8 - (بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لِلأَنْصَارِ اصْبُرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي علَى الحَوْضِ
قالَهُ عَبْدُ الله بنُ زَيْدٍ عنِ النَّبِيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قَول النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، مُخَاطبا للْأَنْصَار ... إِلَى آخِره.
قَوْله: (على الْحَوْض) ، أَي: الْكَوْثَر. قَوْله:
(قَالَه عبد الله بن زيد) ، أَي: ابْن عَاصِم الْمَازِني،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله
البُخَارِيّ بأتم من هَذَا فِي غَزْوَة حنين على مَا
سَيَجِيءُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
2973 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا غُنْدَرٌ
حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ قَتادَةَ عنْ أنَسِ بنِ
مالِكٍ عنْ أسَيْدِ بنِ حُضَيْرٍ أنَّ رَجُلاً مِنَ
الأنْصَارِ قَالَ يَا رَسُولَ الله ألاَ تَسْتَعْمِلُنِي
كَمَا اسْتَعْمَلْتَ فُلاَنَاً قَالَ سَتَلْقوْنَ بَعْدِي
أثْرَةً فاصْبِرُوا حتَّى تَلْقَوْنِي علَى الحَوْضِ.
(الحَدِيث 2973 طرفه فِي: 7507) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهَذَا الْإِسْنَاد
بهؤلاء الرِّجَال قد مر عَن قريب فُرَادَى ومجموعاً،
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْفِتَن عَن
مُحَمَّد بن عرْعرة، وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن
أبي مُوسَى وَبُنْدَار وَعَن يحيى بن حبيب وَعَن عبيد الله
بن معَاذ. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْفِتَن عَن
مَحْمُود بن غيلَان. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي المناقب عَن
مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى. قَوْله: (أَلا
تَسْتَعْمِلنِي؟)
(16/261)
أَي: أَلاَ تَجعلني عَاملا على الصَّدَقَة
أَو مُتَوَلِّيًا على بلد؟ قَوْله: (كَمَا اسْتعْملت
فلَانا) أَي: كاستعمالك فلَانا، قيل: هُوَ عَمْرو بن
الْعَاصِ. قَوْله: (أَثَرَة) ، بِضَم الْهمزَة وَسُكُون
الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَفتح الرَّاء وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني: أَثَرَة، بِفَتْح الْهمزَة والثاء، قَالَ ابْن
الْأَثِير: الأثرة الِاسْم من آثر يوثر إيثاراً إِذا
أعْطى، أَرَادَ أَن يستأثر عَلَيْكُم فيفضل غَيْركُمْ فِي
نصِيبه من الْفَيْء، والاستئثار الِانْفِرَاد بالشَّيْء،
وَقَالَ الْكرْمَانِي: الأثرة الاستئثار لنَفسِهِ
والاستقلال والاختصاص يَعْنِي: أَن الْأُمَرَاء يخصصون
أنفسهم بالأموال وَلَا يشركونكم فِيهَا. قلت: وَقع الْأَمر
كَمَا وصف، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ من جملَة مَا
أخبر بِهِ من الْأُمُور الَّتِي تَأتي بعده، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم.
3973 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا غُنْدَرٌ
حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ هِشَامٍ قَالَ سَمِعْتُ أنَسَ بنَ
مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للأنْصَارِ إنَّكُمْ سَتلْقَونَ
بَعْدِي أثَرَةً فاصْبِرُوا حتَّى تَلْقَوْنِي
ومَوْعِدُكُمْ الحَوْضُ. .
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور عَن أنس نَفسه،
وَالَّذِي قبله عَنهُ عَن أسيد رِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن
الصَّحَابِيّ، وَفِيه رِوَايَة قَتَادَة عَن أنس،
وَهَهُنَا عَن هِشَام بن زيد بن أنس بن مَالك، فَإِنَّهُ
يروي عَن جده أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله:
(وموعدكم الْحَوْض) ، أَي: حَوْض النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم.
4973 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثنا
سُفْيانُ عنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ سَمِعَ أنَسَ بنَ مالِكٍ
رَضِي الله تَعَالَى عنهُ حِينَ خرَجَ مَعَهُ إلَى
الوَلِيدِ قَالَ دَعَا النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الأنْصَارَ إِلَى أنْ يُقُطِعَ لَهُمُ الَبْحْرَيْنِ
فقالُوا لَا إلاَّ أنْ تُقْطِعَ لإخْوَانِنا مِنَ
المُهَاجِرِينَ مِثْلَهَا قَالَ إمَّا لَا فاصْبِرُوا
حَتَّى تَلْقَوْنِي فإنَّهُ سَيُصِيبُكُمْ بَعْدِي
أثْرَةٌ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَاصْبِرُوا) وَعبد
الله بن مُحَمَّد أَبُو جَعْفَر البُخَارِيّ الْمَعْرُوف
بالمسندي، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَيحيى ابْن
سعيد الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث قد مر فِي الْجِزْيَة فِي: بَاب مَا اقْطَعْ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من الْبَحْرين
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أَحْمد بن يُونُس عَن
الزُّهْرِيّ عَن يحيى بن سعيد عَن أنس، وَفِي الشّرْب
أَيْضا عَن سُلَيْمَان بن حَرْب.
قَوْله: (حِين خرج مَعَه) أَي: حِين خرج يحيى أَي: سَافر
مَعَه، أَي: مَعَ أنس. قَوْله: (إِلَى الْوَلِيد) بن عبد
الْملك بن مَرْوَان، وَكَانَ أنس قد توجه من الْبَصْرَة
حِين آذاه الْحجَّاج إِلَى دمشق يشكوه إِلَى الْوَلِيد بن
عبد الْملك فأنصفه مِنْهُ. قَوْله: (إِلَى أَن يقطع) بِضَم
الْيَاء آخر الْحُرُوف من: الإقطاع، وَهُوَ أَن يُعْطي
الإِمَام قِطْعَة من الأَرْض وَغَيرهَا. قَوْله:
(الْبَحْرين) تَثْنِيَة بَحر، إسم بلد بساحل الْهِنْد.
