عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 7 - (بابُ مَناقِبِ عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ
أبِي عَمْرٍ والقُرَشِيِّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَنَاقِب عُثْمَان بن عَفَّان
بن أبي الْعَاصِ بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف،
يجْتَمع مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عبد
منَاف، وكنيته أَبُو عَمْرو الَّذِي اسْتَقر عَلَيْهِ
الْأَمر، وَفِيه قَولَانِ، أَيْضا: أَبُو عبد الله وَأَبُو
ليلى، وَعَن الزُّهْرِيّ: أَنه كَانَ يكنى أَبَا عبد الله
بِابْنِهِ عبد الله رزقه الله من رقية بنت رَسُول الله،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَحكى ابْن قُتَيْبَة: أَن بعض
من ينتقصه يكنيه: أبي ليلى يُشِير إِلَى لين جَانِبه، وَقد
اشْتهر أَن لقبه: دو النورين، وَقيل للمهلب بن أبي صفرَة:
لم قيل لعُثْمَان ذُو النورين؟ قَالَ: لِأَنَّهُ لم نعلم
أحدا أسبل سترا على ابْنَتي نَبِي غَيره، وروى خَيْثَمَة
فِي (الْفَضَائِل) وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي (الْأَفْرَاد)
من حَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أَنه ذكر
عُثْمَان، فَقَالَ: ذَاك امْرأ يدعى فِي السَّمَاء ذُو
النورين، وَأمه أروى بنت كريز بن ربيعَة بن حبيب بن عبد
شمس ابْن عبد منَاف، وَأمّهَا أم حَكِيم الْبَيْضَاء بنت
عبد الْمطلب عمَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنْ يَحْفِرُ
بِئْرَ رُومَةَ فَلَهُ الجَنَّةُ فَحَفَرَهَا عُثْمَانُ
هَذَا التَّعْلِيق مضى فِي الْوَقْف فِي: بَاب إِذا وقف
أَرضًا، أَو بِئْرا، عَن عَبْدَانِ عَن أَبِيه عَن شُعْبَة
... إِلَى آخِره، وَوَصله الدَّارَقُطْنِيّ والإسماعيلي
وَغَيرهمَا من طَرِيق الْقَاسِم بن مُحَمَّد الْمروزِي عَن
عَبْدَانِ، وَلَفظ البُخَارِيّ عَنهُ: أَن عُثْمَان، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: (ألستم تعلمُونَ أَن رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من حفر بِئْر رومة
فَلهُ الْجنَّة؟ فحفرتها) الحَدِيث، وَقد مضى الْكَلَام
فِيهِ هُنَاكَ مستقصًى.
وَقَالَ مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ العُسْرَةِ فَلهُ الجَنَّةُ
فَجَهَّزَهُ عُثْمَانُ
(16/201)
أَي: وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم إِلَى آخِره قد مر فِي الْبَاب الْمَذْكُور آنِفا
فِي الحَدِيث الْمَذْكُور فِيهِ: (وجيش الْعسرَة) هُوَ
غَزْوَة تَبُوك، وَسميت بهَا لِأَنَّهَا كَانَت فِي زمَان
شدَّة الْحر وجدب الْبِلَاد وَفِي شقة بعيدَة وعد وَكثير.
قَوْله: (فجهزه عُثْمَان) أَي: جهز جَيش الْعسرَة، وَقَالَ
الْكرْمَانِي: فجهزه بتسعمائة وَخمسين بَعِيرًا وَخمسين
فرسا، وَجَاء إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بِأَلف دِينَار.
5963 - حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ حدَّثنا حَمَّادٌ
عنْ أيُّوبَ عنْ أبِي عُثْمَانَ عنْ أبِي مُوسَى رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم دَخَلَ حائِطاً وأمَرَنِي بِحِفْظِ بابِ الحائِطِ
فَجاءَ رَجُلٌ يَسْتَأذِنُ فَقَالَ ائْذَنْ لَهُ
وبَشِّرْهُ بالجَنَّةِ فإذَا أبُو بَكْرٍ ثُمَّ جاءَ آخَرُ
يَسْتَأذِنُ فَقال ائْذَنْ لَهُ وبَشِّرْهُ بالجَنَّةِ
فإذَا عُمَرُ ثُمَّ جاءَ آخَرُ يَسْتأذِنُ فسَكَتِ
هُنَيْهَةً ثُمَّ قَالَ ائْذَنْ لَهُ وبَشِّرْهُ
بالجَنَّةِ علَى بَلْوَى سَتُصِيبُهُ فإذَا عُثْمَانُ بنُ
عَفَّانَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَحَمَّاد هُوَ ابْن زيد،
وَفِي بعض النّسخ مَذْكُور. وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ
وَأَبُو عُثْمَان عبد الرَّحْمَن ابْن مل، وَأَبُو مُوسَى
عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ. والْحَدِيث مضى عَن قريب
فِي آخر الْبَاب الَّذِي قبله. قَوْله: (هنيهة)
بِالتَّصْغِيرِ وَأَصلهَا من: الهنة، كِنَايَة عَن
الشَّيْء من نَحْو الزَّمَان وَغَيره، وَأَصلهَا: هنوة،
وتصغيرها: هنيَّة، وَقد تبدل من الْيَاء الثَّانِيَة:
هَاء، فَيُقَال: هنيهة، أَي: شَيْء قَلِيل.
قَالَ حَمَّادٌ وحدَّثنا عاصِمٌ الأحْوَلُ وَعَلِيُّ بنُ
الحَكَمِ سَمِعَا أبَا عُثْمَانَ يُحَدِّثُ عنْ أَبِي
مُوسَى بِنَحْوِهِ وزَادَ فِيهِ عَاصِمٌ أنَّ النَّبِيَّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ قاعِدَاً فِي مَكانٍ فيهِ
ماءٌ قَدِ انْكَشَفَ عنْ رُكْبَتَيْهِ أوْ رُكْبَتِهِ
فلَمَّا دَخَلَ عُثْمَانُ غَطَّاهَا
حَمَّاد هَذَا هُوَ ابْن زيد عِنْد الْأَكْثَرين، وَوَقع
فِي رِوَايَة أبي ذَر وَحده، وَقَالَ حَمَّاد بن سَلمَة:
حَدثنَا عَاصِم إِلَى آخِره، وَالْأول هُوَ الأصوب،
وَقَوله: (قَالَ حَمَّاد) مُتَّصِل بِالْإِسْنَادِ الأول،
وَبَقِيَّة مِنْهُ، فَلذَلِك ذكره: وَحدثنَا عَاصِم،
بِالْوَاو. وَعلي بن الحكم، بِفتْحَتَيْنِ: أَبُو الحكم
الْبنانِيّ الْبَصْرِيّ، مَاتَ سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ
وَمِائَة، وَقد مر فِي الْإِجَارَة فِي: بَاب عسب
الْفَحْل، وَلما أخرج الطَّبَرَانِيّ هَذَا الحَدِيث،
قَالَ فِي آخِره: قَالَ حَمَّاد: فَحَدثني عَليّ بن الحكم
وَعَاصِم أَنَّهُمَا سمعا أَبَا عُثْمَان يحدث عَن أبي
مُوسَى نَحوا من هَذَا وَأما حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة فقد
أخرجه ابْن أبي حثْمَة فِي (تَارِيخه) : لَكِن عَن عَليّ
بن الحكم وَحده. وَأخرجه عَن مُوسَى ابْن إِسْمَاعِيل،
وَكَذَا أخرجه الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق حجاج بن منهال.
كلهم عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن عَليّ بن الحكم وَحده
بِهِ، وَلَيْسَت فِيهِ هَذِه الزِّيَادَة.
قَوْله: (أَو ركبته) ، شكّ من الرَّاوِي، وَوهم
الدَّاودِيّ هَذِه الرِّوَايَة، فَقَالَ: هَذِه
الرِّوَايَة وهم، وَقد أَدخل بعض الروَاة حَدِيثا فِي
حَدِيث إِنَّمَا أَتَى أَبُو بكر إِلَى رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي بَيته منكشف فَخذه،
فَجَلَسَ أَبُو بكر، ثمَّ أَتَى عمر كَذَلِك، ثمَّ
اسْتَأْذن عُثْمَان فَغطّى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَخذه، فَقيل لَهُ فِي ذَلِك، فَقَالَ: إِن عُثْمَان
رجل حييّ، فَإِن وجدني على تِلْكَ الْحَالة لم يبلغ
حَاجته، وَأَيْضًا فَإِن عُثْمَان أولى بالاستحياء لكَونه
ختنه، فزوج الْبِنْت أَكثر حَيَاء من أبي الزَّوْجَة،
يُوضحهُ إرْسَال عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ليسأل
عَن حكم الْمَذْي.
6963 - حدَّثني أحْمَدُ بنُ شَبِيبٍ بن سعيد قَالَ حدَّثني
أبِي عنْ يُونُسَ قَالَ ابنُ شِهَابٍ أخْبَرَنِي عُرْوَةُ
أنَّ عُبَيْدَ الله بنَ عَدِيِّ بنِ الخِيَارِ أخْبَرَهُ
أنَّ المِسْوَرَ بنَ مَخْرَمَةَ وعَبْدَ الرَّحْمانِ ابنَ
الأسْوَدِ بنِ عَبْدِ يَغُوث قالاَ مَا يَمْنَعُكَ أنْ
تُكَلَّمَ عُثْمَانَ لأِخِيهِ الوَلِيدِ فَقَدْ أكْثَرَ
النَّاسُ فِيهِ فقَصَدْتُ لِعُثْمَاَ حتَّى خَرَجَ إِلَى
الصَّلاَةِ قُلْتُ إنَّ لِي إلَيْكَ حاجَةً وهْيَ
نَصِيحَةٌ لَكَ قَالَ يَا أيُّهَا المَرْءُ
(16/202)
قَالَ مَعْمَرٌ أرَاهُ قَالَ أعُوذُ
بِاللَّه مِنْكَ فانْصَرَفْتُ فرَجَعْتُ إلَيْهِمْ إذْ
جاءَ رسُولُ عُثْمَانَ فأتَيْتُهُ فقالَ مَا نَصِيحَتُكَ
فَقُلْتُ إنَّ الله سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم بالحَقِّ وأنْزَلَ عَلَيْهِ الكِتَابَ
وكُنْتُ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لله ولِرَسُولِهِ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَهاجَرْتَ الْهِجْرَتَيْنِ وصَحِبْتَ
رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورأيْتَ هَدْيَهُ
وقَدْ أكْثَرَ النَّاسُ فِي شأنِ الوَلِيدِ قَالَ أرْدَكتَ
رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُلْتُ لاَ ولَكِنْ
خَلَصَ إلَيَّ مِنْ عِلْمِهِ مَا يَخْلُصُ إِلَى
العَذْرَاءِ فِي سِتْرِهَا قَالَ أمَّا بَعْدُ فإنَّ الله
بَعَثَ مُحَمَّدَاً صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالحَقِّ
فَكُنْتُ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لله ولِرَسُولِهِ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وآمَنْتُ بِمَا بُعِثَ بِهِ وهاجَرْتُ
الهِجْرَتَيْنِ كَمَا قُلْتَ وصَحِبْتُ رَسُولَ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وبايَعْتُهُ فَوَالله مَا عَصَيْتُهُ
ولاَ غَشَشْتُهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ الله ثُمَّ أبُو بَكْرٍ
مِثْلُهُ ثُمَّ عُمَرُ مِثْلُهُ ثُمَّ اسْتُخْلِفْتُ
أفَلَيْسَ لي مِنَ الحَقِّ مِثْلُ الَّذِي لَهُمْ قُلْتُ
بَلَى قالَ فَمَا هَذِهِ الأحَادِيثُ الَّتِي تَبْلُغُنِي
عَنْكُمْ أمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ شأنِ الوَلِيدِ
فسَنَأخُذُ فِيهِ بالحَقِّ إنْ شَاءَ الله ثُمَّ دَعَا
علِيَّاً فأمَرَهُ أنْ يَجْلِدَهُ فَجَلَدَهُ ثَمانِينَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (ثمَّ دَعَا عليا
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) إِلَى آخِره، من حَيْثُ إِنَّه
أَقَامَ الْحَد على أَخِيه، فَهَذَا فِيهِ: دلَالَة على
مُرَاعَاة الْحق. وَفِيه: منقبة من مناقبه.
وَأحمد بن شبيب بن سعيد أَبُو عبد الله الحبطي
الْبَصْرِيّ، وَأَبوهُ شبيب ابْن سعيد، يروي عَن يُونُس بن
يزِيد، روى عَنهُ ابْنه هُنَا وَفِي الاستقراض مُفردا، وي
غير مَوضِع مَقْرُونا. وَعُرْوَة بن الزبير، وَعبيد الله
بن عدي، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَكسر الدَّال
الْمُهْملَة: ابْن الْخِيَار النَّوْفَلِي الْفَقِيه،
والمسور بن مخرمَة، بِفَتْح الْمِيم فِي الْأَب وَكسرهَا
فِي الإبن، وَقد مرا عَن قريب، وَعبد الرَّحْمَن بن
الْأسود بن عبد يَغُوث، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف
وَضم الْغَيْن الْمُعْجَمَة، وَفِي آخِره ثاء مُثَلّثَة:
الْقرشِي الزُّهْرِيّ الْمَدِينِيّ، وَهُوَ من أَفْرَاد
البُخَارِيّ.
قَوْله: (مَا يمنعك) الْخطاب لِعبيد الله بن عدي، وَفِي
رِوَايَة معمر عَن الزُّهْرِيّ الَّتِي تَأتي فِي هِجْرَة
الْحَبَشَة، قَالَا: مَا يمنعك أَن تكلم خَالك؟ لِأَن عبيد
الله هَذَا هُوَ ابْن أُخْت عُثْمَان بن عَفَّان. قَوْله:
(لِأَخِيهِ) أَي: لأجل أَخِيه، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني:
فِي أَخِيه الْوَلِيد بن عقبَة، وَصرح بذلك فِي رِوَايَة
معمر، وَكَانَ الْوَلِيد هَذَا أَخا عُثْمَان لأمه،
وَعقبَة هُوَ ابْن أبي معيط بن أبي عَمْرو بن أُميَّة بن
عبد شمس، وَكَانَ عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
ولى الْوَلِيد الْكُوفَة، وَكَانَ عَاملا بالجزيرة على
عربها، وَكَانَ على الْكُوفَة سعد بن أبي وَقاص، وَكَانَ
عُثْمَان ولاه لما ولي الْخلَافَة بِوَصِيَّة من عمر،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَانَ عمر قد عَزله عَن
الْكُوفَة كَمَا ذكرنَا. ثمَّ عزل عُثْمَان سَعْدا عَن
الْكُوفَة، وَولى الْوَلِيد عَلَيْهَا وَكَانَ سَبَب
الْعَزْل: أَن عبد الله بن مَسْعُود كَانَ على بَيت المَال
فِي الْكُوفَة، فاقترض مِنْهُ سعد مَالا، فجَاء يتقاضاه
فاختصما، فَبلغ عُثْمَان فَغَضب عَلَيْهِمَا وعزل سَعْدا
واستحضر الْوَلِيد من الجزيرة وولاه الْكُوفَة. قَوْله:
(فقد أَكثر النَّاس فِيهِ) ، أَي: فِي الْوَلِيد، يَعْنِي:
أَكْثرُوا فِيهِ من الْكَلَام فِي حَقه بِسَبَب مَا صدر
مِنْهُ، وَكَانَ قد صلى بِأَهْل الْكُوفَة صَلَاة الصُّبْح
أَربع رَكْعَات، ثمَّ الْتفت إِلَيْهِم فَقَالَ:
أَزِيدكُم؟ وَكَانَ سكراناً، وَبلغ الْخَبَر بذلك إِلَى
عُثْمَان، وَترك إِقَامَة الْحَد عَلَيْهِ، فتكلموا بذلك
فِيهِ وأنكروا أَيْضا عَن عُثْمَان عزل سعد بن أبي وَقاص
مَعَ كَونه أحد الْعشْرَة، وَمن أهل الشورى، وَاجْتمعَ
لَهُ من الْفضل وَالسّن وَالْعلم وَالدّين والسبق إِلَى
الْإِسْلَام مَا لم يتَّفق مِنْهُ شَيْء للوليد بن عقبَة،
ثمَّ لما ظهر لعُثْمَان سوء سيرته عَزله، وَلَكِن أخر
إِقَامَة الْحَد عَلَيْهِ ليكشف عَن حَال من يشْهد
عَلَيْهِ بذلك، فَلَمَّا ظهر لَهُ الْأَمر أَمر بِإِقَامَة
الْحَد عَلَيْهِ، كَمَا نذكرهُ، وروى المدايني من طَرِيق
الشّعبِيّ: أَن عُثْمَان لما شهدُوا عِنْده على الْوَلِيد
حَبسه. قَوْله: (فقصدت) ، الْقَائِل هُوَ عبيد الله بن
عدي، حَاصِل الْمَعْنى: أَنه قصد الْحُضُور عِنْد عُثْمَان
حَتَّى خرج إِلَى الصَّلَاة، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني:
حِين خرج، وَالْمعْنَى على هَذِه الرِّوَايَة صَادف عبيد
الله وَقت خُرُوج عُثْمَان إِلَى الصَّلَاة، وعَلى
الرِّوَايَة الأولى أَنه جعل قَصده منتظراً خُرُوج
عُثْمَان. قَوْله: (وَهِي نصيحة لَك) الْوَاو فِيهِ
للْحَال، وَلَفظه: هِيَ ترجع إِلَى الْحَاجة. قَوْله:
(قَالَ) ، أَي:
(16/203)
قَالَ عُثْمَان: يَا أَيهَا الْمَرْء
مِنْك، يُخَاطب بذلك عبيد الله بن عدي، تَقْدِيره: أعوذ
بِاللَّه مِنْك؟ وَقد صرح معمر بذلك فِي رِوَايَته فِي
هِجْرَة الْحَبَشَة على مَا يَأْتِي، وَأَشَارَ إِلَيْهِ
هَهُنَا. بقوله: (قَالَ معمر: أرَاهُ قَالَ: أعوذ بِاللَّه
مِنْك) أَي: قَالَ معمر بن رَاشد الْبَصْرِيّ، وَكَانَ قد
سكن الْيمن. قَوْله: (أرَاهُ) أَي: أَظُنهُ قَالَ: أَيهَا
الْمَرْء أعوذ بِاللَّه مِنْك، وَقَالَ ابْن التِّين:
إِنَّمَا استعاذ مِنْهُ خشيَة أَن يكلمهُ بِشَيْء
يَقْتَضِي الْإِنْكَار عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي ذَلِك
مَعْذُور فيضيق بذلك صَدره. قَوْله: (فَانْصَرَفت) أَي: من
عِنْد عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله:
(فَرَجَعت إِلَيْهِم) أَي: إِلَى الْمسور بن مخرمَة وَعبد
الرَّحْمَن بن الْأسود وَمن كَانَ عِنْدهمَا، وَفِي
رِوَايَة معمر: فَانْصَرَفت فحدثتهما، أَي: الْمسور وَعبد
الرَّحْمَن بن الْأسود وَمن كَانَ عِنْدهمَا، بِالَّذِي
قلت لعُثْمَان فَقَالَا قد قضيت الَّذِي عَلَيْك. قَوْله:
(إِذْ جَاءَ رَسُول عُثْمَان) كلمة: إِذْ، للمفاجأة، وَفِي
رِوَايَة معمر: فَبَيْنَمَا أَنا جَالس مَعَهُمَا إِذْ
جَاءَ رَسُول عُثْمَان، فَقَالَ لي: قد ابتلاك الله،
فَانْطَلَقت. قَوْله: (فَأَتَيْته) أَي: فَأتيت عُثْمَان
(فَقَالَ: مَا نصيحتك؟) أَرَادَ بهَا: مَا فِي قَوْله: لما
جَاءَ إِلَيْهِ، وَقَالَ لَهُ: إِن لي إِلَيْك حَاجَة،
وَهِي نصيحة لَك. قَوْله: (فَقلت) ، أَشَارَ بِهِ إِلَى
تَفْسِير تِلْكَ النَّصِيحَة بِالْفَاءِ التفسيرية، وَهِي
من قَوْله: (أَن الله سُبْحَانَهُ) إِلَى قَوْله: (أدْركْت
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) . قَوْله: (وَكنت)
، بِفَتْح تَاء الْخطاب يُخَاطب بِهِ عُثْمَان، وَكَذَا
بِفَتْح التَّاء فِي قَوْله: (هَاجَرت) (وَرَأَيْت)
وَأَرَادَ بالهجرتن الْهِجْرَة إِلَى الْحَبَشَة
وَالْهجْرَة إِلَى الْمَدِينَة. قَوْله: (وَرَأَيْت
هَدْيه) ، بِفَتْح الْهَاء وَسُكُون الدَّال: أَي: رَأَيْت
طَرِيقَته. قَوْله: (وَقد أَكثر النَّاس فِي شَأْن
الْوَلِيد) ، أَي: أَكْثرُوا فِيهِ الْكَلَام بِسَبَب شربه
الْخمر وَسُوء سيرته، وَزَاد معمر فِي رِوَايَته عقيب
هَذَا الْكَلَام: وَحقّ عَلَيْك أَن تقيم عَلَيْهِ الْحَد.
