عمدة القاري شرح صحيح البخاري

21 - (بابُ مَناقِبِ قَرَابَةِ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومَنْقَبَةِ فاطِمَةَ علَيْهَا السَّلامُ بِنْتِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَنَاقِب قرَابَة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وقرابة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من ينتسب إِلَى جده الْأَقْرَب، وَهُوَ: عبد الْمطلب مِمَّن صحب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُم أَو رَآهُ من ذكرٍ أَو أُنْثَى، وهم: عَليّ وَأَوْلَاده: الْحسن وَالْحُسَيْن ومحسن وَأم كُلْثُوم من فَاطِمَة، وجعفر وَأَوْلَاده: عبد الله وَعون وَمُحَمّد وَيُقَال: كَأَن لجَعْفَر بن أبي طَالب ابْن اسْمه أَحْمد، وَعقيل بن أبي طَالب وَولده مُسلم بن عقيل، وَحَمْزَة بن عبد الْمطلب وَأَوْلَاده: يعلى وَعمارَة وأمامة، وَالْعَبَّاس بن عبد الْمطلب، وَأَوْلَاده الذُّكُور الْعشْرَة، وهم: الْفضل وَعبد الله وَقثم وَعبيد الله والْحَارث ومعبد وَعبد الرَّحْمَن وَكثير وَعون وَتَمام وَفِيه يَقُول الْعَبَّاس:
(تَمُّوا بتمَّامٍ فصاروا عشرهيا رب فاجعلهم كراماً برره)

وَيُقَال: إِن لكل مِنْهُم رُؤْيَة، وَكَانَ لَهُ من الْإِنَاث: أم حبيب وآمنة وَصفِيَّة، وَأَكْثَرهم من لبَابَة أم الْفضل، ومعتب بن أبي لَهب وَالْعَبَّاس بن عتبَة بن أبي لَهب وَكَانَ زوج آمِنَة بنت الْعَبَّاس، وَعبد الله بن الزبير بن عبد الْمطلب، واخته ضباعة وَكَانَت زوج الْمِقْدَاد بن الْأسود، وَأَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب وَابْنه جَعْفَر، وَنَوْفَل بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب وابناه: الْمُغيرَة والْحَارث ولعَبْد الله بن الْحَارِث هَذَا رُؤْيَة، وَكَانَ يلقب: ببه، بباءين موحدتين الثَّانِيَة ثَقيلَة، وَأُمَيْمَة وأروى وعاتكة وَصفِيَّة بَنَات عبد الْمطلب، أسلمت صَفِيَّة وصحبت، وَفِي الْبَاقِيَات خلاف.
قَوْله: (ومنقبة فَاطِمَة) ، بِالْجَرِّ عطفا على المناقب وَهِي ضد المثلبة وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: المنقبة طَرِيق منفذ فِي الْحَال، واستعير للْفِعْل الْكَرِيم إِمَّا لكَونه تَأْثِيرا لَهُ أَو لكَونه منهجاً فِي رَفعه.

(16/221)


قلت: لم يَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر هَذِه اللَّفْظَة أَعنِي منقبة فَاطِمَة بنت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي (التَّوْضِيح) : فَاطِمَة تكنى، بِأم أَبِيهَا، أنْكحهَا عليا بعد وقْعَة أحد، وَهِي بنت خمس عشرَة وَخَمْسَة أشهر وَنصف، وَكَانَ سنّ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يَوْمئِذٍ إِحْدَى وَعشْرين سنة وَخَمْسَة أشهر.
وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِساءِ أهْلِ الجَنَّةِ
هَذَا التَّعْلِيق مر مَوْصُولا فِي أَوَاخِر: بَاب عَلَامَات النُّبُوَّة، فَليرْجع إِلَيْهِ.

1173 - حدَّثنا أبُو اليَمَانِ أخبرَنا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ حدَّثني عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ عنْ عائِشَةَ أنَّ فاطِمَةَ علَيْهَا السَّلاَمُ أرْسَلَتْ إِلَى أبِي بَكْرٍ تَسأَلُهُ مِيرَاثَهَا مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا أفَاءَ الله عَلى رَسُولِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَطْلُبُ صدَقَةَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّتِي بِالمَدِينَةِ وفدَكٍ ومَا بَقِيَ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ. فقالَ أبُو بَكْرٍ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ إنَّمَا يأكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ مِنْ هذَا المَالِ يَعْنِي مالَ الله لَيْسَ لَهُمْ أنْ يَزِيدُوا علَى المَأكَلِ وإنِّي وَالله لَا أُغَيِّرُ شَيْئاً مِنْ صَدَقَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّتِي كانَتْ عَلَيْهَا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلأعْمَلَنَّ فِيهَا بِمَا عَمِلَ فِيهَا رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتَشَهَّدَ عَلِيٌّ ثُمَّ قالَ إنَّا قَدْ عَرَفْنَا يَا أبَا بَكْرٍ فَضِيلَتَكَ وذَكَرَ قَرَابَتَهُمْ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وحَقَّهُمْ فتَكَلَّمَ أبُو بَكْرٍ فَقَالَ والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لقَرَابَةُ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحَبُّ إلَيَّ أنْ أصِلَ مِنْ قَرَابَتِي. .

مطابقته للتَّرْجَمَة تستأنس من قَوْله: (لقرابة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) إِلَى آخِره. وَأَبُو الْيَمَان بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف: الحكم بن نَافِع، وَهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه قد مر غير مرّة. والْحَدِيث مر بأتم من هَذَا فِي أول كتاب الْخمس.
قَوْله: (تطلب صَدَقَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، إِن قيل: كَيفَ تطلب الصَّدَقَة وَهِي لجَمِيع الْمُؤمنِينَ؟ يُقَال: إِن مَعْنَاهُ تطلب مَا هِيَ صَدَقَة فِي الْوَاقِع ملك لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِحَسب اعتقادها، قَالَ الْكرْمَانِي: فَلفظ الصَّدَقَة هُوَ لفظ الرَّاوِي. قَوْله: (لَا نورث) ، قيل: إِن فَاطِمَة لم تكن علمت هَذَا. قَوْله: (لَا نورث) . وَفِيه أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ أبقى رباعه لقوت أَهله فِي حَيَاته ومماته وَمَا يعرض لَهُ من امور الْمُسلمين وَفِيه: أَن خَيْبَر خمست. وَفِيه: أَنه كَانَ لَهُ فِي الْخمس حَظّ. وَفِيه: أَن لبني هَاشم حَقًا فِي مَال الله، وَهُوَ من الْفَيْء وَالْخمس والجزية وَشبه ذَلِك ليتنزهوا عَن الصَّدَقَة.
قَوْله: (فَتشهد عَليّ) قَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : وَهَذَا إِلَى آخِره لَيْسَ من هَذَا الحَدِيث، إِنَّمَا كَانَ ذَلِك بعد موت فَاطِمَة، وَقد أَتَى بِهِ فِي مَوضِع آخر. قَوْله: (فَتكلم أَبُو بكر) إِلَى آخِره، قَالَه على سَبِيل الِاعْتِذَار عَن مَنعه إِيَّاهَا مَا طلبته مِنْهُ من تَرِكَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

3173 - أَخْبرنِي عبْدُ الله بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ حدَّثنا خالِدٌ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ واقِدٍ قَالَ سَمِعْتُ أبِي يُحَدِّثُ عنِ ابنِ عُمَرَ عنْ أبِي بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُمْ قَالَ ارْقُبُوا مُحَمَّدَاً صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أهْلِ بَيْتِهِ. (الحَدِيث 3173 طرفه فِي: 1573) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَعبد الله بن عبد الْوَهَّاب أَبُو مُحَمَّد الحَجبي الْبَصْرِيّ وَهُوَ من أَفْرَاده، وخَالِد هُوَ ابْن الْحَارِث ابْن سليم بن الهُجَيْمِي الْبَصْرِيّ، وواقد بِكَسْر الْقَاف وبالدال الْمُهْملَة: ابْن مُحَمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر، يروي عَن أَبِيه مُحَمَّد عَن عبد الله بن عمر عَن أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي فضل الْحسن وَالْحُسَيْن، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، عَن يحيى بن معِين وَصدقَة بن الْفضل.
قَوْله: (إرقبوا) ، أَمر للنَّاس، يَعْنِي: إحفظوا مُحَمَّدًا فِي أهل بَيته، فَلَا

(16/222)


تؤذوهم وَلَا تسبوهم، وَأهل بَيته هم: فَاطِمَة وَالْحسن وَالْحُسَيْن، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لف عَلَيْهِم كسَاء، وَقَالَ: هَؤُلَاءِ أهل بَيْتِي، أَو هم مَعَ أَزوَاجه، لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَبَادر إِلَى الذِّهْن عِنْد الْإِطْلَاق.