قَوْله: (إمَّا لَا) ، بِكَسْر الْهمزَة وَتَشْديد الْمِيم
وَفتح اللَّام أَصله: أَن مَا لَا تريدوا أَو لَا تقبلُوا،
فأدغمت النُّون فِي الْمِيم وَحذف فعل الشَّرْط، وَقد تمال
كلمة: لَا، وَقد روى بِفَتْح الْهمزَة من أَن مَا قيل هُوَ
خطأ إلاَّ على لُغَة بعض بني تَمِيم، فَإِنَّهُم يفتحون
الْهمزَة من أما حَيْثُ وَردت، وَقيل: اللَّام من قَوْله:
(إِمَّا لَا) مَفْتُوحَة عِنْد الْجُمْهُور، وَوَقع عِنْد
الْأصيلِيّ فِي الْبيُوع من (الْمُوَطَّأ) بِكَسْر الَّلام
وَالْمَعْرُوف فتحهَا. قَوْله: (فَإِنَّهُ) أَي: فَإِن
إقطاع المَال سيصيبكم حَال كَونه أَثَرَة بِمَعْنى:
استئثار الْغَيْر عَلَيْكُم واستئثار المقطع بِكَسْر
الطَّاء لنَفسِهِ وَعدم الِالْتِفَات إِلَى غَيره كَمَا
هُوَ فِي غَالب أهل هَذَا الزَّمَان، فَافْهَم، فَإِنَّهُ
مَوضِع الدقة.
9 - (بابُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أصْلِحِ الأنْصَارَ والمُهَاجِرَةَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان دُعَاء النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، للْأَنْصَار والمهاجرين. بقوله: أصلح
الْأَنْصَار والمهاجرة، وَقد ذكرنَا أَن الْأَنْصَار جمع
نصير بِمَعْنى نَاصِر، كشريف يجمع على أَشْرَاف، والمهاجرة
بِكَسْر الْجِيم الْجَمَاعَة الْمُهَاجِرُونَ الَّذين
هَاجرُوا من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة.
(16/262)
6973 - حدَّثنا آدَمُ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ
حُمَيْدِ الطَّوِيلِ سَمِعْتُ أنَسَ بنَ مالِكٍ رَضِي الله
تَعَالَى عنهُ قَالَ كَانَتِ الأنْصَارُ يَوْمَ الخَنْدَقِ
تَقُولُ:
(نَحْنُ الَّذِينَ بايَعُوا مُحَمَّداً ... علَى الجِهَادِ
مَا حَيينَا أبَدَاً)
فأجابَهُمْ:
(اللَّهُمَّ لاَ عَيْشَ إلاَّ عَيْشُ الآخِرَه ...
فأكْرِمِ الأنْصَارَ والْمُهَاجِرَهْ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث مضى فِي
الْجِهَاد، أخرجه عَن حَفْص بن عمر. وَأخرجه النَّسَائِيّ
فِي المناقب عَن أَحْمد بن سُلَيْمَان.
7973 - حدَّثني محمَّدُ بنُ عُبَيْدِ الله حدَّثنا ابنُ
أبِي حازِمٍ عنْ أبِيهِ عنْ سَهْلٍ قَالَ جاءَنَا رسُولُ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونَحْنُ نَحْفِرُ الخَنْدَقَ
ونَنْقلُ التُّرَابَ عَلَى أكْتَادنَا فَقَالَ رسُولُ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
(اللَّهُمَّ لاَ عَيْشَ إلاَّ عَيْشُ الآخِرَهِفاغْفِرْ
لِلْمُهَاجِرِينَ والأنْصَارِ)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَمُحَمّد بن عبيد الله بن
مُحَمَّد بن زيد أَبُو ثَابت مولى عُثْمَان بن عَفَّان
الْأمَوِي الْقرشِي الْمدنِي، وَابْن أبي حَازِم عبد
الْعَزِيز يروي عَن ابيه أبي حَازِم واسْمه سَلمَة بن
دِينَار، وَسَهل هُوَ بن سعد بن مَالك الْأنْصَارِيّ
السَّاعِدِيّ، لَهُ ولأبيه صُحْبَة.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن
قُتَيْبَة. وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن القعْنبِي،
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي المناقب وَفِي الرقَاق عَن
قُتَيْبَة.
قَوْله: (على أكتادنا) جمع كتد، بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة
من فَوق، وَهُوَ مَا بَين الْكَاهِل إِلَى الظّهْر، وَفِي
رِوَايَة الْكشميهني: (أكبادنا) ، بِالْبَاء الْمُوَحدَة
جمع كبد، وَوَجهه أَنا نحمل التُّرَاب على جنوبنا مِمَّا
يَلِي الكبد.
01 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى {ويُؤْثِرُونَ عَلَى
أنْفُسِهِمْ ولَوْ كانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} (الْحَشْر: 9)
.)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول الله تَعَالَى ... إِلَخ،
إِنَّمَا ذكر هَذِه الْآيَة بِنَاء على أَنَّهَا نزلت فِي
الْأَنْصَار، وَلَكِن ظَاهر حَدِيث الْبَاب يدل على
أَنَّهَا نزلت فِي رجل أَنْصَارِي، على مَا يَجِيء بَيَانه
عَن قريب، وعَلى كل حَال الْمُطَابقَة مَوْجُودَة من
حَيْثُ إِنَّهَا فِيمَن يُسمى بِالْأَنْصَارِيِّ، مُفردا
أَو بالأنصار جمعا، وَاخْتلفُوا فِي سَبَب نزُول على مَا
نذكرهُ الْآن. قَوْله: (ويؤثرون) من آثَرته بِكَذَا
(16/263)
أَي: خصصته أَي: يؤثرون بِأَمْوَالِهِمْ
ومساكنهم أَي: لَا عَن غنى، بل مَعَ احتياجهم، وَهُوَ معنى
قَوْله: {وَلَو كَانَ بهم خصَاصَة} (الْحَشْر: 9) . أَي:
فقر وحاجة.
8973 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا عَبْدُ الله بنُ داوُدَ
عنْ فُضَيْل بن غَزْوَانَ عنْ أبِي حازمٍ عنْ أبِي
هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ رَجُلاً أتَى
النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فبَعَثَ إِلَى نسائِهِ
فقُلْنَ مَا مَعَنَا إلاَّ المَاءَ فَقَالَ رَسُولُ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنْ يَضُمُّ أوْ يُضيفُ هَذا
فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ أَنا فانْطَلَقَ بِهِ
إِلَى امْرَأتِهِ فَقَالَ أكْرِمِي ضَيْفَ رسُولِ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فقالَتْ مَا عِنْدَنَا إلاَّ قُوتُ
صِبْيَانِي فَقَالَ هَيِّئِي طَعَامَكِ وأصْبِحِي
سِرَاجَكِ ونَوِّمِي صِبْيَانَكِ إذَا أرَادُوا عَشاءً
فَهَيَّأتْ طَعَامَهَا وأصْبَحَتْ سِرَاجَهَا ونَوَّمَتْ
صِبْيَانَهَا ثُمَّ قامَتْ كأنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا
فأطْفأتْهُ فجَعَلاَ يُرِيَانِهِ أنَّهُمَا يأكُلاَنِ
فَباتَا طاوِيَيْنِ فَلَمَّا أصْبَحْ غدَا إلَى رَسُولِ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ ضَحِكَ اللَّيْلَةَ
أوْ عَجِبَ مِنْ فِعَالِكُمَا فأنْزَلَ الله {ويُؤْثِرُونَ
عَلَى أنْفُسِهِمْ ولَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ ومَنْ يُوقَ
شُحَّ نَفْسِهِ فأُلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الْحَشْر:
9) . (الحَدِيث 8973 طرفه فِي: 9884) .
