عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 31 - (بابُ مَنْقَبَةِ أُسَيْدِ بنِ
حُضَيْرٍ وعَبَّادِ بنِ بِشْرٍ رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُمَا)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان منقبة أسيد، بِضَم الْهمزَة
وَفتح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر
الْحُرُوف: ابْن حضير، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح
الضَّاد الْمُعْجَمَة: ابْن سماك بن عتِيك بن رَافع بن
امرىء الْقَيْس بن زيد بن عبد الْأَشْهَل الْأنْصَارِيّ
الأوسي الأشْهَلِي، يكنى أَبَا يحيى، وَقيل غير ذَلِك،
وَمَات فِي سنة عشْرين فِي خلَافَة عمر بن الْخطاب، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، على الْأَصَح وَحمله عمر حَتَّى
وَضعه فِي قَبره بِالبَقِيعِ، وَعباد، بِفَتْح الْعين
الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن وقش بن
رَغْبَة بن عبد الْأَشْهَل بن جشم بن الْحَرْث ابْن
الْخَزْرَج الأوسي الأشْهَلِي، من كبار الصَّحَابَة، قتل
يَوْم الْيَمَامَة، وَمن قَالَ: بشير، بِفَتْح الْبَاء
الْمُوَحدَة وَكسر الشين، فقد غلط.
5083 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ مُسْلِمٍ حدَّثنا حَبَّانُ
حدَّثنا هَمَّامٌ أخبرَنا قَتادَةُ عنْ أنَسٍ رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ أنَّ رَجُلَيْنِ خَرَجَا مِنْ عِنْدِ
النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي لَيْلَةٍ
مُظْلِمَةٍ وإذَا نُورٌ بيْنَ أيْدِيهِما حتَّى تفَرَّقا
فتَفَرَّقُ النُّورُ مَعَهُمَا. (انْظُر الحَدِيث 564
وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَعلي بن مُسلم الطوسي
الْبَغْدَادِيّ وَهُوَ من أَفْرَاده، وحبان، بِفَتْح
الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن
هِلَال الْبَاهِلِيّ، وَهَمَّام، بتَشْديد الْمِيم: ابْن
يحيى العوذي الشَّيْبَانِيّ الْبَصْرِيّ. قَوْله: (أَن
رجلَيْنِ خرجا من عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
، قيل: ظهر من رِوَايَة معمر أَن أسيد بن حضير أَحدهمَا،
وَمن رِوَايَة حَمَّاد أَن الثَّانِي عباد بن بشر. انْتهى.
قلت: رِوَايَة معمر تَأتي الْآن وَرِوَايَة حَمَّاد
كَذَلِك معلقتين، وَلَكِن فِي ظهورهما من روايتهما نظر على
مَا نذكرهُ، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَقَالَ مَعْمَرٌ عنْ ثابِتٍ عنْ أنَسٍ أنَّ أُسَيْدَ بنَ
حُضَيْرٍ ورَجُلاً مِنَ الأنْصَارِ وَقَالَ حَمَّادٌ
(16/269)
أخْبرَنا ثابِتٌ عنْ أنَسٍ كانَ أُسَيْدُ
بنُ حُضَيْرٍ وعَبَّادُ بنُ بِشْرٍ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم
تَعْلِيق معمر بن رَاشد وَصله عبد الرَّزَّاق فِي
(مُصَنفه) عَنهُ، وَمن طَريقَة الْإِسْمَاعِيلِيّ بِلَفْظ:
أَن أسيد بن حضير ورجلاً من الْأَنْصَار تحدثا عِنْد
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حَتَّى ذهب من
اللَّيْل سَاعَة فِي لَيْلَة شَدِيدَة الظلمَة، ثمَّ خرجا
وبيد كل مِنْهُمَا عَصا فَأَضَاءَتْ عَصا أَحدهمَا حَتَّى
مشيا فِي ضوئها، حَتَّى إِذا افْتَرَقت بهما الطَّرِيق
أَضَاءَت عَصا الآخر، فَمشى كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي ضوء
عَصَاهُ حَتَّى بلغ أَهله، وَتَعْلِيق حَمَّاد بن سَلمَة
وَصله أَحْمد وَالْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك) بِلَفْظ:
أَن أسيد بن حضير وَعباد ابْن بشر كَانَا عِنْد النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي لَيْلَة ظلماء حندس،
فَلَمَّا خرجا أَضَاءَت عَصا أَحدهمَا فمشيا فِي ضوئها،
فَلَمَّا افْتَرَقت بهما الطَّرِيق أَضَاءَت عَصا الآخر،
وَوجه النّظر الَّذِي نبهنا عَلَيْهِ هُوَ أَن حَدِيث
الْبَاب سَاكِت عَن تعْيين الرجلَيْن وتعيينهما بالمعلقين
غير جازم بذلك لاحْتِمَال كَون الرجلَيْن غير أسيد بن حضير
وَعباد بن بشر، وَالَّذِي اتّفق للرجلين الْمَذْكُورين
اتّفق أَيْضا لأسيد وَعباد، وَقَالَ هَذَا الْقَائِل
الْمَذْكُور أَيْضا: إِن البُخَارِيّ جزم بِهِ فِي
التَّرْجَمَة، وَأَشَارَ إِلَى حَدِيثهمَا، وَفِيه أَيْضا
نظر، لاحْتِمَال تعدد الِاحْتِمَال لتَعَدد أَصْحَاب
الْقَضِيَّة كَمَا ذكرنَا.
41 - (بَاب مَناقِبِ مُعاذِ بنِ جَبَلٍ رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَنَاقِب معَاذ بن جبل بن
عَمْرو بن أَوْس بن عَائِذ بن عدي بن كَعْب بن عَمْرو بن
أد بن سعد بن عَليّ بن أَسد ابْن ساردة بن تزيد بن جشم من
الْخَزْرَج الْأنْصَارِيّ الخزرجي أَبُو عبد الرَّحْمَن
الْمدنِي، هُوَ أحد السّبْعين الَّذين شهدُوا الْعقبَة من
الْأَنْصَار وآخى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
بَينه وَبَين عبد الرَّحْمَن بن مَسْعُود، أسلم وَهُوَ
ابْن ثَمَان عشرَة سنة، وَشهد بَدْرًا والمشاهد كلهَا مَعَ
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ من الَّذين
جمعُوا الْقُرْآن على عهد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، وَكَانَ أَمِيرا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
على الْيمن، وَرجع بعده إِلَى الْمَدِينَة ثمَّ خرج إِلَى
الشَّام مُجَاهدًا وَمَات فِي طاعون عمواس سنة ثَمَان
عشرَة وَهُوَ ابْن أَربع وَثَلَاثِينَ بِنَاحِيَة
الْأُرْدُن، وقبره بغور بَيَان فِي شرقيه، وعمواس قَرْيَة
بَين الرملة وَبَيت الْمُقَدّس نسبت الطَّاعُون إِلَيْهَا
لِأَنَّهُ أول مَا بدا مِنْهَا، قيل: إِنَّه لم يُولد لَهُ
قطّ، وَقيل: ولد لَهُ ولد يُسمى عبد الرَّحْمَن وَأَنه
قَاتل مَعَه يَوْم اليرموك، وَبِه كَانَ يكنى.
