عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 92 - (بابُ مَا لَقِيَ النَّبِيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وأصحَابُهُ مِنَ المُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا لَقِي النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَمَا لَقِي أَصْحَابه من أَذَى
الْمُشْركين حَال كَونهم بِمَكَّة.
2583 - حدَّثنا الحُمَيْدِيُّ حدَّثنَا سُفْيَانُ حدَّثنَا
بَيانٌ وإسْمَاعِيلُ قالاَ سَمِعْنَا قَيْسَاً يَقُولُ
سَمِعْتُ خَبَّابَاً يَقُولُ أتَيْتُ النَّبيَّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَهُ وهْوَ فِي
ظِلِّ الكَعْبَةِ وقَدْ لَقِينَا مِنَ المُشْرِكِينَ
شِدَّةً فَقُلْتُ ألاَ تَدْعُو الله فقَعَدَ وهْوَ
مُحْمَرٌّ وجْهُهُ فَقالَ لَقَدْ كانَ مَنْ قَبْلَكُمْ
لَيُمْشَطُ بِمِشاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ عِظَامِهِ مِنْ
لَحمٍ أوْ عَصَبٍ مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عنْ دِينِهِ
ويُوضَعُ المِنْشَارُ علَى مَفْرِقِ رأسِهِ فيُشَقُّ
باثْنَيْنِ مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عنْ دِينِهِ
ولَيُتِمَّنَّ الله هَذَا الأمْرَ حَتَّى يَسِيرَ
الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إلَى حَضْرَمَوْتَ مَا يَخافُ
إلاَّ الله. زَادَ بَيانٌ والذِّئْبُ علَى غَنَمِهِ.
(انْظُر الحَدِيث 2163 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَلَقَد لَقينَا من
الْمُشْركين شدَّة) . والْحميدِي هُوَ عبد الله بن الزبير
بن عِيسَى ونسبته إِلَى أحد أجداده حميد، وَقد تكَرر ذكره،
وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَبَيَان، بِفَتْح الْبَاء
الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف: ابْن بشر
الأحمسي الْمعلم الْكُوفِي، وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي
خَالِد، وَقيس هُوَ ابْن أبي حَازِم، وخباب، بِفَتْح
الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة
الأولى: ابْن الأرتّ، بِفَتْح الْهمزَة وَالرَّاء
وَتَشْديد التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق: ابْن حَنْظَلَة
مولى خُزَاعَة.
والْحَدِيث مضى فِي عَلَامَات النُّبُوَّة فَإِنَّهُ أخرجه
هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن يحيى عَن إِسْمَاعِيل
عَن قيس عَن خباب، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (وَهُوَ مُتَوَسِّد) الْوَاو فِيهِ للْحَال.
قَوْله: (برده) بهاء الضَّمِير رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي
رِوَايَة غَيره: بردة، بتاء الْإِفْرَاد. قَوْله: (وَهُوَ
فِي ظلّ الْكَعْبَة) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال أَي:
وَالْحَال أَنه مُتَوَسِّد بردة لَهُ فِي ظلّ الْكَعْبَة.
قَوْله: (وَلَقَد لَقينَا) ، الْوَاو فِيهِ أَيْضا للْحَال
وَإِن كَانَ يحْتَمل غَيره. قَوْله: (وَهُوَ محمر وَجهه)
الْوَاو فِيهِ للْحَال، قيل: من أثر النّوم، وَقَالَ ابْن
التِّين: من الْغَضَب وَهُوَ الْأَوْجه. قَوْله: (من
كَانَ) بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون النُّون مَوْصُول،
وَأَرَادَ بهم الْأَنْبِيَاء تقدمُوا وأتباعهم. قَوْله:
(ليمشط) ، على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (بمشاط
الْحَدِيد) بِكَسْر الْمِيم فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين
وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (بِأَمْشَاط) ، بِفَتْح
الْهمزَة وَسُكُون الْمِيم وَكِلَاهُمَا جمع مشط بِضَم
الْمِيم وَكسرهَا، وَأنكر ابْن دُرَيْد الْكسر فِي
الْمُفْرد. قَوْله: (ذَلِك) ، أَي: قَتلهمْ الْمُسلمين من
الْمشْط أَو الأمشاط، وَكِلَاهُمَا مصدر. قَوْله:
(وَيُوضَع الْمِنْشَار) ، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون
النُّون وَهِي الْآلَة الَّتِي ينشر بهَا الأخشاب، ويروى:
(الميشار) ،
(16/304)
بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْيَاء آخر
الْحُرُوف يهمز وَلَا يهمز. قَوْله: (بإثنين) ، ويروى
بِاثْنَتَيْنِ. قَوْله: (ذَلِك) أَي: وضع الْمِنْشَار على
مفرق رَأسه. قَوْله: (وليتمن الله) بِضَم الْيَاء آخر
الْحُرُوف وَكسر التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق من
الْإِتْمَام وَاللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد، وَلَفظ: الله،
مَرْفُوع فَاعله. قَوْله: (هَذَا الْأَمر) أَي: أَمر
الْإِسْلَام. قَوْله: (من صنعاء إِلَى حَضرمَوْت) الصنعاء
صنعاء الْيمن أعظم مدنها وأجلها، تشبه بِدِمَشْق فِي
كَثْرَة الْبَسَاتِين والمياه، وحضرموت بلد عَامر بِالْيمن
كثير التَّمْر بَينه وَبَين الشحر أَرْبَعَة أَيَّام،
وَهِي بليدَة قريبَة من عدن بَينه وَبَين صنعاء ثَلَاث
مراحل، قَوْله: (زادبيان) أَي: زَاد بَيَان الرَّاوِي فِي
حَدِيثه: (وَالذِّئْب) بِالنّصب عطف على الْمُسْتَثْنى
مِنْهُ لَا على الْمُسْتَثْنى، كَذَا قَالَه الْكرْمَانِي،
وَقَالَ بَعضهم: وَلَا يمْتَنع أَن يكون عطفا على
الْمُسْتَثْنى، وَالتَّقْدِير: وَلَا يخَاف على غنمه إلاَّ
الذِّئْب، لِأَن مساق الحَدِيث إِنَّمَا هُوَ للأمن من
عدوان بعض النَّاس على بعض، كَمَا كَانُوا فِي
الْجَاهِلِيَّة لَا للأمن من عدوان الذِّئْب، فَإِن ذَلِك
إِنَّمَا يكون فِي آخر الزَّمَان عِنْد نزُول عِيسَى،
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام. انْتهى. قلت: هَذَا تصرف
عَجِيب، لِأَن مساق الحَدِيث أَعم من عدوان النَّاس وعدوان
الذِّئْب وَنَحْوه، لِأَن قَوْله: الرَّاكِب، أَعم من أَن
يكون مَعَه غنم أَو غَيره، وَعدم خَوفه يكون من النَّاس
وَالْحَيَوَان، وَقَوله: فَإِن ذَلِك إِنَّمَا يكون فِي
آخر الزَّمَان ... إِلَى آخِره، غير مُخْتَصّ بِزَمَان
عِيسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَإِنَّمَا وَقع
هَذَا فِي زمن عمر بن عبد الْعَزِيز، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، فَإِن الرُّعَاة كَانُوا آمِنين من الذئاب فِي
أَيَّامه حَتَّى إِنَّهُم مَا عرفُوا مَوته، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، إلاَّ بعدوان الذِّئْب على الْغنم،
وَلَئِن سلمنَا أَن ذَلِك فِي زمن عِيسَى، عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام، وزمن عِيسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، بعد نُزُوله فَهُوَ مَحْسُوب من زمن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِأَنَّهُ ينزل وَهُوَ تَابع
للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا عرف فِي مَوْضِعه.
3583 - حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ حدَّثنا شُعْبَةُ
عنْ أبِي إسْحَاقَ عنِ الأسْوَدِ عنْ عَبْدِ الله رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَرَأ النَّبِيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم النَّجْم فسَجَدَ فَمَا بَقِيَ أحَدٌ إلاَّ
سَجَدَ إلاَّ رَجُلٌ رأيْتُهُ أخَذَ كَفَّاً مِنْ حَصاً
فرَفَعَهُ فسَجَدَ علَيْهِ وَقَالَ هاذَا يَكْفِينِي
فَلَقَدْ رأيْتُهُ بَعْدُ قُتِلَ كافِرَاً بِاللَّه. .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن امْتنَاع الرجل
الْمَذْكُور فِيهِ عَن السَّجْدَة مَعَ الْمُسلمين
ومخالفته إيَّاهُم نوع أَذَى لَهُم، فَلَا يخفى ذَلِك.
وَأَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي، وَالْأسود
هُوَ ابْن يزِيد النَّخعِيّ، وَعبد الله هُوَ ابْن
مَسْعُود، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : قَالَ
الدَّاودِيّ: لَعَلَّه عبد الله بن عَمْرو أَو عبد الله بن
عمر، وَفِي نِسْبَة ذَلِك إِلَى الدَّاودِيّ نظر.
والْحَدِيث مضى فِي أول أَبْوَاب سُجُود الْقِرَاءَة،
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن بشار عَن غنْدر
... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله:
(رجل) هُوَ أُميَّة بن خلف، وَقيل: الْوَلِيد بن مُغيرَة.
قَوْله: (بعد) أَي: بعد ذَلِك.
4583 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثَنَا غُنْدَرٌ
حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ أبِي إِسْحَاقَ عنْ عَمْرِو بنِ
ميْمُونٍ عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ
بَيْنا النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ساجِدٌ
وحَوْلَهُ ناسٌ مِنْ قُرَيْشٍ جاءَ عُقْبَةُ بنُ أبِي
مُعَيْطٍ بِسَلَى جُزُورٍ فَقَذَفَهُ علَى ظَهْرِ
النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلَمْ يَرْفَعْ رأسَهُ
فَجَاءَتْ فاطِمَةُ علَيْهَا السَّلاَمُ فأخَذتْهُ مِنْ
ظَهْرِهِ ودَعَتْ علَى منْ صنَعَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ علَيْكَ المَلأُ مِنْ
قُرَيْشٍ أبَا جَهْلِ بنَ هِشَامٍ وعُتْبَةَ بنَ رَبِيعَةَ
وشَيْبَةَ بنَ رَبِيعَةَ وأُمَيَّةَ بنَ خَلَفٍ أوْ
أُبَيَّ بنَ خَلَفٍ شُعْبَةُ الشَّاكُ فرَأيْتُهُمْ
قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ فأُلْقُوا فِي بِئْرٍ غَيْرَ
أُمَيَّةَ أوْ أُبَيٍّ تَقَطَّعَتْ أوْصَالُهُ فلَمْ
يُلْقَ فِي البِئْرِ. .
مطابقته للجزء الأول من التَّرْجَمَة وَهِي ظَاهِرَة،
وغندر هُوَ مُحَمَّد بن جَعْفَر. والْحَدِيث مضى فِي
أَوَاخِر كتاب الْوضُوء فِي: بَاب
(16/305)
إِذا ألْقى على ظهر الْمُصَلِّي قذراً أَو
جيفة، بأتم مِنْهُ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (بسلى) ، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَفتح
اللَّام مَقْصُورا: الْجلْدَة الرقيقة يكون فِيهَا
الْوَلَد من الْمَوَاشِي. قَوْله: (عَلَيْك الْمَلأ) أَي:
إلزم جَمَاعَتهمْ وأشرافهم أَي: أهلكهم.
5883 - حدَّثنا عُثْمانُ بنُ أبِي شَيْبَةَ حدَّثنا
جَرِيرٌ عنْ مَنْصُورٍ حدَّثني سَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ أوْ
قَالَ حدَّثني الحَكَمُ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ قَالَ
أمرَنِي عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ أبْزَى قَالَ سَلِ ابنَ
عَبَّاسٍ عنِ هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ مَا أمْرُهُمَا: {ولاَ
تَقْتُلُوا النَّفُسَ الَّتِي حَرَّمَ الله إلاَّ
بالحَقِّ} (الْفرْقَان: 86) . وَ {مَنْ يَقْتُلُ مُؤْمِناً
مُتَعَمِّداً} (النِّسَاء: 39) . فسَألْتُ ابنَ عَبَّاسٍ
فَقَالَ لَمَّا أُنْزِلَتِ الَّتِي فِي الْفُرْقَانِ قَالَ
مُشْرِكُو أهْلِ مَكَّةَ فَقَدْ قَتَلْنَا النَّفْسَ
الَّتِي حَرَّمَ الله ودَعَوْنَا مَعَ الله إلاهَاً آخرَ
وقَدْ أتَيْنَا الفَوَاحِشَ فأنْزَلَ الله إلاَّ مَنْ تابَ
وآمَنَ الآيَةَ فَهَذِهِ لأِولَئِكَ وأمَّا الَّتِي فِي
النِّساءِ الرَّجُلُ إذَا عَرَفَ الإسْلاَمَ وشَرَائِعَهُ
ثُمَّ قَتَلَ فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمَ خالِدَاً فِيهَا
فذَكَرْتُهُ لِمُجَاهِدٍ فَقَالَ إلاَّ مَنْ نَدِمَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (مشركو أهل
مَكَّة: فقد قتلنَا النَّفس الَّتِي حرم الله) لِأَنَّهُ
لم يَك فِي إيصالهم الْأَذَى للْمُسلمين أَشد من قَتلهمْ
وتعذيبهم إيَّاهُم. وَقَالَ بَعضهم: وَالْغَرَض مِنْهُ أَي
من هَذَا الحَدِيث الْإِشَارَة إِلَى أَن صَنِيع
الْمُشْركين بِالْمُسْلِمين من الْقَتْل والتعذيب وَغير
ذَلِك يسْقط عَنْهُم بِالْإِسْلَامِ. انْتهى. قلت: أَرَادَ
بذلك بَيَان وَجه الْمُطَابقَة للتَّرْجَمَة، فَلَا
مُطَابقَة بَينهمَا بِالْوَجْهِ الَّذِي ذكره أصلا، لِأَن
التَّرْجَمَة لَيست بمعقودة لما ذكره.
وَعُثْمَان بن أبي شيبَة هُوَ أَخُو أبي بكر بن أبي شيبَة
وَأَبُو شيبَة اسْمه إِبْرَاهِيم وَهُوَ جدهما
لِأَنَّهُمَا ابْنا مُحَمَّد بن أبي شيبَة، وَكِلَاهُمَا
من شُيُوخ البُخَارِيّ وَمُسلم، وَجَرِير هُوَ ابْن عبد
الحميد، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَالْحكم،
بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالْكَاف: هُوَ ابْن عتيبة
الْكُوفِي وَعبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى بِفَتْح الْهمزَة
وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الزَّاي مَقْصُورا:
مولى خُزَاعَة كُوفِي أدْرك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، وَصلى خَلفه، مر فِي التَّيَمُّم.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن
آدم وَعَن عَبْدَانِ وَعَن سعد بن حَفْص، وَحَدِيثه أتم.
وَأخرجه مُسلم فِي آخر الْكتاب عَن مُحَمَّد بن الْمثنى
وَمُحَمّد بن بشار كِلَاهُمَا عَن غنْدر وَعَن هَارُون بن
عبد الله. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْفِتَن عَن يُوسُف
بن مُوسَى. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْمُحَاربَة وَفِي
التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن الْمثنى بِهِ.