قد ذكرنَا أَن الْمُطَابقَة مَوْجُودَة. وَعبد الله بن
دَاوُد بن عَامر الْهَمدَانِي الْكُوفِي، سكن
الْحُدَيْبِيَة بِالْبَصْرَةِ وَهُوَ من أَفْرَاده، وفضيل
بن غَزوَان بن جرير أَبُو الْفضل الْكُوفِي، وَأَبُو
حَازِم بِالْحَاء وَالزَّاي: اسْمه سلمَان الْأَشْجَعِيّ،
وَلَا يشْتَبه عَلَيْك ب أبي حَازِم سَلمَة بن دِينَار
الْمَذْكُور فِي آخر الْبَاب الَّذِي قبله.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن
يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم. وَأخرجه مُسلم فِي الْأَطْعِمَة
عَن زُهَيْر بن حَرْب وَأبي كريب. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ
فِي التَّفْسِير عَن أبي كريب، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ
عَن هناد عَن وَكِيع.
قَوْله: (فَبعث إِلَى نِسَائِهِ) أَي: يطْلب مِنْهُنَّ مَا
يضيف الرجل بِهِ. قَوْله: (فَقُلْنَ: مَا مَعنا) أَي: مَا
عندنَا إلاَّ المَاء. قَوْله: (من يضم) أَي: يجمعه إِلَى
نَفسه فِي الْأكل. قَوْله: (أَو يضيف) شكّ من الرَّاوِي،
من أضَاف يضيف، يُقَال: ضفت الرجل إِذا نزلت بِهِ فِي
ضِيَافَة، وأضفته إِذا أنزلته، وتضيفته إِذا نزلت بِهِ،
وتضيفني إِذا نزلني. قَوْله: (فَقَالَ رجل من الْأَنْصَار)
قيل: هَذَا أَبُو طَلْحَة بن زيد بن سهل، وَهُوَ
الْمَفْهُوم من كَلَام الْحميدِي، لِأَنَّهُ لما ذكر
حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ فِي رِوَايَة ابْن فُضَيْل:
فَقَامَ رجل من الْأَنْصَار يُقَال لَهُ أَبُو طَلْحَة زيد
بن سهل، وَقَالَ الْخَطِيب: لَا أرَاهُ زيد بن سهل، بل آخر
تكنى أَبَا طَلْحَة. قلت: كَأَنَّهُ استبعد أَن يكون أَبُو
طَلْحَة هُوَ زيد بن سهل لِأَنَّهُ كَانَ أَكثر
الْأَنْصَار مَالا بِالْمَدِينَةِ، وَقَالَ القَاضِي
إِسْمَاعِيل فِي (أَحْكَام الْقُرْآن) : هُوَ ثَابت بن قيس
بن الشماس، قَالَ: وَذَلِكَ لِأَن رجلا من الْمُسلمين عبر
عَلَيْهِ ثَلَاثَة أَيَّام لَا يجد مَا يفْطر بِهِ حَتَّى
فطن لَهُ رجل من الْأَنْصَار يُقَال لَهُ: ثَابت بن قيس،
وَقَالَ ابْن بشكوال: قيل: هُوَ عبد الله بن رَوَاحَة،
وَذكر النّحاس فِي تَفْسِير هَذِه الْآيَة أَنَّهَا نزلت
فِي أبي المتَوَكل النَّاجِي، ورد عَلَيْهِ بِأَن أَبَا
المتَوَكل تَابِعِيّ، وَقيل: هُوَ أَبُو هُرَيْرَة رَاوِي
الحَدِيث، نسب ذَلِك إِلَى البحتري القَاضِي أحد
الضُّعَفَاء المتروكين. قَوْله: (قوت صبياني) ، ويروى:
صبيان، بِدُونِ الْإِضَافَة. قَوْله: (وأصبحي سراجك)
بِهَمْزَة الْقطع أَي: أوقديه أَو نوريه. قَوْله: (فَجعلَا
يُريانه) ، بِضَم الْيَاء من الإراءة. قَوْله:
(أَنَّهُمَا) أَي: أَن الْأنْصَارِيّ وَامْرَأَته، هَكَذَا
فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره:
كَأَنَّهُمَا بِالْكَاف. قَوْله: (طاويين) ، حَال
تَثْنِيَة طاوٍ، وَهُوَ الجائع الَّذِي يطوي ليله
بِالْجُوعِ. قَوْله: (ضحك الله) ، يُرَاد بالضحك لَازمه،
لِأَن الضحك لَا يَصح على الله عز وَجل، وَهُوَ الرِّضَا
بذلك، وَكلما جَاءَ هَكَذَا من أَمْثَاله يُرَاد لوازمها.
قَوْله: (أَو عجب) شكّ من الرَّاوِي، وَهُوَ كَذَلِك
يُرَاد لَازمه، وَهُوَ الرِّضَا بِهَذَا الْفِعْل. قَوْله:
(فَأنْزل الله) ، هَذَا هُوَ الْأَصَح فِي سَبَب نزُول
هَذِه الْآيَة، وَذكر الواحدي عَن ابْن عمر، قَالَ: أهدي
لرجل من الصَّحَابَة رَأس شَاة، فَقَالَ: إِن أخي
وَعِيَاله أحْوج منا إِلَى هَذَا، فَبعث بِهِ إِلَيْهِ
فَلم يزل يبْعَث بِهِ واحدٌ إِلَى آخر حَتَّى تداولها
سَبْعَة أهل أَبْيَات، حَتَّى رجعت إِلَى الأول، فَنزلت:
{ويؤثرون على
(16/264)
أنفسهم وَلَو كَانَ بهم خصَاصَة}
(الْحَشْر: 9) . قَوْله: {وَمن يُوقَ نَفسه} (الْحَشْر: 9)
. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وَمن غلب مَا أَمرته بِهِ نَفسه
وَخَالف هَواهَا بمعونة الله وتوفيقه: {فَأُولَئِك هم
المفلحون} (الْحَشْر: 9) . الظافرون بِمَا أَرَادوا.