قَوْله: (قَالَ: أدْركْت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم) ، أَي: قَالَ عُثْمَان لِعبيد الله بن عدي يُخَاطب
بقوله: أدْركْت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
وَفِي رِوَايَة معمر: فَقَالَ لي: يَا ابْن أُخْتِي، وَفِي
رِوَايَة صَالح بن الْأَخْضَر عَن الزُّهْرِيّ عِنْد عمر
بن شبه: هَل رَأَيْت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: لَا، وَمرَاده بالإدراك إِدْرَاك السماع وَالْأَخْذ
عَنهُ، وبالرؤية رُؤْيَة الْمُمَيز لَهُ، وَلم يرد نفي
الْإِدْرَاك بِالْعينِ، فَإِنَّهُ ولد فِي حَيَاة النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ ابْن مَاكُولَا: ولد على
عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقتل أَبوهُ يَوْم
بدر كَافِرًا، وَقَالَ ابْن سعد فِي طبقَة الفتحيين،
والمدائني وَعمر بن شبة فِي (أَخْبَار الْمَدِينَة) : إِن
هَذِه الْقِصَّة المحكية هَهُنَا وَقعت لعدي ابْن
الْخِيَار نَفسه مَعَ عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، وَالله أعلم. قَوْله: (قلت: لَا) أَي: مَا
رَأَيْته، وَلَكِن أدْركْت زَمَانه. قَوْله: (خلص) بِفَتْح
اللَّام، يُقَال: خلص فلَان إِلَى فلَان أَي: وصل إِلَيْهِ
وَضَبطه بَعضهم بِضَم اللَّام، وَأَنه غير صَحِيح، وَفِي
حَدِيث الْمِعْرَاج؛ فَلَمَّا خلصت لمستوىً، أَي: وصلت
وَبَلغت، وَقد ضبط بِفَتْح اللَّام. قَوْله: (إِلَى
الْعَذْرَاء) ، وَهِي الْبكر، وَأَرَادَ عبيد الله بن عدي
بِهَذَا الْكَلَام: أَن علم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، لم يكن مكتوماً وَلَا خَاصّا، بل كَانَ شَائِعا
ذائعاً حَتَّى وصل إِلَى الْعَذْرَاء المخدرة فِي بَيتهَا،
فوصوله إِلَيْهِ مَعَ حرصه عَلَيْهِ بِالطَّرِيقِ الأولى.
قَوْله: (كَمَا قلت) ، بِفَتْح التَّاء خطاب لِعبيد الله
بن عدي، وَجه التَّشْبِيه فِيهِ بَيَان حَال وُصُول علم
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَعْنِي: كَمَا وصل
علم الشَّرِيعَة إِلَيْهَا من وَرَاء الْحجاب، فوصوله
إِلَيْهِ بِالطَّرِيقِ الأحرى. قَوْله: (ثمَّ أَبُو بكر
مثله) ، أَرَادَ: ثمَّ صَحِبت أَبَا بكر، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، وَمَا عصيته وَمَا غششته مثل مَا فعلت
مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (ثمَّ عمر
مثله) ، يَعْنِي: ثمَّ صَحِبت عمر أَيْضا، فَمَا فعلت
شَيْئا من ذَلِك. قَوْله: (ثمَّ اسْتخْلفت) ، على صِيغَة
الْمَجْهُول. قَوْله: (أفليس لي؟) الْهمزَة فِيهِ
للاستفهام على سَبِيل الاستخبار، أَي: أفليس لي عَلَيْكُم
من الْحق مثل الَّذِي كَانَ لَهُم عَليّ؟ قَوْله: (قلت:
بلَى) ، الْقَائِل هُوَ عبيد الله بن عدي. قَوْله: (فَمَا
هَذِه الْأَحَادِيث؟) جمع: أحدوثة، وَهِي مَا يتحدث بِهِ،
وَهِي الَّتِي كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ بهَا من تَأْخِيره
إِقَامَة الْحَد على الْوَلِيد. قَوْله: (ثمَّ دَعَا عليا)
، هُوَ: عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
(فَأمره أَن يجلده) أَي: فَأمر عُثْمَان عليا أَن يجلد
الْوَلِيد بن عقبَة، ويجلده، بالضمير الْمَنْصُوب فِي
رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: أَن يجلد،
بِلَا ضَمِيره. قَوْله: (فجلده ثَمَانِينَ) ، وَفِي
رِوَايَة معمر: فجلد الْوَلِيد أَرْبَعِينَ جلدَة، قيل:
هَذِه الرِّوَايَة أصح من رِوَايَة يُونُس، وَالوهم فِيهِ
من الرَّاوِي عَنهُ شبيب بن سعيد، والمرجح لرِوَايَة معمر
مَا رَوَاهُ مُسلم من طَرِيق أبي ساسان، قَالَ: شهِدت
عُثْمَان أُتِي بالوليد قد صلى الصُّبْح رَكْعَتَيْنِ،
ثمَّ قَالَ: أَزِيدكُم، فَشهد عَلَيْهِ رجلَانِ. أَحدهمَا:
حمْرَان، يَعْنِي مولى عُثْمَان بن عَفَّان: أَنه قد شرب
الْخمر، فَقَالَ عُثْمَان: قُم يَا عَليّ فاجلده، فَقَالَ
عَليّ: قُم يَا حسن، فاجلده، فَقَالَ الْحسن:
(16/204)
ولِّ حارها من تولى قارها، فَكَأَنَّهُ وجد
عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا عبد الله بن جَعْفَر، قُم فاجلده،
فجلده، وَعلي يعد حَتَّى بلغ أَرْبَعِينَ، فَقَالَ أمسِك،
ثمَّ قَالَ: جلد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَرْبَعِينَ، وَأَبُو بكر أَرْبَعِينَ، وَعمر ثَمَانِينَ،
وكلٌّ سنة وَهَذَا أحب إِلَيّ. انْتهى. فَإِن قلت: من
الشَّاهِد الآخر الَّذِي لم يسم فِي هَذِه الرِّوَايَة؟
قلت: قيل: هُوَ الصعب بن جثامة الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور،
رَوَاهُ يَعْقُوب بن سُفْيَان فِي (تَارِيخه) ، وَعند
الطَّبَرِيّ من طَرِيق سيف فِي (الْفتُوح) : أَن الَّذِي
شهد عَلَيْهِ ولد الصعب واسْمه جثامة، كاسم جده، وَفِي
رِوَايَة أُخْرَى: أَن مِمَّن شهد عَلَيْهِ أَبَا زَيْنَب
بن عَوْف الْأَزْدِيّ، وَأَبا مورع الْأَسدي أَبُو
زَيْنَب، اسْمه: زُهَيْر بن الْحَارِث بن عَوْف بن كاسي
الْحجر، وَقَالَ أَبُو عمر: من ذكره فِي الصَّحَابَة فقد
أَخطَأ، لَيْسَ لَهُ شَيْء يدل على ذَلِك، وَأَبُو
الْمُوَرِّع ...
. وَذكر المَسْعُودِيّ فِي (المروج) : أَن عُثْمَان قَالَ
للَّذين شهدُوا: مَا يدريكم أَنه شرب الْخمر؟ قَالُوا:
هِيَ الَّتِي كُنَّا نشربها فِي الْجَاهِلِيَّة، وَذكر
الطَّبَرِيّ: أَن الْوَلِيد ولي الْكُوفَة خمس سِنِين،
قَالُوا: وَكَانَ جوادا، فولَّى عُثْمَان بعده سعيد بن
الْعَاصِ، فَسَار فيهم سيرة عادلة، وَكَانَت تَوْلِيَة
عُثْمَان سعيد بن الْعَاصِ الْكُوفَة فِي سنة ثَلَاثِينَ
من الْهِجْرَة وَفتح سعيد هَذَا طبرستان فِي هَذِه السّنة،
وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: لما ولَّى عثمانُ سعيدَ بنَ
الْعَاصِ الْكُوفَة وقَدِمَهَا قَالَ: لَا أصعد الْمِنْبَر
حَتَّى تغسلوه من آثَار الْوَلِيد الْفَاسِق فَإِنَّهُ
نجس، فاغسلوه، ثمَّ ظَهرت بعد ذَلِك من سعيد بن الْعَاصِ
هَنَات.
وَاحْتج أَصْحَابنَا بِهَذَا الحَدِيث: أَن حد السَّكْرَان
من شرب الْخمر وَغَيرهَا من الأنبذة ثَمَانُون جلدَة،
وَقَالَ الشَّافِعِي: أَرْبَعُونَ جلدَة، وَبِه قَالَ
أَحْمد فِي رِوَايَة، لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، ضرب فِي الْخمر بِالْجَرِيدِ وَالنعال، وَضرب أَبُو
بكر أَرْبَعِينَ، قُلْنَا: مَا رَوَاهُ كَانَ بجريدتين
والنعلين، فَكَانَ كل ضَرْبَة بضربتين، وَالَّذِي يدل على
هَذَا قَول أبي سعيد: جلد على عهد رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، فِي الْخمر بنعلين، فَلَمَّا كَانَ فِي
زمن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، جعل بدل كل نعل
سَوْطًا، رَوَاهُ أَحْمد.
7963 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ حَاتِمِ بنِ بَزِيعٍ حدَّثنا
شاذَانُ حدَّثنا عبْدُ العَزِيزِ بنُ أبِي سلَمَةَ
المَاجِشُونُ عنْ عُبَيْدِ الله عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ
عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ كُنَّا فِي
زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاَ نَعْدِلُ
بأبِي بَكْرٍ أحَدَاً ثُمَّ عُمَرَ ثُمَّ عُثْمَانَ ثُمَّ
نَتْرُكْ أصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاَ
نُفَاضِلُ بَيْنَهُمْ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يدل على أَن
عُثْمَان أفضل النَّاس بعد الشَّيْخَيْنِ. وَمُحَمّد بن
حَاتِم، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَكسر التَّاء الْمُثَنَّاة
من فَوق: ابْن بزيع، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر
الزَّاي وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره عين
مُهْملَة: أَبُو سعيد مَاتَ بِبَغْدَاد فِي رَمَضَان سنة
تسع وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ، وشاذان، بالشين
الْمُعْجَمَة والذال الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره نون،
واسْمه: الْأسود ابْن عَامر، ويلقب: بشاذان، أَصله شَامي
سكن بَغْدَاد، وَعبد الْعَزِيز بن أبي سَلمَة الْمَاجشون،
بِكَسْر الْجِيم وَفتحهَا، وَهُوَ بِضَم النُّون صفة لعبد
الْعَزِيز، وبكسرها صفة لأبي سَلمَة، لِأَن كلاًّ مِنهما
يلقب بِهِ، وَعبيد الله هُوَ ابْن عمر الْعمريّ.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي السّنة عَن عُثْمَان بن
أبي شيبَة عَن الْأسود بن عَامر بِهِ.
قَوْله: (لَا نعدل بِأبي بكر أحدا) ، أَي: لَا نجْعَل أحدا
مثلا لَهُ، ثمَّ عمر كَذَلِك ثمَّ عُثْمَان كَذَلِك.
قَوْله: (ثمَّ نَتْرُك أَصْحَاب النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم) أَرَادوا أَنهم بعد تَفْضِيل
الشَّيْخَيْنِ وَعُثْمَان لَا يتَعَرَّض لأَصْحَاب
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعدهمْ، بالتفضيل
وَعَدَمه، وَذَلِكَ لأَنهم كَانُوا يجتهدون فِي
التَّفْضِيل فَيظْهر لَهُم فَضَائِل هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة
ظهوراً بَينا فيجزمون بِهِ. قَوْله: (لَا نفاضل) أَي: فِي
نفس الْأَمر، تَفْسِير قَوْله: (ثمَّ نَتْرُك) يَعْنِي:
لَا نحكم بعدهمْ بتفضيل أحد على أحد، ونسكت عَنْهُم.
وَقَالَ الْخطابِيّ: وَجه هَذَا أَنه أُرِيد بِهِ
الشُّيُوخ وذوو الْأَسْنَان، وهم الَّذين كَانَ رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذا حزنه أَمر شاورهم،
وَكَانَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي زَمَانه
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حَدِيث السن، وَلم ير ابْن عمر
الإزدراء بعلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَلَا تَأْخِيره
عَن الْفَضِيلَة بعد عُثْمَان، لِأَن فَضله مَشْهُور لَا
يُنكره ابْن عمر وَلَا غَيره من الصَّحَابَة. قلت: وَقد
تقرر عِنْد أهل السّنة قاطبة من تَقْدِيم عَليّ بعد
عُثْمَان، وَمن تَقْدِيم بَقِيَّة الْعشْرَة المبشرة على
غَيرهم، وَمن تَقْدِيم
(16/205)
أهل بدر على من لم يشهدها، وَقَالَ
الْكرْمَانِي مَا ملخصه: لَا حجَّة فِي قَوْله: (كُنَّا
نَتْرُك) لِأَن الْأُصُولِيِّينَ اخْتلفُوا فِي صِيغَة:
كُنَّا نَفْعل، لَا فِي صِيغَة: كُنَّا لَا نَفْعل، لتصور
تَقْرِير السُّؤَال فِي الأول دون الثَّانِي، وعَلى
تَقْدِير أَن يكون حجَّة فَمَا هُوَ من العمليات حَتَّى
يَكْفِي فِيهِ الظَّن؟ وَلَئِن سلمنَا فقد عَارضه مَا هُوَ
أقوى مِنْهُ، ثمَّ قَالَ: وَيحْتَمل أَن يكون ابْن عمر
أَرَادَ أَن ذَلِك كَانَ وَقع لَهُ فِي بعض أزمنة النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلَا يمْنَع ذَلِك أَن يظْهر
بعد ذَلِك، وَلَئِن سلمنَا عُمُومه لَكِن انْعَقَد
الْإِجْمَاع على أَفضَلِيَّة عَليّ بعد عُثْمَان. انْتهى.
قلت: فِي دَعْوَاهُ الْإِجْمَاع نظر، لِأَن جمَاعَة من أهل
السّنة يقدمُونَ عليا على عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُمَا.
تابَعَهُ عبْدُ الله بنُ صالِحٍ عنْ عبْدِ العَزِيزِ
أَي: تَابع شَاذان عبد الله بن صَالح كَاتب اللَّيْث
الْجُهَنِيّ الْمصْرِيّ، وَقيل: عبد الله بن صَالح بن
مُسلم الْعجلِيّ الْكُوفِي فِي رِوَايَته عَن عبد
الْعَزِيز بن أبي سَلمَة الْمَاجشون بِإِسْنَادِهِ
الْمَذْكُور، وَكِلَاهُمَا من مَشَايِخ البُخَارِيّ.
8963 - حدَّثنا مُوساى بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا أبُو
عَوَانَةَ حدَّثنا عُثْمَانُ هُوَ ابنُ مَوْهِبٍ قَالَ
جاءَ رَجُلٌ مِنْ أهْلِ مِصْرَ حَجَّ البَيْتَ فَرأى
قَوْمَاً جُلُوساً فَقَالَ مَنْ هاؤُلاءِ القَوْمُ قَالَ
هاؤلاءِ قُرَيْشٌ قَالَ فَمَنِ الشَّيْخُ فِيهِمْ قالُوا
عَبْدُ الله بنُ عُمَرَ قَالَ يَا ابنَ عُمَرَ إنِّي
سائِلُكَ عنْ شَيْءٍ فَحَدِّثْنِي عَنْهُ هَلْ تَعْلَمُ
أنَّ عُثْمَانَ فَرَّ يَوْمَ أُحُدٍ قَالَ نعَمْ فَقَالَ
تَعْلَمُ أنَّهُ تَغَيَّبَ عنْ بَدْرٍ ولَمْ يَشْهَدْ
قَالَ نعَمْ قَالَ هَلْ تَعْلَمُ أنَّهُ تَغَيَّبَ عنْ
بَيْعَةِ الرُّضْوانِ فلَمْ يَشهَدْهَا قَالَ نَعمْ قَالَ
الله أكبرُ قَالَ ابنُ عُمَرَ تَعالَ أُبَيِّنْ لَكَ أمَّا
فِرَارُهُ يَوْمَ أُحُدٍ فأشْهَدُ أنَّ الله عفَا عَنْهُ
وغَفَرَ لَهُ وأمَّا تَغَيُّبُهُ عنْ بَدْرٍ فإنَّهُ
كانَتْ تَحْتَهُ بِنْتُ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وكانَتْ مَرِيضَةً فقالَ رَسُولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إنَّ لَكَ أجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ
بَدْرَاً وسَهْمَهُ وأمَّا تَغَيُّبُهُ عنْ بَيْعَةِ
الرِّضْوَانِ فلَوْ كانَ أحَدٌ أعَزَّ بِبَطْنِ مَكَّةِ
مِنْ عُثْمَانَ لَبَعَثَهُ مَكانَهُ فبَعَثَ رسُولُ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عُثْمَانَ وكانَتْ بَيْعَةُ
الرُضْوَانِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ عُثْمَانُ إلَى مَكَّةَ
فَقَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَدِهِ
اليُمْناى هاذِهِ يَدُ عُثْمانَ فضَرَبَ بِهَا علَى يَدِهِ
فَقَالَ هذِهِ لِعُثْمَانَ فَقَالَ لهُ ابنُ عُمَرَ
اذْهَبْ بِهَا الْآن معَكَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ فَضِيلَة
عَظِيمَة لعُثْمَان، وَهِي أَن الله عَفا عَنهُ وَغفر لَهُ
وَحصل لَهُ السهْم وَالْأَجْر وَهُوَ غَائِب، وَلم يحصل
ذَلِك لغيره، وَأَشَارَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إِلَى يَده الْيُمْنَى، وَقَالَ: هَذِه يَد عُثْمَان،
وَهَذَا فضل عَظِيم أعطَاهُ الله إِيَّاه.