4173 - حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ حدَّثنا ابنُ عُيَيْنَةَ عنْ عَمْرِو بنِ دِينارٍ عنِ ابنِ أبِي مُلَيْكَةَ عنِ المِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَةَ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فاطِمَةُ بِضْعَةٌ مِنِّي فَمَنْ أغْضَبَهَا أغْضَبَنِي. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ الْبَصْرِيّ وَابْن عُيَيْنَة هُوَ سُفْيَان بن عينة تَصْغِير عين وَابْن أبي مليكَة هُوَ عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكَة، وَقد مر غير مرّة، والمسور، بِكَسْر الْمِيم: ابْن مخرمَة، بِفَتْحِهَا، وَقد مر عَن قريب.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي النِّكَاح عَن قُتَيْبَة، وَفِي الطَّلَاق عَن أبي الْوَلِيد. وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن أَحْمد بن يوسن وقتيبة عَن أبي معمر. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي النِّكَاح عَن أَحْمد بن يُونُس وقتيبة. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن قُتَيْبَة. وَأخرجه النَّسَائِيّ عَن قُتَيْبَة وَعَن الْحَارِث بن مِسْكين. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي النِّكَاح عَن عِيسَى بن حَمَّاد.
قَوْله: (بضعَة) بِفَتْح الْبَاء، وَهِي: الْقطعَة من الشَّيْء.

5173 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ قَزَعَةَ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ سعْدٍ عنْ أبيهِ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا قالتْ دَعَا النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاطِمَةَ ابْنَتَهُ فِي شَكْوَاهُ الَّذِي قُبِضَ فِيَها فَسارَّهَا بِشَيْءٍ فبَكَتْ ثُمَّ دَعَاهَا فسارَّهَا فضَحِكَتْ قالتْ فسألْتُها عنْ ذالِكَ. فقَالَتْ سارَّنِي النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأخبرَنِي أنَّهُ يُقْبَضُ فِي وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فيهِ فَبَكَيْتُ ثُمَّ سارَّنِي فأخْبرنِي أنِّي أوَّلُ أهْل بَيْتِهِ أتْبَعُهُ فضَحِكْتُ. .

هَذَا الحَدِيث بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن عَن يحيى بن قزعة مضى فِي أَوَاخِر: بَاب عَلَامَات النُّبُوَّة، وَهَذَا تكْرَار بِلَا زِيَادَة فَائِدَة، وَلِهَذَا لم يَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر وَلم يذكرهُ النَّسَفِيّ أَيْضا، وَكَذَلِكَ الحَدِيث الَّذِي قبله لم يَقع فِي روايتيهما، لِأَنَّهُ يَأْتِي مطولا كَمَا ذكرنَا.

31 - (بابُ منَاقِبِ الزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَنَاقِب الزبير بن الْعَوام بن خويلد بن أَسد بن عبد الْعُزَّى بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كَعْب ابْن لؤَي بن غَالب الْقرشِي الْأَسدي، أَبُو عبد الله، يجْتَمع مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي قصي، وَعدد مَا بَينهمَا من الْآبَاء سَوَاء، وَأمه صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب عمَّة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ أحد الْعشْرَة المبشرة الْمَشْهُود لَهُم بِالْجنَّةِ، شهد بَدْرًا والمشاهد كلهَا مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهَاجَر الهجرتين، وَأسلم وَهُوَ ابْن سِتَّة عشر سنة، وروى الْحَاكِم بِإِسْنَاد صَحِيح عَن عُرْوَة قَالَ: أسلم الزبير وَهُوَ ابْن ثَمَان سِنِين، قتل يَوْم الْجمل فِي جُمَادَى الأولى سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ، وقبره بوادي السبَاع نَاحيَة الْبَصْرَة، قَتله عَمْرو بن جرموز.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ هُوَ حَوَارِيُّ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
هَذِه قِطْعَة من حَدِيث سَيَأْتِي فِي تَفْسِير بَرَاءَة من طَرِيق ابْن أبي مليكَة. قَوْله: (الْحوَاري) ، بِفَتْح الْحَاء وَالْوَاو المخففة وَتَشْديد الْيَاء، وَهُوَ لفظ مُفْرد وَمَعْنَاهُ: النَّاصِر، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَقَالَ الزبير عَن مُحَمَّد بن سَلام: سَأَلت يُونُس بن حبيب عَن الْحوَاري، قَالَ: الْخَالِص، وَعَن ابْن الْكَلْبِيّ: الْحوَاري الْخَلِيل، وَقيل الصافي. فَإِن قلت: الصَّحَابَة كلهم أنصار رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، خلصاء، فَمَا وَجه التَّخْصِيص بِهِ؟ قُلْنَا: هَذَا قَالَه حِين قَالَ يَوْم الْأَحْزَاب: من يأتيني بِخَبَر الْقَوْم؟ قَالَ الزبير: أَنا، ثمَّ قَالَ: من يأتيني بِخَبَر الْقَوْم؟ فَقَالَ: أَنا، وَهَكَذَا مرّة ثَالِثَة، وَلَا شكّ أَنه فِي ذَلِك الْوَقْت نصر نصْرَة زَائِدَة على غَيره.

(16/223)


وسُمِّيَ الحَوَارِيُّونَ لِبَيَاضِ ثِيابِهِمْ
هَذَا من كَلَام البُخَارِيّ، أَرَادَ بِهِ حوارِي عِيسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام. وَوَصله ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس بِهِ، وَقَالَ أَبُو أَرْطَأَة. كَانُوا قصَّارين فسموا بذلك لأَنهم كَانُوا يحورون الثِّيَاب، أَي: يبيضونها، وَقَالَ الضَّحَّاك: سموا حواريين لصفاء قُلُوبهم، وَقَالَ عبد الله بن الْمُبَارك: سموا بذلك لأَنهم كَانُوا نورانيين، عَلَيْهِم أثر الْعِبَادَة ونورها وبهاؤها، وأصل الحوار عِنْد الْعَرَب الْبيض، وَمِنْه: الأحور والحوراء، ودقيق حوارِي، وَقَالَ قَتَادَة: هم الَّذين تصلح لَهُم الْخلَافَة، وَقَالَ النَّضر بن شُمَيْل: الْحوَاري خَاصَّة الرجل الَّذِي يَسْتَعِين بِهِ فِيمَا ينوبه، وَقيل: الحواريون كَانُوا صيادين يصطادون السّمك، وَقيل: كَانُوا صباغين، وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ: كَانُوا أصفياء عِيسَى وأولياءه وأنصاره ووزراءه، وَكَانُوا اثْنَي عشر رجلا وأسماؤهم: بطرس ويعقوبس ويحنس واندرابيس وقبيلس وابرثلما ومنتا وأتوماس وَيَعْقُوب بن خلقانا ونشيمس وقنانيا ويوذس، فَهَؤُلَاءِ حواريو عِيسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَأما حواريو هَذِه الْأمة فَقَالَ قَتَادَة: إِن الحواريين كلهم من قُرَيْش: أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَحَمْزَة وجعفر وَأَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح وَعُثْمَان بن مَظْعُون وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَسعد بن أبي وَقاص وَطَلْحَة بن عبيد الله وَالزُّبَيْر بن الْعَوام، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.

7173 - حدَّثنا خالِدُ بنُ مَخْلَدٍ حدَّثَنا علِيُّ بنُ مُسْهِرٍ عنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ قَالَ أَخْبرنِي مَرْوَانُ بنُ الحَكَمِ قَالَ أصابَ عُثْمانَ بنَ عَفَّانَ رُعافٌ شَدِيدٌ سَنَةَ الرُّعَافِ حتَّى حبَسَهُ عَن الحَجِّ وأوْصاى فدَخَلَ علَيْهِ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ اسْتَخْلِفْ قَالَ وقالُوهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ ومَنْ فَسَكَتَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ أحْسِبُهُ الحَارثَ فَقَالَ اسْتَخْلِفْ فَقَالَ عُثْمَانُ وَقَالُوا فَقَالَ نعَمْ قَالَ ومَنْ هُوَ فسَكَت قَالَ فلَعَلَّهُمُ قالُوا الزُّبَيْرَ قَالَ نَعَمْ قَالَ أمَا والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّهُ لَخَيْرُهُمْ مَا عَلِمْتُ وإنْ كانَ لأَحَبُّهُمْ إِلَى رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. (الحَدِيث 7173 طرفه فِي: 8173) .