6083 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا غُنْدَرٌ
حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ عَمْرٍ وعنْ إبْرَاهِيمَ عنْ
مَسْرُوقٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍ وَرَضي الله
تَعَالَى عَنْهُمَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَقُول اسْتَقْرِئُوا القُرْآنَ مِنْ أرْبَعَةٍ منِ
ابنِ مَسْعُودٍ وسالِمٍ مَوْلَى أبِي حُذَيْفَةَ واأبَيٍّ
ومُعَاذِ بنِ جَبَلٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُم. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (ومعاذ بن جبل) وَكَانَ
يَنْبَغِي أَن يُقَال: بَاب منقبة معَاذ، لِأَنَّهُ لم
يذكر فِيهِ إلاَّ منقبة وَاحِدَة، وَقد أخرج ابْن حبَان من
حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَفعه: نعم الرجل معَاذ بن جبل،
والْحَدِيث مر فِي مَنَاقِب سَالم مولى أبي حُذَيْفَة
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن سلمَان بن حَرْب عَن شُعْبَة
عَن عَمْرو بن مرّة عَن إِبْرَاهِيم عَن مَسْرُوق عَن عبد
الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم،
وَأخرجه من طَرِيق آخر عَن عبد الله بن عَمْرو فِي: بَاب
مَنَاقِب عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُم، وَأخرجه من طَرِيق آخر عَن عبد الله بن
عَمْرو فِي: بَاب مَنَاقِب عبد الله بن مَسْعُود، وَمر
الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
51 - (بابُ مَنْقَبَةِ سَعْدِ بنِ عُبَادَةَ رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان منقبة سعد بن عبَادَة بن دليم
بن أبي حَارِثَة بن أبي صريمة بن ثَعْلَبَة بن طريف بن
الْخَزْرَج بن سَاعِدَة، يكنى أَبَا الْحَارِث وَهُوَ
وَالِد قيس بن سعد أحد مشاهير الصَّحَابَة، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُم، وَكَانَ سعد كَبِير الْخَزْرَج، وَكَانَ
جواداً كَرِيمًا، مَاتَ بحوران من أَرض الشَّام سنة أَربع
عشرَة أَو خمس عشرَة فِي خلَافَة عمر بن الْخطاب، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ.
وقالَتْ عائِشَةُ: وكانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلاً صالِحَاً
(16/270)
هَذَا قِطْعَة من حَدِيث طَوِيل فِي
قَضِيَّة الْإِفْك ذكره فِي التَّفْسِير فِي سُورَة
النُّور، وَقيل: تَمام هَذِه الْقطعَة: فَقَامَ رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فاستعذر يَوْمئِذٍ عَن عبد
الله بن أبي بن سلول، قَالَت يَعْنِي عَائِشَة: فَقَالَ
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ على
الْمِنْبَر: يَا معشر الْمُسلمين {من يعذرني فِي رجل قد
بَلغنِي أَذَاهُ فِي أهل بَيْتِي؟ فوَاللَّه مَا علمت على
أَهلِي إلاَّ خيرا، وَلَقَد ذكرُوا رجلا مَا علمت عَلَيْهِ
إلاَّ خيرا، وَمَا كَانَ يدْخل على أَهلِي إلاَّ معي،
فَقَامَ سعد بن معَاذ الْأنْصَارِيّ، فَقَالَ: يَا رَسُول
الله} أَنا أعذرك مِنْهُ إِن كَانَ من الْأَوْس ضربت
عُنُقه، وَإِن كَانَ من إِخْوَاننَا من الْخَزْرَج أمرتنا
فعلنَا أَمرك. قَالَت: فَقَامَ سعد بن عبَادَة، وَهُوَ سيد
الْخَزْرَج، وَكَانَ قبل ذَلِك رجلا صَالحا، وَلَكِن
حَملته الحمية: فَقَالَ لسعد: كذبت لعمر الله لَا تقتله
وَلَا تقدر على قَتله، فتثاور الْحَيَّانِ: الْأَوْس
والخزرج، حَتَّى هموا أَن يقتتلوا ... الحَدِيث، قَوْله:
(وَكَانَ) أَي: سعد بن عبَادَة. قَوْله: (قبل ذَلِك) أَي:
قبل حَدِيث الْإِفْك، وَظَاهره أَنه لَيْسَ فِي حَدِيث
الْإِفْك مثل مَا كَانَ، وَلَكِن لم يكن مرادها الغض
مِنْهُ، لِأَن سَعْدا لم يكن مِنْهُ فِي تِلْكَ الْمقَالة
إلاَّ الرَّد على سعد بن معَاذ، وَلَا يلْزم مِنْهُ زَوَال
تِلْكَ الصّفة عَنهُ فِي وَقت صُدُور الْإِفْك، بل هَذِه
الصّفة مستمرة فِيهِ، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
7083 - حدَّثنا إسْحَاقُ حدَّثنا عبْدُ الصَّمَدِ حدَّثنا
شُعْبةُ حدَّثنَا قَتادَةَ قَالَ سَمِعْتُ أنَسَ ابنَ
مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ أبُو أُسَيْدٍ
قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَيْرُ دُورِ
الأنْصَارِ بَنُو النَّجَّارِ ثُمَّ بَنُو عَبْدِ
الأشْهَلِ ثُمَّ بَنُو الحَارِثِ بنِ الخَزْرَجِ ثُمَّ
بَنُو ساعِدَةَ وَفِي كلِّ دُورِ الأنْصَارِ خَيْرٌ
فَقَالَ سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ وكانَ ذَا قَدَمٍ فِي
الإسْلاَمِ أرَى رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَدْ
فَضَّلَ علَيْنَا فَقيلَ لَهُ قَدْ فَضَّلَكُمْ علَى ناسٍ
كَثِيرٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَإِسْحَاق هَذَا هُوَ
ابْن مَنْصُور بن بهْرَام الكوسج أَبُو يَعْقُوب
الْمروزِي، وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا، وَقيل: هُوَ إِسْحَاق
بن إِبْرَاهِيم الْمَعْرُوف بِابْن رَاهَوَيْه الْمروزِي،
وَهُوَ الصَّحِيح، والْحَدِيث مضى فِي: بَاب فضل دور
الْأَنْصَار، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن
بشار عَن غنْدر عَن شُعْبَة ... إِلَى آخِره، وَمضى
الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
61 - (بابُ مَنَاقِبِ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَنَاقِب أبي بن كَعْب بن قس
بن عبيد بن زيد بن مُعَاوِيَة بن عَمْرو بن مَالك بن
النجار الْأنْصَارِيّ الخزرجي النجاري، يكنى أَبَا
الْمُنْذر، وَأَبا الطُّفَيْل، وَكَانَ من السَّابِقين من
الْأَنْصَار، شهد الْعقبَة وَمَا بعْدهَا، مَاتَ سنة
ثَلَاثِينَ، وَقيل: قبل ذَلِك بِالْمَدِينَةِ.
8083 - حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ
عَمْرٍ وبنِ مُرَّةَ عنْ إبْرَاهِيمَ عنْ مَسْرُوقٍ قَالَ
ذُكِرَ عبْدُ الله بنُ مَسْعُودٍ عنْدَ عَبْدِ الله بنِ
عَمْرٍ وفقال ذَاكَ رَجُلٌ لاَ أزَالُ أحِبُّهُ سَمِعْتُ
النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقولُ خُذُوا
القُرْآنَ مِنْ أرْبَعَةٍ مِنْ عَبْدِ الله بنِ مَسْعُود
فبَدَأَ بِهِ وسالِمِ مَوْلَى أبِي حُذَيْفَةَ ومُعاذِ بنِ
جَبَلٍ وأُبَيِّ بنِ كَعْبٍ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام
بن عبد الْملك، والْحَدِيث مر فِي: بَاب مَنَاقِب سَالم
مولى أبي حُذَيْفَة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن
سُلَيْمَان بن حَرْب إِلَى آخِره.
