَعا بِشرب اللَّبن الماضر أَي الحامض وَهُوَ أول
من سنّ للْعَرَب الحداء لِلْإِبِلِ لِأَنَّهُ كَانَ حسن
الصَّوْت فَسقط يَوْمًا من بعيره فَوَثَبت يَده فَجعل
يَقُول وايداه وايداه فأعنقت لَهُ الْإِبِل وَأمه سَوْدَة
بنت عك وَقيل حَبِيبَة بنت عك وَكَانَ على دين إِسْمَاعِيل
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَقَالَ ابْن حبيب حَدثنَا
أَبُو جَعْفَر عَن أبي جريج عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ مَاتَ أدد وَالِد عدنان وعدنان ومعد وَرَبِيعَة
وَمُضر وَقيس غيلَان وَتَمِيم وَأسد وضبة على الْإِسْلَام
على مِلَّة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
فَلَا تذكروهم إِلَّا كَمَا يذكر بِهِ الْمُسلمُونَ وَعَن
سعيد بن الْمسيب أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لَا تسبوا مُضر فَإِنَّهُ
كَانَ مُسلما على مِلَّة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام وَعند الزبير بن بكار من حَدِيث مَيْمُون بن
مهْرَان عَن ابْن عَبَّاس يرفعهُ لَا تسبوا مُضر وَلَا
ربيعَة فَإِنَّهُمَا كَانَا مُسلمين وَقَالَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا اخْتلف النَّاس
فَالْحق مَعَ مُضر وَرُوِيَ أَنه - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ إِن الله عز وَجل اخْتَار
هَذَا الْحَيّ من مُضر قَوْله " فَمِمَّنْ كَانَ إِلَّا من
مُضر " كلمة إِلَّا اسْتثِْنَاء مُنْقَطع أَي لَكِن كَانَ
من مُضر أَو الِاسْتِثْنَاء من مَحْذُوف أَي لم يكن إِلَّا
من مُضر والهمزة محذوفة من كَانَ وَمِمَّنْ كَانَ كلمة
مُسْتَقلَّة أَو الِاسْتِفْهَام للإنكار قَوْله " كَانَ من
ولد النَّضر " النَّضر بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد
الْمُعْجَمَة ابْن كنَانَة بِكَسْر الْكَاف ابْن خُزَيْمَة
بن مدركة بِلَفْظ اسْم الْفَاعِل ابْن الياس بن مُضر
وَهَذَا بَيَان لَهُ لِأَن مُضر قبائل وَهَذَا بطن مِنْهُ
وَالنضْر اسْمه قيس سمي بالنضر لوضاءته وجماله وإشراق
وَجهه وَالنضْر هُوَ الذَّهَب الْأَحْمَر وَهُوَ النضار
وَأمه برة بنت مر بن أد بن طابخة وكنية النَّضر أَبُو يخلد
كني بِابْنِهِ يخلد وَعلم من هَذَا أَن معرفَة الْأَنْسَاب
لَا يسْتَغْنى عَنْهَا وَقد جَاءَ الْأَمر بتعلمها وَهُوَ
مَا رَوَاهُ أَبُو نعيم من حَدِيث الْعَلَاء بن خَارِجَة
الْمدنِي قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - " تعلمُوا من أنسابكم مَا تصلونَ بِهِ
أَرْحَامكُم " وروى أَبُو هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مثله وَصَححهُ وَقَالَ
أَبُو عمر رُوِيَ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ " كفر بِاللَّه ادِّعَاء نسب لَا
يعرف وَكفر بِاللَّه تبرؤ من نسب وَإِن دق " وَرُوِيَ عَن
أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مثله وَقَالَ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " من ادّعى إِلَى غير
أَبِيه أَو انْتَمَى إِلَى غير موَالِيه فَعَلَيهِ لعنة
الله " وَقد رُوِيَ من الْوُجُوه الصِّحَاح عَن رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا يدل على
مَعْرفَته بأنساب الْعَرَب وروى التِّرْمِذِيّ مصححا من
حَدِيث عبد الله بن عَمْرو خرج رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِي يَده الْيُمْنَى
(16/68)
كتاب وَفِي الْيُسْرَى كتاب فَقَالَ هَذَا
كتاب من رب الْعَالمين فِيهِ أَسمَاء أهل الْجنَّة
وَأَسْمَاء آبَائِهِم وقبائلهم وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد
الرشاطي الحض على معرفَة الْأَنْسَاب ثَابت بِالْكتاب
وَالسّنة وَإِجْمَاع الْأمة وَبَالغ ابْن حزم فِي ذَلِك
وَقَالَ لَا يُنكر حق معرفَة النّسَب إِلَّا جَاهِل أَو
معاند وَفرض أَن يعلم الْمَرْء أَن سيدنَا رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هُوَ مُحَمَّد بن
عبد الله القريشي الْهَاشِمِي الَّذِي كَانَ بِمَكَّة ورحل
مِنْهَا إِلَى الْمَدِينَة فَمن يشك فِيهِ أهوَ قريشي أَو
يماني أَو تميمي أَو أعجمي فَهُوَ كَافِر غير عَارِف
بِدِينِهِ إِلَّا أَن يعْذر بِشدَّة ظلمَة الْجَهْل
فَيلْزمهُ أَن يتَعَلَّم ذَلِك وَيلْزم من بِحَضْرَتِهِ
تَعْلِيمه وَمن الْفَرْض فِي علم النّسَب أَن يعرف
الْمَرْء أَن الْخلَافَة لَا تجوز إِلَّا من ولد فهر بن
مَالك بن النَّضر بن كنَانَة وَأَن يعرف كل من يلقاه
بِنسَب فِي رحم محرمه ليجتنب مَا حرم عَلَيْهِ وَأَن يعرف
كل من يتَّصل بِهِ برحم يُوجب مِيرَاثا أَو صلَة أَو
نَفَقَة أَو عقدا أَو حكما فَمن جهل هَذَا فقد أضاع فرضا
وَاجِبا عَلَيْهِ لَازِما لَهُ من دينه وَأما الَّذِي يكون
مَعْرفَته من النّسَب فضلا فِي الْجَمِيع وفرضا على
الْكِفَايَة فمعرفة أَسمَاء أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ وأكابر
الصَّحَابَة من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار الَّذين حبهم
فرض فقد صَحَّ أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- قَالَ آيَة الْإِيمَان حب الْأَنْصَار وَآيَة
الْمُنَافِق بغض الْأَنْصَار -
3943 - حدَّثني إسْحَاقُ بنُ إبْرَاهِيمَ أخْبَرَنَا
جَرِيرٌ عنْ عُمَارَةَ عنْ أبِي زُرْعَةَ عنْ أبِي
هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنْ رَسُولِ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ تَجِدُونَ النَّاسَ مَعَادِنَ
خِيارُهُمْ فِي الجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإسْلاَمَ
إذَا فُقِهُوا وتَجِدُونَ خَيْرَ النَّاسِ فِي هَذَا
الشَّأنِ أشَدَّهُمْ لَهُ كَرَاهِيَةً وتَجِدُونَ شَرَّ
النَّاسِ ذَا الوَجْهَيْنِ الَّذِي يأْتِي هاوُلاءِ
بِوَجْهٍ ويأتِي هاؤُلاءِ بِوَجْهٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم
الْمَعْرُوف بِابْن رَاهَوَيْه، وَجَرِير هُوَ ابْن عبد
الحميد، وَعمارَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف
الْمِيم: ابْن الْقَعْقَاع، وَأَبُو زرْعَة اسْمه هرم،
وَقيل: عبد الرَّحْمَن، وَقيل: عَمْرو.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل بِتَمَامِهِ وَفِي
الْأَدَب بِقصَّة ذِي الْوَجْهَيْنِ.
قَوْله: (معادن) ، أَي: كمعادن، والْحَدِيث الآخر يُوضحهُ:
النَّاس معادن كمعادن الذَّهَب وَالْفِضَّة، وَوجه
التَّشْبِيه اشْتِمَال الْمَعَادِن على جَوَاهِر
مُخْتَلفَة من نَفِيس وخسيس، كَذَلِك النَّاس من كَانَ
شريفاً فِي الْجَاهِلِيَّة لم يزده الْإِسْلَام إلاَّ
شرفاً، فَإِن تفقه وصل إِلَى غَايَة الشّرف، وَكَانَت
لَهُم أصُول فِي الْجَاهِلِيَّة يستنكفون عَن كثير من
الْفَوَاحِش. قَوْله: (إِذا فقهوا) يَعْنِي: إِذا فَهموا
أُمُور الدّين، وَالْفِقْه فِي الأَصْل الْفَهم، يُقَال:
فقه الرجل، بِكَسْر الْقَاف، يفقه، بِفَتْحِهَا إِذا فهم
وَعلم، وَفقه يفقه بِضَم الْقَاف فيهمَا: إِذا صَار
فَقِيها عَالما، وَقد جعله الْعرف خَاصّا بِعلم
الشَّرِيعَة وتخصيصاً بِعلم الْفُرُوع مِنْهُمَا. قَوْله:
(تَجِدُونَ خير النَّاس فِي هَذَا الشَّأْن) أَي: فِي
الْخلَافَة أَو فِي الْإِمَارَة. قَوْله: (أَشَّدهم)
بِالنّصب على أَنه مفعول ثَان: لتجدون. قَوْله: (لَهُ)
أَي: لهَذَا الشَّأْن. قَوْله: (كَرَاهِيَة) ، نصب على
التَّمْيِيز ويروى: كَرَاهَة. فَإِن قلت: كَيفَ يصير خير
جَمِيع النَّاس بِمُجَرَّد كَرَاهَته لذَلِك؟ قلت:
المُرَاد إِذا تساووا فِي سَائِر الْفَضَائِل، أَو يُرَاد
من النَّاس الْخُلَفَاء أَو الْأُمَرَاء، أَو مَعْنَاهُ من
خَيرهمْ بِقَرِينَة الحَدِيث الَّذِي بعده، فَإِن فِيهِ
تَجِدُونَ من خير النَّاس بِزِيَادَة كلمة: من، كَأَنَّهُ
قَالَ: تَجِدُونَ أكره النَّاس فِي هَذَا الْأَمر من
خيارهم، وَالْكَرَاهَة بِسَبَب علمه بصعوبة الْعدْل
فِيهَا، والمطالبة فِي الْآخِرَة، وَهَذَا فِي الَّذِي
ينَال الْخلَافَة أَو الْإِمَارَة من غير مَسْأَلَة،
فَإِذا نالها بِمَسْأَلَة فَأمره أعظم لِأَنَّهُ لَا يعان
عَلَيْهَا، وَهَذَا الْقسم أَكثر فِي هَذَا الزَّمَان.
قَوْله: (ذَا الْوَجْهَيْنِ) مفعول ثَان لقَوْله:
(تَجِدُونَ شَرّ النَّاس) وَذُو الْوَجْهَيْنِ: هُوَ
الْمُنَافِق وَهُوَ الَّذِي يمشي بَين الطَّائِفَتَيْنِ
بِوَجْهَيْنِ يَأْتِي لإحداهما بِوَجْه وَيَأْتِي
لِلْأُخْرَى بِخِلَاف ذَلِك، وَقَالَ الله تَعَالَى:
{مذبذبين بَين ذَلِك لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى
هَؤُلَاءِ} (النِّسَاء: 341) . قَالَ الْمُفَسِّرُونَ:
مذبذبين، يَعْنِي: الْمُنَافِقين متحيرين بَين الْإِيمَان
وَالْكفْر فَلَا هم مَعَ الْمُؤمنِينَ ظَاهرا وَبَاطنا
ولاهم مَعَ الْكفَّار ظَاهرا وَبَاطنا، بل ظواهرهم مَعَ
الْمُؤمنِينَ وبواطنهم مَعَ الْكَافرين، وَمِنْهُم من
يَعْتَرِيه الشَّك، فَتَارَة يمِيل إِلَى هَؤُلَاءِ
وَتارَة يمِيل إِلَى هَؤُلَاءِ، وروى مُسلم من حَدِيث عبد
الله بن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ:
مثل الْمُنَافِق كَمثل الشَّاة العائرة بَين الْغَنَمَيْنِ
تعير إِلَى هَذِه مرّة وَإِلَى هَذِه مرّة، لَا تَدْرِي
أَيَّتهمَا تتبع.
5943 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدَّثنا
المُغِيرَةُ عنْ أبِي الزِّنادِ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبِي
(16/69)
هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ
النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ النَّاسُ تَبَعٌ
لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشأنِ مُسْلِمُهُمْ تبَعٌ
لِمُسْلِمِهِمْ وكافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِمْ.
والنَّاسُ مَعَادِنُ خيارُهُمْ فِي الجاهِلِيَّةِ
خِيارُهُمْ فِي الإسْلاَمِ إذَا فَقُهُوا تَجِدُونَ مِنْ
خَيْرِ النَّاسِ أشَدَّ النَّاسِ كَراهِيَةً لِهَذَا
الشَّأنِ حتَّى يَقَعَ فِيهِ. (انْظُر الحَدِيث 3943
وطرفه) .
هَذَا طَرِيق آخر لحَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمَذْكُور،
رَوَاهُ مُخْتَصرا وَمُطَولًا. والمغيرة هُوَ ابْن عبد
الرَّحْمَن الْحزَامِي الْمَدِينِيّ، وَأَبُو الزِّنَاد
عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن القعْنبِي،
وَفِيه وَفِي الْفَضَائِل عَن قُتَيْبَة. قَوْله: (النَّاس
تبع لقريش) قَالَ الْخطابِيّ: يُرِيد بقوله: تبع لقريش،
تَفْضِيلهمْ على سَائِر الْعَرَب وتقديمهم فِي
الْإِمَارَة. وَبِقَوْلِهِ: (مسلمهم تبع لمسلمهم) الْأَمر
بطاعتهم أَي: من كَانَ مُسلما فليتبعهم وَلَا يخرج
عَلَيْهِم، وَأما معنى (كافرهم تبع لكافرهم) ، فَهُوَ
إِخْبَار عَن حَالهم فِي مُتَقَدم الزَّمَان، يَعْنِي:
أَنهم لم يزَالُوا متبوعين فِي زمَان الْكفْر، وَكَانَت
الْعَرَب تقدم قُريْشًا وتعظمهم وَكَانَت دَارهم موسماً،
وَلَهُم السدَانَة والسقاية والرفادة يسقون الحجيج
ويطعمونهم فحازوا بِهِ الشّرف والرياسة عَلَيْهِم،
وَيُرِيد بقوله: (خيارهم إِذا فقهوا) أَن من كَانَت لَهُ
مأثرة وَشرف فِي الْجَاهِلِيَّة وَأسلم وَفقه فِي الدّين
فقد أحرز مأثرته الْقَدِيمَة وشرفه الثَّابِت إِلَى مَا
استفاده من المزية بِحَق الدّين، وَمن لم يسلم فقد هدم
شرفه وضيع قديمه، ثمَّ أخبر أَن خِيَار النَّاس هم الَّذين
يَجدونَ الْإِمَارَة ويكرهون الْولَايَة حَتَّى يقعوا
فِيهَا، وَهَذَا يحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنهم إِذا
وَقَعُوا فِيهَا عَن رَغْبَة وحرص زَالَت عَنْهُم محَاسِن
الأخيار، أَي: صفة الْخَيْرِيَّة، كَقَوْلِه: من ولي
الْقَضَاء فقد ذبح بِغَيْر سكين. وَالْآخر: أَن خِيَار
النَّاس هم الَّذين يكْرهُونَ الْإِمَارَة حَتَّى يقعوا
فِيهَا، فَإِذا وَقَعُوا فِيهَا وتقلدوها زَالَ معنى
الْكَرَاهَة، فَلم يجز لَهُم أَن يكرهوها وَلم يقومُوا
بِالْوَاجِبِ من أمورها، أَي: إِذا وَقَعُوا فِيهَا
فَعَلَيْهِم أَن يجتهدوا فِي الْقيام بِحَقِّهَا فعْلَ
الرَّاغِب فِيهَا غير كَارِه لَهَا.
