عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 38 - (بابُ مَوْتِ النَّجاشِيِّ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان موت النَّجَاشِيّ صَاحب
الْحَبَشَة، وَقد مر تَفْسِير النَّجَاشِيّ عَن قريب.
فَإِن قلت: كَانَ موت النَّجَاشِيّ بعد الْهِجْرَة سنة
سبع، وَقيل: سنة ثَمَان، وَالْأول قَول الْأَكْثَرين،
فَمَا وَجه ذكره هُنَا؟ قلت: ذكره هُنَا اسْتِطْرَادًا
لكَون الْمُسلمين هَاجرُوا.
3877 - حدَّثنا أبُو الرَّبِيعِ حدَّثنا ابنُ عُيَيْنَةَ
عنِ ابنِ جُرَيْجٍ عنْ عَطَاءٍ عنْ جابِرٍ رَضِي الله
تَعَالَى عنهُ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
حِينَ ماتَ النَّجَاشِيُّ ماتَ اليَوْمَ رَجُلٌ صالِحٌ
فقُومُوا فصَلُّوا علَى أخِيكُمْ أصْحَمَةَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، أخبر بِمَوْتِهِ، وَأمرهمْ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ
وَلَيْسَ فِيهِ تَارِيخ مَوته. وَأَبُو الرّبيع هُوَ
سُلَيْمَان بن دَاوُد، وَابْن عُيَيْنَة سُفْيَان، وَابْن
جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج، وَعَطَاء
هُوَ ابْن أبي رَبَاح. والْحَدِيث مضى فِي كتاب
الْجَنَائِز فِي: بَاب الصُّفُوف على الْجِنَازَة، وَمر
الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله: (أَصْحَمَة) ، بِفَتْح
الْهمزَة وَسُكُون الصَّاد الْمُهْملَة وَبِالْحَاءِ
الْمُهْملَة، وَقيل بِالْمُعْجَمَةِ وَفتح الْمِيم، وَهُوَ
اسْم النَّجَاشِيّ ملك الْحَبَشَة، آمن برَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم غَائِبا عَنهُ، وَتَفْسِيره
بِالْعَرَبِيَّةِ: عَطِيَّة.
3878 - حدَّثنا عبْدُ الأعْلَى بنُ حَمَّادٍ حدَّثنا
يَزيدُ بنُ زُرَيْعٍ حدَّثنا سَعِيدٌ حدَّثنا قتَادَةُ
أنَّ عَطاءً حدَّثَهُمْ عنْ جابِرِ بنِ عَبْدِ الله
الأنْصَارِيِّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ نَبِيَّ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلَّى علَى النَّجاشِيِّ
فصَفَّنا ورَاءَهُ فكُنْتُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي أوِ
الثَّالِثِ. .
(17/15)
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، صلى على النَّجَاشِيّ
بعد إخْبَاره بِمَوْتِهِ، وَسَعِيد هُوَ ابْن أبي عرُوبَة.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْجَنَائِز فِي: بَاب من صف
صفّين أَو ثَلَاثَة على الْجِنَازَة. قَوْله: (فصفنا)
بِفَتْح الصَّاد وَتَشْديد الْفَاء الْمَفْتُوحَة،
وَالضَّمِير الْمَرْفُوع فِيهِ يرجع إِلَى رَسُول الله،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
3879 - حدَّثني عَبْدُ الله بنُ أبِي شيبَةَ حدَّثَنَا
يَزِيدُ بنُ هَارُونَ عنْ سَلِيمِ بنِ حَيَّانَ حدَّثَنا
سَعِيدُ بنُ ميِنَاءَ عنْ جابِرِ بنِ عَبْدِ الله رَضِي
الله تَعَالَى عنهُما أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم صلَّى على أصْحَمَةِ النَّجَاشي فَكَبَّرَ عَلَيْهِ
أرْبَعاً. .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم صلى على النَّجَاشِيّ بعد اخباره
بِمَوْتِهِ وَسَعِيد هُوَ ابْن ابي عُرْوَة، والْحَدِيث
مضى فِي كتاب الْجَنَائِز فِي بَاب من صف صفّين أَو
ثَلَاثَة على الْجِنَازَة قَوْله فصفنا بِفَتْح الصَّاد
وَتَشْديد الْفَاء الْمَفْتُوحَة وَالضَّمِير الْمَرْفُوع
فِيهِ يرجع إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
ح دثني عبد الله بن أبي شيبَة حَدثنَا يزِيد بن هَارُون
عَن مُسلم بن حَيَّان حَدثنَا سعيد بن ميناء عَن جَابر بن
عبد الله رَضِي الله عَنْهُمَا (أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم صلى على أَصْحَمَة النَّجَاشِيّ فَكبر
عَلَيْهِ أَرْبعا)
مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مُطَابقَة مَا قبله. وَيزِيد
هُوَ ابْن هَارُون، وسليم، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة
وَكسر اللَّام: ابْن حَيَّان من الْحَيَاة ضد الْمَوْت
وَسَعِيد بن ميناء، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْيَاء آخر
الْحُرُوف وبالنون ممدوداً ومقصوراً. والْحَدِيث مضى فِي
الْجَنَائِز فِي: بَاب التَّكْبِير على الْجِنَازَة
أَرْبعا فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن مُحَمَّد بن سِنَان
عَن سليم بن حَيَّان ... الخ.
(تابَعَهُ عَبْدُ الصَّمَدِ)
أَي: تَابع يزِيد بن هَارُون عبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث
فِي رِوَايَته إِيَّاه عَن سليم بن حَيَّان، وَقد مضى فِي
الْجَنَائِز بَيَان من وَصله.
ح دثني عبد الله بن أبي شيبَة حَدثنَا يزِيد بن هَارُون
عَن مُسلم بن حَيَّان حَدثنَا سعيد بن ميناء عَن جَابر بن
عبد الله رَضِي الله عَنْهُمَا (أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم صلى على أَصْحَمَة النَّجَاشِيّ فَكبر
عَلَيْهِ أَرْبعا)
مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مُطَابقَة مَا قبله. وَيزِيد
هُوَ ابْن هَارُون، وسليم، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة
وَكسر اللَّام: ابْن حَيَّان من الْحَيَاة ضد الْمَوْت
وَسَعِيد بن ميناء، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْيَاء آخر
الْحُرُوف وبالنون ممدوداً ومقصوراً. والْحَدِيث مضى فِي
الْجَنَائِز فِي: بَاب التَّكْبِير على الْجِنَازَة
أَرْبعا فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن مُحَمَّد بن سِنَان
عَن سليم بن حَيَّان ... الخ.
(تابَعَهُ عَبْدُ الصَّمَدِ)
أَي: تَابع يزِيد بن هَارُون عبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث
فِي رِوَايَته إِيَّاه عَن سليم بن حَيَّان، وَقد مضى فِي
الْجَنَائِز بَيَان من وَصله.
3880 - حدَّثنا زهَيْرُ بنُ حَرْبٍ حدَّثنا يَعْقُوبُ بنُ
إبْرَاهِيمَ حدَّثنا أبي عنْ صالِحٍ عنِ ابنِ شِهابٍ قَالَ
حدَّثني أبُو سلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وابنُ
المُسَيَّبِ أنَّ أبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى
عنهُ أخْبَرَهُمَا أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم نعَى لَهُمْ النَّجَاشِيَّ صاحِبَ الحَبَشَةِ فِي
اليَوْمِ الَّذِي ماتَ فيهِ وَقَالَ اسْتَغْفِرُوا
لأِخِيكُمْ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم
يروي عَن أَبِيه إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف،
أَصله مدنِي كَانَ بالعراق، وَصَالح هُوَ ابْن كيسَان مؤدب
ولد عمر بن عبد الْعَزِيز، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
وَابْن شهَاب مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَابْن
الْمسيب هُوَ سعيد بن الْمسيب، والْحَدِيث مضى فِي
الْجَنَائِز فِي: بَاب الصَّلَاة على الْجِنَازَة بالمصلى،
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث
عَن عقيل عَن ابْن شهَاب ... إِلَخ. قَوْله: (نعى) ، من
نعى الْمَيِّت ينعاه نعياً، إِذا أذاع مَوته وَأخْبر بِهِ
وَإِذا نَدبه.
3881 - وعَنْ صالِحٍ عنِ ابنِ شِهابٍ قَالَ حدَّثني
سَعِيدُ بنُ الْمُسَيَّبِ أنَّ أبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله
تَعَالَى عنهُ أخْبَرَهُمْ أنَّ رسُولَ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم صَفَّ بِهِمْ فِي المُصَلَّى فَصَلَّى
عَلَيْهِ وكَبَّرَ أرْبَعَاً. .
أَي: عَن صَالح بن كيسَان الْمَذْكُور، وَهُوَ مَعْطُوف
على الْإِسْنَاد الأول الْمَوْصُوف. قَوْله: (حَدثنِي
أَبُو سَلمَة وَسَعِيد بن الْمسيب) ، هَكَذَا هُوَ فِي
رِوَايَة الْكشميهني وَحده، وَفِي رِوَايَة غَيره: حَدثنِي
سعيد، هُوَ ابْن الْمسيب وَذكر أبي سَلمَة زَائِدا لم
يُتَابع عَلَيْهِ.
39 - (بابُ تَقَاسُمِ المُشْرِكِينَ علَى النَّبيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان تقاسم الْمُشْركين، أَي:
تحالفهم على أَن يجتمعوا ويقتلوا النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، على مَا ذكره أَصْحَاب السّير، فحماه الله
تَعَالَى وَنَصره عَلَيْهِم.
3882 - حدَّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله قَالَ
حدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ
أبِي سلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ
رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ رسُولُ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم حينَ أرَادَ حُنَيْناً مَنزِلنا غَدا
إنْ شاءَ الله بِخيْفِ بَنِي كِنانَةَ حيْثُ تَقاسَمُوا
علَى الكُفْرِ. .
(17/16)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (حَيْثُ
تقاسموا على الْكفْر) وتقاسمهم على الْكفْر هُوَ تقاسمهم
على قتل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ من أعظم
الْكفْر وأشده. والْحَدِيث مضى فِي: بَاب نزُول النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة، فَإِنَّهُ أخرجه
هُنَاكَ: عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ
... إِلَخ. فَإِن قلت: لَفظه هُنَاكَ: حِين أَرَادَ قدوم
مَكَّة، وَهنا: حِين أَرَادَ حنيناً، أَي: حِين قصد
غَزْوَة حنين، والخيف مَا انحدر من غلظ الْجَبَل، وارتفع
عَن مسيل المَاء، وَفِيه مَسْجِد الْخيف. قلت: لَا
مُعَارضَة بَينهمَا لِأَنَّهُ يحمل على أَنه قَالَ: حِين
أَرَادَ دُخُول مَكَّة فِي غَزْوَة الْفَتْح، وَفِي ذَلِك
الْقدوم غزا حنيناً. فَإِن قلت: قد تقدم أَيْضا من طَرِيق
الْأَوْزَاعِيّ عَن الزُّهْرِيّ بِلَفْظ: قَالَ رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْغَد يَوْم النَّحْر
وَهُوَ بمنى: نَحن نازلون غَدا ... الحَدِيث، وَهَذَا يدل
على أَنه قَالَه فِي حجَّة الْوَدَاع. قلت: يحمل على
التَّعَدُّد، وَالله أعلم.
40 - (بابُ قِصةِ أبي طالِبٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قصَّة أبي طَالب واسْمه عبد
منَاف واشتهر بكنيته، وَهُوَ شَقِيق وَالِد النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلذَلِك أوصى بِهِ عبد الْمطلب
عِنْد مَوته إِلَيْهِ فَكَفَلَهُ إِلَى أَن كبر وَاسْتمرّ
على نَصره بعد أَن بعث إِلَى أَن مَاتَ قبل الْهِجْرَة،
وَله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، خَمْسُونَ سنة إلاَّ
ثَلَاثَة أشهر وأياماً، وَيُقَال: مَاتَ بعد خُرُوجهمْ من
الشّعب وَذَلِكَ فِي آخر السّنة الْعَاشِرَة.
3883 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا يَحْيَى عنْ سُفْيانَ
حدَّثنا عَبْدُ المَلِكِ حدَّثنا عبْدُ الله بنُ الحارِثِ
حدَّثنا العَبَّاسُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ رَضِي الله
تَعَالَى عنهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
مَا أغْنَيْتَ عنْ عَمِّكَ فإنَّهُ كانَ يَحُوطُكَ
ويَغْضَبُ لكَ قَالَ هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نارٍ
ولَوْلاَ أنَا لَكانَ فِي الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ
النَّارِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ بعض قصَّة أبي
طَالب، وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وسُفْيَان هُوَ
الثَّوْريّ، وَعبد الْملك هُوَ ابْن عُمَيْر، وَعبد الله
بن الْحَارِث بن نَوْفَل بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب،
وعباس عَم جده.
والْحَدِيث أخرجه أَيْضا فِي الْأَدَب عَن مُوسَى بن
إِسْمَاعِيل. وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن مُحَمَّد
بن أبي بكر وَعبيد الله بن عَمْرو مُحَمَّد بن عبد الْملك
وَعَن مُحَمَّد بن حَاتِم وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة
وَعَن مُحَمَّد بن يحيى.
قَوْله: (مَا أغنيت عَن عمك) ، أَي: أَي شَيْء دَفعته
عَنهُ وماذا نفعته؟ قَوْله: (يحوطك) ، من حاطه إِذا صانه
وَحفظه وذب عَنهُ وتوفر على مَصَالِحه. قَوْله: (فِي
ضحضاح) ، بِفَتْح الضادين المعجمتين وَسُكُون الْحَاء
الْمُهْملَة الأولى، وَهُوَ قريب القعر، وضحضح الشَّرَاب
إِذا دق، وَيُقَال: هُوَ اسْتِعَارَة، فَإِن الضحضاح من
المَاء مَا يبلغ الكعب، وَيُقَال أَيْضا لما قرب من
المَاء، وَالْمعْنَى أَنه خفف عَنهُ الْعَذَاب. وروى
الْبَزَّار من حَدِيث جَابر، قيل للنَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: هَل نَفَعت أَبَا طَالب؟ قَالَ: أخرجته من
النَّار إِلَى ضحضاح مِنْهَا. قَوْله: (فِي الدَّرك) ،
بِفَتْح الرَّاء وسكونها وَفِيه التَّصْرِيح بتفاوت عَذَاب
أهل النَّار، فَإِن قلت: أَعمال الْكَفَرَة هباء منثوراً
لَا فَائِدَة فِيهَا. قلت: هَذَا النَّفْع من بركَة رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وخصائصه. فَإِن قلت: روى
ابْن إِسْحَاق من حَدِيث ابْن عَبَّاس أَن أَبَا طَالب لما
تقَارب مِنْهُ الْمَوْت بعد أَن عرض عَلَيْهِ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن يَقُول: لَا إلاه إلاَّ الله،
فَأبى، فَنظر الْعَبَّاس إِلَيْهِ وَهُوَ يُحَرك شَفَتَيْه
فأصغى إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا ابْن أخي! وَالله لقد قَالَ
أخي الْكَلِمَة الَّتِي أَمرته أَن يَقُولهَا. قلت: فِي
سَنَده من لم يسم، وَلَو كَانَ صَحِيحا لعارضه حَدِيث
الْبَاب لِأَنَّهُ أصح مِنْهُ، فضلا عَن أَنه لم يَصح.
3884 - حدَّثنا مَحْمُودٌ حدَّثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ
أخْبَرَنا معْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنِ ابنِ المُسَيَّبِ
عنْ أبِيهِ أنَّ أَبَا طالِبٍ لَّما حضَرَتْهُ الوَفاةُ
دخَلَ علَيْهُ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وعِنْدَهُ أبُو جَهْلٍ فَقالَ أيْ عَمِّ قُلْ لَا إلاه
إلاَّ الله كَلِمَةَ أُحاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ الله
فَقَالَ أبُو جَهْلٍ وعَبْدُ الله بنُ أبِي أُمَيَّةَ يَا
أَبَا طَالِبٍ أتَرْغَبُ
(17/17)
عنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فلَمْ
يَزالا يُكَلِّمَانِهِ حتَّى قَالَ آخِرَ شَيْءٍ
كُلَّمهُمْ بِهِ علَى مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ فَقَالَ
النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأسْتَغْفِرَنَّ لَكَ
مَا لَمْ أُنْهَ عنْهُ فنَزَلَتْ {مَا كانَ لِلنَّبِيِّ
والَّذِينَ آمَنُوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ
ولَوْ كانُوا أولِي قُرْبَى منْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ
لَهُمْ أنَّهُمْ أصْحَابُ الجَحِيم} (التَّوْبَة: 113) .
فنَزَلَتْ {مَا كَانَ للنَّبِي} الْآيَة قيل فِي نزُول
هَذِه الْآيَة فِي هَذِه الْقِصَّة نظر لِأَنَّهَا عَامَّة
فِي حَقه وَحقّ غَيره قَوْله {إنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ
أحْبَبْتَ} (الْقَصَص: 56) . .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. ومحمود هُوَ ابْن غيلَان
أَبُو أَحْمد الْعَدوي الْمروزِي، وَابْن الْمسيب هُوَ
سعيد يروي عَن أَبِيه الْمسيب ابْن حزن بن أبي وهب
الْقرشِي المَخْزُومِي، وَقيل: قَالَ الْحفاظ: لم يرو عَن
الْمسيب إلاَّ سعيد، وَالْمَشْهُور من شَرط البُخَارِيّ
أَنه لَا يروي عَمَّن لَهُ راوٍ وَاحِد. وَأجِيب:
بِأَنَّهُ لَعَلَّه أَرَادَ من غير الصَّحَابَة، رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهُم.
قَوْله: (لما حَضرته الْوَفَاة) ، أَي: قربت وَفَاته
وَظَهَرت علاماتها وَذَلِكَ قبل النزع والغرغرة. قَوْله:
(وَعِنْده أَبُو جهل) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال، وَأَبُو
جهل هُوَ عَمْرو ابْن هِشَام بن الْمُغيرَة المَخْزُومِي،
عَدو الله فِرْعَوْن هَذِه الْأمة. قَوْله: (أَي عَم) ،
أَي: يَا عمي. قَوْله: (كلمة) ، مَنْصُوب لِأَنَّهُ بدل من
مقول القَوْل الَّذِي هُوَ: لَا إلاه إلاَّ الله. قَوْله:
(أحاجّ) ، بتَشْديد الْجِيم، وَأَصله: أحاجج، وَقد تقدم
فِي آخر الْجَنَائِز بِلَفْظ: أشهد لَك بهَا عِنْد الله.
قَوْله: (بهَا) أَي: بِهَذِهِ الْكَلِمَة. قَوْله: (وَعبد
الله بن أبي أُميَّة) ، هُوَ ابْن الْمُغيرَة بن عبد الله
بن عَمْرو بن مَخْزُوم، وَهُوَ أَخُو أم سَلمَة الَّتِي
تزَوجهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بعد ذَلِك،
وَقد أسلم عبد الله هَذَا يَوْم الْفَتْح، وَقيل: قبل
الْفَتْح، وَاسْتشْهدَ فِي تِلْكَ السّنة فِي غَزْوَة
حنين. قَوْله: (أترغب؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على
سَبِيل الاستخبار. قَوْله: (فَلم يَزَالَا) أَي: أَبُو جهل
وَعبد الله الْمَذْكُور. قَوْله: (يكلمانه) ، ويروى:
يُكَلِّمَاهُ، بِإِسْقَاط النُّون على لُغَة قَليلَة
قَوْله: (على مِلَّة) خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: أَنا على
مِلَّة عبد الْمطلب أَي: على مَا كَانَ يَعْتَقِدهُ من غير
دين الْإِسْلَام. قَوْله: (مَا لم أُنْهَ) بِضَم الْهمزَة
وَسُكُون النُّون على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: مَا لم
ينهني الله عَنهُ، أَي: عَن الاسْتِغْفَار الْمَذْكُور
الَّذِي دلّ عَلَيْهِ. قَوْله: (لأَسْتَغْفِرَن لَك)
قَوْله: وَنزلت: {إِنَّك لَا تهدي من أَحْبَبْت}
(الْقَصَص: 56) . هَذَا ظَاهر أَنه نزل فِي قصَّة أبي
طَالب، وروى أَحْمد من طَرِيق أبي حَازِم عَن أبي
هُرَيْرَة فِي قصَّة أبي طَالب، قَالَ: فَأنْزل الله:
{إِنَّك لَا تهدي من أَحْبَبْت} (الْقَصَص: 56) . وَهَذَا
كُله ظَاهر على أَنه مَاتَ على غير الْإِسْلَام. فَإِن
قلت: ذكر السُّهيْلي أَنه رأى فِي بعض كتب المَسْعُودِيّ
أَنه أسلم. قلت: مثل هَذَا لَا يُعَارض مَا فِي الصَّحِيح،
وَالله أعلم.
3885 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ حدَّثنا اللَّيْثُ
حدَّثنا ابنُ الْهادِ عنْ عَبْدِ الله بنِ خَبَّابٍ عنْ
أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّهُ
سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وذُكِرَ
عِنْدَهُ عَمَّهُ فَقال لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي
يَوْمَ القِيَامَةِ فَيُجْعَلُ فِي ضَحْضَاحٍ مِنَ
النَّارِ يبْلُغُ كَعْبَيْهِ يَغْلي مِنْهُ دِماغُهُ.