وَأَبُو عوَانَة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة: الوضاح بن
عبد الله الْيَشْكُرِي، وَعُثْمَان هُوَ ابْن عبد الله بن
موهب، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْوَاو، وَضَبطه بَعضهم
كسرهَا وَبعدهَا بَاء مُوَحدَة: تَابِعِيّ وسط من طبقَة
الْحسن الْبَصْرِيّ، وَهُوَ ثِقَة باتفاقهم، وَفِي الروَاة
آخر يُقَال لَهُ: عُثْمَان بن موهب، تَابِعِيّ أَيْضا
بَصرِي، لكنه أَصْغَر مِنْهُ، روى عَن أنس وروى عَنهُ زيد
الْحباب وَحده، أخرج لَهُ النَّسَائِيّ.
قَوْله: (جُلُوسًا) أَي: جالسين. قَوْله: (قَالَ: قُرَيْش)
أَي: هم قُرَيْش، ويروى: قَالُوا: قُرَيْش، بِصِيغَة
الْجمع، فعلى الأول قَالَ: وَاحِد من الْقَوْم الَّذين
كَانُوا هُنَاكَ. قَوْله: (فَمن الشَّيْخ) أَي: الْكَبِير
الَّذِي يرجعُونَ إِلَيْهِ فِي قَوْله؟ قَوْله: (قَالُوا:
عبد الله ابْن عمر) أَي: كَبِيرهمْ هُوَ عبد الله بن عمر
بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. قَوْله: (هَل
تعلم) إِلَى آخِره، مُشْتَمل على ثَلَاث مسَائِل سَأَلَ
ابْن عمر عَنْهَا، وَالَّذِي يظْهر أَنه كَانَ متعصباً على
عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَلذَلِك قَالَ:
الله أكبر، مستحسناً وَلَكِن أَرَادَ أَن يبين معتقده
فِيهِ لما أجَاب عبد الله بن عمر عَن كل وَاحِدَة مِنْهَا
بِجَوَاب حسن مُطَابق لما كَانَ فِي نفس الْأَمر. قَوْله:
(فَأشْهد أَن الله
(16/206)
عَفا عَنهُ وَغفر لَهُ) إِنَّمَا قَالَ
ابْن عمر هَذِه الْمقَالة أخذا من قَوْله تَعَالَى: {إِن
الَّذين توَلّوا مِنْكُم يَوْم التقى الْجَمْعَانِ
إِنَّمَا استزلهم الشَّيْطَان بِبَعْض مَا كسبوا وَلَقَد
عَفا الله عَنْهُم إِن الله غَفُور حَلِيم} (آل عمرَان:
551) . قَوْله: {يَوْم التقى الْجَمْعَانِ} (آل عمرَان:
551) . هُوَ يَوْم أحد، والجمعان النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مَعَ أَصْحَابه، وَأَبُو سُفْيَان بن حَرْب
مَعَ كفار قُرَيْش. قَوْله {بِبَعْض مَا كسبوا} أَي:
بِبَعْض ذنوبهم السالفة. قَوْله: {وَلَقَد عَفا الله
عَنْهُم} (آل عمرَان: 551) . أَي: عَمَّا كَانَ مِنْهُم من
الْفِرَار. وروى الْبَيْهَقِيّ فِي (دَلَائِل النُّبُوَّة)
من حَدِيث عمار بن غزيَّة عَن أبي الزبير عَن جَابر،
قَالَ: انهزم النَّاس عَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَوْم أحد وَبَقِي مَعَه أحد عشر رجلا من
الْأَنْصَار، وَطَلْحَة بن عبيد الله وَهُوَ يصعد فِي
الْجَبَل، الحَدِيث، وَقَالَ ابْن سعد: وَثَبت رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَعْنِي يَوْم أحد، مَا
زَالَ يَرْمِي عَن قوسه حَتَّى صَارَت شظايا،. وَثَبت
مَعَه عِصَابَة من أَصْحَابه: أَرْبَعَة عشر رجلا، سَبْعَة
من الْمُهَاجِرين فيهم أَبُو بكر الصّديق، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، وَسَبْعَة من الْأَنْصَار، حَتَّى
تحاجزوا. وَقَالَ البُخَارِيّ: لم يبْق مَعَ رَسُول الله،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلاَّ اثْنَا عشر رجلا، على مَا
يَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَقَالَ البلاذري: ثَبت
مَعَه من الْمُهَاجِرين أَبُو بكر وَعمر وَعلي وَعبد
الرَّحْمَن بن عَوْف وَسعد بن أبي وَقاص وَطَلْحَة بن عبيد
الله وَالزُّبَيْر بن الْعَوام وَأَبُو عُبَيْدَة بن
الْجراح، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَمن الْأَنْصَار:
الْحباب بن الْمُنْذر وَأَبُو دُجَانَة وَعَاصِم بن ثَابت
ابْن أبي الْأَفْلَح والْحَارث بن الصمَّة وَأسيد بن حضير
وَسعد بن معَاذ، وَقيل: وَسَهل بن حنيف. قَوْله: (تَحْتَهُ
بنت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَهِي رقية،
وروى الْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك) من طَرِيق حَمَّاد بن
سَلمَة: عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه قَالَ: خلف
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عُثْمَان وَأُسَامَة بن
زيد على رقية فِي مَرضهَا لما خرج إِلَى بدر، فَمَاتَتْ
رقية حِين وصل زيد بن ثَابت بالبشارة، وَكَانَ عمرُ رُقية
لما مَاتَت عشْرين سنة. قَوْله: (مَكَانَهُ) ، أَي: مَكَان
عُثْمَان. قَوْله: (هَذِه يَد عُثْمَان) أَي: بدلهَا.
قَوْله: (على يَده) أَي: الْيُسْرَى. قَوْله: (فَقَالَ
هَذِه) ، أَي: الْبيعَة لعُثْمَان، أَي: عَن عُثْمَان.
قَوْله: (إذهب بهَا الْآن مَعَك) ، أَي: إقرن هَذَا الْعذر
بِالْجَوَابِ حَتَّى لَا يبْقى لَك فِيمَا أَجَبْتُك بِهِ
حجَّة على مَا كنت تعتقده من غيبَة عُثْمَان، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: قَالَه ابْن عمر
تهكماً بِهِ، أَي: توجه بِمَا تمسكت بِهِ، فَإِنَّهُ لَا
ينفعك بعد مَا بيّنت لَك.
9963 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا يَحْيَى عنْ سَعِيدٍ عنْ
قَتَادَةَ أنَّ أنسَاً رَضِي الله تَعَالَى عنهُ
حدَّثَهُمْ قَالَ صَعِدَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أحُدَاً ومعَهُ أبُو بَكْرٍ وعُمَرُ وعُثْمَانُ
فرَجَفَ وَقَالَ اسْكُنْ أُحُدُ أظُنُّهُ ضَرَبَهُ
بِرِجْلِهِ فلَيْسَ عَلَيْكَ إلاَّ نَبِيٌّ وصِدِّيقٌ
وشَهِيدَانِ. (انْظُر الحَدِيث 5763 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: وشهيدان، لِأَن
أَحدهمَا هُوَ عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
وَهَذَا الحَدِيث وَقع هُنَا عِنْد الْأَكْثَرين، وَوَقع
فِي رِوَايَة أبي ذَر والخطيب قبل حَدِيث مُحَمَّد بن
حَاتِم بن بزيع عَن شَاذان فِي هَذَا الْبَاب، وَمر فِي
مَنَاقِب أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَإِنَّهُ
أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن بشار عَن يحيى عَن سعيد عَن
قَتَادَة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (فَرَجَفَ) ، أَي: اضْطربَ أحد، وَقَالَ: ويروى
فَقَالَ، بِالْفَاءِ أَي: فَقَالَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (أحد) ، بِضَم الدَّال لِأَنَّهُ
منادى مُفْرد وَحذف مِنْهُ حرف النداء، وَرُوِيَ: حراء،
فَإِن صحت رِوَايَة أنس بِلَفْظ حراء فالتوفيق بَينهمَا
يكون بِالْحملِ على التَّعَدُّد، وَوَقع لفظ حراء فِي
حَدِيث أبي هُرَيْرَة أخرجه مُسلم، قَالَ: كَانَ رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على حراء هُوَ وَأَبُو بكر
وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر، فتحركت
الصَّخْرَة فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إهدأ فَمَا
عَلَيْك إلاَّ نَبِي وصدِّيق وشهيد، وَفِي رِوَايَة لَهُ:
وَسعد.
8 - (بَاب قِصَّةِ البَيْعَةِ والإتِّفاقِ علَى عُثْمَانَ
بنِ عَفَّانَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ وفيهِ مَقْتَلُ
عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قصَّة الْبيعَة بعد عمر بن
الْخطاب، واتفاق الصَّحَابَة على تَقْدِيم عُثْمَان بن
عَفَّان فِي الْخلَافَة. قَوْله: (وَفِيه مقتل عمر بن
الْخطاب) ، لم يُوجد إلاَّ فِي رِوَايَة السَّرخسِيّ،
والبيعة، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة عبارَة عَن المعاقدة
عَلَيْهِ والمعاهدة، فَإِن كل وَاحِد مِنْهُمَا بَاعَ مَا
عِنْده من صَاحبه وَأَعْطَاهُ خَالِصَة نَفسه وطاعته
ودخيلة أمره.
(16/207)
0073 - حدَّثنا مُوساى بنُ إسْمَاعِيلَ
حدَّثنا أبُو عَوَانَةَ عنْ حُصَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بنِ
مَيْمُونٍ قَالَ رأيْتُ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِي الله
تَعَالَى عنهُ قَبْلَ أنْ يُصَابَ بِأيَّامٍ بالمَدِينَةِ
وَقَفَ علَى حُذَيْفَةَ بنِ اليَمَانِ وعُثْمَانَ بنِ
حُنَيْفٍ قَالَ كَيْفَ فعَلْتُمَا أتَخَافَانِ أنْ
تَكُونَا قَدْ حَمَّلْتُمَا الأرْضَ مالاَ تُطِيقُ قَالَا
حَمَّلْنَاهَا أمْرَاً هِيَ لَهُ مُطيقَةٌ مَا فِيهَا
كَبيرُ فَضْلٍ قَالَ انْظُرَا أنْ تَكُونَا حَمَّلْتُما
الأرْضَ مالاَ تُطِيقُ قَالَ قالاَ لَا فقالَ عُمَرُ
لَئِنْ سلَّمَنِي الله لأدَعَنَّ أرَامِلَ أهْلِ العِرَاقِ
لاَ يَحْتَجْنَ إلَى رَجُلٍ بَعْدِي أبَدَاً قَالَ فَما
أتَتْ عَلَيْهِ إلاَّ رَابِعَةٌ حَتَّى أصِيبَ قَالَ إنِّي
لَقَائِمٌ مَا بَيْنِي وبَيْنَهُ إلاَّ عَبْدُ الله بنُ
عَبَّاسٍ غَدَاةَ أُصِيبَ وكانَ إذَا مَرَّ بَيْنَ
الصَّفَّيْنِ قَالَ اسْتَوُوا حتَّى إذَا لمْ يَرَ
فِيهِنَّ خَللاً تقَدَّمَ فكَبَّرَ ورُبَّمَا قرَأ سُورَةَ
يُوسُفَ أوِ النَّحْلِ أوْ نَحْوَ ذَلِكَ فِي الرَّكْعَةِ
الأولَى حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ فَمَا هُوَ إلاَّ أنْ
كَبَّرَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ قتَلَنِي أوْ أكَلَنِي
الكَلْبُ حِينَ طَعَنَه فَطارَ الْعِلْجِ بِسِكِّينٍ ذَاتِ
طَرَفَيْنِ لاَ يَمُرّ علَى أحَدٍ يَمِينا وَلَا شِمالاً
إلاَّ طَعنَهُ حَتَّى طَعَنَ ثلاَثَةَ عَشَرَ رَجُلاً ماتَ
مِنْهُمْ سَبْعَةٌ فلَمَّا رَأى ذَلِكَ رَجُلٌ مِنَ
المُسْلِمِينَ طرَحَ عَلَيْهِ بُرْنُساً فلَمَّا ظَنَّ
العِلْجُ أنَّهُ مأخُوذٌ نَحَرَ نفْسَهُ وتَنَاوَلَ عُمَرُ
يَدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ فقَدَّمَهُ فَمَنْ
يَلِي عُمَرَ فَقدْ رَأى الَّذِي أراى وأمَّا نَواحِي
الْمَسْجِدِ فإنَّهُمْ لاَ يَدْرُونَ غَيْرَ أنَّهُمْ قَدْ
فَقَدُوا صَوْتَ عُمَرَ وهُمْ يَقُولُونَ سُبْحَانَ الله
سُبْحَانَ الله فَصَلَّى بِهِمْ عَبْدُ الرَّحْمانِ صَلاةً
خَفِيفَةً فلَمَّا انْصَرَفُوا قَالَ يَا ابنَ عَبَّاسٍ
انْظُرْ مَنْ قَتَلَني فَجالَ ساعَةً ثُمَّ جاءَ فَقَالَ
غُلامُ الْمُغِيرَةِ قَالَ الصَّنَعُ قَالَ نعَمْ قَالَ
قاتَلَهُ الله لَقَدْ أمَرْتُ بِهِ مَعْرُوفَاً الحَمْدُ
لله الَّذِي لَمْ يَجْعَلْ مِيتَتِي بِيَدِ رَجُلٍ
يَدَّعِي الإسْلاَمَ قَدْ كُنْتَ أنْتَ وأبُوكَ تُحِبَّانِ
أنْ تَكْثُرَ الْعُلُوجِ بالمَدِينَةِ وكانَ العَبَّاسُ
أكْثَرَهُمْ رَقِيقَاً فقالَ إنْ شِئْتَ فَعَلْتُ أَي إنْ
شِئّتَ قَتَلْنا قَالَ كَذَبْتَ بَعْدَما تَكَلَّمُوا
بلِسَانِكُمْ وصَلَّوْا قِبْلَتَكُمْ وحَجُّوا حَجَّكُمْ
فاحْتُمِلَ إلَى بَيْتِهِ فانْطَلَقْنَا مَعَهُ وكأنَّ
النَّاسَ لَمْ تُصِبْهُمْ مُصِيبَةٌ قَبْلَ يَوْمَئِذٍ
فَقائِلٌ يقُولُ لَا بأسَ وقائِلٌ يقُولُ أخَافُ عَلَيْهِ
فأُتِيَ بِنَبِيذٍ فشَرِبَهُ فخَرَجَ مِنْ جَوْفهِ ثُمَّ
أُتِيَ بِلَبَنٍ فَشَرِبَهُ فَخَرَجَ مِنْ جُرْحِهِ
فعَلِمُوا أنَّهُ مَيِّتٌ فدَخَلْنَا عَلَيْهُ وجاءَ
النَّاسُ يُثْنُونَ علَيْهِ وجاءَ رَجُلٌ شَابٌّ فَقَالَ
أبْشِرْ يَا أمِيرَ المُؤْمِنينَ بِبُشْرَى الله لكَ مِنْ
صُحْبَةِ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقَدَمٍ فِي
الإسْلاَمِ مَا قَدْ عَلِمْتَ ثُمَّ وَلِيْتَ فعَدَلْتَ
ثُمَّ شَهادَةٌ قَالَ ودِدْتُ أنَّ ذَلِكَ كَفافٌ لاَ
عَليَّ ولاَ لِيَ فلَمَّا أدْبرَ إذَا إزَارَهُ يَمسُّ
الأرْضَ قَالَ رُدُّوا علَيَّ الغُلاَمُ قَالَ ابنَ أخِي
ارْفَعْ ثَوْبَكَ فإنَّهُ أبْقَى لِثَوْبِكَ وأتْقَى
لِرَبِّكَ يَا عَبْدَ الله بنَ عُمَرَ انْظُرْ مَا عَلَيَّ
مِنَ الدَّيْنِ فَحَسَبُوهُ فوَجَدُوهُ سِتَّةً
وثَمَانِينَ ألْفاً أوْ نَحْوَهُ قَالَ إنْ وَفى لَهُ مالُ
آلِ عُمَرَ فأدِّهِ مِنْ أمْوَالِهِمْ وإلاَّ فسَلْ فِي
بَنِي عَدِيِّ بنِ كَعْبٍ فإنْ لَمْ تَفِ أمْوَالَهُمْ
فسَلْ فِي قُرَيْشٍ ولاَ تَعْدُهُمْ إلَى غَيْرِهِمْ فأدِّ
عَنِّي هَذَاالمالُ انْطَلِقْ إلَى عائِشَةَ أُمِّ
المُؤْمِنِينَ فَقُلْ يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ السَّلاَمَ
ولاَ تَقُلْ أمِيرُ المُؤْمِنينِ فإنِّي لَسْتُ اليَوْمَ
(16/208)
لِلْمُؤْمِنِينَ أمِيراً وقُلْ يَسْتَأذِنُ
عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ أنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ
فسَلَّمَّ واسْتَأذَنَ ثُمَّ دَخَلَ علَيْهَا فوَجَدَها
قاعِدَةً تَبْكِي فَقَالَ يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمرُ بنُ
الخَطَّابِ السَّلاَمَ ويَسْتأذِنُ أنْ يُدْفَنَ مَعَ
صاحِبَيْهِ فقالَتْ كُنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسي
ولَأُوثِرَنَّهُ بِهِ اليَوْمَ علَى نَفْسِي فلَمَّا
أقْبلَ قِيلَ هاذا عَبْدُ الله ابنُ عُمَرَ قدْ جاءَ قالَ
ارْفَعُونِي فأسْنَدَهُ رَجُلٌ إلَيْهِ فَقَالَ مَا