9083 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثَنا غُنْدَرٌ
قَالَ سَمِعْتُ شُعْبَةَ سَمِعْتُ قتَادَةَ عنْ أنَسِ بنِ
مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ النَّبِيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لاُِبَيِّ بنِ كَعْبِ إنَّ الله
أمَرَنِي أنْ أقْرَأ علَيْكَ {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ
كَفَرُوا} (الْبَيِّنَة: 1) . قَالَ وسَمَّاني قَالَ
نَعَمْ قَالَ فبَكَى،.
مطابقته للتَّرْجَمَة أظهر مَا يكون، وَهِي منقبة عَظِيمَة
لم يُشَارِكهُ فِيهَا أحد من النَّاس، وَهِي قِرَاءَة
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقُرْآن عَلَيْهِ
(16/271)
وَسَماهُ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
سيد الْمُسلمين، وَقد تكَرر ذكر رِجَاله لَا سِيمَا على
هَذَا النسق.
والْحَدِيث أخرجه فِي التَّفْسِير أَيْضا عَن غنْدر.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة وَفِي الْفَضَائِل عَن أبي
مُوسَى وَبُنْدَار. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن
بنْدَار. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن عبد
الْأَعْلَى، وَفِي التَّفْسِير عَن إِبْرَاهِيم بن الْحسن.
قَوْله: (قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي بن
كَعْب: إِن الله أَمرنِي أَن أَقرَأ عَلَيْك) وَفِي
رِوَايَة لِأَحْمَد من حَدِيث عَليّ بن زيد عَن عمار بن
أبي عمار عَن أبي حَيَّة: لما نزلت لم يكن، قَالَ
جِبْرَائِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لرَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن رَبك أَمرك أَن تقرئها
أَبَيَا. فَقَالَ لَهُ: إِن الله أَمرنِي أَن أقرئك هَذِه
السُّورَة، فَبكى وَالْحكمَة فِي أمره بِالْقِرَاءَةِ
عَلَيْهِ هِيَ أَنه يتَعَلَّق أبي أَلْفَاظه وَكَيْفِيَّة
أَدَائِهِ ومواضع الْوُقُوف، فَكَانَت الْقِرَاءَة
عَلَيْهِ لتعليمه لَا ليتعلم مِنْهُ، وَأَنه يسن عرض
الْقُرْآن على حفاظه المجودين لأدائه وَإِن كَانُوا دونه
فِي النّسَب وَالدّين والفضيلة وَنَحْو ذَلِك، أَو أَن
يُنَبه النَّاس على فَضِيلَة أبي ويحثهم على الْأَخْذ
عَنهُ وتقديمه فِي ذَلِك، وَكَانَ كَذَلِك، وَصَارَ بعد
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رَأْسا وإماماً
مَشْهُورا فِيهِ. قَوْله: {لم يكن الَّذين كفرُوا}
(الْبَيِّنَة: 1) . تَخْصِيص هَذِه السُّورَة لِأَنَّهَا
مَعَ وجازتها جَامِعَة لأصول وقواعد ومهمات عَظِيمَة،
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: خص هَذِه السُّورَة بِالذكر لما
احتوت عَلَيْهِ من التَّوْحِيد والرسالة وَالْإِخْلَاص
والصحف والكتب الْمنزلَة على الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَذكر الصَّلَاة وَالزَّكَاة
والمعاد وَبَيَان أهل الْجنَّة وَالنَّار مَعَ وجازتها،
وَقيل: لِأَن فِيهَا {رَسُول من الله يَتْلُو صحفاً مطهرة}
(الْبَيِّنَة: 2) . قَوْله: (قَالَ: وسماني الله؟) أَي:
قَالَ أبي: وسماني الله؟ يَعْنِي هَل نَص عَليّ باسمي؟ أَو
قَالَ: إقرأ على وَاحِد من أَصْحَابك فاخترتني أَنْت؟
قَالَ: نعم، أَي: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
نعم إِن الله سماك. وَفِي رِوَايَة للطبراني عَن أبي بن
كَعْب، قَالَ: نعم بِاسْمِك ونسبك فِي الْمَلأ الْأَعْلَى،
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ. وَفِي رِوَايَة: الله سماني لَك؟
بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام على التَّعَجُّب مِنْهُ إِذْ
كَانَ ذَلِك عِنْده مستبعداً، لِأَن تَسْمِيَته تَعَالَى
لَهُ وتعيينه ليقْرَأ عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، تشريف عَظِيم، فَلذَلِك بَكَى من شدَّة الْفَرح
وَالسُّرُور، وَقَالَ النَّوَوِيّ؛ قيل؛ بكاؤه خوفًا من
تَقْصِيره على شكر هَذِه النِّعْمَة الْعَظِيمَة، وروى
الْحَاكِم مصححاً من حَدِيث زر بن حُبَيْش عَن أبي بن
كَعْب: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَرَأَ
عَلَيْهِ {لم يكن} (الْبَيِّنَة: 1) . وَقَرَأَ فِيهَا:
إِن الدّين عِنْد الله الحنيفية لَا الْيَهُودِيَّة وَلَا
النَّصْرَانِيَّة وَلَا الْمَجُوسِيَّة، من تعجل خيرا
فَلَنْ يكفره، وَالله أعلم.
71 - (بابُ مَنَاقِبِ زَيْدِ بنِ ثابِتٍ رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَنَاقِب زيد بن ثَابت بن
الضَّحَّاك بن زيد بن لوذان بن عَمْرو بن عبد بن عَوْف بن
غنم بن مَالك بن النجار الْأنْصَارِيّ النجاري أَبُو سعيد،
وَيُقَال: أَبُو خَارِجَة الْمدنِي، وَأمه النوار بنت
مَالك بن النجار، قدم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، الْمَدِينَة وَهُوَ ابْن إِحْدَى عشرَة سنة،
وَكَانَ يكْتب الْوَحْي لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، وَكَانَ من فضلاء الصَّحَابَة وَمن أَصْحَاب
الْفَتْوَى، توفّي سنة خمس وَأَرْبَعين بِالْمَدِينَةِ أَو
سنة سِتّ وَخمسين.
0183 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا يَحْيَى
حدَّثَنا شُعْبَةُ عنْ قَتَادَة عنْ أنَسٍ رَضِي الله
تَعَالَى عنهُ جَمَعَ القُرْآنُ علَى عَهْدِ النَّبِيِّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ مِنَ
الأنْصَارِ أُبَيٌّ ومُعَاذُ بنُ جَبَلٍ وأبُو زَيْدٍ
وزَيْدُ ابنُ ثابِتٍ قُلْتُ لأنسٍ مَنْ أبُو زَيْدٍ قَالَ
أحَدُ عُمُومَتِي. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن جمع زيد بن ثَابت
الْقُرْآن على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منقبة
عَظِيمَة، وَيحيى هُوَ: ابْن سعيد الْقطَّان.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن أبي مُوسَى
وَعَن يحيى بن حبيب. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب
عَن بنْدَار عَن يحيى. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن
مُحَمَّد بن يحيى وَفِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن إِسْحَاق
بن إِبْرَاهِيم وَعَن بنْدَار عَن يحيى.