(الحَدِيث 3885 طرفه فِي: 6564) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه من جملَة قصَّة مَا
أخبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذَا
الحَدِيث، وَابْن الْهَاد هُوَ يزِيد بن عبد الله بن
أُسَامَة ابْن الْهَاد اللَّيْثِيّ، وَعبد الله بن خباب،
بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْبَاء
الْمُوَحدَة الأولى: الْأنْصَارِيّ التَّابِعِيّ، وَأَبُو
سعيد الْخُدْرِيّ سعد بن مَالك بن سِنَان الْخُدْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الْأَيْمَان عَن
قُتَيْبَة عَن اللَّيْث بِهِ. قَوْله: (وَذكر عِنْده) على
صِيغَة الْمَجْهُول، وَالْوَاو فِيهِ للْحَال، وَقَالَ
بَعضهم: يُؤْخَذ من الحَدِيث الأول أَن الذاكر هُوَ
الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب، لِأَنَّهُ الَّذِي سَأَلَ عَن
ذَلِك. قلت: لَا يلْزم من ذَلِك أَن يكون الذاكر هُوَ
الْعَبَّاس لاحْتِمَال أَن يكون الذاكر غَيره. قَوْله:
(يبلغ كعبيه) قَالَ السُّهيْلي: الْحِكْمَة فِيهِ أَن
أَبَا طَالب كَانَ تَابعا لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، بجملته إلاَّ أَنه اسْتمرّ ثَابت الْقدَم على دين
قومه، فَسلط الْعَذَاب على قَدَمَيْهِ خَاصَّة لتثبيته
إيَّاهُمَا على دين قومه.
368 - (حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن حَمْزَة حَدثنَا ابْن أبي
حَازِم والدراوردي عَن يزِيد
(17/18)
بِهَذَا وَقَالَ تغلي مِنْهُ أم دماغه)
هَذَا طَرِيق آخر عَن إِبْرَاهِيم بن حَمْزَة أبي اسحق
الربيري الْأَسدي الْمَدِينِيّ وَهُوَ من أَفْرَاده وَابْن
أبي حَازِم هُوَ عبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم واسْمه
سَلمَة بن دِينَار والدراوردي هُوَ عبد الْعَزِيز بن
مُحَمَّد روى لَهُ البُخَارِيّ مَقْرُونا بِغَيْرِهِ هُنَا
وَفِي مَوَاضِع وروى لَهُ مُسلم وَكِلَاهُمَا يرويان عَن
يزِيد بن الْهَاد الْمَذْكُور فِي الحَدِيث السَّابِق
قَوْله بِهَذَا أَي بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور وَلَفظه تغلي
مِنْهُ أم دماغه أَي أصل دماغه وَقَالَ الدَّرَاورْدِي
المُرَاد أم رَأسه وَأطلق على الرَّأْس الدِّمَاغ من
تَسْمِيَة الشَّيْء بِمَا يُقَارِبه وَجَاء فِي الرقَاق من
حَدِيث النُّعْمَان بن بشير نَحوه وَفِي آخِره كَمَا يغلي
الْمرجل بالقمقم والمرجل بِكَسْر الْمِيم وَفتح الْجِيم
الْإِنَاء الَّذِي يغلي فِيهِ المَاء وَغَيره والقمقم
بِضَم القافين وَسُكُون الْجِيم الأولى مَعْرُوف وَهُوَ
الَّذِي يسخن فِيهِ المَاء قَالَ ابْن الْأَثِير كَذَا
وَقع كَمَا يغلي الْمرجل والقمقم وَهَذَا أوضح إِن صحت
الرِّوَايَة وَقيل يحْتَمل أَن تكون الْبَاء بِمَعْنى مَعَ
وَقيل القمقم هُوَ الْبُسْر كَانُوا يغلونه على النَّار
استعجالا لنضجه فَإِن ثَبت هَذَا فَلَا يبْقى إِشْكَال
وَفِيه دَلِيل على أَن الْعَذَاب متفاوت وَجَاء فِي
رِوَايَة ابْن إِسْحَاق أَهْون أهل النَّار عذَابا من
ينتعل نَعْلَيْنِ من نَار يغلي مِنْهُمَا دماغه حَتَّى
يسيل على قَدَمَيْهِ
(بَاب حَدِيث الْإِسْرَاء)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا جَاءَ فِي حَدِيث
الْإِسْرَاء من الْقُرْآن والْحَدِيث
(وَقَول الله تَعَالَى {سُبْحَانَ الَّذِي أسرى بِعَبْدِهِ
لَيْلًا من الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد
الْأَقْصَى} ) وَقَول الله بِالْجَرِّ عطف على حَدِيث
الْإِسْرَاء قَوْله سُبْحَانَ علم للتسبيح كعثمان علم
للرجل وَأَصله للتنزيه وَالْمعْنَى أسبح الله الَّذِي أسرى
بِعَبْدِهِ أَي أنزهه من جَمِيع النقائص والعيوب قَوْله
بِعَبْدِهِ وَالْمرَاد بِهِ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَإِنَّمَا لم يقل بِرَسُولِهِ أَو
نبيه إِشَارَة إِلَى أَنه مَعَ هَذَا الْإِكْرَام الَّذِي
أكْرمه الله تَعَالَى وَهَذَا التَّعْظِيم الَّذِي عظمه
الله بِهِ هُوَ عَبده ومخلوقه لِئَلَّا يتغالوا فِيهِ
كَمَا تغالت النَّصَارَى فِي الْمَسِيح حَيْثُ قَالُوا
أَنه ابْن الله وكما تغالى طَائِفَة من الْيَهُود فِي
عُزَيْر عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام حَيْثُ قَالُوا
أَنه ابْن الله تَعَالَى وتعظم أَن يكون لَهُ ابْن بل هُوَ
وَاحِد أحد فَرد صَمد لَيْسَ بأب وَلَا بِابْن قَوْله أسرى
مَأْخُوذ من السرى وَهُوَ سير اللَّيْل يُقَال أسرى وسرى
إِذا سَار لَيْلًا وَكِلَاهُمَا بِمَعْنى وَاحِد عِنْد
الْأَكْثَرين وَقَالَ الحوفي أسرى سَار لَيْلًا وسرى سَار
نَهَار وَقيل أسرى سَار من أول اللَّيْل وسرى سَار من
آخِره وَمعنى أسرى بِهِ أَي جعل الْبراق ساريا بِهِ من
الْمَسْجِد الْحَرَام وَهُوَ مَسْجِد مَكَّة إِلَى
الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَهُوَ مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس
قَوْله لَيْلًا ظرف للإسراء وَهُوَ للتَّأْكِيد
وَفَائِدَته دفع توهم الْمجَاز لِأَن الْإِسْرَاء قد يُطلق
على سير النَّهَار كَمَا ذَكرْنَاهُ وَيُقَال هُوَ
إِشَارَة إِلَى أَن ذَلِك وَقع فِي بعض اللَّيْل لَا فِي
جَمِيعه وَالْعرب تَقول أسرى فلَان لَيْلًا إِذا سَار بعضه
وسرى ليله إِذا سَار جَمِيعه فَإِن قلت مَا الْحِكْمَة فِي
إسرائه إِلَى بَيت الْمُقَدّس ثمَّ إِلَى السَّمَوَات
فَهَلا أسرِي بِهِ من الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى
السَّمَوَات قلت ليجمع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - فِي تِلْكَ اللَّيْلَة بَين رُؤْيَة الْقبْلَتَيْنِ
أَو لِأَن بَيت الْمُقَدّس كَانَ هِجْرَة غَالب
الْأَنْبِيَاء قبله فَرَحل إِلَيْهِ ليجمع بَين أشتات
الْفَضَائِل أَو لِأَنَّهُ مَحل الْمَحْشَر وغالب مَا
اتّفق لَهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَة يُنَاسب الْأَحْوَال
الأخروية وَكَانَ الْإِسْرَاء إِلَيْهِ فَإِن قلت هَل
كَانَت لَيْلَة الْإِسْرَاء هِيَ لَيْلَة الْمِعْرَاج
أَيْضا أَو هما متغايرتان قلت قَالَ ابْن دحْيَة مَال
البُخَارِيّ إِلَى أَنَّهُمَا متغايرتان لِأَنَّهُ أفرد
لكل مِنْهُمَا تَرْجَمَة ورد عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا
دلَالَة فِي ذَلِك على التغاير عِنْده بل كَلَامه فِي أول
الصَّلَاة ظَاهر فِي اتحادهما لِأَنَّهُ ترْجم بَاب كَيفَ
فرضت الصَّلَاة لَيْلَة الْإِسْرَاء وَالصَّلَاة إِنَّمَا
فرضت فِي الْمِعْرَاج فَدلَّ على اتحادهما عِنْده قلت
فِيهِ تَأمل وَاخْتلف السّلف فِي هَذَا فَمنهمْ من ذهب
إِلَى أَنَّهُمَا وَقعا فِي لَيْلَة وَاحِدَة فِي
الْيَقَظَة بجسده وروحه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - بعد المبعث وَهَذَا مَذْهَب الْجُمْهُور من
عُلَمَاء الْمُحدثين وَالْفُقَهَاء والمتكلمين وَمِنْه من
ذهب إِلَى أَن الْإِسْرَاء كَانَ فِي لَيْلَة والمعراج فِي
لَيْلَة وَمِنْهُم من ذهب إِلَى أَن ذَلِك كُله وَقع
مرَّتَيْنِ مرّة فِي الْمَنَام تَوْطِئَة وتمهيدا وَمرَّة
ثَانِيَة فِي الْيَقَظَة فَقَالُوا الْإِسْرَاء فِي
الْيَقَظَة والمعراج فِي الْمَنَام وَالَّذين قَالُوا
الْإِسْرَاء
(17/19)
فِي لَيْلَة والمعراج فِي لَيْلَة أُخْرَى
وأنهما فِي الْيَقَظَة قَالُوا فِي الأول رَجَعَ من بَيت
الْمُقَدّس وَفِي صبيحته أخبر قُريْشًا بِمَا وَقع وَفِي
الثَّانِي أسرِي بِهِ إِلَى بَيت الْمُقَدّس ثمَّ عرج بِهِ
من ليلته إِلَى السَّمَاء إِلَى آخر مَا وَقع وَمِنْهُم من
قَالَ بِوُقُوع الْمِعْرَاج مرَارًا مِنْهُم الإِمَام
أَبُو شامة واستندوا فِي ذَلِك إِلَى مَا أخرجه الْبَزَّار
وَسَعِيد بن الْمَنْصُور من طَرِيق أبي عمرَان الْجونِي
عَن أنس رَفعه قَالَ بَينا أَنا جَالس إِذْ جَاءَ جِبْرِيل
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَوَكَزَ بَين كَتِفي
فقمنا إِلَى صَخْرَة مثل وَكري الطَّائِر فَقَعَدت فِي
أَحدهمَا وَقعد جِبْرِيل فِي الآخر فارتفعت حَتَّى سدت
الْخَافِقين الحَدِيث وَفِيه فتح لي بَاب من السَّمَاء
وَرَأَيْت النُّور الْأَعْظَم قيل الظَّاهِر أَنَّهَا
وَقعت فِي الْمَدِينَة -
3886 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ حدَّثنا اللَّيْثُ
عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهابٍ حدَّثني أبُو سلَمَةَ بنُ
عَبْدِ الرَّحْمانِ سَمِعْتُ جابِرَ بنَ عَبْدِ الله رَضِي
الله تَعَالَى عنهُما أنَّهُ سَمِعَ رسُولَ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ لَمَّا كَذَّبَنِي قُرَيْشٌ قُمْتُ
فِي الحِجْر فجَلاَ الله لِي بَيْتَ المَقْدِسِ فَطَفِقْتُ
أُخْبِرُهُمْ عنْ آيَاتِهِ وأنَا أنْظُرُ إلَيْهِ.
(الحَدِيث 3886 طرفه فِي: 4710) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه مُشْتَمل على بعض
مَا وَقع فِي الْإِسْرَاء، وَرِجَاله قد تكَرر ذكرهم.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن
أَحْمد بن صَالح، وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن
قُتَيْبَة عَن لَيْث بِهِ. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ
وَالنَّسَائِيّ جَمِيعًا فِي التَّفْسِير عَن قُتَيْبَة
بِهِ.
قَوْله: (أَبُو سَلمَة: سَمِعت جَابر بن عبد الله) كَذَا
هُوَ فِي رِوَايَة الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة، وَخَالفهُ
عبد الله بن الْفضل عَن أبي سَلمَة فَقَالَ: عَن أبي
هُرَيْرَة، أخرجه مُسلم وَهُوَ مَحْمُول على أَن لأبي
سَلمَة فِيهِ شيخين، لِأَن فِي رِوَايَة عبد الله بن
الْفضل زِيَادَة لَيست فِي رِوَايَة الزُّهْرِيّ. قَوْله:
(لما كَذبَنِي) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: كذبتني،
بِزِيَادَة تَاء التَّأْنِيث، أَي: كذبتني فِي
الْإِسْرَاء: {من الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد
الْأَقْصَى} (الْإِسْرَاء: 1) . قَوْله: (قُمْت فِي
الْحجر) ، بِكَسْر الْحَاء وَهُوَ مَا تَحت ميزاب
الرَّحْمَة وَهُوَ من جِهَة الشَّام. قَوْله: (فجلا لي
الله بَيت الْمُقَدّس) أَي: كشف الْحجب بيني وَبَينه
حَتَّى رَأَيْته، وَوَقع فِي رِوَايَة عبد الله بن الْفضل
عَن أبي سَلمَة عِنْد مُسلم، قَالَ: فسألوني عَن أَشْيَاء
لم أثبتها، فكربت كرباً لم أكرب مثله قطّ، فرفعه الله
إِلَيّ أنظر إِلَيْهِ، مَا يَسْأَلُونِي عَن شَيْء إلاَّ
أنبأتهم بِهِ، قَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَنه حمل إِلَى
مَوضِع بِحَيْثُ يرَاهُ ثمَّ أُعِيد. قلت: لَا طائل فِي
ذكر الِاحْتِمَال، بل قَوْله: فرفعه الله، يدل قطعا على
أَن الله رَفعه وَوَضعه بَين يَدَيْهِ قطعا، وَالدَّلِيل
عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس، فجيء بِالْمَسْجِدِ
وَأَنا أنظر إِلَيْهِ حَتَّى وضع عِنْد دَار عقيل فنعتُّه
وَأَنا أنظر إِلَيْهِ، وَهَذَا أبلغ فِي المعجزة وَلَا
اسْتِحَالَة فِيهِ، فقد أحضر عرش بلقيس فِي طرفَة عين.
وَفِي حَدِيث أم هانىء عِنْد ابْن سعد: أَنهم قَالُوا
لَهُ: كم لِلْمَسْجِدِ من بَاب؟ قَالَ: وَلم أكن عددتها،
فَجعلت أنظر إِلَيْهِ وأعدها بَابا بَابا، وَفِيه عِنْد
أبي يعلى: أَن الَّذِي سَأَلَهُ عَن صفة بَيت الْمُقَدّس
هُوَ الْمطعم بن عدي وَالِد جُبَير بن مطعم. قَوْله:
(فطفقت أخْبرهُم) بِكَسْر الْفَاء وَسُكُون الْقَاف وَهُوَ
من أَفعَال المقاربة وَمَعْنَاهُ: الْأَخْذ فِي الْفِعْل.
قَوْله: (عَن آيَاته) أَي: علاماته وأوضاعه وأحواله.
قَوْله: (وَأَنا أنظر إِلَيْهِ) أَي: إِلَى بَيت
الْمُقَدّس، وَالْوَاو فِيهِ للْحَال.
42 - (بابُ المِعْرَاجِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْمِعْرَاج، هَكَذَا وَقع فِي
رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: قصَّة
الْمِعْرَاج، أَي: هَذِه قصَّة الْمِعْرَاج، بِكَسْر
الْمِيم. قَالَ بَعضهم: وَحكى ضمهَا. قلت: هَذَا غير
صَحِيح، وَهُوَ من عرج يعرج عروجاً إِذا صعد، قَالَ ابْن
الْأَثِير: الْمِعْرَاج، بِالْكَسْرِ شبه السّلم مفعال من
العروج الصعُود: كَأَنَّهُ آلَة لَهُ، وَاخْتلف فِي وَقت
الْمِعْرَاج، فَقيل: إِنَّه كَانَ قبل المبعث، وَهُوَ شَاذ
إلاَّ إِذا حمل على أَنه وَقع فِي الْمَنَام فَلهُ وَجه،
وَقيل: كَانَ قبل الْهِجْرَة بِسنة، فِي ربيع الأول،
وَهُوَ قَول الْأَكْثَرين، حَتَّى بَالغ ابْن حزم فَنقل
الْإِجْمَاع على ذَلِك، وَقَالَ السّديّ: قبل الْهِجْرَة
بِسنة وَخَمْسَة أشهر، وَأخرجه من طَرِيقه الطَّبَرِيّ
وَالْبَيْهَقِيّ فعلى هَذَا كَانَ فِي شَوَّال، وَحكى ابْن
عبد الْبر: أَنه كَانَ فِي رَجَب، وَجزم بِهِ النَّوَوِيّ،
وَقيل: بِثمَانِيَة عشر شهرا، حَكَاهُ عبد الْبر أَيْضا،
وَقيل: كَانَ قبل الْهِجْرَة بِسنة وَثَلَاثَة أشهر، فعلى
هَذَا يكون فِي ذِي الْحجَّة، وَبِه جزم ابْن فَارس،
وَقيل: كَانَ قبل الْهِجْرَة بِثَلَاث سِنِين،
(17/20)
حَكَاهُ ابْن الْأَثِير، وَحكى عِيَاض عَن
الزُّهْرِيّ: أَنه كَانَ بعد المبعث بِخمْس سِنِين، وروى
ابْن أبي شيبَة من حَدِيث جَابر وَابْن عَبَّاس، رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهُم، قَالَا: ولد رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْإِثْنَيْنِ، وَفِيه بعث، وَفِيه
عرج بِهِ إِلَى السَّمَاء، وَفِيه مَاتَ.