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (أما وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ) إِلَى آخِره. وخَالِد بن مخلد، بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة بَينهمَا: البَجلِيّ الْقَطوَانِي الْكُوفِي، وَعلي بن مسْهر، بِضَم الْمِيم على لفظ اسْم الْفَاعِل من الإسهار بِالسِّين الْمُهْملَة.
وَهَذَا الحَدِيث ذكره الْحَافِظ الْمزي فِي مُسْند عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي المناقب عَن مُعَاوِيَة بن صَالح.
قَوْله: (رُعَاف) بِالرَّفْع لِأَنَّهُ فَاعل: أصَاب، وَعُثْمَان بِالنّصب مَفْعُوله. قَوْله: (سنة الرعاف) كَانَ ذَلِك سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ، وَكَانَ للنَّاس فِيهَا رُعَاف كثير. قَوْله: (اسْتخْلف) أَي: إجعل لَك خَليفَة من بعْدك. قَوْله: (قَالَ وقالوه) أَي: قَالَ عُثْمَان وَقَالَ النَّاس هَذَا القَوْل، قَالَ الرجل: نعم قَالُوهُ. قَوْله: (قَالَ: وَمن) أَي: قَالَ عُثْمَان: وَمن اسْتَخْلَفَهُ؟ فَسكت الرجل. قَوْله: (فَدخل عَلَيْهِ) أَي: على عُثْمَان. قَوْله: (الْحَارِث) يَعْنِي ابْن الحكم وَهُوَ أَخُو مَرْوَان رَاوِي الْخَبَر. قَوْله: (فَقَالَ: اسْتخْلف) أَي: فَقَالَ الْحَارِث لعُثْمَان: اسْتخْلف. قَوْله: (وَقَالَ وَقَالُوا) أَي: وَقَالَ عُثْمَان وَقَالَ النَّاس هَذَا. قَوْله: (فَقَالَ: نعم) أَي: فَقَالَ الْحَارِث: نعم قَالُوا هَذَا القَوْل. قَوْله: (قَالَ: وَمن هُوَ؟) أَي: قَالَ عُثْمَان: من هُوَ الْخَلِيفَة الَّذِي قَالُوا إِنِّي اسْتَخْلَفَهُ؟ قَوْله: (فَسكت) أَي: الْحَارِث. قَوْله: (قَالَ: فلعلهم قَالُوا: الزبير؟) أَي: قَالَ عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَلَعَلَّ هَؤُلَاءِ قَالُوا: هُوَ الزبير بن الْعَوام. قَوْله: (قَالَ: نعم) أَي: قَالَ الْحَارِث: قَالُوا هُوَ الزبير بن الْعَوام. قَوْله: (قَالَ: أما وَالَّذِي) ، أَي: قَالَ عُثْمَان: أما وَحقّ الله الَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ (إِنَّه) أَي: الزبير لخيرهم، أَي: لخير هَؤُلَاءِ. قَوْله: (مَا علمت) يجوز أَن تكون: مَا، مَصْدَرِيَّة أَي: فِي علمي، وَيجوز أَن تكون مَوْصُولَة، وَيكون خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره: هُوَ الَّذِي علمت، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب الَّذِي يرجع إِلَى الْمَوْصُول مَحْذُوف تَقْدِيره: عَلمته. قَالَ الدَّاودِيّ: يحْتَمل أَن يكون المُرَاد من الْخَيْرِيَّة فِي شَيْء مَخْصُوص: كحسن الْخلق، وَإِن حمل على ظَاهره فَفِيهِ مَا يبين أَن قَول ابْن عمر: ثمَّ نَتْرُك أَصْحَاب رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا نفاضل بَينهم، لم يرد بِهِ جَمِيع الصَّحَابَة، فَإِن بَعضهم قد وَقع مِنْهُ تَفْضِيل بَعضهم على بعض، وَهُوَ عُثْمَان فِي حق الزبير، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. قَوْله: (وَإِن كَانَ) ، كلمة: إِن، مُخَفّفَة

(16/224)


من الثَّقِيلَة تَقْدِيره: وَإنَّهُ (كَانَ لأحبهم) أَي: لأحب هَؤُلَاءِ الَّذين أشاروا على عُثْمَان بالاستخلاف، ويروى بِدُونِ اللَّام الفارقة وَهُوَ لُغَة.

8173 - حدَّثني عُبَيْدُ بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ أخبرَنِي أبي سَمِعْتُ مَرْوَانَ بنَ الحَكَمِ كُنْتُ عِنْدَ عُثْمَانَ أتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ استَخْلِفْ قَالَ وقِيلَ ذَاكَ قَالَ نَعَمْ الزُّبَيْرُ قَالَ أمَا وَالله إنَّكُمْ لتَعْلَمُونَ إنَّهُ خَيْرُكُمْ ثَلاثاً. (انْظُر الحَدِيث 7173) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (إِنَّه خَيركُمْ) وَعبيد بن إِسْمَاعِيل أَبُو مُحَمَّد الْهَبَّاري الْقرشِي الْكُوفِي واسْمه فِي الأَصْل: عبد الله وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَأَبُو أُسَامَة يروي عَن هِشَام وَهُوَ يروي عَن أَبِيه عُرْوَة وَهُوَ يروي عَن مَرْوَان بن الحكم بن أبي الْعَاصِ بن أُميَّة.
قَوْله: (قَالَ: وَقيل ذَلِك؟) أَي: قَالَ عُثْمَان أَو قيل ذَلِك؟ أَشَارَ بِهِ إِلَى الِاسْتِخْلَاف الَّذِي يدل عَلَيْهِ قَوْله: (اسْتخْلف) ويروى: ذَاك، بِدُونِ اللَّام وهمزة الِاسْتِفْهَام مقدرَة قبل وَاو: وَقيل. قَوْله: (الزبير) أَي: الَّذِي قيل بِأَن يسْتَخْلف هُوَ الزبير ابْن الْعَوام. قَوْله: (أما) ، بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف الْمِيم وَهِي كلمة استفتاح بِمَنْزِلَة أَلا، وتكثر قبل الْقسم. قَوْله: (ثَلَاثًا) ، أَي: قَالَهَا ثَلَاث مَرَّات.

0273 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ أخبرَنَا عَبْدُ الله أخبَرَنَا هِشامُ بنُ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ عَبْدِ الله ابنِ الزُّبَيْرِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ كُنْتُ يَوْمَ الأحْزَابِ جُعِلْتُ أَنا وعُمَرُ بنُ أبِي سلَمَةَ فِي النِّساءِ فنَظَرْتُ فإذَا أَنا بالزُّبَيْرِ علَى فَرَسِهِ يخْتَلِفُ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ مَرَّتَيْنِ أوْ ثَلاثاً فلَمَّا رَجَعْتُ قُلْتُ يَا أبَتِ رأيْتُكَ تَخْتَلِفُ قَالَ أوَ هَلْ رَأيْتَنِي يَا بُنَيَّ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ كانَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالَ مَنْ يأتِ بَنِي قُرَيْظَةَ فيَأتِينِي بِخَبَرِهِمْ فانْطَلَقْتُ فلَمَّا رَجَعْتُ جَمَعَ لِي رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبَوَيْهِ فَقَالَ فِدَاكَ أبِي وأُمِّي.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (جمع لي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) إِلَى آخِره. فَإِن قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للزبير: فدَاك أبي وَأمي، منقبة عَظِيمَة لَهُ.
وَأحمد بن مُحَمَّد بن مُوسَى أَبُو الْعَبَّاس يُقَال لَهُ مرْدَوَيْه السمسار الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن خَلِيل وسُويد بن سعيد كِلَاهُمَا عَن عَليّ بن مسْهر، قَالَ إِسْمَاعِيل: أخبرنَا عَليّ بن مسْهر عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عبد الله بن الزبير، قَالَ: كنت أَنا وَعمر بن أبي سَلمَة يَوْم الخَنْدَق مَعَ النسْوَة فِي أَطَم حسان، وَكَانَ يطاطيء لي مرّة فَأنْظر وأطاطىء لَهُ مرّة فَينْظر، فَكنت أعرف أبي إِذا مر على فرسه فِي السِّلَاح إِلَى بني قُرَيْظَة، قَالَ: وَأَخْبرنِي عبد الله بن عُرْوَة عَن عبد الله بن الزبير، قَالَ: فَذكرت ذَلِك لأبي، فَقَالَ: ورأيتني يَا بني؟ قلت: نعم. قَالَ: أما وَالله لقد جمع لي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَوْمئِذٍ أَبَوَيْهِ، فَقَالَ: فدَاك أبي وَأمي، وَحدثنَا أَبُو كريب حَدثنَا أَبُو أُسَامَة عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عبد الله بن الزبير، قَالَ: لما كَانَ يَوْم الخَنْدَق كنت أَنا وَعمر بن أبي سَلمَة فِي الأطم الَّذِي فِيهِ النسْوَة، يَعْنِي نسْوَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وسَاق الحَدِيث ... يَعْنِي حَدِيث ابْن مسْهر فِي هَذَا الْإِسْنَاد، وَلم يذكر عبد الله بن عُرْوَة فِي هَذَا الحَدِيث، وَلَكِن أدرج الْقِصَّة فِي حَدِيث هِشَام عَن أَبِيه عَن ابْن الزبير.
قَوْله: (يَوْم الْأَحْزَاب) ، هُوَ يَوْم الخَنْدَق لما حاصر قُرَيْش وَمن مَعَهم الْمُسلمين بِالْمَدِينَةِ وحفر الخَنْدَق بِسَبَب ذَلِك. قَوْله: (جعلت) ، على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (وَعمر بن أبي سَلمَة) وَاسم أبي سَلمَة عبد الله بن عبد الْأسد الْقرشِي المَخْزُومِي أَبُو حَفْص الْمدنِي ربيب رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (فِي النِّسَاء) أَي: بَين النِّسَاء. قَوْله: (يخْتَلف) ، أَي: يَجِيء وَيذْهب، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ، مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا. قَوْله: (وَهل رَأَيْتنِي يَا بني؟) قَالَ: نعم،