(بابٌ)
أَي: هَذَا بَاب وَهُوَ كالفصل لما قبله.
7943 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا يَحْيَى عنْ شُعْبَةَ
حدَّثَنِي عَبْدُ المَلِكِ عنْ طاوُوسٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ
رَضِي الله تَعَالَى عنهُما {إلاَّ الموَدَّةَ فِي
القُرْبَى} (الشورى: 32) . قالَ فقالَ سَعِيدُ بنُ
جُبَيْرٍ قُرْبَى مُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَمْ
يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْش إلاَّ وفِيهِ قَرَابَةٌ
فنَزَلَتْ عَلَيْهِ {إلاَّ أنْ تَصِلُوا قَرَابَةَ بَينِي
وبَيْنَكُم} (الشورى: 32) . (الحَدِيث 7943 طرفه فِي:
8184) .
وَجه ذكر هَذِه عقيب الحَدِيث السَّابِق أَن الْمَذْكُور
فِيهِ أَن النَّاس تبع لقريش، وَفِيه تَفْضِيلهمْ على
غَيرهم، وَالْمَذْكُور فِي هَذَا أَنه لم يكن بطن من
قُرَيْش إلاَّ وَلِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
فِيهِ قرَابَة، فَيَقْتَضِي هَذَا تفضيله على الْكل،
وَيحيى هُوَ الْقطَّان، وَعبد الْملك هُوَ ابْن ميسرَة
أَبُو زيد الزراد.
وَهَذَا الحَدِيث ذكره فِي التَّفْسِير فِي {حم عسق}
(الشورى: 1) . حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار حَدثنَا مُحَمَّد
بن جَعْفَر حَدثنَا شُعْبَة عَن عبد الْملك بن ميسرَة،
قَالَ: سَمِعت طاوساً عَن ابْن عَبَّاس أَنه سُئِلَ عَن
قَوْله: {إلاَّ الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى} (الشورى: 32)
. فَقَالَ سعيد بن جُبَير: قربى آل مُحَمَّد، فَقَالَ ابْن
عَبَّاس: عجلت، إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم
يكن بطن من قُرَيْش إلاَّ كَانَ لَهُ فيهم قرَابَة،
فَقَالَ: إلاَّ أَن تصلوا مَا بيني وَبَيْنكُم من
الْقَرَابَة. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ أَيْضا فِي
التَّفْسِير عَن ابْن بشار بِهِ، وَقَالَ: حسن صَحِيح.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم
عَن غنْدر بِهِ.
قَوْله: {إلاَّ الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى} (الشورى: 32)
. وَقَبله: {قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا إِلَّا
الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى} (الشورى: 32) . لما أوحى الله
تَعَالَى إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا
الْكتاب الشريف، قَالَ: قل لَهُم يَا مُحَمَّد: لَا
أَسأَلكُم عَلَيْهِ، أَي: لَا أطلب من هَذَا التَّبْلِيغ
المَال والجاه وَلَا نفعا عَاجلا وَلَا مَطْلُوبا حَاضرا
لِئَلَّا يتَوَهَّم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يطْلب من
هَذَا التَّبْلِيغ حظاً من الحظوظ، وَعَن قَتَادَة اجْتمع
الْمُشْركُونَ فِي مجمع لَهُم، فَقَالَ: بَعضهم لبَعض:
أَتَرَوْنَ أَن مُحَمَّدًا يسْأَل على مَا يتعاطاه أجرا؟
(16/70)
فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة يحثهم
على مودته ومودة أقربائه. قَوْله: {إِلَّا الْمَوَدَّة فِي
الْقُرْبَى} (الشورى: 32) . يجوز أَن يكون اسْتثِْنَاء
مُتَّصِلا، أَي: لَا أَسأَلكُم أجرا إلاَّ هَذِه، وَهُوَ
أَن لَا تُؤْذُوا أهل قَرَابَتي وَلم يكن هَذَا أجرا فِي
الْحَقِيقَة، لِأَن قرَابَته قرابتهم، وَكَانَت صلتهم
لَازِمَة لَهُم فِي الْمَوَدَّة، وَيجوز أَن يكون
اسْتثِْنَاء مُنْقَطِعًا، أَي: لَا أَسأَلكُم أجرا قطّ،
وَلَكِن أَسأَلكُم أَن تودوا قَرَابَتي الَّذين هم قرابتك
وَلَا تؤذوهم.
وَاخْتلف الْمُفَسِّرُونَ فِي ذَلِك على أَقْوَال:
أَحدهَا: محبَّة قرَابَة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، وهم: أهل بَيته من آل هَاشم فَمن بعدهمْ من أهل
الْبَيْت. وَالثَّانِي: مَوَدَّة قُرَيْش. الثَّالِث:
المُرَاد عَليّ وَفَاطِمَة وولداها، ذكر فِي ذَلِك عَن
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَبِه قَالَ ابْن
عَبَّاس. وَالرَّابِع: قَالَه عِكْرِمَة: كَانَت قُرَيْش
تصل الرَّحِم، فَلَمَّا بعث مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، وَبِه قطعته. فَقَالَ: (صلوني كَمَا تَفْعَلُونَ) ،
فَالْمَعْنى لَكِن أذكركم قَرَابَتي. وَالْخَامِس:
مَوَدَّة من يتَقرَّب إِلَى الله، عز وَجل، وَهُوَ رأى
الصُّوفِيَّة.
قَوْله: (إلاَّ أَن تصلوا) أَي: إلاَّ صلَة الْأَرْحَام.
قَوْله: (فَنزلت عَلَيْهِ) أَي: على النَّبِي، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم. فَإِن قلت: هَذَا لم ينزل؟ قلت: نزل
مَعْنَاهُ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {إلاَّ الْمَوَدَّة فِي
الْقُرْبَى} (الشورى: 32) . وَتَقْدِيره: إلاَّ
الْمَوَدَّة ثَابِتَة فِي أهل الْقُرْبَى، وَقيل:
الضَّمِير فِي نزلت رَاجع إِلَى الْآيَة الَّتِي فِيهَا
{إلاَّ الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى} (الشورى: 32) .
وَقَوله: (إلاَّ أَن تصلوا) تَفْسِير لَهَا.
8943 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا سُفْيَانُ
عنْ إسْمَاعِيلَ عنْ قَيْسٍ بنِ أبِي مَسْعُودٍ يَبْلُغُ
بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مِنْ
هَهُنَا جاءَتِ الفِتَنُ نَحْوَ المَشْرِقِ والجَفَاءُ
وغِلْظَ القُلُوبِ فِي الفَدَّادِينَ أهْلِ الوَبَرِ
عِنْدَ أصُولِ أذْنابِ الإبِلِ والبَقَرِ فِي رَبِيعَةَ
ومُضَرَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة يُمكن أَن تُؤْخَذ من قَوْله: فِي
ربيعَة وَمُضر، فَإِنَّهُمَا قبيلتان، وَلما فسر
الْكرْمَانِي هَذَا الحَدِيث وَالَّذِي بعده قَالَ: فَإِن
قلت: مَا وَجه مناسبتهما بالترجمة؟ قلت: ضَرُورَة أَن
النَّاس بِاعْتِبَار الصِّفَات كالقبائل، وَكَون الأتقى
مِنْهُم فِيهَا أكْرم، وَفِي الْقلب مِنْهُ مَا لَا يخفى
على الفطن.
وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ
ابْن عُيَيْنَة، وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي خَالِد،
وَقيس هُوَ أبي حَازِم البَجلِيّ، وَأَبُو مَسْعُود هُوَ
عقبَة بن عَمْرو الْأنْصَارِيّ البدري.
قَوْله: (يبلغ بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ،
إِنَّمَا قَالَ كَذَلِك لِأَنَّهُ أَعم من أَنه: سمع من
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو من غَيره عَنهُ.
قَوْله: (نَحْو الْمشرق) ، هُوَ بَيَان أَو بدل لقَوْله:
هَهُنَا. قَوْله: (فِي الْفَدادِين) بِالتَّشْدِيدِ، وهم
الَّذين تعلوا أَصْوَاتهم فِي حروثهم ومواشيهم، وبالتخفيف:
هِيَ الْبَقَرَة الَّتِي تحرث، وَاحِدهَا: فدان مشدداً.
وَقَالَ ابْن الْأَثِير: يُقَال: فدا الرجل يفد فديداً
إِذا اشْتَدَّ صَوته، وَقيل: الفدادون هم المكثرون من
الْإِبِل، وَقيل: هم الجمالون والبقارون والحمارون
والرعيان. قَوْله: (أهل الْوَبر) أَي: أهل الْبَوَادِي،
والوبر، بِفَتْح الْوَاو وَالْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي
آخِره رَاء: هُوَ وبر الْإِبِل سمي بذلك لأَنهم يتخذون
بُيُوتهم مِنْهُ. قَوْله: (عِنْد أصُول أَذْنَاب الْإِبِل)
، هُوَ عبارَة عَن جلبتهم عِنْد سوقها. قَوْله: (فِي
ربيعَة وَمُضر) ، بدل من الْفَدادِين.
9943 - حدَّثنا أَبُو اليَمَانِ أخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عنِ
الزُّهْرِيِّ قَالَ أخبرَنِي أبُو سلَمَةَ بنُ عَبْدِ
الرَّحْمانِ أنَّ أبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى
عنهُ قَالَ سَمِعْتُ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَقُولُ الفَخْرُ والخُيَلاَءُ فِي الفَدَّادِينَ أهْلِ
الوَبَرِ والسَّكِينَةِ فِي أهِّلِ الغنَمِ والإيمانُ
يَمانٍ والحِكْمَةُ يَمانِيَةٌ. .
مر الْكَلَام فِي وَجه الْمُطَابقَة فِي أول الحَدِيث
السَّابِق، وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع. والْحَدِيث
أخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن عبد الله ابْن عبد
الرَّحْمَن الدَّارمِيّ عَن أبي الْيَمَان.
قَوْله: (وَالْخُيَلَاء) بِضَم الْخَاء وَكسرهَا: الْكبر
وَالْعجب، يُقَال: فِيهِ خُيَلَاء ومخيلة أَي: كبر،
وَمِنْه اختال فَهُوَ مختال. وَقَالَ الدَّاودِيّ: قَوْله:
(وَالْفَخْر وَالْخُيَلَاء فِي الْفَدادِين) ، وهم،
وَإِنَّمَا نسب إِلَيْهِم الْجفَاء وهما فِي أَصْحَاب
الْخَيل. قَوْله: (والسكينة) ، هُوَ السّكُون وَالْوَقار.
قَوْله: (يمَان) ، أَصله: يمني، حذف إِحْدَى الياءين وَعوض
مِنْهُمَا الْألف فَصَارَ: يمَان، وَهِي اللُّغَة الفصحى،
ثمَّ: يمنى، ثمَّ يماني بِزِيَادَة الْألف، ذكرهَا
سِيبَوَيْهٍ، وَحكى الْجَوْهَرِي وَصَاحب (الْمطَالع)
(16/71)
وَغَيرهمَا من سِيبَوَيْهٍ أَنه حكى عَن
بعض الْعَرَب أَنهم يَقُولُونَ: الْيَمَانِيّ، بِالْيَاءِ
الْمُشَدّدَة. وَقَالَ القَاضِي وَغَيره: قد صرفُوا
قَوْله: الْإِيمَان يمَان، عَن ظَاهره من حَيْثُ إِن مبدأ
الْإِيمَان من مَكَّة، ثمَّ من الْمَدِينَة.
وَحكى أَبُو عبيد فِيهِ أقوالاً: أَحدهَا: أَنه أَرَادَ
بذلك مَكَّة، فَإِنَّهُ يُقَال: إِن مَكَّة من تهَامَة
وتهامة من أَرض الْيمن. وَالثَّانِي: المُرَاد مَكَّة
وَالْمَدينَة فَإِنَّهُ يرْوى مَا فِي الحَدِيث أَنه صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ هَذَا الْكَلَام وَهُوَ بتبوك،
وَمَكَّة ومدينة حِينَئِذٍ بَينه وَبَين الْيمن، فَأَشَارَ
إِلَى نَاحيَة الْيمن وَهُوَ يُرِيد مَكَّة وَالْمَدينَة،
فَقَالَ: الْإِيمَان يمَان ونسبها إِلَى الْيمن لكَونهَا
حِينَئِذٍ من نَاحيَة الْيمن، كَمَا قَالُوا: الرُّكْن
الْيَمَانِيّ وَهُوَ بِمَكَّة لكَونه إِلَى نَاحيَة
الْيمن. وَالثَّالِث: مَا ذهب إِلَيْهِ كثير من النَّاس
وَهُوَ أحْسنهَا أَن المُرَاد بذلك الْأَنْصَار لأَنهم
يمانيون فِي الأَصْل، فنسب الْإِيمَان إِلَيْهِم لكَوْنهم
أنصاره. وَاعْترض عَلَيْهِ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو ابْن
الصّلاح، فَقَالَ مَا ملخصه: إِنَّه لَو نظر إِلَى طرق
الْأَحَادِيث لما ترك ظَاهر الحَدِيث. مِنْهَا: قَوْله،
عَلَيْهِ السَّلَام: (أَتَاكُم أهل الْيمن) وَالْأَنْصَار
من جملَة المخاطبين بذلك، فهم إِذا غَيرهم. وَمِنْهَا:
قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: (جَاءَ أهل الْيمن) ،
وَإِنَّمَا جَاءَ حِينَئِذٍ غير الْأَنْصَار، فَحِينَئِذٍ
لَا مَانع من إِجْرَاء الْكَلَام على ظَاهره، وَحمله على
الْحَقِيقَة لِأَن من اتّصف بِشَيْء وَقَوي قِيَامه بِهِ
نسب ذَلِك الشَّيْء إِلَيْهِ إشعاراً بتمييزه بِهِ،
وَكَمَال حَاله فِيهِ، وَهَكَذَا كَانَ حَال أهل الْيمن
حِينَئِذٍ فِي الْإِيمَان، وَلَيْسَ فِي ذَلِك نفي لَهُ
عَن غَيرهم، فَلَا مُنَافَاة بَينه وَبَين قَوْله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: (إِن الْإِيمَان ليأرز إِلَى الْحجاز) .
ويروى: (الْإِيمَان فِي أهل الْحجاز) ، لِأَن المُرَاد
بذلك الْمَوْجُود مِنْهُم حِينَئِذٍ لَا كل أهل الْيمن فِي
كل زمَان، فَإِن اللَّفْظ لَا يَقْتَضِيهِ.