3887 - حدَّثنا هُدْبَةُ بنُ خالِدٍ حدَّثنا هَمَّامُ بنُ
يَحْيَى حدَّثنا قَتادَةُ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ عنْ مالِكِ
بنِ صَعْصَعَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أخبرنَا أنَّ
النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حدَّثَهُمْ عنْ
لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ بَيْنَما أنَا فِي الحَطِيمِ
ورُبَّمَا قَالَ فِي الحِجْرِ مُضْطَجِعَاً إذْ أتَانِي
آتٍ فَقَدَّ قَالَ وسَمِعْتُهُ يَقُولُ فشَقَّ مَا بَيْنَ
هَذِهِ إلَى هَذِهِ فقُلْتُ لِلْجَارُودِ وهْوَ إلَى
جَنْبِي مَا يَعْنِي بِهِ قالَ مِنْ ثُغْرَةِ نَحْرِهِ
إِلَى شِعْرَتِهِ وسَمِعْتُهُ يَقُولُ مِنْ قَصِّهِ إلَى
شِعْرَتِهِ فاسْتَخْرَجَ قَلْبِي ثُمَّ أُتِيتُ بِطُسْتٍ
مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٍ إيِمَانَاً فغُسِلَ قلْبِي ثُمَّ
حُشِيَ ثُمَّ أعِيدَ ثُمَّ أُتِيتُ بِدَابَّةِ دُونَ
البَغْلِ وفَوْقَ الحِمارِ أبْيَضَ فقا لهُ الجَارُودُ
هُوَ البُرَاقُ يَا أبَا حَمْزَةَ قَالَ أنَسٌ نَعَمْ
يَضَعُ خَطْوَهُ عِنْدَ أقْصَى طَرْفِهِ فَحُمِلْتُ
عَليْهِ فانْطَلقَ بِي جِبرِيلُ حتَّى أتَى السَّماءَ
الدُّنْيَا فاسْتَفْتَحَ فَقِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ
جِبرِيلُ قِيلَ ومَنْ معَك قَالَ مُحَمَّدٌ قِيلَ وقَدْ
أُرْسِلَ إلَيْهِ قَالَ نَعَمْ قِيلَ مَرْحَبَاً بِهِ
فنِعْمَ المَجيءُ جاءَ ففَتَحَ فلَمَّا خَلَصْتُ فإذَا
فِيهَا آدَمُ فَقَالَ هاذَا أبُوكَ آدَمُ فسَلمَ عَلَيهِ
فسَلَّمْتُ علَيْهِ فرَدَّ السَّلاَمُ ثُمَّ قالَ
مَرْحَبَاً بالابْنِ الصَّالِحِ والنَّبيِّ الصَّالِحِ
ثُمَّ صَعَدَ حتَّى أتَى السَّماءَ الثَّانِيَةَ
فاسْتَفْتَحَ قِيلَ مَنْ هاذَا قَالَ جِبْرِيلُ قِيلَ
ومَنْ معَك قَالَ مُحَمَّدٌ قِيلَ وقَدْ أُرْسِل إلَيْهِ
قَالَ نَعَمْ قِيلَ مَرْحَبَاً بِهِ فنِعْمَ المَجِيءُ
جاءَ ففَتَحَ فلَمَّا خَلَصْتُ إذَا يَحْيَى وعِيسَى
وهُمَا ابْنا الخَالَةِ قَالَ هَذا يَحْيى وعِيسى فسَلِّمْ
عَلَيْهِما فسَلَّمْتُ فرَدَّا ثُمَّ قَالَا مَرْحَبَاً
بالأخِ الصَّالِحِ والنَّبيِّ الصَّالِحِ ثُمَّ صَعِدَ بِي
إِلَى السَّماءِ الثَّالِثَةِ فاسْتَفْتَحَ قِيلَ مَنْ
هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ
مُحَمَّدٌ قِيلَ وقَدْ أُرُسِلَ إلَيْهِ قَالَ نَعَمْ
قِيلَ مَرْحَبَاً بِهِ فَنِعْمَ المَجِيءُ جاءَ فَفُتِحَ
فلَمَّا خَلَصْتُ إذَا يُوسُف قَالَ هَذَا يُوسُفُ
فسَلِّمْ عَلَيْهِ فسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ ثُمَّ قالَ
مَرْحَبَاً بالأخِ الصَّالِحِ والنَّبِيِّ الصَّالِحِ
ثُمَّ صَعِدَ بِي حتَّى أتَى السَّماءَ الرَّابِعَةَ
فاسْتَفْتَحَ قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبرِيلُ قِيلَ ومَنْ
معَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ قيلَ أوَقَدْ أُرْسِلَ إلَيْهِ
قَالَ نَعَمْ قِيلَ مَرْحَبَاً بِهِ فَنِعْمَ المَجِيءُ
جاءَ فَفُتِحَ فلَمَّا خلَصْتُ إِلَى إدْرِيسَ قَالَ هَذَا
إدْرِيسُ فسَلَّمَ علَيْهِ فسَلَّمْتُ علَيْهِ فَرَدَّ
ثُمَّ قالَ مَرْحَبَاً بالأخِ الصَّالِحِ والنَّبِيَّ
الصَّالِحِ ثُمَّ صعِدَ بِي حتَّى أتَى السَّماءَ
الخامِسَةَ فاسْتَفْتَحَ قِيلَ مَنْ هَذا قَالَ جِبْرِيلُ
قِيلَ ومَنْ معَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قِيلَ وَقد أُرْسِلَ إلَيْهِ قَالَ نَعَمْ قيل
مَرْحَبَاً بِهِ فنِعْمَ المَجِيءُ جاءَ فلَمَّا خَلَصْتُ
فإذَا هَارُونِ قَالَ هاذَا هاارُونُ فسَلِّمْ عَلَيْهُ
فسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فرَدَّ ثُمَّ قالَ مَرْحَبَاً بالأخِ
الصَّالِحِ والنَّبِيِّ الصَّالِحِ ثُمَّ صَعِدَ بِي حتَّى
أتَى السَّمَاءَ السَّادِسَةَ فاسْتَفْتَحَ قِيلَ مَنْ
هَذا قَالَ جِبْرِيلُ قِيلَ مَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ
قِيلَ وقدْ أُرْسِلَ إلَيْهِ قَالَ نعَمْ قَالَ مَرْحَبَاً
بِهِ فنِعْمَ المَجيءُ جاءَ فلَمَّا خَلَصْتُ فإذَا موُسى
فسَلَّمَ عَلَيْهِ فسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فرَدَّ ثُمَّ قالَ
مَرْحَبَاً بالأخِ الصَّالِحِ والنَّبِيِّ الصَّالِحْ
فلَمَّا تَجاوَزْتُ بَكِي قِيلَ لَهُ
(17/21)
مَا يُبْكِيكَ قَالَ أبْكِي لأنَّ غُلامَاً
بُعِثَ مِنْ بَعْدِي يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ
أكْثَرُ مَنْ يَدْخُلُهَا مِنْ أُمَّتِي ثُمَّ صَعِدَ بِي
إلَى السَّماءِ السَّابِعَةِ فاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ قِيلَ
مَنْ هذَا قالَ جِبْرِيلُ قِيلَ وَمَنْ معَكَ قَالَ
مُحَمَّدٌ قِيلَ وقَدْ بُعِثِ إلَيْهِ قَالَ نعَمْ قَالَ
مَرْحَبَاً بِهِ فَنِعْمَ المَجِيءُ جاءَ فلَمَّا خَلَصْتُ
فإذَا إبْرَاهِيمُ قَالَ هذَا أبُوكَ فسَلِّمْ عَلَيْهِ
قَالَ فسَلَّمْتُ علَيْهِ فرَدَّ السَّلامَ قَالَ
مَرْحَبَاً بالإبْنِ الصَّالِحِ والنَّبِيِّ الصَّالِحِ
ثُمَّ رُفِعْتُ إِلَى سِدْرَةِ المُنْتَهَى فإذَا نَبِقُها
مثْلُ قِلالِ هَجَرَ وإذَا ورَقُها مثْلُ آذَانِ
الْفِيَلَةِ قَالَ هَذِهِ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى وإذَا
أرْبَعَةُ أنْهَارٍ نَهْرَانِ باطنان ونَهْرَانِ فَقُلْتُ
مَا هَذانِ يَا جِبِرِيلُ قَالَ أمَّا البَاطِنانِ
فَنَهْرَانِ فِي الجَنَّةِ وأمَّا الظَّاهِرَانِ فالنِّيلُ
والْفُرَاتُ ثُمَّ رُفِعَ لي البَيْتُ المَعمُورُ ثُمَّ
أُتِيتُ بإنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وإنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ وإناءٍ
منْ عَسَلٍ فأخَذْتُ اللَّبَنَ فَقالَ هِيَ الفِطْرَةُ
أنْتَ عَلَيْها وأُمَّتُكَ ثُمَّ فُرِضَتْ علَيَّ
الصَّلَوَاتُ خَمْسِينَ صَلاةً كُلَّ يَوْمٍ فرَجَعْتُ
فمَرَرْتُ علَى مُوساى فقالَ بِمَا أُمِرْتَ قَالَ
أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صلاَةً كُلَّ يَوْمٍ قَالَ إنَّ
أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ خَمْسِينَ صَلاَةً كُلَّ يَوْمٍ
وإنِّي وَالله قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ وعالَجْتُ
بَنِي إسْرَائِيلَ أشَدَّ الْمُعَالَجَةِ فارْجِعْ إِلَى
رَبِّكَ فاسْألْهُ التَّخْفِيفَ لأمَّتِكَ فرَجَعْتُ
فوَضَعَ عَنِّي عَشْرَاً فرَجَعْتُ إِلَى مُوساى فقَالَ
مِثْلَهُ فرَجَعْتُ فوَضَعَ عَنِّي عَشْرَاً فرَجَعْتُ
إِلَى مُوساى فَقال مِثْلَهُ فرَجَعْتُ فوَضَعَ عَنِّي
عَشْرَاً فرَجَعْتُ إِلَى مُوساى فَقالَ مِثْلَهُ
فرَجَعْتُ فأُمِرْتُ بِعَشْرِ صلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ
فرَجَعْتُ فقالَ مِثْلَهُ فرَجَعْتُ فأُمِرْتُ بِخَمْسِ
صلَوَاتٍ كلَّ يَوْمٍ فرَجَعْتُ إِلَى مُوساى فَقال بِما
أُمِرْتَ قُلْتُ أُمِرْتُ بِخَمْسِ صلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ
قَالَ إنَّ أُمَّتَكَ لاَ تَسْتَطِيعُ خَمْسَ صَلَواتٍ
كُلَّ يَوْمٍ وإنِّي قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ
وعالَجْتُ بَنِي إسْرَائِيلَ أشَدَّ المُعَالَجَةِ
فارْجِعْ إلَى رَبِّكَ فاسْألْهُ التَّخْفِيفَ لأِمَّتِكَ
قَالَ سألْتُ رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ ولَكِنْ أرْضَى
وأُسَلِّمُ قَالَ فلَمَّا جاوَزْتُ نادَى مُنادٍ أمْضَيْتُ
فَرِيضَتِي وخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَالْكَلَام فِيهِ على
أَنْوَاع.
الأول: فِي رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: هدبة، بِضَم
الْهَاء وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة وبالباء
الْمُوَحدَة: ابْن خَالِد الْقَيْسِي الْمصْرِيّ أَخُو
أُميَّة، وَيُقَال: هداب، وروى عَنهُ مُسلم أَيْضا مَاتَ
سنة خمس أَو سِتّ أَو سبع أَو ثَمَان وَثَلَاثِينَ
وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: همام، بتَشْديد الْمِيم الأولى:
ابْن يحيى بن دِينَار العوذي الْبَصْرِيّ، مَاتَ سنة
ثَلَاث وَسِتِّينَ وَمِائَة فِي رَمَضَان. الثَّالِث:
قَتَادَة بن دعامة السدُوسِي الْأَعْمَى الْبَصْرِيّ
التَّابِعِيّ. الرَّابِع: أنس بن مَالك، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ. الْخَامِس: مَالك بن صعصعة، بِفَتْح
الصادين الْمُهْمَلَتَيْنِ وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة
الأولى: الْمدنِي الْأنْصَارِيّ الْبَصْرِيّ.
النَّوْع الثَّانِي فِي لطائف إِسْنَاده: مِنْهَا: أَن
هَؤُلَاءِ كلهم بصريون. وَمِنْهَا: أَن فِيهِ رِوَايَة
الصَّحَابِيّ عَن الصَّحَابِيّ. وَمِنْهَا: أَن مَالك بن
صعصعة لَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ وَلَا فِي غَيره سوى
هَذَا الحَدِيث، وَلَا يعرف روى عَنهُ إلاَّ أنس بن مَالك.
وَمِنْهَا: أَن قَوْله: عَن أنس، بالعنعنة، وَقد مضى فِي
أول بَدْء الْخلق من وَجه آخر عَن قَتَادَة: حَدثنَا أنس،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
النَّوْع الثَّالِث: أَنه روى مَا يتَعَلَّق بالإسراء فِي
مَوَاضِع. مِنْهَا: فِي أول كتاب الصَّلَاة من حَدِيث ابْن
شهَاب عَن أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَن
أبي ذَر. وَمِنْهَا: فِي بَدْء الْخلق فِي: بَاب ذكر
الْمَلَائِكَة، من حَدِيث هدبة عَن همام عَن قَتَادَة عَن
أنس وَمن حَدِيث خَليفَة عَن يزِيد بن زُرَيْع عَن سعيد
وَهِشَام كِلَاهُمَا عَن قَتَادَة عَن أنس عَن
(17/22)
مَالك بن صعصعة. وَمِنْهَا: هَهُنَا عَن
هدبة أَيْضا، فَانْظُر إِلَى تفَاوت مَا بَين روايتي هدبة
من زِيَادَة ونقصان.
النَّوْع الرَّابِع: فِي أَن مُسلما أخرجه فِي الْإِيمَان
عَن مُوسَى، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن
مُحَمَّد بن بشار وَعَن ابْن أبي عدي بِبَعْضِه، وَقَالَ:
وَفِي الحَدِيث قصَّة. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة
عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي بِطُولِهِ وَعَن
إِسْمَاعِيل بن مَسْعُود وَطول فِيهِ.
النَّوْع الْخَامِس: فِي مَعْنَاهُ: فَقَوله: (أَن نَبِي
الله) ويروى: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (حَدثهمْ) ، ويروى: حَدثنِي، بإفراد الضَّمِير
الْمَنْصُوب. قَوْله: (عَن لَيْلَة أسرِي بِهِ) ، على
صِيغَة الْمَجْهُول وَهِي صفة لليلة، وَالضَّمِير فِيهِ
يرجع إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهَذَا
رِوَايَة الْكشميهني بِزِيَادَة لَفْظَة: بِهِ، وَفِي
رِوَايَة غَيره: أسرى، دون لفظ: بِهِ. قَوْله: (بَينا
أَنا) ، قد ذكرنَا غير مرّة أَن: بَين، ظرف زيدت فِيهِ
الْألف وَرُبمَا تزاد فِيهِ الْمِيم أَيْضا، ويضاف إِلَى
جملَة وَهِي مُبْتَدأ، (وَفِي الْحطيم) خَبره أَي: كَائِن
أَو مُسْتَقر فِيهِ، وَالْمرَاد بِالْحَطِيمِ الْحجر هُنَا
على الْأَصَح، واستبعد قَول من قَالَ: المُرَاد بِهِ مَا
بَين الرُّكْن وَالْمقَام، أَو بَين زَمْزَم وَالْحجر،
وَسمي الْحطيم لِأَنَّهُ حطم من جِدَاره فَلم يسو بِبِنَاء
الْكَعْبَة وَترك خَارِجا مِنْهُ. وَقَالَ النَّضر:
إِنَّمَا سمي الْحجر حطيماً لِأَن الْبَيْت رفع وَترك
ذَلِك محطوماً، وَكَذَلِكَ قَالَ الْخطابِيّ. قَوْله:
(وَرُبمَا قَالَ فِي الْحجر) ، هُوَ شكّ من قَتَادَة.
قَوْله: (مُضْطَجعا) نصب على الْحَال من قَوْله: (أَنا)
وَفِي رِوَايَة: بَين النَّائِم وَالْيَقظَان. فَإِن قلت:
فِي رِوَايَة شريك الَّتِي تَأتي فِي التَّوْحِيد فِي آخر
الحَدِيث: فَلَمَّا استيقظت قلت: إِن كَانَت الْقِصَّة
مُتعَدِّدَة فَلَا إِشْكَال، وإلاَّ فَالْمَعْنى: أَفَقْت
مِمَّا كنت فِيهِ من شغل البال بمشاهدة الملكوت. فَإِن
قلت: قد تقدم فِي أول بَدْء الْخلق: بَينا أَنا عِنْد
الْبَيْت، وَوَقع فِي رِوَايَة الزُّهْرِيّ عَن أنس عَن
أبي ذَر فرج سقف بَيْتِي وَأَنا بِمَكَّة، وَفِي رِوَايَة
الْوَاقِدِيّ بأسانيده: أَنه أسرِي بِهِ من شعب أبي طَالب،
وَفِي حَدِيث أم هانىء عِنْد الطَّبَرَانِيّ: أَنه بَات
فِي بَيتهَا، قَالَت: فَفَقَدته من اللَّيْل، فَقَالَ: إِن
جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَتَانِي. قلت:
الْجمع بَين هَذِه الْأَقْوَال أَنه صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، نَام فِي بَيت أم هانىء، و، بَيتهَا عِنْد شعب أبي
طَالب، فَفرج سقف بَيته، وأضاف الْبَيْت إِلَيْهِ لكَونه
كَانَ يسكنهُ فَنزل مِنْهُ الْملك فَأخْرجهُ من الْبَيْت
إِلَى الْمَسْجِد فَكَانَ بِهِ مُضْطَجعا وَبِه أثر
النعاس، ثمَّ أخرجه الْملك إِلَى بَاب الْمَسْجِد فأركبه
الْبراق. قَوْله: (إِذْ أَتَانِي) ، جَوَاب: بَينا،
قَوْله: (آتٍ) ، هُوَ جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، وَأَصله: أَتَى فَاعل إعلال قاضٍ. قَوْله:
(فقد) ، بِالْقَافِ وَتَشْديد الدَّال أَي: فشق، وَهُوَ
الْمُسْتَفَاد من قَوْله: قَالَ: وسمعته يَقُول: فشق،
وفاعل: قَالَ، قَتَادَة، وَالْمقول عَنهُ أنس، وتوضحه
رِوَايَة أَحْمد، قَالَ قَتَادَة: وَرُبمَا سَمِعت أنسا
يَقُول: فشق. قَوْله: (فَقلت للجارود) ، الْقَائِل
قَتَادَة، والجارود بِالْجِيم وَضم الرَّاء وبالدال
الْمُهْملَة: ابْن أبي سُبْرَة، بِفَتْح السِّين
الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وبالراء:
الْهُذلِيّ التَّابِعِيّ، صَاحب أنس، وَقد أخرج لَهُ أَبُو
دَاوُد من رِوَايَته عَن أنس حَدِيثا غير هَذَا. قَوْله:
(من ثغرة) ، بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَسُكُون
الْغَيْن الْمُعْجَمَة، وَهِي ثغرة النَّحْر الَّتِي بَين
الترقوتين. قَوْله: (إِلَى شعرته) ، بِكَسْر الشين
الْمُعْجَمَة: وَهُوَ شعر الْعَانَة، قَوْله: (من قصه)
بِفَتْح الْقَاف وَتَشْديد الصَّاد الْمُهْملَة، وَهُوَ
رَأس الصَّدْر. قَوْله: (إِلَى شعرته) وَقَالَ
الْكرْمَانِي: ويروى بدل الشعرة: الثنة، بِضَم الثَّاء
الْمُثَلَّثَة وَتَشْديد النُّون وَهِي مَا بَين السُّرَّة
والعانة، وَقد استنكر بَعضهم وُقُوع شقّ الصَّدْر لَيْلَة
الْمِعْرَاج، وَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِك وَهُوَ صَغِير
فِي بني سعد ورد بِأَنَّهُ ثَبت شقّ الصَّدْر أَيْضا عِنْد
الْبعْثَة، ثمَّ وَقع أَيْضا عِنْد إِرَادَة العروج إِلَى
السَّمَاء، وَلَا إِنْكَار فِي ذَلِك لكَونه من الْأُمُور
الخارقة للْعَادَة لصلاحية الْقُدْرَة وَإِظْهَار المعجزة،
ثمَّ الْحِكْمَة فِي الأول وَهُوَ فِي حَال الطفولية لينشأ
على أكمل الْأَحْوَال من الْعِصْمَة من الشَّيْطَان،
وَلِهَذَا قَالَ فِي حَدِيث أنس عِنْد مُسلم: هَذَا حَظّ
الشَّيْطَان مِنْك وَذَلِكَ الْعلقَة الَّتِي أخرجهَا
وَفِي الثَّانِي: أَعنِي: عِنْد الْبَعْث ليتلقى مَا يُوحى
إِلَيْهِ بقلب قوي فِي أكمل الْأَحْوَال. وَفِي الثَّالِث:
أَعنِي: عِنْد العروج إِلَى السَّمَاء ليتأهب للمناجاة.
قَوْله: (بطست) بِفَتْح الطَّاء وَكسرهَا وَسُكُون السِّين
الْمُهْملَة وبالتاء الْمُثَنَّاة من فَوق، وَقد تحذف
وَهُوَ الْأَكْثَر، وَقد يؤنث بِاعْتِبَار الْآنِية
وَإِنَّمَا خص الطست لكَونه أشهر آلَات الْغسْل عرفا، وَخص
الذَّهَب لكَونه الْأَعْلَى أواني الحسية وأصفاها، وَلِأَن
لِلذَّهَبِ خَواص لَيست لغيره وَهِي أَنه لَا تَأْكُله
النَّار وَلَا يبليه التُّرَاب وَلَا يلْحقهُ الصدى وَهُوَ
أثقل الْجَوَاهِر، فَنَاسَبَ ثقل الْوَحْي. فَإِن قلت:
اسْتِعْمَال الذَّهَب حرَام للرِّجَال؟ قلت: لَعَلَّ ذَلِك
قبل التَّحْرِيم، وَقيل: إِنَّه مَخْصُوص بأحوال
الدُّنْيَا وَمَا وَقع فِي تِلْكَ اللَّيْلَة يلْحق
بِأَحْكَام الْآخِرَة، لِأَن الْغَالِب أَنه من أَحْوَال
(17/23)
الْغَيْب. قَوْله: (مَمْلُوءَة) صفة الطست،
وَقد ذكرنَا أَنه يؤنث بِاعْتِبَار الْآنِية. قَوْله:
(إِيمَانًا) نصب على التَّمْيِيز، وَزَاد فِي بَدْء
الْخلق: وَحكمه، وَقَالَ النَّوَوِيّ: مَعْنَاهُ أَن الطست
كَانَ فِيهِ شَيْء تحصل بِهِ زِيَادَة فِي كَمَال
الْإِيمَان وَكَمَال الْحِكْمَة. فَإِن قلت: الملء
الْمَذْكُور حَقِيقَة أم مجَاز؟ قلت: يجوزان أَن يكون
حَقِيقَة، لِأَن تجسد الْمعَانِي جَائِز كَمَا جَاءَ فِي
وزن الْأَعْمَال يَوْم الْقِيَامَة، وَقَالَ
الْبَيْضَاوِيّ: لَعَلَّ ذَلِك من بَاب التَّمْثِيل، إِذْ
تَمْثِيل الْمعَانِي قد وَقع كثيرا كَمَا مثلت لَهُ
الْجنَّة وَالنَّار فِي عرض الْحَائِط، وَفَائِدَته كشف
الْمَعْنَوِيّ بالمحسوس. قَوْله: (فَغسل قلبِي) ، وَفِي
رِوَايَة لمُسلم: فاستخرج قلبِي فَغسل بِمَاء زَمْزَم،
وَفِيه فَضِيلَة مَاء زَمْزَم على جَمِيع الْمِيَاه فَإِن
قلت: لِمَ لم يغسلهُ بِمَاء الْجنَّة؟ قلت: لما اجْتمع فِي
زَمْزَم من كَون أصل مَائِهَا من الْجنَّة ثمَّ اسْتَقر
فِي الأَرْض فَأُرِيد بذلك بَقَاء بركَة النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، فِي الأَرْض، وَيُقَال: لبَقَاء بركَة
إِسْمَاعِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَإِنَّهُ
ركضه. قَوْله: (حشي) ، على صِيغَة الْمَجْهُول. الضَّمِير
فِيهِ يرجع إِلَى الْقلب (ثمَّ أُعِيد) أَي قلبه إِلَى
حَالَته الأولى قَوْله (ثمَّ اتيت) على صِيغَة الْمَجْهُول
أَيْضا. فَإِن قلت: مَا الْحِكْمَة فِي أَنه أَتَى
بِدَابَّة فَلم لَم تطوله الأَرْض؟ قلت: إِنَّمَا فعل
ذَلِك تأنيساً لَهُ بِالْعَادَةِ فِي مقَام خرق الْعَادة،
وَأَيْضًا أَن الْملك إِذا طلب من يُحِبهُ يبْعَث إِلَيْهِ
مركوباً، وَوَقع فِي خاطري من الْفَيْض الإل هِيَ أَن طي
الأَرْض يشْتَرك فِيهِ الْأَوْلِيَاء بِخِلَاف المركوب
الَّذِي يقطع الْمُسَاقَاة الْبَعِيدَة براكبه أسْرع من
طرفَة الْعين، فَإِنَّهُ مَخْصُوص بالأنبياء، عَلَيْهِم
السَّلَام. قَوْله: (دون الْبَغْل وَفَوق الْحمار) ،
الْحِكْمَة فِي كَون هَذِه الدَّابَّة بِهَذِهِ الصّفة
الْإِشَارَة إِلَى الْإِسْرَاع الشَّديد بِدَابَّة لَا
تُوصَف بذلك فِي الْعَادة، أَو بِاعْتِبَار أَن الرّكُوب
كَانَ فِي سلم وَأمن لَا فِي حَرْب وَخَوف. قَوْله:
(أَبيض) صفة دَابَّة والتذكير بِاعْتِبَار أَنَّهَا
الْبراق أَو بِاعْتِبَار أَنَّهَا المركوب وَكَونه أَبيض
بِاعْتِبَار أَنه أصل الألوان، أَو بِاعْتِبَار أَنه، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ يحب الْبيَاض. قَوْله:
(فَقَالَ لَهُ) أَي: لأنس، والجارود فَاعل. قَالَ. قَوْله:
(هُوَ الْبراق) أَي: الدَّابَّة الْمَذْكُورَة المتصفة
بِالصّفةِ الْمَذْكُورَة هُوَ الْبراق، بهمز مقدرَة وتذكير
الضَّمِير بِاعْتِبَار لفظ الْبراق، وَإِنَّمَا قَالَ
الْجَارُود: هُوَ الْبراق لِأَن أنسا، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، لم يتَلَفَّظ بِلَفْظ الْبراق فِي رِوَايَة
قَتَادَة عَنهُ، قَوْله: يَا أَبَا حَمْزَة، خطاب لأنس
لِأَنَّهُ كنيته. قَوْله: (يضع خطوه) بِفَتْح الْخَاء
الْمُعْجَمَة وَهُوَ الْمرة، وبالضم بَعْدَمَا بَين
الْقَدَمَيْنِ فِي الْمَشْي. قَوْله: (طرفه) بِفَتْح
الطَّاء الْمُهْملَة وَسُكُون الرَّاء وبالفاء وَهُوَ نظر
عينه فَإِنَّهُ يضع خطوه عِنْد مُنْتَهى مَا يرى يبصره،
وَهَذَا يدل على أَنه كَانَ يمشي على وَجه الأَرْض،
وَلَكِن بِالْمَشْيِ الْمَوْصُوف.