قَوْله: (أَو قَالَ: حَدثنِي الحكم) أَي: أَو قَالَ
مَنْصُور: حَدثنِي الحكم بن عتيبة عَن سعيد بن جُبَير،
الْحَاصِل أَن منصوراً شكّ فِي رِوَايَته بَين سعيد وَبَين
الحكم حَيْثُ قَالَ: حَدثنِي سعيد بن جُبَير، أَو قَالَ:
حَدثنِي الحكم عَن سعيد بن جُبَير. قَوْله: (مَا أَمرهمَا)
أَي: مَا التَّوْفِيق بَينهمَا حَيْثُ دلّت الأولى على
الْعَفو عِنْد التَّوْبَة، وَالثَّانيَِة على وجوب
الْجَزَاء مُطلقًا. قَوْله: (وَلَا تقتلُوا النَّفس
الَّتِى حرم الله إلاَّ بِالْحَقِّ) ، كَذَا وَقع فِي
الرِّوَايَة، وَالَّذِي وَقع فِي التِّلَاوَة وَهُوَ:
{وَلَا يقتلُون النَّفس الَّتِي حرم الله إلاَّ
بِالْحَقِّ} (الْفرْقَان: 86) . كَذَا فِي سُورَة
الْفرْقَان. قَوْله: (قَالَ: لما أنزلت) جَوَاب ابْن
عَبَّاس، وَهُوَ أَن الْآيَة الَّتِي فِي الْفرْقَان وَهِي
الأولى فِي حق الْكفَّار، وَالَّتِي فِي سُورَة النِّسَاء
وَهِي الثَّانِيَة فِي حق الْمُسلمين، وَفِي رِوَايَة
مُسلم عَن سعيد بن جُبَير، قَالَ: أَمرنِي عبد الرَّحْمَن
بن أَبْزَى أَن أسأَل ابْن عَبَّاس عَن هَاتين
الْآيَتَيْنِ: {وَمن يقتل مُؤمنا مُتَعَمدا فَجَزَاؤُهُ
جَهَنَّم} (النِّسَاء: 39) . فَسَأَلته فَقَالَ: لم ينسخها
شَيْء، وَعَن هَذِه الْآيَة: {وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ
الله إل هَا آخر وَلَا يقتلُون النَّفس الَّتِي حرم الله
إلاَّ بِالْحَقِّ} (الْفرْقَان: 86) . نزلت فِي أهل
الشّرك، وَفِي رِوَايَة لَهُ: عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن
عَبَّاس، قَالَ نزلت هَذِه الْآيَة بِمَكَّة: {وَالَّذين
لَا يدعونَ مَعَ الله إل هَا آخر} إِلَى قَوْله: {فِيهِ
مهانا} (الْفرْقَان: 86) . فَقَالَ الْمُشْركُونَ: وَمَا
يُغني عَنَّا الْإِسْلَام وَقد عدلنا بِاللَّه وَقد قتلنَا
النَّفس الَّتِي حرم الله، وآتينا الْفَوَاحِش. فَأنْزل
الله تَعَالَى: {إلاَّ من تَابَ وآمن وَعمل عملا صَالحا
... } (الْفرْقَان: 07) . إِلَى آخر الْآيَة، قَالَ:
فَأَما من دخل فِي الْإِسْلَام وعقل ثمَّ قتل فَلَا
تَوْبَة لَهُ، وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن سعيد بن جُبَير،
قَالَ: قلت لِابْنِ عَبَّاس: أَلِمَنْ قتل مُؤمنا
مُتَعَمدا من تَوْبَة؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فتلوت هَذِه
الْآيَة الَّتِي فِي الْفرْقَان: {وَالَّذين لَا يدعونَ
مَعَ الله إل هَا آخر وَلَا يقتلُون النَّفس الَّتِي حرم
الله إلاَّ بِالْحَقِّ} (الْفرْقَان: 86) . إِلَى آخر
الْآيَة. قَالَ: هَذِه آيَة مَكِّيَّة نسختها آيَة
مَدَنِيَّة: {وَمن يقتل مُؤمنا مُتَعَمدا فَجَزَاؤُهُ
جَهَنَّم} (النِّسَاء: 39) . وَحَاصِل الْكَلَام أَن ابْن
عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى
(16/306)
عَنْهُمَا، قَالَ: إِن قَاتل النَّفس عمدا
بِغَيْر حق لَا تَوْبَة لَهُ، وَاحْتج فِي ذَلِك بقوله
تَعَالَى: {وَمن يقتل مُؤمنا مُتَعَمدا فَجَزَاؤُهُ
جَهَنَّم} (النِّسَاء: 39) . ادّعى أَن هَذِه الْآيَة
مَدَنِيَّة نسخت هَذِه الْآيَة المكية، وَهِي: {وَالَّذين
لَا يدعونَ مَعَ الله إل هَا آخر} (الْفرْقَان: 86) .
الْآيَة، هَذَا هُوَ الْمَشْهُور عَن ابْن عَبَّاس،
وَرُوِيَ عَنهُ أَن لَهُ تَوْبَة، وَجَوَاز الْمَغْفِرَة
لَهُ لقَوْله تَعَالَى: {وَمن يعْمل سوءا أَو يظلم نَفسه
ثمَّ يسْتَغْفر الله يجد الله غَفُورًا رحِيما}
(النِّسَاء: 011) . وَهَذِه الرِّوَايَة الثَّانِيَة هِيَ
مَذْهَب جَمِيع أهل السّنة وَالصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ
وَمن بعدهمْ. قَالَ النَّوَوِيّ: وَمَا رُوِيَ عَن بعض
السّلف مِمَّا يُخَالف هَذَا فَمَحْمُول على التَّغْلِيظ
والتحذير من الْقَتْل، وَلَيْسَ فِي هَذِه الْآيَة الَّتِي
احْتج بهَا ابْن عَبَّاس تَصْرِيح بِأَنَّهُ يخلد،
وَإِنَّمَا فِيهَا أَنه جَزَاؤُهُ، وَلَا يلْزم مِنْهُ أَن
يجازى. قَوْله: (فَذَكرته لمجاهد) أَي: قَالَ عبد
الرَّحْمَن بن أَبْزَى: فَذكرت الحَدِيث لمجاهد بن جُبَير
(فَقَالَ: إِلَّا من نَدم) يَعْنِي: قَالَ الْآيَة
الثَّانِيَة مُطلقَة فتقيد بقوله: إلاَّ من نَدم، إلاَّ من
تَابَ حملا للمطلق على الْمُقَيد.
6583 - حدَّثنا عَيَّاشُ بنُ الوَلِيدِ حدَّثنا الوَلِيدُ
بنُ مُسْلِمٍ حدَّثني الأوْزَاعِيُّ حدَّثني يَحْيَى بنُ
أبِي كَثِيرٍ عنْ مُحَمَّدِ بنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ
قَالَ حدَّثَني عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ قَالَ سألْتُ
ابنَ عَمْرِو بنِ العَاصِ قُلْتُ أخْبرني بأشَدِّ شَيْءٍ
صنعَهُ المُشْرِكُونَ بالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قالَ بَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي
فِي حِجْرِ الكَعْبَةِ إذْ أقْبَلَ عُقْبَةُ بنُ أبِي
مُعَيْطٍ فوَضَعَ ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ فخَنَقَهُ
خَنْقَاً شَدِيدَاً فأقْبَلَ أبُو بَكْرٍ حتَّى أخَذَ
بِمَنْكِبِهِ ودَفَعَهُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ {أتَقْتُلُونَ رَجُلاً أنْ يَقُولَ رَبِّيَ
الله} (غَافِر: 82) . (انْظُر الحَدِيث 8763 وطرفه) .
مطابقته للجزء الأول من التَّرْجَمَة أظهر مَا يكون،
وَعَيَّاش، بتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالشين
الْمُعْجَمَة: ابْن الْوَلِيد الرقام الْبَصْرِيّ، والوليد
بن مُسلم أَبُو الْعَبَّاس الدِّمَشْقِي، يروي عَن عبد
الرَّحْمَن الْأَوْزَاعِيّ. والْحَدِيث مر فِي مَنَاقِب
أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَإِنَّهُ أخرجه
هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن يزِيد الْكُوفِي عَن الْوَلِيد
عَن الْأَوْزَاعِيّ. . إِلَخ نَحوه. قَوْله: (أَخْبرنِي
بأشد شَيْء) إِلَخ. . قيل هَذَا يُعَارضهُ حَدِيث عَائِشَة
أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهَا وَكَانَ أَشد
مَا لقِيت من قَوْمك فَذكر قصَّته بِالطَّائِف مَعَ ثَقِيف
وًّأجيب بِأَن عبد الله ابْن عَمْرو أخبر بِمَا رَآهُ،
وَلم يكن حَاضرا للقصة الَّتِي وَقعت بِالطَّائِف، وَمَا
جَاءَ عَن أحد من الصَّحَابَة بِخِلَاف حَدِيث الْبَاب،
فَيحمل على التَّعَدُّد.
تابَعَهُ ابنُ إسْحَاقَ. حدَّثني يَحْيَى بنُ عُرْوَةَ عنْ
عُرْوَةَ قُلْتُ لِعَبْدِ الله بنِ عَمْرٍ
وَأي: تَابع عَيَّاش بن الْوَلِيد مُحَمَّد بن إِسْحَاق
فِي رِوَايَته عَن يحيى بن عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام
عَن أَبِيه عُرْوَة. قلت: لعبد الله بن عَمْرو
وَكِلَاهُمَا قَالَا: عبد الله بن عَمْرو، وَأخرج هَذِه
الْمُتَابَعَة أَحْمد فِي (مُسْنده) : من طَرِيق
إِبْرَاهِيم بن سعد عَن ابْن إِسْحَاق إِلَخ نَحوه.
وقالَ عَبْدَةُ عنْ هِشَامٍ عنْ أبِيهِ قِيلَ لعَمْرِو بنِ
العَاصِ
أَي: قَالَ عَبدة بن سُلَيْمَان عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن
أَبِيه عُرْوَة، قيل لعَمْرو بن الْعَاصِ: هَكَذَا خَالف
هِشَام بن عُرْوَة أَخَاهُ يحيى ابْن عُرْوَة فِي إسم
الصَّحَابِيّ، فَإِن يحيى قَالَ: عبد الله بن عَمْرو،
وَقَالَ هِشَام: عَمْرو بن الْعَاصِ، وَتَعْلِيق عَبدة
أسْندهُ أَبُو عبد الرَّحْمَن فِي كِتَابه عَن هناد عَنهُ
بِهِ من مُسْند عَمْرو بن الْعَاصِ فِي كتاب التَّفْسِير.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍ وعنْ أبِي سلَمَةَ حدَّثنِي
عَمْرُو بنُ العاصِ
أَي: قَالَ مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَلْقَمَة اللَّيْثِيّ
الْمدنِي: عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف،
وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي خلق أَفعَال
الْعباد على مَا يَجِيء، إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَأخرجه
أَبُو الْقَاسِم فِي مُعْجَمه عَن عبد بن عباد حَدثنَا
أَبُو بكر بن أبي شيبَة عَن عَبدة بِهِ.
(16/307)
03 - (بابُ إسْلاَمِ أبِي بَكْرٍ
الصِّدِّيقِ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إِسْلَام أبي بكر الصّديق،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
7583 - حدَّثني عَبْدُ الله بنُ حَمَّادٍ الآمُلِيُّ قَالَ
حدَّثني يَحْيَى بنُ مَعِينٍ حدَّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ
مُجَالِدٍ عنْ بَيَانٍ عنْ وَبَرَةَ عنْ هَمَّامِ بنِ
الحَارِثِ قَالَ قَالَ عَمَّارُ بنُ يَاسِرِ رأيْتُ رسُولَ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا معَهُ إلاَّ خَمْسَةُ
أعْبُدٍ وامْرَأتَانِ وأبُو بَكْرٍ. (انْظُر الحَدِيث
0663) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَأَبُو بكر) من حَيْثُ
أَنه يفهم مِنْهُ أَن أَبَا بكر أسلم قبل الرِّجَال، وَعبد
الله بن حَمَّاد هَكَذَا وَقع مَنْسُوبا فِي رِوَايَة أبي
ذَر الْهَرَوِيّ، وَهُوَ من أَقْرَان البُخَارِيّ بل
أَصْغَر مِنْهُ، وَوَقع فِي رِوَايَة غَيره غير مَنْسُوب،
وَقَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ عبد الله ابْن مُحَمَّد
المسندي، وَقيل: هُوَ عبد الله بن مُحَمَّد الآملي، ونسبته
إِلَى آمل، بِفَتْح الْهمزَة وَضم الْمِيم، وَهُوَ: آمل
جيحون مَاتَ بآمل حِين خرج من سَمَرْقَنْد فِي رَجَب سنة
ثَلَاث وَسبعين وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ روى عَن البُخَارِيّ
أَيْضا وَيحيى بن معِين، بِفَتْح الْمِيم وَكسر الْعين
ابْن عون أَبُو زَكَرِيَّا الْبَغْدَادِيّ، أَصله من سرخس،
روى عَنهُ البُخَارِيّ وَمُسلم أَيْضا، وَقَالَ: مَاتَ
بِالْمَدِينَةِ فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ
وَمِائَتَيْنِ، وَغسل على أَعْوَاد النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وَحمل على نعش رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وَبَيَان، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة
وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف: ابْن بشر، وَقد مر عَن
قريب، ووبرة، بِفَتْح الْوَاو وَالْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن
عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ أَبُو الْعَبَّاس يعد فِي
الْكُوفِيّين، وَهَمَّام بن الْحَارِث النَّخعِيّ
الْكُوفِي مَاتَ فِي ولَايَة الْحجَّاج.
والْحَدِيث مضى فِي مَنَاقِب أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، فَإِنَّهُ إخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن أبي
الطّيب عَن إِسْمَاعِيل بن مجَالد ... الخ وَمضى الْكَلَام
فِيهِ هُنَاكَ.
13 - (بابُ إسْلاَمِ سَعْدٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إِسْلَام سعد بن أبي وَقاص،
وَوَقع فِي بعض النّسخ سعد بن أبي وَقاص هَكَذَا
مَنْسُوبا.
8583 - حدَّثني إسْحَاقُ أخْبَرَنَا أبُو أسَامَةَ حدَّثنا
هَاشِمٌ قَال سَمِعْتُ سَعِيدَ بنَ المُسَيِّبِ قَالَ
سَمِعْتُ أبَا إسْحَاقَ سَعْدَ بنَ أبِي وقَّاصٍ يقُولُ
مَا أسْلَمَم أحَدٌ إلاَّ فِي اليَوْمِ الَّذِي أسْلَمْ
فِيهِ ولَقَدْ مَكَثْتُ سَبْعَةَ أيَّامٍ وإنِّي لَثُلُثُ
الإسْلاَمِ. (انْظُر الحَدِيث 6273 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَلَقَد مكثت) إِلَخ،
لِأَنَّهُ يدل على أَنه من السَّابِقين فِي الْإِسْلَام،
قيل: قد أسلم قبله كثير: أَبُو بكر وَعلي وَخَدِيجَة
وَزيد، وَنَحْوهم؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ لَعَلَّهُم
أَسْلمُوا فِي أول النَّهَار وَهُوَ آخِره، وَقيل: كَيفَ
يكون ثلث الْإِسْلَام وَقد أسلم مقدما عَلَيْهِ أَكثر من
اثْنَيْنِ؟ وَأجِيب: بِأَن ذكل نظرا إِلَى إِسْلَام
الْبَالِغين.
والْحَدِيث مضى فِي: بَاب مَنَاقِب سعد هَذَا، فَإِنَّهُ
أخرجه هُنَاكَ عَن مكي بن إِبْرَاهِيم عَن هَاشم بن هَاشم
عَن سعيد بن الْمسيب عَنهُ، وَأخرجه هُنَا عَن إِسْحَاق
هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم بن النَّصْر السَّعْدِيّ
البُخَارِيّ عَن أبي أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة عَن
هَاشم، هُوَ ابْن هَاشم بن عتبَة بن أبي وَقاص، وَقد مر
الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
23 - (بابُ ذِكْرِ الجِنِّ)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ ذكر الْجِنّ، وَتقدم الْكَلَام فِي
الْجِنّ فِي أَوَائِل بَدْء الْخلق.
وقوْلِ الله تَعَالَى {قُلْ أُوْحِيَ إلَيَّ أنَّهُ
اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنِّ} (الْجِنّ: 1) .
وَقَول الله بِالْجَرِّ، عطف على قَوْله: (ذكر الْجِنّ) .
قَوْله: (قل أُوحِي) ، يَعْنِي: قل يَا مُحَمَّد، أَي:
أخبر قَوْمك مَا لَيْسَ لَهُم بِهِ علم، ثمَّ بَين
فَقَالَ: أُوحِي إِلَيّ أَي: أخْبرت بِالْوَحْي من الله
أَنه أَي الْأَمر والشأن، وَكلمَة: أَن، بِالْفَتْح مَعَ
اسْمه وَخَبره فِي مَحل الرّفْع لِأَنَّهُ قَامَ مقَام
(16/308)
فَاعل أُوحِي: اسْتمع الْقُرْآن، فَحذف
لِأَن مَا بعده يدل عَلَيْهِ، وَالِاسْتِمَاع طلب بالإصغاء
إِلَيْهِ. قَوْله: (نفر من الْجِنّ) أَي: جمَاعَة مِنْهُم
ذكرُوا فِي التَّفْسِير، وَكَانُوا تِسْعَة من جن
نَصِيبين، وَقيل: كَانُوا من جن الشيصبان، وهم أَكثر
الْجِنّ عددا د وهم عَامَّة جنود إِبْلِيس، وَقيل: كَانُوا
سَبْعَة وَكَانُوا من الْيمن وَكَانُوا يهود، وَقيل:
كَانُوا مُشْرِكين.
وَاعْلَم أَن الْأَحَادِيث الَّتِي وَردت فِي هَا الْبَاب،
أَعنِي: فِيمَا يتَعَلَّق بالجن، تدل على أَن وفادة
الْجِنّ كَانَت سِتّ مَرَّات. الأولى: قيل فِيهَا: اغتيل
واستظير وَالْتمس. الثَّانِيَة: كَانَت بالحجون.
الثَّالِثَة: كَانَت بِأَعْلَى مَكَّة وانصاع فِي
الْجبَال. الرَّابِعَة: كَانَت ببقيع الْغَرْقَد وَفِي
هَؤُلَاءِ اللَّيَالِي حضر ابْن مَسْعُود، وَخط عَلَيْهِ.