قَوْله: (وَالْحكمَة يَمَانِية) الْحِكْمَة عبارَة عَن
الْعلم المتصف بِالْأَحْكَامِ الْمُشْتَمل على الْمعرفَة
بِاللَّه عز وَجل المصحوب بنفاذ البصيرة وتهذيب النَّفس
وَتَحْقِيق الْحق وَالْعَمَل بِهِ والصد عَن اتِّبَاع
الْهوى وَالْبَاطِل، والحكيم من لَهُ ذَلِك، وَقَالَ ابْن
دُرَيْد: كل كلمة وعظتك أَو زجرتك أَو دعتك إِلَى مكرمَة
أَو نهتك عَن قَبِيح فَهِيَ حِكْمَة، وَحكم، وَمِنْه
قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن من الشّعْر حِكْمَة)
وَفِي بعض الرِّوَايَات: حكما.
قالَ أبُو عَبْدِ الله سُمِّيَتِ اليَمَنَ لأنَّهَا عنْ
يَمِينِ الكَعْبَةِ والشَّأمَ عنْ يَسارِ الكَعْبَةِ
والْمَشْأمَةُ المَيْسَرَةُ واليَدُ اليُسْرَى الشُّؤْمَى
والجانِبُ الأيْسَرُ الأشْأمُ
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، وَلَيْسَ هَذَا
اللَّفْظ بمذكور فِي بعض النّسخ. قَوْله: (سميت الْيمن) ،
لِأَنَّهَا عَن يَمِين الْكَعْبَة هَذَا قَول الْجُمْهُور.
وَقَالَ الرشاطي: سمي بذلك قبل أَن تعرف الْكَعْبَة
لِأَنَّهُ عَن يَمِين الشَّمْس، وَقيل: سمي بيمن بن قحطان،
وَقيل: سمي بيعرب بن قحطان، لِأَن يعرب اسْمه يمن،
فَلذَلِك قيل: أَرض يمن. قَوْله: (والشأم) أَي: سميت
الشَّام لِأَنَّهَا عَن يسَار الْكَعْبَة، وَقيل: سمي
بشامات هُنَاكَ حمر وسود، وَقيل: سمي بسام بن نوح،
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لِأَنَّهُ أول من اختطه،
وَكَانَ اسْم سَام: شام بالشين الْمُعْجَمَة، فعرب فَقيل:
سَام بِالسِّين الْمُهْملَة، وَقيل: شام إسم أعجمي من
لُغَة بني حام، وَتَفْسِيره بالعربي: خير طيب. وَقَالَ
الْبكْرِيّ: الشَّام مَهْمُوز وَقد لَا يهمز، فِي
(الْمطَالع) : قَالَ أَبُو الْحُسَيْن بن سراج: الشَّام،
بِهَمْزَة مَمْدُود وأباه أَكْثَرهم فِيهِ إلاَّ فِي
النّسَب، أَعنِي: فتح الْهمزَة، كَمَا اخْتلف فِي إِثْبَات
الْيَاء مَعَ الْهمزَة الْمَمْدُود فَأَجَازَهُ
سِيبَوَيْهٍ وَمنعه غَيره، لِأَن الْهمزَة عوض من يَاء
النّسَب، فعلى هَذَا يُقَال: شَامي وشآم فِي الرجل، كَمَا
يُقَال: يماني ويمان. قَوْله: (والمشأمة الميسرة) الْمِيم
فيهمَا زَائِدَة لِأَن اشتقاقهما يدل على ذَلِك،
لِأَنَّهُمَا من الشؤم واليسار. قَالَ الْجَوْهَرِي:
المشأمة الميسرة، وَكَذَلِكَ الشأمة والشؤم نقيض الْيمن.
قَوْله: (وَالْيَد الْيُسْرَى) ، يَعْنِي: تسمى بالشؤمى،
قَالَه أَبُو عُبَيْدَة، وَكَذَلِكَ قَالَ للجانب
الْأَيْسَر الأشأم، ومادة الْكل من الشؤم وَهُوَ نقيض
الْيمن، كَمَا ذَكرْنَاهُ.
2 - (بابُ مَناقِبِ قُرَيْشٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَنَاقِب قُرَيْش وَالْكَلَام
فِيهِ على أَنْوَاع.
الأول من هُوَ الَّذِي تسمى بِقُرَيْش من أجداد النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَقَالَ الزبير: قَالُوا:
قُرَيْش اسْم فهر بن مَالك وَمَا لم يلد فهر فَلَيْسَ من
قُرَيْش، قَالَ الزبير: قَالَ عمي: فهر هُوَ قُرَيْش اسْمه
وفهر لقبه، وَعَن ابْن شهَاب اسْم فهر الَّذِي سمته أمه
قُرَيْش، وَإِنَّمَا نَبَذته بِهَذَا كَمَا يُسمى
الصَّبِي: غرارة وشملة وَأَشْبَاه ذَلِك، وَقَالَ
(16/72)
ابْن دُرَيْد: الفهر الْحجر الأملس يمْلَأ
الْكَفّ، وَهُوَ مؤنث، وَقَالَ أَبُو ذَر الْهَرَوِيّ:
يذكر وَيُؤَنث، وَقَالَ السُّهيْلي: الفهر من الْحِجَارَة
الطَّوِيل، وكنية فهر أَبُو غَالب وَهُوَ جماع قُرَيْش،
وَقَالَ ابْن هِشَام: النَّضر هُوَ قُرَيْش، فَمن كَانَ من
وَلَده فَهُوَ قريشي، وَمن لم يكن من وَلَده فَلَيْسَ
بقريشي، وَهَذَا قَول الْجُمْهُور لحَدِيث الْأَشْعَث بن
قيس أَنه قَالَ: أتيت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فِي وَفد من كِنْدَة، قَالَ: فَقلت: يَا رَسُول الله
{إِنَّا نزعم أَنكُمْ منا} قَالَ: فَقَالَ رَسُول الله،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (نَحن بَنو النَّضر بن كنَانَة
لَا نقفوأ منا وَلَا ننتفي من أَبينَا) . قَالَ: فَقَالَ
الْأَشْعَث بن قيس: فوَاللَّه لَا أسمع أحدا نفى قُريْشًا
من النَّضر بن كنَانَة إلاَّ جلدته الْحَد. رَوَاهُ
الإِمَام أَحْمد وَابْن مَاجَه. قَوْله: (لَا نقفوأ منا)
من قَوْلهم: قَفَوْت الرجل إِذا قَذَفته صَرِيحًا، وقفوت
الرجل أَقْفُوهُ قفواً إِذا رميته باسم قَبِيح، وَقيل: قصي
هُوَ قُرَيْش، وَقَالَ عبد الْملك بن مَرْوَان: سَمِعت أَن
قصياً كَانَ يُقَال لَهُ قُرَيْش، وَلم يسم أحد قُريْشًا
قبله، وَالْقَوْلَان الْأَوَّلَانِ حَكَاهُمَا غير وَاحِد
من أَئِمَّة علم النّسَب كَأبي عمر بن عبد الله
وَالزُّبَيْر بن بكار وَمصْعَب وَأبي عُبَيْدَة،
وَالصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور: هُوَ النَّضر،
وَقيل الصَّحِيح: هُوَ فهر.
النَّوْع الثَّانِي: فِي وَجه التَّسْمِيَة بِقُرَيْش،
وَفِيه خَمْسَة عشر قولا. الأول: أَنه من التقرش وَهُوَ
التكسب وَالتِّجَارَة، وَكَانَت قريس يتقرشون فِي
الْبياعَات، وَهَذَا قَالَه ابْن هِشَام. الثَّانِي: مَا
قَالَه ابْن إِسْحَاق: إِنَّمَا سميت قُرَيْش قُريْشًا
لتجمعها من تفرقها، يُقَال للتجمع: التقرش. الثَّالِث: مَا
قَالَه ابْن الْكَلْبِيّ: كَانَ النَّضر يُسمى قُريْشًا
لِأَنَّهُ كَانَ يقرش عَن خلة النَّاس وحاجاتهم فيسدها،
وَكَانَ بنوه يقرشون أهل الْمَوْسِم، أَي: يفتشون عَن
حاجاتهم فيرفدونهم بِمَا يبلغهم إِلَى بِلَادهمْ.
الرَّابِع: أَن لفظ قُرَيْش تَصْغِير قِرْش، وَهُوَ
دَابَّة فِي الْبَحْر لَا تمر بِشَيْء من الغث والسمين
إلاَّ أَكلته، قَالَه ابْن عَبَّاس، رَوَاهُ
الْبَيْهَقِيّ. الْخَامِس: أَنه جَاءَ النَّضر بن كنَانَة
فِي ثوب لَهُ مجتمعاً، قَالُوا: قد تقرش فِي ثَوْبه.
السَّادِس: أَنه جَاءَ إِلَى قومه فَقَالُوا: كَأَنَّهُ
جمل قُرَيْش، أَي: شَدِيد. السَّابِع: قَالَه الزُّهْرِيّ:
إِنَّه نَبَذته أمه بِقُرَيْش، كَمَا ذَكرْنَاهُ.
الثَّامِن: قَالَه الزبير: سمي نضر قُريْشًا بِرَجُل
يُقَال لَهُ: قُرَيْش بن بدر بن مخلد بن النَّضر، كَانَ
دَلِيل بني كنَانَة فِي تجاراتهم. التَّاسِع: مَا قيل: إِن
قصياً قرشها أَي جمعهَا فَسُمي قُريْشًا ومجمعاً أَيْضا.
الْعَاشِر: سميت قُرَيْش بذلك لتجمعهم فِي الْحرم.
الْحَادِي عشر: من تقرش الرجل إِذا تنزه عَن مدانس
الْأُمُور. الثَّانِي عشر: من تقارشت الرماح إِذا تداخلت
فِي الْحَرْب. الثَّالِث عشر: من أقرش بِهِ إِذا سعى بِهِ
وَوَقع فِيهِ. الرَّابِع عشر: من أقرشت الشَّجَّة إِذا
صدعت الْعظم وَلم تهشمه. الْخَامِس عشر: من تقرش فلَان
الشَّيْء إِذْ أَخذه أَولا فأولاً.
النَّوْع الثَّالِث: فِيمَا جَاءَ فيهم فَروِيَ عَن سعد بن
أبي وَقاص، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (من يُرِيد هوان قُرَيْش
أهانه الله) ، وَعَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع قَالَ: قَالَ
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن الله اصْطفى
كنَانَة من ولد إِسْمَاعِيل، وَاصْطفى قُريْشًا من
كنَانَة، وَاصْطفى هاشماً من قُرَيْش وَاصْطَفَانِي من بني
هَاشم) ، رَوَاهُ مُسلم وَكَانَت لقريش فِي الْجَاهِلِيَّة
مَكَارِم مِنْهَا: السِّقَايَة والعمارة والرفادة
وَالْعِقَاب والحجابة والندوة واللواء والمشورة والأشناق
والقبة والأعنة والسفارة والأيسار والحكومة وَالْأَمْوَال
المحجرة، وَكَانُوا يسمون: آل الله وجيران الله،
وَالنِّسْبَة إِلَى قُرَيْش: قريشي، وَعَن الْخَلِيل: قرشي
أَيْضا، فَإِن أردْت بِقُرَيْش الْحَيّ صرفته، وَإِن أردْت
بِهِ الْقَبِيلَة لم تصرفه.
0053 - حدَّثنا أبُو اليَمانِ أخْبرَنا شُعَيْبٌ عنِ
الزُّهْرِيِّ قَالَ كانَ مُحَمَّدُ بنُ جُبَيْرِ بنِ
مُطْعِمٍ يُحَدِّثُ أنَّهُ بلَغَ مُعاوِيَةَ وهْوَ
عِنْدَهُ فِي وفْدٍ مِنْ قُرَيْشٍ أنَّ عَبْدَ الله بنَ
عَمْرِو بنِ العَاصِ يُحَدِّثُ أنَّهُ سيَكُونُ مَلِكٌ
مِنْ قَحْطَانَ فغَضِبَ مُعاوِيَةُ فقَامَ فأثْناى علَى
الله بَما هُوَ أهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أمَّا بَعْدُ فإنَّهُ
بَلَغَنِي أنَّ رِجالاً مِنْكُمْ يتَحَدَّثُونَ أحَادِيثَ
لَيْسَتْ فِي كِتَابِ الله ولاَ تُؤْثَرُ عنْ رَسُولِ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأُولَئِكَ جُهَّالُكُمْ
فإيَّاكُمْ والأمَانِيَّ الَّتِي تُضِلُّ أهْلَهَا فإنِّي
سَمِعْتُ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ
إنَّ هاذَا الأمْرَ فِي قُرَيْش لاَ يُعَادِيهِمْ أحَدٌ
إلاَّ كَبَّهُ الله عَلَى وَجْهِهِ مَا أقَامُوا الدِّينَ.
(الحَدِيث 0053 طرفه فِي: 9317) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهره، وَرِجَاله قد تكَرر ذكرهم
مَعَ بيانهم، والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي
الْأَحْكَام عَن أبي الْيَمَان أَيْضا. وَأخرجه
النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن خَالِد بن
حلى.
قَوْله: (وَهُوَ عِنْده) ، حَال من مُحَمَّد بن جُبَير.
قَوْله:
(16/73)
(فِي وَفد من قُرَيْش) أَيْضا حَال.
قَوْله: (أَن عبد الله) ، بِفَتْح أَن، وَالْعَامِل فِيهِ
قَوْله: بلغ، قَوْله: (من قحطان) هُوَ ابْن عَامر ابْن
شالخ بن أرفخشذ بن سَام بن نوح، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، واسْمه: مهزم، قَالَه ابْن مَاكُولَا، وَقيل:
قحطان بن هود، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَقيل:
هُوَ هود، وَقيل: أَخُوهُ، وَقيل: من ذُريَّته، وَقيل:
هُوَ من سلالة إِسْمَاعِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، حَكَاهُ ابْن إِسْحَاق وَغَيره، وَقَالَ
بَعضهم: هُوَ قحطان بن الهميسع بن تيمن بن قيذار بن نبت بن
إِسْمَاعِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام. وَبَنُو
قحطان هم الْعَرَب العاربة، وعرب الْيمن وهم حمير
الْمَشْهُور أَنهم من قحطان، وَالْعرب ثَلَاثَة فرق: عرب
عاربة، وعرب متعربة، وعرب مستعربة، فَأَما الْعَرَب
العاربة فهم تسع قبائل من ولد إرم بن سَام بن نوح: عَاد
وَثَمُود وأميم وعبيل وطسم وجديس وعمليق وجرهم ووبار.
وَأما الْعَرَب المتعربة فهم: بَنو قحطان، وَالْعرب
المستعربة هم بَنو إِسْمَاعِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام. وَزَعَمت الْعَرَب أَن قحطان ولد يعرب،
وَإِنَّمَا سميت الْعَرَب بِهِ إِذْ هُوَ أول من تكلم
بِالْعَرَبِيَّةِ وَنزل أَرض الْيمن، وَأول من قيل لَهُ:
أَبيت اللَّعْن، وَأول من قيل لَهُ: عَم صباحاً. قَوْله:
(وَلَا تُؤثر) أَي: وَلَا تروى. قَوْله: (والأماني) جمع
أُمْنِية. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: الْأَمَانِي بِمَعْنى
التِّلَاوَة كَأَن الْمَعْنى: إيَّاكُمْ وَقِرَاءَة مَا
فِي الصُّحُف الَّتِي تُؤثر عَن أهل الْكتاب مَا لم يَأْتِ
بِهِ الرَّسُول، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ ابْن
عَمْرو قَرَأَ التَّوْرَاة. ويحكى: عَن أَهلهَا إلاَّ أَنه
حدث بِهِ عَن سيدنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، إِذْ لَو حدث عَنهُ لما اسْتَطَاعَ أحد رده،
لِأَنَّهُ لم يكن مُتَّهمًا. وَقَالَ ابْن التِّين:
إِنْكَار مُعَاوِيَة عَلَيْهِ لِأَنَّهُ حمل حَدِيثه على
ظَاهِرَة وَقد يخرج القحطاني فِي نَاحيَة من نواحي
الْإِسْلَام وَيحمل حَدِيث مُعَاوِيَة على الْأَكْثَر.