وروى ابْن سعد عَن الْوَاقِدِيّ بأسانيده: لَهُ
جَنَاحَانِ، فَهَذَا يدل على أَنه يطير بَين السَّمَاء
وَالْأَرْض، وَيدل على وَصفه بِالْمَشْيِ مَا رُوِيَ عَن
ابْن مَسْعُود عِنْد أبي يعلى، وَالْبَزَّار: إِذا أَتَى
على جبل ارْتَفَعت رِجْلَاهُ فَإِذا هَبَط ارْتَفَعت
يَدَاهُ، وَعَن ابْن عَبَّاس رَوَاهُ الثَّعْلَبِيّ
بِسَنَد ضَعِيف: لَهُ خد كخد الْإِنْسَان وَعرف كالفرس
وقوائم كَالْإِبِلِ وأظلاف وذنب كالبقر وَكَانَ صَدره
ياقوتة حَمْرَاء. قلت: الْبراق، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة
مُشْتَقّ من البريق وَهُوَ اللمعان سمي بِهِ لنصوع لَونه
وَشدَّة بريقه، أَو هُوَ مُشْتَقّ من الْبَرْق، سمي بِهِ
لشدَّة حركته وَسُرْعَة مَشْيه كالبرق، وَقَالَ ابْن أبي
حَمْزَة: خص الْبراق بذلك إِشَارَة إِلَى الِاخْتِصَاص
بِهِ لِأَنَّهُ لم ينْقل أَن أحدا ملكه بِخِلَاف غير جنسه
من الدَّوَابّ. قلت: هَذَا يدل على أَن غير نَبينَا، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، لم يركب الْبراق وَبِه قَالَ ابْن
دحْيَة أَيْضا، وَلَكِن رد هَذَا بِمَا رَوَاهُ
التِّرْمِذِيّ من رِوَايَة قَتَادَة عَن أنس، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، لَيْلَة أسرِي بِهِ أَتَى بِالْبُرَاقِ مسرجاً
مُلجمًا فاستصعب عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل، عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام: مَا حملك على هَذَا؟ فوَاللَّه مَا
ركبك خلق قطّ أكْرم على الله مِنْهُ. قَالَ: فَارْفض
عرقاً. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حسن غَرِيب، وَصَححهُ ابْن
حبَان، وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه:
وَكَانَت تسخر للأنبياء، عَلَيْهِم السَّلَام، قبله، أَي:
كَانَت الدَّابَّة الَّتِي تسمى بِالْبُرَاقِ تسخر
للأنبياء قبل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَنَحْوه
فِي حَدِيث أبي سعيد عِنْد ابْن إِسْحَاق، وَهَذَا يُصَرح
على أَن الْبراق كَانَ معداً لركوب الْأَنْبِيَاء، وَجَاء
أَن إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لما
كَانَ يُرِيد زِيَارَة هَاجر وَإِسْمَاعِيل، عَلَيْهِمَا
السَّلَام، وهما فِي مَكَّة كَانَ يركب الْبراق، ثمَّ
الْحِكْمَة فِي نفرته مُخْتَلف فِيهَا، فَقَالَ ابْن بطال:
بعد عَهده بالأنبياء وَطول الفترة بَين عِيسَى وَمُحَمّد،
عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَقَالَ غَيره: قَالَ
جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، حِين شمس بِهِ الْبراق: لَعَلَّك يَا مُحَمَّد مسست
الصَّفْرَاء الْيَوْم؟ يَعْنِي: الذَّهَب، فَأخْبر
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه مَا مَسهَا إلاَّ
أَنه مرَّ بهَا. فَقَالَ: تَبًّا لمن يعبدك من دون اللهد،
وَمَا شمس إلاَّ لذَلِك.
(17/24)
وَقَالَ ابْن التِّين: إِنَّمَا استصعب
الْبراق تيهاً وزهواً بركوب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، وَأَرَادَ جِبْرِيل استنطاقه، فَلذَلِك خجل وارفضَّ
عرقاً من ذَلِك، وَقَرِيب من ذَلِك رَجْفَة الْجَبَل بِهِ
حَتَّى قَالَ لَهُ: اثْبتْ، فَإِنَّمَا عَلَيْك نَبِي
وصديق وشهيد، فَإِنَّهَا هزة الطَّرب لَا هزة الْغَضَب،
وَسمع العَبْد الضَّعِيف من مشايخه الثقاة أَنه إِنَّمَا
شمس بِهِ ليعده الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
بالركوب عَلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة، فَلَمَّا وعده بذلك
قرو ذَلِك، لِأَنَّهُ جَاءَ فِي التَّفْسِير فِي قَوْله
تَعَالَى: {ولسوف يعطيك رَبك فترضى} (الضُّحَى: 6) . أَن
الله أعد لَهُ فِي الْجنَّة أَرْبَعِينَ ألف براق ترتع فِي
مروج الْجنَّة.
قَوْله: (فَحملت عَلَيْهِ) على صِيغَة الْمَجْهُول، أَي:
على الْبراق، وَذكر فِي (شرف الْمُصْطَفى) : كَانَ الَّذِي
أمسك بركابه جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام،
وبزمام الْبراق مِيكَائِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، فَإِن قلت: لما ركب النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، الْبراق مَا فعل جِبْرِيل، عَلَيْهِ
السَّلَام؟ قلت: وَقع فِي حَدِيث حُذَيْفَة عِنْد أَحْمد،
قَالَ: أَتَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
بِالْبُرَاقِ فَلم يزَال ظَهره هُوَ وَجِبْرِيل حَتَّى
انتهيا إِلَى بَيت الْمُقَدّس، قيل: هَذَا لم يسْندهُ
حُذَيْفَة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
فَيحْتَمل أَنه قَالَه عَن اجْتِهَاد، وَيحْتَمل أَن يكون
جِبْرِيل رافقه فِي السّير لَا فِي الرّكُوب، وَقَالَ ابْن
دحْيَة وَغَيره: مَعْنَاهُ: وَجِبْرِيل قَائِد أَو سائق
أَو دَلِيل، قَالَ: وَإِنَّمَا جزمنا بذلك لِأَن قصَّة
الْمِعْرَاج كَانَت كَرَامَة للنَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، فَلَا مدْخل لغيره فِيهَا، ورد عَلَيْهِ مَا قَالَه
بِمَا روى ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) من حَدِيث ابْن
مَسْعُود أَن جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام،
حمله على الْبراق رديفا لَهُ وَفِي رِوَايَة الْحَارِث فِي
مُسْنده اتى بِالْبُرَاقِ فَرَكبهُ خلف جِبْرِيل عَلَيْهِ
السَّلَام فَسَار بهما، فَهَذَا صَرِيح فِي ركُوبه مَعَه،
وَالله أعلم. قَوْله: (فَانْطَلق بِي جِبْرِيل) وَفِي
رِوَايَته الْمُتَقَدّمَة: (فَانْطَلَقت مَعَ جِبْرِيل،
عَلَيْهِ السَّلَام) وَلَا مُغَايرَة بَينهمَا، وَفِي
حَدِيث أبي ذَر فِي أول الصَّلَاة: (ثمَّ أَخذ بيَدي فعرج
بِي) وَظَاهر هَذَا يدل على أَن جِبْرِيل كَانَ دَلِيلا
لَهُ فِيمَا قصد لَهُ. قلت: كَونه دَلِيلا لَا يُنَافِي
ركُوبه مَعَه. قَوْله: (حَتَّى أَتَى السَّمَاء
الدُّنْيَا) ، ظَاهره يدل على أَنه اسْتمرّ على الْبراق
حَتَّى عرج إِلَى السَّمَاء وَتمسك بِهِ من زعم أَن
الْمِعْرَاج كَانَ فِي لَيْلَة غير لَيْلَة الْإِسْرَاء
إِلَى بَيت الْمُقَدّس، وَكَانَ فِي لَيْلَة الْمِعْرَاج
على مِعْرَاج وَهُوَ سلم وَيدل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ ابْن
إِسْحَاق وَالْبَيْهَقِيّ فِي (الدَّلَائِل) من حَدِيث
طَوِيل، وَفِيه: فَإِذا أَنا بِدَابَّة كالبغل مُضْطَرب
الْأُذُنَيْنِ يُقَال لَهُ: الْبراق، وَكَانَت
الْأَنْبِيَاء تركبه قبلي، فركبته ثمَّ دخلت أَنا
وَجِبْرِيل بَيت الْمُقَدّس فَصليت ثمَّ أتيت بالمعراج،
وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: فأصعدن صَاحِبي فِيهِ
حَتَّى انْتهى بِي إِلَى بَاب من أَبْوَاب السَّمَاء ...
الحَدِيث، وَفِي رِوَايَة كَعْب: فَوضعت لَهُ مرقاة من
فضَّة ومرقاة من ذهب حَتَّى عرج هُوَ وَجِبْرِيل، وَفِي
(شرف الْمُصْطَفى) فِي حَدِيث أبي سعيد: أَنه أُتِي
بالمعراج من جنَّة الفردوس، وَأَنه منضد بِاللُّؤْلُؤِ
وَعَن يَمِينه مَلَائِكَة وَعَن يسَاره مَلَائِكَة، وَفِي
رِوَايَة ثَابت عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، قَالَ: أتيت بِالْبُرَاقِ فركبته حَتَّى أتيت بَيت
الْمُقَدّس فربطته بالحلقة الَّتِي كَانَت ترْبط بهَا
الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام، ثمَّ دخلت الْمَسْجِد
فَصليت فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثمَّ خرجت ... فَذكر الْقِصَّة.
قَالَ: ثمَّ عرج بِي إِلَى السَّمَاء. فَإِن قلت: أنكر
حُذَيْفَة رِوَايَة ثَابت: فربطته بالحلقة، فروى أَحْمد
وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث حُذَيْفَة، قَالَ: تحدثون أَنه
ربطه، أخافَ أَن يفر مِنْهُ وَقد سخر لَهُ عَالم الْغَيْب
وَالشَّهَادَة؟ قلت: قَالَ الْبَيْهَقِيّ: الْمُثبت مقدم
على النَّافِي لِأَن الْمُثبت لَهُ زِيَادَة علم على من
نفي فَهُوَ أولى بِالْقبُولِ، وروى الْبَزَّار من حَدِيث
بُرَيْدَة: لما كَانَ لَيْلَة أسرِي بِهِ جَاءَ جِبْرِيل
الصَّخْرَة الَّتِي بِبَيْت الْمُقَدّس فَوضع إصبعه فِيهَا
فخرقها فَشد بهَا الْبراق. فَإِن قلت: هَل للباب الَّذِي
دخل مِنْهُ جِبْرِيل وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
من أَبْوَاب سَمَاء الدُّنْيَا اسْم؟ قلت: نعم، وروى
الْبَيْهَقِيّ: حَتَّى أَتَى إِلَى بَاب من أَبْوَاب
السَّمَاء يُقَال لَهُ: بَاب الْحفظَة وَعَلِيهِ ملك
يُقَال لَهُ: إِسْمَاعِيل، تَحت يَده إثنا عشر ألف ملك.
قَوْله: (فَاسْتَفْتَحَ) ، أَي: طلب فتح الْبَاب. قَوْله:
(فَقيل: من هَذَا؟) أَي: قَالَ قَائِل من دَاخل الْبَاب:
من هَذَا الَّذِي يستفتح الْبَاب؟ قَوْله: (قيل: جِبْرِيل)
أَي: قَالَ قَائِل من خَارج الْبَاب مِمَّن كَانَ مَعَ
جِبْرِيل وَالنَّبِيّ عَلَيْهِمَا السَّلَام: هُوَ
جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام. قَوْله: (من مَعَك) يدل على
أَنهم أحسوا مَعَه برفيق وإلاَّ لَكَانَ السُّؤَال بِلَفْظ
أَمَعَك أحد؟ فَإِن قلت: من أَيْن لَهُم هَذَا الإحساس؟
قلت: قَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن يكون بمشاهدة لكَون
السَّمَاء شفافة، وَفِيه نظر، لِأَن الْأَمر لَو كَانَ
كَذَلِك لما قَالُوا: من هَذَا، حِين استفتح جِبْرِيل،
عَلَيْهِ السَّلَام، وَالْأَوْجه أَن يُقَال: إِن إحساسهم
بذلك كَانَ بِزِيَادَة أنوار ظَهرت لَهُم دلّت على أَن
جِبْرِيل لم يكن وَحده. قَوْله: (قَالَ مُحَمَّد) أَي:
قَالَ جِبْرِيل: معي مُحَمَّد، وَفِيه دَلِيل على أَن
الِاسْم أولى وأوضح فِي التَّوْضِيح من
(17/25)
الكنية. قَوْله: (قيل: وَقد أرسل
إِلَيْهِ؟) أَي: هَل أرسل إِلَيْهِ ليعرج بِهِ إِلَى
السَّمَاء؟ الْحِكْمَة فِي قَوْلهم هَذَا هِيَ أَن الله
أَرَادَ إطلاع نبيه على أَنه مَعْرُوف عِنْد الْمَلأ
الْأَعْلَى لأَنهم قَالُوا: أرسل إِلَيْهِ، فَدلَّ على
أَنهم كَانُوا يعْرفُونَ أَن ذَلِك سيقع، وإلاَّ لكانوا
يَقُولُونَ: من مُحَمَّد؟ مثلا. قَوْله: (مرْحَبًا بِهِ)
أَي: أصَاب رحباً وسعة، وكنى بذلك عَن الانشراح، واستنبط
مِنْهُ بَعضهم جَوَاز رد السَّلَام بِغَيْر لفظ السَّلَام،
ورد عَلَيْهِ بِأَن هَذَا لم يكن ردا للسلام، فَإِنَّهُ
كَانَ قبل أَن يفتح الْبَاب وَالسَّلَام ورده بعد ذَلِك.
قَوْله: (فَنعم الْمَجِيء جَاءَ) كلمة: نعم، للمدح
والمخصوص بالمدح مَحْذُوف وَفِيه تَقْدِيم وَتَأْخِير
تَقْدِيره: جَاءَ فَنعم الْمَجِيء مَجِيئه فِي خير وَقت
إِلَى خير أمة. قَوْله: (فَلَمَّا خلصت) بِفَتْح اللَّام،
أَي: وصلت. قَوْله: (فَإِذا فِيهَا آدم) كلمة: إِذا،
للمفاجأة، وَالضَّمِير فِي: فِيهَا، يرجع إِلَى السَّمَاء
الدُّنْيَا. قَوْله: (بالابن الصَّالح) ذكر الابْن
لافتخاره بأبوة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَوَصفه
بالصالح لِأَن الصَّالح صفة تَشْمَل خلال الْخَيْر،
وَلذَلِك ذكره كل من الْأَنْبِيَاء الَّذين لاقاهم فِي
السَّمَوَات، والصالح هُوَ الَّذِي يقوم بِمَا يلْزمه من
حُقُوق الله وَحُقُوق الْعباد. قَوْله: (وهما ابْنا)
خَالَة أَي: يحيى وَعِيسَى، لِأَن أم يحيى إيشاع بنت
فاقوذا، اخت حنة أم مَرْيَم، وَبَيَان ذَلِك أَن
زَكَرِيَّا، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَعمْرَان بن
ماثان كَانَا متزوجين بأختين، إِحْدَاهمَا عِنْد
زَكَرِيَّا وَهِي إيشاع بنت فاقوذا، وَالْأُخْرَى عِنْد
عمرَان وَهِي حنة بنت فاقوذا أم مَرْيَم، فَولدت إيشاع
يحيى وَولدت حنة مَرْيَم، فَتكون إيشاع خَالَة مَرْيَم،
وَتَكون حنة خَالَة يحيى، فيطلق عَلَيْهِمَا أَنَّهُمَا
ابْنا خَالَة بِهَذَا الِاعْتِبَار. ويروى: إبنا
الْخَالَة، بِالْألف وَاللَّام، وَفِي رِوَايَة مُسلم مثل
رِوَايَة البُخَارِيّ فِي منَازِل الْأَنْبِيَاء
الْمَذْكُورين فِيهِ، غير أَن فِي رِوَايَة الزُّهْرِيّ
عَن أنس عَن أبي ذَر: أَنه لم يثبت أَسْمَاءَهُم، وَقَالَ
فِيهِ: وَإِبْرَاهِيم فِي السَّمَاء السَّادِسَة، وَوَقع
فِي رِوَايَة شريك عَن أنس: أَن إِدْرِيس فِي الثَّالِثَة
وَهَارُون فِي الرَّابِعَة، وَرِوَايَة من ضبط أولى وَلَا
سِيمَا مَعَ اتِّفَاق قَتَادَة وثابت، فقتادة عِنْد
البُخَارِيّ، وثابت عِنْد مُسلم، وَوَافَقَهُمَا يزِيد بن
أبي مَالك عَن أنس إلاَّ أَنه خَالف فِي إِدْرِيس
وَهَارُون. فَقَالَ: هَارُون فِي الرَّابِعَة وَإِدْرِيس
فِي الْخَامِس وَوَافَقَهُمْ أَبُو سعيد إلاَّ أَن فِي
رِوَايَته: يُوسُف فِي الثَّانِيَة وَعِيسَى وَيحيى فِي
الثَّالِثَة، وَالْأول أثبت. فَإِن قلت: كَيفَ رأى صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم
السَّلَام، فِي السَّمَوَات مَعَ أَن أَجْسَادهم هِيَ فِي
قُبُورهم فِي الأَرْض؟ قلت: أَرْوَاحهم تشكلت بصور
أَجْسَادهم، وَيُقَال: أحضرت أَجْسَادهم لملاقاة النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، تِلْكَ اللَّيْلَة تَشْرِيفًا
وتكريماً، وَيُؤَيِّدهُ حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن هَاشم
عَن أنس، وَفِيه: وَبعث لَهُ آدم فَمن دونه من
الْأَنْبِيَاء فَأمهمْ. قَوْله: (فَإِذا يُوسُف) وَزَاد
مُسلم فِي رِوَايَته عَن ثَابت عَن أنس: فَإِذا هُوَ قد
أعْطى شطر الْحسن، وَفِي حَدِيث أبي سعيد عِنْد
الْبَيْهَقِيّ، وَأبي هُرَيْرَة عِنْد ابْن عَائِذ
والطبري: فَإِذا أَنا بِرَجُل أحسن مَا خلق الله قد فضل
النَّاس بالْحسنِ كَالْقَمَرِ لَيْلَة الْبَدْر على سَائِر
الْكَوَاكِب، فَإِن قلت: هَذَا يدل على أَن يُوسُف كَانَ
أحسن من جَمِيع النَّاس. قلت: روى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث
أنس: مَا بعث الله نَبيا إلاَّ حسن الْوَجْه حسن الصَّوْت،
وَكَانَ نَبِيكُم أحْسنهم صَوتا وَأَحْسَنهمْ وَجها، فعلى
هَذَا حمل مَا فِي حَدِيث الْمِعْرَاج على غير النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَحمله بَعضهم على أَن المُرَاد:
أَن يُوسُف أعطي شطر الْحسن الَّذِي أوتيه نَبينَا صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِيه مَا فِيهِ. قَوْله: (هَذَا
إِدْرِيس، فَسلم عَلَيْهِ) ، فَإِن قلت: قَالَ بَعضهم: إِن
إِدْرِيس فِي الْجنَّة يدل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى:
{وَرَفَعْنَاهُ مَكَانا عليا} (مَرْيَم: 57) . قيل:
الْمَكَان الْعلي هُوَ الْجنَّة. قلت: سَمِعت بعض مشايخي
الثقاة أَن إِدْرِيس لما أخبر بعروج النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، اسْتَأْذن ربه أَن يستقبله فَأذن لَهُ،
فَاسْتَقْبلهُ ولقيه فِي السَّمَاء الرَّابِعَة. فَإِن
قلت: كَيفَ قَالَ إِدْرِيس: مرْحَبًا بالأخ الصَّالح؟
وَالْحَال أَنه أَب من آبَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، وَأَنه جدّ أَعلَى لنوح، عَلَيْهِ السَّلَام، لِأَن
نوحًا هُوَ ابْن لامك ابْن متوشلخ بن أَخْنُوخ وَهُوَ
إِدْرِيس، عَلَيْهِ السَّلَام؟ قلت: قد قيل عَن إِدْرِيس
أَنه إلْيَاس وَأَنه لَيْسَ بجد لنوح، عَلَيْهِ السَّلَام،
وَقيل: لَيْسَ فِيهِ مَا يمْنَع أَن يكون إِدْرِيس أَبَا
للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ:
بالأخ الصَّالح، تأدباً، وَهُوَ أَخ وَإِن كَانَ أَبَا
فالأنبياء أخوة. قَوْله: (فَلَمَّا تجاوزت) ، أَي: عديت
مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَام. قَوْله:. قَوْله: (بَكَى)
أَي: مُوسَى، وَكَانَ بكاؤه حزنا على قومه وقصور عَددهمْ
وعَلى فَوَات الْفضل الْعَظِيم مِنْهُم، وَيُقَال: لم يكن
بكاء مُوسَى حسداً، معَاذ الله! فَإِن الْحَسَد فِي ذَلِك
الْعَالم منزوع عَن آحَاد الْمُؤمنِينَ، فَكيف بِمن اصطفاه
الله؟ بل كَانَ آسفاً على مَا فَاتَهُ من الْأجر الَّذِي
يَتَرَتَّب عَلَيْهِ رفع الدرجَة بِسَبَب
(17/26)
مَا وَقع من أمته من كَثْرَة الْمُخَالفَة
الْمُقْتَضِيَة لتنقيص أُجُورهم المستلزمة لتنقيص أجره،
لِأَن لكل نَبِي مثل أجر كل من اتبعهُ، وَلِهَذَا كَانَ من
اتبعهُ فِي الْعدَد دون من اتبع نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم مَعَ طول مدتهم بِالنِّسْبَةِ لمُدَّة هَذِه الْأمة.