وقرىء: وَمن يُوقَ، بتَشْديد الْقَاف، وَأَصله من
الْوِقَايَة وَهِي الْحِفْظ، وَالشح، بِالضَّمِّ
وَالْكَسْر وَقد قرىء بهَا: اللوم، وَأَن تكون النَّفس كزة
حريصة على الْمَنْع، وَقيل: الشُّح وَالْبخل بِمَعْنى
وَاحِد، وَقيل: الشُّح أَخذ المَال بِغَيْر حق، وَالْبخل
الْمَنْع من المَال الْمُسْتَحق، وَقيل: الشُّح بِمَا فِي
يَد الْغَيْر، وَالْبخل بِمَا فِي يَده، وَقيل: الْبَخِيل
إِذا وجد شبع، والشحيح لَا يشْبع أبدا فالشح أَعم.
11 - (بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أقْبَلُوا مِنْ محْسِنِهِمْ وتَجاوَزُوا عنْ مُسِيئِهِمْ)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
(اقْبَلُوا من محسن الْأَنْصَار وتجاوزوا عَن مسيئهم) ،
أَي: لَا تؤاخدوه بإساءته.
9973 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى أبُو عَلِيٍّ
حدَّثنا شاذَانُ أخُو عَبْدَانَ حدَّثنا أبِي أخْبَرَنَا
شُعْبَةُ بنُ الحَجَّاجِ عنْ هِشَامِ بنِ زَيْدٍ قَالَ
سَمِعْتُ أنَسَ بنَ مالِكٍ يَقُولُ مَرَّ أبُو بَكْرٍ
والْعَبَّاسُ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما بِمَجْلِسٍ مِنْ
مَجَالِسِ الأنْصَارِ وهُمْ يَبْكُونَ فَقَالَ مَا
يُبْكِيكُمْ قَالُوا ذَكَرْنَا مَجْلِسَ النَّبِيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم مِنَّا فدَخَلَ علَى النَّبِيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فأخْبَرَهُ بِذالِكَ قَالَ فخَرَجَ
النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقدْ عَصَبَ علَى
رأسِهِ حاشِيَةَ بُرْدٍ قَالَ فصَعِدَ المِنْبَرَ ولَمْ
يَصْعَدْهُ بعْدَ ذالِكَ اليَوْمِ فحَمِدَ الله وأثْنَى
علَيْهِ ثُمَّ قالَ أُوصِيكُمْ بالأنْصَارِ فإنَّهُمْ
كَرِشِي وعَيْبَتِي وقدْ قَضُوا الَّذِي علَيْهِمْ وبَقِيَ
الَّذِي لَهُمْ فأقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ وتَجاوَزُوا
عنْ مُسِيئِهِمْ. (الحَدِيث 9973 طرفه فِي: 1083) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث لِأَنَّهُ عين
التَّرْجَمَة وَمُحَمّد بن يحيى أَبُو عَليّ الْيَشْكُرِي
الْمروزِي الصَّائِغ، بالغين الْمُعْجَمَة كَانَ أحد
الْحفاظ، روى عَنهُ مُسلم وَالنَّسَائِيّ أَيْضا وَقَالَ:
ثِقَة، مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَمِائَتَيْنِ،
وَقيل: مَاتَ قبل البُخَارِيّ بِأَرْبَع سِنِين. قلت: نعم،
لِأَن البُخَارِيّ مَاتَ فِي سنة سِتّ وَخمسين
وَمِائَتَيْنِ، وشاذان بِالْمُعْجَمَةِ اسْمه عبد
الْعَزِيز بن عُثْمَان بن جبلة وَهُوَ أَخُو عَبْدَانِ
وَهُوَ أكبر من شَاذان، وَقد أَكثر البُخَارِيّ فِي
(صَحِيحه) عَن عَبْدَانِ، وَأدْركَ شَاذان وَلكنه روى
عَنهُ هُنَا بِوَاسِطَة، وأبوهما عُثْمَان بن جبلة روى
عَنهُ ابْنه عَبْدَانِ عِنْد البُخَارِيّ وَمُسلم، وروى
عَنهُ شَاذان عِنْد البُخَارِيّ فِي غير مَوضِع، وَهِشَام
بن زيد بن أنس بن مَالك روى عَن جده أنس بن مَالك.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا عَن شيخ البُخَارِيّ
مُحَمَّد بن يحيى الْمَذْكُور فِي المناقب.
قَوْله: (وَالْعَبَّاس) ، هُوَ ابْن عبد الْمطلب عَم
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ مرورهما
بِمَجْلِس من مجَالِس الْأَنْصَار فِي مرض النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (وهم يَبْكُونَ) ، جملَة
حَالية. قَوْله: (فَقَالَ مَا يبكيكم؟) يحْتَمل أَن يكون
هَذَا الْقَائِل أَبَا بكر، وَيحْتَمل أَن يكون
الْعَبَّاس، وَقَالَ بَعضهم: وَالَّذِي يظْهر لي أَنه
الْعَبَّاس قلت: لَا قرينَة هُنَا تدل على ذَلِك، ثمَّ قوي
مَا قَالَه من أَنه الْعَبَّاس بِالْحَدِيثِ الثَّانِي
الَّذِي يَأْتِي الْآن، الَّذِي رَوَاهُ ابْن عَبَّاس،
فَقَالَ: هَذَا من رِوَايَة ابْنه، يَعْنِي: ابْن عَبَّاس،
فَكَأَنَّهُ سمع ذَلِك مِنْهُ. قلت: هَذَا أبعد من ذَلِك،
لِأَن الْوَصِيَّة فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس أَعم من
الْوَصِيَّة الَّتِي فِي حَدِيث الْعَبَّاس، لِأَنَّهَا
فِي حَدِيثه مُخْتَصَّة بالأنصار، بِخِلَاف حَدِيث ابْن
عَبَّاس، فَأَيْنَ ذَا من ذَاك؟ حَتَّى يكون هَذَا دَلِيلا
على أَن الْقَائِل فِي قَوْله: فَقَالَ: مَا يبكيكم، هُوَ
الْعَبَّاس من غير احْتِمَال أَن يكون أَبَا بكر، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ؟ قَوْله: (ذكرنَا مجْلِس النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم) ، لأَنهم كَانُوا يَجْلِسُونَ مَعَه
وَكَانَ ذَلِك فِي مرض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
فخافوا أَن يَمُوت من مَرضه فيفقدوا مَجْلِسه، فبكوا حزنا
على فَوَات ذَلِك. قَوْله: (فَدخل على النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم) أَي: فَدخل هَذَا الْقَائِل:
(16/265)
مَا يبكيكم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَأخْبرهُ بذلك، أَي: بِمَا شَاهد من بكائهم.