قَوْله: (إِن هَذَا الْأَمر فِي قُرَيْش) أَرَادَ بِهِ
الْخلَافَة. قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: فَمَا قَوْلك
فِي زمانننا حَيْثُ لَيْسَ الْحُكُومَة لقريش؟ قلت: فِي
بِلَاد الْعَرَب الْخلَافَة فيهم، وَكَذَا فِي مصر
خَليفَة. انْتهى. قلت: هَذَا الَّذِي ذكره لَيْسَ بِشَيْء،
فَمن قَالَ: إِن فِي بِلَاد الْعَرَب خلَافَة، وَمن هُوَ
هَذَا الْخَلِيفَة؟ وَلَيْسَ فِي مصر إلاَّ من يُسمى
خَليفَة بالإسم، وَلَيْسَ لَهُ حل وَلَا ربط، وَلَئِن
سلمنَا صِحَة مَا قَالَه فَيلْزم مِنْهُ تعدد الْخلَافَة
فَلَا يجوز إلاَّ خَليفَة وَاحِد، لِأَن الشَّارِع أَمر
ببيعة الإِمَام وَالْوَفَاء ببيعته، ثمَّ من نازعه أَمر
بِضَرْب عُنُقه. وروى الإِمَام أَحْمد وَأَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن سفينة مولى رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْخلَافَة بعدِي
ثَلَاثُونَ سنة ثمَّ تكون ملكا، وَفِي رِوَايَة: ثمَّ
يُؤْتِي الله ملكه من يَشَاء، وَهَكَذَا وَقع. فَإِن
خلَافَة أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ سنتَانِ
وَأَرْبَعَة أشهر إلاَّ عشر لَيَال، وَخِلَافَة عمر، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، عشر سِنِين وَسِتَّة أشهر
وَأَرْبَعَة أَيَّام، وَخِلَافَة عُثْمَان، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ إثنا عشر سنة إلاَّ اثْنَي عشر يَوْمًا،
وَخِلَافَة عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ خمس سِنِين
إلاَّ شَهْرَيْن، وتكملة الثَّلَاثِينَ بخلافة الْحسن بن
عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عنهُما نَحوا من سِتَّة أشهر
حَتَّى نزل عَنْهَا لمعاوية عَام أَرْبَعِينَ من
الْهِجْرَة. فَإِن قلت: يُعَارض حَدِيث سفينة مَا رَوَاهُ
مُسلم من حَدِيث جَابر بن سَمُرَة: لَا يزَال هَذَا الدّين
قَائِما مَا كَانَ اثْنَي عشرَة خَليفَة، كلهم من قُرَيْش
... الحَدِيث. قلت: قيل: إِن الَّذين لم يزل قَائِما
حَتَّى ولَّي اثْنَي عشر خَليفَة كلهم من قُرَيْش،
وَأَرَادَ بِهَذَا خلَافَة النُّبُوَّة وَلم يرد أَنه لَا
يُوجد غَيرهم، وَقيل: هَذَا الحَدِيث فِيهِ إِشَارَة
بِوُجُود إثني عشر خَليفَة عادلين من قُرَيْش، وَإِن لم
يوجدوا على الْوَلَاء وَإِنَّمَا اتّفق وُقُوع الْخلَافَة
المتتابعة بعد النُّبُوَّة فِي ثَلَاثِينَ سنة، ثمَّ قد
كَانَ بعد ذَلِك خلفاء راشدون مِنْهُم: عمر بن عبد
الْعَزِيز، وَمِنْهُم الْمُهْتَدي بِأَمْر الله العباسي،
وَمِنْهُم الْمهْدي المبشر بِوُجُودِهِ فِي آخر الزَّمَان.
قَوْله: (إلاَّ كبَّه الله) ، وَهَذَا الْفِعْل من الشواذ،
لِأَن الْفِعْل يتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ، وَهَذَا الْفِعْل
ثلاثيه مُتَعَدٍّ ورباعيه لَازم، قَالَ الله تَعَالَى:
{أَفَمَن يمشي مكباً على وَجهه} (الْملك: 22) . قَوْله:
(مَا أَقَامُوا الدّين) أَي: مُدَّة إقامتهم الدّين،
وَيحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ: أَنهم إِن لم يقيموه فَلَا
تسمع لَهُم، وَقيل: يحْتَمل أَن لَا يُقَام عَلَيْهِم،
وَإِن كَانَ لَا يجوز بقاؤهم. وَقد أَجمعُوا على أَنه إِذا
دَعَا إِلَى كفر أَو بِدعَة يُقَام عَلَيْهِ، وَإِن غصب
الْأَمْوَال وانتهك الْحرم فَاخْتلف فِيهِ: هَل يُقَام
عَلَيْهِ؟ فَقَالَ الْأَشْعَرِيّ مرّة: نعم، وَمرَّة: لَا.
1053 - حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ حدَّثنا عَاصِمُ بنُ
مُحَمَّدٍ قَالَ سَمِعْتُ أبي عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله
تَعَالَى عنهُما عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ لاَ يَزالُ هاذَا الأمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ
مِنْهُمُ اثْنَانِ. (الحَدِيث 1053 طرفه فِي: 0417) .
(16/74)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن فِيهِ
منقبة لقريش. وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك،
وَعَاصِم بن مُحَمَّد يروي عَن أَبِيه مُحَمَّد ابْن زيد
بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب الْعَدوي الْقرشِي.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَحْكَام عَن
أَحْمد ابْن يُونُس. وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن
أَحْمد بن يُونُس.
قَوْله: (هَذَا الْأَمر) أَي: الْخلَافَة. قَوْله: (مَا
بَقِي مِنْهُم) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم: مَا بَقِي من
النَّاس، وَلما كَانَ النَّاس تبعا لقريش فِي
الْجَاهِلِيَّة ورؤساء الْعَرَب كَانُوا أَيْضا تبعا لَهُم
فِي الْإِسْلَام، وهم أَصْحَاب الْخلَافَة، وَهِي مستمرة
لَهُم إِلَى آخر الدُّنْيَا مَا بَقِي من النَّاس إثنان،
وَقد ظهر مَا قَالَه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمن زَمَنه
إِلَى الْآن الْخلَافَة فِي قُرَيْش من غير مزاحمة لَهُم
فِيهَا، وَإِن كَانَ المتغلبون ملكوا الْبِلَاد،
وَلَكنهُمْ معترفون أَن الْخلَافَة فِي قُرَيْش، فاسم
الْخلَافَة باقٍ وَلَو كَانَ مُجَرّد التَّسْمِيَة.
2053 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ حدَّثنا اللَّيْثُ
عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنِ ابنِ الْمُسَيَّبِ عنْ
جُبَيْرِ بنِ مُطْعَمٍ قَالَ مَشَيْتُ أنَا وعُثْمَانُ بنُ
عَفَّانَ فَقَالَ يَا رَسُولَ الله أعْطَيْتَ بَنِي
المُطَّلِبِ وَتَرَكْتَنَا وإنَّمَا نَحْنُ وهُمْ مِنْكَ
بِمَنْزِلَةٍ واحِدَةٍ فَقَالَ النِّبِيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إنَّما بَنُو هاشِمٍ وبَنُو المُطَّلِبِ
شَيْءٌ وَاحِدٌ. (انْظُر الحَدِيث 0413 وطرفه) .
هَذَا الحَدِيث بِعَيْنِه قد مضى فِي الْخمس فِي: بَاب
وَمن الدَّلِيل، على أَن الْخمس للْإِمَام غير أَنه أخرجه
هُنَاكَ: عَن عبد الله ابْن يُوسُف عَن اللَّيْث بن سعد،
وَهنا: عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث، وَقد مر الْكَلَام
فِيهِ وَزَاد فِيهِ: وَقَالَ اللَّيْث: وحَدثني يُونُس
وَزَاد قَالَ جُبَير: وَلم يقسم النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لبني عبد شمس وَلَا لبني نَوْفَل ... إِلَى
آخِره.
3053 - وَقَالَ اللَّيْثُ حدَّثني أبُو الأسْوَدِ
مُحَمَّدٌ عنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ قَالَ ذَهَبَ
عبْدُ الله بنُ الزُّبَيْرِ معَ أناسٍ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ
إِلَى عائِشَةَ وكانَتْ أرَقَّ شَيْءٍ لِقَرَابَتهِمْ مِنْ
رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
هَذَا التَّعْلِيق مُخْتَصر من حَدِيث يَأْتِي بعد حَدِيث
وَاحِد ذكره مُتَّصِلا، فَقَالَ: حَدثنَا عبد الله بن
يُوسُف حَدثنَا اللَّيْث قَالَ: حَدثنِي أَبُو الْأسود. .
إِلَى آخِره، وَأخرجه أَبُو نعيم أَيْضا عَن أبي أَحْمد
عَن قُتَيْبَة بن سعيد حَدثنَا اللَّيْث فَذكره.
قَوْله: (من بني زهر) ، بِضَم الزَّاي وَسُكُون الْهَاء:
واسْمه الْمُغيرَة بن كلاب بن مرّة فِيمَا ذكره ابْن
الْكَلْبِيّ، وَوَقع فِي (الصِّحَاح) و (معارف ابْن
قُتَيْبَة) : أَن زهرَة امْرَأَة نسب إِلَيْهَا وَلَدهَا
دون الْأَب، وَهُوَ غَرِيب لإِجْمَاع أهل النّسَب على
خِلَافه، وَقَالَ ابْن دُرَيْد: وزهرة، فعلة من الزهر
وَهُوَ زهر الأَرْض وَمَا أشبهه، وَيكون من الشَّيْء
الزَّاهِر المضيء من قَوْلهم: أَزْهَر النَّهَار إِذا
أَضَاء. قَوْله: (وَكَانَت) أَي: عَائِشَة (أرق شَيْء
لقرابتهم) أَي: لقرابة بني زهرَة (من رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم) ، وَذَلِكَ من جِهَة أَن أمه كَانَت
مِنْهُم لِأَنَّهَا بنت وهب بن عبد منَاف بن زهرَة، وسيتضح
معنى هَذَا الحَدِيث فِي الحَدِيث الَّذِي يَأْتِي بعد
حَدِيث وَاحِد فِي هَذَا الْبَاب.
4053 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا سُفْيَانُ عنْ
سَعْدٍ ح قَالَ يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ حدَّثنا أبي عنْ
أبِيهِ قَالَ حدَّثني عبْدُ الرَّحْمانِ بنُ هُرْمُزَ
الأعْرَجُ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ
قَالَ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُرَيْشٌ
والأنْصَارُ وجُهَيْنَةُ ومُزَيْنَةُ وأسْلَمُ وأشْجَعُ
وغِفارُ مَوَالِيَّ لَيْس لَهُمْ مَوْلًى دُونَ الله
ورَسُولِهِ. (الحَدِيث 4053 طرفه فِي: 2153) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو نعيم الْفضل بن
دُكَيْن، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَسعد بن إِبْرَاهِيم
بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الزُّهْرِيّ الْقرشِي
الْمدنِي، وَيَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم يروي عَن أَبِيه
إِبْرَاهِيم بن سعد، وَإِبْرَاهِيم يروي عَن أَبِيه سعد بن
إِبْرَاهِيم ابْن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَقَالَ ابْن
مَسْعُود الدِّمَشْقِي: رِوَايَة يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم
لهَذَا الحَدِيث تخَالف رِوَايَة سُفْيَان الثَّوْريّ فِي
الْمَتْن والإسناد، لِأَن الثَّوْريّ يرويهِ عَن سعد بن
إِبْرَاهِيم عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة، وَيَعْقُوب
يرويهِ عَن أَبِيه إِبْرَاهِيم بن سعد عَن صَالح بن كيسَان
عَن الْأَعْرَج بِاللَّفْظِ الَّذِي يَأْتِي بعد هَذِه
التَّرْجَمَة، وَلَا يرويهِ عَن أَبِيه عَن جده سعد عَن
إِبْرَاهِيم
(16/75)
عَن الْأَعْرَج كَمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ
عقيب حَدِيث الثَّوْريّ، وَفِيه نظر، لِأَن إِبْرَاهِيم بن
سعد وَالِد يَعْقُوب مَعْرُوف بالرواية عَن صَالح ابْن
كيسَان وَعَن الْأَعْرَج، فَيحْتَمل أَنه رَوَاهُ عَن
هَذَا تَارَة كَمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ، وَعَن هَذَا
تَارَة كَمَا رَوَاهُ مُسلم فِي (صَحِيحه)
قَوْله: (وَقَالَ يَعْقُوب) ، وَقع فِي بعض النّسخ قبل
هَذَا: قَالَ أَبُو عبد الله: قَالَ يَعْقُوب، وَأَبُو عبد
الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، وعلق رِوَايَة يَعْقُوب بن
ابراهيم وَكَذَا أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ من دريق
البُخَارِيّ نَفسه مُعَلّقا. قَوْله: (قُرَيْش) ، قد مر
الْكَلَام فِيهِ عَن قريب. قَوْله: (وَالْأَنْصَار) ،
يُرِيد بالأنصار: الْأَوْس والخزرج ابْني حَارِثَة بن
ثَعْلَبَة العنقاء بن عَامر مَاء السَّمَاء بن حَارِثَة
الغطريف ابْن امرىء الْقَيْس البطريق بن ثَعْلَبَة بن
مَازِن، وَهُوَ جماع غَسَّان بن الأزد بن الْغَوْث بن نبت
بن مَالك بن أدد بن زيد بن كهلان بن سباء بَان يشجب بن
يعرب بن قحطان، وَاسم الأزد: دراء، بِكَسْر الدَّال وبالمد
وَالْقصر وَقد تفتح الدَّال من قَوْلهم أزدي إِلَيْهِ دراء
يدا وَكَانَ معطاء فَكثر استعمالهم إِيَّاه حَتَّى
جَعَلُوهُ إسماً، وَالْأَصْل: أسدي، فقلبوا السِّين:
زاياً، ليطابق الدَّال فِي الْجَهْر. وَعَن يَعْقُوب وَأبي
عبيد: أَسد أفْصح من الأزد، وَقَالَ يحيى بن معِين: هما
سَوَاء وَهِي جرثومة من جراثيم قحطان وبابهم وَاسع
وَفِيهِمْ قبائل وعمائر وبطون وأفخاذ لخزاعة وغسان وبارق
والعتيك وغامد وَشبههَا. قَوْله: (وجهينة) ، بِضَم الْجِيم
وَفتح الْهَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح
النُّون: ابْن زيد بن لَيْث بن سود، بِضَم السِّين
الْمُهْملَة وَسُكُون الْوَاو وبالدال الْمُهْملَة: ابْن
أسلم، بِضَم اللَّام، ابْن ألحاف يُقَال الحافي بن قضاعة،
واسْمه: عَمْرو بن مَالك بن عَمْرو بن مرّة بن زيد بن
مَالك ابْن حمير بن سبإ، وَقَالَ ابْن دُرَيْد: جُهَيْنَة
من الجهن وَهُوَ الغلظ فِي الْوَجْه والجسم، وَبِه سمي
جُهَيْنَة. قَوْله: (وَمُزَيْنَة) ، بِضَم الْمِيم وَفتح
الزَّاي وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح النُّون:
هِيَ بنت كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمرَان بن
الحاني ابْن قضاعة، وَهِي أم عُثْمَان وَأَوْس بن عَمْرو
بن أد بن طابخة بن إلْيَاس بن مُضر بن نزار بن معد بن
عدنان، وأولادهما ينسبون إِلَى مزينة. وَقَالَ ابْن
دُرَيْد: مزينة تَصْغِير مزنة وَهِي السحابة الْبَيْضَاء
وَالْجمع: مزن. قَوْله: (وَأسلم فِي خُزَاعَة) ، وَهُوَ
ابْن أفصى وَهُوَ خُزَاعَة بن حَارِثَة بن عَمْرو بن عَامر
بن حَارِثَة بن امرىء الْقَيْس بن ثَعْلَبَة بن مَازِن بن
الأزد. وَفِي مذْحج: أسلم بن أَوْس الله بن سعد
الْعَشِيرَة بن مذْحج. وَفِي بجيلة: أسلم بن عَمْرو بن
لؤَي بن رهم بن مُعَاوِيَة بن أسلم بن أحمس بن الْغَوْث،
وَالله أعلم من أَرَادَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بقوله هَذَا. قَوْله: (وَأَشْجَع) ، هُوَ ابْن ريث بن
غطفان بن سعد بن قيس بن غيلَان بن مُضر، وَأَشْجَع من
الشجع وَهُوَ الطول، يُقَال: رجل أَشْجَع وَامْرَأَة
شجعاء، والأشجع العقد الثَّانِي من الْأَصَابِع، وَالْجمع
أشاجع. قَوْله: (وغفار) ، بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة
وَتَخْفِيف الْفَاء وَفِي آخِره رَاء: هُوَ ابْن مليل بن
ضَمرَة بن بكر بن عبد منَاف بن كنَانَة. وَأما الحكم بن
عَمْرو الْغِفَارِيّ الصَّحَابِيّ فَهُوَ من ولد نفيلة بن
مَكِيل أخي غفار فنسب إِلَى أخي جده، وَكَثِيرًا تصنع
الْعَرَب ذَلِك إِذا كَانَ أشهر من جده، وَقَالَ ابْن
دُرَيْد: هُوَ من غفر إِذا ستر، وَمِنْه قَوْلهم: يغْفر
الله لَك. قَوْله: (موَالِي) خبر الْمُبْتَدَأ أَعنِي
قَوْله: (قُرَيْش) وَمَا بعد قُرَيْش عطف عَلَيْهِ، أَي:
أَنْصَارِي والمختصون بِي، وَقَالَ أَبُو الْحسن: رُوِيَ
بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف، وَقَالَ ابْن التِّين:
وَالتَّخْفِيف إِمَّا أَن يكون بِغَيْر يَاء أَو يضيفهم
إِلَى نَفسه بتَشْديد الْيَاء، وَقَالَ الدَّاودِيّ:
أَرَادَ من أُسِرَ من هَذِهِ القَبائِلَ لم يجْرِ عَلَيْهِ
رق وَلَا وَلَاء، وَقيل: قَوْله موَالِي، لأَنهم مِمَّن
بَادرُوا إِلَى الْإِسْلَام وَلم يسبوا فيرقوا كغيرهم من
قبائل الْعَرَب. وَقَالَ يُونُس: أَي: هم أَوْلِيَاء الله
مثلا، وَإِن الْكَافرين لَا مولى لَهُم، أَي: لَا نَاصِر
لَهُم، قَوْله: (لَيْسَ لَهُم مولى دون الله وَرَسُوله) ،
أَي: غير الله وَرَسُوله، وَالْمولى، وَإِن كَانَ لَهُ
معانٍ كَثِيرة، لَكِن الْمُنَاسب هُنَا: النَّاصِر،
وَالْوَلِيّ والمتكفل بمصالحهم وَالْمُتوَلِّيّ لأمورهم.