قَوْله: (لِأَن غُلَاما بعث بعدِي يدْخل الْجنَّة من أمته
أَكثر من يدخلهَا من أمتِي) . قَوْله: (غُلَاما) لَيْسَ
للتحقير والاستصغار بِهِ، بل إِنَّمَا هُوَ لتعظيم منَّة
الله على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من غير
طول الْعُمر، وَيُقَال: بل قَالَ ذَلِك على سَبِيل التنويه
بقدرة الله وعظيم كرمه إِذا أعْطى لمن كَانَ فِي ذَلِك
السن مَا لم يُعْطه أحدا قبله مِمَّن هُوَ أسن مِنْهُ.
وَفِي هَذَا الْموضع عِبَارَات وَقعت فِي أَحَادِيث، فَفِي
رِوَايَة شريك عَن أنس: لم أَظن أحدا يرفع عَليّ، وَفِي
حَدِيث أبي سعيد، قَالَ مُوسَى: يزْعم بَنو إِسْرَائِيل
أَنِّي أكْرم على الله وَهَذَا أكْرم على الله مني، زَاد
الْأمَوِي فِي رِوَايَته: وَلَو كَانَ هَذَا وَحده هان
عَليّ وَلَكِن مَعَه أمته وهم أفضل الْأُمَم عِنْد الله،
وَفِي رِوَايَة أبي عُبَيْدَة بن عبد الله بن مَسْعُود عَن
أَبِيه: أَنه مر بمُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام،
يرفع صَوته فَيَقُول: أكرمته وفضلته؟ فَقَالَ جِبْرِيل،
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: هَذَا مُوسَى قلت: وَمن
يُعَاتب؟ قَالَ: يُعَاتب ربه فِيك. قلت: وَيرْفَع صَوته
على ربه؟ قَالَ: إِن الله قد عرف لَهُ حِدته. وَفِي حَدِيث
ابْن مَسْعُود عِنْد الْحَارِث وَأبي يعلى وَالْبَزَّار:
سَمِعت صَوتا وتذمراً، فَسَأَلت جِبْرِيل، عَلَيْهِ
السَّلَام، فَقَالَ: هَذَا مُوسَى. قلت: على من تذمره؟
قَالَ: على ربه. قلت: على ربه؟ قَالَ: إِنَّه يعرف ذَلِك
مِنْهُ. فَإِن قلت: مَا وَجه قَوْله: لما أَتَى السَّمَاء
السَّادِسَة فَإِذا مُوسَى؟ وَقد قَالَ فِي حَدِيث آخر:
رَأَيْت مُوسَى لَيْلَة الْإِسْرَاء وَهُوَ يُصَلِّي فِي
قَبره؟ قلت: لَا إِشْكَال فِي ذَلِك على قَول من يَقُول
بِتَعَدُّد الْإِسْرَاء، وعَلى قَول من يَقُول: بِأَن
الْإِسْرَاء مرّة وَاحِدَة، فَالْجَوَاب: أَن مُوسَى،
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، صعد إِلَى السَّمَاء
السَّادِسَة بعد أَن رَآهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، فِي قَبره حَتَّى اجْتمع بِهِ هُنَاكَ، وَمَا ذَلِك
على الله بعزيز. وَلَا على مُوسَى بِكَثِير.
قَوْله: (فَإِذا إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام) وَهُوَ فِي السَّمَاء السَّابِعَة على
رِوَايَة البُخَارِيّ، وعَلى رِوَايَة مُسلم: فِي
السَّمَاء السَّادِسَة، فِي رِوَايَة الزُّهْرِيّ عَن أنس
حَيْثُ قَالَ: وجد آدم فِي السَّمَاء الدُّنْيَا
وَإِبْرَاهِيم فِي السَّمَاء السَّادِسَة، وَكَذَا فِي
رِوَايَة البُخَارِيّ فِي أول كتاب الصَّلَاة: فِي
السَّمَاء السَّادِسَة. وَأجِيب: بِأَنَّهُ لَا مُنَافَاة
لاحْتِمَال أَن يكون فِي السَّادِسَة وَصعد قبل رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى السَّابِعَة، وَقيل:
يحْتَمل أَنه جَاءَ إِلَى السَّمَاء السَّادِسَة
اسْتِقْبَالًا وَهُوَ فِي السَّابِعَة على سَبِيل التوطن،
وعَلى تعدد الْإِسْرَاء لَا إِشْكَال. فَإِن قلت: مَا
الْحِكْمَة فِي الِاقْتِصَار على هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاء
الْمَذْكُورين فِيهِ دون غَيرهم مِنْهُم؟ قلت: للْإِشَارَة
إِلَى مَا سيقع لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَعَ قومه
مَعَ نَظِير مَا وَقع لكل مِنْهُم، فَفِي آدم مَا وَقع
لَهُ من الْخُرُوج من الْجنَّة، فَكَذَلِك فِي النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقع لَهُ من الْخُرُوج من
مَكَّة. وَفِي عِيسَى وَيحيى على مَا وَقع لَهُ أول
الْهِجْرَة من عَدَاوَة الْيَهُود وتماديهم فِي الْبَغي
عَلَيْهِ، وَفِي يُوسُف على مَا وَقع لَهُ مَعَ إخْوَته،
فَكَذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَا وَقع
لَهُ من قُرَيْش فِي نصبهم الْحَرْب لَهُ، وَفِي إِدْرِيس
على رفيع مَنْزِلَته عِنْد الله فَكَذَلِك النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي هَارُون على أَن قومه رجعُوا
إِلَى محبته بعد أَن آذوه فَكَذَلِك النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، فَأكْثر قومه رجعُوا إِلَيْهِ بعد
الْعَدَاوَة، وَفِي مُوسَى على مَا وَقع لَهُ من معالجة
قومه فَكَذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عالج
قُريْشًا وَغَيرهم أَشد المعالجة، وَفِي إِبْرَاهِيم،
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فِي استناده إِلَى
الْبَيْت الْمَعْمُور بِمَا ختم الله لَهُ فِي آخر عمره من
إِقَامَة مَنَاسِك الْحَج وتعظيم الْبَيْت فَكَذَلِك
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَقَامَ مَنَاسِك
الْحَج وَعظم الْبَيْت وَأمر بتعظيمه، وَقيل: الْحِكْمَة
فِيهِ أَن الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة
وَالسَّلَام، أمروا بملاقاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لَيْلَة الْمِعْرَاج، فَمنهمْ من أدْركهُ فِي أول
الوهلة، وَمِنْهُم من تَأَخّر فلحق، وَمِنْهُم من فَاتَهُ.
فَإِن قلت: مَا الْحِكْمَة فِي كَون كل مِنْهُم فِي
مَكَانَهُ الْمَذْكُور فِيهِ؟ قلت: أما آدم فَإِنَّهُ أول
الْأَنْبِيَاء وَأول الْآبَاء وَهُوَ الأَصْل فَكَانَ
أَولا فِي السَّمَاء الأولى، وَأما عِيسَى، عَلَيْهِ
السَّلَام، فَإِنَّهُ أقرب الْأَنْبِيَاء عهدا من نَبينَا
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ويليه يُوسُف، عَلَيْهِ
السَّلَام، لِأَن أمة مُحَمَّد تدخل الْجنَّة على صورته،
وَأما إِدْرِيس فَلقَوْله تَعَالَى: {وَرَفَعْنَاهُ
مَكَانا عليّاً} (مَرْيَم: 57) . وَالسَّمَاء الرَّابِعَة
من السَّبع وسط معتدل. وَأما هَارُون فلقربه من أَخِيه
مُوسَى، ومُوسَى أرفع مِنْهُ لفضل كَلَام الله، وَأما
إِبْرَاهِيم فَلِأَنَّهُ الْأَب الْأَخير، فَنَاسَبَ أَن
يَتَجَدَّد للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يلقيه أنس
لتوجهه بعده إِلَى عَالم آخر. وَالله أعلم. قَوْله: (ثمَّ
رفعت إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهى) ، الرّفْع تقريبك
الشَّيْء، وَقد قيل فِي قَوْله تَعَالَى: {وفرش
مَرْفُوعَة} (الْوَاقِعَة: 34) . أَي:
(17/27)
مقربة لَهُم، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَن
سِدْرَة الْمُنْتَهى استبينت لَهُ كل الاستبانة حَتَّى
اطلع عَلَيْهَا كل الِاطِّلَاع بِمَثَابَة الشَّيْء المقرب
إِلَيْهِ، وَفِي مَعْنَاهُ: رفع لي الْبَيْت الْمَعْمُور،
وَرفع لي بَيت الْمُقَدّس، وَسميت سِدْرَة الْمُنْتَهى
لِأَن علم الْمَلَائِكَة يَنْتَهِي إِلَيْهَا وَلم
يتجاوزها أحد إلاَّ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
و: رفعت على صِيغَة للمتكلم هَذَا هَكَذَا رِوَايَة
الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة الْكشميهني رفعت بِفَتْح
الْعين وسكونه التَّاء أَي رفعت السِّدْرَة لي أَي لأجلي،
وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين صلَة: رفعت، كلمة إِلَى،
وَفِي رِوَايَة الْكشميهني حرف الْجَرّ، وَهُوَ اللَّام.
قَوْله: (فَإِذا نبقها) كلمة: إِذا، للمفاجأة، و: النبق،
بِفَتْح النُّون وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وبسكونها
أَيْضا: وَهُوَ جمع نبقة وَهُوَ حمل السدر. فَإِن قلت: لم
اختيرت السدة دون غَيرهَا؟ قلت: لِأَن فِيهَا ثَلَاثَة
أَوْصَاف: ظلّ مَمْدُود وَطَعَام لذيذ ورائحة زكية.
قَوْله: (مثل قلال هجر) قَالَ الْخطابِيّ: القلال، بِكَسْر
الْقَاف جمع قلَّة بِالضَّمِّ وَتَشْديد اللَّام، وَهِي
الجرار، يُرِيد أَن ثَمَرهَا فِي الْكبر مثل القلال
وَكَانَت مَعْرُوفَة عِنْد المخاطبين، فَلذَلِك وَقع
التَّمْثِيل بهَا. قَالَ: وَهِي الَّتِي وَقع حد المَاء
الْكثير بهَا فِي قَوْله: (إِذا بلغ المَاء قُلَّتَيْنِ) .
وَيُقَال: الْقلَّة جرة كَبِيرَة تسع قربتين وَأكْثر، و:
هجر، بِفَتْح الْهَاء وَالْجِيم وَهُوَ اسْم بلد بِقرب
مَدِينَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُذَكّر منصرف
وَهُوَ غير هجر الْبَحْرين، وَقيل: غير منصرف للعلمية
والتأنيث. قلت: إِذا جعل علما للبلدة يكون غير منصرف.
قَوْله: (الفيلة) ، بِكَسْر الْفَاء وَفتح الْيَاء: جمع
الْفِيل، وَوَقع فِي بَدْء الْخلق: مثل آذان الفيول،
وَهُوَ جمع فيل أَيْضا. قَوْله: (وَإِذا أَرْبَعَة
أَنهَار) وَفِي بَدْء الْخلق: فَإِذا فِي أَصْلهَا، أَي
فِي أصل سِدْرَة الْمُنْتَهى أَرْبَعَة أَنهَار، وَفِي
رِوَايَة مُسلم: يخرج من أَصْلهَا. فَإِن قلت: وَقع فِي
(صَحِيح مُسلم) من حَدِيث أبي هُرَيْرَة: أَرْبَعَة
أَنهَار من الْجنَّة: النّيل والفرات وسيحان وجيحان قلت:
أُجِيب بِأَنَّهُ يحْتَمل أَن تكون سِدْرَة الْمُنْتَهى
مغروسة فِي الْجنَّة والأنهار تخرج من أَصْلهَا فَيصح
أَنَّهَا من الْجنَّة. قَوْله: (نهران باطنان) ، قَالَ
مقَاتل: هُوَ السلسبيل والكوثر، وَالْبَاطِن أجلَّ من
الظَّاهِر لِأَن الْبَاطِن جعل فِي دَار الْبَقَاء
وَالظَّاهِر جعل فِي دَار الفناء. قَوْله: (وَأما
الظاهران: فالنيل والفرات) النّيل نهر مصر، والفرات نهر
بَغْدَاد بالجانب الغربي مِنْهَا، كَذَا قَالَه
الْكرْمَانِي، وَلَيْسَ كَذَلِك على مَا نذكرهُ الْآن،
وَهُوَ بِالتَّاءِ الممدودة فِي الْخط فِي حالتي الْوَصْل
وَالْوَقْف، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: النّيل والفرات
يخرجَانِ من أَصْلهَا ثمَّ يسيران حَيْثُ أَرَادَ الله
تَعَالَى ثمَّ يخرجَانِ من الأَرْض ويسيران فِيهَا،
وَهَذَا لَا يمنعهُ شرع وَلَا عقل، وَهُوَ ظَاهر الحَدِيث،
فَوَجَبَ الْمصير إِلَيْهِ. قَالَ القَاضِي: يدل هَذَا على
أَن أصل السِّدْرَة فِي الأَرْض لخُرُوج النّيل والفرات من
أَصْلهَا. قلت: لَا يلْزم من خروجهما من أَصْلهَا أَن يكون
أَصْلهَا فِي الأَرْض، بل الْأَوْجه مَا ذَكرْنَاهُ. قلت:
اتَّفقُوا على أَن مبدأ النّيل من جبال الْقَمَر
بِالْإِضَافَة، وبضم الْقَاف وَسُكُون الْمِيم، وَيُقَال:
بِفَتْح الْقَاف وَالْمِيم: تَشْبِيها للقمر فِي بياضه
يَنْبع من اثْنَي عشر عينا ثمَّ ينبعث مِنْهَا عشرَة
أَنهَار أَحدهَا نيل مصر وَهُوَ أول الْعُيُون يجْرِي على
بِلَاد الْحَبَشَة فِي قفار ومفاوز، وَقَالَ ابْن
الْأَثِير: لَيْسَ فِي الدُّنْيَا نهر أطول مِنْهُ
لِأَنَّهُ مسيرَة شَهْرَيْن فِي الْإِسْلَام وشهرين فِي
النّوبَة وَأَرْبَعَة أشهر فِي الخراب، والفرات اسْم نهر
بِالْكُوفَةِ قَالَه الْجَوْهَرِي، وَاخْتلفُوا فِي مخرجه
على قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا: أَنه من جبل بِبَلَد الرّوم
يُقَال لَهُ أفردخش، بَينه وَبَين قاليقلا مسيرَة يَوْم.
وَالثَّانِي: أَنه من أَطْرَاف أرمينية. قَوْله: (ثمَّ رفع
لي الْبَيْت الْمَعْمُور) ، وَزَاد الْكشميهني: يدْخلهُ كل
يَوْم سَبْعُونَ ألف ملك، وَقد مر معنى رفع عَن قريب،
قَالَ الله تَعَالَى: وَالْبَيْت الْمَعْمُور، وَرُوِيَ
عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: اسْمه الضراح،
بِضَم الضَّاد الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره حاء مُهْملَة.
قَالَ الصغاني: وَيُقَال لَهُ: الضريح أَيْضا. وَاخْتلف
الْعلمَاء فِي أَي مَوضِع هُوَ؟ فَقيل: فِي السَّمَاء
الدُّنْيَا، وَهُوَ قَول ابْن عَبَّاس وَمُجاهد وَالربيع،
وَقيل: فِي السَّمَاء السَّادِسَة، رُوِيَ عَن عَليّ،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقيل: فِي السَّمَاء
السَّابِعَة، قَالَه مُجَاهِد وَالضَّحَّاك وَهُوَ قَول
البُخَارِيّ أَيْضا، يدْخلهُ كل يَوْم سَبْعُونَ ألف ملك
لَا يعودون فِيهِ، وَلَا تنَافِي فِي هَذِه الْأَقْوَال
لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن الله تَعَالَى رَفعه لَيْلَة
الْمِعْرَاج إِلَى السَّمَاء السَّادِسَة ثمَّ إِلَى
السَّابِعَة تَعْظِيمًا للنَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، حَتَّى يرَاهُ فِي أَمَاكِن، ثمَّ أَعَادَهُ إِلَى
السَّمَاء الدُّنْيَا.
قَوْله: (ثمَّ أتيت بِإِنَاء) على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: (هِيَ الْفطْرَة أَنْت عَلَيْهَا) ، ويروى: هِيَ
الْفطْرَة الَّتِي أَنْت عَلَيْهَا وَأمتك، قَالَ
الْقُرْطُبِيّ: يحْتَمل أَن يكون سَبَب تَسْمِيَة اللَّبن
فطْرَة لكَونه أول شَيْء يدْخل بطن الْمَوْلُود ويشق
أمعاءه، والسر فِي ميل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
إِلَيْهِ دون غَيره لكَونه كَانَ مألوفاً. فَإِن قلت: وَقع
فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة عِنْد ابْن عَائِذ فِي حَدِيث
الْمِعْرَاج بعد ذكر إِبْرَاهِيم. قَالَ: ثمَّ انطلقنا
فَإِذا نَحن
(17/28)
بِثَلَاثَة آنِية مغطاة، فَقَالَ لي
جِبْرِيل: يَا مُحَمَّد أَلاَ تَشرب مِمَّا سقاك رَبك؟
فتناولت أَحدهَا فَإِذا هُوَ عسل، فَشَرِبت مِنْهُ قَلِيلا
ثمَّ تناولت الآخر فَإِذا هُوَ لبن فَشَرِبت مِنْهُ حَتَّى
رويت، فَقَالَ: أَلا تشرب من الثَّالِث؟ قلت: قد رويت.
قَالَ: وفقك الله، وَفِي رِوَايَة الْبَزَّار من هَذَا
الْوَجْه: أَن الثَّالِث كَانَ خمرًا، لَكِن وَقع عِنْده
أَن ذَلِك كَانَ بِبَيْت الْمُقَدّس، وَأَن الأول كَانَ
مَاء وَلم يذكر الْعَسَل. وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس عِنْد
أَحْمد: فَلَمَّا أَتَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى قَامَ
يُصَلِّي، فَلَمَّا انْصَرف جِيءَ بقدحين فِي أَحدهمَا لبن
وَفِي الآخر عسل، فَأخذ اللَّبن ... الحَدِيث، وَوَقع فِي
رِوَايَة مُسلم من طَرِيق ثَابت عَن أنس أَيْضا إِتْيَانه
بالآنية كَانَ بِبَيْت الْمُقَدّس قبل الْمِعْرَاج
وَلَفظه: ثمَّ دخلت الْمَسْجِد فَصليت فِيهِ رَكْعَتَيْنِ
ثمَّ خرجت فَجَاءَنِي جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، بِإِنَاء من خمر وإناء من لبن، فَأخذت
اللَّبن، فَقَالَ جِبْرِيل: أخذت الْفطْرَة، ثمَّ عرج
إِلَى السَّمَاء، وَفِي حَدِيث شَدَّاد بن أَوْس: فَصليت
فِي الْمَسْجِد حَيْثُ شَاءَ الله وأخذني من الْعَطش أَشد
مَا أَخَذَنِي، فَأتيت بإناءين أَحدهمَا لبن وَالْآخر عسل،
فعدلت بَينهمَا، ثمَّ هَدَانِي الله فَأخذت اللَّبن،
فَقَالَ شيخ بَين يَدي، يَعْنِي لجبريل: أَخذ صَاحبك
الْفطْرَة، وَفِي حَدِيث أبي سعيد عِنْد إِبْنِ إِسْحَاق
فِي قصَّة الْإِسْرَاء: فصلى بهم، يَعْنِي الْأَنْبِيَاء،
ثمَّ أَتَى بِثَلَاثَة آنِية: إِنَاء فِيهِ لبن وإناء
فِيهِ خمر وإناء فِيهِ مَاء فَأخذت اللَّبن ... الحَدِيث.
وَفِي رِوَايَة سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة عِنْد
البُخَارِيّ فِي الْأَشْرِبَة: أَتَى رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، لَيْلَة أسرِي بِهِ بِإِنَاء فِيهِ
خمر وإناء فِيهِ لبن، فَنظر إِلَيْهِمَا فَأخذ اللَّبن،
فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام:
الْحَمد لله الَّذِي هداك للفطرة، لَو أخذت الْخمر غوت
أمتك، وَفِي رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن هَاشم بن عتبَة
عَن أنس عَن الْبَيْهَقِيّ: فَعرض عَلَيْهِ المَاء
وَالْخمر وَاللَّبن فَأخذ اللَّبن، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل:
أصبت الْفطْرَة، وَلَو شربت المَاء لغرقت وغرقت أمتك،
وَلَو شربت الْخمر لغويت وغوت أمتك، قلت: قَالُوا
بِالْجمعِ بَين هَذَا الِاخْتِلَاف إِمَّا بِحمْل: ثمَّ،
على غير بَابهَا من التَّرْتِيب، وَإِنَّمَا هِيَ بِمَعْنى
الْوَاو هُنَا، وَأما بِوُقُوع عرض الْآنِية مرَّتَيْنِ:
مرّة عِنْد فَرَاغه من الصَّلَاة بِبَيْت الْمُقَدّس
بِسَبَب مَا وَقع لَهُ من الْعَطش، وَمرَّة عِنْد وُصُوله
إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهى ورؤية الْأَنْهَار
الْأَرْبَعَة، وَأما الِاخْتِلَاف فِي عدد الْآنِية وَمَا
فِيهَا فَيحمل على أَن بعض الروَاة ذكر مَا لم يذكرهُ
الآخر ومجموعها أَرْبَعَة آنِية فِيهَا أَرْبَعَة أَشْيَاء
من الْأَنْهَار الْأَرْبَعَة الَّتِي رَآهَا تخرج من أصل
سِدْرَة الْمُنْتَهى، وَلَعَلَّه عرض عَلَيْهِ من كل نهر
إِنَاء، وَالله أعلم.