قَوْله: (جمع الْقُرْآن) أَي: اسْتَظْهرهُ حفظا. قَوْله:
(وَأَبُو زيد) قَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: اسْمه أَوْس،
وَعَن يحيى بن معِين: هُوَ ثَابت بن زيد بن مَالك
الأشْهَلِي، وَقيل: هُوَ سعد بن عبيد بن النُّعْمَان،
وَبِذَلِك جزم الطَّبَرَانِيّ عَن شَيْخه أبي بكر بن
صَدَقَة. قَالَ: هُوَ الَّذِي كَانَ يُقَال لَهُ: القارىء،
وَكَانَ على الْقَادِسِيَّة، وَاسْتشْهدَ بهَا سنة خمس
عشرَة، وَهُوَ وَالِد عُمَيْر بن سعد. وَعَن الْوَاقِدِيّ:
هُوَ قيس بن السكن بن
(16/272)
قيس بن زعور بن حرَام الْأنْصَارِيّ،
ويرجحه قَول أنس: (أحد عمومتي) فَإِنَّهُ من قَبيلَة بني
حرَام، وَأنس بن مَالك بن النَّضر ابْن ضَمْضَم
بِالْمُعْجَمَةِ ابْن زيد بن حرَام. قَوْله: (عمومتي) أَي:
أعمامي. وَفِي (الِاسْتِيعَاب) : افتخر الْحَيَّانِ،
فَقَالَت الْأَوْس: منا غسيل الْمَلَائِكَة حَنْظَلَة،
وَالَّذِي حمته الدبر عَاصِم، وَالَّذِي اهتز لمَوْته
الْعَرْش سعد، وَمن شَهَادَته بِشَهَادَة رجلَيْنِ
خُزَيْمَة. وَقَالَ الْخَزْرَج: منا أَرْبَعَة جمعُوا
الْقُرْآن على عهد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
معَاذ وَأبي وَزيد وَأَبُو زيد فَإِن قيل: غَيرهم أَيْضا
جمعُوا مثل الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة؟ وَأجِيب: بِأَن
مَفْهُوم الْعدَد لَا يَنْفِي الزَّائِد، وَقيل: جَمَعُوهُ
حفظا عَن ظهر الْقلب فَإِن قيل: كَيفَ جَمَعُوهُ كُله وَقد
نزل بعض الْقُرْآن بِقرب وَفَاة النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُم حفظوا ذَلِك الْبَعْض
أَيْضا قبل الْوَفَاة. فَإِن قلت: هَذَا يُعَارض حَدِيث
عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ الَّذِي تقدم: استقرئوا
الْقُرْآن من أَرْبَعَة: من ابْن مَسْعُود وَسَالم مولى
أبي حُذَيْفَة وَأبي ومعاذ، وَأسْقط فِي حَدِيث الْبَاب:
ابْن مَسْعُود وَسَالم، وَزَاد: زيد بن ثَابت وَأَبا زيد.
قلت: لَا مُعَارضَة، لِأَنَّهُ لَا يلْزم من الْأَمر بِأخذ
الْقِرَاءَة عَنْهُم أَن يكون كلهم استظهر جَمِيع
الْقُرْآن، وَقيل: لَا يُؤْخَذ بِمَفْهُوم حَدِيث أنس
لِأَنَّهُ لَا يلْزم من قَوْله: جمعه أَرْبَعَة، أَن لَا
يكون جمعه غَيرهم، فَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنه لم يَقع جمعه
لأربعة من قَبيلَة وَاحِدَة إلاَّ لهَذِهِ الْقَبِيلَة،
وَهِي الْأَنْصَار.
81 - (بابُ مَنَاقِبِ أبِي طَلْحَةَ رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَنَاقِب أَي طَلْحَة زيد بن
سهل بن الْأسود بن حرَام الْأنْصَارِيّ الخزرجي النجاري،
وَهُوَ زوج أم سليم وَالِدَة أنس بن مَالك، شهد الْمشَاهد
كلهَا، وَهُوَ أحد النُّقَبَاء، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سنة
اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وَقيل: أَربع وَثَلَاثِينَ،
وَصلى عَلَيْهِ عُثْمَان ابْن عَفَّان، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ. وَقَالَ أَبُو زرْعَة الدِّمَشْقِي: مَاتَ
بِالشَّام وعاش بعد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَرْبَعِينَ سنة يسْرد الصَّوْم، وَرُوِيَ عَن أنس أَنه
مَاتَ فِي الْبَحْر غازياً.
1183 - حدَّثنا أبُو مَعْمَرٍ حدَّثنا عَبْدُ الوَارِثِ
حدَّثنا عَبْدُ العَزِيزِ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى
عنهُ قَالَ لَ مَّا كانَ يَوْمُ أُحُدِ انْهَزَمَ النَّاسُ
عنِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأبُو طَلْحَةَ
بَيْنَ يَدَيِّ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
مُجَوِّبٌ بِهِ علَيْهِ بِحَجَفَةٍ لَهُ وكانَ أبُو
طَلْحَةَ رَجُلاً رَامِياً شَدِيداً لَقَد يُكَسِّرُ
يَوْمَئِذٍ قَوْسَيْنِ أوْ ثَلاثَاً وكانَ الرَّجُلُ
يَمُرُّ ومَعَهُ الجَعْبَةُ مِنَ النَّبْلِ فيَقُولُ
انْشُرْها لأِبِي طَلْحَةَ فأشْرَفَ النَّبِيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَنْظُرُ إِلَيّ القَوْمِ فيَقُولُ أبُو
طَلْحَةَ يَا نَبِيَّ الله بأبِي أنْتَ وأُمِّي لاَ
تُشْرِفْ يُصبْكَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ القَوْمِ نَحْرِي
دُونَ نَحْرِكَ ولَقَدْ رأيْتُ عائِشَةَ بِنْتَ أبِي
بَكْرٍ وأُمَّ سُلَيْمٍ وإنَّهُمَا لَمُشَمِّرَتانِ أرَى
خَدَمَ سُوقِهِمَا تَنْقُزَانِ القِرَبَ عَلَى
مُتُونِهِمَا تُفْرِغَانِهِ فِي أفْوَاهِ القَوْمِ ثُمَّ
تَرْجِعَانِ فَتَمْلآنِها ثُمَّ تَجِيآنِ فَتُفْرِغَانِهَا
فِي أفْوَاهِ القَوْمِ ولَقَدْ وقَعَ السَّيْفُ مِنْ
يَدَيْ أبِي طَلْحَةَ إمَّا مَرَّتَيْنِ وإمَّا ثَلاثَاً.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث فِي
مَوَاضِع على مَا لَا يخفى، وَأَبُو معمر، بِفَتْح
الميمين: عبد الله بن عَمْرو بن أبي الْحجَّاج الْمنْقري
مَوْلَاهُم المقعد الْبَصْرِيّ، وَعبد الْوَارِث بن سعيد،
وَعبد الْعَزِيز بن صُهَيْب. وَرِجَاله كلهم بصريون.
وَمضى بعض هَذَا الحَدِيث فِي الْجِهَاد فِي: بَاب غَزْو
النِّسَاء مَعَ الرِّجَال فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ بِهَذَا
الْإِسْنَاد بِعَيْنِه.