الْخَامِسَة: كَانَت خَارج الْمَدِينَة وحضرها الزبير بن
الْعَوام. السَّادِسَة: كَانَت فِي بعض أَسْفَاره وحضرها
بِلَال بن الْحَارِث. وَقَالَ إِبْنِ إِسْحَاق: لما آيس
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من خبر ثَقِيف
انْصَرف عَن الطَّائِف رَاجعا إِلَى مَكَّة حَتَّى كَانَ
بنخلة، قَامَ من جَوف اللَّيْل يُصَلِّي فَمر بِهِ النَّفر
من الْجِنّ الَّذين ذكرهم الله فِيمَا ذكر لي سَبْعَة نفر
من أهل جن نَصِيبين، فَاسْتَمعُوا لَهُ، فَلَمَّا فرغ من
صلَاته ولوا إِلَى قَومهمْ منذرين قد آمنُوا وَأَجَابُوا
إِلَى مَا سمعُوا، فَقص الله خبرهم عَلَيْهِ، فَقَالَ
تَعَالَى: {وَإِذ صرفنَا إِلَيْك نَفرا من الْجِنّ} إِلَى
قَوْله: {أَلِيم} (الْأَحْقَاف: 92) . ثمَّ قَالَ
تَعَالَى:} قل أُوحِي إِلَيّ أَنه اسْتمع نفر من الْجِنّ}
(الْجِنّ: 1) . إِلَى آخر الْقِصَّة من خبرهم فِي هَذِه
السُّورَة. فَإِن قلت: فِي الصَّحِيحَيْنِ: أَن ابْن
عَبَّاس قَالَ: مَا قَرَأَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، على الْجِنّ وَلَا رَآهُمْ ... ؟ الحَدِيث. قلت:
هَذَا النَّفْي من ابْن عَبَّاس: إِنَّمَا هُوَ حَدِيث
اسْتَمعُوا التِّلَاوَة فِي صَلَاة الْفجْر وَلم يرد بِهِ
نفي الرُّؤْيَة والتلاوة مُطلقًا وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ:
معنى حَدِيث ابْن عَبَّاس: لم يقصدهم بِالْقِرَاءَةِ، فعلى
هَذَا فَلم يعلم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
بِاسْتِمَاعِهِمْ وَلَا كَلمهمْ، وَإِنَّمَا أعلمهُ الله
تَعَالَى بقوله: {قل أُوحِي إِلَيّ أَنه اسْتمع} (الْجِنّ:
1) . وَيُقَال: عبد الله بن مَسْعُود أعلم بِقصَّة الْجِنّ
من عبد الله بن عَبَّاس، فَإِنَّهُ حضرها وحفظها، وَعبد
الله بن عَبَّاس كَانَ إِذْ ذَاك طفْلا رضيعاً، فقد قيل:
إِن قصَّة الْجِنّ كَانَت قبل الْهِجْرَة بِثَلَاث سِنِين،
وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: كَانَت فِي سنة إِحْدَى عشرَة من
النُّبُوَّة، وَابْن عَبَّاس كَانَ فِي حجَّة الْوَدَاع قد
ناهز الِاحْتِلَام، وَقيل: يجمع بَين مَا نَفَاهُ وَمَا
أثْبته غَيره بِتَعَدُّد وُفُود الْجِنّ على النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم.
9583 - حدَّثني عُبَيْدُ الله بنُ سَعِيدٍ حدَّثنا أبُو
أُسَامَةَ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عنْ مَعْنِ بنِ عَبْدِ
الرَّحْمانِ قَالَ سَمِعْتُ أبِي قَالَ سألْتُ مَسْرُوقاً
مِنْ آذَنَ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالجِنِّ
لَيْلَةَ اسْتَمَعُوا القُرآنَ فَقَالَ حدَّثنِي أبُوكَ
يَعْنِي عَبْدَ الله أنَّهُ آذَنَتُ بِهِمْ شَجَرَةٌ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَعبيد الله
بِالتَّصْغِيرِ ابْن سعيد أَبُو قدامَة السَّرخسِيّ وَهُوَ
أَبُو سعيد الْأَشَج، ومعن، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون
الْعين الْمُهْملَة وَفِي آخِره نون: ابْن عبد الرَّحْمَن
وَهُوَ يروي عَن أَبِيه عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن
مَسْعُود، ومسروق هُوَ ابْن الأجدع، وَفِي الأَصْل أجدع
لقبه واسْمه عبد الرَّحْمَن.
قَوْله: (من أذن) أَي: من أعلم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم بالجن فِي لَيْلَة اسْتِمَاع الْقُرْآن؟ قَوْله:
(فَقَالَ: حَدثنِي أَبوك) أَي: قَالَ مَسْرُوق لعبد
الرَّحْمَن: حَدثنِي بذلك أَبوك، يَعْنِي: عبد الله بن
مَسْعُود. قَوْله: (آذَنت بهم) ، أَي: آذَنت النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، بالجن (شَجَرَة) بِالرَّفْع
لِأَنَّهُ فَاعل: آذَنت، وَفِي مُسْند إِسْحَاق بن
رَاهَوَيْه: سَمُرَة مَوضِع شَجَرَة، وروى الْبَيْهَقِيّ
فِي (دَلَائِل النُّبُوَّة) بِإِسْنَادِهِ إِلَى عبد الله
بن مَسْعُود أَنه يَقُول: إِن رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ لأَصْحَابه وَهُوَ بِمَكَّة: من أحب
مِنْكُم أَن يحضر اللَّيْلَة أَمر الْجِنّ فَلْيفْعَل ...
الحَدِيث مطولا. وَفِيه: قَالَ ابْن مَسْعُود: سَمِعت
الْجِنّ تَقول للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من يشْهد
أَنَّك رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ وَكَانَ
قَرِيبا من هُنَاكَ شَجَرَة، فَقَالَ لَهُم النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: أَرَأَيْتُم إِن شهِدت هَذِه
الشَّجَرَة أتؤمنون؟ قَالُوا: نعم، فَدَعَاهَا النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَقْبَلت، قَالَ ابْن مَسْعُود:
فَلَقَد رَأَيْتهَا تجر أَغْصَانهَا. قَالَ لَهَا النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أتشهدي أَنِّي رَسُول الله؟
قَالَت: أشهد أَنَّك رَسُول الله. فَإِن قلت: مَا فِيهِ من
إِعْلَامه أَصْحَابه بِخُرُوجِهِ إِلَيْهِم يُخَالف مَا
روى فِي (الصَّحِيح) من فقدانهم إِيَّاه حَتَّى، قيل:
اغتيل أَو استطير، قلت: المُرَاد من فَقده غير الَّذِي علم
بِخُرُوجِهِ. فَإِن قلت: ظَاهر كَلَام ابْن مَسْعُود:
فقدناه والتمسناه وبتنا بشر لَيْلَة، يدل على أَنه فَقده
والتمسه وَبَات لَيْلَة، وَفِي هَذَا الحَدِيث: قد علم
بِخُرُوجِهِ وَخرج مَعَه وَرَأى الْجِنّ وَلم يُفَارق
الْخط الَّذِي خطه،
(16/309)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حَتَّى عَاد
إِلَيْهِ بعد الْفجْر. قلت: إِذا قُلْنَا إِن لَيْلَة
الْجِنّ كَانَت مُتعَدِّدَة، لَا يبْقى إِشْكَال، وَقد
ذكرنَا أَنَّهَا كَانَت مُتعَدِّدَة.
0683 - حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا عَمْرُو
بنُ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ قَالَ أخْبَرَني جَدِّي عنْ أبي
هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّهُ كانَ يَحْمِلُ
مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إدَاوةً
لِوَضُوئِهِ وحاجَتِهِ فبَيْنَمَا هُوَ يَتْبَعُهُ بهَا
فَقَالَ مَنْ هاذَا فَقَالَ أَنا أبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ
ابْغِني أحْجَارَاً أسْتَنْفِضْ بِهَا ولاَ تأتِنِي
بِعَظْمٍ وَلاَ بِرَوْثِهِ فأتَيْتُهُ بأحْجَارٍ
أحْمِلُهَا فِي طَرَفِ ثَوْبِي حتَّى وَضَعْتُهَا إلَى
جَنْبِهِ ثُمَّ انْصَرَفْتُ حتَّى إذَا فرغَ مَشَيْتُ
مَعَهُ فَقُلْتُ مَا بالُ العظْمِ والرَّوْثَةِ قَالَ
هُمَا مِنْ طَعَامِ الجِنِّ وإنَّهُ أتانِي وفْدُ جِنِّ
نَصِيبِينَ ونِعْمَ الجِنُّ فسألُونِي الزَّادَ فدَعَوْتُ
الله لَهُمْ أنْ لَا يَمُرُّوا بِعَظْمٍ ولاَ بِرَوْثَةٍ
إلاَّ وجَدُوا عَلَيْهَا طعَامَاً. (انْظُر الحَدِيث 551)
.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (هما من طَعَام الْجِنّ)
إِلَى آخِره. ومُوسَى بن إِسْمَاعِيل الْمنْقري الَّذِي
يُقَال لَهُ: التَّبُوذَكِي، وَقد مر غير مرّة، وَعَمْرو
بن يحيى بن سعيد بن عَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الطَّهَارَة فِي بَاب
الِاسْتِنْجَاء بِالْحِجَارَةِ، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ
عَن أَحْمد بن مُحَمَّد الْمَكِّيّ عَن عَمْرو بن يحيى ...
إِلَخ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (إبغني) أَي: أطلب لي أحجاراً، وَهُوَ من الثلاثي
من بَاب رمى يَرْمِي، يُقَال: بغيتك الشَّيْء أَي طلبته
لَك، وأبغيته أَي: أعنتك على طلبه. قَوْله: (أستنفض بهَا)
أَي: أستنجي بهَا، وَهُوَ من نفض الثَّوْب، لِأَن المستنجي
ينفض عَن نَفسه الْأَذَى بِالْحجرِ أَي: يُزِيلهُ ويدفعه.
قَوْله: (وَفد جن نَصِيبين) ، الْوَفْد: الْقَوْم
يقدمُونَ، ونصيبين: بَلْدَة مَشْهُورَة بالجزيرة أَعنِي
جَزِيرَة ابْن عمر فِي الشرق، وَوَقع فِي كَلَام ابْن
التِّين: إِنَّهَا فِي الشَّام وَهُوَ وهم وَغلط. قَوْله:
(طَعَاما) أَي: حَقِيقَة وَذَلِكَ بعد أَن يفضل من
الْإِنْس، وَطَعَامًا هَكَذَا رِوَايَة السَّرخسِيّ، وَفِي
رِوَايَة غَيره: طعماً، قيل بالشم يكتفون. قلت: للنَّاس
فِي أكل الْجِنّ وشربهم ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَن
جَمِيع الْجِنّ لَا يَأْكُلُون وَلَا يشربون، وَهَذَا قَول
سَاقِط. الثَّانِي: أَن صنفا مِنْهُم يَأْكُلُون
وَيَشْرَبُونَ، وَصِنْفًا مِنْهُم يَأْكُلُون وَلَا
يشربون، وَعَن وهب: خَالص الْجِنّ ريح لَا يَأْكُلُون
وَلَا يشربون وَلَا يتوالدون، وَمِنْهُم أَجنَاس
يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ ويتوالدون ويتناكحون مِنْهُم:
السعالي والغيلان والقطرب وَغَيرهَا. الثَّالِث: أَن
جَمِيع الْجِنّ يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ لظَاهِر
الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة وعمومها، وَاخْتلف أَصْحَاب
هَذَا القَوْل فِي أكلهم وشربهم، فَقَالَ بَعضهم: أكلهم
وشربهم تشمم واسترواح لَا مضغ وَلَا بلع، وَهَذَا قَول لَا
يرد عَلَيْهِ دَلِيل، وَقَالَ بَعضهم: أكلهم وشربهم مضغ
وبلع، وَهَذَا القَوْل هُوَ الَّذِي تشهد بِهِ
الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة.
(16/310)
33 - (بابُ إسْلاَمِ أبِي ذَرٍّ
الغَفَارِيِّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إسلاك أبي ذَر، واسْمه جُنْدُب
بن جُنَادَة بن سُفْيَان بن عبيد بن حزَام بن غفار بن مليل
بن ضَمرَة بن بكر بن عبد منَاف بن كنَانَة بن خُزَيْمَة بن
مدركة بن إلْيَاس بن مُضر، وَقيل غير ذَلِك، وَفِي
(التَّهْذِيب) : اخْتلف فِي اسْمه وَاسم أَبِيه اخْتِلَافا
كثيرا، فَقيل: اسْمه جُنْدُب بن جُنَادَة، وَقيل: بربر بن
جُنْدُب، وَقيل: بربر بن عشرقة، وَقيل: جُنْدُب بن السكن
وَالْمَشْهُور مَا ذَكرْنَاهُ أَولا. وَأمه رَملَة بنت
الوقيعة من بني غفار بن مليل، وَكَانَ أَخا عَمْرو بن عبسة
لأمه، قَالَ خَليفَة بن خياط، مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ
وَثَلَاثِينَ بالربذة، قَرْيَة من قرى الْمَدِينَة فِي
خلَافَة عُثْمَان بن عَفَّان، وَصلى عَلَيْهِ عبد الله بن
مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
3861 - حدَّثني عَمْرُو بنُ عَبَّاسٍ حدَّثنا عبْدُ
الرَّحْمانِ بنُ مَهْدِي حدَّثنا الْمُثَنَّى عَن أبِي
جَمْرَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي لله تَعَالَى عنهُما
قَالَ لَمَّا بَلَغَ أبَا ذَرٍّ مَبْعَثُ النَّبِيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قالَ لأِخِيهِ ارْكَبْ إلَى هاذَا
الْوَادِي فاعْلَمْ لِي عِلْمَ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي
يَزْعَمُ أنَّهُ نَبِيٌّ يأتِيهِ الخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ
واسْمَعْ منْ قَوْلِهِ ثُمَّ ائْتِنِي فانْطَلَقَ الأخُ
حَتَّى قَدِمَهُ وسَمِعَ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى
أبِي ذَرٍّ فَقالَ لَهُ رَأيْتُهُ يأمُرُ بِمَكَارِمِ
الأخْلاَقِ وكَلاَماً مَا هُوَ بالشِّعْرِ فَقَالَ مَا
شَفَيْتَنِي مِمَّا أرَدْتُ فتَزَوَّدَ وحَمَلَ شَنَّةً
لَهُ فِيهَا ماءٌ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ فأتَى المَسْجِدَ
فالْتَمَسَ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولاَ
يَعْرِفُهُ وكَرِهَ أنْ يَسْألَ عنهُ حتَّى أدْرَكَهُ
بَعْضُ اللَّيْلِ فرَآهُ عَلِيٌّ فعَرَفَ أنَّهُ غَرِيبٌ
فلَمَّا رآهُ تَبِعَهُ فَلَمْ يَسْألْ واحِدٌ مِنْهُمَا
صاحِبَهُ عنْ شَيْءٍ حتَّى أصْبَحَ ثُمَّ احْتَمَلَ
قِرْبَتَهُ وزَادَهُ إِلَى المَسْجِدِ وظَلَّ ذَلِكَ
اليَوْمَ ولاَ يَرَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
حتَّى أمْسَى فَعادَ إِلَى مَضْجَعِهِ فمَرَّ بِهِ عَلِيٌّ
فَقَالَ أما نالَ لِلرَّجُلِ أنْ يَعلَمَ مَنْزِلَهُ
فأقامَهُ فذَهَبَ بِهِ معَهُ لَا يَسْألُ واحِدٌ مِنْهُمَا
صاحِبَهُ عنْ شَيءٍ حتَّى إذَا كانَ يَوْمُ الثَّالِثِ
فعادَ عَلِيٌّ على مِثْلِ ذَلِكَ فأقامَ معَهُ ثُمَّ قالَ
ألاَ تُحَدِّثُنِي مَا الَّذِي أقْدَمَكَ قَالَ إنْ
أعْطَيْتَنِي عَهْدَاً ومِيثاقاً لَتُرْشِدَنَّنَيفَعَلْتُ
ففَعَلَ فأخْبَرَهُ قَالَ فإنَّهُ حَقٌّ وهْوَ رَسُولُ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فإذَا أصْبَحْتَ فاتْبَعْنِي
فإنِّي إنْ رأيْتُ
(17/2)
شَيْئَاً أخافُ عَلَيْكَ قُمْتُ كأنِّي
أُرِيقُ الماءَ فإنْ مَضَيْتُ فاتْبَعْنِي حتَّى تَدْخُلَ
مَدْخَلِي ففَعَلَ فانْطَلَقَ يَقْفُوهُ حتَّى دَخَلَ علَى
النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ودَخَل معَهُ فسَمِعَ
مِنْ قَوْلِهِ وأسْلَمَ مَكانَهُ فَقَالَ لهُ النَّبِيُّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ
فأخْبِرْهُمْ حتَّى يأتِيكَ أمْرِي قَالَ والَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ لأصْرُخَنَّ بِهَا بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ
فخَرَجَ حتَّى أَتَى المَسْجِدَ فَنادَى بأعْلَى صَوْتِهِ
أشْهَدُ أنْ لَا إلاه إلاَّ الله وأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ
الله ثُمَّ قامَ القَوْمُ فضَرَبُوهُ حتَّى أضْجَعُوهُ
وأتى العَبَّاسُ فأكَبَّ عَلَيْهِ قَالَ ويْلَكُمْ
ألَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أنَّهُ مِنْ غِفَار وأنَّ طَرِيقَ
تِجَارِكُمْ إلَى الشَّأمِ فأنْقَذَهُ مِنْهُمْ ثُمَّ عادَ
مِنَ الغَدِ لِمِثْلِها فَضَرَبُوهُ وثارُوا إليْهِ
فأكَبَّ العَبَّاسُ عَلَيْهِ. (انْظُر الحَدِيث 3522) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَأسلم مَكَانَهُ) .