قَوْله: (وَبِمَا أمرت) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، ويروى:
بِمَا أمرت، بِدُونِ الْألف. قَوْله: (وعالجت بني
إِسْرَائِيل) ، أَي: مارستهم وَلَقِيت الشدَّة فِيمَا
أردْت مِنْهُم من الطَّاعَة، والمعالجة مثل المجادلة
(وَلَكِنِّي أرْضى وَأسلم) فِيهِ حذف تَقْدِيره: حَتَّى
استحييت فَلَا أرجع فَإِنِّي إِذا رجعت كنت غير راضٍ وَلَا
مُسلم، وَلَكِنِّي أرْضى وَأسلم، وَبِهَذَا يُجَاب عَمَّا
قيل، لَكِن حَقّهَا أَن تقع بَين كلامين متغايرين معنى،
فَمَا وَجهه هُنَا؟ وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: ومراجعة
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي بَاب الصَّلَاة
إِنَّمَا جَازَت من رَسُولنَا مُحَمَّد ومُوسَى،
عَلَيْهِمَا السَّلَام، لِأَنَّهُمَا عرفا أَن الْأَمر
الأول غير وَاجِب قطعا، فَلَو كَانَ وَاجِبا قطعا لَا يقبل
التَّخْفِيف: وَقيل: فِي الأول فرض خمسين ثمَّ رحم عباده
ونسخها بِخمْس، كآية الرَّضَاع وعدة الْمُتَوفَّى عَنْهَا
زَوجهَا، وَفِيه دَلِيل على أَنه يجوز نسخ الشَّيْء قبل
وُقُوعه. قَوْله: (أمضيت فريضتي وخففت عَن عبَادي) ، وَفِي
رِوَايَة أنس عَن أبي ذَر الَّتِي تقدّمت فِي أول
الصَّلَاة: هن خمس وَهن خَمْسُونَ، وَفِي رِوَايَة ثَابت
عَن أنس عِنْد مُسلم: حَتَّى قَالَ: يَا مُحَمَّد خمس
صلوَات فِي كل يَوْم وَلَيْلَة كل صَلَاة عشرَة فَتلك
خَمْسُونَ صَلَاة، وَفِي رِوَايَة يزِيد بن أبي مَالك
عِنْد النَّسَائِيّ: وأتيت سِدْرَة الْمُنْتَهى فغشيتني
ضَبَابَة فَخَرَرْت سَاجِدا. فَقيل لي: إِنِّي يَوْم خلقت
السَّمَوَات وَالْأَرْض فرضت عَلَيْك وعَلى أمتك خمسين
صَلَاة، فَقُمْ بهَا أَنْت وَأمتك، فَذكر مُرَاجعَته مَعَ
مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَفِيه: أَنه فرض
على بني إِسْرَائِيل فَمَا قَامُوا بهَا، وَقَالَ فِي
آخِره: خمس بِخَمْسِينَ، فَقُمْ بهَا أَنْت وَأمتك، فَعرفت
أَنَّهَا عَزمَة من الله، فَرَجَعت إِلَى مُوسَى فَقَالَ
لي: ارْجع، فَلم ارْجع. فَإِن قلت: مَا الْحِكْمَة فِي
وُقُوع الْمُرَاجَعَة مَعَ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَام،
دون غَيره من الْأَنْبِيَاء؟ قلت: لِأَن ابْتِدَاء
الْمُرَاجَعَة كَانَ مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، فَلذَلِك وَقعت مَعَه، وَقيل: قد قَالَ
مُوسَى من كَلَامه أَنه عالج بني إِسْرَائِيل على أقل من
ذَلِك فَمَا قبلوه وَمَا وافقوه، وَيُسْتَفَاد مِنْهُ: أَن
مقَام الْخلَّة مقَام الرِّضَا وَالتَّسْلِيم، ومقام
التكليم مقَام الإدلال والانبساط، وَمن ثمَّة استبد مُوسَى
بِأَمْر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
(17/29)
بِطَلَب التَّخْفِيف دون إِبْرَاهِيم،
عَلَيْهِ السَّلَام، مَعَ أَن للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم من الِاخْتِصَاص بإبراهيم أَزِيد مِمَّا لَهُ من
مُوسَى لمقام الْأُبُوَّة ورفعة الْمنزلَة والاتباع فِي
الْملَّة.
3888 - حدَّثنا الحُمَيْدِيُّ حدَّثنا سُفْيانُ حدَّثنا
عَمْرٌ وعنْ عِكْرَمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله
تَعَالَى عنهُما فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا جَعَلْنَا
الرُّؤْيا الَّتِي أرَيْنَاكَ إلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ}
(الْإِسْرَاء: 60) . قَالَ هِيَ رُؤيَا عَيْنٍ أُرِيهَا
رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَةَ أُسْرِيَ
بِهِ إلِى بَيْتِ المَقْدِسِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحميدِي عبد الله بن
الزبير، وَقد تكَرر ذكره، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة،
وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار. والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ
أَيْضا عَن الْحميدِي فِي الْقدر وَفِي التَّفْسِير عَن
عَليّ بن عبد الله. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير
عَن مُحَمَّد بن يحيى. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن
مُحَمَّد بن مَنْصُور.
قَوْله: (فِي قَوْله تَعَالَى) أَي: فِي تَفْسِير قَوْله
تَعَالَى: {إلاَّ فتْنَة} أَي: بلَاء، قَالَه سعيد بن
الْمسيب. قَوْله: (رُؤْيا عين) ، قيد بِهِ للإشعار بِأَن
الرُّؤْيَا بِمَعْنى الرُّؤْيَة فِي الْيَقَظَة. وَقَالَ
الزَّمَخْشَرِيّ: تعلق بِهَذِهِ الْآيَة من قَالَ: كَانَ
الْإِسْرَاء فِي الْمَنَام، وَمن قَالَ كَانَ الْإِسْرَاء
فِي الْيَقَظَة فسر الرُّؤْيَا بِالرُّؤْيَةِ، وَيُقَال:
قد أثبت الله تَعَالَى فِي الْقُرْآن رُؤْيا الْقلب،
فَقَالَ: {مَا كذب الْفُؤَاد مَا رأى} (النَّجْم: 11) .
ورؤيا الْعين، فَقَالَ: {مَا زاغ الْبَصَر وَمَا طَغى لقد
رأى} (النَّجْم: 17) . الْآيَة، وروى الطَّبَرَانِيّ فِي
(الْأَوْسَط) بِإِسْنَاد قوي عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: رأى
مُحَمَّد ربه مرَّتَيْنِ، وَمن وَجه آخر، قَالَ: نظر
مُحَمَّد إِلَى ربه، جعل الْكَلَام لمُوسَى، والخلة
لإِبْرَاهِيم، وَالنَّظَر لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، فَظهر من ذَلِك أَن مُرَاد ابْن عَبَّاس هَهُنَا
رُؤْيا الْعين، وَفِيه رد لمن قَالَ: المُرَاد بالرؤيا فِي
هَذِه الْآيَة رُؤْيَاهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه
دخل الْمَسْجِد الْحَرَام الْمشَار إِلَيْهَا بقوله
تَعَالَى: {لقد صدق الله رَسُوله الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ}
(الْفَتْح: 27) . قَالَ هَذَا الْقَائِل: وَالْمرَاد
بقوله: فتْنَة للنَّاس، مَا وَقع من صد الْمُشْركين لَهُ
فِي الْحُدَيْبِيَة عَن دُخُول الْمَسْجِد الْحَرَام.
انْتهى. قيل: هَذَا، وَإِن كَانَ مُمكنا أَن يكون
المُرَاد، لَكِن الِاعْتِمَاد فِي تَفْسِيرهَا على ترجمان
الْقُرْآن أولى، وَالله أعلم.
قالَ والشَّجَرَةَ المَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ قَالَ هِيَ
شَجَرَةُ الزَّقُومِ
أرادَ بِهَذَا تَفْسِير الشَّجَرَة الْمَذْكُورَة فِي
بَقِيَّة الْآيَة الْمَذْكُورَة، وَهَذَا التَّفْسِير
مَرْوِيّ عَن سعيد بن جُبَير وَمُجاهد وَعِكْرِمَة
وَالضَّحَّاك، وَقَالُوا أَيْضا: مَا جعل رُؤْيَاهُ
الَّتِي رَآهَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلاَّ فتْنَة
للنَّاس، لِأَن جمَاعَة ارْتَدُّوا وَقَالُوا: كَيفَ يسري
بِهِ إِلَى بَيت الْمُقَدّس فِي لَيْلَة وَاحِدَة؟
وَقَالُوا: فِي الشَّجَرَة: كَيفَ تكون فِي النَّار وَلَا
تأكلها النَّار؟ فَكَانَ فِي ذَلِك فتْنَة لقوم وانتصاراً
لقوم مِنْهُم الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقيل:
إِنَّمَا سمي الصّديق حِينَئِذٍ، وَمعنى كَونهَا ملعونة
للعن أكلهَا، وَقيل: الْعَرَب تَقول لكل طَعَام ضار
مَكْرُوه: مَلْعُون، والزقوم مَا وَصفه الله تَعَالَى فِي
كِتَابه الْعَزِيز، فَقَالَ: {إِنَّهَا شَجَرَة تخرج فِي
أصل الْجَحِيم طلعها كَأَنَّهُ رُؤُوس الشَّيَاطِين}
(الصافات: 64، 65) . وَهُوَ فعول من الزقم وَهُوَ اللقم
الشَّديد وَالشرب المفرط، وَفِي الحَدِيث: أَن أَبَا جهل
قَالَ: إِن مُحَمَّدًا يخوفنا شَجَرَة الزقوم، هاتوا
الزّبد وَالتَّمْر وتزقموا، أَي: كلوا، وَقيل: أكل الزّبد
وَالتَّمْر بلغَة إفريقية: الزقوم.
43 - (بابُ وُفُودِ الأنْصَارِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّةَ وبَيْعَةِ العَقَبَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وُفُود الْأَنْصَار، أَي:
قدومهم إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ
بِمَكَّة. قَوْله: (وبيعة الْعقبَة) أَي: الَّتِي ينْسب
إِلَيْهَا جَمْرَة الْعقبَة، وَهِي بمنى، كَانَ رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعرض نَفسه على الْقَبَائِل
فِي كل موسم، وَأَنه أَتَى كِنْدَة وَبني حنيفَة وَبني كلب
وَبني عَامر بن صعصعة وَغَيرهم فَلم يجب أحد مِنْهُم إِلَى
مَا سَأَلَ. وَقَالَ مُوسَى بن عقبَة عَن الزُّهْرِيّ:
كَانَ يَقُول لَهُم: لَا أكره أحدا مِنْكُم على شَيْء بل
أُرِيد أَن تمنعوا من يُؤْذِينِي حَتَّى أبلغ رِسَالَة
رَبِّي فَلَا يقبله أحد، بل يَقُولُونَ: قوم الرجل أعلم
بِهِ، فَبينا هُوَ عِنْد الْعقبَة إِذْ لَقِي رهطاً من
الْخَزْرَج
(17/30)
فَدَعَاهُمْ إِلَى الله تَعَالَى
فَأَجَابُوهُ، فجَاء فِي الْعَام الْمقبل إثنا عشر رجلا
إِلَى الْمَوْسِم من الْأَنْصَار، أحدهم: عبَادَة بن
الصَّامِت، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَاجْتمعُوا
برَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْعقبَة
وَبَايَعُوهُ، وَهِي بيعَة الْعقبَة الأولى، فجَاء فِي
الْعَام الآخر سَبْعُونَ إِلَى الْحَج، فواعدهم رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلَمَّا اجْتَمعُوا
أخرجُوا من كل فرقة نَقِيبًا فَبَايعُوهُ ثمَّة لَيْلًا،
وَهِي الْبيعَة الثَّانِيَة.
3889 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ حدَّثنا اللَّيْثُ
عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهابٍ وحدَّثنا أحْمدُ بنُ صالِحٍ
حدَّثنا عَنْبَسَةُ حدَّثنا يُونُسُ عنِ ابنِ شِهَابٍ
قَالَ أخْبرَنِي عبْدُ الرَّحْمانِ بنُ عَبْدِ الله بنِ
كَعْبِ بنِ مالِكٍ أنَّ عَبْدَ الله بنَ كَعْبٍ وكانَ
قائِدَ كَعْبٍ حِينَ عَمِيَ قَالَ سَمِعْتُ كَعْبَ بنَ
مالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عنِ النَّبِيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوة تَبُوكَ بِطُولِهِ قَالَ ابنُ
بُكَيْرٍ فِي حدِيثِهِ ولَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَةَ العَقْبَةِ حِينَ
تَوَاثَقْنَا علَى الإسْلاَمِ وَمَا أُحِبُ أنَّ لِي بِهَا
مَشْهَدَ بَدْرٍ وإنْ كانَتْ بدْرٌ أذْكَرَ فِي النَّاسِ
مِنْهَا. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَلَقَد شهِدت) إِلَى
آخِره. وَأخرج هَذَا الحَدِيث من طَرِيقين: الأول: عَن
يحيى بن بكير وَهُوَ يحيى بن عبد الله بن بكير
المَخْزُومِي الْمصْرِيّ عَن اللَّيْث بن سعد الْمصْرِيّ
عَن عقيل بن خَالِد الْأَيْلِي عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن
شهَاب الزُّهْرِيّ عَن عبد الرَّحْمَن، على مَا يَجِيء
الْآن. وَالثَّانِي: عَن أَحْمد بن صَالح أبي جَعْفَر
الْمصْرِيّ عَن عَنْبَسَة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة
وَسُكُون النُّون وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وبالسين
الْمُهْملَة: ابْن خَالِد بن يزِيد الْأَيْلِي، يروي عَن
عَمه يُونُس بن يزِيد عَن ابْن شهَاب ... إِلَى آخِره،
وَمضى الحَدِيث فِي الْوَصَايَا وَفِي صفة النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وَسَيَأْتِي فِي الْمَغَازِي فِي
موضِعين وَفِي التَّفْسِير كَذَلِك وَفِي الاسْتِئْذَان
وَفِي الْأَحْكَام مطولا ومختصراً وَمضى فِيهِ بعض
الْكَلَام.
قَوْله: (قَالَ ابْن بكير فِي حَدِيثه) يُرِيد أَن
اللَّفْظ الَّذِي سبق لعقيل لَا ليونس. قَوْله: (وَلَقَد
شهِدت) أَي: قَالَ كَعْب: حضرت الْعقبَة الثَّانِيَة.
قَوْله: (حِين تواثقنا) باالثاء الْمُثَلَّثَة وَالْقَاف
أَي: حِين وَقع بَيْننَا الْمِيثَاق على مَا تبايعنا
عَلَيْهِ. قَوْله: (إِن لي بهَا) أَي: بدلهَا وَفِي
مقابلتها وَمَا أحبه لِأَن هَذِه الْبيعَة كَانَت فِي أول
الْإِسْلَام وَمِنْهَا فَشَا الْإِسْلَام وتأكدت أَسبَابه
وأساسه. قَوْله: (وَإِن كَانَت بدر أذكر) كلمة: أَن، واصلة
بِمَا قبلهَا. قَوْله: (بدر) أَي: غَزْوَة بدر، وَقَوله:
(أذكر) ، أفعل التَّفْضِيل بِمَعْنى الْمَذْكُور يَعْنِي:
أَكثر شهرة وذكراً بَين النَّاس.
3890 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا سُفْيَانُ
قَالَ كانَ عَمْرٌ ويَقُولُ سَمِعْتُ جابِرَ بنَ عَبْدِ
الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُما يَقُولُ شَهِدَ بِي
خَالايَ العَقَبَةَ. (الحَدِيث 3890 طرفه فِي: 3891) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (شهد بِي خالاي
الْعقبَة) . وَعلي بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن
الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَعمر هُوَ ابْن
دِينَار. والْحَدِيث من أَفْرَاده. قَوْله: (خالاي)
تَثْنِيَة خَال مُضَاف إِلَى يَاء الْمُتَكَلّم
الْخَفِيفَة، ويروى بِالْيَاءِ الثَّقِيلَة، قَالَه
الْكرْمَانِي، ثمَّ قَالَ: أَي مَعَ خَالِي، قلت: لم أدرِ
وَجه ذَلِك على مَا لَا يخفى، ويروى بالأفراد كَمَا يَجِيء
الْآن. قَوْله: (الْعقبَة) لم يُفَسِّرهَا، أَي: عقبَة
هِيَ الأولى أم الثَّانِيَة؟ وَقَالَ بَعضهم: هِيَ
الْعقبَة الثَّانِيَة، وَقَالَ أَبُو عمر بن عبد الْبر:
هِيَ الْعقبَة الأولى، كَمَا يَجِيء عَن قريب فِي
تَرْجَمَة الْبَراء، وَالْقَوْل مَا قَالَت حذام.
قَالَ أبُو عَبْدِ الله قَالَ ابنُ عُيَيْنَةَ أحَدُهُمَا
البَرَاءُ بنُ مَعْرُورٍ
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ أَي: قَالَ البُخَارِيّ
نَفسه. قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة رَاوِي الحَدِيث: أحد
الخالين الْبَراء، بتَخْفِيف الرَّاء وبالمد: ابْن معْرور،
بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَضم الرَّاء
الأولى، قَالَ أَبُو عمر: الْمَعْرُور هُوَ ابْن صَخْر بن
خنساء بن سِنَان ابْن عبيد بن عدي بن كَعْب بن سَلمَة
الْأنْصَارِيّ السّلمِيّ الخزرجي أَبُو بشر، وَأمه الربَاب
بنت النُّعْمَان، وَهُوَ أحد النُّقَبَاء لَيْلَة الْعقبَة
الأولى، وَكَانَ سيد الْأَنْصَار وَكَبِيرهمْ، وَهُوَ أول
من اسْتقْبل الْكَعْبَة للصَّلَاة إِلَيْهَا، وَأول من
أوصى بِثلث مَاله، مَاتَ فِي حَيَاة
(17/31)
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قبل
قدومه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْمَدِينَة بِشَهْر فِي
صفر، وَلما قدم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
الْمَدِينَة أَتَى قَبره فِي أَصْحَابه وَكبر عَلَيْهِ
أَرْبعا وَصلى، وَفِي بعض النّسخ: مَوضِع: قَالَ أَبُو عبد
الله، قَالَ عبد الله بن مُحَمَّد، وَهُوَ الْجعْفِيّ أَن
ابْن عُيَيْنَة قَالَ: أَحدهمَا الْبَراء بن معْرور، كَذَا
فِي رِوَايَة أبي ذَر وَغَيره، وَوَقع فِي رِوَايَة
الْإِسْمَاعِيلِيّ: قَالَ سُفْيَان: خالاه الْبَراء بن
معْرور وَأَخُوهُ، وَلم يسمه، وَاعْترض الدمياطي قَول
سُفْيَان فِي الحَدِيث، فَقَالَ: هَذَا وهم لِأَن أم جَابر
هِيَ أنيسَة بنت غنمة بن عدي، وأخواها ثَعْلَبَة وَعمر
وهما خالا جَابر وَقد شهد الْعقبَة الْأَخِيرَة، وَأما
الْبَراء بن معْرور فَلَيْسَ هُوَ من أخوال جَابر. انْتهى.
وَقَالَ بَعضهم: لكنه من أقَارِب أمه، وأقارب الْأُم يسمون
أخوالاً مجَازًا. قلت: لَا ضَرُورَة إِلَى الذّهاب إِلَى
الْمجَاز من غير دَاع لَهُ مَعَ شهرة النّسَب فِيمَا
بَينهم، لِأَن ثَعْلَبَة وعمراً ابْنا غنمة بن عدي بن
سِنَان بن عبيد ابْن عَمْرو بن سَواد بن غنم بن كَعْب بن
سَلمَة، وَشهد ثَعْلَبَة الْعقبَة فِي السّبْعين، وَشهد
بَدْرًا وَهُوَ أحد الَّذين كسروا الهة بني سَلمَة، قتل
يَوْم الخَنْدَق شَهِيدا، قَتله هُبَيْرَة بن أبي وهب
المَخْزُومِي، قَالَ أَبُو عمر: وَقيل: قتل يَوْم خَيْبَر
شَهِيدا، وَأما عَمْرو أَخُوهُ فَإِنَّهُ شهد بيعَة
الْعقبَة مَعَ أَخِيه ثَعْلَبَة، وَهُوَ أحد البكائين
الَّذين نزلت فيهم: {وَلَا على الَّذين إِذا مَا أتوك
لتحملهم ... } (التَّوْبَة: 92) . الْآيَة، وَمَات
وَلَيْسَ لَهُ عقب. وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : قَالَ
شَيخنَا فِي شَرحه: يُرِيد وَالله أعلم بخالاي: عبس بن
عَامر بن عدي بن سِنَان بن عبيد، وخَالِد بن عدي بن
سِنَان، وَذَلِكَ أَن أمه أنيسَة بنت غنمة، وَهَذَا أقرب
من قَول ابْن عُيَيْنَة: أَحدهمَا الْبَراء بن معْرور
وَأَخُوهُ، لأَنهم كلهم شهدُوا الْعقبَة لِأَن الْبَراء من
بني خنساء بن سِنَان بن عبيد ... إِلَى آخر مَا ذكره
الْآن. انْتهى. قلت: كَأَنَّهُ أَرَادَ بشيخه: عَلَاء
الدّين مغلطاي، فَإِن لَهُ شرحاً على البُخَارِيّ،
وَاعْترض عَلَيْهِ بَعضهم مِمَّا عاصرناه من أَصْحَاب
الدَّعَاوَى العريضة، فَقَالَ: أما عبس فقد رَأَيْنَاهُ
فِي الصَّحَابَة، وَأما خَالِد بن عدي بن سِنَان فَلم نره
فِي الصَّحَابَة، إِنَّمَا كَانَ فِي كتاب ابْن الْأَثِير:
خَالِد بن عدي، كَانَ ينزل الْأَشْعر. قلت: قَالَ أَبُو
عمر: خَالِد بن عدي الْجُهَنِيّ، يعد فِي أهل الْمَدِينَة،
وَكَانَ ينزل الْأَشْعر، روى عَنهُ بشر بن سعيد، وَقَالَ
الذَّهَبِيّ: لَهُ حَدِيث فِي مُسْند أبي يعلى.