(16/225)


فِيهِ صِحَة سَماع الصَّغِير، وَإنَّهُ لَا يتَوَقَّف على أَربع أَو خمس، لِأَن ابْن الزبير كَانَ يَوْمئِذٍ ابْن سنتَيْن وَأشهر. أَو ثَلَاث وَأشهر. وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب مَا يَصح سَماع الصَّغِير، قَوْله: فدَاك أبي وَأمي.

1273 - حدَّثنا علِيُّ بنُ حَفْصٍ حدَّثنا ابنُ المُبَارَكِ أخبرَنَا هِشامُ بنُ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ أنَّ أصْحابَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالُوا لِلزُّبَيْرِ يَوْمَ وَقْعَةِ اليَرْمُوكِ ألاَ تَشُدُّ فنَشُدَّ مَعَكَ فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ فضَرَبُوهُ ضَرْبَتَيْنِ على عاتِقِهِ بيْنَهُمَا ضَرْبَةٌ ضُرِبَهَا يَوْمَ بَدْرٍ: قالَ عُرْوَةُ فَكُنْتُ أُدْخِلُ أصَابِعِي فِي تِلْكَ الضَرَباتِ ألْعَبُ وأنَا صَغِيرٌ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعلي بن حَفْص الْمروزِي سكن عسقلان وَابْن الْمُبَارك هُوَ عَليّ بن الْمُبَارك الْهنائِي الْبَصْرِيّ.
قَوْله: (يَوْم اليرموك) بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الرَّاء وَضم الْمِيم وَسُكُون الْوَاو وَفِي آخِره كَاف: قَالَ الصَّاغَانِي فِي (الْعباب) : اليرموك مَوضِع بِنَاحِيَة الشَّام وَهُوَ يفعول. قلت: هُوَ مَوضِع بَين أَذْرُعَات ودمشق، وَقَالَ سيف بن عمر: كَانَت وقْعَة اليرموك فِي سنة ثَلَاث عشرَة من الْهِجْرَة قبل فتح دمشق، وَتَبعهُ على ذَلِك ابْن جرير الطَّبَرِيّ، وَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق: كَانَت فِي رَجَب سنة خمس عشرَة، وَكَذَا نقل ابْن عَسَاكِر عَن أبي عبيد والوليد وَابْن لَهِيعَة وَاللَّيْث وَأبي معشر: أَنَّهَا كَانَت فِي سنة خمس عشرَة بعد فتح دمشق، وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ، كَانَت وقْعَة اليرموك يَوْم الْإِثْنَيْنِ لخمس مضين من رَجَب سنة خمس عشرَة، وَقَالَ ابْن عَسَاكِر: وَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظ، وَكَانَت من أعظم فتوح الْمُسلمين، وَكَانَ رَأس عَسْكَر هِرقل ماهان الأرمني، وَرَأس عَسْكَر الْمُسلمين أَبَا عُبَيْدَة بن الْجراح، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَانَت بَينهم خمس وقعات عَظِيمَة، فآخر الْأَمر نصر الله الْمُسلمين وَقتلُوا مِنْهُم مائَة ألف وَخَمْسَة آلَاف نفس، وأسروا أَرْبَعِينَ ألفا وقُتِل من الْمُسلمين أَرْبَعَة آلَاف، ختم الله لَهُم بِالشَّهَادَةِ، وَقتل ماهان على دمشق وَبعث أَبُو عُبَيْدَة الْكتاب والبشارة إِلَى عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بحذيفة بن الْيَمَان مَعَ عشرَة من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، وغنم الْمُسلمُونَ غنيمَة عَظِيمَة حَتَّى أصَاب الْفَارِس أَرْبَعَة وَعشْرين ألف مِثْقَال من الذَّهَب، وَكَذَلِكَ من الْفضة، وَكَانَ الْمُسلمُونَ خَمْسَة وَأَرْبَعين ألفا، وَقيل: سِتَّة وَسِتِّينَ ألفا، وَقد ذكرنَا أَن الْقَتْلَى مِنْهُم أَرْبَعَة آلَاف، وَكَانَت الرّوم فِي تِسْعمائَة ألف، وَكَانَ جبلة بن الإيهم مَعَ عرب غَسَّان فِي سِتِّينَ ألفا، وَالله أعلم. قَوْله: (ألاَ تشد) كلمة: ألاَ، للتحضيض والحث: وتشد، بِضَم الشين الْمُعْجَمَة أَي: ألاَ تشد على الْمُشْركين، فَللَّه در الزبير بن الْعَوام فِيمَا فعل فِي هَذِه الْوَقْعَة، وَكَذَلِكَ خَالِد بن الْوَلِيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، والشد فِي الْحَرْب الحملة والجولة. قَوْله: (فَحمل عَلَيْهِم) أَي: فَحمل الزبير على الرّوم، والقرينة دَالَّة عَلَيْهِ. قَوْله: (فضربوه) أَي: فَضرب الرومُ الزبير، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (بَينهمَا) أَي: بَين الضربتين. قَوْله: (ضربهَا) على صِيغَة الْمَجْهُول.

41 - (بابُ مَناقِبِ طَلْجة بنِ عُبَيْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَنَاقِب طَلْحَة بن عبيد الله، وَفِي بعض النّسخ: بَاب ذكر طَلْحَة بن عبيد الله، وَفِي رِوَايَة ذَر: مَنَاقِب طَلْحَة، بِدُونِ لَفْظَة بَاب.
وَعبيد الله هُوَ ابْن عُثْمَان بن عَمْرو بن كَعْب بن سعد بن تيم بن مرّة بن كَعْب، يجْتَمع مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مرّة بن كَعْب، وَمَعَ أبي بكر الصّديق فِي تيم بن مرّة، وَعدد مَا بَينهم من الْآبَاء سَوَاء، ويكنى طَلْحَة أَبَا مُحَمَّد، وَاسم أمه الصعبة بنت الْحَضْرَمِيّ أُخْت الْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ، أسلمت وَهَاجَرت وَعَاشَتْ بعد ابْنهَا قَلِيلا، وروى الطَّبَرِيّ من طَرِيق ابْن عَبَّاس قَالَ: أسلمت أم أبي بكر وَأم عُثْمَان وَأم طَلْحَة وَأم عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَقتل طَلْحَة يَوْم الْجمل سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ، رمي بِسَهْم. وَرُوِيَ من طرق كَثِيرَة: أَن مَرْوَان بن الحكم رَمَاه فَأصَاب ركبته فَلم يزل ينزف الدَّم مِنْهَا حَتَّى مَاتَ، وَكَانَ يَوْمئِذٍ أول قَتِيل. وَاخْتلف فِي عمره فالأكثرون على أَنه كَانَ خمْسا وَسبعين، وَهُوَ أحد الْعشْرَة الْمَشْهُود لَهُم بِالْجنَّةِ، وَأحد الثَّمَانِية الَّذين سبقوا إِلَى الْإِسْلَام، وَأحد الْخَمْسَة الَّذين أَسْلمُوا على يَدي أبي بكر الصّديق، وَأحد السِّتَّة أَصْحَاب الشورى الَّذين توفى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ عَنْهُم راضٍ.