قَوْله: (فَخرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ،
الْقَائِل يحْتَمل أَن يكون الْقَائِل مَا يبكيكم،
وَيحْتَمل أَن يكون الرَّاوِي، وَهُوَ أنس، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، وَهَذَا هُوَ الْأَظْهر قَوْله: (وَقد
عصب) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال، و: عصب، بتَخْفِيف الصَّاد
ومصدره عصب وَهُوَ مُتَعَدٍّ، وَكَذَا عصب بِالتَّشْدِيدِ
ومصدره تعصيب، يُقَال: عصب رَأسه بِالْعِصَابَةِ تعصيباً.
قَوْله: (حَاشِيَة برد) ، بِالنّصب مفعول: عصب، وَفِي
رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: حاشة بردة، وَالْبرد نوع من
الثِّيَاب مَعْرُوف، وَالْجمع: أبراد وبرود، والبردة
الشملة المخططة، وَقيل: كسَاء أسود مربع تلبسه الْأَعْرَاب
وَجَمعهَا: برد. قَوْله: (كرشي) ، بِفَتْح الْكَاف وَكسر
الرَّاء (وعيبتي) بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون
الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة، والكرش
لكل مجتر بِمَنْزِلَة الْمعدة للْإنْسَان، والعيبة مستودع
الثِّيَاب، وَالْأول أَمر بَاطِن وَالثَّانِي ظَاهر،
فَيحْتَمل أَنه ضرب الْمثل بهما فِي إِرَادَة اختصاصهم
بأمورهم الظَّاهِرَة والباطنة. وَقَالَ الْخطابِيّ: يُرِيد
أَنهم بطانتي وخاصتي، وَمثله بالكرش لِأَنَّهُ مُسْتَقر
غذَاء الْحَيَوَان الَّذِي يكون بِهِ بَقَاؤُهُ، وَقد يكون
المُرَاد بالكرش أهل الرجل وَعِيَاله، والعيبة الَّتِي
يخزن فِيهَا الْمَرْء حرثياً بِهِ، أَي: أَنهم مَوضِع سره
وأمانته. وَقَالَ ابْن دُرَيْد: هَذَا من كَلَامه صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، الموجز الَّذِي لم يسْبق إِلَيْهِ.
قَوْله: (قد قضوا الَّذِي عَلَيْهِم) ، وَهُوَ مَا وَقع
لَهُم من الْمُبَايعَة لَيْلَة الْعقبَة، فَإِنَّهُم
كَانُوا بَايعُوا على أَن يؤوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، وينصروه على أَن لَهُم الْجنَّة، فوفوا بذلك.
قَوْله: (وَبَقِي الَّذِي لَهُم) ، وَهُوَ دُخُول
الْجنَّة. قَوْله: (فَأَقْبَلُوا) أَي: إِذا كَانَ الْأَمر
كَذَلِك فَأَقْبَلُوا (من محسنهم) أَي: من محسن
الْأَنْصَار. قَوْله: (وتجاوزوا) ، قد ذكرنَا أَن
مَعْنَاهُ: لَا تؤاخذوهم بالإساءة، والتجاوز عَن الْمُسِيء
مَخْصُوص بِغَيْر الْحُدُود، وَفِيه وَصِيَّة عَظِيمَة
لأجلهم، وفضيلة عزيزة لَهُم.
0083 - حدَّثنا أحْمهدُ بنُ يَعْقُوبَ حدَّثنا ابنُ
الغَسِيلِ سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يقُولُ سَمِعْتُ ابنَ
عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا يقُولُ خَرَجَ
رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعلَيْهِ مِلْحَفَةٌ
مُتَعَطِّفَاً بِهَا على مَنْكِبَيْهِ وعلَيْهِ عِصَابَةٌ
دَسْمَاءُ حَتَّى جَلَسَ علَى المِنْبَرِ فَحَمِدَ الله
وأثْنَى علَيْهِ ثُمَّ قالَ أمَّا بَعْدُ أيُّهَا النَّاسُ
فإنَّ النَّاسَ يَكْثُرُونَ وتَقِلُّ الأنْصَارُ حَتَّى
يَكُونُوا كالمِلْحِ فِي الطَّعَامِ فَمَنْ وَلِيَ
مِنْكُمْ أمْرَاً يَضُرُّ فِيهِ أحدا أوْ يَنْفَعُهُ
فَلْيَقْبَلْ مِنْ مُحْسِنِهِمْ ويَتَجَاوَزْ عنْ
مُسِيئِهِمْ. (انْظُر الحَدِيث 729 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث وَأحمد بن يَعْقُوب
أَبُو يَعْقُوب المَسْعُودِيّ الْكُوفِي، وَهُوَ من
أَفْرَاده، وَابْن الغسيل هُوَ عبد الرَّحْمَن بن
سُلَيْمَان بن عبد الله بن حَنْظَلَة غسيل الْمَلَائِكَة.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب صَلَاة الْجُمُعَة فِي: بَاب من
قَالَ فِي الْخطْبَة بعد الثَّنَاء: أما بعد، فَإِنَّهُ
أخرجه هُنَاكَ عَن إِسْمَاعِيل بن أبان عَن ابْن الغسيل.
قَوْله: (خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: من
الْبَيْت إِلَى الْمَسْجِد. قَوْله: (وَعَلِيهِ) الْوَاو
فِيهِ للْحَال. قَوْله: (متعطفاً) نصب على الْحَال، أَي:
مرتدياً والعطاف الرِّدَاء. قَوْله: (بهَا) أَي: بالملحفة.
قَوْله: (وَعَلِيهِ) الْوَاو فِيهِ أَيْضا للْحَال.