وَعَمْرو بن عَبَّاس أَبُو عُثْمَان الْبَصْرِيّ، قَالَ
أَبُو دَاوُد: مَاتَ سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ
وَهُوَ من أَفْرَاده، وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي بن حسان
الْعَنْبَري الْبَصْرِيّ، مَاتَ سنة ثَمَان وَتِسْعين
وَمِائَة، والمثنى ضد الْمُفْرد هُوَ ابْن سعيد الضبعِي،
لَهُ فِي البُخَارِيّ حديثان: هَذَا وَآخر تقدم فِي ذكر
بني إِسْرَائِيل، وَأَبُو جَمْرَة، بِالْجِيم وَالرَّاء:
هُوَ نصر بن عمرَان.
والْحَدِيث قد مضى فِي مَنَاقِب قُرَيْش فِي: بَاب قصَّة
زَمْزَم، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن زيد بن حزم وَعَن
أبي قُتَيْبَة عَن مثنى ابْن سعيد عَن أبي جَمْرَة عَن
ابْن عَبَّاس مطولا، وَبَين ألفاظهما بعض زِيَادَة ونقصان،
وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، ولنتكلم فِيهِ هُنَا
أَيْضا زِيَادَة للْبَيَان.
قَوْله: (لِأَخِيهِ) هُوَ أنيس. قَوْله: (إِلَى هَذَا
الْوَادي) أَي: وَادي مَكَّة الَّذِي بِهِ الْمَسْجِد.
قَوْله: (فَاعْلَم) من الْإِعْلَام. (لي) أَي: لأجلي.
قَوْله: (علم هَذَا) مَنْصُوب بقوله: إعلم. قَوْله:
(فَانْطَلق الْأَخ) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فَانْطَلق
الآخر، يَعْنِي: أنيس. قَوْله: (حَتَّى قدمه) أَي: حَتَّى
قدم الْوَادي أَي: وَادي مَكَّة، وَفِي رِوَايَة ابْن
مهْدي: فَانْطَلق الآخر حَتَّى قدم مَكَّة. قَوْله:
(وكلاماً) بِالنّصب عطف على الضَّمِير الْمَنْصُوب فِي
رِوَايَته. فَإِن قلت: الْكَلَام لَا يرى. قلت: فِيهِ
وَجْهَان: الْإِضْمَار وَالْمجَاز من قبيل قَوْله:
(علفتها تبناً وَمَاء بَارِدًا)
أما الْإِضْمَار فَهُوَ: سقيته مَاء، وَأما الْمجَاز
فَهُوَ أَن علفته بِمَعْنى أَعْطيته، وَأما هَهُنَا
فالإضمار هُوَ أَن يقدر، وسمعته يَقُول كلَاما، وَأما
الْمجَاز فَهُوَ أَن يضمن الرُّؤْيَة معنى الْأَخْذ عَنهُ،
فالتقدير: وَأخذت عَنهُ كلَاما مَا هُوَ بالشعر. قَوْله:
(وَكره أَن يسْأَل عَنهُ) لِأَنَّهُ عرف أَن قومه يُؤْذونَ
من يَقْصِدهُ أَو يؤذونه بِسَبَب قصد من يَقْصِدهُ أَو
لكراهتهم فِي ظُهُور أمره لَا يدلون من يسْأَل عَنهُ
عَلَيْهِ أَو يمنعونه من الِاجْتِمَاع بِهِ أَو يخدعونه
حَتَّى يرجع عَنهُ. (فَرَآهُ عَليّ) هُوَ ابْن أبي طَالب،
كرم الله وَجهه، وَهَذَا يدل على أَن قصَّة أبي ذَر وَقعت
بعد المبعث بِأَكْثَرَ من سنتَيْن بِحَيْثُ يتهيأ لعَلي
أَن يسْتَقلّ بمخاطبة الْغَرِيب ويضيفه، فَإِن الْأَصَح
فِي سنّ عَليّ حِين الْبَعْث كَانَ عشر سِنِين، وَقيل: أقل
من ذَلِك. قَوْله: (فَعرف أَنه غَرِيب) ، وَفِي رِوَايَة
أبي قُتَيْبَة: فَقَالَ: كَانَ الرجل غَرِيب. قلت: نعم.
قَوْله: (أما نَالَ للرجل) ، أَي: أما حَان، يُقَال: نَالَ
لَهُ، بِمَعْنى: آن لَهُ، ويروى: أما آن، بِمد الْهمزَة،
وأنَّى بِفَتْح الْهمزَة وَالْقصر وَفتح النُّون وَكلهَا
بِمَعْنى. قَوْله: (أَن يعلم منزله) أَي: مقْصده. قَوْله:
(يَوْم الثَّالِث) ، بِالْإِضَافَة كَمَا فِي: مَسْجِد
الْجَامِع، فَإِن التَّقْدِير فِيهِ: مَسْجِد الْوَقْت
الْجَامِع فالجامع صفة للْوَقْت لَا لِلْمَسْجِدِ،
وَكَذَلِكَ التَّقْدِير فِي: يَوْم الثَّالِث. قَوْله:
(فَعَاد عليَّ على مثل ذَلِك) ، وَفِي رِوَايَة: فعل عَليّ
مثل ذَلِك، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فغدا على ذَلِك.
قَوْله: (لترشدنني) كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين
بنونين وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: لترشدني، بنُون
وَاحِدَة وَاللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد. قَوْله:
(فَأخْبرهُ) ، كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي
رِوَايَة: فَأَخْبَرته، بتاء الْمُتَكَلّم قبل الضَّمِير
وَفِيه الْتِفَات. قَوْله: (كَأَنِّي أريق المَاء) ، وَفِي
رِوَايَة أبي قُتَيْبَة: كَأَنِّي أصلح نَعْلي، وَيحمل على
أَنه قالهما جَمِيعًا. قَوْله: (يقفوه) ، أَي: يتبعهُ.
قَوْله: (وَدخل مَعَه) أَي: دخل أَبُو ذَر مَعَ عَليّ،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَسمع من قَول النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي حَدِيث عبد الله بن الصَّامِت:
أَن أَبَا ذَر لَقِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
وَأَبا بكر فِي الطّواف بِاللَّيْلِ، وَالْجمع بَين
الرِّوَايَتَيْنِ، بِأَنَّهُ لقِيه أَولا مَعَ عَليّ ثمَّ
لقِيه فِي الطّواف مَعَ أبي بكر
(17/3)
أَو بِالْعَكْسِ. قَوْله: (إرجع إِلَى
قَوْمك فَأخْبرهُم حَتَّى يَأْتِيك أَمْرِي) ، وَفِي
رِوَايَة أبي قُتَيْبَة: أكتم هَذَا الْأَمر وارجع إِلَى
قَوْمك، فَإِذا بلغك ظُهُورنَا فَأقبل. قَوْله: (لأصرخن
بهَا) أَي: بِكَلِمَة التَّوْحِيد، أَرَادَ أَنه يرفع
صَوته جهاراً بَين الْمُشْركين، وَضبط فِي بعض النّسخ:
لأصرحن، بِالْحَاء الْمُهْملَة من التَّصْرِيح. قَوْله:
(بَين ظهرانيهم) أَي: فِي جمعهم، قَالَ ابْن فَارس:
يُقَال: هُوَ نَازل بَين ظهرانيهم وأظهرهم، وَلَا تقل:
بَين ظهرانيهم، بِكَسْر النُّون. قلت: مَعْنَاهُ لأصرحن
بهَا على سَبِيل الِاسْتِظْهَار، وزيدت النُّون
الْمَفْتُوحَة وَالْألف تَأْكِيدًا، وَقد مر الْكَلَام
فِيهِ غير مرّة. قَوْله: (حَتَّى أضجعوه) أَي: أرموه على
الأَرْض. قَوْله: (فأنقذه) أَي: خلصه مِنْهُم أَي: من
الْمُشْركين.
34 - (بابُ إسْلاَمِ سَعيدِ بنِ زَيْدٍ رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إِسْلَام سعيد بن زيد بن
عَمْرو بن نفَيْل، وَتَقَدَّمت بَقِيَّة نسبه، وَهُوَ ابْن
عَم عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
35 - (بابُ إسْلاَمُ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إِسْلَام عمر بن الْخطاب، وَقد
ذكرنَا نسبه فِي مناقبه.
3863 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ كَثِير أخْبرَنا سُفْيانُ
عنْ إسْمَاعِيلَ بنِ أبِي خالِدٍ عنْ قَيْسِ بنِ أبِي
حازِمٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ رَضِي الله تَعَالَى
عنهُ قَالَ مَا زِلْنَا أعِزَّاءَ مُنْذُ أسْلَمَ عُمَرُ.
(انْظُر الحَدِيث 3684) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (مُنْذُ أسلم عمر، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ) وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَأخرجه
أَيْضا عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن يحيى الْقطَّان عَن
إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد.
347 - (حَدثنَا يحيى بن سُلَيْمَان قَالَ حَدثنِي ابْن وهب
قَالَ حَدثنِي عمر بن مُحَمَّد قَالَ وَأَخْبرنِي جدي زيد
بن عبد الله بن عمر عَن أَبِيه قَالَ بَيْنَمَا هُوَ فِي
الدَّار خَائفًا إِذْ جَاءَهُ الْعَاصِ بن وَائِل
(17/4)
السَّهْمِي أَبُو عَمْرو عَلَيْهِ حلَّة
حبرَة وقميص مكفوف بحرير وَهُوَ من بني سهم وهم حلفاؤنا
فِي الْجَاهِلِيَّة فَقَالَ لَهُ مَا بالك قَالَ زعم
قَوْمك أَنهم سيقتلوني إِن أسلمت قَالَ لَا سَبِيل إِلَيْك
بعد أَن قَالَهَا أمنت فَخرج الْعَاصِ فلقي النَّاس قَالَ
سَالَ بهم الْوَادي فَقَالَ أَيْن تُرِيدُونَ فَقَالُوا
نُرِيد هَذَا ابْن الْخطاب الَّذِي صَبأ قَالَ لَا سَبِيل
إِلَيْهِ فكر النَّاس) مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من
قَوْله هَذَا ابْن الْخطاب الَّذِي صَبأ وَكَانُوا
يَقُولُونَ صَبأ لمن أسلم وَيحيى بن سُلَيْمَان أَبُو سعيد
الْجعْفِيّ الْكُوفِي وَسكن مصر وَابْن وهب هُوَ عبد الله
بن وهب الْمصْرِيّ وَعمر بن مُحَمَّد بن زيد بن عبد الله
بن عمر بن الْخطاب مدنِي نزل عسقلان أَخُو عَاصِم وَزيد
وواقد وَأبي بكر وَعمر هَذَا يروي عَن جده عبد الله بن عمر
(فَإِن قلت) كَيفَ قَالَ وَأَخْبرنِي جدي بِالْوَاو ويروى
فَأَخْبرنِي بِالْفَاءِ (قلت) للإشعار بِأَنَّهُ أخبرهُ
أَيْضا بِغَيْر هَذَا الحَدِيث أَنه قَالَ قَالَ كَذَا
وَأَخْبرنِي كَذَا وجده زيد يروي عَن أَبِيه عبد الله بن
عمر بن الْخطاب والْحَدِيث من أَفْرَاده قَوْله "
بَيْنَمَا هُوَ " أَي عمر بن الْخطاب قَوْله " خَائفًا "
حَال من الضَّمِير قَوْله " إِذْ جَاءَهُ " جَوَاب
بَيْنَمَا قَوْله " الْعَاصِ بن وَائِل " مَرْفُوع
لِأَنَّهُ فَاعل جَاءَ وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ يرجع
إِلَى مَا يرجع إِلَيْهِ قَوْله هُوَ فِي الدَّار أَي عمر
بن الْخطاب كَمَا ذكرنَا وَالْعَاص بِضَم الصَّاد وَأَصله
العوص وَيجوز بِكَسْر الصَّاد لِأَن أَصله العَاصِي نَحْو
القَاضِي وَلَكِن الْيَاء خففت فِيهِ وَهُوَ ابْن وَائِل
بِالْهَمْزَةِ بعد الْألف السَّهْمِي بِفَتْح السِّين
وَسُكُون الْهَاء وَالِد عَمْرو بن الْعَاصِ وَهُوَ جاهلي
أدْرك الْإِسْلَام وَلم يسلم وَهُوَ ابْن هَاشم بن سعيد بن
سهم بن عَمْرو بن هصيص بن كَعْب بن لؤَي بن غَالب قَوْله "
أَبُو عَمْرو " كنية الْعَاصِ الْمَذْكُور وَهُوَ عَمْرو
بن الْعَاصِ الصَّحَابِيّ قَوْله " عَلَيْهِ حلَّة حبرَة "
جملَة اسمية وَقعت حَالا بِغَيْر وَاو والحبرة بِكَسْر
الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَهِي برد
مخططة بالوشي ويروى حبر بِغَيْر هَاء وَهُوَ جمع حبرَة
قَوْله " مكفوف بحرير " من كَفَفْت الثَّوْب إِذا خططته
قَوْله " حلفاؤنا " جمع حَلِيف من الْحلف وَهُوَ المعاقدة
والمعاهدة على التعاضد والتساعد والاتفاق قَوْله "
سيقتلونني " ويروي سيقتلوني قَوْله " إِن أسلمت " بِفَتْح
الْهمزَة أَي لإن أسلمت أَي لأجل إسلامي وَكلمَة إِن
مَصْدَرِيَّة قَوْله " آمَنت " بِفَتْح الْهمزَة وَكسر
الْمِيم وَسُكُون النُّون وَضم التَّاء الْمُثَنَّاة من
فَوق من الْأمان أَي زَالَ خوفي لِأَن الْعَاصِ كَانَ
مُطَاعًا فِي قومه وَوَقع فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ بِمد
الْهمزَة وَهُوَ خطأ فَإِنَّهُ كَانَ قد أسلم قبل ذَلِك
وَذكر عِيَاض أَن فِي رِوَايَة الْحميدِي بِالْقصرِ أَيْضا
لكنه بِفَتْح التَّاء وَهُوَ أَيْضا خطأ لِأَنَّهُ يصير من
كَلَام الْعَاصِ بن وَائِل وَلَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ من
كَلَام عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يُرِيد أَنه أَمن
لما قَالَ لَهُ الْعَاصِ ابْن وَائِل تِلْكَ الْمقَالة
قَوْله " قد سَالَ بهم الْوَادي " أَي وَادي مَكَّة وَهُوَ
كِنَايَة عَن امتلائه بِالنَّاسِ قَوْله فَقَالَ أَي
الْعَاصِ قَوْله هَذَا ابْن الْخطاب يَعْنِي عمر بن