لَدَيْكَ قَالَ الَّذِي تُحِبُّ يَا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ
أذِنَتْ قَالَ الحَمْدُ لله مَا كانَ مِنْ شَيْء أهَمُّ
إلَيَّ مِنْ ذَلِكَ فإذَا أنَا قَضَيْتُ فاحْمِلُونِي
ثُمَّ سَلِّمْ فَقُلْ يَسْتأذِنُ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ
فإنْ أذِنَتْ لِي فأدْخِلُونِي وإنْ رَدَّتْنِي رُدُّونِي
إلَى مَقَابِرِ المُسْلِمِينَ وجاءَتْ أُمُّ المُؤْمِنِينَ
حَفْصَةُ والنِّسَاءُ تَسِيرُ مَعَهَا فلَمَّا رأيْنَاهَا
قُمْنَا فَوَلَجَتْ عَلَيْهِ فبَكَتْ عِنْدَهُ ساعَةً
واسْتَأذَنَ الرِّجَالُ فوَلَجَتْ دَاخِلاً لَهُمْ
فسَمِعْنَا بُكاءَهَا مِنَ الدَّاخِلِ فقَالُوا أوْصِ يَا
أمِيرَ المُؤْمِنينَ اسْتَخْلفْ قَالَ مَا أجِدُ أحَقَّ
بِهَذَا الأمْرَ مِنْ هَؤلاَءِ النَّفَرِ أوِ الرَّهْطِ
الَّذِينَ تُوُفِّيَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وهْوَ عَنْهُمْ رَاضٍ فسَمَّى علِيَّاً وعُثْمَانَ
والزُّبَيْرَ وطَلْحَةَ وسَعْدَاً وعَبْدَ الرَّحْمانِ
وَقَالَ يَشْهَدُكُم عبْدُ الله بنُ عُمَرَ ولَيْسَ لَهُ
مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ كَهَيْئَةِ التَّعْزِيَةِ لَهُ فإنْ
أصَابَتِ الإمْرَةُ سَعْدَاً فَهْوَ ذَاكَ وإلاَّ
فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ أيُّكُمْ مَا أُمِّرَ فإنِّي لَمْ
أعْزِلْهُ عنْ عَجْزِهٍ ولاَ خِيانَةٍ وَقَالَ أُوصِي
الخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بالمُهَاجِرِينَ الأوَّلِينَ أنْ
يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ ويَحْفَظَ لَهُمْ حُرْمَتَهُمْ
وأُوصِيهِ بالأنْصَارِ خَيْرَاً الَّذِينَ تبَوَّؤُا
الدَّارَ والإيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ أنْ يُقْبَلَ مِنْ
مُحْسِنِهِمْ وأنْ يُعْفَى عنْ مُسِيئِهِمْ وأُوصِيهِ
بأهْلِ الأمْصَارِ خَيْرَاً فإنَّهُمْ رِدْءُ الإسْلاَمِ
وجُبَاةُ المَالِ وغَيْظُ العَدُوِّ وأنْ لاَ يؤْخَذَ
مِنْهُمْ إلاَّ فَضْلُهُمْ عنْ رِضَاهُمْ وأُوصِيهِ
بالأعْرَابِ خَيْرَاً فإنَّهُمْ أصْلُ العَرَبِ ومادَّةُ
الأسْلاَمِ أنْ يُؤْخذَ مِنْ حَوَاشِي أمْوَالِهِمْ
وتُرَدَّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ وأُوصِيهِ بِذِمَّةِ الله
وذِمَّةِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ يُوفى
لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وأنْ يُقاتَلَ مِنْ وَرَائِهِمْ ولاَ
يُكَلَّفُوا إلاَّ طاقَتَهُمْ فلَمَّا قُبِضَ خَرَجْنَا
بِهِ فانْطَلَقْنا نَمْشِي فسَلَّمَ عَبْدُ الله ابنُ
عُمَرَ قَالَ يَسْتأذِنُ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ قالَتْ
أدْخِلُوهُ فأُدْخِلَ فَوُضِعَ هُنَالِكَ مَعَ صاحِبَيْهِ
فلَمَّا فُرِغَ مِنْ دَفْنِهِ اجْتَمعَ هاؤُلاءِ الرَّهْطُ
فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمانِ اجْعَلُوا أمْرَكُمْ إِلَى
ثَلاثَةٍ مِنْكُمْ فَقَالَ الزُّبَيْرُ قَدْ جَعَلْتُ
أمْرِي إلَى عَلِيٍّ فَقَالَ طَلْحَةُ قَدْ جَعَلْتُ
أمْرِي إِلَى عُثْمَانَ وَقَالَ سَعْدٌ قَدْ جعَلْتُ
إمْرِي إِلَى عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ عَوْفٍ فَقَالَ
عَبْدُ الرحْمانِ أيُّكُمَا تَبَرَّأ مِنْ هَذَا الأمْرِ
فنَجْعَلُهُ إلَيْهِ وَالله عَلَيْهِ والإسْلاَمُ
لَيَنْظُرَنَّ أفْضَلَهُمْ فِي نَفْسِهِ فأُسْكِتَ
الشَّيْخَانِ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمانِ أفَتَجْعَلُونَهُ
إلَيَّ وَالله علَيَّ أنْ لَا آلُوَ عنْ أفْضَلِكُمْ قالاَ
نَعَمْ فأخَذَ بِيَدِ أحَدِهِمَا فَقَالَ لَكَ قَرَابَةٌ
مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والقِدَمُ فِي
الإسْلاَمِ مَا قَدْ عَلِمْتَ فَالله عَلَيْكَ لَئِنْ
أمَّرْتُكَ لَتَعْدِلَنَّ ولَئِنْ أمَّرْتُ عُثْمَانَ
لَتَسْمَعَنَّ ولَتُطِيعَنَّ ثُمَّ خَلاَ بالآخَرِ فَقَالَ
لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فلَمَّا أخَذَ المِيثاقَ قَالَ ارْفَعْ
يَدَكَ يَا عُثْمَانُ فَبايَعَهُ فَبايَعَ لَهُ عَلِيٌّ
ووَلَجَ أهْلُ الدَّارِ فبَايَعُوهُ. .
(16/209)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن
الحَدِيث يشْتَمل على جَمِيع مَا فِي التَّرْجَمَة،
ومُوسَى بن إِسْمَاعِيل أَبُو سَلمَة الْمنْقري
الْبَصْرِيّ الَّذِي يُقَال لَهُ: التَّبُوذَكِي، وَأَبُو
عوَانَة الوضاح بن عبد الله الْيَشْكُرِي، وحصين، بِضَم
الْحَاء وَفتح الصَّاد بالمهملتين وبالنون: ابْن عبد
الرَّحْمَن الْكُوفِي، وَعَمْرو بن مَيْمُون الأودي أَبُو
عبد الله الْكُوفِي أدْرك الْجَاهِلِيَّة وروى عَن جمَاعَة
من الصَّحَابَة وَكَانَ بِالشَّام ثمَّ سكن الْكُوفَة.
وَقد مضى قِطْعَة من هَذَا الحَدِيث فِي كتاب الْجَنَائِز
فِي: بَاب مَا جَاءَ فِي قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (قبل أَن يصاب) ، أَي: قبل أَن
يقتل بأيام أَي: أَرْبَعَة لما سَيَأْتِي. قَوْله:
(حُذَيْفَة بن الْيَمَان) وَهُوَ حُذَيْفَة بن حسيل،
وَيُقَال: أحسل بن جَابر أَبُو عبد الله الْعَبْسِي حَلِيف
بني الْأَشْهَل صَاحب سر رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، واليمان: لقب حسيل، وَإِنَّمَا لقب بِهِ لِأَنَّهُ
حَالف اليمانية. قَوْله: (وَعُثْمَان بن حنيف) ، بِضَم
الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح النُّون وَسُكُون الْيَاء آخر
الْحُرُوف وَفِي آخِره فَاء: ابْن واهب الْأنْصَارِيّ
الأوسي الصَّحَابِيّ، وَهُوَ أحد من تولى مساحة سَواد
الْعرَاق بِأَمْر عمر بن الْخطاب، وولاه أَيْضا السوَاد
مَعَ حُذَيْفَة بن الْيَمَان. قَوْله: (قَالَ: كَيفَ
فعلتما) ، أَي: قَالَ عمر لِحُذَيْفَة وَعُثْمَان: كَيفَ
فعلتما فِي أَرض سَواد الْعرَاق توليتما مسحها؟ قَوْله:
(أتخافان أَن تَكُونَا حملتما الأَرْض؟) أَي: هَل تخافان
بِأَن تَكُونَا أَي: من كونكما، قد حمَّلتما الأَرْض أَي
أَرض الْعرَاق مَا لَا تطِيق حمله، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ
كَانَ بعثهما يضربان الْخراج عَلَيْهَا والجزية على
أَهلهَا، فَسَأَلَهُمَا: هَل فعلا ذَلِك أم لَا؟ فأجابا
وَقَالا: حملناها أمرا هِيَ: أَي الأَرْض الْمَذْكُورَة و:
هُوَ، فِي مَحل الرّفْع على الِابْتِدَاء. قَوْله: (لَهُ)
أَي: لما حملناها مطيقة، خبر الْمُبْتَدَأ يَعْنِي: مَا
حملناها شَيْئا فَوق طاقتها. وروى ابْن أبي شيبَة عَن
مُحَمَّد بن فُضَيْل عَن حُصَيْن بِهَذَا الْإِسْنَاد،
فَقَالَ حُذَيْفَة: لَو شِئْت لأضعفت، أَي: جعلت خراجها
ضعفين، وروى من طَرِيق الحكم عَن عَمْرو بن مَيْمُون: أَن
عمر، أَي: رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ لعُثْمَان بن
حنيف: لَئِن زِدْت على كل رَأس دِرْهَمَيْنِ، وعَلى كل
جريب درهما وقفيزاً من طَعَام لأطاقوا ذَلِك، قَالَ: نعم،
وَقَالَ الْكرْمَانِي: ويروى: أتخافا؟ بِحَذْف النُّون
تَخْفِيفًا، وَذَلِكَ جَائِز بِلَا ناصب وَلَا جازم.
قَوْله: (قَالَ: انْظُر) ، أَي: قَالَ عمر: انظرا فِي
التحميل، وَيجوز أَن يكون هَذَا كِنَايَة عَن الحذر
لِأَنَّهُ مُسْتَلْزم للنَّظَر. قَوْله: (قَالَ: قَالَا:
لَا) أَي: قَالَ عَمْرو بن مَيْمُون، قَالَ: حُذَيْفَة
وَعُثْمَان: مَا حملنَا الأَرْض فَوق طاقتها. قَوْله:
(فَمَا أَتَت عَلَيْهِ) ، أَي: على عمر، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ: (إلاَّ رَابِعَة) أَي: صَبِيحَة رَابِعَة،
ويروى إلاَّ أَرْبَعَة: أَي: أَرْبَعَة أَيَّام (حَتَّى
أُصِيب) أَي: حَتَّى طعن بالسكين، قَوْله: (قَالَ: إِنِّي
لقائم) ، أَي: قَالَ عَمْرو بن مَيْمُون: إِنِّي لقائم فِي
الصَّفّ نَنْتَظِر صَلَاة الصُّبْح. قَوْله: (مَا بيني
وَبَينه) أَي: لَيْسَ بيني وَبَين عمر، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، إلاَّ عبد الله بن عَبَّاس، وَفِي
رِوَايَة أبي إِسْحَاق إلاَّ رجلَانِ. قَوْله: (غَدَاة)
نصب على الظّرْف مُضَاف إِلَى الْجُمْلَة أَي: صَبِيحَة
الطعْن. عبيد الله قَوْله: فِيهِنَّ أَي فِي الصُّفُوف
وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فيهم، أَي: فِي هَل الصُّفُوف.
قَوْله: أَو النَّحْل، شكّ من الرَّاوِي أَي: أَو سُورَة
النَّحْل. قَوْله: (أَو أكلني الْكَلْب؟) شكّ من الرَّاوِي
وَأَرَادَ بالكلب العلج الَّذِي طعنه وَهُوَ غُلَام
الْمُغيرَة بن شُعْبَة. ويكنى: أَبُو لؤلؤة، واسْمه:
فَيْرُوز. قَوْله: (حَتَّى طعنه) يَعْنِي: طعنه ثَلَاث
مَرَّات. وَفِي رِوَايَة أبي إِسْحَاق: فَعرض لَهُ أَبُو
لؤلؤة غُلَام الْمُغيرَة بن شُعْبَة ثمَّ طعنه ثَلَاث
طعنات، فَرَأَيْت عمر يَقُول: دونكم الْكَلْب فقد قتلني،
وروى ابْن سعد بِإِسْنَاد صَحِيح إِلَى الزُّهْرِيّ،
قَالَ: كَانَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لَا يَأْذَن
لسبي قد احْتَلَمَ من دُخُول الْمَدِينَة حَتَّى كتب
الْمُغيرَة بن شُعْبَة، وَهُوَ على الْكُوفَة يذكر لَهُ
غُلَاما عِنْده صنعا ويستأذنه أَن يدْخلهُ الْمَدِينَة،
وَيَقُول: إِن عِنْده أعمالاً ينْتَفع بِهِ النَّاس،
إِنَّه حداد نقاش نجار، فَأذن لَهُ فَضرب عَلَيْهِ
الْمُغيرَة كل شهر مائَة، فَشكى إِلَى عمر شدَّة الْخراج،
فَقَالَ لَهُ: مَا خراجك بِكَثِير من جنب مَا تعْمل؟
فَانْصَرف ساخطاً، فَلبث عمر ليَالِي فَمر بِهِ العَبْد،
فَقَالَ: ألم أحدث أَنَّك تَقول: لَو أَشَاء لصنعت رَحَى
تطحن بِالرِّيحِ؟ فَالْتَفت إِلَيْهِ عَابِسا، فَقَالَ:
لأصنعن لَك رحى يتحدث النَّاس بهَا، فَأقبل عمر، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، على من مَعَه فَقَالَ: توعدني
العَبْد، فَلبث ليَالِي ثمَّ اشْتَمَل على خنجر ذِي
رَأْسَيْنِ نصابه وَسطه، فكمن فِي زَاوِيَة من زَوَايَا
الْمَسْجِد فِي الْغَلَس حَتَّى خرج عمر يوقظ النَّاس:
الصَّلَاة الصَّلَاة، فَلَمَّا دنا عمر مِنْهُ وثب
عَلَيْهِ وطعنه ثَلَاث طعنات إِحْدَاهُنَّ تَحت السُّرَّة،
قد خرقت الصفاق، وَهِي الَّتِي قتلته، وروى مُسلم من
طَرِيق مهْرَان بن أبي طَلْحَة: أَن عمر خطب فَقَالَ:
رَأَيْت كَأَن ديكاً نقرني ثَلَاث نقرات وَلَا أرَاهُ
إلاَّ حُضُور أَجلي. قَوْله: (فطار العلج) بِكَسْر الْعين
الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام وَفِي آخِره جِيم، وَهُوَ
الرجل من كفار الْعَجم، وَهَذِه الْقِصَّة كَانَت فِي
أَربع بَقينَ من ذِي الْحجَّة سنة ثَلَاث وَعشْرين.
قَوْله: (حَتَّى طعن ثَلَاث عشر رجلا) وَفِي رِوَايَة أبي
(16/210)
إِسْحَاق: أثني عشر رجلا مَعَه وَهُوَ
ثَالِث عشر، وَمِنْهُم: كُلَيْب بن البكير اللَّيْثِيّ
وَله ولأخوته عَاقل وعامر وَإيَاس صُحْبَة. قَوْله: (مَاتَ
مِنْهُم سَبْعَة) أَي: سَبْعَة أنفس، وعاش الْبَاقُونَ.
قَوْله: (فَلَمَّا رأى ذَلِك رجل) قيل: هُوَ من
الْمُهَاجِرين يُقَال لَهُ: حطَّان التَّيْمِيّ
الْيَرْبُوعي. قَوْله: (برنساً) بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة
وَسُكُون الرَّاء وَضم النُّون: وَهِي قلنسوة طَوِيلَة،
وَقيل: كسَاء يَجعله الرجل فِي رَأسه، وَفِي رِوَايَة ابْن
سعد بِإِسْنَاد ضَعِيف مُنْقَطع، قَالَ: فطعن أَبُو لؤلؤة
نَفرا، فَأخذ أَبَا لؤلؤة رَهْط من قُرَيْش مِنْهُم عبد
الله بن عَوْف وهَاشِم ابْن عتبَة الزهريان وَرجل من بني
سهم وَطرح عَلَيْهِ عبد الله بن عَوْف خميصة كَانَت
عَلَيْهِ، فَإِن ثَبت هَذَا يحمل على أَن الْكل اشْتَركُوا
فِي ذَلِك، وروى ابْن سعد عَن الْوَاقِدِيّ بِإِسْنَاد
آخر: أَن عبد الله بن عَوْف الْمَذْكُور احتز رَأس أبي
لؤلؤة. قَوْله: (فَلَمَّا ظن العلج أَنه مَأْخُوذ نحر
نَفسه) وَقَالَ الْكرْمَانِي: رمى رجل من أهل الْعرَاق
برنسه عَلَيْهِ وبرك على رَأسه، فَلَمَّا علم أَنه لَا
يَسْتَطِيع أَن يَتَحَرَّك قتل نَفسه. قَوْله: (فقدمه)
أَي: فَقدم عمر عبد الرَّحْمَن بن عَوْف للصَّلَاة
بِالنَّاسِ، وَقد كَانَ ذَلِك بعد أَن كبر عمر وَقَالَ
مَالك: قبل أَن يدْخل فِي الصَّلَاة. قَوْله: (صَلَاة
خَفِيفَة) فِي رِوَايَة إِبْنِ إِسْحَاق: بأقصر سورتين من
الْقُرْآن: إِنَّا أعطيناك، وَإِذا جَاءَ نصر الله
وَالْفَتْح. قَوْله: (قَالَ: يَا ابْن عَبَّاس أنظر من
قتلني) وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: فَقَالَ عمر، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ: يَا عبد الله ابْن عَبَّاس أخرج
فنادِ فِي النَّاس {أعن ملاءٍ مِنْكُم كَانَ هَذَا؟
فَقَالُوا: معَاذ الله مَا علمنَا وَلَا اطَّلَعْنَا.