قَوْله: (وَأَبُو طَلْحَة) الْوَاو فِيهِ للْحَال، وَهُوَ
مُبْتَدأ. وَقَوله: (مجوِّب) خَبره، وَهُوَ بِضَم الْمِيم
وَفتح الْجِيم وَكسر الْوَاو الْمُشَدّدَة وَفِي آخِره
بَاء مُوَحدَة، وَمَعْنَاهُ: مترِّس عَلَيْهِ يَقِيه
بالجوبة وَهُوَ الترس. قَوْله: (عَلَيْهِ) أَي: على
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (بحجفة) ،
مُتَعَلق بقوله: مجوِّب، والحجفة، بِفَتْح الْحَاء
الْمُهْملَة وَفتح الْجِيم وَالْفَاء أَيْضا وَهِي الترس
إِذا كَانَ من جلد لَيْسَ فِيهَا خشب. قَوْله: (رامياً)
أَي: رامياً بِالْقَوْسِ. قَوْله: (شَدِيدا) يَعْنِي:
مَوْصُوفا بِشدَّة الرَّمْي، وَهَكَذَا فِي رِوَايَة
الْأَكْثَرين: شَدِيدا، بِالنّصب وَبعده: (لقد
(16/273)
يكسر) بلام التَّأْكِيد وَكلمَة: قد،
للتحقيق، و: يكسر، يفعل بِالتَّشْدِيدِ ليدل على كَثْرَة
الْكسر، وَهَذِه الصِّيغَة تَأتي متعدية ولازمة، ويروى
شَدِيد الْقد، بِإِضَافَة لفظ الشَّديد إِلَى لفظ الْقد
بِكَسْر الْقَاف وَتَشْديد الدَّال، وَهُوَ: السّير من جلد
غير مدبوغ، وَمَعْنَاهُ: شَدِيد وتر الْقوس فِي النزع
وَالْمدّ، وَبِهَذَا جزم الْخطابِيّ، وَتَبعهُ ابْن
التِّين، وعَلى هَذِه الرِّوَايَة يقْرَأ: قوسان،
بِالرَّفْع على أَنه فَاعل: يكسِّر، على أَن يكون: يكسر،
لَازِما. قَوْله: (أَو ثَلَاثًا) ويروى: أَو ثَلَاث،
أَيْضا بِالرَّفْع عطفا عطفا عَلَيْهِ، وَكلمَة: أَو
للشَّكّ من الرَّاوِي، ويروى: شَدِيد الْمَدّ، بِالْمِيم
الْمَفْتُوحَة وَالدَّال الْمُشَدّدَة. قَوْله: (من النبل)
أَي: السِّهَام. قَوْله: (فَيَقُول) أَي: فَيَقُول
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أنشرها) من النشر
بالنُّون الْمَفْتُوحَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة من
انتشار المَاء وتفرقه، ويروى: نثرها من النثر بالنُّون
الْمَفْتُوحَة وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة ومعناهما
وَاحِد. قَوْله: (فَأَشْرَف) من الإشراف وَهُوَ الإطلاع من
فَوق. قَوْله: (لَا تشرف) مجزوم لِأَنَّهُ نهي أَي: لَا
تطلع. قَوْله: (يصبك) ، مجزوم لِأَنَّهُ جَوَاب النَّهْي
نَحْو: لَا تدن من الْأسد يَأْكُلك، ويروى: تصيبك على
تَقْدِير: السهْم يصيبك. قَوْله: (سهم) بَيَان للمحذوف
وَمن سِهَام القَوْل بَيَان أَن السهْم من الْعَدو.
قَوْله: (نحري دون نحرك) ، أَي: صَدْرِي عِنْد صدرك أَي:
أَقف أَنا بِحَيْثُ يكون صَدْرِي كالترس لصدرك، هَكَذَا
فسره الْكرْمَانِي. قلت: الْأَوْجه أَن يُقَال: هَذَا نحري
قُدَّام نحرك، يَعْنِي: أَقف بَين يَديك بِحَيْثُ أَن
السهْم إذاجاء يُصِيب نحري وَلَا يُصِيب نحرك. قَوْله:
(وَأم سليم) ، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح اللَّام
وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَهِي زَوْجَة أبي
طَلْحَة وَأم أنس بن مَالك وَخَالَة رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، من الرَّضَاع. قَوْله: (لمشمرتان) ،
تَثْنِيَة على صِيغَة الْفَاعِل من: شمرت ثِيَابِي أذا
رفعتها، وَاللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد. قَوْله: (خدم)
بِالنّصب. قَوْله: (لِأَنَّهُ) مفعول (أرى) وَهُوَ بِفَتْح
الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالدَّال الْمُهْملَة جمع الْخدمَة
وَهِي الخلخال، و: السُّوق، بِالضَّمِّ جمع سَاق، وَهَذَا
كَانَ قبل نزُول آيَة الْحجاب. قَوْله: (تنقزان) ،
بالنُّون الساكنة وَالْقَاف المضمومة وبالزاي: من النقز
وَهُوَ النَّقْل، وَقَالَ الدَّاودِيّ: أَي تنقلان،
وَقَالَ الْخطابِيّ: إِنَّمَا هُوَ تزفران، أَي: تحملان.
قَالَ: وَأما النقز فَهُوَ الوثب الْبعيد، وَقَالَ ابْن
قرقول: تزفران، بالزاي وَالْفَاء وَالرَّاء، يُقَال: إزفر
لنا الْقرب أَي: إحملها ملأى على ظهرك. وَفِي (الْمطَالع)
: تنقزان الْقرب على ظهورهما، هَكَذَا جَاءَ فِي حَدِيث
أبي معمر، قَالَ البُخَارِيّ: وَقَالَ غَيره: تنقلان،
وَكَذَا رَوَاهُ مُسلم، قيل: معنى تنقزان على الرِّوَايَة
الأولي تثبان، والنقز الوثب والقفز كَأَنَّهُ من سرعَة
السّير، وَضبط الشُّيُوخ: الْقرب، بِنصب الْبَاء وَوَجهه
بعيد على الضَّبْط الْمُتَقَدّم. وَأما مَعَ: تنقلان،
فَصَحِيح وَكَانَ بعض شُيُوخنَا يقْرَأ هَذَا الْحَرْف
بِضَم بَاء الْقرب ويجعله مُبْتَدأ، كَأَنَّهُ قَالَ:
والقرب على متونهما وَالَّذِي عِنْدِي فِي الرِّوَايَة
اختلال، وَلِهَذَا جَاءَ البُخَارِيّ بعْدهَا بالرواية
الْبَيِّنَة الصَّحِيحَة، وَقد تخرج رِوَايَة الشُّيُوخ
بِالنّصب على عدم الْخَافِض، كَأَنَّهُ قَالَ: تنقزان
الْقرب أَي: تحركان الْقرب بِشدَّة عدوهما بهَا، فَكَانَت
الْقرب ترْتَفع وتنخفض مثل الوثب على ظهورهما. قَوْله:
(على متونهما) أَي: على ظهورهما، وَهُوَ بِضَم الْمِيم جمع
متن، وَهُوَ الظّهْر. قَوْله: (تفرغانه) بِضَم التَّاء
يُقَال: أفرغت الْإِنَاء إفراغاً، وفرغته بِالتَّشْدِيدِ
تفريغاً إِذا قلبت مَا فِيهِ.