5053 - حدَّثنا عبْدُ الله بنُ يُوسُفَ حدَّثنا اللَّيْثُ
قَالَ حدَّثنِي أبُو الأسْوَدِ عنْ عُرْوَةَ بنِ
الزُّبَيْرِ قَالَ كانَ عَبْدُ الله بنُ الزُّبَيْرِ
أحَبَّ البَشَرِ إِلَى عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهَا بعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي
بَكْرٍ وكانَ أبَرَّ النَّاسِ بِهَا وكانَتْ لاَ تُمْسِكُ
شَيْئاً مَمَّا جاءَهَا مِنْ رِزْقِ الله إِلَّا
تَصَدَّقَتْ فَقَالَ ابنُ الزُّبَيْرِ يَنْبَغِي أنْ
يُؤْخَذَ علَى يَدَيْهَا فقالَتْ أيُؤْخَذُ علَى يَدَيَّ
علَىَّ نَذْرٌ إنْ كلَّمْتُهُ فاسْتَشْفَعَ إلَيْهَا
بِرِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ وبِأخْوَالِ
(16/76)
رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
خاصَّةً فامْتَنَعَتْ فَقَالَ لَهُ الزُّهْرِيُّونَ
أخْوَالُ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُمْ
عَبْدُ الرَّحْمانِ ابنُ الأسْوَدِ بنِ عَبْدِ يَغُوثَ
والمِسْوَرُ بنُ مَخْرَمَةَ إذَا اسْتأذَنَّا فاقْتَحِمِ
الحِجَابَ فَفَعَلَ فأرْسَلَ إلَيْهَا بِعَشْرِ رِقَابٍ
فأعْتَقَتْهُمْ ثُمَّ لَمْ تَزَلْ تُعْتِقُهُمْ حَتَّى
بَلَغَتْ أرْبَعِينَ فقالَتْ ودِدْتُ أنِّي جعَلْتُ حِينَ
حَلَفْتُ عَمَلاً أعْمَلُهُ فأفْرُغَ مِنْهُ. (انْظُر
الحَدِيث 3053 وطرفه) .
هَذَا الحَدِيث الْمُتَّصِل يُوضح الحَدِيث الْمُعَلق
الْمَذْكُور قبل الحَدِيث السَّابِق على هَذَا الحَدِيث،
وَهُوَ قَوْله: وَقَالَ اللَّيْث: حَدثنِي أَبُو الْأسود
مُحَمَّد عَن عُرْوَة بن الزبير ... إِلَى آخِره، وَقد
ذكرنَا هُنَاكَ بقولنَا: وسيتضح معنى هَذَا الحَدِيث فِي
الحَدِيث الَّذِي يَأْتِي بعد حَدِيث وَاحِد فِي هَذَا
الْبَاب. وتوضيحه من الْخَارِج: أَن عبد الله بن الزبير بن
الْعَوام هُوَ ابْن أُخْت عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهَا، لِأَن أمه أَسمَاء بنت أبي بكر الصّديق، رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَأمّهَا أم الْعُزَّى قيلة أَو
قتيلة بنت عبد الْعُزَّى، وَأم عَائِشَة أم رُومَان بنت
عَامر، فأسماء أُخْت عَائِشَة من الْأَب، وَكَانَت
عَائِشَة تحب عبد الله بن الزبير غَايَة الْمحبَّة،
وَكَانَ أحب النَّاس إِلَيْهَا بعد النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَبعد أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
وَكَانَ عبد الله يبر إِلَيْهَا كثيرا، وَكَانَت عَائِشَة
كَرِيمَة جدا لَا تمسك شَيْئا. وَبَلغهَا أَن عبد الله
قَالَ: وَالله لتنتهين عَائِشَة أَو لأحجرن عَلَيْهَا،
فَقَالَت: عليَّ نذر إِن كَلمته، وَبَقِيَّة الْكَلَام
تظهر من تَفْسِير الحَدِيث.
قَوْله: (أَبُو الْأسود) هُوَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن
بن نَوْفَل بن الْأسود بن نَوْفَل بن خويلد بن أَسد بن عبد
الْعُزَّى الْقرشِي الْأَسدي الْمَدِينِيّ يَتِيم عُرْوَة
بن الزبير لِأَن أَبَاهُ أوصى بِهِ إِلَيْهِ فَقيل لَهُ:
يَتِيم عُرْوَة لذَلِك. قَوْله: (يَنْبَغِي أَن يُؤْخَذ
على يَديهَا) ، أَي: تمنع من الْإِعْطَاء ويحجر عَلَيْهَا،
وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ تَأتي فِي الْأَدَب: وَالله
لتنتهين عَائِشَة أَو لأحجرن عَلَيْهَا. قَوْله:
(فَقَالَت: أيؤخذ على يَدي؟) ، فِيهِ حذف تَقْدِيره: وَلما
بلغ عَائِشَة مَا قَالَه عبد الله بن الزبير من الْحجر
عَلَيْهَا، قَالَت: أيؤخذ على يَدي؟ يَعْنِي: أيحجر عبد
الله عَليّ؟ فَغضِبت من ذَلِك، فَقَالَت: (عَليّ نذر إِن
كَلمته) قَوْله: (فاستشفع) أَي: عبد الله إِلَيْهَا، أَي:
إِلَى عَائِشَة، وَفِيه حذف أَيْضا تَقْدِيره: وَلما بلغ
عبد الله بن الزبير غضبُ عائِشَة من كَلَام عبد الله وبلغه
نذرها بترك الْكَلَام لَهُ، خَافَ على نَفسه من غَضَبهَا
فاستشفع إِلَيْهَا لترضى عَلَيْهِ، فامتنعت عَائِشَة وَلم
ترض بذلك. قَوْله: (فَقَالَ لَهُ الزهريون) ، أَي:
فَلَمَّا امْتنعت عَائِشَة عَن قبُول الشَّفَاعَة قَالَ
لعبد الله الْجَمَاعَة الزهريون، وهم المنسوبون إِلَى
زهرَة، واسْمه: الْمُغيرَة بن كلاب، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن
قريب. قَوْله: (أخوال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
لِأَن أمه، عَلَيْهِ السَّلَام، كَانَت من بني زهرَة،
لِأَنَّهَا بنت وهب بن عبد منَاف بن زهرَة. قَوْله:
(مِنْهُم) ، أَي: من الزهريين (عبد الرَّحْمَن بن الْأسود
بن عبد يَغُوث) بن وهب بن عبد منَاف الْقرشِي الزُّهْرِيّ،
وَأمه آمِنَة بنت نَوْفَل بن أهيب بن عبد منَاف بن زهرَة.
وَهُوَ ابْن خَال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أدْرك
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا تصح لَهُ رُؤْيَة
وَلَا صُحْبَة، ذكره ابْن حبَان فِي (الثِّقَات) . قَوْله:
(والمسور بن مخرمَة) ، بِكَسْر الْمِيم فِي الإبن
وَبِفَتْحِهَا فِي الْأَب: ابْن نَوْفَل بن أهيب بن عبد
منَاف بن زهرَة بن كلاب الْقرشِي الزُّهْرِيّ، لَهُ ولأبيه
صُحْبَة. قَوْله: (إِذا استاذنا) ، يَعْنِي إِذا استأذنا
على عَائِشَة فِي الدُّخُول عَلَيْهَا فاقتحم الْبَاب،
أَي: إرم نَفسك فِيهِ من غير اسْتِئْذَان وَلَا روية،
يُقَال: اقتحم الْإِنْسَان الْأَمر الْعَظِيم وتقحمه إِذا
رمى نَفسه فِيهِ من غير تثبت وَلَا روية، وَأَرَادَ
بالحجاب الستارة الَّتِي تضرب بَين عَائِشَة وَبَين
المستأذنين للدخول عَلَيْهَا. قَوْله: (فَفعل) ، أَي: فعل
عبد الله بن الزبير مَا قَالَه الزهريون من اقتحام
الْبَاب. قَوْله: (فَأرْسل إِلَيْهَا بِعشر رِقَاب) ،
فِيهِ حذف تَقْدِيره: لما شفع الزهريون فِي عبد الله عِنْد
عَائِشَة رضيت عَلَيْهِ، ثمَّ أرسل عبد الله بِعشر عبيد
وجوارٍ إِلَيْهَا لأجل أَن تعْتق مَا أَرَادَت مِنْهُم
كَفَّارَة ليمينها، فأعتقت عَائِشَة جَمِيعهم، ثمَّ لم تزل
عَائِشَة تعْتق حَتَّى بلغ عتقهَا أَرْبَعِينَ رَقَبَة
للإحتياط فِي نذرها. قَوْله: (فَقَالَت وددت) إِلَى آخِره،
مَعْنَاهُ: إِنِّي نذرت مُبْهما. وَهُوَ يحْتَمل أَن يُطلق
على أَكثر مِمَّا فعلت، فَلَو كنت نذرت نذرا معينا لَكُنْت
تيقنت بِأَنِّي أديته وبرئت ذِمَّتِي، وَحَاصِل الْمَعْنى:
أَنَّهَا تمنت لَو كَانَ بدل قَوْلهَا: عَليّ نذر، عَليّ
إِعْتَاق رَقَبَة أَو صَوْم شهر وَنَحْوه من الْأَعْمَال
الْمعينَة حَتَّى تكون كفارتها مَعْلُومَة مُعينَة وتفرغ
مِنْهَا بالإتيان بِهِ، بِخِلَاف لفظ: عَليّ نذر،
فَإِنَّهُ مُبْهَم لم يطمئن قَلبهَا بِإِعْتَاق رَقَبَة
أَو رقبتين، وأرادت الزِّيَادَة عَلَيْهِ فِي كَفَّارَته،
وَذكر الْكرْمَانِي هُنَا وَجْهَيْن آخَرين: أَحدهمَا أَن
عَائِشَة تمنت أَن يَدُوم لَهَا الْعَمَل الَّذِي عملته
لِلْكَفَّارَةِ، يَعْنِي يكون دَائِما مِمَّن أعتق العَبْد
لَهَا. وَالْآخر: أَنَّهَا قَالَت: يَا لَيْتَني كفرت حِين
حَلَفت وَلم تقع الْهِجْرَة والمفارقة
(16/77)
فِي هَذِه الْمدَّة. وَقَالَ بَعضهم: أبعد
من قَالَ هذَيْن الْوَجْهَيْنِ. قلت: لم يبين هَذَا
الْقَائِل وَجه الْبعد فيهمَا، وَلَيْسَ فيهمَا بعد، بل
الْأَقْرَب هَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى قُوَّة دين عَائِشَة
وَغَايَة ورعها على مَا لَا يخفى. قَوْله: (أعمله) صفة
لقَوْله: (عملا) قَوْله: (فأفرغ مِنْهُ) يجوز بِالرَّفْع
أَي: فَأَنا أفرغ مِنْهُ، وَيجوز بِالنّصب أَي: فَإِن أفرغ
مِنْهُ.