قَوْله: (عِصَابَة دسماء) الْعِصَابَة بِالْكَسْرِ مَا
يعصب بِهِ الرَّأْس من عِمَامَة أَو منديل أَو خرقَة،
والدسماء السَّوْدَاء، وَمِنْه الحَدِيث الآخر، خرج وَقد
عصب رَأسه بعصابة دسمة، وَقَالَ الدَّاودِيّ: الدسماء
الوسخة من الْعرق وَالْغُبَار. قَوْله: (فَإِن النَّاس
يكثرون وتقل الْأَنْصَار) ، لِأَن الْأَنْصَار هم الَّذين
سمعُوا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ونصروه
وَهَذَا أَمر قد انْقَضى زَمَانه لَا يلحقهم اللَّاحِق
وَلَا يدْرك شاوهم السَّابِق، وَكلما مضى مِنْهُم أحد مضى
من غير بدل، فيكثر غَيرهم ويقلون. قَوْله: (حَتَّى
يَكُونُوا كالملح فِي الطَّعَام) يَعْنِي من الْقلَّة،
وَوجه التَّشْبِيه بَين الْأَنْصَار وَالْملح هُوَ أَن
الْملح جُزْء يسير من الطَّعَام وَفِيه إِصْلَاحه،
فَكَذَلِك الْأَنْصَار وَأَوْلَادهمْ من بعدهمْ، جُزْء
يسير بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُهَاجِرين وَأَوْلَادهمْ
الَّذين انتشروا فِي الْبِلَاد وملكوا الأقاليم، فَلذَلِك
قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مُخَاطبا للمهاجرين: (فَمن
ولي مِنْكُم أمرا يضرُّ فِيهِ) أَي: فِي ذَلِك الْأَمر
(أحدا أَو يَنْفَعهُ فليقبل من محسنهم) أَي: محسن
الْأَنْصَار، وَالَّذين ملكوا من بعد النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، من الْخُلَفَاء الرَّاشِدين كلهم من
الْمُهَاجِرين، وَكَذَلِكَ من بني أُميَّة وَمن بني
الْعَبَّاس كلهم من أَوْلَاد الْمُهَاجِرين.
(16/266)
1083 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ
حدَّثنا غُنْدَرٌ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ
قتَادَةَ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ
عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الأنْصَارُ
كَرِشي وعَيْبَتِي والنَّاسُ سَيَكْثُرُونَ ويَقِلُّونَ
فاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ وتَجَاوَزُوا عنْ
مُسِيئِهِمْ. (انْظُر الحَدِيث 9973) .
هَؤُلَاءِ الرِّجَال قد ذكرُوا غير مرّة. والْحَدِيث أخرجه
مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار
وَالتِّرْمِذِيّ أَيْضا عَن بنْدَار فِي المناقب
وَالنَّسَائِيّ عَن حرمي بن عمَارَة عَن شُعْبَة عَن
قَتَادَة عَن أنس عَن أسيد بن حضير. قَوْله: (ويقلون) أَي:
الْأَنْصَار.
21 - (بابُ مَناقِبِ سَعْدِ بنِ مُعاذ رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَنَاقِب سعد بن معَاذ، بِضَم
الْمِيم وإعجام الذَّال: ابْن النُّعْمَان بن امرىء
الْقَيْس ابْن عبد الْأَشْهَل بن جشم بن الْحَرْث بن
الْخَزْرَج بن النبيت، واسْمه: عَمْرو بن مَالك بن
الْأَوْس الْأنْصَارِيّ الأوسي ثمَّ الأشْهَلِي، وَهُوَ
كَبِير الْأَوْس، كَمَا أَن سعد بن عبَادَة كَبِير
الْخَزْرَج، أسلم على يَد مُصعب بن عُمَيْر، لما أرْسلهُ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَدِينَة يعلم
الْمُسلمين، فَلَمَّا أسلم قَالَ لبني عبد الْأَشْهَل:
كَلَام رجالكم ونسائكم عَليّ حرَام حَتَّى تسلموا، فَكَانَ
من أعظم النَّاس بركَة فِي الْإِسْلَام، وَشهد بَدْرًا
بِلَا خلاف فِيهِ، وَشهد أحدا وَالْخَنْدَق ورماه
يَوْمئِذٍ حبَان بن العراقة فِي أكحله، فَعَاشَ شهرا ثمَّ
انتفض جرحه فَمَاتَ مِنْهُ، وَكَانَ مَوته بعد الخَنْدَق
بِشَهْر، وَبعد قُرَيْظَة بليالٍ، وَأمه كَبْشَة بنت
رَافع، لَهَا صُحْبَة.
2083 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنَا غُنْدَرٌ
حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ أبِي إسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ
البَرَاءَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يقُولُ أُهْدِيَتْ
للنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حُلَّةُ حَرِيرٍ
فجَعَلَ أصْحَابُهُ يَمَسُّونَهَا ويَعْجَبُونَ مِنْ
لِينِهَا فَقَالَ أتَعْجَبُونَ مِنْ لِينِ هذِهِ؟
لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بنِ مُعاذٍ خَيْرٌ مِنْها أوْ
ألْيَنُ: رَوَاهُ قَتَادَةُ والزُّهْرِيُّ سَمِعا أنَسَ
بنَ مالِكٍ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (لمناديل سعد بن معَاذ
خير مِنْهَا) وَجَاء فِيهِ: (إِن لمناديل سعد فِي الْجنَّة
أحسن مَا ترَوْنَ) وَفِيه منقبة عَظِيمَة لَهُ. وَأَبُو
إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي، والْحَدِيث أخرجه
مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار عَن
مُحَمَّد بن عَمْرو.
قَوْله: (أهديت) كَانَ الَّذِي أهدها أكيدر دومة، كَمَا
بَينه فِي حَدِيث أنس فِي كتاب الْهِدَايَة فِي بَاب قبُول
الْهَدِيَّة من الْمُشْركين وَفِيه لمناديل سعد بن معَاذ
فِي الْجنَّة أحسن من هَذَا وَتَخْصِيص سعد بِهِ، قيل:
لِأَنَّهُ كَانَ يُعجبهُ ذَلِك الْجِنْس من الثَّوْب، أَو
لأجل كَون اللامسين المتعجبين من الْأَنْصَار، فَقَالَ:
مناديل سيدكم خير مِنْهَا، قَالَ الطَّيِّبِيّ: مناديل جمع
منديل وَهُوَ الَّذِي يحمل فِي الْيَد، وَقَالَ ابْن
الْأَعرَابِي وَغَيره: هُوَ مُشْتَقّ من الندل، وَهُوَ
النَّقْل لِأَنَّهُ ينْقل من وَاحِد، وَقيل: من الندل
وَهُوَ الْوَسخ، لِأَنَّهُ يندل بِهِ، إِنَّمَا ضرب الْمثل
بالمناديل لِأَنَّهَا لَيست من علية الثِّيَاب بل هِيَ
تتبدل فِي أَنْوَاع من الْمرَافِق يتمسح بهَا الْأَيْدِي
وينفض بهَا الْغُبَار عَن الْبدن وَيُعْطى بهَا مَا يهدى
وتتخذ لفائف للثياب، فَصَارَ سَبِيلهَا سَبِيل الْخَادِم
وسبيل سَائِر الثِّيَاب سَبِيل المخدوم، فَإِذا كَانَ
أدناها هَكَذَا، فَمَا ظَنك بعليتها؟ قَوْله: (رَوَاهُ
قَتَادَة) رِوَايَته وَصلهَا البُخَارِيّ فِي الْهِبَة،
وَالزهْرِيّ أَي: وَرَوَاهُ الزُّهْرِيّ أَيْضا، وَوصل
البُخَارِيّ رِوَايَته فِي اللبَاس، على مَا سَيَأْتِي إِن
شَاءَ الله تَعَالَى.