91 - (بابُ مَناقِبِ عبْدِ الله بنِ سَلاَمٍ رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَنَاقِب عبد الله بن سَلام،
بتَخْفِيف اللَّام ابْن الْحَارِث الإسرائيلي، ثمَّ
الْأنْصَارِيّ من بني قينقاع، ويكنى أَبَا يُوسُف، وَهُوَ
من ذُرِّيَّة ابْن يُوسُف الصّديق، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، وَقَالَ أَبُو عمر: وَكَانَ حليفاً
للْأَنْصَار، وَيُقَال: كَانَ حليفاً للقواقلة من بني
عَوْف بن الْخَزْرَج وَكَانَ اسْمه فِي الْجَاهِلِيَّة:
الْحصين فَلَمَّا أسلم سَمَّاهُ رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: عبد الله، وَتُوفِّي بِالْمَدِينَةِ فِي
خلَافَة مُعَاوِيَة سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَهُوَ أحد
الْأَحْبَار، أسلم إِذْ قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، الْمَدِينَة. وروى أَبُو إِدْرِيس الْخَولَانِيّ
عَن يزِيد بن عميرَة فَإِنَّهُ سمع معَاذ بن جبل، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ. يَقُول: سَمِعت رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُول لعبد الله بن سَلام: أَنه
عَاشر عشرَة فِي الْجنَّة، وَقَالَ أَبُو عمر: هَذَا
حَدِيث حسن الْإِسْنَاد صَحِيح.
300 - (حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف قَالَ سَمِعت مَالِكًا
يحدث عَن أبي النَّضر مولى عمر بن
(16/274)
عبيد الله عَن عَامر بن سعد بن أبي وَقاص
عَن أَبِيه قَالَ مَا سَمِعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول لأحد يمشي على الأَرْض
إِنَّه من أهل الْجنَّة إِلَّا لعبد الله بن سَلام قَالَ
وَفِيه نزلت هَذِه الْآيَة {وَشهد شَاهد من بني
إِسْرَائِيل} الْآيَة قَالَ لَا أَدْرِي قَالَ مَالك
الْآيَة أَو فِي الحَدِيث) مطابقته للتَّرْجَمَة لَا تخفى
فَإِن فِيهِ منقبة عَظِيمَة لَهُ وَأَبُو النَّضر بالضاد
الْمُعْجَمَة اسْمه سَالم وَهُوَ ابْن أبي أُميَّة مولى
عمر بن عبيد الله بن معمر الْقرشِي التَّيْمِيّ الْمدنِي
قَالَ الْوَاقِدِيّ توفّي فِي زمن مَرْوَان بن مُحَمَّد
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي فَضَائِل عبد الله بن سَلام
عَن زُهَيْر بن حَرْب وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن
عَمْرو بن مَنْصُور قَوْله " عَن أبي النَّضر " وَفِي
رِوَايَة أبي يعلى عَن يحبى بن معِين عَن أبي مسْهر عَن
مَالك حَدثنِي أَبُو النَّضر قَوْله " عَن عَامر " وَفِي
رِوَايَة عَاصِم بن مهجع عَن مَالك وَعند الدَّارَقُطْنِيّ
سَمِعت عَامر بن سعد قَوْله " عَن أَبِيه " هُوَ سعد بن
أبي وَقاص أحد الْعشْرَة المبشرة بِالْجنَّةِ وَفِي
رِوَايَة إِسْحَق بن الطباع عَن مَالك عِنْد
الدَّارَقُطْنِيّ سَمِعت أبي قَوْله مَا سَمِعت النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قيل كَيفَ قَالَ سعد
هَذَا وَقد علم أَنه قَالَ ذَلِك فِيهِ وَفِي بَاقِي
الْعشْرَة وَأجَاب عَنهُ الْخطابِيّ بِأَنَّهُ كره
التَّزْكِيَة لنَفسِهِ وَلزِمَ التَّوَاضُع وَلم ير
لنَفسِهِ من الِاسْتِحْقَاق مَا رَآهُ لِأَخِيهِ وَقَالَ
ابْن التِّين هَذَا غير بَين لِأَنَّهُ نفى بَاقِي
الْعشْرَة بقوله قلت الْأَوْجه أَن يُقَال لفظ مَا سَمِعت
لم ينف أصل الْإِخْبَار بِالْجنَّةِ لغيره وَقَالَ
الْكرْمَانِي التَّخْصِيص بِالْعدَدِ لَا يدل على نفي
الزَّائِد أَو المُرَاد بِالْعشرَةِ الَّذين جَاءَ فيهم
لفظ الْبشَارَة المبشرون بهَا فِي مجْلِس وَاحِد أَو لم
يقل لأحد غَيره حَال مَشْيه على الأَرْض وَلَا بُد من
التَّأْوِيل وَكَيف لَا والحسنان وَأَزْوَاج النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بل أهل بدر
وَنَحْوهم من أهل الْجنَّة قطعا انْتهى قَالَ وَفِيه نزلت
أَي وَفِي عبد الله بن سَلام نزلت هَذِه الْآيَة {وَشهد
شَاهد من بني إِسْرَائِيل} وَفِي التَّفْسِير الشَّاهِد
هُوَ عبد الله بن سَلام وَتَمام الْآيَة على مثله {فَآمن
وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِن الله لَا يهدي الْقَوْم
الظَّالِمين} وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ الضَّمِير فِي مثله
لِلْقُرْآنِ أَي على مثله فِي الْمَعْنى وَهُوَ مَا فِي
التَّوْرَاة من الْمعَانِي الْمُطَابقَة لمعان الْقُرْآن
من التَّوْحِيد والوعد والوعيد وَغير ذَلِك وَحَاصِل
الْمَعْنى وَشهد شَاهد من بني إِسْرَائِيل على كَونه من
عِنْد الله وَمن جملَة من قَالَ أَن الشَّاهِد هُوَ عبد
الله بن سَلام الْحسن الْبَصْرِيّ وَمُجاهد وَالضَّحَّاك
وَأنْكرهُ مَسْرُوق وَالشعْبِيّ وَقَالا السُّورَة
مَكِّيَّة يَعْنِي سُورَة الْأَحْقَاف يَعْنِي السُّورَة
الَّتِي فِيهَا الْآيَة الْمَذْكُورَة قَالَ الشّعبِيّ
وَأسلم عبد الله بن سَلام قبل مَوته - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بعامين وَاخْتلفَا فِي المُرَاد
بِالْآيَةِ فَقَالَ مَسْرُوق الشَّاهِد مُوسَى عَلَيْهِ
السَّلَام وَقَالَ الشّعبِيّ هُوَ رجل من أهل الْكتاب
وَأجِيب بِأَنَّهُ يجوز أَن تكون الْآيَة مَدَنِيَّة من
سُورَة مَكِّيَّة وَقَالَ صَاحب مقامات النزيل هَذِه
السُّورَة يَعْنِي سُورَة الْأَحْقَاف مَكِّيَّة إِلَّا
آيتان مدنيتان مِنْهُمَا هَذِه الْآيَة وَقَالَ ابْن
عَبَّاس وَمُقَاتِل الشَّاهِد ابْن يَامِين وروى السّديّ
عَن ابْن عَبَّاس أَنَّهَا نزلت فِي عبد الله بن سَلام
وَابْن يَامِين واسْمه عُمَيْر بن وهب النضري وروى عبد بن
حميد عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس أَن اسْمه
مَيْمُون بن يَامِين وَفِيه نزلت هَذِه الْآيَة وَقَالَ
الذَّهَبِيّ فِي تَجْرِيد الصَّحَابَة يَامِين بن يَامِين
الإسرائيلي أسلم وَكَانَ من بني النَّضر وَقيل يَامِين بن
عمر وَقَالَ فِي بَاب الْمِيم مَيْمُون بن يَامِين قَالَ
سعيد بن جُبَير كَانَ رَأس الْيَهُود بِالْمَدِينَةِ
فَأسلم قَوْله " قَالَ لَا أَدْرِي " أَي قَالَ عبد الله
بن يُوسُف الرَّاوِي عَن مَالك لَا أَدْرِي قَالَ مَالك
الْآيَة عِنْد الرِّوَايَة أَو كَانَت هَذِه الْكَلِمَة
مَذْكُورَة فِي جملَة الحَدِيث فَلَا يكون خَاصّا بِمَالك
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَقيل هَذَا الشَّك من
القعْنبِي أحد الروَاة عَن مَالك وَلَيْسَ بِصَحِيح بل
هُوَ عبد الله بن يُوسُف وروى إِسْمَاعِيل بن عبد الله
الملقب بسمويه فِي فَوَائده هَذَا عَن عبد الله بن يُوسُف