وَاخْتلف الْعلمَاء فِي النّذر الْمُبْهم الْمَجْهُول،
فَذهب مَالك إِلَى أَنه: ينْعَقد وَيلْزم بِهِ كَفَّارَة
يَمِين، وَقَالَ الشَّافِعِي مرّة: يلْزمه أقل مَا يَقع
عَلَيْهِ الإسم، وَقَالَ مرّة: لَا ينْعَقد هَذَا
الْيَمين، وَصحح فِي مُسلم: كَفَّارَة النّذر كَفَّارَة
يَمِين، وَفِي لفظ لَهُ: من نذر نذرا وَلم يسمه فَعَلَيهِ
كَفَّارَة يَمِين، وَلَعَلَّ عَائِشَة، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهَا، لم يبلغهَا هَذَا الحَدِيث، وَلَو كَانَ
بلغَهَا لم تقل هَكَذَا، وَلم تعْتق أَرْبَعِينَ رَقَبَة،
أَو تأولت. وَقَالَ ابْن التِّين: وَيحْتَمل أَن يكون
هَذَا قبل تَمام الثَّلَاث: أَي: ثَلَاثَة أَيَّام من
الهجر، وَكَيف وَقع الْحِنْث عَلَيْهَا بِمُجَرَّد دُخُول
عبد الله بن الزبير دون الْكَلَام إلاَّ أَن يكون لما سلم
الزهريون عَلَيْهَا ردَّتْ السَّلَام، وَعبد الله فِي
جُمْلَتهمْ، فَوَقع الْحِنْث قبل أَن أقتحم الْحجاب، قيل:
فِيهِ نظر لِأَنَّهُ كَانَ يجوز لَهَا رد السَّلَام
عَلَيْهِم إِذا نَوَت إِخْرَاج عبد الله فَلَا تَحنث بذلك.
3 - (بابٌ نَزَلَ القُرْآنُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ أَنه نزل الْقُرْآن بِلِسَان
قُرَيْش، أَي: بلغتهم.
6053 - حدَّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا
إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ أنَسٍ أنَّ
عُثْمَانَ دَعَا زَيْدَ بنَ ثابِتٍ وعَبْدَ الله بنَ
الزُّبَيْرِ وسَعِيدَ بنَ العَاصِ وعَبْدَ الرَّحْمانِ بنَ
الحَارِثِ بنِ هِشَامٍ فنَسَخُوهَا فِي المَصَاحِفِ.
وَقَالَ عُثْمَانُ لِلرَّهْطِ القُرَشِيِّينَ الثَّلاَثَةِ
إذَا اخْتَلَفْتُمْ أنْتُمْ وزيْدُ بنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ
مِنَ القُرْآنِ فاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ فإنَّمَا
نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ ففَعَلُوا ذالِكَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَعبد الْعَزِيز بن عبد
الله بن يحيى الْقرشِي الأويسي الْمدنِي، وَهُوَ من
أَفْرَاده وَإِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد
الرَّحْمَن بن عَوْف.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي فَضَائِل
الْقُرْآن عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل وَعَن أبي الْيَمَان
عَن شُعَيْب وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن
بنْدَار عَن ابْن مهْدي، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي
فَضَائِل الْقُرْآن عَن الْهَيْثَم ابْن أَيُّوب.
قَوْله: (وَسَعِيد بن الْعَاصِ) بن أحيحة الْقرشِي
الْأمَوِي الْمَدِينِيّ قَالَ ابْن سعد: قبض النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ ابْن تسع سِنِين، وَقَالَ سعيد
بن عبد الْعَزِيز: إِن عَرَبِيَّة الْقُرْآن أُقِيمَت على
لِسَانه، وَهُوَ أحد الَّذين كتبُوا الْمُصحف لعُثْمَان بن
عَفَّان وَعبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام بن
الْمُغيرَة بن عبد الله بن عَمْرو بن مَخْزُوم الْقرشِي
المَخْزُومِي، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: كَانَ ابْن عشر
سِنِين حِين قبض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (فنسخوها) الضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ يرجع إِلَى
الصُّحُف الَّتِي كَانَت عِنْد حَفْصَة بنت عمر بن
الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَلَا يُقَال:
إِنَّه إِضْمَار قبل الذّكر، لِأَن هَذَا الحَدِيث قِطْعَة
من حَدِيث آخر طَوِيل أخرجه البُخَارِيّ فِي الْفَضَائِل،
وَفِيه: فَأرْسل عُثْمَان إِلَى حَفْصَة: أَن أرسلي
إِلَيْنَا بالصحف ننسخها فِي الْمَصَاحِف، ثمَّ نردها
إِلَيْك، فَأرْسلت بهَا حَفْصَة إِلَى عُثْمَان، فَأمر زيد
بن ثَابت وَعبد الرَّحْمَن بن الزبير وَسَعِيد بن الْعَاصِ
وَعبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام فنسخوها فِي
الْمَصَاحِف. . الحَدِيث، والمصاحف: جمع مصحف، والمصحف
الكرَّاسة وحقيقتها: مجمع الصُّحُف. قَوْله: (للرهط
القرشيين) هم عبد الله بن الزبير وَسَعِيد بن الْعَاصِ
وَعبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث. وَأما زيد بن ثَابت فَهُوَ
لَيْسَ بقرشي بل هُوَ أَنْصَارِي خزرجي. قَوْله: (إِذا
اختلفتم أَنْتُم وَزيد بن ثَابت) ، قَالَ الدَّاودِيّ:
يَعْنِي إِذا اختلفتم فِيهِ من الهجاء لَيْسَ من
الْإِعْرَاب، وَقَالَ أَبُو الْحسن: أَرَادَ: إِذا اختلفتم
فِي إعرابه، وَلَا يبعد أَنه أَرَادَ بِالْوَجْهَيْنِ،
أَلا ترى أَن لُغَة أهل الْحجاز {مَا هَذَا بشرا} ولغة
تَمِيم {بشر} قَوْله: (فاكتبوه) أَي: فَاكْتُبُوا الَّذِي
اختلفتم فِيهِ بِلِسَان قُرَيْش، لقَوْله تَعَالَى: {وَمَا
أرسلنَا من رَسُول إلاَّ بِلِسَان قومه} (إِبْرَاهِيم: 4)
. وَقوم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قُرَيْش
فَيكْتب بلسانهم. قَوْله: (فَإِنَّمَا نزل بلسانهم) ، أَي:
فَإِن الْقُرْآن إِنَّمَا نزل بِلِسَان قُرَيْش. وَقَالَ
الدَّاودِيّ: وَلما اخْتلفُوا فِي التابوت، فَقَالَ زيد
ابْن ثَابت التابوه، وَقَالَ أُولَئِكَ الثَّلَاثَة
التابوت، أَمرهم عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عنهُ، أَن
يكتبوه بِلِسَان قُرَيْش: التابوت. قَوْله: (فَفَعَلُوا
ذَلِك) أَي: مَا أَمرهم بِهِ عُثْمَان، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ.
(16/78)
4 - (بابُ نِسْبَةِ اليَمَنِ إِلَى
إسْمَاعِيلَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان نِسْبَة أهل الْيمن إِلَى
إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم خَلِيل الله، عَلَيْهِمَا
السَّلَام، وَنسبَة ربيعَة وَمُضر إِلَى إِسْمَاعِيل،
عَلَيْهِ السَّلَام، مُتَّفق عَلَيْهَا، وَأما الْيمن
فجماع نسبتهم تنتهى إِلَى قحطان، وَقد مر الْكَلَام فِي
قحطان عَن قريب.
منْهُمْ أسْلَمُ بن أقْصَى بنُ حارِثَةَ بنِ عَمْرِو بنِ
عامِرٍ مِنْ خُزَاعَةَ
أَي: من أهل الْيمن أسلم، بِفَتْح اللَّام: ابْن أفصى،
بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْفَاء بعْدهَا صَاد مُهْملَة
مَقْصُورَة، قيل: وَقع فِي رِوَايَة الْجِرْجَانِيّ:
أَفْعَى، بِعَين مُهْملَة بدل الصَّاد وَهُوَ تَصْحِيف
ابْن حَارِثَة بِالْحَاء الْمُهْملَة والثاء
الْمُثَلَّثَة: ابْن عَمْرو، بِفَتْح الْعين: ابْن عَامر
بن حَارِثَة ابْن امرىء الْقَيْس بن ثَعْلَبَة بن مَازِن
بن الأزد بن الْغَوْث بن نبت بن ملكان بن زيد بن كهلان بن
سبإ بن يشجب بن يعرب ابْن قحطان، وَقَالَ الرشاطي: يُقَال
الأزد بالزاي، والأسد بِالسِّين. قَوْله: (من خُزَاعَة)
فِي مَحل النصب على الْحَال من أسلم بن أفصى، وأفصى هُوَ
خُزَاعَة، وَبِهَذَا احْتَرز عَن أسلم الَّذِي فِي مذْحج،
وَفِي بجيلة. وَقَالَ الرشاطي: أسلم، بِفَتْح الَّلام ابْن
أفصى، وَهُوَ خُزَاعَة بن حَارِثَة، وَسَاقه مثل مَا
ذكرنَا الْآن، أما الَّذِي فِي مذْحج فَهُوَ أسلم بن أَوْس
الله بن سعد الْعَشِيرَة ابْن مذْحج، وَأما الَّذِي فِي
بجيلة فَهُوَ: أسلم بن عَمْرو بن لؤَي بن رهم بن
مُعَاوِيَة بن أسلم بن أحمس بن الْغَوْث بن بجيلة.
7053 - حدَّثنا مُسددٌ حَدثنَا يَحْيَى عنْ يَزِيدَ بن
أبِي عُبَيْدٍ حَدثنَا سلَمَةُ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ
قَالَ خَرَجَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَى
قَوْمٍ مِنْ أسْلَمَ يتَنَاضَلُونَ بالسُّوقِ فقالَ
ارْمُوا بَنِي إسْمَاعِيلَ فإنَّ أبَاكُمْ كانَ رَامِيَاً
وَأَنا مَعَ بَنِي فُلاَنٍ لأِحَدِ الفَرِيقَيْنِ
فأمْسَكُوا بأيْدِيهِمْ فَقَالَ مَا لَهُمْ قالُوا وكَيْفَ
نَرْمِي وأنْتَ مَعَ بَنِي فُلانٍ قَالَ ارْمُوا وأنَا
مَعَكُمْ كُلِّكُمْ. (انْظُر الحَدِيث 9882 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَيحيى هُوَ الْقطَّان،
وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن أبي عبيد مولى سَلمَة بن
الْأَكْوَع يروي عَن مَوْلَاهُ سَلمَة. والْحَدِيث مضى
فِي: بَاب قَول الله تَعَالَى {وَاذْكُر فِي الْكتاب
إِسْمَاعِيل} (مَرْيَم: 45) . فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن
قُتَيْبَة بن سعيد عَن حَاتِم عَن يزِيد إِلَى آخِره.
قَوْله: يتناضلون، أَي: يترامون.
5 - (بابٌ)
هَذَا كالفصل لما قبله، وَلَيْسَ بموجود فِي كثير من
النّسخ.
8053 - حدَّثنا أبُو مَعْمَرٍ حدَّثنا عبْدُ الوَارِثِ عنِ
الْحُسَيْنِ عنْ عَبْدِ الله بنِ بُرَيْدَةَ قَالَ حدَّثني
يَحْيَى بنُ يَعْمَرَ أنَّ أبَا الأسْوَدِ الدِّيلِيَّ
حدَّثَهُ عنْ أبِي ذَرٍّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّهُ
سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ لَيْسَ
مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أبِيهِ وهْوَ يَعْلَمُهُ
إلاَّ كَفَرَ ومَنِ ادَّعاى قَوْمَاً لَيْسَ لَهُ فِيهِمْ
فَلْيَتَبَوَّأ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ. (الحَدِيث 8053
طرفه فِي: 5406) .
مطابقته للباب المترجم
من حَيْثُ التضاد والمقابلة، لِأَن: بالضد تتبين
الْأَشْيَاء، لِأَن فِي الحَدِيث ذكر النّسَب الْحَقِيقِيّ
الصَّحِيح، وَفِي هَذَا ذكر النّسَب الْبَاطِل، وَفِيه زجر
وتوبيخ لمدعيه، وَأَبُو معمر، بِفَتْح الميمين: عبد الله
بن عَمْرو بن أبي الْحجَّاج الْمنْقري المقعد، وَعبد
الْوَارِث بن سعيد وَالْحُسَيْن هُوَ ابْن الواقد الْمعلم
وَعبد الله بن بُرَيْدَة، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح
الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَيحيى بن يعمر،
بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الْعين
الْمُهْملَة وَضم الْمِيم وَفتحهَا وَفِي آخِره رَاء،
وَأَبُو الْأسود ظَالِم بن عَمْرو، وَيُقَال: عَمْرو بن
ظَالِم، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: اسْمه عُوَيْمِر بن ظويلم،
وَقيل غير ذَلِك، قَاضِي الْبَصْرَة وَهُوَ أول من تكلم
فِي النَّحْو، والديلي بِكَسْر الدَّال الْمُهْملَة
وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وبفتح الْهمزَة، وبضم
الدَّال وَإِسْكَان الْوَاو وبفتح الْهمزَة، أَربع لُغَات،
وَأَبُو ذَر جُنْدُب بن جُنَادَة الْغِفَارِيّ.
وَفِي الْإِسْنَاد: ثَلَاثَة من التَّابِعين على نسق
وَاحِد.
والْحَدِيث
(16/79)
أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَدَب عَن
أبي معمر أَيْضا. وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن
زُهَيْر بن حَرْب.
قَوْله: (عَن الْحُسَيْن) وَفِي رِوَايَة مُسلم: حَدثنَا
حُسَيْن الْمعلم. قَوْله: (عَن أبي ذَر) ، وَفِي رِوَايَة
الْإِسْمَاعِيلِيّ: حَدثنِي أَبُو ذَر. قَوْله: (لَيْسَ من
رجل) ، كلمة من: زَائِدَة، وَذكر الرجل بِاعْتِبَار
الْغَالِب، وإلاَّ فالمرأة كَذَلِك. قَوْله: (ادّعى) أَي:
انتسب لغير أَبِيه ويروي: (إِلَى غير أَبِيه) . قَوْله:
(وَهُوَ يُعلمهُ) ، جملَة حَالية أَي: وَالْحَال أَنه يعلم
أَنه غير أَبِيه، وَإِنَّمَا قيد بذلك لِأَن الْإِثْم يتبع
الْعلم، وَفِي بعض النّسخ: (إلاَّ كفر بِاللَّه) ، وَلم
تقع هَذِه اللَّفْظَة فِي رِوَايَة مُسلم وَلَا فِي غير
رِوَايَة أبي ذَر، فَالْوَجْه على عدم هَذِه اللَّفْظَة
أَن المُرَاد بالْكفْر: كفران النِّعْمَة، أَو لَا يُرَاد
ظَاهر اللَّفْظ، وَإِنَّمَا المُرَاد الْمُبَالغَة فِي
الزّجر والتوبيخ، أَو المُرَاد أَنه فعل فعلا يشبه فعل أهل
الْكفْر، وَالْوَجْه على تَقْدِير وجود هَذِه اللَّفْظَة
فَهُوَ أَن يحمل على أَنه إِن كَانَ مستحلاً مَعَ علمه
بِالتَّحْرِيمِ. قَوْله: (وَمن ادّعى قوما) أَي: وَمن
انتسب إِلَى قوم. قَوْله: (لَيْسَ لَهُ فيهم نسب) ، أَي:
لَيْسَ لهَذَا الْمُدَّعِي فِي هَذَا الْقَوْم نسب، أَي:
قرَابَة، وَلَيْسَ فِي رِوَايَة الْكشميهني لَفْظَة: نسب،
وَفِي رِوَايَة مُسلم: (وَمن ادّعى مَا لَيْسَ لَهُ
فَلَيْسَ منا) ، وَهَذِه أَعم من رِوَايَة البُخَارِيّ،
وَلَكِن يحْتَاج فِيهَا إِلَى تَقْدِير، وَأولى مَا يقدر
فِيهِ لفظ: نسب، لوُجُوده فِي بعض الرِّوَايَات. قَوْله:
(فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده) ، أَي: لينزل منزله (من النَّار)
أَو فليتخذ منزلا بهَا، وَهُوَ إِمَّا دُعَاء وَإِمَّا خبر
بِلَفْظ الْأَمر، وَمَعْنَاهُ: هَذَا جَزَاؤُهُ، وَقد
يجازى وَقد يُعْفَى عَنهُ. وَقد يَتُوب فَيسْقط عَنهُ
هَذَا فِي الْآخِرَة، أما فِي الدُّنْيَا فَإِن جمَاعَة
قَالُوا: إِذا كذب على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
لَا تقبل تَوْبَته. مِنْهُم أَحْمد بن حَنْبَل وَعبد الله
بن الزبير الْحميدِي وَأَبُو بكر الصَّيْرَفِي وَأَبُو
المظفر السَّمْعَانِيّ.