قَوْله: (قَالَ: الصنع} ) أَي: قَالَ عمر: أهوَ الصنع؟
بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَفتح النُّون أَي:
الصَّانِع، وَفِي رِوَايَة ابْن أبي شيبَة وَابْن سعد:
الصناع، بتَخْفِيف النُّون، وَقَالَ فِي (الفصيح) : رجل
صنع الْيَد وَاللِّسَان، وَامْرَأَة صناع الْيَد، وَفِي
(نَوَادِر أبي زيد) : الصناع يَقع على الرجل وَالْمَرْأَة،
وَكَذَلِكَ الصنع، وَكَانَ هَذَا الْغُلَام نجاراً، وَقيل:
نحاتاً للأحجار، وَكَانَ مجوسياً، وَقيل: كَانَ
نَصْرَانِيّا. قَوْله: (منيتي) ، بِفَتْح الْمِيم وَكسر
النُّون وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف: أَي موتى، هَذِه
رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: ميتتي،
بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف بعْدهَا
تَاء مثناة فَوق أَي: قتلتي على هَذَا النَّوْع، فَإِن
الْميتَة على وزن: الفعلة، بِكَسْر الْفَاء، وَقد علم أَن
الفعلة بِالْكَسْرِ للنوع وبالفتح للمرة. قَوْله: (رجل
يَدعِي الْإِسْلَام) وَفِي رِوَايَة ابْن شهَاب: فَقَالَ:
الْحَمد لله الَّذِي لم يَجْعَل قاتلي يحاجني عِنْد الله
بِسَجْدَة سجدها لَهُ قطّ، وَيُسْتَفَاد من هَذَا: أَن
الْمُسلم إِذا قتل مُتَعَمدا يُرْجَى لَهُ الْمَغْفِرَة،
خلافًا لمن قَالَ من الْمُعْتَزلَة وَغَيرهم: إِنَّه لَا
يغْفر لَهُ أبدا. قَوْله: (قد كنت أَنْت وَأَبُوك) خطاب
لِابْنِ عَبَّاس، وَفِي رِوَايَة ابْن سعد من طَرِيق
مُحَمَّد بن سِيرِين عَن ابْن عَبَّاس، فَقَالَ عمر: هَذَا
من عمل أَصْحَابك، كنت أُرِيد أَن لَا يدخلهَا علج من
السَّبي، فغلبتموني. قَوْله: (فَقَالَ: إِن شِئْت فعلت)
أَي: فَقَالَ ابْن عَبَّاس: إِن شئتَ! يُخَاطب بِهِ عمر،
و: فعلتُ، بِضَم التَّاء، وَقد فسره بقوله: أَي: إِن شِئْت
قتلنَا. وَقَالَ ابْن التِّين: إِنَّمَا قَالَ لَهُ ذَلِك
لعلمه بِأَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لَا
يَأْمُرهُ بِقَتْلِهِم. قَوْله: (كذبت) ، هُوَ خطاب من عمر
لِابْنِ عَبَّاس، وَهَذَا على مَا ألفوا من شدَّة عمر فِي
الدّين، وَكَانَ لَا يُبَالِي من مثل هَذَا الْخطاب، وَأهل
الْحجاز يَقُولُونَ: كذبت فِي مَوضِع أَخْطَأت. قلت: هُنَا
قرينَة فِي اسْتِعْمَال كذبت مَوضِع أَخْطَأت غير موجه.
قَوْله: (فَاحْتمل إِلَى بَيته) قَالَ عَمْرو بن مَيْمُون:
فَبعد ذَلِك احْتمل عمر إِلَى بَيته. قَوْله: (فَأتى بنبيذ
فَشرب) المُرَاد بالنبيذ هُنَا: تمرات كَانُوا ينبذونها
فِي ماءٍ أَي: ينقعونها لاستعذاب المَاء من غير اشتداد
وَلَا إسكار. قَوْله: (فَخرج من جَوْفه) أَي: من جرحه،
وَهَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني، وَهِي الصَّوَاب وَفِي
رِوَايَة ابْن شهَاب: فَأَخْبرنِي سَالم، قَالَ: سَمِعت
عبد الله بن عمر يَقُول: قَالَ عمر: أرْسلُوا إِلَى طَبِيب
ينظر إِلَى جرحي، قَالَ: فأرسلوا إِلَى طَبِيب من الْعَرَب
فَسَقَاهُ نبيذاً فشيب النَّبِيذ بِالدَّمِ حِين خرج من
الطعنة الَّتِي تَحت السُّرَّة، قَالَ: فدعوت طَبِيبا آخر
من الْأَنْصَار، فَسَقَاهُ لَبَنًا فَخرج اللَّبن من
الطعْن أَبيض، فَقَالَ: إعهد يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ،
فَقَالَ عمر: صدقني، وَلَو قَالَ غير ذَلِك لكذبته.
قَوْله: (وَجَاء النَّاس يثنون عَلَيْهِ) وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني: فَجعلُوا يثنون عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَة ابْن
سعد من طَرِيق جوَيْرِية بن قدامَة: فَدخل عَلَيْهِ
الصَّحَابَة ثمَّ أهل الْمَدِينَة ثمَّ أهل الشَّام ثمَّ
أهل الْعرَاق، فَكلما دخل عَلَيْهِ قوم بكوا وأثنوا
عَلَيْهِ، وَأَتَاهُ كَعْب أَي: كَعْب الْأَحْبَار،
فَقَالَ: ألم أقل لَك إِنَّك لَا تَمُوت إلاَّ شَهِيدا
وَأَنت تَقول: من أَيْن وأنَّى فِي جَزِيرَة الْعَرَب؟
قَوْله: (وَجَاء رجل شَاب) وَفِي رِوَايَة كتاب
الْجَنَائِز الَّتِي تقدّمت: وولج عَلَيْهِ شَاب من
الْأَنْصَار. قَوْله: (وَقدم) بِفَتْح الْقَاف أَي: فضل،
وَجَاء بِكَسْر الْقَاف أَيْضا بِمَعْنى: سبق فِي
الْإِسْلَام، وَيُقَال: مَعْنَاهُ بِالْفَتْح سَابِقَة،
وَيُقَال لفُلَان قدم صدق أَي: إثرة حَسَنَة. وَقَالَ
الْجَوْهَرِي: الْقدَم السَّابِقَة فِي الْأَمر. قَوْله:
(قد علمت) فِي مَحل الرّفْع على
(16/211)
الِابْتِدَاء وَخَبره مقدما هُوَ قَوْله:
(لَك) . قَوْله: (ثمَّ شَهَادَة) بِالرَّفْع عطفا على مَا
قد علمت، وَيجوز بِالْجَرِّ أَيْضا عطفا على قَوْله: (من
صُحْبَة) قَالَ الْكرْمَانِي: وَيجوز بِالنّصب على أَنه
مفعول مُطلق لفعل مَحْذُوف. قلت: تَقْدِيره: ثمَّ استشهدت
شَهَادَة، وَيجوز أَن يكون مَنْصُوبًا على أَنه مفعول بِهِ
تَقْدِيره: ثمَّ رزقت شَهَادَة. قَوْله: (وددت) أَي:
أَحْبَبْت أَو تمنيت. قَوْله: (أَن ذَلِك كفاف) ، أَي: أَن
الَّذِي جرى كفاف، بِفَتْح الْكَاف: وَهُوَ الَّذِي لَا
يفضل عَن الشَّيْء وَيكون بِقدر الْحَاجة إِلَيْهِ،
وَيُقَال: مَعْنَاهُ أَن ذَلِك مكفوف عني شَرها، وَقيل:
مَعْنَاهُ لَا ينَال مني وَلَا أنال مِنْهُ. وَقَوله: (لَا
عَليّ وَلَا لي) أَي: رضيت سَوَاء بِسَوَاء بِحَيْثُ يكف
الشَّرّ عني لَا عِقَابه عَليّ وَلَا ثَوَابه لي. قَوْله:
(إِذا إزَاره) ، كلمة: إِذا، للمفاجأة. قَوْله: (أبقى
لثوبك) بِالْبَاء الْمُوَحدَة من الْبَقَاء، هَذِه
رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره: أنقى، بالنُّون
بدل الْبَاء. قَوْله: (ابْن أخي) أَي: يَا ابْن أخي فِي
الْإِسْلَام. قَوْله: (مَال آل عمر) ، لَفْظَة: آل، مقحمة
أَي: مَال عمر، وَيحْتَمل أَن يُرِيد رهطه، قَوْله: (فِي
بني عدي) ، بِفَتْح الْعين وَكسر الدَّال
الْمُهْمَلَتَيْنِ، وَهُوَ الْجد الْأَعْلَى لعمر، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، أَبُو قبيلته وهم العدويون. قَوْله:
(وَلَا تعدهم) بِسُكُون الْعين أَي: لَا تتجاوزهم. فَإِن
قلت: روى عَمْرو بن شبة فِي (كتاب الْمَدِينَة) بِإِسْنَاد
صَحِيح: أَن نَافِعًا مولى ابْن عمر قَالَ: من أَيْن يكون
على عمر دين وَقد بَاعَ رجل من ورثته مِيرَاثه بِمِائَة
ألف؟ قلت: قيل: هَذَا لَا يَنْفِي أَن يكون عِنْد مَوته
عَلَيْهِ دين، فقد يكون الشَّخْص كثير المَال وَلَا
يسْتَلْزم نفي الدّين عَنهُ. قَوْله: (وَلَا تقل أَمِير
الْمُؤمنِينَ فَإِنِّي لست الْيَوْم أَمِير الْمُؤمنِينَ)
قَالَ ابْن التِّين: إِنَّمَا قَالَ ذَلِك عِنْدَمَا
أَيقَن بِالْمَوْتِ، إِشَارَة بذلك إِلَى عَائِشَة حَتَّى
لَا تحابيه لكَونه أَمِير الْمُؤمنِينَ. قَوْله: (ولأوثرن
بِهِ على نَفسِي) أَي: أخصه بِمَا سَأَلَهُ من الدّفن
عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وأترك نَفسِي،
قيل: فِيهِ دَلِيل على أَنَّهَا كَانَت تملك الْبَيْت، ورد
بِأَنَّهَا كَانَت تملك السكن إِلَى أَن توفيت، وَلَا
يلْزم مِنْهُ التَّمَلُّك بطرِيق الْإِرْث، لِأَن
أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ محبوسات بعد وَفَاته، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، لَا يتزوجن إِلَى أَن يمتن، فهم كالمعتدات
فِي ذَلِك، وَكَانَ النَّاس يصلونَ الْجُمُعَة فِي حجر
أَزوَاجه وروى عَن عَائِشَة فِي حَدِيث لَا يثبت: أَنَّهَا
اسْتَأْذَنت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن عاشت
بعده أَن تدفن إِلَى جَانِبه، فَقَالَ لَهَا: وأنَّى لَك
بذلك، وَلَيْسَ فِي ذَلِك الْموضع إلاَّ قَبْرِي وقبر أبي
بكر وَعمر وَعِيسَى بن مَرْيَم؟ قَوْله: (إرفعوني) أَي: من
الأَرْض كَأَنَّهُ كَانَ مُضْطَجعا فَأَمرهمْ أَن يقعدوه.
قَوْله: (فأسنده رجل إِلَيْهِ) أَي: أسْند عمر رجل
إِلَيْهِ، قيل: يحْتَمل أَن يكون هَذَا ابْن عَبَّاس. قلت:
إِن كَانَ مُسْتَند هَذَا الْقَائِل فِي الِاحْتِمَال
الْمَذْكُور كَون ابْن عَبَّاس فِي الْقَضِيَّة، فلغيره
أَن يَقُول: يحْتَمل أَن يكون عَمْرو بن مَيْمُون، لقَوْله
فِيمَا مضى: فَانْطَلَقْنَا مَعَه، قَوْله: (أَذِنت) أَي:
عَائِشَة. قَوْله: (فَقل: يسْتَأْذن) هَذَا الإستئذان بعد
الْإِذْن فِي الاسْتِئْذَان الأول لاحْتِمَال أَن يكون
الْإِذْن فِي الاسْتِئْذَان الأول فِي حَيَاته حَيَاء
مِنْهُ، وَأَن ترجع عَن ذَلِك بعد مَوته، فَأَرَادَ عمر
أَن لَا يكرهها فِي ذَلِك. قَوْله: (حَفْصَة) هِيَ بنت عمر
بن الْخطاب. قَوْله: (فولجت عَلَيْهِ) أَي: دخلت على عمر،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، (فَبَكَتْ) من الْبكاء، هَذِه
رِوَايَة الْكشميهني، وَرِوَايَة غَيره: فَلَبثت، أَي:
فَمَكثت. قَوْله: (فولجت دَاخِلا لَهُم) أَي: فَدخلت
حَفْصَة دَاخِلا لَهُم على وزن: فَاعل، أَي: مدخلًا كَانَ
لأَهْلهَا. قَوْله: (من الدَّاخِل) أَي: من الشَّخْص
الدَّاخِل. قَوْله: (وسعداً) هُوَ سعد بن أبي وَقاص، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ. فَإِن قلت: سعيد وَأَبُو عُبَيْدَة
أَيْضا من الْعشْرَة المبشرة، وَتُوفِّي رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ عَنْهُمَا رَاض؟ قلت: أما
سعيد فَهُوَ ابْن عَم عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
فَلَعَلَّهُ لم يذكرهُ لذَلِك، أَو لِأَنَّهُ لم يره أَهلا
لَهَا بِسَبَب من الْأَسْبَاب، وَأما عُبَيْدَة فَمَاتَ
قبل ذَلِك. قَوْله: (يشهدكم عبد الله بن عمر) ، أَي:
يحضركم. (وَلَكِن لَيْسَ لَهُ من الْأَمر شَيْء)
وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا مَعَ أَهْلِيَّته لِأَنَّهُ رأى
غَيره أولى مِنْهُ. قَوْله: (كَهَيئَةِ التَّعْزِيَة)
قَالَ الْكرْمَانِي: هَذَا من كَلَام الرَّاوِي لَا من
كَلَام عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقَالَ بَعضهم:
فَلم أعرف من أَيْن تهَيَّأ لَهُ الْجَزْم بذلك مَعَ
الِاحْتِمَال؟ قلت: لم يبين وَجه الِاحْتِمَال مَا هُوَ،
وَلَا ثمَّة فِي كَلَامه مَا يدل على الْجَزْم. قَوْله:
(فَإِن أَصَابَت الإمرة) ، بِكَسْر الْهمزَة، وَفِي
رِوَايَة الْكشميهني: الْإِمَارَة. قَوْله: (سَعْدا) هُوَ
سعد بن أبي وَقاص، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله:
(فَهُوَ ذَاك) يَعْنِي: هُوَ مَحَله وَأهل لَهُ. قَوْله:
(وإلاَّ) ، أَي: وَإِن لم تصب الإمرة سَعْدا. قَوْله:
(فليستعن بِهِ) أَي: بِسَعْد. قَوْله: (أَيّكُم فَاعل
فليستعن!) قَوْله: (مَا أمِّر) أَي: مَا دَامَ أَمِيرا،
وَأمر على صِيغَة الْمَجْهُول من التأمير. قَوْله:
(فَإِنِّي لم أعزله) أَي: لم أعزل سَعْدا، يَعْنِي عَن
الْكُوفَة عَن عجز، أَي: عَن التَّصَرُّف وَلَا عَن
خِيَانَة فِي المَال. قَوْله: (وَقَالَ) أَي: عمر (أوصِي
الْخَلِيفَة من بعدِي بالمهاجرين الْأَوَّلين) قَالَ
الشّعبِيّ: هم من أدْرك بيعَة الرضْوَان، وَقَالَ سعيد بن
الْمسيب: من صلى الْقبْلَتَيْنِ. قَوْله: (أَن يعرف)
بِفَتْح الْهمزَة أَي: بِأَن يعرف. قَوْله: (ويحفظ)
بِالنّصب عطفا على:
(16/212)
أَن يعرف. قَوْله: (الَّذين تبوأوا
الدَّار) أَي: سكنوا الْمَدِينَة قبل الْهِجْرَة، وَقَالَ
الْمُفَسِّرُونَ: المُرَاد بِالدَّار دَار الْهِجْرَة،
نزلها الْأَنْصَار قبل الْمُهَاجِرين وابتنوا الْمَسَاجِد
قبل قدوم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِسنتَيْنِ.
قَوْله: (وَالْإِيمَان) فِيهِ إِضْمَار، أَي: وآثروا
الْإِيمَان من بَاب: علفتها تبناً وَمَاء بَارِدًا. لِأَن
الْإِيمَان لَيْسَ بمَكَان فيتبوأ فِيهِ. والتبوء
التَّمَكُّن والاستقرار وَلَيْسَ المُرَاد: أَن
الْأَنْصَار آمنُوا قبل الْمُهَاجِرين، بل قبل مَجِيء
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَيْهِم. قَوْله:
(ردء الْإِسْلَام) بِكَسْر الرَّاء، أَي: عون الْإِسْلَام
الَّذِي يدْفع عَنهُ. قَوْله: (وجباة الْأَمْوَال) بِضَم
الْجِيم وَتَخْفِيف الْبَاء جمع جابي، كالقضاة جمع قَاضِي،
وهم الَّذين كَانُوا يجبونَ الْأَمْوَال أَي: يجمعونها.
قَوْله: (وغيظ الْعَدو) أَي: يغيظون الْعَدو بكثرتهم
وقوتهم. قَوْله: (إلاَّ فَضلهمْ) أَي: إلاَّ مَا فضل
عَنْهُم، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: وَيُؤْخَذ مِنْهُم،
وَالْأول هُوَ الصَّوَاب. قَوْله: (من حَوَاشِي
أَمْوَالهم) أَي: الَّتِي لَيست بِخِيَار وَلَا كرام.
قَوْله: (بِذِمَّة الله) المُرَاد بِهِ: أهل الذِّمَّة.
قَوْله: (وَأَن يُقَاتل من ورائهم) ، يَعْنِي: إِذا قصدهم
عَدو لَهُم يُقَاتلُون لدفعهم عَنْهُم، وَقد استوفى عمر،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي وَصيته جَمِيع الطوائف،
لِأَن النَّاس إِمَّا مُسلم وَإِمَّا كَافِر، فالكافر
إِمَّا حَرْبِيّ وَلَا يوصى بِهِ، وَإِمَّا ذمِّي وَقد
ذكره، وَالْمُسلم إِمَّا مُهَاجِرِي أَو أَنْصَارِي أَو
غَيرهمَا، وَكلهمْ إِمَّا بدوي وَإِمَّا حضري، وَقد بَين
الْجَمِيع. قَوْله: (وَلَا يكلفوهم إلاَّ طاقتهم) أَي: من
الْجِزْيَة. قَوْله: (فَانْطَلَقْنَا) ، وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني: فانقلبنا، أَي: رَجعْنَا. قَوْله: (فَسلم عبد
الله بن عمر) أَي: على عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهَا. قَوْله: (فَقَالَت) أَي: عَائِشَة. قَوْله:
(أدخلوه) ، بِفَتْح الْهمزَة من الإدخال. قَوْله:
(فَأدْخل) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، وَكَذَلِكَ: (فَوضع)
. قَوْله: (هُنَاكَ) ، أَي: فِي بَيت عَائِشَة عِنْد قبر
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وقبر أبي بكر، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، وَهُوَ معنى قَوْله: (مَعَ
صَاحِبيهِ) وَاخْتلف فِي صفة الْقُبُور الثَّلَاثَة
المكرمة، فالأكثرون على أَن قبر أبي بكر وَرَاء قبر رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وقبر عمر وَرَاء قبر أبي
بكر. وَقيل: إِن قَبره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مقدم إِلَى
الْقبْلَة، وقبر أبي بكر حذاء مَنْكِبه، وقبر عمر حذاء
مَنْكِبي أبي بكر. وَقيل: قبر أبي بكر عِنْد رَأس النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وقبر عمر عِنْد رجلَيْهِ. وَقيل:
قبر أبي بكر عِنْد رجل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
وقبر عمر عِنْد رجل أبي بكر، وَقيل غير ذَلِك. قَوْله:
(إِلَى ثَلَاثَة مِنْكُم) ، أَي: فِي الِاخْتِيَار، ليقل
الِاخْتِلَاف. قَوْله: (قَالَ طَلْحَة: قد جعلت أَمْرِي
إِلَى عُثْمَان) ، هَذَا يُصَرح بِأَن طَلْحَة قد كَانَ
حَاضرا. فَإِن قلت: قد تقدم أَنه كَانَ غَائِبا عِنْد
وَصِيَّة عمر. قلت: لَعَلَّه حضر بعد أَن مَاتَ، وَقبل أَن
يسْتَمر أَمر الشورى، وَهَذَا أصح مِمَّا رَوَاهُ
المدايني: أَنه لم يحضر إلاَّ بعد أَن بُويِعَ عُثْمَان.