3892 - حدَّثني إسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ أخْبرَنا يَعْقُوبُ
بنُ إبْرَاهِيمَ حدَّثنا ابنُ أخِي ابنِ شِهَابٍ عنْ
عَمِّهِ قَالَ أخبرَنِي أبُو إدْرِيسَ عائِذ الله بنُ
عَبْدِ الله أنَّ عُبَادَةَ بنَ الصَّامِتِ مِنَ الَّذِينَ
شَهِدُوا بَدْرَاً مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم ومِنْ أصْحَابِهِ لَيْلَةَ العَقَبَةِ أخْبَرَهُ
أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وحَوْلَهُ
عِصَابَةٌ مِنْ أصْحَابِهِ تَعالَوْا بايِعُونِي علَى أنْ
لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّه شيْئَاً ولاَ تَسْرِقُوا ولاَ
تَزْنُوا ولاَ تَقْتُلُوا أوْلادَكُمْ ولاَ تَأتُونَ
بِبُهْتانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أيْدِيكُمْ وأرْجُلِكُمْ
ولاَ تَعْصُونِي فِي مَعْرُوفٍ فَمَنْ وفَى مِنْكُمْ
فأجْرُهُ علَى الله ومَنْ أصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً
فَعُوقِبَ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَهْوَ لَهُ كَفَّارَةٌ
ومَنْ أصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً فستَرَهُ الله فأمُرُهُ
إلَى الله إنْ شَاءَ عاقَبَهُ وإنْ شاءَ عفَا عَنْهُ قَالَ
فَبَايَعْتُهُ علَى ذَلِكَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (بايعوني) وَفِي قَوْله:
(فَبَايَعته) . وَإِسْحَاق بن مَنْصُور بن مهْرَان الكوسج
أَبُو يَعْقُوب الْمروزِي،
(17/32)
وَيَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن سعد بن
إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَهُوَ يروي عَن
مُحَمَّد بن عبد الله بن أخي الزُّهْرِيّ، وَهُوَ يروي عَن
عَمه أبي بكر مُحَمَّد بن مُسلم، وَهُوَ يروي عَن أبي
إِدْرِيس عَائِذ الله بِصِيغَة اسْم الْفَاعِل من العوذ
بِالْعينِ الْمُهْملَة وبالذال الْمُعْجَمَة ابْن عبد الله
بن عَمْرو الْخَولَانِيّ العوذي، وَيُقَال: العيذي أَيْضا،
كَانَ من عُلَمَاء أهل الشَّام وعبادهم وقرائهم، مَاتَ سنة
ثَمَانِينَ. والْحَدِيث قد مضى فِي أول كتاب الْإِيمَان
فِي: بَاب مُجَرّد، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن أبي
الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ إِلَى آخِره.
3893 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ حدَّثنا اللَّيْثُ عنْ يَزِيدَ
بنِ أبِي حَبِيبٍ عنْ أبِي الخَيْرِ عنِ الصُّنَابِحِيِّ
عنْ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ
أنَّهُ قَالَ إنِّي مِنَ النُّقَبَاءِ الَّذِينَ بايَعُوا
رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ بايَعْنَاهُ
علَى أنْ لاَ نُشْرِكَ بِاللَّه شيْئَاً ولاَ نَسْرِقُ
وَلَا نَزْنِي ولاَ نَقْتُلَ النَّفْسَ الَّتِي حرَّمَ
الله إلاَّ بالحَقِّ ولاَ نَنْتَهِبَ ولاَ نَعْصِيَ
بالجَنَّةِ إنْ فَعَلْنَا ذَلِكَ فإنْ غَشِينا مِنْ ذَلِكَ
شَيْئاً كانَ قَضاءَ ذَلِكَ إِلَى الله. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (بَايعُوا) وَفِي
قَوْله: (بَايَعْنَاهُ) وَأَبُو الْخَيْر ضد الشَّرّ اسْمه
مرْثَد، بِفَتْح الْمِيم وبالثاء الْمُثَلَّثَة وَسُكُون
الرَّاء بَينهمَا وبالدال الْمُهْملَة، والصنابحي، بِضَم
الصَّاد الْمُهْملَة وَتَخْفِيف النُّون وَكسر الْبَاء
الْمُوَحدَة وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة: واسْمه عبد
الرَّحْمَن ابْن عسيلة مصغر عسلة بالمهملتين التَّابِعِيّ،
وَأَصله من الْيمن، خرج مِنْهَا مُهَاجرا إِلَى النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَمَاتَ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، وَهُوَ فِي الطَّرِيق.
والْحَدِيث أخرجه أَيْضا فِي الدِّيات عَن عبد الله بن
يُوسُف. وَأخرجه مُسلم فِي الْحُدُود عَن قُتَيْبَة
وَمُحَمّد بن رمح.
قَوْله: (من النُّقَبَاء) وهم الْأَشْرَاف، وَقيل:
الْأُمَنَاء الَّذين يعْرفُونَ طرق أُمُورهم، وَقيل:
شُهَدَاء الْقَوْم وضمناؤهم. قَوْله: (وَلَا تنتهب)
بِالنّصب أَيْضا عطفا على المنصوبات، قبله أَي: لَا
نَأْخُذ مَال أحد بِغَيْر حَقه، وَحمله بَعضهم على
الْعُمُوم فمنعوا من النهب فِيمَا أَبَاحَهُ مَالِكه فِي
الْأَمْلَاك وَشبههَا، وَاحْتج الْمُجِيز بِأَنَّهُ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم نحر بدنات، وَقَالَ: من شَاءَ فليقطع،
قَوْله: (وَلَا نعصي) بِالْعينِ وَالصَّاد
الْمُهْمَلَتَيْنِ وَهَذِه رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي روزاية
غيرَة: وَلَا نقضي، بِالْقَافِ وَالضَّاد الْمُعْجَمَة،
وَمعنى الأولى: أَن لَا نعصي الله فِي شَيْء من ذَلِك.
قَوْله: (بِالْجنَّةِ) ، مُتَعَلق بقوله: بَايَعْنَاهُ،
وَحَاصِل الْمَعْنى: أَنا بَايَعْنَاهُ على أَن لَا نَفْعل
شَيْئا من الْمَذْكُورَات بِمُقَابلَة الْجنَّة، يَعْنِي:
يكون لنا الْجنَّة عِنْد ذَلِك، وَمعنى الثَّانِيَة: لَا
نقضي لَهُ بِالْجنَّةِ، بل الْأَمر فِيهِ موكول إِلَى الله
تَعَالَى لَا حتم فِي شَيْء مِنْهُ. وَقَالَ الْكرْمَانِي:
ويروى: فالجنة، بِالْفَاءِ. قلت: ذكر ذَلِك وَسكت، فَإِن
صحت الرِّوَايَة بِالْفَاءِ فالتقدير: فالجنة جزاؤنا إِن
فعلنَا ذَلِك. قَوْله: (فَإِن غشينا) بالغين والشين
المعجمتين: من الغشيان، وَهُوَ الْإِصَابَة. قَوْله:
(شَيْئا) ، بِالنّصب مفعول: غشينا، ويروى: إِن غشينا،
بِفَتْح الْيَاء على لفظ الْمَاضِي، و: نَا، مَفْعُوله.
وَقَوله: (شَيْء) بِالرَّفْع فَاعله على هَذِه
الرِّوَايَة. قَوْله: (كَانَ قَضَاء ذَلِك) ، أَي: كَانَ
الحكم فِيهِ عِنْد الغشيان من ذَلِك مفوضاً إِلَى الله
تَعَالَى، إِن شَاءَ عاقب وَإِن شَاءَ عَفا، أللهم أعفِّ
عنَّا يَا كريم.
44 - (بابُ تَزْوِيجِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
عائِشَةَ وقُدُومِها المَدِينَةَ وبِنائِهِ بِها)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان تَزْوِيج النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا،
وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول: بَاب تَزْوِيج النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، وَوَقع هَكَذَا فِي بعض النّسخ،
وَقَالَ الْكرْمَانِي: التَّزْوِيج بِمَعْنى التَّزَوُّج،
نَحْو التَّقْدِيم بِمَعْنى التَّقَدُّم، وَالْمرَاد
تَزْوِيجه لنَفسِهِ إِيَّاهَا، أَو هُوَ مُضَاف إِلَى
الْمَفْعُول الأول. قلت: هَذَا مَوضِع التَّأَمُّل
وَالصَّوَاب هُوَ الَّذِي وَقع فِي بعض النّسخ: بَاب تزوج
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَوَقع من رِوَايَة أبي
ذَر، تَزْوِيج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِدُونِ
لَفْظَة: بَاب، أَي: هَذَا بَيَان تَزْوِيج النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (وقدومها) ، أَي: وَفِي
بَيَان قدوم عَائِشَة الْمَدِينَة، وَكَانَ قدوم عَائِشَة
مَعَ أمهَا وَأُخْتهَا أَسمَاء بنت أبي بكر، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، إِلَى الْمَدِينَة بعد أبي بكر، لِأَن
أَبَا بكر هَاجر مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
وَبعد أَن اسْتَقر ركاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأَبُو بكر بِالْمَدِينَةِ بعد الْهِجْرَة بعثا زيد بن
حَارِثَة وَأَبا رَافع، مولى رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، ليأتيا بِأَهَالِيِهِمْ من مَكَّة، وبعثا
مَعَهُمَا بجملين وَخَمْسمِائة دِرْهَم ليشتريا بهَا إبِلا
من قديد، فذهبا فجاآ ببنتي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: فَاطِمَة وَأم كُلْثُوم، وَزَوجته سَوْدَة
وَعَائِشَة وَأمّهَا أم رُومَان، فقدمن ونزلن بالسنح
(17/33)
ثمَّ دخل رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم بعائشة بالسنح فِي منزل أبي بكر، وَكَانَ بعد
الْهِجْرَة بسبعة أشهر أَو ثَمَانِيَة أشهر. وَاخْتلفُوا
فِي سنّهَا يَوْمئِذٍ؟ فَقَالَ الْوَاقِدِيّ: كَانَت بنت
سِتّ سِنِين، وَعَن ابْن عَبَّاس: سبع سِنِين، وَالأَصَح
أَنَّهَا كَانَت بنت تسع سِنِين لِأَنَّهُ تزَوجهَا قبل
الْهِجْرَة بِثَلَاث سِنِين وَتُوفِّي رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي بنت ثَمَان عشرَة سنة.
وَاخْتلفُوا: فِي أَي شهر دخل بهَا؟ فَذكر البلاذري أَنه
فِي رَمَضَان، وَعَن ابْن إِسْحَاق والطبري: فِي ذِي
الْقعدَة بعد مقدمه الْمَدِينَة بِثمَانِيَة أشهر،
وَالأَصَح أَنه فِي شَوَّال، لما روى مُسلم وَأحمد
وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه عَن
عَائِشَة، قَالَت: (تزَوجنِي رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي شَوَّال وَبنى بِي فِي شَوَّال) ،
الحَدِيث. قَوْله: (وبنائه بهَا) أَي: وَفِي بَيَان بِنَاء
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعائشة، وَقد اعْترض على
البُخَارِيّ بِأَن الْجَوْهَرِي قَالَ: الْعَامَّة تَقول:
بنى بأَهْله، وَهُوَ خطأ، وَإِنَّمَا يُقَال: بنى على
أَهله، ورد على الْمُعْتَرض بِأَن الفصحاء استعملوه
بِالْبَاء، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَول عَائِشَة: بنى بِي
فِي شَوَّال، وَسَيَأْتِي قَول عُرْوَة فِي آخر الحَدِيث:
وَبنى بهَا، وَالْأَصْل فِي هَذَا أَن الدَّاخِل على أَهله
يضْرب عَلَيْهِ قبْلَة لَيْلَة الدُّخُول، ثمَّ قيل لكل
دَاخل بأَهْله: بانٍ.
377 - (حَدثنِي فَرْوَة بن أبي المغراء حَدثنَا عَليّ بن
مسْهر عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة رَضِي الله
عَنْهَا قَالَت تزَوجنِي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَنا بنت سِتّ سِنِين فقدمنا
الْمَدِينَة فنزلنا فِي بني الْحَارِث بن خزرج فوعكت فتمرق
شعري فوفي جميمة فأتتني أُمِّي أم رُومَان وَإِنِّي لفي
أرجوحة وَمَعِي صَوَاحِب لي فصرخت بِي فأتيتها لَا أَدْرِي
مَا تُرِيدُ بِي فَأخذت بيَدي حَتَّى أوقفتني على بَاب
الدَّار وَإِنِّي لأنهج حَتَّى سكن بعض نَفسِي ثمَّ أخذت
شَيْئا من مَاء فمسحت بِهِ وَجْهي ورأسي ثمَّ أدخلتني
الدَّار فَإِذا نسْوَة من الْأَنْصَار فِي الْبَيْت
فَقُلْنَ على الْخَيْر وَالْبركَة وعَلى خير طَائِر
فأسلمتني إلَيْهِنَّ فأصلحن من شأني فَلم يرعني إِلَّا
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ضحى
فأسلمتني إِلَيْهِ وَأَنا يَوْمئِذٍ بنت تسع سِنِين)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهُ مُشْتَمل على
تزَوجه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِيَّاهَا
وبنائه بهَا وفروة بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الرَّاء ابْن
أبي المغراء بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْغَيْن
الْمُعْجَمَة وبالراء وبالمد أَبُو الْقَاسِم الْكِنْدِيّ
الْكُوفِي وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه
عُرْوَة ابْن الزبير رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ والْحَدِيث
أخرجه ابْن ماجة فِي النِّكَاح عَن سُوَيْد بن سعيد عَن
عَليّ بن مسْهر قَوْله " فقدمنا الْمَدِينَة " قد ذكرنَا
قدومها عَن قريب قَوْله " فوعكت " على صِيغَة الْمَجْهُول
أَي حميت من الوعك وَهِي الْحمى قَوْله " فتمرق " بالراء
وَفِي رِوَايَة الْكشميهني أَي انتتف وَفِي رِوَايَة غَيره
بالزاي أَي تقطع قَوْله " فوفى " بِالْفَاءِ أَي كثر
وَفِيه حذف تَقْدِيره فنصلت من الوعك فنبر بِي شعري فوفي
قَوْله جميمة بِالرَّفْع فَاعل وَفِي وَقَالَ ابْن
الْأَثِير وَمِنْه حَدِيث عَائِشَة حِين بنى بهَا رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَت وفت
لي جميمة أَي كثرت والجميمة بِالْجِيم مصغر الجمة بتَشْديد
الْمِيم والجمة من شعر الرَّأْس مَا سقط على
الْمَنْكِبَيْنِ وَإِذا كَانَ إِلَى شحمة الْأُذُنَيْنِ
يُسمى وفرة قَوْله " أم رُومَان " عطف بَيَان لقولها
أُمِّي وَهِي كنية أم عَائِشَة وَاسْمهَا زَيْنَب بنت
عَامر بن عُوَيْمِر قَالَه الذَّهَبِيّ وَقَالَ أَبُو عمر
أم رُومَان يُقَال بِفَتْح الرَّاء وَضمّهَا بنت عَامر
وَلم يذكر لَهَا اسْما مَاتَت فِي حَيَاة النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سنة سِتّ من
الْهِجْرَة فَنزل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - قبرها واستغفر لَهَا وَقَالَ اللَّهُمَّ لم
يخف عَلَيْك مَا ألقيت أم رُومَان فِيك وَفِي رَسُولك
قَوْله " لفي أرجوحة " بِضَم الْهمزَة وَإِسْكَان الرَّاء
وَضم الْجِيم وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة نوع لعب للصبيان
يطفرون بِهِ بَين الجذعين بِحَبل وَغَيره وَقَالَ
الْجَوْهَرِي ترجحت الأرجوحة بالغلام مَالَتْ بِهِ قَوْله
" لأنهج " بالنُّون أَي أتنفس تنفسا عَالِيا قَالَ
الْكرْمَانِي وأنهج بِلَفْظ الْمَجْهُول يُقَال أنهج الرجل
إِذا غَلبه التنفس من الإعياء والنهج تتَابع النَّفس
وَقَالَ ابْن فَارس يُقَال أَتَانَا فلَان ينهج أَي مبهورا
مُنْقَطع النَّفس وَقَالَ الْهَرَوِيّ أنهج أُرِيد التنفس
يُقَال نهج وأنهج وَقَالَ أَبُو عبيد لَا يُقَال نهج
قَوْله وعَلى خير طَائِر أَي قدمت على خير قَالَ وَقيل على
خير حَظّ وَنصِيب قَوْله فَلم يرعني بِضَم الرَّاء
وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة أَي لم يفاجئني وَإِنَّمَا
يُقَال ذَلِك فِي الشَّيْء لَا تتوقعه فيهجم عَلَيْك فِي
غير زَمَانه أَو مَكَانَهُ وَيُقَال مَعْنَاهُ لم يفزعني
شَيْء إِلَّا دُخُوله عَليّ وَكنت
(17/34)
بذلك عَن المفاجأة بِالدُّخُولِ على غير
عَالم بذلك فَإِنَّهُ يفزع غَالِبا قَوْله " ضحى " أَي
ظهرا ويروى قد ضحا وَهَكَذَا ذكره ابْن الْأَثِير فَقَالَ
فَلم يرعني إِلَّا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - قد ضحى أَي ظهر قلت فعلى هَذَا ضحا فعل مَاض
يُقَال ضحا يضحو ضحوا إِذا ظهر وَيُقَال أَيْضا ضحا الظل
إِذا صَار شمسا قَوْله " فأسلمتني إِلَيْهِ " أَي أسلمتني
النسْوَة من الْأَنْصَار إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله " وَأَنا يَوْمئِذٍ "
الْوَاو فِيهِ للْحَال أَي يَوْم التَّسْلِيم كنت بنت تسع
سِنِين -
3895 - حدَّثنا مُعَلَّى حدَّثني وُهَيْبٌ عنْ هِشَامِ بنِ
عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى
عنهَا أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ
لَهَا أُرِيتُكِ فِي المَنَامِ مَرَّتَيْنِ أُرَي أنَّكَ
فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ ويَقُولُ هَذِهِ امْرَأتُكَ
فَاكْشِفْ عَنْهَا فإذَا هِيَ أنْتِ فأقُولُ إنْ يَكُ
هَذَا مِنْ عِنْدِ الله يُمْضِهِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (هَذِه
امْرَأَتك) ومعلَّى، بِضَم الْمِيم بِلَفْظ اسْم
الْمَفْعُول من بَاب التَّفْضِيل من الْعُلُوّ بِالْعينِ
الْمُهْملَة: ابْن أَسد الْعمي أَبُو الْهَيْثَم
الْبَصْرِيّ، وروى عَنهُ مُسلم أَيْضا، مَاتَ
بِالْبَصْرَةِ سنة ثَمَان عشرَة وَمِائَتَيْنِ، ووهيب مصغر
وهب بن خَالِد الْبَصْرِيّ. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (أريتك) ، بِضَم الْهمزَة. قَوْله: (أرَى،) بِضَم
الْهمزَة أَيْضا أَي: أَظن. قَوْله: (فِي سَرقَة) ،
بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَفتح الرَّاء وَالْقَاف:
وَهِي الْقطعَة من الْحَرِير، وَأَصلهَا
بِالْفَارِسِيَّةِ: سره، أَي: جيد فعربوه كَمَا عربوا:
استبرق، وَنَحْوه وَوصف أَعْرَابِي رجلا، فَقَالَ: لِسَانه
أرق من ورقه وألين من سَرقَة. قَوْله: (فَإِذا هِيَ) كلمة:
إِذا، للمفاجأة.
45 - (بابُ هِجْرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وأصْحَابِهِ إلَى المَدِينَةِ)
(17/35)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان هِجْرَة
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهجرة أَصْحَابه إِلَى
الْمَدِينَة، أما هِجْرَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَكَانَت أول يَوْم من ربيع الأول بعد بيعَة
الْعقبَة بشهرين وَبضْعَة عشرَة أَيَّام، وَجزم بِهِ
الأموري فِي الْمَغَازِي عَن إِبْنِ إِسْحَاق وَقدم
الْمَدِينَة لِاثْنَتَيْ عشرَة خلت من ربيع الأول. وَأما
هِجْرَة أَصْحَابه فَكَانَ أَبُو بكر قد توجه مَعَه وعامر
بن فهَيْرَة، وَتوجه قبل ذَلِك بَين العقبتين جمَاعَة
مِنْهُم، ابْن أم مَكْتُوم، وَيُقَال: إِن أول من هَاجر
إِلَى الْمَدِينَة أَبُو سَلمَة بن عبد الْأسد
المَخْزُومِي زوج أم سَلمَة، وَقدم بعده عَامر بن ربيعَة
حَلِيف بني عدي، ثمَّ توجه مُصعب بن عُمَيْر، ثمَّ كَانَ
أول من هَاجر بعد بيعَة الْعقبَة عَامر بن ربيعَة، على مَا
ذكره ابْن إِسْحَاق، ثمَّ توجه بَاقِي الصَّحَابَة شَيْئا
فَشَيْئًا. وَعَن شُعْبَة عَن إِسْحَاق: سَمِعت الْبَراء
بن عَازِب قَالَ: أول مَا قدم مُصعب بن عُمَيْر وَابْن أم
مَكْتُوم فَكَانَا يقرئان النَّاس، وَقدم بِلَال وَسعد
وعمار بن يَاسر، ثمَّ قدم عمر بن الْخطاب، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، فِي عشْرين من أَصْحَابه، ثمَّ قدم رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على مَا يَأْتِي بَيَانه،
إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَفِي مُسلم التَّصْرِيح بِأَن
سعد بن أبي وَقاص، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، هَاجر قبل
قدوم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة.