وَفِي الحَدِيث تَحْرِيم الانتفاء من النّسَب الْمَعْرُوف
والإدعاء إِلَى غَيره. وَفِيه: لَا بُد من الْعلم للبحث
فِيمَا يرتكبه الرجل من النَّفْي أَو الْإِثْبَات. وَفِيه:
جَوَاز إِطْلَاق لفظ الْكفْر على الْمعاصِي لأجل الزّجر
والتغليظ.
9053 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَيَّاشٍ حدَّثنا حَرِيزٌ
قَالَ حدَّثَنِي عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ عَبْدِ الله
النَّصْرِيُّ قَالَ سَمِعْتُ واثِلَةَ بنَ الأسْقَعِ
يقُولُ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّ
مِنْ أعْظَمِ الفِرَي أنَّ يَدَّعِيَ الرَّجُلُ إلَى
غَيْرِ أبِيهِ أوْ يُرَيَ عَيْنَهُ مَا لَمْ تَرَ أوْ
يَقُولُ علَى رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا
لَمْ يَقُلْ.
وَجه الْمُطَابقَة فِيهِ مثل الْوَجْه الَّذِي ذَكرْنَاهُ
على رَأس الحَدِيث الْمَاضِي، وَعلي بن عَيَّاش، بتَشْديد
الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالشين الْمُعْجَمَة:
الْأَلْهَانِي الْحِمصِي، وَهُوَ من أَفْرَاده، وحريز،
بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الرَّاء: ابْن عُثْمَان
الْحِمصِي من صغَار التَّابِعين، وَعبد الْوَاحِد بن عبد
الله الدِّمَشْقِي النصري، بِفَتْح النُّون وَسُكُون
الصَّاد الْمُهْملَة: مَنْسُوب إِلَى نصر بن مُعَاوِيَة بن
بكر ابْن هوَازن وَهُوَ أَيْضا من صغَار التَّابِعين.
وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث
الْوَاحِد، وجده كَعْب بن عُمَيْر، وَيُقَال: بشر بن
كَعْب، وَعبد الْوَاحِد هَذَا ولي إمرة الطَّائِف لعمر بن
عبد الْعَزِيز، ثمَّ ولي إمرة الْمَدِينَة ليزِيد بن عبد
الْملك وَكَانَ مَحْمُود السِّيرَة وَمَات وعمره مائَة
وبضع سِنِين.
وَمن لطائف هَذَا الْإِسْنَاد أَنه: من عوالي البُخَارِيّ،
وَأَن فِيهِ رِوَايَة القرين عَن القرين من التَّابِعين،
وَأَنه من أَفْرَاد البُخَارِيّ.
قَوْله: (الفرا) بِكَسْر الْفَاء مَقْصُور وممدود، جمع:
فِرْيَة وَهِي الْكَذِب والبهت، تَقول: فرى بِفَتْح
الرَّاء فلَان كَذَا إِذا اختلق، يفري، بِفَتْح أَوله فرًى
بِالْفَتْح، وافترى اختلق. قَوْله: (أَن يَدعِي الرجل) ،
أَي: أَن ينتسب إِلَى غير أَبِيه. قَوْله: (أَو يري عينه)
، بِضَم الْيَاء وَكسر الرَّاء من: الإراءة، وعينه
مَنْصُوبَة بِهِ. قَوْله: (مَا لم ترَ) مفعول ثَان وَضمير
الْمَنْصُوب فِيهِ مَحْذُوف تَقْدِيره: مَا لم تره،
وَحَاصِل الْمَعْنى: أَن يَدعِي أَن عَيْنَيْهِ رأتا فِي
الْمَنَام شَيْئا وَمَا رأتاه، وَفِي رِوَايَة أَحْمد
وَابْن حبَان وَالْحَاكِم من وَجه آخر عَن وَاثِلَة: أَن
يفتري الرجل على عَيْنَيْهِ فَيَقُول: رَأَيْت، وَلم
تُرِهِ فِي الْمَنَام شَيْئا. فَإِن قلت: إِن كذبه فِي
الْمَنَام لَا يزِيد على كذبه فِي الْيَقَظَة، فَلم زَادَت
عُقُوبَته؟ قلت: لِأَن الرُّؤْيَا جُزْء من النُّبُوَّة
والنبوة لَا تكون إلاَّ وَحيا، والكاذب فِي الرُّؤْيَا
يَدعِي أَن الله أرَاهُ مَا لم يره وَأَعْطَاهُ جُزْءا من
النُّبُوَّة وَلم يُعْطه، والكاذب على الله أعظم فِرْيَة
مِمَّن كذب على غَيره. قَوْله: (أَو يَقُول) ، من مضارع:
قَالَ، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي (أَو تَقول) ، على
وزن: تفعل، بِفَتْح الْقَاف وَتَشْديد الْوَاو
الْمَفْتُوحَة وَمَعْنَاهُ: افترى. قَوْله: (مَا لم يقل) ،
مفعول: يَقُول أَي: مَا لم يقل الرَّسُول.
وَفِي الحَدِيث: تَشْدِيد الْكَذِب فِي هَذِه الْأُمُور
الثَّلَاثَة.
(16/80)
0153 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا حَمَّادٌ
عنْ أبِي جَمْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ ابنَ عَبَّاسٍ رَضِي
الله تَعَالَى عنهُما يَقُولُ قَدِمَ وفْدُ عبْدِ القَيْسِ
علَى رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا يَا
رسُولَ الله إنَّا مِنْ هَذَا الحَيِّ مِنْ رَبِيعَةَ قَدْ
حَالَتْ بَيْنَنا وبَيْنَكَ كُفَّارُ مُضَرَ فَلَسْنَا
نَخْلُصُ إلَيْكَ إلاَّ فِي كلِّ شَهْرٍ حَرَامٍ فلَوْ
أمَرْتَنَا بأمْرٍ نأخُذُهُ عَنْكَ ونُبَلِّغُهُ مَنْ
وَرَاءَنَا قَالَ آمُرُكُمْ بأرْبَعٍ وأنْهَاكُمْ عنْ
أرْبَعٍ الإيمَانِ بِاللَّه شَهَادَةِ أنْ لَا إلاه إلاَّ
الله وإقَامِ الصَّلاَةِ وإيتَاءِ الزَّكَاةِ وأنْ
تُؤَدُّوا إِلَى الله خُمْسَ مَا غَنِمْتُمْ وأنْهَاكُمْ
عنِ الدُّبَاءِ والحَنْتَمِ والنَّقِيرِ والمُزَفَّتِ. .
لَيْسَ فِيهِ مُطَابقَة للتَّرْجَمَة إلاَّ أَن يسْتَأْنس
فِي ذَلِك بِذكر ربيعَة وَمُضر، فَإِن نسبتهما إِلَى
إِسْمَاعِيل لَا كَلَام فِيهَا. والْحَدِيث مر فِي كتاب
الْإِيمَان فِي: بَاب أَدَاء الْخمس من الْإِيمَان،
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن عَليّ بن الْجَعْد عَن
شُعْبَة عَن أبي جَمْرَة، وَهُوَ بِالْجِيم وَالرَّاء:
واسْمه نضر بن عمرَان الضبعِي.
1153 - حدَّثنا أبُو اليَمَانِ أخبرَنا شُعَيْبٌ عنِ
الزُّهْرِيِّ عنْ سَالِمِ بنِ عَبْدِ الله أنَّ عَبْدَ
الله بنَ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ
سَمِعْتُ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقولُ
وهْوَ علَى المِنْبَرِ ألاَ إنَّ الفِتْنَةَ هاهُنَا
يُشِيرُ إِلَى المَشْرِقِ مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ
الشَّيْطَانِ. .
لَيْسَ لذكر هَذَا الحَدِيث هُنَا مُنَاسبَة، وَأَبُو
الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَقد تكَرر ذكره، وَكَذَلِكَ
شُعَيْب بن أبي حَمْزَة، وَكِلَاهُمَا حمصيان، والْحَدِيث
مر عَن قريب فِي: بَاب صفة إِبْلِيس، عَلَيْهِ اللَّعْنَة.
6 - (بابُ ذِكْرِ أسْلَمَ وغَفَارَ ومُزَيْنَةَ
وجُهَيْنَةَ وأشْجَعَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ذكر أسلم ... إِلَى آخِره،
وَهَذِه خمس قبائل كَانَت فِي الْجَاهِلِيَّة فِي
الْقُوَّة والمكانة دون غَيرهَا من الْقَبَائِل، فَلَمَّا
جَاءَ الْإِسْلَام كَانُوا أسْرع دُخُولا فِيهِ، فَصَارَ
الشّرف إِلَيْهِم بِسَبَب ذَلِك، وَقد مر الْكَلَام فيهم
عَن قريب.
2153 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا سُفْيَانُ عنْ
سَعْدِ بنِ إبْرَاهِيمَ عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ
هُرْمُزَ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ
قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُرَيْشٌ
والأنصَارُ وجُهَيْنَةُ ومُزَيْنَةُ وأسْلَمُ وغِفَارُ
وأشْجَعُ مَوَالِي لَيْسَ لَهُمْ مَوْلًى دُونَ الله
ورسُولِهِ. (انْظُر الحَدِيث 4053) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، أَبُو نعيم الْفضل بن
دُكَيْن، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَسعد هُوَ ابْن
إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَعبد الرَّحْمَن
بن هُرْمُز هُوَ الْأَعْرَج. والْحَدِيث مضى فِي: بَاب
مَنَاقِب قُرَيْش، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ
مُسْتَوفى.
3153 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ غَرَيْرٍ الزُّهْرِيُّ
حدَّثنا يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ عنْ أبِيهِ عنْ صَالِحٍ
حدَّثنا نافِعٌ أنَّ عَبْدَ الله أخْبَرَهُ أنَّ رسُولَ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ علَى المِنْبَرِ
غِفارُ غَفَرَ الله لَهَا وأسْلَمُ سالَمَها الله
وعُصَيَّةُ عَصَتِ الله ورسُولَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَمُحَمّد بن غرير، بِضَم
الْغَيْن الْمُعْجَمَة وبتكرار الرَّاء: ابْن الْوَلِيد بن
إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الْقرشِي
الزُّهْرِيّ الْمدنِي وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ،
وَيَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم يروي عَن أَبِيه إِبْرَاهِيم بن
سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، عَن صَالح
بن كيسَان عَن نَافِع مولى ابْن عمر.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل: عَن زُهَيْر بن
(16/81)
حَرْب.
قَوْله: (غفار) بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة: يصرف
بِاعْتِبَار الْحَيّ وَلَا يصرف بِاعْتِبَار الْقَبِيلَة.
قَوْله: (غفر الله لَهَا) إِمَّا أَن يُرَاد بِهِ
الدُّعَاء، وَإِمَّا على بَابه خبر. قَوْله: (وَأسلم
سَالَمَهَا الله) من المسالمة وَترك الْحَرْب، أَو هُوَ
دُعَاء بِأَن الله يصنع بهم مَا يوافقهم، أَو سَالَمَهَا
بِمَعْنى: سلمهَا الله، نَحْو: قَاتله الله بِمَعْنى:
قَتله الله، وَفِيهِمَا من جناس الِاشْتِقَاق مَا يلذ على
السّمع لسهولته وَهُوَ من الاتفاقات اللطيفة، وَقَالَ
الْخطابِيّ: يُقَال: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، دَعَا لهاتين القبيلتين لِأَن دخولهما فِي
الْإِسْلَام كَانَ من غير حَرْب وَكَانَت غفار تتهم
بِسَرِقَة الْحَاج، فَأحب رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أَن يمحو عَنْهُم تِلْكَ المسبة، وَأَن يعلم أَن مَا
سلف مِنْهُم مغْفُور لَهُم. قَوْله: (وَعصيَّة) بِضَم
الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف:
وَهِي قَبيلَة، وَلكنه: ابْن خفاف، بِضَم الْخَاء
الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْفَاء وَفِي آخِره فَاء أُخْرَى
ابْن امرىء الْقَيْس بن بهثة، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة
وَسُكُون الْهَاء وبالثاء الْمُثَلَّثَة: ابْن سليم بِضَم
السِّين، وَإِنَّمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
(عَصَتْ الله وَرَسُوله) لأَنهم الَّذين قتلوا الْقُرَّاء
ببئر مَعُونَة، بَعثهمْ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم سَرِيَّة فَقَتَلُوهُمْ وَكَانَ يقنت عَلَيْهِم فِي
صلَاته ويلعن رعلاً وذكوان، وَيَقُول: (عصية عَصَتْ الله
وَرَسُوله) .
4153 - حدَّثني مُحَمَّدٌ أخبرنَا عَبْدُ الوَهَّابِ
الثَّقَفِيُّ عَن ايوب عَن مُحَمَّد عنْ أبِي هُرَيْرَةَ
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عنِ النَّبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أسْلَمُ سالمَها الله وغِفَارُ غفَرَ
الله لَهَا.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَمُحَمّد هُوَ ابْن
السَّلَام، كَذَا ثَبت عِنْد أبي عَليّ بن السكن فِي غير
هَذَا الحَدِيث. وَفِي (التَّلْوِيح) : قيل: هُوَ ابْن
سَلام، وَقيل: ابْن يحيى الذهلي، قيل: قَوْله: ابْن يحيى،
وهمٌ لِأَن الذهلي لم يدْرك عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ.
قلت: هَذَا نفي يحْتَاج إِلَى بَيَان. وَأَيوب هُوَ
السّخْتِيَانِيّ، وَمُحَمّد هُوَ ابْن سِيرِين. وَأخرجه
مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَغَيره.