قَوْله: (وَالله عَلَيْهِ وَالْإِسْلَام) بِالرَّفْع
فيهمَا، لِأَن لَفْظَة: الله، مُبْتَدأ وَقَوله: عَلَيْهِ،
خَبره ومتعلقه مَحْذُوف أَي: وَالله رَقِيب عَلَيْهِ،
وَالْإِسْلَام عطف عَلَيْهِ، وَالْمعْنَى: وَالْإِسْلَام
كَذَلِك. قَوْله: (لينظرن) بِلَفْظ الْأَمر للْغَائِب.
قَوْله: (أفضلهم فِي نَفسه) بِلَفْظ اللَّام أَي: ليتفكر
كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي نَفسه أَيهمَا أفضل؟ ويروى
بِفَتْح اللَّام جَوَابا للقسم الْمُقدر. قَوْله: (فأسكت
الشَّيْخَانِ) بِفَتْح الْهمزَة بِمَعْنى: سكت، ويروى
بِضَم الْهمزَة على صِيغَة الْمَجْهُول، وَالْمرَاد
بالشيخين: عَليّ وَعُثْمَان. قَوْله: (أفتجعلونه؟) أَي:
أَمر الْولَايَة. قَوْله: (وَالله) بِالرَّفْع على أَنه
مُبْتَدأ وَخَبره هُوَ قَوْله: (عَليَّ) الله رَقِيب، أَي:
شَاهد عَليّ. قَوْله: (أَن لَا آلو) أَي: بِأَن لَا ألو،
بِأَن لَا أقصر عَن أفضلكم. قَوْله: (فَأخذ بيد أَحدهمَا)
هُوَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يدل عَلَيْهِ
بَقِيَّة الْكَلَام. قَوْله: (والقدم) بِكَسْر الْقَاف
وَفتحهَا، قَوْله: (مَا قد علمت) صفة أَو بدل عَن الْقدَم.
قَوْله: (فَالله عَلَيْك) أَي: فَالله رَقِيب عَلَيْك.
قَوْله: (لَئِن أَمرتك) بتَشْديد الْمِيم. قَوْله: (وَإِن
أمرت) بتَشْديد الْمِيم. قَوْله: (ثمَّ خلا بِالْآخرِ)
وَهُوَ الزبير، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَيْضا.
قَوْله: (وولج أهل الدَّار) أَي: وَدخل أهل الْمَدِينَة.
وَفِي هَذَا الحَدِيث فَوَائِد فِيهِ: شَفَقَة عمر، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، على الْمُسلمين وعَلى أهل الذِّمَّة
أَيْضا. وَفِيه: اهتمامه بِأُمُور الدّين بِأَكْثَرَ من
اهتمامه بِأَمْر نَفسه. وَفِيه: الْوَصِيَّة بأَدَاء
الدّين. وَفِيه: الاعتناء بالدفن عِنْد أهل الْخَيْر.
وَفِيه: المشورة فِي نصب الإِمَام، وَأَن الْإِمَامَة
تَنْعَقِد بالبيعة. وَفِيه: جَوَاز تَوْلِيَة الْمَفْضُول
مَعَ وجود الْأَفْضَل مِنْهُ، قَالَه ابْن بطال، ثمَّ علله
بقوله: لِأَنَّهُ لَو لم يجز لَهُم لم يَجْعَل عمر، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، الْأَمر شُورَى بَين سِتَّة أنفس،
مَعَ علمه بِأَن بَعضهم أفضل من بعض. وَفِيه: الْمُلَازمَة
بِالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ على كل حَال. وَفِيه: إِقَامَة
السّنة فِي تَسْوِيَة الصُّفُوف. وَفِيه: الِاحْتِرَاز من
تثقيل الْخراج والجزية وَترك مَا لَا يُطَاق.
(16/213)
9 - (بابُ مَنَاقِبِ عَلِيِّ بنِ أبِي
طالِبٍ القُرَشِّيُّ الْهَاشِمِيِّ أبِي الحَسَنِ رَضِي
الله تَعَالَى عنهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَنَاقِب عَليّ بن أبي طَالب
بن عبد الْمطلب المكنى بِأبي الْحسن، كناه بذلك أَهله،
وكناه رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِأبي تُرَاب
لما رَآهُ فِي الْمَسْجِد نَائِما وَوجد رِدَاءَهُ قد سقط
عَن ظَهره، وخلص إِلَيْهِ التُّرَاب، كَمَا رَوَاهُ
البُخَارِيّ من حَدِيث سهل بن سعد فِي: أَبْوَاب
الْمَسَاجِد، وَهنا أَيْضا يَأْتِي عَن قريب، وروى ابْن
إِسْحَاق أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ ذَلِك
فِي غَزْوَة العسيرة، وَصَححهُ الْحَاكِم، وَقَالَ ابْن
إِسْحَاق: حَدثنِي بعض أهل الْعلم أَنه، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم إِنَّمَا سَمَّاهُ بذلك لِأَنَّهُ كَانَ إِذا عَاتب
عَليّ فَاطِمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، فِي شَيْء
يَأْخُذ تُرَابا فيضعه على رَأسه، فَكَانَ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، إِذا رأى التُّرَاب عرف أَنه عَاتب عَليّ
فَاطِمَة، فَيَقُول: مَا لَك يَا أَبَا تُرَاب؟ وَأم
عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَاطِمَة بنت أَسد بن
هَاشم، وَهِي أول هاشمية ولدت هاشمياً، أسلمت وَصَارَت من
كبار الصحابيات وَمَاتَتْ فِي زمن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم.
وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِعلِيٍّ
أنْتَ مِنِّي وأنَا مِنْكَ
هَذَا التَّعْلِيق طرف من حَدِيث الْبَراء بن عَازِب أخرجه
مطولا فِي: بَاب عمْرَة الْقَضَاء، على مَا سَيَأْتِي، إِن
شَاءَ الله تَعَالَى، وَفِيه قَالَ لعَلي: أَنْت مني
وَأَنا مِنْك، وَقَالَ لجَعْفَر: أشبهت خلقي وَخلقِي،
وَقَالَ لزيد: أَنْت أخونا ومولانا. قَوْله: (أَنْت) ،
مُبْتَدأ، (ومني) خَبره، ومتعلق الْخَبَر خَاص، وَكلمَة:
مني، هَذِه تسمى: بِمن، الاتصالية وَمَعْنَاهُ: أَنْت
مُتَّصِل بِي، وَلَيْسَ المُرَاد بِهِ اتِّصَاله من جِهَة
النُّبُوَّة، بل من جِهَة الْعلم والقرب وَالنّسب، وَكَانَ
أَب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَقِيق أبي عَليّ،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَذَلِكَ الْكَلَام فِي
قَوْله: (وَأَنا مِنْك) وَفِي حَدِيث آخر: (أَنْت مني
بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى) وَمَعْنَاهُ: أَنْت
مُتَّصِل بِي ونازل مني منزلَة هَارُون من مُوسَى، وَفِيه
تَشْبِيه، وَوجه التَّشْبِيه مُبْهَم، وَبَينه
وَبِقَوْلِهِ: إلاَّ أَنه لَا نَبِي بعدِي، يَعْنِي: أَن
اتِّصَاله لَيْسَ من جِهَة النُّبُوَّة، فَبَقيَ
الِاتِّصَال من جِهَة الْخلَافَة، لِأَنَّهَا تلِي
النُّبُوَّة فِي الْمرتبَة، ثمَّ أَنَّهَا، إِمَّا أَن
تكون فِي حَيَاته أَو بعد مماته، فَخرج بعد مماته لِأَن
هَارُون مَاتَ قبل مُوسَى، عَلَيْهِمَا السَّلَام، فَتبين
أَن يكون فِي حَيَاته عِنْد مسيره إِلَى غَزْوَة تَبُوك،
لِأَن هَذَا القَوْل من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
كَانَ مخرجه إِلَى غَزْوَة تَبُوك، وَقد خلف عليا على
أَهله وَأمره بِالْإِقَامَةِ فيهم، وَهَذَا الحَدِيث أخرجه
التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن بِلَفْظ: إِن
عليا مني وَأَنا مِنْهُ، وَهُوَ ولي كل مُؤمن بعدِي. ثمَّ
قَالَ: حسن غَرِيب لَا نعرفه إلاَّ من حَدِيث جَعْفَر بن
سُلَيْمَان، وَأخرجه أَبُو الْقَاسِم إِسْمَاعِيل بن
إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْبَصْرِيّ فِي فَضَائِل
الصَّحَابَة من حَدِيث بُرَيْدَة مطولا، قَالَ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لي: لَا تقع فِي عَليّ فَإِن عليا
مني وَأَنا مِنْهُ، وَمن حَدِيث الحكم بن عَطِيَّة:
حَدثنَا مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي طَالب أَن عَليّ بن أبي
طَالب وجعفراً وزيداً دخلُوا على رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، (فَقَالَ: أما أَنْت يَا جَعْفَر فَأشبه
خلقك خلقي، وَأما أَنْت يَا عَليّ فَأَنت مني وَأَنا
مِنْك) وَفِي حَدِيث أبي رَافع، فَقَالَ جِبْرِيل،
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: وَأَنا مِنْكُمَا يَا
رَسُول الله.
وَقَالَ عُمَرُ تُوُفِّيَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وهْوَ عَنْهُ رَاضٍ
هَذَا التَّعْلِيق تقدم قَرِيبا فِي وَفَاة عمر، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، مُسْندًا عِنْد قَوْله: مَا أحد
أَحَق بِهَذَا الْأَمر من هَؤُلَاءِ النَّفر أَو الرَّهْط
الَّذين توفّي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَهُوَ عَنْهُم راضٍ، فَسمى عليا ... الحَدِيث.
1073 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدَّثنا عَبْدُ
العَزِيزِ عنْ أبِي حازِمٍ عنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ رَضِي
الله تَعَالَى عنهُ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غدَاً رَجُلاً
يَفْتَحُ الله علَى يَدَيْهِ قَالَ فَباتَ النَّاسُ
يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أيُّهُمْ يُعْطَاهَا فلَمَّا
أصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا علَى رَسُولِ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم كُلُّهُمْ يَرْجُو أنْ يُعْطَاهَا فَقَالَ
أيْنَ عَلِيُّ بنُ أبِي طالِبٍ فَقالُوا يَشْتَكِي
عَيْنَيْهِ يَا رسُولَ الله قَالَ فأرْسِلُوا إلَيْهِ
فأتُونِي بِهِ فلَمَّا جاءَ بَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ ودَعَا
لَهُ فَبَرَأ حتَّى كأنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ
فأعْطَاهُ الرَّايَةَ فَقَالَ عَلِيٌّ يَا رَسُولَ الله
أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا فَقَالَ انْفُذْ
علَى رِسْلِكَ حتَّى تَنْزِلَ بِساحَتِهِمْ ثُمَّ
ادْعُهُمْ إِلَى
(16/214)
الإسْلامِ وأخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ
عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ الله فِيهِ فَوَالله لأَنْ يَهْدِيَ
الله بِكَ رَجُلاً واحِدَاً خَيْرٌ لَكَ مِنْ أنْ يَكُونَ
لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهُ يدل على فَضِيلَة
عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وشجاعته. وَفِيه:
معْجزَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حَيْثُ أخبر
بِفَتْح خَيْبَر على يَد من يعْطى لَهُ الرَّايَة.
وَعبد الْعَزِيز هُوَ ابْن أبي حَازِم سَلمَة بن دِينَار،
سمع أَبَاهُ أَبَا حَازِم.
والْحَدِيث مر فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بَاب فضل من أسلم
على يَدَيْهِ رجل، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن قُتَيْبَة
بن سعيد عَن يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد ابْن
عبد الله بن عبد الْقَارِي عَن أبي حَازِم عَن سهل بن سعد
... إِلَى آخِره، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (كلهم يَرْجُو) ويروى: يرجون. قَوْله: (يدوكون) ،
بِالدَّال الْمُهْملَة وبالكاف أَي: يَخُوضُونَ من الدوكة
وَهُوَ الِاخْتِلَاط، والخوض، يُقَال: بَات الْقَوْم
يدوكون دوكاً: إِذا باتوا فِي اخْتِلَاط ودوران، وَقيل:
يَخُوضُونَ وَيَتَحَدَّثُونَ فِي ذَلِك، ويروى: يذكرُونَ
بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة من الذّكر. قَوْله: (فأرسلوا) ،
على صِيغَة الْمَاضِي الْمَبْنِيّ للْفَاعِل. قَوْله:
(فَأتي بِهِ) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، وَالضَّمِير فِي:
بِهِ، يرجع إِلَى عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
ويروى: فأرسلوا، على صِيغَة الْأَمر من الْإِرْسَال،
فأتوني بِهِ، على صِيغَة الْأَمر أَيْضا من الْإِتْيَان.
قَوْله: (ودعا لَهُ) ويروى: فَدَعَا لَهُ، بِالْفَاءِ.
قَوْله: (فَأعْطَاهُ) ، ويروى: وَأَعْطَاهُ، بِالْوَاو،
ويروى: فَأعْطِي على صِيغَة الْمَجْهُول، والراية: الْعلم.
قَوْله: (أنفذ) بِضَم الْفَاء: أَي: إمضِ. قَوْله: (على
رسلك) أَي: على هينتك. قَوْله: (حمر النعم) بِضَم الْحَاء
وَسُكُون الْمِيم، وَالنعَم بِفتْحَتَيْنِ، وَالْإِبِل
الْحمر هِيَ أحسن أَمْوَال الْعَرَب يضْربُونَ بهَا الْمثل
فِي نفاسة الشَّيْء، وَلَيْسَ عِنْدهم شَيْء أعظم مِنْهُ،
وتشبيه أُمُور الآخر بأعراض الدُّنْيَا إِنَّمَا هُوَ
للتقريب إِلَى الْفَهم، وإلاَّ فذرة من الْآخِرَة خير من
الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا بأسرها وأمثالها مَعهَا.
وَفِي (التَّلْوِيح) : وَمن خواصه أَي: خَواص عَليّ، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، فِيمَا ذكره أَبُو الشَّاء: أَنه
كَانَ أقضى الصَّحَابَة، وَأَن رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، تخلف عَن أَصْحَابه لأَجله، وَأَنه بَاب
مَدِينَة الْعلم، وَأَنه لما أَرَادَ كسر الْأَصْنَام
الَّتِي فِي الْكَعْبَة المشرفة أصعده النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم برجليه على مَنْكِبَيْه، وَأَنه حَاز سهم
جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بتبوك فَقيل
فِيهِ.
(عَليّ حوى سَهْمَيْنِ من غير أَن غزاغزاة تَبُوك، حبذا
سهم مسهم)
وَأَن النّظر إِلَى وَجهه عبَادَة، روته عَائِشَة، رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهَا، وَأَنه أحب الْخلق إِلَى الله بعد
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رَوَاهُ أنس فِي
حَدِيث الطَّائِر، وَسَماهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: يعسوب الدّين، وَسَماهُ أَيْضا: رز الأَرْض، وَقد
رويت هَذِه اللَّفْظَة مَهْمُوزَة وملينة، وَلكُل وَاحِد
مِنْهُمَا معنى، فَمن: همز أَرَادَ الصَّوْت، وَالصَّوْت
جمال الْإِنْسَان، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنْت جمال الأَرْض،
والملين هُوَ الْمُنْفَرد الوحيد، كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْت
وحيد الأَرْض، وَتقول: رززت السكين إِذا رسخته فِي الأَرْض
بالوتد، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنْت وتد الأَرْض، وكل ذَلِك
مُحْتَمل، وَهُوَ مدح وَوصف، وَأَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، تولى تَسْمِيَته وتغديته أَيَّامًا بريقه
الْمُبَارك حِين وَضعه.
2073 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ حدَّثنا حاتِمٌ عنْ يَزِيدَ بنِ
أبِي عُبَيْدٍ عنْ سَلَمَةَ قَالَ كانَ علِيٌّ قَدْ
تَخَلَّفَ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي
خَيْبَرَ وكانَ بِهِ رَمَدٌ فَقَالَ أنَا أتَخَلَّفُ عنْ
رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخَرَجَ عَلِيٌّ
فلَحِقَ بالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلَمَّا كانَ
مَساءُ اللَّيْلَهِ الَّتِي فَتَحَهَا الله فِي صَبَاحِهَا
قالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأُعْطِيَنَّ
الرَّايَةَ أوْ لَيأخُذَنَّ الرَّايَةَ غَدَاً رَجُلاً
يُحِبُّهُ الله ورسُولُهُ أوْ قالَ يُحِبُّ الله ورسُولَهُ
يَفْتَحُ الله علَيْهِ فإذَا نَحْنُ بِعَلِيٍّ وَمَا
نَرْجُوهُ فَقالُوا هَذَا عَلِي فأعْطَاهُ رسُولُ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَفَتَحَ الله عَلَيْهِ. .
(16/215)
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث السَّابِق
من حَيْثُ الْمَعْنى، أخرجه أَيْضا عَن قُتَيْبَة بن سعيد
عَن حَاتِم، بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالتاء الْمُثَنَّاة
من فَوق: ابْن إِسْمَاعِيل الْكُوفِي، سكن الْمَدِينَة عَن
يزِيد من الزِّيَادَة ابْن عبيد مولى سَلمَة بن الْأَكْوَع
عَن مَوْلَاهُ سَلمَة بن الْأَكْوَع.