(16/226)


وَقَالَ عُمَرُ تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهْوَ عَنْهُ رَاضٍ
قد مر هَذَا التَّعْلِيق عَن قريب فِي قصَّة الْبيعَة، وَفِيه: مقتل عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مطولا وَمُسْندًا وَهُوَ قَول عمر: مَا أحد أَحَق بِهَذَا الْأَمر من هَؤُلَاءِ النَّفر أَو الرَّهْط الَّذين توفّي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ عَنْهُم راضٍ، فَسمى: عليا وَعُثْمَان وَالزُّبَيْر وَطَلْحَة وسعداً وَعبد الرَّحْمَن.
2273

- 3273 حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ أبِي بَكْرٍ المُقَدَّمِيُّ حدَّثَن مُعْتَمِرٌ عنْ أبِيهِ عنْ أبِي عُثْمَانَ قَالَ لَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَعْضِ تِلْكَ الأيَّامِ الَّتِي قاتَلَ فِيهِنَّ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غيرُ طَلْحةَ وسعْدٍ عنْ حَدِيثِهِمَا. (الحَدِيث 2273 طرفه فِي: 0604) . (الحَدِيث 3273 طرفه فِي: 1604) .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن طَلْحَة بَقِي مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْحَرْب عِنْد فرار النَّاس عَنهُ، وَفِيه منقبة عَظِيمَة لَهُ، ومعتمر هُوَ ابْن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ، يروي عَن أَبِيه سُلَيْمَان عَن أبي عُثْمَان عبد الرَّحْمَن النَّهْدِيّ. قَوْله: (فِي بعض تِلْكَ الْأَيَّام) أَرَادَ بِهِ يَوْم أحد. قَوْله: (غير طَلْحَة) بِالرَّفْع لِأَنَّهُ فَاعل. قَوْله: (لم يبْق) ، قَوْله: (عَن حَدِيثهمَا) يَعْنِي: يروي أَبُو عُثْمَان هَذَا من حَدِيث طَلْحَة وَسعد، أَرَادَ أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ بذلك.

4273 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا خالِدٌ حدَّثنا ابنُ أبِي خالِدٍ عنْ قَيْسِ بنِ أبِي حازِمٍ قَالَ رأيْتُ يدَ طَلْحَةَ الَّتِي وقَى بِهَا النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَدْ شَلَّتْ. (الحَدِيث 4273 طرفه فِي: 3604) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وخَالِد هُوَ ابْن عبد الله الوَاسِطِيّ، وَابْن أبي خَالِد هُوَ إِسْمَاعِيل، وَاسم أبي خَالِد سعد، وَيُقَال: هُرْمُز الأحمسي البَجلِيّ، وَقيس بن أبي حَازِم، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي: واسْمه عَوْف الأحمسي البَجلِيّ، قدم الْمَدِينَة بعد مَا قبض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (الَّتِي وقى بهَا) يَعْنِي: يَوْم أحد، وَقد صرح بذلك عَليّ بن مسْهر عَن إِسْمَاعِيل عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ، وروى الطَّبَرِيّ من طَرِيق مُوسَى بن طَلْحَة عَن أَبِيه: أَنه أَصَابَهُ فِي يَده سهم، وَمن حَدِيث أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أَنه وقى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أَرَادَ بعض الْمُشْركين أَن يضْربهُ، وَفِي (مُسْند الطَّيَالِسِيّ) من حَدِيث عَائِشَة عَن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ: ثمَّ أَتَيْنَا طَلْحَة يَعْنِي يَوْم أُحد فَوَجَدنَا بِهِ بضعاً وَسبعين جِرَاحَة، وَإِذا هُوَ قد قطعت إصبعه. وَفِي (الْجِهَاد) لِابْنِ الْمُبَارك من طَرِيق مُوسَى بن طَلْحَة: إِن إصبعه الَّتِي اصيبت هِيَ الَّتِي تلِي الْإِبْهَام. قَوْله: (قد شلت) بِفَتْح الشين تشل، ذكره ثَعْلَب، قَالَ الشنتمري: هُوَ بطلَان فِي الْيَد أَو الرجل من آفَة تعتريها، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ: قطعت، كَمَا ذكره ابْن سَيّده. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: إِذا استرخت، وَقَالَ كرَاع: هُوَ تقبض فِي الْكَفّ، وَأَصله: شللت على وزن: فعلت، بِكَسْر الْعين، وَقَالَ ابْن درسْتوَيْه: والعامة تَقول: شلت يَده، بِالضَّمِّ، وَهُوَ خطأ، وَقَالَ اللحياني: وَمِنْهُم من يَقُول: شلت، يَعْنِي: بِالضَّمِّ، وَهُوَ قَلِيل، وَعَن ابْن الْأَعرَابِي: لَا يُقَال: شلت، يَعْنِي بِالضَّمِّ، إلاَّ فِي لُغَة رَدِيئَة. وَفِي (العويص) لِابْنِ سَيّده: أشللت يَده، بِالْألف، وَقَالَ أَبُو الشَّاء: وَمن خَواص طَلْحَة بن عبيد الله أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا لم يره قَالَ: مَالِي لَا أرى الْمليح الفصيح؟ ولقبه: بالفياض، وَطَلْحَة الْخَيْر وَطَلْحَة الْجُود، وَلم يثبت مَعَه يَوْم أحد غَيره، وَعَن الْمبرد: كَانَ يُقَال لطلْحَة بن عبيد الله: طَلْحَة الطلحات، وَخلف مَالا جزيلاً: ثَلَاثِينَ ألف ألف، وَفِي الصَّحَابَة من اسْمه طَلْحَة نَحْو الْعشْرين.

51 - (بابُ مَناقِبِ سَعْدِ بنِ أبِي وقَّاصٍ الزُّهْرِيِّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَنَاقِب سعد بن أبي وَقاص الزُّهْرِيّ أحد الْعشْرَة ويكنى أَبَا إِسْحَاق، وَكَانَ يُقَال لَهُ: فَارس الْإِسْلَام وَهُوَ أول من رمى بِسَهْم فِي سَبِيل الله، وَكَانَ مجاب الدعْوَة، وَكَانَ سَابِع سَبْعَة فِي الْإِسْلَام، وَهُوَ الَّذِي كوف الْكُوفَة وَنفى الْأَعَاجِم وَفتح الله على يَدَيْهِ أَكثر فَارس، مَاتَ فِي قصره بالعقيق على عشرَة أَمْيَال من الْمَدِينَة، وَحمل على رِقَاب النَّاس إِلَى الْمَدِينَة

(16/227)


وَدفن بِالبَقِيعِ، وَصلى عَلَيْهِ مَرْوَان بن الحكم وَهُوَ آخر الْعشْرَة وَفَاة فِي سنة خمس وَخمسين وَهُوَ الْمَشْهُور وعمره يَوْم مَاتَ ثَلَاث وَثَمَانُونَ، وَقيل: ثَلَاث وَسَبْعُونَ، وَالله أعلم.
وبَنُو زُهْرَةَ أخْوَالُ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لِأَن أم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آمِنَة مِنْهُم وأقارب الْأُم أخوال.
وهْوَ سَعْدُ بنُ مالِكٍ
أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن اسْم أبي وَقاص وَالِد سعد هُوَ: مَالك بن وهب، وَيُقَال: وهيب، وَيُقَال: أهيب بن عبد منَاف بن زهرَة ابْن كلاب بن مرّة، يجْتَمع مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كلاب بن مرّة، وَعدد مَا بَينهمَا من الْآبَاء متفاوت، وَأمه حمْنَة بنت سُفْيَان ابْن أُميَّة بن عبد شمس، لم تُسْلِم.

5273 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ الْمُثَنَّى حدَّثنا عبْدُ الوَهَّابِ قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى قَالَ سَمِعْتُ سَعيدَ بن المُسَيَّبِ قَالَ سَمِعْتُ سعْدَاً يقُولُ جَمَع لي النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبَوَيْهُ يَوْمَ أُحُدٍ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الْوَهَّاب هُوَ ابْن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ، وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن مُسَدّد وَعَن قُتَيْبَة. وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن مُحَمَّد بن الْمثنى بِهِ وَعَن قُتَيْبَة وَمُحَمّد بن رمح عَن القعْنبِي. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الاسْتِئْذَان فِي المناقب عَن قُتَيْبَة. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي السّنة عَن مُحَمَّد بن رمح بِهِ وَعَن هِشَام بن عمار. قَوْله: (جمع لي) أَي: فِي التفدية بِأَن قَالَ: فدَاك أبي وَأمي.