الْخطاب قَوْله الَّذِي صَبأ أَي مَال عَن دين آبَائِهِ
وَخرج قَوْله فكر أَي رَجَعَ
348 - (حَدثنَا عَليّ بن عبد الله حَدثنَا سُفْيَان قَالَ
عَمْرو بن دِينَار سمعته يَقُول قَالَ عبد الله بن عمر
رَضِي الله عَنْهُمَا لما أسلم عمر اجْتمع النَّاس عِنْد
دَاره وَقَالُوا صَبأ عمر وَأَنا غُلَام فَوق ظهر بَيْتِي
فجَاء رجل عَلَيْهِ قبَاء من ديباج فَقَالَ قد صَبأ عمر
فَمَا ذَاك وَأَنا لَهُ جَار قَالَ فَرَأَيْت النَّاس
تصدعوا عَنهُ فَقلت من هَذَا الرجل قَالُوا الْعَاصِ بن
وَائِل) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله لما أسلم عمر
وَعلي بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ
وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة قَوْله " سمعته يَقُول "
أَي سَمِعت عَمْرو بن دِينَار يَقُول قَالَ عبد الله بن
عمر وَالْقَائِل بِهَذَا هُوَ سُفْيَان قَوْله صَبأ عمر
أَي خرج من دينه إِلَى دين آخر قَوْله وَأَنا غُلَام
الْقَائِل هُوَ عبد الله وَفَسرهُ فِي رِوَايَة أُخْرَى
أَنه كَانَ ابْن خمس سِنِين وَإِذا كَانَ كَذَلِك خرج
مِنْهُ أَن إِسْلَام عمر بعد المبعث بست سِنِين أَو سبع
لِأَن ابْن عمر كَانَ يَوْم أحد ابْن أَربع عشرَة سنة
وَذَلِكَ بعد المبعث بست عشرَة سنة فَيكون مولده
(17/5)
بعد المبعث بِسنتَيْنِ قَوْله فَوق ظهر
بَيْتِي قَالَ الدَّاودِيّ هُوَ غلط وَالْمَحْفُوظ على ظهر
بيتنا ورد عَلَيْهِ ابْن التِّين بِأَنَّهُ أَرَادَ أَنه
الْآن بَيته وَكَانَ قبل ذَلِك لِأَبِيهِ وَقَالَ بَعضهم
وَلَا يخفى عدم الِاحْتِيَاج إِلَى هَذَا التَّأْوِيل
وَإِنَّمَا نسب ابْن عمر الْبَيْت إِلَى نَفسه مجَازًا أَو
مُرَاده الْمَكَان الَّذِي كَانَ يأوي فِيهِ سَوَاء كَانَ
ملكه أم لَا قلت الصَّوَاب مَعَ الدَّاودِيّ وَلَا وَجه
للرَّدّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يخفى أَن ابْن عمر كَانَ
عمره إِذْ ذَاك خمس سِنِين وَهُوَ لَا يُفَارق بَيت أَبِيه
وَلَا وَجه لقَوْله بَيْتِي بإضافته إِلَى نَفسه وَلَا
يحْتَاج إِلَى دَعْوَى الْمجَاز هُنَا من غير ضَرُورَة
وَلَا نُكْتَة دَاعِيَة إِلَيْهِ وَلَا وَجه أَيْضا أَن
يُقَال مُرَاد ابْن عمر الْمَكَان الَّذِي يأوي فِيهِ
لِأَنَّهُ لم يكن يأوي إِلَّا فِي بَيت أَبِيه عَادَة
خُصُوصا وَهُوَ ابْن خمس سِنِين قَوْله فجَاء رجل وَهُوَ
الْعَاصِ بن وَائِل على مَا يُوضحهُ فِي آخر الحَدِيث
قَوْله فَمَا ذَاك أَي فَلَا بَأْس عَلَيْهِ وَلَا
اعْتِرَاض عَلَيْهِ وَالْحَال أَنا لَهُ جَار بِالْجِيم
وَتَخْفِيف الرَّاء وَالْجَار هُوَ الَّذِي أجرته من أَن
يَظْلمه ظَالِم قَوْله تصدعوا عَنهُ أَي تفَرقُوا فَقلت من
هَذَا الْقَائِل هُوَ عبد الله يسْأَل النَّاس عَن هَذَا
الرجل الَّذِي عَلَيْهِ قبَاء من ديباج وتفرق النَّاس
بِسَبَبِهِ قَوْله قَالُوا الْعَاصِ بن وَائِل أَي قَالُوا
هُوَ الْعَاصِ بن وَائِل ويروى قلت يَا أَبَت من هَذَا
جزاه الله خيرا قَالَ الْعَاصِ بن وَائِل لَا جزاه الله
خيرا -
3866 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ سُلَيْمانَ قَالَ حدَّثني ابنُ
وَهْبٍ قَالَ حدَّثني عُمَرُ أنَّ سالِمَاً حدَّثَهُ عنْ
عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ قَال مَا سَمِعْتُ عُمَرَ لِشَيءٍ
قَطُّ يَقُولُ إنِّي لأَظُنُّهُ كذَا إلاَّ كانَ كَما
يَظُنُّ بَيْنَمَا عُمَرُ جالِسٌ إذْ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ
جَمِيلٌ فَقَالَ عُمَرُ لَقدْ أخْطأ ظَنِّي أوْ إنَّ هذَا
علَى دِينِهِ فِي الجاهِلِيَّةِ أوْ لَقَدْ كانَ
كاهِنَهُمْ علَيَّ الرَّجُلَ فدُعِيَ لَهُ فَقَالَ لهُ
فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ مَا رأيْتُ كالْيَوْمِ
اسْتُقْبِلَ بِهِ رَجُلٌ مُسْلِمٌ قَالَ فإنِّي أعْزِمُ
علَيْكَ إلاَّ مَا أخْبَرْتَنِي قَالَ كُنْتُ كاهِنَهُمْ
فِي الجَاهِلِيَّةِ قَالَ فَمَا أعْجَبُ مَا جَاءَتْكَ
بِهِ جِنِّيَّتُكَ قَالَ بَيْنَمَا أنَا يَوْمَاً فِي
السُّوقُ جاءَتْنِي أعْرِفُ فِيهَا الفَزَعَ فقَالَتْ
ألَمْ تَرَ الجِنَّ وإبْلاَسَهَا ويأسَهَا مِنْ بَعْدِ
إنْكَاسِهَا ولُحوقَها بالْقِلاصِ وأحْلاَسَهَا قَالَ
عُمَرُ صَدَقَ بَيْنَمَا أنَا عِنْدَ آلِهَتِهِمْ إذْ جاءَ
رَجُلٌ بِعِجْلٍ فذَبَحَهُ فصرَخَ بِهِ صارِخٌ لَمْ
أسْمَعْ صارِخَاً قَطُّ أشَدَّ صَوْتَاً مِنْهُ يَقُولُ
يَا جَلِيحْ أمْرٌ نَجِيحْ رَجُلٌ فَصِيحْ يَقُولُ لَا
إلاه إلاَّ الله فوَثَبَ القَوْمُ قُلْتُ لاَ أبْرَحُ
حَتَّى أعْلَمَ مَا ورَاءَ هذَا ثُمَّ نَادَى يَا جَليحْ
أمْرٌ نَجِيحْ رَجُلٌ فَصِيحْ يَقُولُ لَا إلاه إلاَّ الله
فَقُمْتُ فَما نَشِبْنَا أنْ قِيلَ هاذَا نَبِيٌّ.
وَجه ذكر هَذَا الحَدِيث فِي الْبَاب مَا قبل أَن
الْقِصَّة الَّتِي فِي هَذَا الحَدِيث هِيَ الَّتِي كَانَت
سَببا لإسلام عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَيحيى شيخ
البُخَارِيّ، وَابْن وهب قد مر ذكرهمَا عَن قريب، وَعمر
هُوَ مُحَمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب،
وَقَالَ الكلاباذي، أَي هُوَ عَمْرو بِالْوَاو ابْن
الْحَارِث. قيل: هُوَ وهم. وَهُوَ من أَفْرَاده.
قَوْله: (لشَيْء) ، قَالَ بَعضهم: أَي: عَن شَيْء
وَاللَّام قد تَأتي بِمَعْنى: عَن، كَقَوْلِه تَعَالَى:
{وَقَالَ الَّذين كفرُوا للَّذين آمنُوا} (العنكبوت: 12،
الْأَحْقَاف: 11) . قلت: لَا حَاجَة إِلَى الْعُدُول عَن
مَعْنَاهُ الَّذِي هُوَ للتَّعْلِيل، أَي: لأجل شَيْء.
قَوْله: (إلاَّ كَانَ كَمَا يظنّ) لِأَنَّهُ كَانَ من
الْمُحدثين، وَقد تقدم فِي مناقبه أَنه كَانَ مُحدثا
بِفَتْح الدَّال وَقد ذكرنَا أَن معنى الْمُحدثين
الملهمون، والملهم هُوَ الَّذِي يلقِي فِي نَفسه الشي
فيخبر بِهِ حدساً وفراسة. قَوْله: (بَيْنَمَا عمر) قد
ذكرنَا غير مرّة أَن أَصله: بَين، فزيدت فِيهِ: مَا، ويضاف
إِلَى جملَة إسمية وَهِي قَوْله: (عمر جَالس) وَقَوله:
(إِذْ مر بِهِ) جَوَاب: بَيْنَمَا. وَهُوَ سَواد، بِفَتْح
السِّين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْوَاو: ابْن قَارب،
بِالْقَافِ وَالرَّاء الْمَكْسُورَة وَفِي آخِره بَاء
مُوَحدَة: الدوسي، كَذَا قَالَ الْكَلْبِيّ، وَقَالَ ابْن
أبي خَيْثَم: سَواد بن قَارب الدورسي من بني دوس، قَالَ
أَبُو حَاتِم: لَهُ صُحْبَة، وَقَالَ عمر: كَانَ يتكهن فِي
الْجَاهِلِيَّة وَكَانَ شَاعِرًا ثمَّ أسلم، وداعبه عمر بن
الْخطاب يَوْمًا، وَقَالَ: مَا فعلت كهانتك يَا سَواد؟
فَغَضب وَقَالَ: مَا كُنَّا عَلَيْهِ نَحن وَأَنت يَا عمر
من جاهليتنا وكفرنا شَرّ من الكهانة، فَمَا لَك تعيرني
بِشَيْء تبت مِنْهُ وَأَرْجُو من الله الْعَفو عَنهُ؟
قَوْله: (لقد أَخطَأ ظَنِّي) أَي: فِي
(17/6)
كَونه فِي الْجَاهِلِيَّة بِأَن صَار
مُسلما. قَوْله: (أَو) ، بِسُكُون الْوَاو أَي: (أَو إِن
هَذَا) يَعْنِي: سَواد بن قَارب مُسْتَمر على دينه فِي
الْجَاهِلِيَّة يَعْنِي: على عبَادَة مَا كَانُوا
يعْبدُونَ. قَوْله: (لقد كَانَ كاهنهم) ، أَي: كَاهِن
قومه. قَوْله: (عليَّ) بتَشْديد الْيَاء. قَوْله: (الرجل
بِالنّصب) أَي: أحضروه إِلَيّ وقربوه مني. قَوْله: (فدعي
بِهِ) ، على صِيغَة الْمَجْهُول. أَي: دعِي بِالرجلِ
وَهُوَ سَواد بن قَارب، ويروى: فدعي لَهُ، فَإِن صحت هَذِه
الرِّوَايَة يكون الضَّمِير فِي قَوْله: لَهُ، رَاجعا
إِلَى عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَي: دعِي الرجل
لأَجله. قَوْله: (فَقَالَ لَهُ ذَلِك) ، أَي: قَالَ لَهُ
عمر، وَذَلِكَ إِشَارَة إِلَى مَا قَالَه فِي غيبته قبل
أَن يحضر بَين يَدَيْهِ من التَّرَدُّد بقوله أَو، فِي
الْمَوْضِعَيْنِ وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بن كَعْب:
فَقَالَ: فَأَنت على مَا كنت عَلَيْهِ من كهانتك؟ فَغَضب
سَواد. وَاقْتصر عمر هُنَا على أخف الْأَمريْنِ وهما:
الكهانة والشرك، تلطفاً بِهِ. قَوْله: (مَا رَأَيْت
كَالْيَوْمِ) ، أَي: مَا رَأَيْت يَوْمًا مثل هَذَا
الْيَوْم حَيْثُ (استقبلَ بِهِ) أَي: فِيهِ (رجل مُسلم) ،
وارتفاع رجل بقوله: اسْتقْبل، الَّذِي هُوَ على صِيغَة
الْبناء للْفَاعِل، وَقَالَ الْكرْمَانِي: اسْتقْبل، على
صِيغَة الْمَجْهُول، فعلى هَذَا قَوْله: الرجل، مَرْفُوع
أَيْضا، لِأَن الْفِعْل مُسْتَند إِلَيْهِ، وَالْبَاء فِي:
بِهِ، بِمَعْنى: فِي، أَيْضا. وَالضَّمِير يرجع إِلَى
الْيَوْم، وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ وَأبي ذَر: رجلا
مُسلما، بِالنّصب، وَقَالَ الْكرْمَانِي: رجلا، مَنْصُوب
لِأَنَّهُ مفعول: رَأَيْت، وَفِي الْقلب من هَذَا دغدغة
على مَا لَا يخفى إِن كَانَ مُرَاده: رَأَيْت، الْمُصَرّح
بِهِ فِي الحَدِيث، فَإِن قدر لفظ: رَأَيْت، آخر، يكون
موجهاً تَقْدِيره حِينَئِذٍ: مَا رَأَيْت يَوْمًا مثل
هَذَا الْيَوْم رَأَيْت اسْتقْبل بِهِ أَي: بالْكلَام
الْمَذْكُور رجلا مُسلما. قَوْله: (اسْتقْبل بِهِ) ، جملَة
مُعْتَرضَة بَين الْفَاعِل وَالْمَفْعُول، وَحَاصِل
الْمَعْنى: مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ رَأَيْت فِيهِ رجلا
اسْتقْبل بِهِ أَي: فِي الْيَوْم، وَرَأَيْت الشُّرَّاح
فِيهِ عاجزين، فَمنهمْ من لم يتَعَرَّض إِلَى شَيْء مَا
كَأَنَّهُ مَا اطلع على الْمَتْن، وَمِنْهُم من تصرف فِيهِ
بالتعسف. قَوْله: (فَإِنِّي أعزم) أَي: قَالَ سَواد بن
قَارب، كنت كَاهِن الْقَوْم، والكاهن هُوَ الَّذِي يتعاطى
الْأَخْبَار المغيبة ويخبر بهَا، وَكَانَ فِي الْعَرَب فِي
الْجَاهِلِيَّة كهان كثير، وَأَكْثَرهم كَانَ يعْتَمد على
تَابعه من الْجِنّ، وَأما الَّذِي كَانَ يَدعِي معرفَة
ذَلِك بمقدمات أَسبَاب يسْتَدلّ بهَا على مواقعها من
كَلَام من يسْأَله فَهُوَ الَّذِي يُسمى: عرافاً. قَوْله:
(فَمَا أعجب) كلمة: مَا، استفهامية، وأعجب، بِالرَّفْع
أَي: أَي شَيْء أعجب. قَوْله: (مَا جَاءَت بِهِ) ، كلمة:
مَا، يجوز أَن تكون مَوْصُولَة بَدَلا من كلمة: مَا، فِي:
مَا أعجب، وَيجوز أَن تكون مَصْدَرِيَّة، وَالتَّقْدِير:
أَي شَيْء أعجب من مَجِيء جنيتك بالأخبار، والجنية
تَأْنِيث الجني، وأنثه تحقيراً لَهُ، وَقيل: يحْتَمل أَن
يكون قد عرف أَن تَابع سَواد من الْجِنّ أُنْثَى، أَو هُوَ
كَمَا يُقَال: تَابع الذّكر أُنْثَى وتابع الْأُنْثَى
الذّكر. قَوْله: (جَاءَتْنِي) أَي: الجنية. قَوْله:
(الْفَزع) ، بِفَتْح الْفَاء وَالزَّاي: الْخَوْف، وَفِي
رِوَايَة مُحَمَّد بن كَعْب: أَن ذَلِك كَانَ وَهُوَ بَين
النَّائِم وَالْيَقظَان. قَوْله: (فَقَالَت) أَي: الجنية.