والْحَدِيث مر فِي الْجِهَاد فِي: بَاب مَا قيل فِي لِوَاء
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِنَّهُ أخرجه
هُنَاكَ بهؤلاء الروَاة بعينهم، وبعين هَذَا الْمَتْن،
وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ وَفِي (الإكليل)
للْحَاكِم: أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث
أَبَا بكر إِلَى بعض حصون خَيْبَر، فقاتل وَجهد وَلم يَك
فتح، فَبعث عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَلم يَك فتح
فَأعْطَاهُ عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، قَالَ: رَوَاهُ جمَاعَة من الصَّحَابَة غير سهل:
أَبُو هُرَيْرَة وَعلي وَسعد بن أبي وَقاص وَالزُّبَيْر بن
الْعَوام وَالْحسن بن عَليّ وَابْن عَبَّاس وَجَابِر ابْن
عبد الله وَعبد الله بن عمر وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ
وَسَلَمَة بن الْأَكْوَع وَعمْرَان بن حُصَيْن وَأَبُو
ليلى الْأنْصَارِيّ وَبُرَيْدَة وعامر بن أبي وَقاص
وَآخَرُونَ.
قَوْله: (أَو ليأخذن) شكّ من الرَّاوِي، وَكَذَا قَوْله:
(أَو قَالَ: يحب الله وَرَسُوله) وَفِي الحَدِيث
الْمَاضِي: بَصق فِي عَيْنَيْهِ، وَلم يذكر هُنَا فِي
حَدِيث سَلمَة، ويروى: قَالَ عَليّ: فَوضع رَأْسِي فِي
حجره ثمَّ بَصق فِي ألية راحتيه ثمَّ دلك بهَا عَيْني،
ثمَّ قَالَ: أللهم لَا يشتكي حرا وَلَا قراً، قَالَ عَليّ:
فَمَا اشتكيت عَيْني لَا حرا وَلَا قراً حَتَّى السَّاعَة،
وَفِي لفظ: دَعَا لَهُ بست دعوات: أللهم أعنه واستعن بِهِ،
وارحمه وَارْحَمْ بِهِ، وانصره وانصر بِهِ، أللهم والِ من
وَالَاهُ وَعَاد من عَادَاهُ. قَوْله: (فَأعْطَاهُ رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: رايته، وَقَالَ ابْن
عَبَّاس: فَكَانَت راية رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، بعد ذَلِك فِي المواطن كلهَا مَعَ عَليّ، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، وَفِي حَدِيث جَابر بن سَمُرَة
(قَالُوا يَا رَسُول الله {من يحمل رَايَتك يَوْم
الْقِيَامَة؟ قَالَ: من عَسى أَن يحملهَا يَوْم
الْقِيَامَة إلاَّ من كَانَ يحملهَا فِي الدُّنْيَا؟ عَليّ
بن أبي طَالب؟) وَفِي كتاب أبي الْقَاسِم الْبَصْرِيّ من
حَدِيث قيس بن الرّبيع عَن أبي هَارُون الْعَبْدي عَن أبي
سعيد: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ:
لَأُعْطيَن الرَّايَة رجلا كراراً غير فرار، فَقَالَ حسان:
يَا رَسُول الله} أتأذن لي أَن أَقُول فِي عَليّ شعرًا؟
قَالَ: قل، قَالَ:
(وَكَانَ عَليّ أرمد الْعين يَبْتَغِي ... دَوَاء فَلَمَّا
لم يحسن مداويا)
(حباه رَسُوله الله مِنْهُ بتفلة ... فبورك مرقياً وبورك
راقيا)
(وَقَالَ سأعطي الرَّايَة الْيَوْم صَارِمًا ... فَذَاك
محب للرسول مواتيا)
(بحب النَّبِي، والإلهُ يُحِبهُ ... فَيفتح هاتيك
الْحُصُون التواليا)
(فأقضي بهَا دون الْبَريَّة كلهَا ... عليا، وَسَماهُ:
الْوَزير المواخيا)
3073 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ حدَّثنا عَبْدُ
العَزِيزِ بنُ أبِي حازِمٍ عنْ أبِيهِ أنَّ رَجُلاً جاءَ
إِلَيّ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ فَقَالَ هَذَا فُلاَنٌ لأِمِيرِ
المَدِينَةِ يَدْعُو عَلِياً عِنْدَ المِنْبَرِ قَالَ
فيَقُولُ ماذَا قَالَ يَقُولُ لَهُ أبُو تُرَابٍ فضَحِكَ
قَالَ وَالله مَا سَمَّاهُ إلاَّ النَّبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَمَا كانَ لَهُ إسْمٌ أحَبَّ إلَيْهِ
مِنْهُ فاستَطْعَمْتُ الحَديثَ سَهْلاً وقُلْتُ يَا أبَا
عَبَّاسٍ كَيْفَ قَالَ دَخَلَ علِيٌّ عَلَى فاطِمَةَ ثُمَّ
خَرَجَ فاضْطَجَعَ فِي المَسْجِدِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أيْنَ ابنُ عَمِّكَ قالَتْ فِي
المَسْجِدِ فخَرَجَ إلَيْهِ فوَجَدَ رِدَاءَهُ قَدْ سَقَطَ
عنْ ظَهْرِهِ وخَلَصَ التُّرَابُ إلَى ظَهْرِهِ فجَعَلَ
يَمْسَحُ التُّرَابَ عنْ ظَهْرِهِ فَيَقُولُ إجْلِسّ يَا
أبَا تُرَابٍ مَرَّتَيْنِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ دلَالَة على
فَضِيلَة عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وعلو
مَنْزِلَته عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَشى إِلَيْهِ وَدخل الْمَسْجِد وَمسح
التُّرَاب عَن ظَهره واسترضاه تلطفاً بِهِ، لِأَنَّهُ
كَانَ وَقع بَين عَليّ وَفَاطِمَة شَيْء، فَلذَلِك خرج
إِلَى الْمَسْجِد واضطجع فِيهِ، صرح بذلك فِي رِوَايَة
البُخَارِيّ الَّتِي مَضَت فِي كتاب الصَّلَاة، حَيْثُ
قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لفاطمة: أَيْن
ابْن عمك؟ قَالَت: كَانَ بيني وَبَينه شَيْء فغاضبني
فَخرج) وَلم يقل ... الحَدِيث.
وَأَبُو حَازِم
(16/216)
اسْمه سَلمَة بن دِينَار، وَقد مر عَن
قريب، والْحَدِيث مضى فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب نوم
الرِّجَال فِي الْمَسْجِد فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن
قُتَيْبَة عَن عبد الْعَزِيز ... إِلَى آخِره.
قَوْله: (هَذَا فلَان لأمير الْمَدِينَة) أَي: كنى بفلان
عَن أَمِير الْمَدِينَة، وَالِاسْم يُرَاد بالكنية وَتطلق
التَّسْمِيَة على التكنية، وَوَقع فِي رِوَايَة
الْإِسْمَاعِيلِيّ، هَذَا فلَان بن فلَان. قَوْله:
(يَدْعُو عليا) أَرَادَ أَنه يذكر عليا بِشَيْء غير مرضِي.
قَوْله: (قَالَ: فَيَقُول: مَاذَا قَالَ؟) أَي: قَالَ
أَبُو حَازِم: فَيَقُول سهل بن سعد: مَاذَا قلان فلَان
الَّذِي كنى بِهِ عَن أَمِير الْمَدِينَة؟ قَوْله: (قَالَ:
يَقُول لَهُ) أَي: قَالَ أَبُو حَازِم: يَقُول فلَان
لعَلي: (أَبُو تُرَاب، فَضَحِك) أَي: سهل (وَقَالَ:
وَالله) إِلَى آخِره. قَوْله: (فاستطعمت الحَدِيث سهلاً)
أَي: سَأَلت من سهل الحَدِيث، وإتمام الْقِصَّة، وَفِيه
إستعارة الإستطعام للتحدث، وَالْجَامِع بَينهمَا حُصُول
الذَّوْق، فَمن الطَّعَام الذَّوْق الْحسي، وَمن التحدث
الذَّوْق الْمَعْنَوِيّ. قَوْله: (يَا أَبَا عَبَّاس) ،
بتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة وَالسِّين الْمُهْملَة،
وَهُوَ كنية سهل بن سعد، ويروي: يَا أَبَا الْعَبَّاس،
بِالْألف وَاللَّام. قَوْله: (وخلص التُّرَاب) أَي: وصل
إِلَى ظَهره. قَوْله: (فَجعل) أَي: النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم (يمسح التُّرَاب عَن ظَهره) أَي: عَن ظهر
عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (مرَّتَيْنِ)
ظرف لقَوْله: (فَيَقُول إجلس) .
وَفِيه: جَوَاز النّوم فِي الْمَسْجِد، واستلطاف الغضبان،
وتواضع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ومنزلة عَليّ،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
4073 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ حدَّثنَا حُسَيْنٌ
عنْ زَائِدَةَ عنْ أبِي حَصِينٍ عنْ سَعْدِ بنِ عُبَيْدَةَ
قَالَ جاءَ رَجُلٌ إِلَى ابنِ عُمَرَ فسألَهُ عنْ
عُثْمَانَ فذَكَرَ عنْ مَحَاسِنِ عَمَلِهِ قَالَ لَعَلَّ
ذَاكَ يَسُوءُكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فأرْغَمَ الله
بأنْفِكَ ثُمَّ سَألَهُ عنْ عَلِيٍّ فذَكَرَ مَحاسِنَ
عَمَلِهِ قَالَ هُوَ ذَاكَ بَيْتُهُ أوْسَطُ بُيُوتِ
النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثُمَّ قالَ لَعَلَّ
ذَاكَ يَسُوءُكُ قَالَ أجَلْ قَالَ فأرْغَمَ الله بأنْفِكَ
قَالَ انْطَلِقْ فاجْهَدْ علَيَّ جَهْدَكَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (ثمَّ سَأَلَهُ
عَن عَليّ فَذكر محَاسِن عمله) فَإِن عبد الله بن عمر مدحه
بأوصافه الحميدة، فَيدل على أَن لَهُ فضلا وفضيلة.
وَمُحَمّد بن رَافع بن أبي زيد الْقشيرِي النَّيْسَابُورِي
شيخ مُسلم أَيْضا، وحسين هُوَ ابْن عَليّ بن الْوَلِيد
الْجعْفِيّ الْكُوفِي، وزائدة هُوَ ابْن قدامَة وَأَبُو
حُصَيْن، بِفَتْح الْحَاء وَكسر الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ
واسْمه: عُثْمَان بن عَاصِم الْأَسدي الْكُوفِي، وَسعد بن
عُبَيْدَة أَبُو حَمْزَة الْكُوفِي السّلمِيّ.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (فَذكر محَاسِن عمله) أَي: عمل عُثْمَان، والمحاسن
جمع: حسن، على غير الْقيَاس، كَأَنَّهُ جمع محسن،
وَكَأَنَّهُ ذكر للرجل إِنْفَاق عُثْمَان فِي جَيش
الْعسرَة وتسبيله بِئْر رومة وَغير ذَلِك من محاسنه.
قَوْله: (لَعَلَّ ذَاك يسوءك) أَي: لَعَلَّ مَا ذكرت من
محاسنه لَا يطيب لَك، ويصعب عَلَيْك. قَالَ: نعم يسوءني.
قَوْله: (فأرغم الله بأنفك) الْبَاء فِيهِ زَائِدَة،
يُقَال: أرْغم الله أَنفه، أَي: ألصقه بالرغام، أَي: أذله
وأهانه، والرغام فِي الأَصْل التُّرَاب، فَكَأَنَّهُ
يَقُول: اسقطك الله على الأَرْض فيلصق وَجهك بالرغام.
قَوْله: (ثمَّ سَأَلَهُ عَن عَليّ) أَي: ثمَّ سَأَلَ ذَلِك
الرجل عبد الله بن عمر عَن عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، فَذكر عبد الله محَاسِن عمله من شُهُوده
بَدْرًا وَغَيرهَا، وَفتح خَيْبَر على يَدَيْهِ، وَقَتله
مرْحَبًا الْيَهُودِيّ، وَغير ذَلِك. قَوْله: (قَالَ: هُوَ
ذَاك بَيته) أَي: قَالَ عبد الله: هُوَ، أَي: عَليّ
الَّذِي بَيته كَانَ أَوسط بيُوت النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، يُشِير بذلك إِلَى أَن لعَلي منزلَة عِنْد
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من حَيْثُ أَن بَيته
أَوسط بيُوت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقيل:
أحْسنهَا بِنَاء. قَوْله: (ثمَّ قَالَ) أَي: عبد الله:
(لَعَلَّ ذَاك يسوءك) قَالَ الرجل: أجل، أَي: نعم يسوءني،
ثمَّ رد عَلَيْهِ عبد الله بقوله: (أرْغم الله بأنفك) مثل
مَا قَالَ فِي الأول، ثمَّ (قَالَ: انْطلق) أَي: إذهب من
عِنْدِي (فاجهد عَليّ) بتَشْديد الْيَاء (جهدك) أَي: إبلغ
غايتك فِي هَذَا الْأَمر واعمل فِي حَقي مَا تَسْتَطِيع
وتقدر، فَإِنِّي قلت حَقًا وَقَائِل الْحق لَا يُبَالِي
بِمَا يُقَال فِي حَقه من الأباطيل، وَفِي رِوَايَة عَطاء
بن السَّائِب عَن سعد بن عبيد فِي هَذَا الحَدِيث: فَقَالَ
الرجل: فَإِنِّي أبغضه، قَالَ ابْن عمر: أبغضك الله.
5073 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا غُنْدَرٌ
حدَّثنا شُعْبَةُ عنِ الحَكَمِ سَمِعْتُ ابنَ أبِي لَيْلَى
قَالَ حدَّثنا عَلِيٌّ أنَّ فاطِمَةَ علَيْهَا السَّلامُ
شَكَتْ مَا تَلْقَى مِنْ أثَرِ الرَّحَا فأتَى النَّبِيُّ
صلى الله عَلَيْهِ
(16/217)
وَسلم سَبْيٌ فانْطَلَقتْ فلَمْ تَجِدْهُ
فوَجَدَتْ عائِشَةَ فأخْبَرَتْهَا فلَمَّا جاءَ النَّبِيُّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخْبَرَتْهُ عائِشَةُ بِمَجيءِ
فاطِمَةَ فَجاءَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إلَيْنَا وقَدْ أخَذْنَا مَضاجِعَنَا فذَهَبْتُ لأِقُومَ
فقالَ عَلَى مَكانِكُمَا فقَعَدَ بَيْنَنَا حَتَّى
وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ علَى صَدْرِي وَقَالَ ألاَ
أُعَلَّمُكُمَا خَيْرَاً مِمَّا سألْتُمَانِي إذَا
أخَذْتُمَا مَضاجِعَكُمَا تُكَبَّرَا أرْبَعَاً وثَلاثِينَ
وتُسَبِّحَا ثَلاثاً وثَلاثينَ وتَحْمِدَا ثَلاثَةً
وثَلاثِينَ فَهْوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خادِمٍ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، دخل بَين عَليّ وَفَاطِمَة فِي الْفراش فَأَمرهمَا
بِعَدَمِ الْقيام، وَهَذَا يدل على أَن لعَلي منزلَة
عَظِيمَة عِنْده، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وغندر، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة هُوَ مُحَمَّد بن
جَعْفَر وَقد تكَرر ذكره، وَالْحكم بِفتْحَتَيْنِ: هُوَ
ابْن عتيبة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون التَّاء
الْمُثَنَّاة من فَوق تَصْغِير عتبَة وَابْن أبي ليلى هُوَ
عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى، وَاسم أبي ليلى: يسَار ضد
الْيَمين وَقيل: بِلَال، وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي
(جَامع الْأُصُول) : إِذا أطلق المحدثون ابْن أبي ليلى،
فَإِنَّمَا يعنون بِهِ عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى، وَإِذا
أطلقهُ الْفُقَهَاء يعنون بِهِ عبد الرَّحْمَن.
والْحَدِيث قد مر فِي الْخمس فِي: بَاب الدَّلِيل على أَن
الْخمس لنوائب رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (على مَكَانكُمَا) أَي: إلزما مَكَانكُمَا وَلَا
تفارقاه. قَوْله: (فَقعدَ) من كَلَام عَليّ، أَي: فَقعدَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْننَا. قَوْله:
(ألاَ) بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف اللَّام، كلمة الْحَث
والتحضيض. قَوْله: (تكبرا) بِلَفْظ الْمُضَارع وَترك
النُّون وحذفت إِمَّا للتَّخْفِيف وَإِمَّا على لُغَة من
قَالَ: إِن، كلمة جازمة وَهِي لُغَة شَاذَّة، ويروى:
فَكَبرَا، على صِيغَة الْأَمر، وَبَقِيَّة الْكَلَام مرت
هُنَاكَ.
6073 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا غُنْدَرٌ
حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ سَعْدٍ قَالَ سَمِعْتُ إبْرَاهِيمَ
بنَ سَعْدٍ عنْ أبِيهِ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لِعَلِيٍّ أمَا تَرْضَى أنْ تَكُونَ مِنِّي
بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوساى. (الحَدِيث 6073 طرفه
فِي: 6144) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَسعد هُوَ ابْن
إِبْرَاهِيم بن سعد بن أبي وَقاص، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن أبي بكر بن
أبي شيبَة، وَأبي مُوسَى وَبُنْدَار، ثَلَاثَتهمْ عَن
غنْدر عَن شُعْبَة عَن سعد بن إِبْرَاهِيم عَنهُ بِهِ،
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي المناقب، وَابْن مَاجَه فِي
السّنة جَمِيعًا عَن بنْدَار بِهِ. قَالَ الْخطابِيّ:
هَذَا إِنَّمَا قَالَه لعَلي حِين خرج إِلَى تَبُوك وَلم
يستصحبه، فَقَالَ: أتخلفني مَعَ الذُّرِّيَّة؟ فَقَالَ:
أما ترْضى ... إِلَى آخِره، فَضرب لَهُ الْمثل باستخلاف
مُوسَى هَارُون على بني إِسْرَائِيل حِين خرج إِلَى
الطّور، وَلم يرد بِهِ الْخلَافَة بعد الْمَوْت، فَإِن
الْمُشبه بِهِ وَهُوَ: هَارُون كَانَت وَفَاته قبل وَفَاة
مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَإِنَّمَا كَانَ
خَلِيفَته فِي حَيَاته فِي وَقت خَاص، فَلْيَكُن كَذَلِك
الْأَمر فِيمَن ضرب الْمثل بِهِ.
قَوْله: (أَن تكون مني) أَي: نازلاً مني مَنْزِلَته،
وَالتَّاء زَائِدَة، وَهَذَا تعلق بِهِ الرافضة فِي
خلَافَة عَليّ، وَقد مر تَحْقِيق الْكَلَام فِيهِ عِنْد
قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَلي: أَنْت مني وَأَنا
مِنْك، فِي أول الْبَاب.
7073 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ قَالَ أخْبرَنا
شُعْبَةُ عنْ أيُّوبَ عنِ ابنِ سِيرينَ عنْ عَبِيدَةَ عنْ
عَلِيٍ ّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ اقْضُوا كَمَا
كُنْتُمْ تَقْضُونَ فإنِّي أكْرَهُ الأخْتِلافَ حَتَّى
يَكُونَ لِلنَّاسِ جَماعَةٌ أوْ أمُوتُ كَما ماتَ
أصْحَابِي فَكانَ ابنُ سِيرينَ يَرَى أنَّ عامَّةَ مَا
يُرْوَى عَلَى عَلِيٍّ الكَذِبُ.