وَلم يذكر هَذَا الْكَلَام عَنهُ وَكَذَا رَوَاهُ
الإسمعيلي من وَجه آخر عَن عبد الله بن يُوسُف
وَالدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا عَنهُ فِي غرائب مَالك من
وَجْهَيْن آخَرين وَأخرجه من طَرِيق ثَالِث عَنهُ بِلَفْظ
آخر مُقْتَصرا على الزِّيَادَة دون الحَدِيث وَقَالَ أَنه
وهم وروى ابْن مَنْدَه فِي الْإِيمَان من طَرِيق إِسْحَق
بن يسَار عَن عبد الله بن يُوسُف الحَدِيث وَالزِّيَادَة
وَالَّذِي يظْهر من هَذَا الِاخْتِلَاف أَنَّهَا مدرجة
301 - (حَدثنِي عبد الله بن مُحَمَّد حَدثنَا أَزْهَر
السمان عَن ابْن عون عَن مُحَمَّد عَن قيس -
3183 - حدَّثني عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثنا أزْهَرُ
السَّمَّانُ عنِ ابنِ عَوْنٍ عنْ مُحَمَّدٍ عنْ قَيْسِ
(16/275)
ابنِ عُبَادٍ قَالَ كُنْتُ جالِسَاً فِي
مَسْجِدِ المَدِينَةِ فدَخَلَ رَجُلٌ علَى وجْهِهِ أثَرُ
الخُشُوعِ فقالُوا هذَا رَجُلٌ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ
فصَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَجَوَّزَ فِيهِمَا ثُمَّ خَرَجَ
وتَبِعْتُهُ فَقُلْتُ إنَّكَ حِينَ دَخَلْتَ المَسْجِدَ
قالُوا هَذَا رَجُلٌ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ قَالَ وَالله
مَا يَنْبَغِي لأِحَدٍ أنْ يقُولَ مَا لاَ يَعْلَمُ
وسَأُحَدِّثُكَ لِمَ ذَلِكَ رأيْتُ رُؤيَا عَلَى عَهْدِ
النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقَصَصْتُهَا علَيْهِ
ورَأيْتُ كأنِّي فِي رَوْضَةٍ ذَكَرَ مِنْ سِعَتِهَا
وخُضْرَتِها وسْطَها عَمُودٌ مِنْ حَدِيدٍ أسْفَلُهُ فِي
الأرْضِ وأعْلاَهُ فِي السَّمَاءِ فِي أعْلاَهُ عُرْوَةٌ
فَقِيلَ لِيَ ارْقَهْ قُلْتُ لاَ أسْتَطِيعُ فأتَانِي
مِنْصَفٌ فرَفَعَ ثِيَابِي مِنْ خَلْفِي فرَقِيتُ حَتَّى
كُنْتُ فِي أعْلاهَا فأخَذْتُ بالعُرْوَةِ فَقيلَ لِي
اسْتَمْسِكْ فاسْتَيْقَظْتُ وإنَّهَا لَفِي يَدِي
فقَصَصْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ تِلْكَ الرَّوْضَةُ الإسْلاَمُ وذَلِكَ العَمُودُ
عَمُودُ الإسْلاَمِ وتِلْكَ العُرْوَةُ عُرْوَةُ الوُثْقَى
فأنْتَ علَى الإسْلاَمِ حَتَّى تَمُوتَ وذَاكَ الرَّجُلُ
عَبْدُ الله بنُ سَلاَمٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: عبد الله بن مُحَمَّد
الْمَعْرُوف بالمسندي. الثَّانِي: أَزْهَر، بِسُكُون
الزَّاي وَفتح الْهَاء: ابْن سعد الْبَاهِلِيّ مَوْلَاهُم
السمان بتَشْديد الْمِيم الْبَصْرِيّ، يكنى أَبَا بكر،
مَاتَ سنة ثَلَاث وَمِائَتَيْنِ. الثَّالِث: عبد الله بن
عون بن أرطبان أَبُو عون الْبَصْرِيّ. الرَّابِع: مُحَمَّد
بن سِيرِين. الْخَامِس: قيس بن عباد، بِضَم الْعين
الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة: الْبَصْرِيّ،
قَتله الْحجَّاج صبرا.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن عبد الله
بن مُحَمَّد، وَأخرجه مُسلم فِي فَضَائِل عبد الله بن
سَلام عَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَعَن مُحَمَّد بن عَمْرو
بن جبلة.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (كنت جَالِسا فِي مَسْجِد
الْمَدِينَة) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم قَالَ: (كنت
بِالْمَدِينَةِ فِي نَاس فيهم بعض أَصْحَاب النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، فجَاء رجل فِي وَجهه أثر من خشوع) .
قَوْله: (تجوز فيهمَا) ، أَي: خفف وتكلف الْجَوَاز فيهمَا.
قَوْله: (ثمَّ خرج وتبعته) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم:
(فَأَتْبَعته فَدخل منزله وَدخلت، فتحدثنا، فَلَمَّا
استأنس قلت لَهُ: إِنَّك لما دخلت قَالَ رجل: كَذَا
وَكَذَا. قَوْله: (قَالَ: وَالله لَا يَنْبَغِي لأحد أَن
يَقُول مَا لَا يعلم) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم (قَالَ:
سُبْحَانَ الله! مَا يَنْبَغِي لأحد) ، وَهَذَا إِنْكَار
من عبد الله بن سَلام حَيْثُ قطعُوا لَهُ بالحنة،
فَيحْتَمل أَن هَؤُلَاءِ بَلغهُمْ خبر سعد أَنه من أهل
الْجنَّة وَلم يسمع هُوَ ذَلِك، أَو أَنه كره الثَّنَاء
عَلَيْهِ بذلك تواضعاً، أَو غَرَضه: إِنِّي رَأَيْت رُؤْيا
على عَهده، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك، وَهَذَا لَا يدل على النَّص بِقطع
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على أَنِّي من أهل
الْجنَّة، فَلهَذَا كَانَ مَحل الْإِنْكَار. قَوْله: (لم
ذَلِك؟) أَي: لأجل مَا قَالُوا ذَلِك القَوْل؟ قَوْله:
(ذكر) أَي: عبد الله بن سَلام. قَوْله: (أرقه) ، بهاء
السكت فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره:
أرق، بِدُونِ الْهَاء، وَهُوَ أَمر من رقى يرقى من بَاب
علم يعلم إِذا ارْتَفع وَعلا، ومصدره: رقي، بِضَم الرَّاء
وَكسر الْقَاف وَتَشْديد الْيَاء. قَوْله: (فَأَتَانِي
منصف) ، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون النُّون، وَهُوَ
الْخَادِم. وَفِي رِوَايَة الْكشميهني، بِفَتْح الْمِيم
وَالْأول أشهر قَوْله: (فَرفع ثِيَابِي) ، وَفِي رِوَايَة
مُسلم: (ثمَّ قَالَ: بثيابي من خَلْفي) ، وَوصف أَنه رَفعه
من خَلفه بِيَدِهِ. قَوْله: (فرقيت) بِكَسْر الْقَاف على
الْمَشْهُور وَحكي فتحهَا. قَوْله: (فَاسْتَيْقَظت) ،
وَفِي رِوَايَة مُسلم: (وَلَقَد استيقظت) . قَوْله:
(وَإِنَّهَا) الْوَاو فِيهِ للْحَال أَي: وَإِن العروة فِي
يَدي، مَعْنَاهُ: أَنه بعد الْأَخْذ اسْتَيْقَظَ فِي
الْحَال قبل التّرْك لَهَا، يَعْنِي: استيقظت حَال
الْأَخْذ من غير فاصلة بَينهمَا، أَو أَن أَثَرهَا فِي
يَدي كَانَ يَده بعد الاستيقاظ كَانَت مَقْبُوضَة بعد
كَأَنَّهَا تسْتَمْسك شَيْئا، مَعَ أَنه لَا مَحْذُور فِي
الْتِزَام كَون العروة فِي يَده عِنْد الاستيقاظ لشمُول
قدرَة الله لنحوه. قَوْله: (الْإِسْلَام) يُرِيد بِهِ
جَمِيع مَا يتَعَلَّق بِالدّينِ، وَيُرِيد بالعمود:
الْأَركان الْخَمْسَة أَو كلمة الشَّهَادَة وَحدهَا،
وَيُرِيد بالعروة الوثقى الْإِيمَان قَالَ تَعَالَى: {وَمن
يكفر بالطاغوت ويؤمن بِاللَّه فقد استمسك بالعروة الوثقى}
(الْبَقَرَة: 652) . والوثقى على وزن فعلى من وثق بِهِ
ثِقَة ووثوقاً، أَي: ائتمنه وأوثقه وَوَثَّقَهُ
بِالتَّشْدِيدِ أحكمه. قَوْله: (وَذَلِكَ الرجل: عبد الله
بن سَلام)
(16/276)
يحْتَمل أَن يكون هُوَ قَوْله: وَلَا مَانع أَن يخبر بذلك
وَيُرِيد نَفسه، وَيحْتَمل أَن يكون من كَلَام الرَّاوِي.
وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ حدَّثنا مُعاذٌ حدَّثنا ابنُ عَوْن
عنْ مُحَمَّدٍ حدَّثنا قَيْسُ بنُ عُبَّادٍ عنِ ابنِ
سَلاَمٍ قَالَ وَصِيفٌ مَكانَ مِنْصَفٌ
أَي: قَالَ لي خَليفَة بن خياط، وَهُوَ أحد شُيُوخه:
حَدثنَا معَاذ بن معَاذ بن نصر الْعَنْبَري قَاضِي
الْبَصْرَة حَدثنَا عبد الله بن عون عَن مُحَمَّد بن
سِيرِين حَدثنَا قيس بن عباد الْمَذْكُور فِي الرِّوَايَة
السَّابِقَة عَن عبد الله بن سَلام أَنه قَالَ: فَأَتَانِي
وصيف، مَكَان منصف، والوصيف بِمَعْنَاهُ وَهُوَ الْخَادِم
الصَّغِير غُلَاما كَانَ أَو جَارِيَة، وَمن طَرِيق معَاذ
بن معَاذ الْمَذْكُور روى مُسلم الحَدِيث الْمَذْكُور،
فَقَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى حَدثنَا معَاذ
حَدثنَا ابْن عون ... إِلَى آخِره نَحوه، وَرَوَاهُ مُسلم
أَيْضا عَن قُتَيْبَة من حَدِيث خَرشَة بن الْحر مطولا
بِأَلْفَاظ غير مَا فِي الرِّوَايَة الأولى.
4183 - حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ حدَّثنا شُعْبَةُ
عنْ سَعِيدِ بنِ أبِي بُرْدَةَ عنْ أبِيهِ قَالَ أتَيْتُ
المَدِينَةَ فلَقِيتُ عبْدَ الله بنَ سَلاَمٍ رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ فَقَالَ ألاَ تَجيءُ فأُطْعِمَكَ سَوِيقاً
وتَمْرَاً وتَدْخُلُ فِي بَيْتٍ ثُمَّ قالَ إنَّكَ بأرْضٍ
الرِّبَا بِها فاشٍ إذَا كانَ لَكَ علَى رَجُلٍ حَقٌّ
فأهْدَى إلَيْكَ حِمْلَ تِبْنٍ أوْ حِمْلَ شَعِيرٍ أوْ
حِمْلَ قَتٍّ فَلاَ تَأخُذُهُ فإنَّهُ رِبَاً ولَمْ
يَذْكُرِ النَّضْرُ وأبُو دَاوُدَ ووَهْبٌ عنْ شُعْبَةَ
الْبَيْتَ. (الحَدِيث 4183 طرفه فِي: 2437) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: من حَيْثُ
إِنَّه علم مِنْهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
دخل فِي بَيت عبد الله وَفِيه تَعْظِيم لَهُ. وَالْآخر: من
حَيْثُ إِنَّه أَمر بترك قبُول هَدِيَّة الْمُسْتَقْرض،
وَهَذَا من غَايَة الْوَرع، وَفِيه منقبة عَظِيمَة.
وَسَعِيد بن أبي بردة يروي عَن أَبِيه أبي بردة، بِضَم
الْبَاء الْمُوَحدَة: عَامر بن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ
قَاضِي الْكُوفَة مَاتَ سنة ثَلَاث وَمِائَة وَهُوَ ابْن
نَيف وَثَمَانِينَ سنة.
قَوْله: (وَتدْخل فِي بَيت) ، التَّنْوِين فِيهِ للتعظيم
أَي: بَيت عَظِيم مشرف بِدُخُول رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، فِيهِ وَهُوَ أحد وَجْهي الْمُطَابقَة على
مَا ذكرنَا. قَوْله: (بِأَرْض) أَي: أَرض الْعرَاق أَي:
إِنَّك مُقيم بِأَرْض. قَوْله: (الرِّبَا بهَا فاشٍ) ،
جملَة إسمية من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر فِي مَحل الْجَرّ
لِأَنَّهَا صفة لأرض، وَمعنى: فاشٍ ظَاهر وشاسع كثير من
الفشو. قَوْله: (حمل تبن) ، بِكَسْر الْحَاء. قَوْله:
(أَو) فِي الْمَوْضِعَيْنِ للتنويع. قَوْله: (قت) ،
بِفَتْح الْقَاف وَتَشْديد التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق
وَهُوَ نوع من علف الدَّوَابّ. قَوْله: (فَإِنَّهُ رَبًّا)
أَي: فَإِن قبُول هَدِيَّة الْمُسْتَقْرض جَار مجْرى
الرِّبَا من حَيْثُ إِنَّه زَائِد على مَا أَخذه من
الْمُسْتَقْرض، وَيُمكن أَن يكون رَأْي عبد الله بن سَلام
أَنه عِنْده حَقِيقَة الرِّبَا، وعَلى كل حَال الْوَرع
والزهد وَالتَّقوى يَنْفِي ذَلِك. قَوْله: (وَلم يذكر
النَّضر) ، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة
هُوَ ابْن شُمَيْل، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن النَّضر
ابْن شُمَيْل وَأَبا دَاوُد سُلَيْمَان الطَّيَالِسِيّ
ووهب بن جرير لما رووا الحَدِيث الْمَذْكُور عَن شُعْبَة
لم يذكرُوا فِيهِ لفظ: (وَتدْخل فِي بَيت) . |