6273 - حدَّثنا مَكِّيُّ بنُ إبْرَاهِيمَ حدَّثنا هَاشِمُ بنُ هاشِمٍ عنْ عامِرِ بنِ سَعْدٍ عنْ أبِيهِ قَالَ لَقَدْ رأيْتُنِي وَأَنا ثُلُثُ الإسْلاَمِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه كَانَ ثلث الْإِسْلَام، وَهُوَ منقبة عَظِيمَة. وهَاشِم بن هَاشم بن عتبَة بن أبي وَقاص الزُّهْرِيّ يعد فِي أهل الْمَدِينَة وَهُوَ يروي عَن عَامر بن سعد وَابْن أبي وَقاص يروي عَن أَبِيه سعد.
قَوْله: (لقد رَأَيْتنِي) أَي: رَأَيْت نَفسِي وَالْحَال (وَأَنا ثلث الْإِسْلَام) أَرَادَ بِهِ أَنه ثَالِث من أسلم أَولا، وَأَرَادَ بالإثنين، أَبَا بكر وَخَدِيجَة أَو النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبا بكر، وَالظَّاهِر أَنه أَرَادَ الرِّجَال الْأَحْرَار، لِأَن أَبَا عمر ذكر فِي الِاسْتِيعَاب أَنه سَابِع سَبْعَة فِي الْإِسْلَام، وَقد تقدم فِي تَرْجَمَة الصّديق حَدِيث عمار: رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمَا مَعَه إلاَّ خَمْسَة أعبد وَأَبُو بكر فَهَؤُلَاءِ سِتَّة وَيكون هُوَ السَّابِع بِهَذَا الإعتبار، أَو قَالَ ذَلِك بِحَسب إطلاعه، وَالسَّبَب فِيهِ أَن من كَانَ أسلم فِي ابْتِدَاء الْأَمر كَانَ يخفي إِسْلَامه، فَبِهَذَا الِاعْتِبَار قَالَ: وَأَنا ثلث الْإِسْلَام.

7273 - حدَّثني إبْرَاهِيمُ بنُ مُوساى أخْبرَنا ابنُ أبِي زَائِدَةَ حدَّثنا هاشِمُ بنُ هاشِمِ بنِ عُتْبَةَ بنِ أبِي وقَّاصٍ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أبِي وقَّاصٍ يقُولُ مَا أسْلَمَ أحَدٌ إلاَّ فِي اليَوْمِ الَّذي أسْلَمْتُ فيهِ ولَقَدْ مَكَثْتُ سَبْعَةَ أيَّامٍ وإنِّي لَثُلُثُ الإسْلاَمِ. (انْظُر الحَدِيث 6273 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَإِبْرَاهِيم بن مُوسَى بن يزِيد التَّمِيمِي الْفراء أَبُو إِسْحَاق يعرف بالصغير، يروي عَن يحيى بن زَكَرِيَّاء بن أبي زَائِدَة، واسْمه مَيْمُون، وَيُقَال: خَالِد الْهَمدَانِي الْكُوفِي القَاضِي.
قَوْله: (مَا أسلم أحد) ظَاهره أَنه لم يسلم أحد قبله، وَهَذَا مُشكل لِأَنَّهُ قد أسلم قبله جمَاعَة وَلَكِن يحمل هَذَا على مُقْتَضى مَا كَانَ اتَّصل بِعِلْمِهِ حِينَئِذٍ وَقد روى ابْن مَنْدَه فِي الْمعرفَة من طَرِيق أبي بدر عَن هَاشم بِلَفْظ: مَا أسلم أحد فِي الْيَوْم الَّذِي أسلمت فِيهِ، وَهَذَا لَا إِشْكَال فِيهِ لِأَنَّهُ لَا مَانع أَن لَا يُشَارِكهُ أحد فِي الْإِسْلَام يَوْم أسلم وَلَا يُنَافِي هَذَا إِسْلَام جمَاعَة قبل يَوْم إِسْلَامه فَافْهَم. قَوْله: (وَلَقَد مكثت) إِلَى آخِره، هَذَا أَيْضا على مُقْتَضى إطلاعه، كَمَا ذكرنَا عَن قريب.

(16/228)


تابَعَهُ أبُو أُسَامَةَ حدَّثنا هاشِمٌ
أَي: تَابع ابْن أبي زَائِدَة أَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة عَن هَاشم، وَأسْندَ البُخَارِيّ هَذِه الْمُتَابَعَة فِي إِسْلَام سعد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على مَا يَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى ويروى: أَبُو أُسَامَة حَدثنَا هَاشم.

8273 - حدَّثنا عَمْرُو بنُ عَوْنٍ حدَّثنا خالِدُ بنُ عَبْدِ الله عنْ إسْمَاعِيلَ عنْ قَيْسٍ قَالَ سَمِعْتُ سَعْدَاً رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يقُولُ إنِّي لأَوَّلُ العَرَبِ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ الله وكُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا لَنَا طَعَامٌ إلاَّ ورَقُ الشَّجَرِ حتَّى إنَّ أحَدَنا لَيَضَعُ كَمَا يَضَعُ البَعِيرُ أوِ الشَّاةِ مَا لَهُ خِلْطٌ ثُمَّ أصْبَحَتْ بَنُو اسَدٍ تُعَزِّرُنِي علَى الإسْلاَمِ لَقَدْ خِبْتُ إذَاً وضَلَّ عَمَلِي وكانُوا وشَوْا بِهِ إلَى عُمَرَ قالُوا لاَ يُحْسِنُ يُصَلِّي.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (إِنِّي لأوّل الْعَرَب رمى بِسَهْم فِي سَبِيل الله) وَفِيه منقبة عَظِيمَة لَهُ.
وَعَمْرو، بِفَتْح الْعين: ابْن عون، بِفَتْح الْعين وبالنون، مر فِي الصَّلَاة، روى عَنهُ البُخَارِيّ هُنَا بِلَا وَاسِطَة، وَفِي بعض الْمَوَاضِع يروي عَنهُ بِوَاسِطَة عبد الله بن مُحَمَّد المسندي، وخَالِد بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الطَّحَّان الوَاسِطِيّ يروي عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد الأحمسي البَجلِيّ عَن قيس بن أبي حَازِم عَن سعد بن أبي وَقاص.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَطْعِمَة عَن عبد الله بن مُحَمَّد وَفِي الرقَاق عَن مُسَدّد. وَأخرجه مُسلم فِي آخر الْكتاب عَن يحيى بن حبيب وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله ابْن نمير وَعَن يحيى عَن وَكِيع. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الزّهْد عَن مُحَمَّد بن بشار وَعَن عَمْرو بن إِسْمَاعِيل. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي المناقب عَن مُحَمَّد بن الْمثنى. وَفِي الرَّقَائِق عَن قُتَيْبَة. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي السّنة عَن عَليّ بن مُحَمَّد.
قَوْله: (إِنِّي لأوّل الْعَرَب رمى) كَانَ ذَلِك فِي سَرِيَّة عُبَيْدَة بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب، وَكَانَ الْقِتَال فِيهَا أول حَرْب وَقعت بَين الْمُشْركين وَالْمُسْلِمين، وَكَانَت هِيَ أول سَرِيَّة بعثها رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي السّنة الأولى من الْهِجْرَة، بعث نَاسا من الْمُسلمين إِلَى رابغ ليلقوا عيرًا لقريش فتراموا بِالسِّهَامِ وَلم يكن بَينهم مسايفة، أَي: مُضَارَبَة ومحاربة، وَكَانَ سعد أول من رمى، وَكَانُوا سِتِّينَ رَاكِبًا من الْمُهَاجِرين وَفِيهِمْ سعد، وَعقد لَهُ اللِّوَاء، وَهُوَ أول لِوَاء عقده رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَالتقى عُبَيْدَة وَأَبُو سُفْيَان الْأمَوِي وَكَانَ هُوَ على الْمُشْركين، وَهَذَا أول قتال جرى فِي الْإِسْلَام، وَأول من رمى إِلَيْهِم هُوَ سعد، وَفِيه قَالَ:
(ألاَ هَلْ جاءَ رَسُول الله أَنِّي ... حميت صحابِيَ بِصدور نبلي)

(فَمَا يعْتد رام من معد ... بِسَهْم مَعَ رَسُول الله قبلي)

قَوْله: (كَمَا يضع) ، أَي: يضع عِنْد قَضَاء الْحَاجة أَي: يخرج مِنْهُم مثل البعر ليبسه وَعدم الْغذَاء المألوف. قَوْله: (مَا لَهُ خلط) بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة أَي: لَا يخْتَلط بعضه بِبَعْض لجفافه. قَوْله: (تعزرني على الْإِسْلَام) أَي: تؤذيني، وَالْمعْنَى: تعلمني الصَّلَاة وتعيرني بِأَنِّي لَا أحْسنهَا. قَوْله: (لقد خبت) ، من الخيبة أَي: إِن كنت مُحْتَاجا إِلَى تعليمهم فقد ضل عَمَلي فِيمَا مضى خاسئاً من ذَلِك. قَوْله: (وَكَانُوا) أَي: بَنو أَسد. قَوْله: (وشوا بِهِ) بالشين الْمُعْجَمَة أَي: سعوا بِهِ، أَي: بِسَعْد، يُقَال: وشى بِهِ وشاية إِذا نم عَلَيْهِ وسعى بِهِ فَهُوَ واش، وَجمعه وشَاة وَأَصله: اسْتِخْرَاج الحَدِيث باللطف وَالسُّؤَال، وَقد مرت قصَّته مَعَ الَّذين زَعَمُوا أَنه لَا يحسن يُصَلِّي فِي: صفة الصَّلَاة.