هَذَا الحَدِيث مقدم على حَدِيث سعد الْمَذْكُور فِي
رِوَايَة أبي ذَر، ومؤخر فِي رِوَايَة البَاقِينَ،
وَالْأَمر فِي ذَلِك سهل، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ،
وَابْن سِيرِين هُوَ مُحَمَّد بن سِيرِين، وَعبيدَة
بِفَتْح الْعين وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة: السَّلمَانِي.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (قَالَ: إقضوا كَمَا كُنْتُم تقضون) ، أَي: قَالَ
عَليّ لأهل الْعرَاق: إقضوا الْيَوْم كَمَا كُنْتُم تقضون
قبل هَذَا. وَسبب ذَلِك أَن عليا لما قدم إِلَى الْعرَاق
قَالَ: كنت رَأَيْت مَعَ عمر أَن تعْتق أُمَّهَات
الْأَوْلَاد، وَقد رَأَيْت الْآن أَن يسترققن، فَقَالَ
عُبَيْدَة: رَأْيك يَوْمئِذٍ فِي الْجَمَاعَة أحب إِلَيّ
من رَأْيك الْيَوْم فِي الْفرْقَة، فَقَالَ: اقضوا كَمَا
كُنْتُم تقضون، وخشي مَا وَقع فِيهِ من تَأْوِيل أهل
الْعرَاق، ويروى:
(16/218)
اقضوا على مَا كُنْتُم تقضون. قَوْله:
(فَإِنِّي أكره الِاخْتِلَاف) يَعْنِي: أَن يُخَالف أَبَا
بكر وَعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَقَالَ
الْكرْمَانِي: اخْتِلَاف الْأمة رَحْمَة، فلِمَ كرهه؟ قلت:
الْمَكْرُوه الِاخْتِلَاف الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى النزاع
والفتنة. قَوْله: (حَتَّى تكون للنَّاس جمَاعَة أَو
أَمُوت) إِنَّمَا قَالَ: أَو أَمُوت: بِكَلِمَة: أَو، مَعَ
أَن الْأَمريْنِ كِلَاهُمَا مطلوبان، لِأَنَّهُ لَا
يُنَافِي الْجمع بَينهمَا. قَوْله: (فَكَانَ ابْن سِيرِين)
أَي: مُحَمَّد ابْن سِيرِين. قَوْله: (إِن عَامَّة مَا
يرْوى على عَليّ) ويروى: عَن عَليّ، وَهُوَ الْأَوْجه.
قَوْله: (وَعَامة مَا يرْوى) مُبْتَدأ وَخَبره هُوَ
قَوْله: (الْكَذِب) وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَن كثيرا من
أهل الْكُوفَة الَّذين يروون عَنهُ لَيْسَ لَهُم ذَلِك،
وَلَا سِيمَا الرافضة مِنْهُم، فَإِن عَامَّة مَا يروون
عَنهُ كذب واختلاق. قَوْله: (أَو أَمُوت) يجوز بِالنّصب
عطفا على: حَتَّى يكون، وَيجوز بِالرَّفْع على أَن يكون
خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، وَالتَّقْدِير: أَو أَنا أَمُوت،
وَفِي بيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد اخْتِلَاف فِي الصَّدْر
الأول، فَروِيَ عَن عَليّ وَابْن عَبَّاس وَابْن الزبير،
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم إِبَاحَة بيعهنَّ، وَإِلَيْهِ
ذهب دَاوُد وَبشر بن غياث، وَهُوَ قَول قديم للشَّافِعِيّ،
وَرِوَايَة عَن أَحْمد، وَقد صَحَّ عَن عَليّ، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، الْميل إِلَى قَول الْجَمَاعَة، وَرُوِيَ
عَن ابْن عَبَّاس أَنه، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام،
قَالَ: من وطىء أمه فَولدت فَهِيَ مُعْتقه عَن دبر مِنْهُ،
رَوَاهُ أَحْمد وَابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ.
01 - (بابُ مَنَاقِبِ جَعْفَرِ بنِ أبِي طالِبٍ
الهاشِمِيِّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَنَاقِب جَعْفَر بن أبي
طَالب، أَخ عَليّ بن أبي طَالب شقيقه، وَكَانَ أسن مِنْهُ
بِعشر سِنِين، وَاسْتشْهدَ بمؤتة على مَا يَجِيء بَيَانه،
إِن شَاءَ الله تَعَالَى، سنة ثَمَان من الْهِجْرَة،
وكنيته: أَبُو عبد الله الطيار ذُو الجناحين وَذُو
الهجرتين الشجاع الْجواد، كَانَ مُتَقَدم الْإِسْلَام،
هَاجر إِلَى الْحَبَشَة وَكَانَ هُوَ سَبَب إِسْلَام
النَّجَاشِيّ، ثمَّ هَاجر إِلَى الْمَدِينَة ثمَّ أمره
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على جَيش غَزْوَة
مُؤْتَة، على مَا يَجِيء بَيَانه، وَلما قطعت يَدَاهُ فِي
غَزْوَة مُؤْتَة جعل الله لَهُ جناحين يطير بهما فِي
الْجنَّة مَعَ الْمَلَائِكَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
وَلَفْظَة: بَاب، هُنَا وَفِيمَا بعده من الْأَبْوَاب
كلهَا سَقَطت فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَثبتت فِي رِوَايَة
البَاقِينَ.
وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أشْبَهْتَ
خَلْقِي وَخُلُقِي
هَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ البُخَارِيّ مَوْصُولا مطولا
فِي: بَاب عمْرَة الْقَضَاء، من حَدِيث الْبَراء، وَمر
الْكَلَام فِي أول مَنَاقِب عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، فِي قَوْله: (أَنْت مني وَأَنا مِنْك) .
8073 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ أبِي بَكْرٍ حدَّثنا مُحَمَّدُ
بنُ إبْرَاهِيمَ بنِ دِينارٍ أبُو عَبْدِ الله الجُهَنِيُّ
عنْ ابنِ أبِي ذِئْبٍ عنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عنْ أبِي
هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ النَّاسَ كانُوا
يَقُولُونَ أكْثَرَ أبُو هُرَيْرَةَ وإنِّي كُنْتُ ألْزَمُ
رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِشِبَعٍ بَطْنِي
حَتَّى لاَ آكُلُ الخَمِيرَ ولاَ ألْبَسُ الحَبِيرَ وَلاَ
يَخْدُمُنِي فُلانٌ ولاَ فُلاَنَةُ وكُنْتُ أُلْصِقُ
بَطْنِي بالحَصْبَاءِ مِنَ الجُوعِ وإنْ كُنْتُ
لأَسْتَقْرِىءُ الرَّجُلَ الآيَةَ هِيَ مَعِي كَيْ
يَنْقَلِبَ بِي فيُطْعِمَنِي وكانَ أخْيَرَ النَّاسِ
لَلْمِسْكِينِ جَعْفَرُ بنُ أَبِي طالِبٍ كانُ يَقْلِبُ
بِنَا فيُطْعِمُنا مَا كانَ فِي بَيْتِهِ حتَّى إنْ كانَ
لَيُخْرِجُ إلَيْنَا العُكَّةَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا
شَيْءٌ فَنَشُقُّهَا فنَلْعَقُ مَا فِيهَا.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَكَانَ أخيرُ النَّاس)
إِلَى آخِره، لِأَن هَذَا منقبة حَسَنَة.
وَأحمد بن أبي بكر واسْمه قَاسم بن الْحَارِث بن زُرَارَة
بن مُصعب بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَبُو مُصعب الْقرشِي
الزُّهْرِيّ، وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم بن دِينَار، يروي
عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ذِئْب عَن سعيد
المَقْبُري، وَهَؤُلَاء كلهم مدنيون.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَطْعِمَة عَن
عبد الرَّحْمَن بن أبي شيبَة عَن ابْن أبي فديك.
قَوْله: (أَكثر أَبُو هُرَيْرَة) أَي: فِي رِوَايَة
الحَدِيث. قَوْله: (بشبع) أَي: بِسَبَب شبع بَطْني
(16/219)
وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: لشبع بَطْني،
أَي: لأجل شبع بَطْني، بِكَسْر الشين وَفتح الْبَاء.
قَوْله: (حَتَّى لَا أكل) هَذِه رِوَايَة الْكشميهني وَفِي
رِوَايَة غَيره: حِين لَا أكل، وَهُوَ الْأَوْجه. قَوْله:
الخمير، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الْمِيم،
وَهُوَ الْخبز الَّذِي خمر وَجعل فِي عجينه الخميرة،
ويروى: الخبيز، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي آخِره
زَاي، وَهُوَ الْخبز المأدوم، والخبزة بِضَم الْمُعْجَمَة
وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وبالزاي: الْأدم. قَوْله:
وَلَا ألبس الحبير، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر
الْبَاء الْمُوَحدَة وبالراء فِي آخِره: الْجَدِيد
وَالْحسن، وَقيل: الثَّوْب المحبر كالبرود اليمانية،
وَقَالَ الْهَرَوِيّ: الحبير ثِيَاب تصبغ بِالْيمن، ويروى:
وَلَا ألبس الْحَرِير. قَوْله: (فلَان وفلانة) أَرَادَ
بِهِ من يخْدم من الذُّكُور وَالْإِنَاث قَوْله: (وَكنت
ألصق بَطْني) وَفَائِدَة: إلصاق الْبَطن: بالحصباء إنكسار
حرارة شدَّة الْجُوع. وَقَوله: (وَإِن كنت لاستقرىء الرجل)
قَالَ بَعضهم: أَي اطلب مِنْهُ القِرى، فيظن أَنِّي أطلب
مِنْهُ الْقِرَاءَة، قَالَ: وَوَقع بَيَان ذَلِك فِي
رِوَايَة لأبي نعيم فِي (الْحِلْية) : عَن أبي هُرَيْرَة
أَنه وجد عمر فَقَالَ: أقريني، فَظن أَنه من الْقِرَاءَة،
فَأخذ يقرئه الْقُرْآن وَلم يطعمهُ، قَالَ: وَإِنَّمَا
أردْت مِنْهُ الطَّعَام. انْتهى. قلت: هَذَا الَّذِي
قَالَه غير صَحِيح، وَيظْهر فَسَاده من قَوْله: كنت
لأستقرىء الرجل الْآيَة هِيَ معي، أَي: وَالْحَال أَن
تِلْكَ الْآيَة معي، وَهِي جملَة إسمية وَقعت حَالا
بِغَيْر وَاو. قَالَ الْكرْمَانِي: أَي: الْآيَة معي. أَي:
كنت أحفظها، وَالْحَاصِل أَن أَبَا هُرَيْرَة يَقُول
لوَاحِد من النَّاس: إِنِّي أطلب قِرَاءَة آيَة من
الْقُرْآن، وَالْحَال أَنه يحفظها، وَلَكِن يتخيل فِي
قَصده من هَذَا أَن يُؤَدِّيه إِلَى بَيته فيطعمه شَيْئا،
وَهُوَ معنى قَوْله: (كي يَنْقَلِب بِي) أَي: يرجع بِي
إِلَى منزله فيطعمني شَيْئا وَالدَّلِيل على هَذَا مَا
رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة: إِن كنت
لأسأل الرجل عَن الْآيَة، وَأَنا أعلم بهَا مِنْهُ، مَا
أسأله إلاَّ ليطعمني شَيْئا. واستدلال هَذَا الْقَائِل على
الْمَعْنى الَّذِي فسره بِمَا رَوَاهُ أَبُو نعيم لَا
يفِيدهُ أصلا، لِأَنَّهُ قَضِيَّة أُخْرَى مَخْصُوصَة
بِمَا وَقع بَينه وَبَين عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
وَالَّذِي هُنَا أَعم من ذَلِك. قَوْله: (وَكَانَ أخير
النَّاس) على وزن أفعل التَّفْضِيل، وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني: وَكَانَ خير النَّاس، لُغَتَانِ فصيحتان
مستعملتان. قَوْله: (للْمَسَاكِين) ، وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني: للمسكين، بِالْإِفْرَادِ وَهُوَ جنس يتَنَاوَل
الْمَسَاكِين، وَكَانَ جَعْفَر يُسمى بِأبي الْمَسَاكِين.
وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يكنيه بِهَذَا.
قَوْله: (مَا كَانَ فِي بَيته) فِي مَحل النصب لِأَنَّهُ
مفعول ثَان: ليطعمنا. قَوْله: (حَتَّى إِن كَانَ) ، كلمة:
إِن، هَذِه مُخَفّفَة من المثقلة. قَوْله: (ليخرج) ، بِضَم
الْيَاء، من الْإِخْرَاج، و: العكة، بِالنّصب مَفْعُوله،
وَهِي بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْكَاف: وعَاء
السّمن. قَوْله: (فنلعق) ، بنُون الْمُتَكَلّم مَعَ
الْغَيْر، من لعق يلعق من بَاب علم يعلم، لعقاً بِفَتْح
اللاَّم وَهُوَ: اللحس. فَإِن قلت: بَين قَوْله: (لَيْسَ
فِيهَا شَيْء) وَبَين قَوْله: (فنلعق) مُنَافَاة ظَاهرا.
قلت: لَا مُنَافَاة، لِأَن معنى قَوْله: (لَيْسَ فِيهَا
شَيْء) يَعْنِي: يُمكن إِخْرَاجه مِنْهَا بِغَيْر قطعهَا،
وَمعنى قَوْله: (فنلعق) يَعْنِي: بعد الشق نلعق مِمَّا
يبْقى فِي جوانبها. فَافْهَم.
9073 - حدَّثني عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ حدَّثنا يَزِيدُ بنُ
هَارُونَ أخْبَرَنا إسْمَاعِيلُ بنُ أبِي خالِدٍ عنِ
الشَّعْبِيِّ أنَّ ابنَ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما
كانَ إذَا سلَّمَ علَى ابنِ جَعْفَرٍ قَالَ السَّلاَمُ
علَيْكَ يَا ابنَ ذِي الجَناحَيْنِ. (الحَدِيث 9073 طرفه
فِي: 4624) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن إِطْلَاق ذِي الجناحين
على جَعْفَر منقبة عَظِيمَة، وَقد روى الطَّبَرَانِيّ
بِإِسْنَاد حسن من حَدِيث عبد الله بن جَعْفَر، قَالَ:
قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَنِيئًا لَك
أَبوك يطير مَعَ الْمَلَائِكَة فِي السَّمَاء، وَعَن أبي
هُرَيْرَة: أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
قَالَ: رَأَيْت جَعْفَر بن أبي طَالب يطير مَعَ
الْمَلَائِكَة، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم، وَعَن
أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
قَالَ: مر بِي جَعْفَر اللَّيْلَة فِي مَلأ من
الْمَلَائِكَة وَهُوَ مخضب الجناحين بِالدَّمِ، أخرجه
التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم بِإِسْنَاد على شَرط مُسلم.
وَأَخْرَجَاهُ أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُمَا، مَرْفُوعا: دخلت البارحة الْجنَّة
فَرَأَيْت فِيهَا جعفراً يطير مَعَ الْمَلَائِكَة، وَفِي
طَرِيق آخر عَنهُ: أَن جعفراً يطير مَعَ جِبْرِيل
وَمِيكَائِيل لَهُ جَنَاحَانِ، عوضه الله من يَدَيْهِ.
وَحَدِيث ابْن عمر هَذَا أخرجه البُخَارِيّ عَن عَمْرو بن
عَليّ بن بَحر أبي حَفْص الْبَاهِلِيّ الْبَصْرِيّ
الصَّيْرَفِي، وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا عَن يزِيد من
الزِّيَادَة ابْن هَارُون الوَاسِطِيّ عَن إِسْمَاعِيل بن
أبي خَالِد، وَاسم أبي خَالِد سعد، وَيُقَال: كثير
الْكُوفِي عَن عَامر
(16/220)
الشّعبِيّ عَن عبد الله بن عمر، وَأخرجه البُخَارِيّ
أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن مُحَمَّد بن أبي بكر
الْمقدمِي، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي المناقب عَن أَحْمد
بن سُلَيْمَان عَن يزِيد بن هَارُون.
قَالَ أبُو عَبْدِ الله الجنَاحَانِ كلُّ نَاصِيَتَيْنِ
أَبُو عبد الله: هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، وَهَذَا وَقع فِي
رِوَايَة النَّسَفِيّ وَحده، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن
الجناحين يطلقان لكل ناحيتين يَعْنِي: لكل جنبين، وَمِنْه
يُقَال: جنح الطَّرِيق جَانِبه، وجنح الْقَوْم ناحيتهم،
وَقَالَ الْجَوْهَرِي: وَجَنَاح الطير يَده.
11 - (ذِكْرُ العَبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ رَضِي
الله تَعَالَى عنهُ)
أَي: هَذَا ذكر عَبَّاس بن عبد الْمطلب عَم النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ أسن من النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، بِسنتَيْنِ أَو بِثَلَاث، وَكَانَ
إِسْلَامه على الْمَشْهُور بعد فتح مَكَّة، وَقيل: قبل
ذَلِك، وَهَذِه التَّرْجَمَة مَعَ حَدِيثهَا سقط من
رِوَايَة أبي ذَر والنسفي، وَالله أعلم.
0173 - حدَّثنا الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثنا مُحَمَّدُ
بنُ عبْدِ الله الأنْصَارِيُّ حدَّثني أبِي عبْدُ الله
ابنُ المُثَنَّى عَنْ ثُمامَةَ بنِ عَبْدِ الله بنِ أنَسٍ
رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ كانَ
إذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بالْعَبَّاسِ بنِ عَبْدِ
المُطَّلِبِ فقالَ أللَّهُمَّ إنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ
إلَيْكَ بِنَبِيِّنَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَتَسْقِينَا وإنَّا نتَوَسَّلُ إلَيْكَ بِعَمِّ نبِيِّنَا
فاسْقِنَا قَالَ فَيُسْقَوْنَ. (انْظُر الحَدِيث 0101) .
مطابقته لهَذِهِ التَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَالْحسن بن
مُحَمَّد بن الصَّباح أَبُو عَليّ الزَّعْفَرَانِي مَاتَ
يَوْم الِاثْنَيْنِ لثمان بَقينَ من رَمَضَان سنة سِتِّينَ
وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَمُحَمّد بن عبد
الله الْأنْصَارِيّ يروي عَن أَبِيه عبد الله بن الْمثنى
بن عبد الله بن أنس بن مَالك وَهُوَ يروي عَن عَمه
ثُمَامَة، بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَتَخْفِيف
الْمِيم: ابْن عبد الله بن أنس، وَهَذَا الحَدِيث بِعَين
هَذَا الْإِسْنَاد والمتن قد مر فِي كتاب الاسْتِسْقَاء
فِي: بَاب سُؤال النَّاس الإِمَام الاسْتِسْقَاء، وَقد مر
الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. |