قَوْله: (ألم تَرَ الْجِنّ. .) إِلَى آخِره، من الرجز، و:
الْجِنّ، مَنْصُوب بقوله: ألم تَرَ، قَوْله: (وإبلاسها)
بِالنّصب عطفا على مَا قبله، وإبلاس، بِكَسْر الْهمزَة
وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة، وَقَالَ ابْن الْأَثِير:
الإبلاس الْحيرَة وَمِنْه الحَدِيث: ألم تَرَ الْجِنّ
وإبلاسها، أَي: تحيرها. وَقَالَ الْكرْمَانِي: إبلاسها،
أَي: انكسارها، وَقَالَ غَيره: صيرورتها مثل إِبْلِيس
حائراً بائراً. قَوْله: (ويأسها) ، بِالنّصب أَيْضا عطفا
على مَا قبله، والياس بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف ضد
الرَّجَاء. قَوْله: (من بعد إنكاسها) ، بِكَسْر الْهمزَة
وَسُكُون النُّون، أَي: من بعد انتكاسها، والانتكاس
الانقلاب على الرَّأْس، ويروى: من بعد أنساكها، بِفَتْح
الْهمزَة، قَالَ ابْن الْأَثِير: هَكَذَا جَاءَ فِي
رِوَايَة، أَي: متعبداتها، وَقَالَ ابْن فَارس الأنساك جمع
نسك، وَهُوَ الْمَكَان الَّذِي يألفه، أَرَادَ أَنَّهَا
يئست من السّمع بعد أَن كَانَت ألفته، وروى الدَّاودِيّ:
من بعد إيناسها، وَقَالَ: يَعْنِي كَانَت تأنس إِلَى مَا
تسمع. قَوْله: (ولحوقها) ، بِالنّصب عطفا على: إبلاسها،
وَيجوز بِالْجَرِّ عطفا على، أنكاسها، قَوْله: (بالقلاص) ،
بِكَسْر الْقَاف: وَهُوَ جمع قلُوص وَهِي النَّاقة
الشَّابَّة، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَأُرِيد بالقلاص أهل
القلاص وهم الْعَرَب على طَرِيق الْكِنَايَة وَقَالَ غَيره
أَرَادَ تفرقهم ونفارهم كَرَاهِيَة الْإِسْلَام قَوْله
(وإحلاسها) بِفَتْح الْهمزَة جمع حلْس بِكَسْر الْحَاء
الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام، وَهُوَ كسَاء رَقِيق يوضع
تَحت البردعة رِعَايَة لظهر الدَّوَابّ، وَفِي رِوَايَة:
أَن الجني عاوده ثَلَاث مَرَّات. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي
(دَلَائِل النُّبُوَّة) من حَدِيث أبي إِسْحَاق عَن
الْبَراء بن عازم: كَانَ لَهُ، أَي لسواد بن قَارب رائي من
الْجِنّ، قَالَ: بَينا أَنا نَائِم إِذْ جَاءَنِي،
فَقَالَ: قُم فَافْهَم واعقل إِن كنت تفعل، قد بعث رَسُول
من لؤَي بن غَالب، ثمَّ أنشأ يَقُول:
(عجبت للجن وأجناسهاوشدها العيس بأحلاسها)
(17/7)
(تهوي إِلَى مَكَّة تبغي الْهدى مَا
مؤمنوها مثل أرجاسها)
(فانهض إِلَى الصفوة من هاشمواسْمُ بِعَيْنَيْك إِلَى
رَأسهَا)
قَالَ: ثمَّ نبهني، وَقَالَ: يَا سَواد! إِن الله قد بعث
نَبيا فانهض إِلَيْهِ تسعد وترشد، فَلَمَّا كَانَ فِي
اللَّيْلَة الثَّانِيَة أَتَانِي فنبهني ثمَّ قَالَ:
(عجبت للجن وتطلابهاوشدها العيس بأقتابها)
(تهوي إِلَى مَكَّة تبغي الْهدى لَيْسَ قدامها كأذنابها)
(فانهض إِلَى الصفوة من هاشمواسم بِعَيْنَيْك إِلَى نابها)
فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَة الثَّالِثَة أَتَانِي
فنبهني، فَقَالَ:
(عجبت للجن وتجارهاوشدها العيس بأكوارها)
(تهوي إِلَى مَكَّة تبغي الْهدى لَيْسَ ذَوُو الشَّرّ
كأخيارها)
(فانهض إِلَى الصفوة من هاشمما مؤمنو الْجِنّ ككفارها)
قَالَ: فَوَقع فِي قلبِي الْإِسْلَام وأتيت الْمَدِينَة،
فَلَمَّا رَآنِي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
قَالَ: مرْحَبًا بك يَا سَواد بن قَارب، قد علمنَا مَا
جَاءَ بك. قَالَ: قلت شعرًا فاسمعه مني، فَقلت:
(أَتَانِي رئبي بعد ليل وهجعة فَلم أكُ فِيمَا قد بليت
بكاذبِ)
(ثلاثُ لَيال قَوْله كل لَيْلَة: أَتَاك نَبِي من لؤَي بن
غَالب)
(فشمرت عَن ساقي الْإِزَار ووسطتبي الذعلب الوجناء عِنْد
السباسب)
(فَأشْهد أَن الله لَا رب غيرهوأنك مَأْمُون على كل
غَائِب)
(وَأَنَّك أدنى الْمُرْسلين شَفَاعَة إِلَى الله يَا ابْن
الأكرمين الأطايب)
(فمرنا بِمَا يَأْتِيك يَا خير مرسلوإن كَانَ فِيمَا جَاءَ
شَيْبُ الذوائب)
(فَكُن لي شَفِيعًا لَا ذُو شَفَاعَة سواك بمغنٍ عَن سَواد
بن قَارب)
قَالَ: فَضَحِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى
بَدَت نَوَاجِذه. قَوْله: إِلَى أرجاسها، جمع رِجْس وَهُوَ
النَّجس، وَأَرَادَ بهم الْمُشْركين. قَوْله: (واسمُ) من
سما يسمو. أَي أعلُ وَانْظُر بِعَيْنَيْك. قَوْله:
(تطلبانها) التَّاء فِيهِ زَائِدَة وَهُوَ من المصادر
الشاذة و (العيس) بِكَسْر الْعين وَسُكُون الْيَاء آخر
الْحُرُوف وَفِي آخِره سين مُهْملَة: جمع عيساء، قَالَ
ابْن الْأَثِير: العيس الْإِبِل الْبيض مَعَ شقرة يسيرَة
وَاحِدهَا أعيس وعيسا، والأقتاب جمع قتَب بِفتْحَتَيْنِ،
وَهُوَ للجمل كالإكاف لغيره. قَوْله: (لَيْسَ قداماها) من:
قوادم الطير، وَهِي: مقاديم ريشه وَهِي عشرَة فِي كل
جنَاح، الْوَاحِدَة قادمة وَهِي القدامى أَيْضا، وَيُقَال:
القدامى تكون وَاحِدَة وَتَكون جمعا والأذناب جمع ذَنْب.
قَوْله: (إِلَى نابها) الناب بالنُّون وبالباء الْمُوَحدَة
وَمَعْنَاهُ: سيد الْقَوْم، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: نَاب
الْقَوْم سيدهم والناب المسنة من الْإِبِل النوق. قَوْله:
(وتجآرها) التَّاء فِيهِ زَائِدَة، وَأَصله من جأر إِذا
تضرع وَهُوَ من المصادر الشاذة والأكوار جمع كور
بِالضَّمِّ، وَهُوَ رَحل النَّاقة بأداته وَهُوَ كالسرج
وآلته للْفرس، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: وَكثير من النَّاس
يفتح الْكَاف وَهُوَ خطأ. قَوْله: (رئي) ، بِفَتْح الرَّاء
وَكسر الْهمزَة وَتَشْديد الْيَاء وَهُوَ التَّابِع من
الْجِنّ، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: رئي بِوَزْن كمي وَهُوَ
فعيل أَو فعول، سمي بِهِ لِأَنَّهُ يتَرَاءَى لمتبوعه أَو
هُوَ: من الرَّأْي من قَوْلهم فلَان رأى قومه إِذا كَانَ
صَاحب رَأْيهمْ، وَقد تكسر راؤه لاتباعها مَا بعْدهَا.
قَوْله: (فِيمَا قد بليت) بِالْبَاء الْمُوَحدَة أَي:
فِيمَا قد جربت. قَوْله: (الذعلب) بِكَسْر الذَّال
الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَكسر اللَّام
وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة، وَهِي النَّاقة السريعة
(والوجناء) بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الْجِيم بالنُّون
الممدودة والهمزة فِي آخِره: وَهِي الغليظة الصلبة، وَقيل:
الْعَظِيمَة الوجنتين (والسباسب) بِفَتْح السِّين
الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر السِّين
الثَّانِيَة وَفِي آخِره بَاء أُخْرَى، وَهُوَ جمع سبسب
وَهِي القفر والمفازة. قَوْله: (أدنى الْمُرْسلين) أَي:
أقربهم وأولاهم. قَوْله: (بَيْنَمَا أَنا عِنْد
(17/8)
آلِهَتهم) أَي: أصنامهم. قَوْله: (بعجل)
هُوَ ولد الْبَقَرَة. قَوْله: (يَا جليح) ، بِفَتْح
الْجِيم وَكسر اللَّام وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة:
مَعْنَاهُ الواقح الكاشف بالعداوة. قَوْله: (نجيح) بِفَتْح
النُّون وَكسر الْجِيم من النجاح، وَهُوَ الظفر بالحوائج.
قَوْله: (رجل فصيح) من الفصاحة، وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني: رجل يَصِيح، بِالْيَاءِ آخر الْحَرْف من
الصياحة وَوَقع فِي رِوَايَة فصيح رجل يَصِيح. قَوْله:
(يَقُول: لَا إلاه إلاَّ الله) هَذَا فِي رِوَايَة
الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره: لَا إلاه إلاَّ أَنْت،
وَفِي بَقِيَّة الرِّوَايَات مثل الأول. قَوْله: (نشبنا) ،
بِفَتْح النُّون وَكسر الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون
الْبَاء الْمُوَحدَة، أَي: مَا مكثنا وتعلقنا بِشَيْء إِذْ
ظهر القَوْل بَين النَّاس بِخُرُوج النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم.
350 - (حَدثنِي مُحَمَّد بن الْمثنى حَدثنَا يحيى حَدثنَا
إِسْمَاعِيل حَدثنَا قيس قَالَ سَمِعت سعيد بن زيد يَقُول
للْقَوْم لَو رَأَيْتنِي موثقي عمر على الْإِسْلَام أَنا
وَأُخْته وَمَا أسلم وَلَو أَن أحدا انقض لما صَنَعْتُم
بعثمان لَكَانَ محقوقا أَن ينْقض) هَذَا الحَدِيث قد مضى
عَن قريب فِي إِسْلَام سعيد بن زيد فَإِنَّهُ أخرجه
هُنَاكَ عَن قُتَيْبَة بن سعيد عَن سُفْيَان عَن
إِسْمَاعِيل وَهنا أخرجه عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن يحيى
بن سعيد الْقطَّان عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد عَن قيس
بن أبي حَازِم وَفِيه هُنَاكَ الِاقْتِصَار على ذكر عمر
وَهَهُنَا لَو رَأَيْتنِي موثقي عمر على الْإِسْلَام أَنا
وَأُخْته قَوْله " موثقي " مُضَاف إِلَى الْمَفْعُول
قَوْله وَأُخْته بِالنّصب أَي أُخْت عمر وَهِي فَاطِمَة
بنت الْخطاب زَوْجَة سعيد بن زيد وَكَانَا أسلما قبل عمر
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَقَالَ ابْن عبد الْبر
فَاطِمَة هَذِه أسلمت قَدِيما قيل قبل زَوجهَا سعيد بن زيد
بن عَمْرو بن نفَيْل وَقيل مَعَ زَوجهَا وقصتها ذكرهَا
ابْن سعيد قَالَ بِإِسْنَادِهِ عَن أنس بن مَالك قَالَ خرج
عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مُتَقَلِّدًا السَّيْف
فَلَقِيَهُ رجل من بني زهرَة فَقَالَ أَيْن تعمد يَا عمر
فَقَالَ أُرِيد أَن أقتل مُحَمَّدًا قَالَ وَكَيف تأمن من
بني هَاشم وَبني زهرَة إِذا قتلت مُحَمَّدًا وَقَالَ لَهُ
عمر مَا أَرَاك إِلَّا قد صَبَأت وَتركت دينك الَّذِي كنت
عَلَيْهِ فَقَالَ أَلا أدلك على مَا هُوَ أعجب من ذَلِك
قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ أختك وختنك قد صبآ وتركا دينك
الَّذِي أَنْت عَلَيْهِ فَمشى عمر ذَا أَمر أَي يلوم نَفسه
على مَا فَاتَ حَتَّى دخل على أُخْته فَاطِمَة وَزوجهَا
سعيد بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل من الْعشْرَة
وَعِنْدَهُمَا خباب بن الْأَرَت رجل من الْمُهَاجِرين
يُقْرِئهُمْ الْقُرْآن فَقَالَ مَا هَذِه الهنيمة الَّتِي
أسمعها عنْدكُمْ وَكَانُوا يقرؤون (طه) فَقَالُوا مَا عدا
حَدِيثا تحدثناه بَيْننَا فَقَالَ لعلكما قد صبوتما
فَقَالَ لَهُ سعيد يَا عمر أَرَأَيْت إِذا كَانَ الْحق فِي
غير دينك الَّذِي أَنْت عَلَيْهِ فَوَثَبَ عمر عَلَيْهِ
فوطأه وطا شَدِيدا فَجَاءَت أُخْته فَدَفَعته عَنهُ فنفحها
بِرجلِهِ أَو بِيَدِهِ نفحة دمى وَجههَا فَقَالَت وَهِي
غَضبى إِن كَانَ الْحق فِي غير دينك يَا عمر أَتَشهد أَن
لَا إِلَه إِلَّا الله فَلَمَّا آيس عمر قَالَ أعطوني
هَذَا الْكتاب الَّذِي عنْدكُمْ لأقرأه وَكَانَ عمر يقْرَأ
الْكتب فَقَالَت لَهُ أُخْته إِنَّك رِجْس وَلَا يمسهُ
إِلَّا الْمُطهرُونَ فَقُمْ واغتسل وَتَوَضَّأ فَقَامَ
وَتَوَضَّأ وَأخذ الْكتاب فَقَرَأَ {طه مَا أنزلنَا
عَلَيْك الْقُرْآن لتشقى} حَتَّى انْتهى إِلَى قَوْله
{إِنَّنِي أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا فاعبدني وأقم
الصَّلَاة لذكري} فَقَالَ عمر دلوني على مُحَمَّد فَلَمَّا
سمع خباب قَوْله خرج من الْبَيْت أَو من تَحت السرير
وَقَالَ لَهُ أبشر يَا عمر فَإِنِّي أَرْجُو أَن تكون
دَعْوَة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- لَيْلَة الْخَمِيس اللَّهُمَّ أيد الْإِسْلَام أَو أعز
الْإِسْلَام بعمر ابْن الْخطاب أَو بِعَمْرو بن هِشَام
يَعْنِي أَبَا جهل قَالَ وَرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي دَاره الَّتِي عِنْد الصَّفَا
فَانْطَلق عمر إِلَيْهَا وعَلى الْبَاب حَمْزَة وَطَلْحَة
وناس من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم فخاف الْقَوْم
مِنْهُ فَلَمَّا رأى حَمْزَة وَجل الْقَوْم مِنْهُ قَالَ
إِن يرد الله بِهِ خيرا يسلم وَإِلَّا فَقتله علينا هَين
قَالَ وَرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- دَاخل الدَّار يُوحى إِلَيْهِ فَخرج رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأخذ بِمَجَامِع
ثَوْبه وحمائل سَيْفه وَقَالَ مَا أَنْت بمنته يَا عمر
حَتَّى ينزل الله بك من الخزي والنكال مَا أنزل بالوليد بن
الْمُغيرَة اللَّهُمَّ هَذَا عمر بن الْخطاب فأعز الدّين
بِهِ فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ أشهد أَن لَا إِلَه
إِلَّا الله وَأشْهد أَنَّك رَسُول الله وَقَالَ اخْرُج
يَا رَسُول الله قَوْله " وَمَا أسلم " أَي وَالْحَال أَن
عمر إِذْ ذَاك لم يكن أسلم قَوْله " انقض " بنُون وقاف
وضاد مُعْجمَة وَفِي رِوَايَة الْكشميهني بفاء بدل الْقَاف
فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَفِي رِوَايَة ابْن نعيم بالراء
وَالْفَاء ومعانيها مُتَقَارِبَة والانقضاض الْإِزَالَة
والتفرق بِالْقَافِ وَالْفَاء أَيْضا قَالَ الله تَعَالَى
{لانفضوا من حولك} أَي لتفرقوا وَقَالَ ابْن فَارس انقض
الْحَائِط وَقع وَمِنْه (يُرِيد أَن
(17/9)
ينْقض فأقامه} أَي ينكسر وينهدم قَوْله "
لَكَانَ محقوقا " أَي وَاجِبا حَقًا يُقَال حق عَلَيْك أَن
تفعل كَذَا ومحقوق أَن تفعل ذَلِك قَوْله " أَن ينْقض "
كلمة أَن مَصْدَرِيَّة أَي الانقضاض. -
36 - (بابُ انْشِقَاقِ القَمَرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان انْشِقَاق الْقَمَر فِي زمن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، معْجزَة لَهُ وَهِي من
أُمَّهَات معجزات رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وآياته النيرة الَّتِي اخْتصّت بِهِ، إِذْ كَانَت معجزات
سَائِر الْأَنْبِيَاء لم تتجاوز عَن الأرضيات إِلَى
السماويات وَقد نطق الْقُرْآن بِهِ قَالَ تَعَالَى:
{اقْتَرَبت السَّاعَة وَانْشَقَّ الْقَمَر} (الْقَمَر: 1)
. وَلَقَد زعم بعض الفلاسفة بزعمهم الْفَاسِد أَن الفلكيات
لَا تقبل الْخرق والالتئام، وَنحن نقُول: الْقَمَر
مَخْلُوق من مخلوقات الله تَعَالَى يفعل فِيهِ مَا يَشَاء
كَمَا يفنيه ويكوره فِي آخر أمره.