61 - (بابُ ذِكْرِ أصْهَارِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ذكر أَصْهَار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي بعض النّسخ: ذكر أَصْهَار رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَيْسَ فِيهِ ذكر لفظ: بَاب. وأصهاره هم الَّذين تزوجوا إِلَيْهِ، والصهر يُطلق على جَمِيع أقَارِب الْمَرْأَة، وَمِنْهُم من يَخُصُّهُ، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الأصهار أهل بَيت الْمَرْأَة، وَعَن الْخَلِيل قَالَ: وَمن الْعَرَب من يَجْعَل الصهر من الأحماء والأختان،

(16/229)


والأختان جمع ختن وَهُوَ كل من كَانَ من قبل الْمَرْأَة مثل الْأَب وَالْأَخ، وهم الْأخْتَان، هَكَذَا عِنْد الْعَرَب، وَأما عِنْد الْعَامَّة فختن الرجل: زوج ابْنَته.
مِنْهُمْ أبُو الْعَاصِ بنُ الرَّبِيعِ
أَي: من أَصْهَار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَبُو الْعَاصِ واسْمه: لَقِيط، مقسم، بِكَسْر الْمِيم، وَقيل: هشيم، ويلقب: جرو الْبَطْحَاء ابْن الرّبيع بن الربيعة بن عبد الْعُزَّى بن عبد شمس بن عبد منَاف، وَيُقَال بِإِسْقَاط الربيعة، وَهُوَ مَشْهُور بكنيته، وَأمه هَالة بنت خويلد أُخْت خَدِيجَة، وَكَانَ ابْن خَالَتهَا وَتزَوج زَيْنَب بنت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قبل الْبعْثَة، وَهِي أكبر بَنَات رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد أسر أَبُو الْعَاصِ ببدر مَعَ الْمُشْركين وفدته زَيْنَب، فَشرط عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يرسلها إِلَيْهِ، فوفى لَهُ بذلك، فَهَذَا معنى قَوْله فِي آخر الحَدِيث: ووعدني فوفى لي، ثمَّ أسر أَبُو الْعَاصِ مرّة أُخْرَى فَأَجَارَتْهُ زَيْنَب فَأسلم فَردهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى نِكَاحه، وَقَالَ أَبُو عمر: وَكَانَ الَّذِي أسر إبا الْعَاصِ عبد الله بن جُبَير بن النُّعْمَان الْأنْصَارِيّ، فَلَمَّا بعث أهل فكة فِي فداى أساراهم قدم فِي فدَاء أَخُوهُ عَمْرو بن الرّبيع بِمَال دَفعته إِلَيْهِ زَيْنَب بنت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من ذَلِك قلادة لَهَا كَانَت لِخَدِيجَة أمهَا قد أدخلتها بهَا على أبي الْعَاصِ حِين بنى عَلَيْهَا، ثمَّ هَاجَرت زَيْنَب مسلمة وَتركته على شركه فَلم يزل كَذَلِك مُقيما على الشّرك حَتَّى كَانَ قبيل الْفَتْح، خرج بِتِجَارَة إِلَى الشَّام وَمَعَهُ أَمْوَال من أَمْوَال قُرَيْش، فَلَمَّا انْصَرف قَافِلًا لَقيته سَرِيَّة لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَمِيرهمْ زيد بن حَارِثَة، وَكَانَ أَبُو الْعَاصِ فِي جمَاعَة عير قُرَيْش، وَكَانَ زيد فِي نَحْو سبعين وَمِائَة رَاكب، فَأخذُوا مَا فِي تِلْكَ العير من الثّقل وأسروا نَاسا مِنْهُم وأفلتهم أَبُو الْعَاصِ هرباً، ثمَّ أقبل من اللَّيْل حَتَّى دخل على زَيْنَب فَاسْتَجَارَ بهَا فَأَجَارَتْهُ، وَدخل رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على زَيْنَب وَقَالَ: أكرمي مثواه، ثمَّ ردوا عَلَيْهِ مَا أخذُوا مِنْهُ فَلم يفقد مِنْهُ شَيْئا، فَاحْتمل إِلَى مَكَّة فَأدى إِلَى كل أحد مَاله، ثمَّ خرج حَتَّى قدم على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُسلما وَحسن إِسْلَامه، ورد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ابْنَته عَلَيْهِ فَقيل: ردهَا عَلَيْهِ على النِّكَاح الأول، قَالَه ابْن عَبَّاس، وَرُوِيَ من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده: أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ردهَا عَلَيْهِ بِنِكَاح جَدِيد، وَبِه قَالَ الشّعبِيّ، وَولدت لَهُ أُمَامَة الَّتِي كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحملهَا وَهُوَ يُصَلِّي، وَولدت لَهُ أَيْضا ابْنا اسْمه: عَليّ، كَانَ فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مراهقاً، وَيُقَال: إِنَّه مَاتَ قبل وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَاسْتشْهدَ أَبُو الْعَاصِ فِي وقْعَة الْيَمَامَة.

9273 - حدَّثنا أبُو اليَمَانِ أخْبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ حدَّثني عَلِيُّ بنُ حُسَيْنٍ أنَّ المِسْوَرَ ابنَ مَخْرَمَةَ قَالَ إنَّ عَلِيَّاً خطَبَ بِنْتَ أبِي جَهْلٍ فسَمِعَتْ بِذَلِكَ فاطِمَةُ فَأَتَت رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقالَتْ يَزْعَمُ قَوْمُكَ أنَّكَ لاَ تَغْضَبُ لِبَناتِكَ وهَذَا عَلِيٌّ ناكِحٌ بِنْتَ أبِي جَهْلٍ فقامَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَمِعْتُهُ حِينَ تَشَهَّدَ يَقُولُ أمَّا بَعْدُ فإنِّي أنْكَحْتُ أَبَا العاصِ بنَ الرَّبِيعِ فحَدَّثَني وصَدَقَنِي وإنَّ فاطِمَةَ بِضْعَةٌ منِّي وإنِّي أكْرَهُ أنْ يَسُوءَها وَالله لاَ تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبِنْتُ عَدُوِّ الله عِنْدَ رَجُلٍ واحِدَ فَتَرَكَ عِلِيٌّ الخِطْبَةَ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعلي بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، مَاتَ فِي سنة أَربع أَو خمس وَتِسْعين. والْحَدِيث مضى فِي الْخمس فِي: بَاب مَا ذكر من درع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (بنت أبي جهل) اسْمهَا: جوَيْرِية، بِالْجِيم، وَقيل: الجميلة، وَقيل: العوراء، وَكَانَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قد أَخذ بِعُمُوم الْجَوَاز، فَلَمَّا أنكرهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعرض عَن الْخطْبَة، فَيُقَال: تزَوجهَا عتاب بن أسيد، وَإِنَّمَا خطب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليشيع الحكم الْمَذْكُور بن النَّاس ويأخذوا بِهِ، إِمَّا على سَبِيل الْإِيجَاب، وَإِمَّا على

(16/230)