3083 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى حدَّثنا فَضْلُ
بنُ مُسَاوِرٍ خَتَنُ أبِي عَوَانَةَ حدَّثنا أبُو
عَوَانَةَ عنِ الأعْمَشِ عنْ أبِي سُفْيَانَ عنْ جابِرٍ
رَضِي الله تَعَالَى عنهُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يقُولُ اهْتَزَّ العَرْشُ لِمَوْتِ سَعْدِ
بنِ مُعاذٍ.
(16/267)
اهتزاز الْعَرْش لمَوْت سعد منقبة عَظِيمَة
لَهُ، وَفضل بن مساور بِلَفْظ اسْم الْفَاعِل من المساورة
بِالسِّين الْمُهْملَة وَهِي المواثبة والمقاتلة: أَبُو
مساور الْبَصْرِيّ من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَلَيْسَ لَهُ
فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الْموضع، وَهُوَ ختن أبي
عوَانَة، وَهُوَ كل من كَانَ من قبل الْمَرْأَة مثل:
الْأَخ وَالْأَب، وَأما الْعَامَّة فختن الرجل عِنْدهم زوج
ابْنَته، وَهُوَ يروي عَن أبي عوَانَة الوضاح الْيَشْكُرِي
عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن أبي سُفْيَان طَلْحَة بن
نَافِع الْمَكِّيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم عَن عَمْرو النَّاقِد. وَأخرجه
ابْن مَاجَه فِي السّنة عَن عَليّ بن مُحَمَّد.
قَوْله: (اهتز الْعَرْش) ، الْعَرْش فِي اللُّغَة: السرير،
فَإِن كَانَ المُرَاد بِهِ السرير الَّذِي حمل عَلَيْهِ
فَمَعْنَى الاهتزاز الْحَرَكَة وَالِاضْطِرَاب، وَذَلِكَ
فَضِيلَة لَهُ كَمَا كَانَ رجف أحد فَضِيلَة لمن كَانَ
عَلَيْهِ، وَهُوَ: رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأَصْحَابه، وَإِن كَانَ المُرَاد بِهِ عرش الله تَعَالَى
فيراد مِنْهُ حَملته، وَمعنى الإهتزاز: السرُور والاستبشار
بقدومه، وَمِنْه اهتزت الأَرْض بالنبات إِذا اخضرت وَحسنت،
وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَقُول: وَيحْتَمل أَن يكون اهتزاز
نفس الْعَرْش حَقِيقَة {وَالله على كل شَيْء قدير} قلت
فِيهِ تَأمل وَقَالَ الطَّيِّبِيّ قَالَت طَائِفَة هُوَ
على ظَاهره واهتزاز الْعَرْش تحركه فَرحا بقدوم سعد وَجعل
الله فِي الْعَرْش تمييزا وَلَا مَانع مِنْهُ كَمَا قَالَ
(وَإِن مِنْهَا لما يهْبط من خشيَة الله) (الْبَقَرَة:
842، آل عمرَان: 92 و 981، الْمَائِدَة: 71، 91، 04،
الْأَنْفَال: 14، التَّوْبَة: 93، الْحَشْر: 6) . وَقَالَ
الْمَازرِيّ: هُوَ على حَقِيقَته، وَلَا يُنكر هَذَا من
جِهَة الْعقل لِأَن الْعَرْش جسم والأجسام تقبل الْحَرَكَة
والسكون، وَقيل: المُرَاد بالاهتزاز الاستبشار، وَمِنْه
قَول الْعَرَب: فلَان يَهْتَز للكرم، لَا يُرِيدُونَ
اضْطِرَاب جِسْمه وحركته، وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ ارتياحه
إِلَيْهِ وإقباله عَلَيْهِ. وَقَالَ الْحَرْبِيّ: هُوَ
كِنَايَة عَن تَعْظِيم شَأْن وَفَاته، وَالْعرب تنْسب
الشَّيْء الْمُعظم إِلَى أعظم الْأَشْيَاء، فَيَقُولُونَ:
أظلمت لمَوْت فلَان الأَرْض، وَقَامَت لَهُ الْقِيَامَة.
وعَنِ الأعْمَشِ حَدثنَا أَبُو صَالِحٍ عنْ جَابِرٍ عنِ
النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِثْلَهُ فَقَالَ
رَجُلٌ لِجابِرٍ فإنَّ فإنَّ البَرَاءَ يقُولُ اهْتَزَّ
السَّرِيرُ فَقَالَ إنَّهُ كانَ بَيْنَ هاذَيْنِ
الحَيَّيْنِ ضَغَائِنُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمانِ
لِمَوْتِ سَعْدِ بنِ مُعاذٍ
هُوَ عطف على الْإِسْنَاد الَّذِي قبله أَي: وروى أَبُو
عوَانَة عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن أبي صَالح ذكْوَان
الزيات عَن جَابر بن عبد الله، وَأَشَارَ البُخَارِيّ
بِرِوَايَة الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن جَابر إِلَى أَنه
لَا يخرج لأبي سُفْيَان الْمَذْكُور إلاَّ مَقْرُونا
بِغَيْرِهِ، أَو اسْتِشْهَادًا. قَوْله: (مثله) أَي: مثل
حَدِيث أبي سُفْيَان عَن جَابر. قَوْله: (فَقَالَ رجل) ،
لم يدر من هُوَ، قَالَ لجَابِر بن عبد الله رَاوِي
الحَدِيث كَيفَ تَقول: اهتز الْعَرْش؟ فَإِن الْبَراء بن
عَازِب يَقُول: اهتز السرير؟ قَوْله: (فَقَالَ) أَي: قَالَ
جَابر فِي جَوَاب الرجل: إِنَّه كَانَ بَين هذَيْن
الْحَيَّيْنِ، أَي: الْأَوْس والخزرج، ضغائن بالضاد والغين
المعجمتين: جمع ضغينة وَهِي الحقد، وَقَالَ الْخطابِيّ:
إِنَّمَا قَالَ جَابر ذَلِك لِأَن سَعْدا كَانَ من
الْأَوْس والبراء خزرجي والخزرج لَا تقر بِالْفَضْلِ
لِلْأَوْسِ، ورد عَلَيْهِ بِأَن الْبَراء أَيْضا أوسي يعرف
ذَلِك بِالنّظرِ فِي نسبه لِأَن نسبهما يَنْتَهِي إِلَى
الْأَوْس، فَإِذا كَانَ كَذَلِك لَا ينْسب الْبَراء إِلَى
غَرَض النَّفس، وَإِنَّمَا حمل لفظ الْعَرْش على معنى
يحْتَملهُ، إِذْ كثيرا يُطلق وَيُرَاد بِهِ السرير، وَلَا