3868 - حدَّثني عبْدُ الله بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ حدَّثنَا
بِشْرُ بنُ المُفَضِّلِ حدَّثنا سَعِيدُ بنُ أبِي
عَرُوبَةَ عنْ قَتَادَةَ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله
تَعَالَى عنهُ أنَّ أهْلَ مَكَّةَ سألُوا رسُولَ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ يُرِيَهُمْ آيَةً فَأرَاهُمْ
القَمَرَ شِقَّتَيْنِ حتَّى رأوْا حِرَاءً بَيْنَهُمَا. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَهَذَا الحَدِيث من
مَرَاسِيل الصَّحَابَة لِأَن أنسا لم يدْرك هَذَا، وَقد
مضى هَذَا فِي: بَاب سُؤال الْمُشْركين أَن يُرِيهم
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، آيَة، فَأَرَاهُم
انْشِقَاق الْقَمَر، وَأخرجه هُنَاكَ من حَدِيث شَيبَان
عَن قَتَادَة عَن أنس وَمن حَدِيث سعيد عَن قَتَادَة عَن
أنس وَفِيه: فَأَرَاهُم انْشِقَاق الْقَمَر، وَهَهُنَا:
فَأَرَاهُم الْقَمَر شقتين ... إِلَى آخِرهم، (وشقتين)
بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة، أَي: نِصْفَيْنِ. وَهَكَذَا
وَقع فِي رِوَايَة مُسلم، وَفِي (مُصَنف عبد الرَّزَّاق) :
عَن معمر بِلَفْظ: مرَّتَيْنِ، وَكَذَلِكَ أخرجه الإِمَام
أَحْمد وَإِسْحَاق فِي (مسنديهما) عَن عبد الرَّزَّاق،
وَقد اتّفق البُخَارِيّ وَمُسلم عَلَيْهِ من رِوَايَة
شُعْبَة عَن قَتَادَة بِلَفْظ: (فرْقَتَيْن) . قَوْله:
(حَتَّى رَأَوْا حراء) أَي: جبل حراء (بَينهمَا) أَي: بَين
الشقتَيْنِ، و: حراء، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وبالمد:
جبل على يسَار السائر من مَكَّة إِلَى منى، وَقد مر
بَيَانه مستقصًى فِي بَدْء الْوَحْي.
3869 - حدَّثنا عَبْدَانُ عنْ أبِي حَمْزَةَ عنِ الأعْمَشِ
عنْ إبْرَاهِيمَ عنْ أبِي مَعْمَرٍ عنْ عَبْدِ الله رَضِي
الله تَعَالَى عنهُ قَالَ انْشَقَّ القَمَرُ ونَحْنُ مَعَ
النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمِنًى فَقَالَ
اشْهَدُوا وذَهَبَتْ فِرْقَةٌ نَحْوَ الجَبَلِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وعبدان اسْمه عبد الله
وَقد تكَرر ذكره، وَأَبُو حَمْزَة بِالْحَاء الْمُهْملَة
وبالزاي اسْمه مُحَمَّد بن مَيْمُون الْيَشْكُرِي،
وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ،
وَأَبُو معمر بِفَتْح الميمين عبد الله بن سَخْبَرَة،
بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْخَاء
الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة، وَعبد الله هُوَ
ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقد مضى هَذَا
الحَدِيث فِي: بَاب سُؤال الْمُشْركين إِن يُرِيهم
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آيَة، فَإِنَّهُ أخرجه
هُنَاكَ: عَن صَدَقَة بن الْفضل عَن ابْن عُيَيْنَة عَن
ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد عَن أبي معمر عَن عبد الله بن
مَسْعُود، وَانْشَقَّ الْقَمَر على عهد رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، شقتين، فَقَالَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: (اشْهَدُوا) . قَوْله: عَن الْأَعْمَش عَن
إِبْرَاهِيم، وَفِي رِوَايَة السَّرخسِيّ والكشميهني فِي
آخر الْبَاب من وَجه آخر عَن الْأَعْمَش حَدثنَا
إِبْرَاهِيم قَوْله: عَن أبي معمر هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظ
وَوَقع فِي رِوَايَة ابْن مرْدَوَيْه عَن الْأَعْمَش عَن
إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي نعيم
عَن شُعْبَة عَن الْأَعْمَش وَوَقع فِي التَّفْسِير عَن
شُعْبَة عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن أبي معمر
وَهُوَ الْمَشْهُور.
قَوْله: (وَنحن مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
الْوَاو فِيهِ للْحَال، وَفِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق
عَليّ بن سهل عَن الْأَعْمَش: بَيْنَمَا نَحن مَعَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بمنى إِذْ انْفَلق
الْقَمَر. فَإِن قلت: يُعَارضهُ قَول أنس: أَن ذَلِك كَانَ
بِمَكَّة. قلت: لَا مُعَارضَة، لِأَنَّهُ لم يُصَرح أَنه،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ لَيْلَة إذٍ بِمَكَّة،
وَلَئِن سلمنَا التَّصْرِيح بذلك فمنًى من جملَة مَكَّة
وَالَّذِي وَقع فِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ من
(17/10)
حَدِيث زر بن حُبَيْش عَن ابْن مَسْعُود،
قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَر بِمَكَّة فرأيته فرْقَتَيْن،
فَهُوَ مَحْمُول على مَا ذَكرْنَاهُ، وَكَذَا كل مَا
رُوِيَ نَحوه. قَوْله: (اشْهَدُوا) أَي: اضبطوا هَذَا
الْقدر بِالْمُشَاهَدَةِ. قَوْله: (وَذَهَبت فرقة نَحْو
الْجَبَل) أَي: ذهبت قِطْعَة فِي نَاحيَة جبل حراء وَبقيت
نَاحيَة فِي مَكَانَهُ. وَقَالَ الْكرْمَانِي:
وَالْمَشْهُور أَنَّهُمَا التأما فِي الْحَال لَا بعد
الْغُرُوب، ثمَّ قَالَ: فَإِن قلت: مَا التلفيق بَينه
وَبَين مَا قَالَ: رَأَوْا حراء بَينهمَا؟ قلت: إِذا نزلت
قِطْعَة تَحت حراء، وَبقيت قِطْعَة مِنْهُ فَهُوَ
بَينهمَا، وَكَذَا إِذا ذهبت الْفرْقَة عَن يَمِين حراء
أَو شِمَاله أَو الانشقاق كَانَ مرَّتَيْنِ.
وَقَالَ أبُو الضُّحَى عنْ مَسْرُوق عنْ عَبْدِ الله
انْشَقَّ بِمَكَّةَ
أَبُو الضُّحَى مُسلم بن صبيح، بِضَم الصَّاد الْمُهْملَة
وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة: الْكُوفِي، ومسروق هُوَ ابْن
الأجدع، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود، وَظَاهر هَذَا
تَعْلِيق وَصله أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ عَن أبي
عوَانَة، وَقيل: يحْتَمل أَن يكون هَذَا مَعْطُوفًا على
قَوْله: عَن إِبْرَاهِيم، فَإِن أَبَا الضُّحَى من شُيُوخ
الْأَعْمَش فَيكون للأعمش فِيهِ إسنادان. قلت: الإحتمال
الناشيء عَن غير دَلِيل لَا يعْتَبر بِهِ.
وتابَعَهُ مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمٍ عنِ ابنِ أبي نَجِيحٍ
عنْ مُجَاهِدٍ عنْ أبِي مَعْمَرٍ عنْ عَبْدِ الله
أَي: تَابع إِبْرَاهِيم فِي رِوَايَته عَن أبي معمر
مُحَمَّد بنُ مُسلم الطَّائِفِي عَن عبد الله بن أبي نجيح،
واسْمه يسَار ضد الْيَمين ومتابعته إِيَّاه فِي قَوْله:
إِن ذَلِك كَانَ بِمَكَّة، لَا فِي جَمِيع سِيَاق
الحَدِيث، وَوصل هَذِه الْمُتَابَعَة عبد الرَّزَّاق فِي
(مُصَنفه) ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيقه فِي
(دَلَائِل النُّبُوَّة) : عَن ابْن عُيَيْنَة، وَمُحَمّد
بن مُسلم جَمِيعًا عَن ابْن أبي نجيح بِهَذَا الْإِسْنَاد،
وَلَفظه: رَأَيْت الْقَمَر منشقاً شقتين، شقة على أبي قبيس
وشقة على السويد، وَهِي نَاحيَة خَارج مَكَّة عِنْدهَا
حَبل. فَإِن قلت: هَذَا يُعَارض حَدِيث أنس الْمَذْكُور.
قلت: يحمل على التَّعَدُّد، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ:
كَانَ الانشقاق مرَّتَيْنِ، وَقيل: التَّعْبِير بِأبي قبيس
من تَعْبِير بعض الروَاة.
3870 - حدَّثنا عُثْمَانُ بنُ صَالِحٍ حدَّثنا بَكْرُ بنُ
مُضَرَ قَالَ حدَّثني جَعْفَرُ بنُ رَبِيعَةَ عنْ عِرَاكِ
بنِ مالِكٍ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله بنِ
عُتْبَةَ بنِ مَسْعُودٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ عَبَّاسٍ
رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّ القَمَرَ انْشَقَّ علَى
زَمانِ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. (انْظُر
الحَدِيث 3638 وطرفه) .
الحَدِيث مضى فِي: بَاب سُؤال الْمُشْركين أَن يُرِيهم
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آيَة، فَإِنَّهُ أخرجه
هُنَاكَ عَن خلف بن خَالِد الْقرشِي حَدثنَا بكر بن مُضر.
. الخ. وَأخرجه هُنَا عَن عُثْمَان بن صَالح السَّهْمِي
الْمصْرِيّ عَن بكر بن مُضر، بِضَم الْمِيم وَفتح الضَّاد
الْمُعْجَمَة وبالراء. وَهَذَا الحَدِيث من مَرَاسِيل
الصَّحَابَة لِأَن ابْن عَبَّاس كَانَ حِينَئِذٍ طفْلا
ابْن سنتَيْن أَو ثَلَاث.
3871 - حدَّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ حدَّثنا أبي حدَّثنا
الأعْمَشُ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ عنْ أبِي مَعْمَرٍ عنْ
عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ انْشَقَّ
القَمَر. .
مضى هَذَا أَيْضا فِي الْبَاب الْمَذْكُور الْآن،
وَرِجَاله قد ذكرُوا عَن قريب وَفِيمَا مضى غير مرّة.
37 - (بابُ هِجْرَةِ الحَبَشَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان هِجْرَة الْمُسلمين من مَكَّة
إِلَى أَرض الْحَبَشَة، الْهِجْرَة فِي الأَصْل اسْم من
الهجر ضد الْوَصْل وَقد هجره هجراً وهجراناً، ثمَّ غلبت
على الْخُرُوج من أَرض إِلَى أَرض وَترك الأولى
للثَّانِيَة، يُقَال مِنْهُ: هَاجر مهاجرة، وَكَانَ وُقُوع
هِجْرَة الْمُسلمين من مَكَّة إِلَى أَرض الْحَبَشَة
مرَّتَيْنِ. أولاهما: كَانَت فِي شهر رَجَب من سنة خمس من
المبعث، قَالَ الْوَاقِدِيّ: أول من هَاجر مِنْهُم أحد عشر
رجلا، وَأَرْبع نسْوَة، وَأَنَّهُمْ انْتَهوا إِلَى
الْبَحْر مَا بَين ماش وراكب، فاستأجروا سفينة بِنصْف
دِينَار إِلَى الْحَبَشَة وهم: عُثْمَان ابْن عَفَّان
وَامْرَأَته رقية بنت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، وَأَبُو حُذَيْفَة بن عتبَة وَامْرَأَته سهلة بنت
سُهَيْل، وَالزُّبَيْر ابْن الْعَوام، وَمصْعَب بن
عُمَيْر، وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَأَبُو سَلمَة بن
عبد الْأسد وَامْرَأَته أم سَلمَة بنت أبي أُميَّة،
وَعُثْمَان بن مَظْعُون
(17/11)
وعامر بن ربيعَة الْعَنزي وَامْرَأَته ليلى
بنت أبي خَيْثَمَة، وَأَبُو سُبْرَة بن أبي رهم، وحاطب بن
عَمْرو، وَسُهيْل بن بَيْضَاء، وَعبد الله بن مَسْعُود،
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. وَالثَّانيَِة: من
الْهِجْرَة فَكَانَ أَهلهَا اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ رجلا
سوى نِسَائِهِم وَأَبْنَائِهِمْ، وعمار بن يَاسر يشك
فِيهِ، فَإِن كَانَ فيهم فقد كَانُوا ثَلَاثَة
وَثَمَانِينَ رجلا، وَقد ذَكَرْنَاهُمْ فِي (تاريخنا
الْكَبِير) على مَا ذكره ابْن إِسْحَاق، رَحمَه الله،
وَجزم ابْن إِسْحَاق بِأَن ابْن مَسْعُود كَانَ فِي
الْهِجْرَة الثَّانِيَة.
وقالَتْ عائِشَةُ قَالَ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ
لاَبَتَيْنِ فَهَاجَرَ مَنْ هاجَرَ قِبَلَ المَدِينَةِ
وَرَجَعَ عامَّةُ مَنْ كانَ هَاجَرَ بأرْضِ الحَبَشَةِ
إِلَى المَدِينَةِ
هَذَا تَعْلِيق سَيَأْتِي مَوْصُولا مطولا فِي: بَاب
الْهِجْرَة إِلَى الْمَدِينَة. قَوْله: (أريت) ، بِضَم
الْهمزَة على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (لابتين) ،
تَثْنِيَة لابة، واللابة بتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة
وَهِي الْحرَّة ذَات الْحِجَارَة السود الَّتِي قد ألبستها
لكثرتها، وَالْمَدينَة مَا بَين حرتين عظيمتين، والحرة،
بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء. قَوْله:
(قِبَل الْمَدِينَة) ، بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء،
أَي: جِهَة الْمَدِينَة وناحيتها فِيهِ عنْ أبِي مُوسَى
وأسْماءَ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَي: فِي هَذَا الْبَاب روى عَن أبي مُوسَى عبد الله بن
قيس الْأَشْعَرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
وَسَيَأْتِي فِي آخر الْبَاب حَدِيثه مُسْندًا مُتَّصِلا.
قَوْله: وَأَسْمَاء هِيَ بنت عُمَيْس الخثعمية، وَهِي
أُخْت مَيْمُونَة بنت الْحَارِث زوج النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لأمها، رَوَت عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَت أَولا تَحت جَعْفَر بن أبي طَالب
وَهَاجَرت مَعَه إِلَى أَرض الْحَبَشَة، ثمَّ قتل عَنْهَا
يَوْم مُؤْتَة فَتَزَوجهَا أَبُو بكر الصّديق، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، فَمَاتَ عَنْهَا ثمَّ تزَوجهَا عَليّ بن
أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وحديثها سَيَأْتِي
فِي غَزْوَة خَيْبَر، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
3872 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ الجُعْفِيُّ
حدَّثنا هِشامٌ أخبرَنا معْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ حدَّثنا
عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ أنَّ عُبَيْدِ الله بنَ عَدِيِّ
بنِ الخِيارِ أخبرَهُ أنَّ المِسْوَرَ بنَ مَخْرَمَةَ
وعَبْدَ الرَّحْمانِ ابنَ الأسْوَدِ بنِ عَبْدِ يغُوثَ
قالاَ لَهُ مَا يَمْنَعُكَ أنْ تُكَلِّمَ خالَكَ عُثْمَانَ
فِي أخِيهِ الوَلِيدِ بنَ عُقْبَةَ وكانَ أكْثَرَ النَّاسُ
فِيما فعَلَ بِهِ: قَالَ عُبَيْدُ الله فانْتَصَبْتُ
لِعُثْمَانَ حِينَ خَرَجَ إلَى الصَّلاةِ فقُلْتُ لهُ إنَّ
لِي إليْكَ حاجَةً وهْي نصِيحَةٌ فقالَ أيُّهَا المَرْءُ
أعُوذُ بِاللَّه مِنْكَ فانْصَرَفْتُ فلَمَّا قَضَيْتُ
الصَّلاةَ جَلَسْتُ إِلَى المِسْوَرِ وَإِلَى ابنِ عَبْدِ
يَغُوثَ فحَدَّثْتُهُمَا بالَّذِي قُلْتُ لِعُثْمَانَ
وَقَالَ لِي فَقالا قَدْ قَضَيتَ الَّذِي كانَ عَلَيْكَ
فبَيْنَمَا أنَا جالِسٌ مَعَهُمَا إذْ جاءَنِي رَسُولُ
عُثْمَانَ فَقَالَا لِي قدِ ابْتَلاكَ الله فانْطَلَقْتُ
حتَّى دَخَلْتُ علَيْهِ فَقَالَ مَا نَصِيحَتُكَ الَّتي
ذَكَرْتَ آنِفَاً قَالَ فتَشَهَّدْتُ ثُمَّ قُلْتُ إنَّ
الله بعَثَ مُحَمَّداً صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأنْزَلَ
علَيْهِ الكِتابَ وكُنْتُ مِمَّنْ اسْتَجابَ لله
ورَسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وآمَنْتَ بِهِ
وهاجَرْتَ الهِجْرَتَيْنِ الأولَيَيْنِ وصَحِبْتَ رسُولَ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورَأيْتَ هَدْيَهُ وقَدْ
أكْثَرَ النَّاسُ فِي شأنِ الوَلِيدِ بنِ عُقْبَةَ فحَقٌّ
عَلَيْكَ أنْ تُقِيمَ عَلَيْهِ الحَدَّ فَقالَ لِي يَا
ابنَ أخِي أدْرَكْتَ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ قُلْتُ لاَ ولَكِنْ قَدْ خَلَصَ إلَيَّ منْ عِلْمِهِ
مَا خَلَصَ إلَى العَذْرَاءِ فِي سِتْرِها قَالَ
فتَشَهَّدَ عُثْمَانُ فَقَالَ إنَّ الله قدْ بعَثَ
مُحَمَّدَاً صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالحَقِّ
(17/12)
وأنْزَلَ عَلَيْهِ الكِتَابَ وكُنْتُ
مِمَّنِ اسْتَجَابَ لله ورَسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وآمَنْتُ بِمَا بُعِثَ بِهِ مُحَمَّدٌ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وهاجَرْتُ الهِجْرَتَيْنِ الأولَيَيْنِ
كَمَا قُلْتَ وصَحِبْتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وبايَعْتُهُ وَالله مَا عَصَيْتُهُ ولاَ غَشَشْتُهُ
حتَّى تَوَفَّاهُ الله ثُمَّ اسْتَخْلَفَت الله أبَا
بَكْرٍ فَوالله مَا عَصَيْتُهُ ولاَ غَشَشْتُهُ ثُمَّ
اسْتخْلِفَ عُمَرُ فَوالله مَا عَصيْتُهُ ولاَ غَشَشْتُهُ
ثُمَّ اسْتُخْلِفَ أفَلَيْسَ لِي علَيْكُمْ مِثْلُ الَّذِي
كانَ لَهُمْ علَيَّ قَالَ بلَى قَالَ فَمَا هَذِهِ
الأحَادِيثُ الَّتي تَبْلُغُنِي عنْكُمْ فأمَّا مَا
ذَكَرْتَ مِنْ شأنِ الْوَلِيدِ بنِ عُقْبَةَ فسَنَأخُذُ
فيهِ إنْ شاءَ الله بالحَقِّ قَالَ فجَلَدَ الوَلِيدَ
أرْبَعِينَ جَلْدَة وأمَر علِيَّاً أنْ يَجْلِدَهُ وكانَ
هُوَ يَجْلِدُهُ وَقَالَ يُونُسُ وابنُ أخِي الزُّهْرِيِّ
عنِ الزُّهْرِيِّ أفَلَيْسَ لي عَلَيْكُمْ مِنَ الحَقِّ
مثْلُ الَّذِي كانَ لَهُمْ. (انْظُر الحَدِيث 3696 وطرفه)
.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (عُثْمَان) و (هَاجَرت
الهجرتين) . وَهِشَام هُوَ ابْن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ.