سَبِيل الْأَوْلَوِيَّة. وَادّعى الشريف المرتضي الموسوي فِي (غرره) : أَن خطْبَة عَليّ لابنَة أبي جهل مَوْضُوع فَلَا يَسْتَوِي سَمَاعه ورد عَلَيْهِ بِأَنَّهُ ثَبت فِي (الصَّحِيح) فِي حَدِيث الْمسور بن مخرمَة، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ عَن عبد الله بن الزبير وَصَححهُ. قَوْله: (وَهَذَا عَليّ ناكح بنت أبي جهل) وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ عَن أبي زرْعَة عَن أبي الْيَمَان: وَهَذَا عَليّ ناكحاً بِالنّصب على الْحَال المنتظرة، وَإِطْلَاق اسْم الناكح عَلَيْهِ مجَاز بِاعْتِبَار مَا كَانَ قصد إِلَيْهِ. قَوْله: (فَحَدثني وصدقني) كَأَنَّهُ أَرَادَ بذلك أَنه كَانَ على شَرط على أبي الْعَاصِ أَن لَا يتَزَوَّج على زَيْنَب، فَثَبت على شَرطه، فَلذَلِك شكره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بالثناء عَلَيْهِ بِالْوَفَاءِ والصدق. قَوْله: (وصدقني) بتَخْفِيف الدَّال الْمَفْتُوحَة. قَوْله: (بضعَة) بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة، وَفِي رِوَايَة للْحَاكِم: مُضْغَة مني، بِالْمِيم يغيظني مَا يغيظها ويبسطني مَا يبسطها، وَقَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد.
وزَادَ مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ حَلْحَلَةَ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ عَلِيٍّ عنْ مِسْوَرٍ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وذَكَر صِهْرَاً لَهُ مِنْ بَنِي عبْدِ شَمْسٍ فأثْنَى علَيْهِ فِي مصَاهَرَتهِ إِيَّاهُ فأحْسَنَ قَالَ حدَّثني فصَدَقَنِي ووَعَدَنِي فوَفَى لِي
هَذِه الزِّيَادَة قد تقدّمت فِي كتاب الْخمس مطولا، أخرجهَا عَن سعيد بن مُحَمَّد الْجرْمِي عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم عَن أَبِيه عَن الْوَلِيد بن كثير عَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حلحلة الديلِي عَن ابْن شهَاب عَن عَليّ بن الْحُسَيْن ... إِلَى آخِره، وَقد تقدم الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

71 - (بابُ مَناقِبِ زَيْدِ بنِ حارِثَةَ مَوْلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَنَاقِب زيد بن حَارِثَة بن شرَاحِيل بن كَعْب بن عبد الْعُزَّى الْكَلْبِيّ، أسر زيد فِي الْجَاهِلِيَّة فَاشْتَرَاهُ حَكِيم ابْن حزَام لِعَمَّتِهِ خَدِيجَة، فاستوهبه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مِنْهَا، وَيُقَال: خرجت بِهِ أمه تزور قَومهَا، فاتفق غَارة فيهم فاحتملوا زيدا وَهُوَ ابْن ثَمَان سِنِين، ووفدوا بِهِ إِلَى سوق عكاظة، فَعَرَضُوهُ على البيع فَاشْتَرَاهُ حَكِيم بن حزَام بالزاي لِخَدِيجَة بأربعمائة دِرْهَم، فَلَمَّا تزَوجهَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وهبته لَهُ، ثمَّ إِن خَبره اتَّصل بأَهْله، فحضره أَبوهُ حَارِثَة فِي فدائه فخيره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين الْمقَام عِنْده وَالرُّجُوع إِلَيْهِ فَاخْتَارَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتبناه رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وزوجه حاضنته أم أَيمن ضد الْأَيْسَر فَولدت لَهُ أُسَامَة. وَمن فضائله: أَن الله سَمَّاهُ فِي الْقُرْآن، وَهُوَ أول من أسلم من الموَالِي فَأسلم من أول يَوْم تشرف بِرُؤْيَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ من الْأُمَرَاء الشُّهَدَاء وَمن الرُّمَاة الْمَذْكُورين، وَله حديثان، وَقَالَ ابْن عمر: مَا كُنَّا نَدْعُوهُ إلاَّ زيد بن مُحَمَّد حَتَّى نزلت {ادعوهُمْ لِآبَائِهِمْ} (الْأَحْزَاب: 5) . وَذكر ابْن مَنْدَه فِي (معرفَة الصَّحَابَة) عَن آل بَيت زيد بن حَارِثَة: أَن حَارِثَة أسلم يَوْمئِذٍ أَعنِي يَوْم جَاءَ أَبوهُ يَأْخُذهُ بِالْفِدَاءِ.
وقالَ البَرَاءُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْتَ أخونا ومَوْلانَا
هَذَا قِطْعَة من حَدِيث الْبَراء أخرجه مطولا فِي كتاب الصُّلْح فِي: بَاب كَيفَ يكْتب: هَذَا مَا صَالح ... ؟ إِلَى آخِره.

0373 - حدَّثنا خالِدُ بنُ مَخْلَدٍ حدَّثنا سُلَيْمَانُ قَالَ حدَّثني عبْدُ الله بنُ دِينارٍ عنْ عَبْدِ الله ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ بعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعْثاً وأمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بنَ زَيْدٍ فطَعَنَ بَعْضُ النَّاسِ فِي إمَارَتِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ تَطْعُنُوا فِي إمَارَتِهِ فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إمَارَةِ أبِيهِ مِنْ قَبْلُ وايْمُ الله إنْ كانَ لَخَلِيقاً لِلإمَارَةِ وإنْ كانَ لَمِنْ أحَبِّ النَّاسِ إلَيَّ بَعْدَهُ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة جدا. وَسليمَان هُوَ ابْن بِلَال. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (بعثاً) بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة

(16/231)


وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَفِي آخِره ثاء مُثَلّثَة، وَهُوَ السّريَّة. قَوْله: (وأمَّر) بتَشْديد الْمِيم. قَوْله: (فطعن) ، يُقَال: طعن بِالرُّمْحِ وباليد: يطعن بِالضَّمِّ، وَطعن فِي الْعرض وَالنّسب: يطعَن بِالْفَتْح، وَقيل: هما لُغَتَانِ فيهمَا. قَوْله: (بعض النَّاس) مِنْهُم عَيَّاش بن أبي ربيعَة المَخْزُومِي. قَوْله: (فِي إمارته) بِكَسْر الْهمزَة. قَوْله: (فِي إِمَارَة أَبِيه) ، وَهِي: إِمَارَة زيد بن حَارِثَة فِي غَزْوَة مُؤْتَة. قَوْله: (إِن كَانَ لخليقاً) أَي: إِن زيدا كَانَ خليقاً بالإمارة، يَعْنِي: أَنهم طعنوا فِي إِمَارَة زيد وَظهر لَهُم فِي الآخر أَنه كَانَ جَدِيرًا لائقاً بهَا، فَكَذَلِك حَال أُسَامَة.
وَفِيه: جَوَاز إِمَارَة الموَالِي، وتولية الصغار على الْكِبَار، والمفضول على الْفَاضِل للْمصْلحَة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: الأحب بِمَعْنى المحبوب. قلت: مَا ظهر لي وَجه الْعُدُول عَن معنى التَّفْضِيل، وَمَعَ هَذَا ذكره بِكَلِمَة: من التبعيضية.

1373 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ قَزَعَةَ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا قالَتْ دَخَلَ علَيَّ قائِفٌ والنَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شاهِدٌ وأُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ وزَيْدُ بنُ حارِثَةَ مُضْطَجِعَانِ فَقَالَ إنَّ هَذِهِ الأقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ قَالَ فَسُرَّ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأعْجَبَهُ فأخْبَرَ بِهِ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا.
مطابقته للتَّرْجَمَة تستأنس من قَوْله: (فسر بذلك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) إِلَى آخِره. والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي النِّكَاح عَن مَنْصُور بن أبي مُزَاحم.
قَوْله: (قائف) هُوَ الَّذِي يلْحق الْفُرُوع بالأصول، بالشبه والعلامات، وَيُرَاد بِهِ هَهُنَا: مجزز، بِالْجِيم وَتَشْديد الزَّاي الأولي المدلجي، وَأبْعد من قَالَ بِالْحَاء الْمُهْملَة وَحكى فتح الزَّاي الأولى، وَالصَّوَاب الْكسر لِأَنَّهُ جز نواصي الْعَرَب، وَهُوَ: ابْن الْأَعْوَر بن جعدة بن معَاذ بن عتوارة بن عمر بن مُدْلِج الْكِنَانِي المدلجي، ودخوله على عَائِشَة إِمَّا قبل نزُول الْحجاب أَو بعده، وَكَانَ من وَرَاء حجاب. قَوْله: (فأعجبه وَأخْبر بِهِ عَائِشَة) لَعَلَّه لم يعلم أَنَّهَا علمت ذَلِك، أَو أخْبرهَا وَإِن كَانَ علم بعلمها تَأْكِيدًا للْخَبَر، أَو نسي أَنَّهَا علمت ذَلِك وشاهدته مَعَه، وَقد مر الْكَلَام فِي حكم الْقَائِف فِي: بَاب صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الحَدِيث الَّذِي أخرجه: عَن يحيى عَن عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة: أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل عَلَيْهَا مَسْرُورا تبرق أسارير وَجهه ... الحَدِيث.