24 - (حَدثنَا قبيصَة حَدثنَا سُفْيَان وحَدثني مُحَمَّد
بن بشار حَدثنَا ابْن مهْدي عَن سُفْيَان عَن عبد الْملك
بن عُمَيْر عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرَة عَن أَبِيه
قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
أَرَأَيْتُم إِن كَانَ جُهَيْنَة وَمُزَيْنَة وَأسلم وغفار
خيرا من بني تَمِيم وَبني أَسد وَمن بني عبد الله بن غطفان
وَمن بني عَامر بن صعصعة فَقَالَ رجل خابوا وخسروا فَقَالَ
هم خير من بني تَمِيم وَمن بني أَسد وَمن بني عبد الله بن
غطفان وَمن بني عَامر بن صعصعة) مطابقته للتَّرْجَمَة
ظَاهِرَة وَأخرج هَذَا الحَدِيث من طَرِيقين أَحدهمَا عَن
قبيصَة بن عقبَة عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن عبد الْملك
بن عُمَيْر بن سُوَيْد بن حَارِثَة الْكُوفِي كَانَ على
قَضَاء الْكُوفَة بعد الشّعبِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي
بكرَة عَن أَبِيه أبي بكرَة نفيع بن الْحَارِث بن كلدة
وَالثَّانِي عَن مُحَمَّد بن بشار عَن عبد الرَّحْمَن بن
مهْدي عَن سُفْيَان الثَّوْريّ إِلَى آخِره والْحَدِيث
أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي هَذَا الْبَاب عَن بنْدَار
عَن غنْدر وَفِي النذور عَن عبد الله بن مُحَمَّد عَن وهب
بن جرير وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن أبي بكرَة
وَابْن الْمثنى وَآخَرين وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي
المناقب عَن مَحْمُود بن غيلَان قَوْله " أَرَأَيْتُم "
أَي أخبروني وَالْخطاب للأقرع بن حَابِس على مَا يَأْتِي
عقيب هَذَا الحَدِيث قَوْله " من بني تَمِيم " هُوَ ابْن
مر بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء ابْن أد بِضَم
الْهمزَة وَتَشْديد الدَّال ابْن طابخة بن الياس بن مُضر
بن نزار بن معد بن عدنان وَفِيهِمْ بطُون كَثِيرَة جدا
قَوْله " وَبني أَسد " هُوَ ابْن خُزَيْمَة بن مدركة بن
الياس بن مُضر وَكَانُوا أعدادا كثيرا وَارْتَدوا بعد
وَفَاة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
مَعَ طَلْحَة بن خويلد وارتد بَنو تَمِيم أَيْضا مَعَ
سجَاح الَّتِي ادَّعَت النُّبُوَّة قَوْله " وَمن بني عبد
الله بن غطفان " بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة والطاء
الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْفَاء وَهُوَ ابْن سعد بن قيس
غيلَان بن مُضر وَكَانَ اسْم عبد الله بن غطفان فِي
الْجَاهِلِيَّة عبد الْعُزَّى فصيره النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عبد الله وَبَنوهُ
يعْرفُونَ ببني المحولة قَوْله " وَمن
(16/82)
بني عَامر بن صعصعة بن مُعَاوِيَة بن بكر
بن هوَازن بن مَنْصُور بن عِكْرِمَة بن خصفة " بِفَتْح
الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالصَّاد الْمُهْملَة وَالْفَاء
ابْن قيس غيلَان وَقَالَ ابْن دُرَيْد هوَازن ضرب من الطير
وَفِيه بطُون كَثِيرَة وأفخاذ قَوْله " فَقَالَ رجل " هُوَ
الْأَقْرَع بن حَابِس التَّمِيمِي قَوْله " فَقَالَ هم خير
" أَي فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - هم خير أَي جُهَيْنَة وَمُزَيْنَة وَأسلم
وغفار خير من بني تَمِيم إِلَى آخِره وخيريتهم بسبقهم
إِلَى الْإِسْلَام وَبِمَا كَانَ فيهم من مَكَارِم
الْأَخْلَاق ورقة الْقُلُوب -
6153 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا غُنْدَرٌ
حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ مُحَمَّدِ بنِ أبِي يَعْقُوبَ قَالَ
سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمانِ بنَ أبِي بَكْرَةَ عنْ أبِيهِ
أنَّ الأقْرَعَ بنَ حابِسِ قَالَ لِ لنَّبِيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إنَّمَا بايَعَكَ سُرَّاقُ الحَجِيجِ مِنْ
أسْلَمَ وغِفَارَ ومُزَيْنَةَ وأحْسِبُهُ وجُهَيْنَةَ:
ابنُ أبِي يَعْقُوبَ شَكَّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أرَأيْتَ إنْ كانَ أسْلَمُ وغِفَارُ
ومُزَيْنَةُ وأحْسِبُهُ وجُهَيْنَةُ خَيْرَاً مِنْ بَنِي
تَمِيمٍ وبَنِي عامِرٍ وأسَدٍ وغَطَفَانَ خابُوا وخَسِرُوا
قَالَ نَعَمْ قَالَ والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّهُمْ
لَخَيْرٌ مِنْهُمْ. (انْظُر الحَدِيث 5153 وطرفه) .
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور عَن مُحَمَّد
بن بشار عَن غنْدر وَهُوَ مُحَمَّد بن جَعْفَر عَن شُعْبَة
عَن مُحَمَّد بن أبي يَعْقُوب وَهُوَ مُحَمَّد بن عبد الله
بن أبي يَعْقُوب، نسب إِلَى جده الضَّبِّيّ الْبَصْرِيّ من
بني تَمِيم.
قَوْله: (إِنَّمَا بَايَعَك) ، بِالْبَاء الْمُوَحدَة
وَبعد الْألف يَاء آخر الْحُرُوف، ويروى: تابعك،
بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق وَبعد الْألف بَاء
مُوَحدَة. قَوْله: (ابْن أبي يَعْقُوب شكّ) ، هُوَ مقول
شُعْبَة، أَي: مُحَمَّد بن أبي يَعْقُوب الْمَذْكُور هُوَ
الَّذِي شكّ فِي قَوْله: وجهينة، فَظهر من هَذَا أَن
الرِّوَايَة الأولى بِلَا شكّ، وَأَن ذَلِك ثَابت فِي
الْخَبَر. قَوْله: (أَرَأَيْت) ، أَي: أَخْبرنِي،
وَالْخطاب للأقرع بن حَابِس. قَوْله: (إِن كَانَ أسلم)
خبر: إِن، هُوَ قَوْله: خابوا وخسروا، وَلَكِن همزَة
الِاسْتِفْهَام فِيهِ مقدرَة، تَقْدِيره: أخابوا وخسروا؟
كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة مُسلم بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام.
قَوْله: (قَالَ: نعم) أَي: قَالَ الْأَقْرَع: نعم خابوا
وخسروا. قَوْله: (قَالَ) ، أَي: النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: (وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنَّهُم)
أَي: إِن أسلم وغفار وَمُزَيْنَة وجهينة (لخير مِنْهُم)
أَي: من بني تَمِيم وَبني عَامر وَأسد وغَطَفَان. قَوْله:
(لخير مِنْهُم) ، وَفِي رِوَايَة: لأخير مِنْهُم، على وزن
أفعل التَّفْضِيل وَهِي لُغَة قَليلَة، وَالْمَشْهُور:
الْخَيْر، وَكَذَا فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ، وَفِي
رِوَايَة مُسلم: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنَّهُم خير
مِنْهُم، بِدُونِ لَام التَّأْكِيد، وَلَفظ: خير، على
أَصله بِدُونِ نَقله إِلَى أفعل التَّفْضِيل، وَلم أرَ
أحدا من شرَّاح البُخَارِيّ حرر هَذَا الْموضع كَمَا
يَنْبَغِي، فَمنهمْ من ترك حل التَّرْكِيب أصلا وَطَاف من
بعيد، وَمِنْهُم من كَاد أَن يخبط فَللَّه الْحَمد
والْمنَّة على مَا اتَّضَح لنا مِنْهُ المُرَاد.
3253 - ح دَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ حدَّثنا حَمَّادٌ
عنْ أيُّوبَ عنْ مُحَمَّدٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ أسْلَمُ وغِفَارُ وشَيْءٌ مِنْ
مُزَيْنَةَ وجُهَيْنَةَ أوْ قَالَ شَيْءٌ مِنْ جُهَيْنَةَ
أوْ مُزَيْنَةَ خَيْرٌ عِنْدَ الله أوْ قالَ يَوْمَ
القِيَامَةِ مِن أسَدٍ وتَمِيمٍ وهَوَازِنَ وغَطَفَانَ.
هَذَا طَرِيق مَوْقُوف على أبي هُرَيْرَة.
وَأخرجه مُسلم مَرْفُوعا فَقَالَ: حَدثنِي زُهَيْر بن
حَرْب وَيَعْقُوب الدَّوْرَقِي قَالَا: حَدثنَا
إِسْمَاعِيل يعنيان: ابْن علية حَدثنَا أَيُّوب عَن
مُحَمَّد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: لأسلم وغفار وَشَيْء من مزينة وجهينة
أَو شَيْء من جُهَيْنَة أَو مزينة خير عِنْد الله قَالَ:
أَحْسبهُ قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة من أَسد وغَطَفَان
وهوازن وَتَمِيم. انْتهى.
وَحَمَّاد هُوَ ابْن زيد، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ،
وَمُحَمّد هُوَ ابْن سِيرِين.
قَوْله: (قَالَ: قَالَ أسلم) الظَّاهِر أَن فَاعل: قَالَ،
الأول أَبُو هُرَيْرَة، وفاعل: قَالَ، الثَّانِي هُوَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَكِن لم يذكرهُ
أَبُو هُرَيْرَة، فلأجل هَذَا جَاءَ فِي صُورَة
الْمَوْقُوف، وَقَالَ الْخَطِيب وَابْن الصّلاح: اصْطِلَاح
مُحَمَّد بن سِيرِين إِذا قَالَ عَن أبي هُرَيْرَة: قَالَ
قَالَ، وَلم يسم فَاعل: قَالَ، الثَّانِي، فَالْمُرَاد
بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَحِينَئِذٍ يكون
الحَدِيث مَرْفُوعا، كَمَا فِي رِوَايَة مُسلم، فَإِنَّهُ
صرح فِي رِوَايَته بفاعل: قَالَ، الثَّانِي كَمَا ذكر.
قَوْله: (أسلم) مُبْتَدأ، وَمَا بعده
(16/83)
عطف عَلَيْهِ. وَقَوله: (خير عِنْد الله) خَبره. قَوْله:
(وَشَيْء من مزينة وجهينة) يَعْنِي: بَعْضًا مِنْهُم،
وَهَذَا تَقْيِيد لما أطلق فِي حَدِيث أبي بكرَة الْمَاضِي
قبله. قَوْله: (أَو قَالَ شَيْء من جُهَيْنَة أَو مزينة)
شكّ من الرَّاوِي، يَعْنِي، قَالَ: شَيْء مِنْهُمَا، أَو
قَالَ: شَيْء إِمَّا من هَذَا، وَإِمَّا من ذَلِك،
يَعْنِي: شكّ فِي أَنه جمع بَينهمَا أَو اقْتصر على
أَحدهمَا. قَوْله: (أَو قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة) شكّ من
الرَّاوِي: هَل قَالَ: خير عِنْد الله؟ أَو قَالَ: خير
يَوْم الْقِيَامَة؟ وَهَذَا أَيْضا تَقْيِيد لما أطلق فِي
حَدِيث أبي بكرَة، لِأَن ظُهُور الْخَيْرِيَّة إِنَّمَا
يكون يَوْم الْقِيَامَة. قَوْله: (من أَسد) يتَعَلَّق
بقوله: خير، لِأَن اسْتِعْمَال لفظ: خير، بِكَلِمَة: من،
فِي أَكثر الْمَوَاضِع كَمَا عرف فِي مَوْضِعه، فَافْهَم.
41 - (بابٌ ابنُ أُخْتِ القَوْمِ ومَوْلَى القَوْمِ
مِنْهُمْ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَن ابْن أُخْت الْقَوْم
وَمولى الْقَوْم مِنْهُم، قَالَ بَعضهم: أَي: فِيمَا يرجع
إِلَى المناصرة والتعاون وَنَحْو ذَلِك، وَأما
بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمِيرَاث فَفِيهِ نزاع، انْتهى.
قلت: ظَاهر الْكَلَام مُطلق يتَنَاوَل الْكل، وَهَذَا
الْبَاب وَقع هَهُنَا فِي رِوَايَة كَرِيمَة وَغَيرهَا،
وَكَذَا فِي نسختنا الْمُعْتَمد عَلَيْهَا، وَوَقع عِنْد
أبي ذَر قبل: بَاب قصَّة الْحَبَش.
8253 - حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ حدَّثنا شُعْبَةُ
عنْ قَتَادَةَ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ
دَعَا النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الأنْصَارَ
فَقَالَ هَلْ فِيكُمْ أحَدٌ مِنْ غَيْرِكُمْ قالُوا لاَ
إلاَّ ابنُ أُختٍ لَنَا فَقَالَ رسُولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم ابنُ أُخْتِ القَوْمِ مِنْهُمْ. .
مطابقته للجزء الأول من التَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَلم يذكر
حَدِيث: مولى الْقَوْم مِنْهُم، مَعَ ذكره فِي
التَّرْجَمَة، فَقيل: لِأَنَّهُ لم يَقع لَهُ حَدِيث على
شَرطه، ورد على هَذَا الْقَائِل بِأَنَّهُ قد أورد فِي
الْفَرَائِض من حَدِيث أنس وَلَفظه: مولى الْقَوْم من
أنفسهم، وَالْمرَاد بِهِ الْمولى الْأَسْفَل لَا
الْأَعْلَى، فَيكون عدم ذكره إِيَّاه هُنَا اكْتِفَاء
بِمَا ذكره هُنَاكَ.
ورواة الحَدِيث الْمَذْكُور قد مضوا غير مرّة.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن
بنْدَار عَن غنْدر وَعَن آدم عَن شُعْبَة عَن قَتَادَة.
وَأخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن بنْدَار بِهِ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزَّكَاة عَن إِسْحَاق بن
إِبْرَاهِيم.
قَوْله: (دَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الْأَنْصَار) ، ويروى: الْأَنْصَار خَاصَّة. قَوْله:
(إلاَّ ابْن أُخْت لنا) وَهُوَ النُّعْمَان بن مقرن، كَمَا
أخرجه أَحْمد من طَرِيق شُعْبَة عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة
فِي حَدِيث أنس هَذَا. قَوْله: (ابْن أُخْت الْقَوْم
مِنْهُم) ، استدلت بِهِ الْحَنَفِيَّة فِي تَوْرِيث
الْخَال وَذَوي الْأَرْحَام إِذا لم يكن عصبَة وَلَا صَاحب
فرض مُسَمّى، وَبِه قَالَ أَحْمد أَيْضا، وَهُوَ حجَّة على
مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي تحريمهما الْخَال وَذَوي
الْأَرْحَام.
وللحنفية أَحَادِيث أخر: مِنْهَا: مَا أخرجه
الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث عتبَة بن غَزوَان: أَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَوْمًا لقريش: (هَل فِيكُم
من لَيْسَ مِنْكُم؟ قَالُوا: لَا! إلاَّ ابْن أُخْتنَا
عتبَة بن غَزوَان، فَقَالَ: ابْن أُخْت الْقَوْم مِنْهُم)
. وَمِنْهَا: مَا أخرجه الطَّبَرَانِيّ أَيْضا من حَدِيث
عَمْرو بن عَوْف: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(دخل بَيته قَالَ: ادخُلُوا عَليّ وَلَا يدْخل عَليّ إلاَّ
قرشي. فَقَالَ لَهُم: هَل مَعكُمْ أحد غَيْركُمْ؟ قَالُوا:
مَعنا ابْن الْأُخْت وَالْمولى. قَالَ: حَلِيف الْقَوْم
مِنْهُم، وَمولى الْقَوْم مِنْهُم) . وَأخرج أَحْمد نَحوه
من حَدِيث أبي مُوسَى، وَالطَّبَرَانِيّ نَحوه من حَدِيث
أبي سعيد. وَمِنْهَا: حَدِيث عَائِشَة: (الْخَال وَارِث من
لَا وَارِث لَهُ) . أخرجه البُخَارِيّ، وَفِي الْبَاب
أَيْضا حَدِيث الْمِقْدَام بن معدي كرب، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ. |