يلْزم بذلك قدح فِي عَدَالَته كَمَا لَا يلْزم بذلك
القَوْل قدح فِي عَدَالَة جَابر، وَقد روى اهتزاز الْعَرْش
لسعد عَن جمَاعَة غير جَابر مِنْهُم: أَبُو سعيد
الْخُدْرِيّ وَأسيد بن حضير ورميثة، وَأَسْمَاء بنت يزِيد
بن السكن وَعبد الله بن بدر وَابْن عمر بِلَفْظ: (اهتز
الْعَرْش فَرحا بِسَعْد) ، ذكرهَا الْحَاكِم، وَحُذَيْفَة
بن الْيَمَان وَعَائِشَة عِنْد ابْن سعد، وَالْحسن وَيزِيد
بن الْأَصَم مُرْسلا، وَسعد بن أبي وَقاص فِي كتاب أبي
عرُوبَة الْحَرَّانِي. وَفِي (الإكليل) بِسَنَد صَحِيح:
(إِن جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَتَى
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين قبض سعد، فَقَالَ:
من هَذَا الْمَيِّت الَّذِي فتحت لَهُ أَبْوَاب السَّمَاء
واستبشر بِمَوْتِهِ أَهلهَا؟) وَعند التِّرْمِذِيّ مصححاً
عَن أنس: (لما حملت جَنَازَة سعد، قَالَ المُنَافِقُونَ:
مَا أخف جنَازَته) ، وَذَلِكَ لحكمه فِي بني قُرَيْظَة،
فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ:
(إِن الْمَلَائِكَة كَانَت تحمله) ، زَاد ابْن سعد فِي
(الطَّبَقَات) : لما قَالَ المُنَافِقُونَ ذَلِك قَالَ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: (لقد نزل سَبْعُونَ ألف ملك شهدُوا
جَنَازَة سعد، مَا وطئوا الأَرْض قبل الْيَوْم) ، وَكَانَ
رجلا جسيماً، وَكَانَ يفوح من قَبره رَائِحَة الْمسك،
وَأخذ إِنْسَان قَبْضَة من تُرَاب قَبره فَذهب بهَا، ثمَّ
نظر إِلَيْهَا بعد ذَلِك فَإِذا هِيَ مسك.
(16/268)
4083 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَرْعَرَةَ حدَّثنا شُعْبَةُ
عنْ سَعْدِ بنِ إبْرَاهِيمَ عنْ أبِي أُمَامَةَ بنِ سَهْلِ
بنِ حُنَيْفٍ عنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ أنَّ أنَاساً نَزَلُوا علَى حُكْم سَعْدِ
بنِ مُعاذٍ فأرْسَلَ إلَيْهِ فَجاءَ علَى حِمارٍ فلَمَّا
بلَغَ قَرِيباً مِنَ المَسْجِدِ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قُومُوا إِلَى خَيْرِكُمْ أوْ سَيِّدِكُمْ
فَقَالَ يَا سَعْدُ إنَّ هَؤُلاَءِ نَزَلُوا علَى حُكْمِكَ
قَالَ فإنِّي أحْكُمُ فِيهِمْ أنْ تُقْتَلَ
مُقَاتِلَتُهُمْ وتُسْباى ذَرَارِيُّهُمْ قَالَ حَكَمْتَ
بِحُكْمِ الله أوْ بِحُكْمِ المَلِكِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (قومُوا إِلَى خَيركُمْ)
وَفِي قَوْله: (حكمت بِحكم الله) . وَأَبُو أُمَامَة،
بِضَم الْهمزَة أسعد بن سهل بن حنيف، بِضَم الْحَاء
الْمُهْملَة وَفتح النُّون وَسُكُون الْيَاء آخر
الْحُرُوف: الأوسي الْأنْصَارِيّ، أدْرك النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَيُقَال: إِنَّه سَمَّاهُ وكناه باسم جده
وكنيته، وَلم يسمع من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
شَيْئا، مَاتَ سنة مائَة.
والْحَدِيث قد مضى فِي الْجِهَاد فِي: بَاب إِذا نزل
الْعَدو على حكم رجل، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن
سُلَيْمَان بن حَرْب عَن شُعْبَة إِلَى آخِره، وَقد مضى
الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (أَن أُنَاسًا) ، ويروى: (أَن نَاسا) ، وهم بَنو
قُرَيْظَة وَقد صرح بِهِ هُنَاكَ. قَوْله: (فَأرْسل
إِلَيْهِ) أَي: فَأرْسل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إِلَى سعد: قَوْله: (قَرِيبا من الْمَسْجِد) أَرَادَ بِهِ
الْمَسْجِد الَّذِي أعده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أسام
محاصرته لبني قُرَيْظَة، وَالَّذِي ظن أَنه الْمَسْجِد
النَّبَوِيّ فقد غلط، وَالصَّوَاب مَا ذَكرْنَاهُ، وَفِي
رِوَايَة أبي دَاوُد: (فَلَمَّا دنا من النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم) ، وَهُوَ يُؤَيّد مَا ذَكرْنَاهُ حَيْثُ
لم يقل: من مَسْجِد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (إِلَى خَيركُمْ) ، إِن كَانَ الْخطاب للْأَنْصَار
فَظَاهر لِأَنَّهُ سيد الْأَنْصَار، وَإِن كَانَ أَعم
مِنْهُ فإمَّا بإن لم يكن فِي الْمجْلس من هُوَ خير
مِنْهُ، وَإِمَّا بِأَن يُرَاد بِهِ السِّيَادَة
الْخَاصَّة، أَي: من جِهَة تحكيمه فِي هَذِه الْقَضِيَّة
وَنَحْوهَا. قَوْله: (أَو سيدكم) ، شكّ من الرَّاوِي،
وَكَذَلِكَ قَوْله: (أَو بِحكم الْملك) وَهُنَاكَ: بِحكم
الْملك، بِلَا شكّ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْملك، بِكَسْر
اللَّام وَفتحهَا. قلت: أما الْكسر فَظَاهر، وَأما
الْفَتْح فَمَعْنَاه: أَنه الحكم الَّذِي نزل بِهِ الْملك
وَهُوَ جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَأخْبر
بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.