والْحَدِيث قد مر فِي مَنَاقِب عُثْمَان، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أَحْمد بن
شبيب عَن سعيد عَن أَبِيه عَن يُونُس عَن ابْن شهَاب عَن
عُرْوَة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، وَلَكِن نتكلم
هُنَا أَيْضا لِأَن الرِّوَايَتَيْنِ فيهمَا من
الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان على مَا لَا يخفى.
قَوْله: (فِي أَخِيه الْوَلِيد بن عقبَة) وَكَانَ أَخا
عُثْمَان لأمه وَهَاجَر الهجرتين الْأَوليين، بِضَم
الْهمزَة وباليائين آخر الْحُرُوف تَثْنِيَة أولى، وَهُوَ
على طَرِيق التغليب بِالنِّسْبَةِ إِلَى هِجْرَة
الْحَبَشَة فَإِنَّهَا كَانَت أولى وثانية، وَأما هِجْرَة
الْمَدِينَة فَلم تكن إلاَّ وَاحِدَة، وَقَالَ
الْكرْمَانِي: والهجرتين الْأَوليين أَي: هِجْرَة
الْمَدِينَة وهجرة الْحَبَشَة، وَإِنَّمَا قَالَ
الْأَوليين أَي: بِالنِّسْبَةِ إِلَى هِجْرَة من هَاجر
بعده من الصَّحَابَة. قلت: الصَّوَاب مَا ذَكرْنَاهُ.
قَوْله: (رَأَيْت هَدْيه) بِفَتْح الْهَاء وَسُكُون
الدَّال: أَي: طَرِيقَته وَسيرَته. قَوْله: (يَا ابْن أخي)
قَالَ الْكرْمَانِي: يَا ابْن أخي، سَهْو وَالصَّوَاب: يَا
ابْن أُخْتِي، لِأَنَّهُ كَانَ خَاله إلاَّ أَن يُقَال:
إِنَّه تكلم بِهِ على مَا هُوَ عَادَة الْعَرَب من
قَوْلهم: يَا ابْن عمي وَيَا ابْن أخي. قَوْله: (قد خلص) ،
بِفتْحَتَيْنِ أَي: قد وصل. (والعذراء) االبكر، أَرَادَ
أَن علم الشَّرِيعَة وصل إِلَيْهِ كَمَا وصل إِلَى
المُخدرات. قَوْله: (أَرْبَعِينَ) قيل: مر فِيمَا مضى أَنه
جلده ثَمَانِينَ، وَأجِيب: بِأَن التَّخْصِيص بِالْعدَدِ
لَا يدل على نفي الزَّائِد، وَقَالَ بعض الْعلمَاء: كَانَ
يضْربهُ بِسَوْط لَهُ طرفان، فَمن اعْتبر الطَّرفَيْنِ عده
ثَمَانِينَ، وَمن اعْتبر نفس السَّوْط عده أَرْبَعِينَ.
قَوْله: (وبايعته) بِالْبَاء الْمُوَحدَة من الْمُبَايعَة،
ويروى: وتابعته، بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق من
الْمُتَابَعَة. قَوْله: (قَالَ يُونُس) هُوَ ابْن يزِيد
الْأَيْلِي. (وَابْن أخي الزُّهْرِيّ) هُوَ مُحَمَّد بن
عبد الله بن مُسلم (وَالزهْرِيّ) هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم،
وَتَعْلِيق يُونُس وَصله البُخَارِيّ فِي مَنَاقِب
عُثْمَان، وَتَعْلِيق ابْن أخي الزُّهْرِيّ وَصله قَاسم
ابْن أصبغ فِي (مُصَنفه) وَمن طَرِيقه وَصله ابْن عبد
الْبر فِي (تمهيده) والتعليقان وَالَّذِي بعده من
التَّفْسِير فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وَحده.
356 - (حَدثنِي مُحَمَّد بن الْمثنى حَدثنَا يحيى عَن
هِشَام قَالَ حَدثنِي أبي عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا
أَن أم حَبِيبَة وَأم سَلمَة ذكرتا كَنِيسَة رأينها
بِالْحَبَشَةِ فِيهَا تصاوير فذكرتا للنَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ إِن أُولَئِكَ إِذا
كَانَ فيهم الرجل الصَّالح فَمَاتَ بنوا على قَبره
مَسْجِدا وصورا فِيهِ تيك الصُّور أُولَئِكَ شرار الْخلق
عِنْد الله يَوْم الْقِيَامَة) مطابقته للتَّرْجَمَة من
حَيْثُ أَن كلا من أم حَبِيبَة وَأم سَلمَة من
الْمُهَاجِرَات إِلَى الْحَبَشَة فَإِنَّهَا أم حَبِيبَة
هَاجَرت فِي الْهِجْرَة الثَّانِيَة مَعَ زَوجهَا عبد الله
بن جحش فَمَاتَ هُنَاكَ وَيُقَال أَنه كَانَ تنصر
وَتَزَوجهَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - بعده وَأما أم سَلمَة فَإِنَّهَا قد هَاجَرت فِي
الْهِجْرَة الأولى مَعَ زَوجهَا أبي سَلمَة بن عبد الْأسد
وَاسْمهَا هِنْد وَأم حَبِيبَة اسْمهَا رَملَة بنت أبي
(17/13)
سُفْيَان وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان
وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْجَنَائِز فِي بَاب بِنَاء
الْمَسْجِد على الْقَبْر فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن
إِسْمَاعِيل عَن مَالك عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة
وَمضى أَيْضا فِي كتاب الصَّلَاة فِي بَاب الصَّلَاة فِي
الْبيعَة أخرجه عَن مُحَمَّد عَن عَبدة عَن هِشَام بن
عُرْوَة الخ وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ
357 - (حَدثنَا الْحميدِي حَدثنَا سُفْيَان حَدثنَا
إِسْحَاق بن سعيد السعيدي عَن أَبِيه عَن أم خَالِد بنت
خَالِد قَالَت قدمت من أَرض الْحَبَشَة وَأَنا جوَيْرِية
فكساني رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- خميصة لَهَا أَعْلَام فَجعل رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يمسح الْأَعْلَام بِيَدِهِ
وَيَقُول سناه سناه قَالَ الْحميدِي يَعْنِي حسن حسن)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله قدمت من أَرض الْحَبَشَة
والْحميدِي هُوَ عبد الله بن الزبير بن عِيسَى وسُفْيَان
هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَإِسْحَاق بن سعيد بن عَمْرو بن سعيد
بن الْعَاصِ وجد أَبِيه هُوَ سعيد بن الْعَاصِ وَهُوَ ابْن
عَم أم خَالِد الْمَذْكُورَة وَأم خَالِد اسْمهَا أمة
بِفَتْح الْهمزَة وَالْمِيم وبالهاء وخَالِد هَذَا هُوَ
ابْن الزبير بن الْعَوام وَبنت خَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ
والْحَدِيث مضى بأتم مِنْهُ وأطول فِي الْجِهَاد وَفِي
بَاب من تكلم بِالْفَارِسِيَّةِ والرطانة فَإِنَّهُ أخرجه
هُنَاكَ عَن حبَان بن مُوسَى عَن عبد الله عَن خَالِد بن
سعيد الخ وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ والخميصة بِفَتْح
الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الْمِيم وَهِي ثوب خَز أَو صوف
معلم وَقيل لَا تسمى خميصة إِلَّا أَن تكون سَوْدَاء معلمة
وَجَمعهَا خمائص قَوْله سناه بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة
وَتَخْفِيف النُّون كلمة حبشية مَعْنَاهَا حسن كَمَا فسره
الْحميدِي شيخ البُخَارِيّ -
3875 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ حَمَّادٍ حدَّثنا أبُو
عَوَانَةَ عنْ سُلَيْمَانَ عنْ إبْرَاهِيمَ عنْ عَلْقَمَةَ
عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ كُنَّا
نُسَلَّمُ علَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهْوَ
يُصَلِّي فَيَرُدُّ علَيْنَا فلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ
عِنْدِ النَّجَاشِيِّ سلَّمْنَا علَيْهِ فلَمْ يَرُدَّ
عَلَيْنَا فَقُلْنَا يَا رسُولَ الله إنَّا كُنَّا
نُسَلِّمُ عَلَيْكَ فتَرُد عَلَيْنَا قَالَ إنَّ فِي
الصَّلاةِ شُغْلاً فقُلْتِ لإبْرَاهِيمَ كَيْفَ تَصْنَعُ
أنْتَ قَالَ أرُدُّ فِي نَفْسِي. (انْظُر الحَدِيث 1199
وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَلَمَّا رَجعْنَا من
عِنْد النَّجَاشِيّ) وَهُوَ بِفَتْح النُّون وَتَخْفِيف
الْجِيم وَكسر الشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْيَاء
وتخفيفها، وَهُوَ اسْم من ملك الْحَبَشَة، ككسرى اسْم من
ملك الْفرس، وَقَيْصَر اسْم من ملك الرّوم، وَيحيى بن
حَمَّاد الشَّيْبَانِيّ الْبَصْرِيّ، روى البُخَارِيّ
عَنهُ بالواسطة فِي آخر الْحيض، وَأَبُو عوَانَة، بِفَتْح
الْعين الْمُهْملَة: الوضاح الْيَشْكُرِي، وَسليمَان
الْأَعْمَش، وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، وعلقمة بن قيس
النَّخعِيّ، والْحَدِيث مضى فِي أَوَاخِر الصَّلَاة فِي:
بَاب لَا يرد السَّلَام فِي الصَّلَاة، وَأخرجه هُنَاكَ
عَن عبد الله بن أبي شيبَة عَن ابْن فُضَيْل عَن
الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم ... الخ، وَفِيه: كنت أسلم
فَلَمَّا رجعت سلمت عَلَيْهِ. قَوْله: (لشغلاً) ويروى:
شغلاً، بلام التَّأْكِيد.
3876 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ العَلاَءِ حدَّثنا أبُو
أُسَامَةَ حدَّثنا بُرَيْدُ بنُ عَبْدِ الله عنْ أبِي
بُرْدَةَ عنْ أبِي مُوسَى رَضِي الله تَعَالَى عنهُ
بلَغَنَا مَخْرَجُ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ونَحْنُ بالْيَمَنِ فرَكِبْنَا سَفِينَةً فألْقَتْنَا
سَفِينَتُنَا إِلَى النَّجاشِيِّ بالحَبْشَةِ فَوافَقْنَا
جَعْفَرَ بنَ أبِي طالِبٍ فأقَمْنَا معَهُ حَتَّى
قَدِمْنَا فوَافَقْنَا النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لَكُمْ أنْتُمْ يَا أهْلَ السَّفِينَةِ
هِجْرَتَانِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَأَلْقَتْنَا
سَفِينَتنَا إِلَى النَّجَاشِيّ بِالْحَبَشَةِ) وَذَلِكَ
من حَيْثُ إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أطلق على
ذَلِك هِجْرَة حَيْثُ قَالَ: لكم أَنْتُم يَا أهل
السَّفِينَة هجرتان.
وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وبريد، بِضَم
الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف:
(17/14)
ابْن عبد الله بن أبي بردة بن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ،
وبريد يروي عَن جده أبي بردة عَامر أَو الْحَارِث، وَقيل:
كنيته اسْمه وَأَبُو مُوسَى عبد الله بن قيس
الْأَشْعَرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مقطعاً فِي الْخمس وَفِي الْمَغَازِي
وَهَهُنَا. وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن أبي كريب
وَأبي عَامر.
قَوْله: (مخرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) الْمخْرج
بِفَتْح الْمِيم مصدر ميمي بِمَعْنى الْخُرُوج، وَالْوَاو
فِي: (وَنحن بِالْيمن) للْحَال. قَوْله: (فَرَكبْنَا
السَّفِينَة) أَي: لنصل إِلَى مَكَّة. قَوْله:
(فَأَلْقَتْنَا سَفِينَتنَا إِلَى النَّجَاشِيّ) أَرَادَ
أَن الرّيح هاج عَلَيْهِم فَمَا ملكوا أَمرهم حَتَّى
أوصلهم إِلَى بِلَاد الْحَبَشَة. قَوْله: (فَوَافَقنَا) ،
بِالْفَاءِ وَسُكُون الْقَاف فِي الْمَوْضِعَيْنِ. فَإِن
قلت: روى أَحْمد بِإِسْنَاد حسن عَن ابْن مَسْعُود، قَالَ:
(بعثنَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى
النَّجَاشِيّ وَنحن نَحوا من ثَمَانِينَ رجلا فيهم: عبد
الله بن مَسْعُود وجعفر بن أبي طَالب عبد الله بن عرفطة
وَعُثْمَان بن مَظْعُون وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ،
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم) الحَدِيث. قلت: الْمَذْكُور
هُنَا هُوَ الصَّحِيح، وَمَعَ هَذَا فقد يُمكن الْجمع على
تَقْدِير صِحَة الْخَبَرَيْنِ بِأَن يكون أَبُو مُوسَى
هَاجر أَولا إِلَى مَكَّة فَأسلم، فَبَعثه النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، مَعَ من بعث إِلَى الْحَبَشَة فَتوجه
هُوَ إِلَى بِلَاد قومه وهم مُقَابل الْحَبَشَة من
الْجَانِب الشَّرْقِي، فَلَمَّا تحققوا اسْتِقْرَار
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه
بِالْمَدِينَةِ هَاجر هُوَ وَمن أسلم من قومه، فألقتهم
السَّفِينَة لأجل هيجان الرّيح إِلَى الْحَبَشَة فعلى
هَذَا معنى قَوْله: (بلغنَا مخرج النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم) أَي: خُرُوجه إِلَى الْمَدِينَة، وَلَيْسَ
الْمَعْنى: بلغنَا مبعثه، لِأَنَّهُ يبعد جدا أَن
يتَأَخَّر بعد علمه بمبعثه سِنِين عديدة. قَوْله: (حِين
افْتتح خَيْبَر) ، كَانَ افْتِتَاح خَيْبَر فِي سنة سبع،
وَعَن الزُّهْرِيّ: فِي سنة سِتّ، وَفِي مُسلم:
(فَوَافَقنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حِين
افْتتح خَيْبَر، فَأَسْهم لنا، أَو قَالَ: فأعطانا مِنْهَا
وَمَا قسم لأحد غَابَ عَن فتح خَيْبَر مِنْهَا شَيْئا
إلاَّ لمن شهد مَعَه إلاَّ أَصْحَاب سَفِينَتنَا مَعَ
جَعْفَر وَأَصْحَابه قسم لَهُم مَعَهم) . قَوْله: (لَكِن
أَنْتُم يَا أهل السَّفِينَة هجرتان) ، يَعْنِي هِجْرَة من
مَكَّة إِلَى الْحَبَشَة وهجرة من الْحَبَشَة، إِلَى
الْمَدِينَة، وَأما الَّذين لم يهاجروا إِلَى الْحَبَشَة
فَلَيْسَ لَهُم إلاَّ هِجْرَة وَاحِد من الْمَدِينَة إِلَى
مَكَّة. |