وقالَ عَبْدُ الله بنُ زَيْدٍ وأبُو هُرَيْرَةَ رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُمَا عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لَوْلاَ الهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَءًا مِنَ
الأنْصَارِ
تَعْلِيق عبد الله بن زيد بن عَاصِم بن كَعْب
الْأنْصَارِيّ البُخَارِيّ الْمَازِني أخرجه البُخَارِيّ
مَوْصُولا مطولا فِي الْمَغَازِي فِي: بَاب غَزْوَة
الطَّائِف، وَذكره أَيْضا مُعَلّقا فِي: بَاب مَنَاقِب
الْأَنْصَار، وَكَذَلِكَ أخرج تَعْلِيق أبي هُرَيْرَة
فِيهِ فِي: بَاب قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
(لَوْلَا الْهِجْرَة لَكُنْت امْرَءًا من الْأَنْصَار) .
وقالَ أبُو مُوسَى عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
رأيْتُ فِي المَنامِ أنِّي أهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى
أرْضٍ بِهَا نَخْلٌ فَذَهَبَ وهَلِي إِلَى أنَّهَا
اليَمَامَةُ أوْ هَجَرُ فإذَا هِيَ المَدِينَةُ يَثْرِبُ
أَبُو مُوسَى عبد الله بن قيس. وَمضى تَعْلِيقه فِي: بَاب
عَلَامَات النُّبُوَّة مطولا. وَمضى الْكَلَام فِيهِ
هُنَاكَ.
قَوْله: (وهلي) ، بِفَتْح الْوَاو وَالْهَاء وسكونها أَي:
وهمي، (واليمامة) مَدِينَة بِالْيمن على مرحلَتَيْنِ من
الطَّائِف (وهجر) بِفَتْح الْهَاء وَالْجِيم، ويروى:
والهجر، بِالْألف وَاللَّام. قَالَ الْكرْمَانِي: هِيَ
قَرْيَة قريبَة من الْمَدِينَة، وَقَالَ بَعضهم: وَزعم بعض
الشُّرَّاح أَن المُرَاد: بهجر، هُنَا قَرْيَة قريبَة من
الْمَدِينَة وَهُوَ خطأ، فَإِن الَّذِي يُنَاسب أَن
يُهَاجر إِلَيْهِ لَا بُد وَأَن يكون بَلَدا كثير
الْأَهْل، وَهَذِه الْقرْيَة الَّتِي ذكرهَا لَا يعرفهَا
أحد. قلت: أَرَادَ بِهِ الْحَط على الْكرْمَانِي حَيْثُ
نسبه إِلَى الْخَطَأ. وَالَّذِي قَالَه غير خطأ، فَهَذَا
ياقوت ذكره فِي: (الْمُشْتَرك) : وَكَيف يَقُول: لَا
يعرفهَا أحد؟ وَقَوله: لَا بُد ... إِلَى آخِره غير مُسلم،
فَمن هُوَ الَّذِي شَرط هَذَا من الْعلمَاء؟ وَلَا ينزل
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَوضِع إلاَّ وَيكثر أَهله
ويعظم شَأْنه، (ويثرب) اسْم مَدِينَة النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ غير منصرف.
3897 - حدَّثنا الحُمَيْدِيُّ حدَّثنا سُفْيَانُ حدَّثنا
الأعْمَشُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا وائِلٍ يَقُولُ عُدْنَا
خبَّاباً فَقَالَ هاجَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم نُرِيدُ وجْهَ الله فوَقَعَ أجْرُنَا علَى
الله فَمِنَّا مَنْ مَضَى لَمْ يأخُذْ مِنْ أجْرِهِ
شَيْئاً مِنْهُمْ مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ قُتِلَ يَوْمَ
أُحُدٍ وتَرَكَ نَمِرَةً فَكُنَّا إذَا غَطَّيْنَا بِهَا
رَأسَهُ بدَتْ رِجُلاَهُ وإذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ بدَا
رأسُهُ فأمرَنَا رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ
نُغَطِّي رأسَهُ ونَجْعَلَ علَى رِجْلَيْهِ شَيْئَاً مِنْ
إذْخِرٍ ومِنَّا مَنْ أيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهْوَ
يَهْدِبُهَا. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (هاجرنا مَعَ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) والْحميدِي عبد الله بن الزبير،
وسُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وَأَبُو
وَائِل شَقِيق، وَالْكل قد ذكرُوا غير مرّة. والْحَدِيث قد
مر فِي كتاب الْجَنَائِز فِي: بَاب إِذا لم يجد كفناً
إلاَّ مَا يواري رَأسه.
قَوْله: (هاجرنا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
مَعْنَاهُ: هاجرنا بِإِذْنِهِ لِأَنَّهُ لم يُهَاجر مَعَ
النَّبِي صلى الله
(17/36)
عَلَيْهِ وَسلم، إلاَّ أَبُو بكر وعامر بن
فهَيْرَة. قَوْله: (نمرة) بِفَتْح النُّون وَكسر الْمِيم:
وَهِي كسَاء ملون مخطط، أَو بردة تلبسها الْإِمَاء وَتجمع
على نمرات ونمور. قَوْله: (أينعت) أَي: أدْركْت ونضجت،
يُقَال: ينع الثَّمر وأينع يينع ويونع فَهُوَ يَانِع
ومونع. قَوْله: (يهدبها) ، بِكَسْر الدَّال وَضمّهَا، أَي:
يقطعهَا ويجتنيها من هدب الثَّمَرَة إِذا اجتناها.
3898 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا حَمَّادٌ هُوَ ابنُ
زَيْدٍ عنْ يَحْيَى عنْ مُحَمَّدِ بنِ إبْرَاهِيمَ عنْ
علْقَمَةَ بنِ وقاصٍ قَالَ سَمِعتُ عُمَرَ رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أُرَاهُ يَقُولُ الأعْمَالُ بالنِّيَّةِ
فَمَنْ كانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهِا أوِ
امْرَأةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ
إلَيْهِ ومَنْ كانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى الله ورَسُولِهِ
فَهِجْرَتُهُ إِلَى الله ورسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى هُوَ ابْن سعيد
الْأنْصَارِيّ، وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم ابْن الْحَارِث
التَّيْمِيّ الْقرشِي الْمدنِي، والْحَدِيث قد مر فِي أول
الْكتاب، وَمضى الْكَلَام فِيهِ مطولا.
3900 - قَالَ يَحْيَى بنُ حَمْزَةَ وحدَّثني الأوْزَاعِيُّ
عنْ عَطَاءِ بنِ أبِي رَبَاحٍ قَالَ زُرْتُ عائِشَةَ رَضِي
الله تَعَالَى عنهَا مَعَ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ
اللَّيْثِيِّ فَسَألْنَاهَا عنِ الْهِجْرَةِ فقَالَتْ لاَ
هِجْرَةَ اليَوْمَ كانَ الْمُؤْمِنُونَ يَفِرُّ أحَدُهُمْ
بِدِينِهِ إِلَى الله تَعَالَى وإلَى رسُولِهِ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مَخافَةَ أنْ يُفْتَنَ عَلَيْهِ فأمَّا
اليَوْمَ فَقَدْ أظْهَرَ الله الإسْلاَمَ واليَوْمَ
يَعْبُدُ رَبَّهُ حَيْثُ شاءَ ولَكِنْ جِهَادٌ ونِيَّةٌ.
(انْظُر الحَدِيث 3080 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. قَوْله: (قَالَ يحيى بن
حَمْزَة) ، هُوَ: يحيى بن حَمْزَة الْمَذْكُور فِيمَا
قبله، وَهُوَ مُتَّصِل بِمَا قبله. قَوْله: (زرت عَائِشَة)
، وَقد مضى فِي أَبْوَاب الطّواف من الْحَج أَنَّهَا
كَانَت حِينَئِذٍ مجاورة فِي جبل ثبير. قَوْله: (فسألناها
عَن الْهِجْرَة) ، أَي: الَّتِي كَانَت قبل الْفَتْح
وَاجِبَة إِلَى الْمَدِينَة، ثمَّ نسخت بقوله: لَا هِجْرَة
بعد الْفَتْح، وَوَقع عِنْد الْأمَوِي فِي الْمَغَازِي من
وَجه آخر: عَن عَطاء، فَقَالَت: إِنَّمَا كَانَت
الْهِجْرَة قبل فتح مَكَّة، وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم بِالْمَدِينَةِ. قَوْله: (لَا هِجْرَة الْيَوْم) ،
أَي: بعد الْفَتْح. قَوْله: (وَأما الْيَوْم فقد أظهر الله
الْإِسْلَام) ، لِأَن مَكَّة صَارَت بعد الْفَتْح دَار
إِيمَان وَدخل النَّاس فِي الْإِسْلَام فِي جَمِيع
الْقَبَائِل، فارتفعت الْهِجْرَة الْوَاجِبَة وَبَقِي
الِاسْتِحْبَاب. قَوْله: (وَلَكِن جِهَاد) أَي: وَلَكِن
جِهَاد هُوَ هِجْرَة يَعْنِي: لَا تَنْقَطِع الْهِجْرَة
مَا قوتل الْكفَّار، أَي: مَا دَامَ فِي الدُّنْيَا دَار
كفر فالهجرة وَاجِبَة مِنْهَا على من أسلم، وخشي أَن يفتن
عَن دينه. قَوْله: (وَنِيَّة) أَي: ثَوَاب النِّيَّة فِي
الْهِجْرَة، أَو فِي الْجِهَاد. وَتقدم الْكَلَام فِيهِ
فِي أول كتاب الْجِهَاد.
3901 - حدَّثني زَكَرِيَّاءُ بنُ يَحْيَى حدَّثنا ابنُ
نُمَيْرٍ قَالَ هِشامٌ فأخْبرَنِي أبي عنْ عائِشَةَ
(17/37)
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أنَّ سَعْدَاً
قَالَ أللَّهُمَّ إنَّكَ تَعْلَمُ أنَّهُ لَيْسَ أحَدٌ
أحَبَّ إلَيَّ أنْ أُجَاهِدَهُمْ فِيكَ منْ قَوْمٍ كذَبُوا
رَسُولَكَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأخْرَجُوهُ اللَّهُمَّ
فإنِّي أظُنُّ أنَّكَ قدْ وَضَعْتَ الحَرْبَ بَيْنَنَا
وبَيْنَهُمْ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (وأخرجوه) أَي:
كَانُوا سَببا لِخُرُوجِهِ من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة،
وَخُرُوجه هَذَا هُوَ الْهِجْرَة. وزكرياء بن يحيى بن
صَالح بن سُلَيْمَان بن مطر أَبُو يحيى الْبَلْخِي
الْحَافِظ الْفَقِيه، وَهُوَ من أَفْرَاده وَابْن نمير
هُوَ عبد الله بن نمير أَبُو هِشَام الخارقي الْهَمدَانِي،
وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة بن الزبير يروي عَن أَبِيه عَن
عَائِشَة.
قَوْله: (أَن سَعْدا) هُوَ ابْن معَاذ الْأنْصَارِيّ
الأوسي، مَاتَ بعد حكمه فِي بني قُرَيْظَة سنة خمس.
قَوْله: (من قوم) ، يَعْنِي: بني قريضة وَكَانُوا يهوداً
أَشد النَّاس عَدَاوَة للْمُؤْمِنين، كَمَا وَصفهم الله
تَعَالَى، ودعا سعد أَن لَا يميته الله حَتَّى تقر عينه
بهلاكهم فاستجيب لَهُ، وَكَانَ جرح فِي أكحله ينبل فنزلوا
على حكمه، فَحكم بقتل الْمُقَاتلَة وَسبي الذُّرِّيَّة
ثمَّ انفجر أكحله فَمَاتَ، وَسَيَأْتِي بَقِيَّة الْكَلَام
فِي غَزْوَة بني قُرَيْظَة، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَقَالَ أبانُ بنُ يَزِيدَ حدَّثنا هِشَامٌ عنْ أَبِيه
أخْبَرَتْنِي عائِشَةُ مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا نَبِيَّكَ
وأخْرَجُوهُ مِنْ قُرَيْشٍ
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن أبان بن يزِيد الْعَطَّار وَافق
ابْن نمير فِي رِوَايَته عَن هِشَام لهَذَا الحَدِيث،
وَبَين الْقَوْم الَّذين أبهموا بِأَنَّهُم قُرَيْش، وَزعم
الدَّاودِيّ أَن المُرَاد بالقوم بَنو قُرَيْظَة. وَقَوله:
(من قُرَيْش) لَيْسَ بِمَحْفُوظ، ورد عَلَيْهِ بِأَن
الرِّوَايَة الثَّابِتَة لَا ترد بِالظَّنِّ والزعم،
وَالدَّلِيل على أَن المُرَاد قُرَيْش مَا سَيَأْتِي فِي
الْمَغَازِي فِي بَقِيَّة الحَدِيث من كَلَام سعد، قَالَ:
أللهم فَإِن كَانَ بَقِي من حَرْب قُرَيْش شَيْء فأبقني
لَهُ ... الحَدِيث. وَأَيْضًا قَوْله: فِي الحَدِيث:
وأخرجوه، هم قُرَيْش لأَنهم الَّذين أَخْرجُوهُ، وَأما
بَنو قُرَيْظَة فَلَا.
3902 - حدَّثنا مَطَرُ بنُ الفَضْلِ حدَّثنا رَوْحٌ
حدَّثنا هِشَامٌ حدَّثنا عِكْرِمَةُ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ
رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ بُعِثَ رسُولُ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لأِرْبَعِينِ سَنَةً فَمَكَثَ
بِمَكَّةَ ثَلاثَ عَشَرَةَ سَنَةً يُوحَى إلَيْهِ ثُمَّ
أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ فَهَاجَرَ عَشْرَ سِنينَ وماتَ وهْوَ
ابنُ ثَلاثٍ وسِتِّينَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي قَوْله: (ثمَّ أَمر
بِالْهِجْرَةِ) قَوْله: (ثَلَاث عشرَة سنة يوحَى إِلَيْهِ)
وَهَذَا أصح مِمَّا رَوَاهُ أَحْمد عَن يحيى بن سعيد عَن
هِشَام بن حسان بِهَذَا الْإِسْنَاد، قَالَ: أنزل على
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ ابْن ثَلَاث
وَأَرْبَعين، فَمَكثَ بِمَكَّة عشرا. قلت: ثَلَاث سِنِين
بعد الْأَرْبَعين الَّتِي قبض فِيهَا إسْرَافيل، عَلَيْهِ
السَّلَام، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى فِي كتاب
المبعث.
3903 - حدَّثني مَطَرُ بنُ الفَضْلِ حدَّثنا رَوْحُ بنُ
عُبَادَةَ حدَّثنَا زَكَرِيَّاءُ بنُ إسْحَاقَ حدَّثنَا
عَمْرُو بنُ دِينَارٍ عنِ ابنِ عبَّاسٍ قَالَ مَكُثَ
رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّةَ ثَلاثَ
عَشْرَة وتُوُفِّيَ وهْوَ ابنُ ثَلاثٍ وسِتِّينَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن كَونه بِمَكَّة بعد
مبعثه ثَلَاث عشرَة سنة يدل على أَن بَقِيَّة عمره كَانَت
فِي الْمَدِينَة، وَهُوَ بِالضَّرُورَةِ يدل على
الْهِجْرَة من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة، وَهَذَا طَرِيق
آخر أَيْضا عَن مطر بن الْفضل، بِالْمُعْجَمَةِ الساكنة:
الْمروزِي، مَاتَ بفربر، بِفَتْح الْفَاء وَكسرهَا وَفتح
الرَّاء الأولى وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة، وروح،
بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون الْوَاو وَبِالْحَاءِ
الْمُهْملَة: ابْن عبَادَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة
وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة المخففة، وَهِشَام هُوَ ابْن
حسان القهدوسي، بِضَم الْقَاف، وَمضى الْكَلَام فِيهِ فِي
كتاب المبعث.
(17/38)
386 - (حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن عبد الله
قَالَ حَدثنِي مَالك عَن أبي النَّضر مولى عمر بن عبيد
الله عَن عبيد يَعْنِي ابْن حنين عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ
رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جلس على الْمِنْبَر فَقَالَ إِن
عبدا خَيره الله بَين أَن يؤتيه من زهرَة الدُّنْيَا مَا
شَاءَ وَبَين مَا عِنْده فَاخْتَارَ مَا عِنْده فَبكى
أَبُو بكر وَقَالَ فَدَيْنَاك بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتنَا
فعجبنا لَهُ. وَقَالَ النَّاس انْظُرُوا إِلَى هَذَا
الشَّيْخ يخبر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - عَن عبد خَيره الله بَين أَن يؤتيه من زهرَة
الدُّنْيَا وَبَين مَا عِنْده وَهُوَ يَقُول فَدَيْنَاك
بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتنَا فَكَانَ رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هُوَ الْمُخَير وَكَانَ
أَبُو بكر هُوَ أعلمنَا بِهِ. وَقَالَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِن من أَمن النَّاس
عَليّ فِي صحبته وَمَاله أَبَا بكر وَلَو كنت متخذا
خَلِيلًا من أمتِي لاتخذت أَبَا بكر إِلَّا خلة
الْإِسْلَام لَا يبْقين فِي الْمَسْجِد خوخة إِلَّا خوخة
أبي بكر رَضِي الله عَنهُ) مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ
من قَوْله أَن من أَمن النَّاس عَليّ فِي صحبته وَلم يصاحب
مَعَه فِي الْهِجْرَة إِلَّا أَبُو بكر رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ وَهَذَا بطرِيق الِاسْتِئْنَاس وَإِن كَانَ
فِيهِ بعض بعد وَهَذَا الْقدر كَاف فِي الْمُطَابقَة
وَأَبُو النَّضر بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد
الْمُعْجَمَة واسْمه سَالم وَعبيد بِضَم الْعين ابْن حنين
بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح النُّون الأولى مولى زيد
بن الْخطاب الْقرشِي والْحَدِيث مر فِي بَاب قَول النَّبِي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سدوا الْأَبْوَاب
إِلَّا بَاب أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَإِنَّهُ
أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن مُحَمَّد عَن أبي عَامر عَن
فليح عَن سَالم عَن أبي النَّضر عَن بشر بن سعيد عَن أبي
سعيد الْخُدْرِيّ والراوي هُنَا عَن أبي سعيد هُوَ عبيد بن
حنين وَكَذَلِكَ مضى فِي كتاب الصَّلَاة فِي بَاب الخوخة
والممر فِي الْمَسْجِد فَإِن الرَّاوِي هُنَاكَ أَيْضا عَن
أبي سعيد هُوَ بشر بن سعيد وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ
قَوْله وَقَالَ النَّاس انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخ
وَفِي الحَدِيث الَّذِي فِي كتاب الصَّلَاة فَقلت فِي
نَفسِي مَا يبكي هَذَا الشَّيْخ الْقَائِل هُوَ أَبُو سعيد
وَجَاء فى حَدِيث ابْن عَبَّاس عِنْد البلادري فَقَالَ
لَهُ أَبُو سعيد مَا يبكيك يَا أَبَا بكر فَذكر الحَدِيث
قَوْله " انْظُرُوا " يَعْنِي كَانُوا يتعجبون من تفديته
إِذْ لم يفهموا الْمُنَاسبَة بَين الْكَلَامَيْنِ قَوْله
هُوَ الْمُخَير بِفَتْح الْيَاء أَي خير الله رَسُوله بَين
بَقَائِهِ فِي الدُّنْيَا ورحلته إِلَى الْآخِرَة وَفِي
إِعْرَاب لفظ الْمُخَير وَجْهَان النصب على أَنه خبر كَانَ
وَلَفظه هُوَ ضمير فصل وَفِيه خلاف هَل هُوَ اسْم أَو حرف
وَالرَّفْع على أَنه خبر مُبْتَدأ وَهُوَ قَوْله هُوَ
وَالْجُمْلَة فِي مَحل النصب على أَنَّهَا خبر كَانَ
قَوْله يخبر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فعل وفاعل قَوْله إِلَّا خلة الْإِسْلَام
الِاسْتِثْنَاء فِيهِ مُنْقَطع أَي لَكِن خلة الْإِسْلَام
أفضل وَفِيمَا تقدم إِلَّا أخوة الْإِسْلَام قَوْله خوخة
بِفَتْح المعجمتين بَينهمَا وَاو سَاكِنة هُوَ الْبَاب
الصَّغِير وَكَانَ بعض الصَّحَابَة فتحُوا أبوابا فِي
دِيَارهمْ إِلَى الْمَسْجِد فَأمر الشَّاعِر بسدها كلهَا
إِلَّا خوخة أبي بكر ليتميز بذلك فَضله وَفِيه إِيمَاء
إِلَى الْخلَافَة -
3905 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ حدَّثَنا اللَّيْثُ
عنْ عُقَيْلٍ قَالَ ابنُ شِهَابٍ فأخْبرَنِي عُرْوَةُ بنُ
الزُّبَيْرِ أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا
زوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالَتْ لَمْ
أعْقِلْ أبَوَيَّ قَط إلاَّ وهُمَا يَدِينانِ الدِّينَ
ولَمْ يَمُرَّ علَيْنَا يَوْمٌ إلاَّ يأتِينَا فِيهِ
رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طرَفَيِ النَّهَارِ
بُكْرَةً وعَشِيَّةً فلَمَّا ابْتُلِيَ المُسْلِمُونَ
خرَجَ أبُو بَكْرٍ مُهَاجِراً نَحْوَ أرْضِ الحَبَشَةِ
حتَّى بَلَغَ برْكَ الغِمَادِ لَقِيَهُ ابنُ الدَّغِنَةِ
وَهْوَ سَيِّدُ القارَةِ فَقَالَ أيْنَ تُرِيدُ يَا أبَا
بَكْرٍ فَقَالَ أبُو بَكْرٍ أخْرَجَنِي قَوْمِي فأرِيدُ
أنْ أسِيحَ فِي الأرْضِ وأعْبُدَ رَبِّي فَقَالَ ابنُ
الدَّغِنَةِ فإنَّ مِثْلَكَ يَا أبَا بَكْرٍ لاَ يَخْرُجُ
ولاَ يُخْرَجُ إنَّكَ
(17/39)
تَكْسِبُ المَعْدُومَ وتَصِلُ الرَّحِمَ
وتَحْمِلُ الكَلَّ وتَقْرِي الضَّيْفَ وتُعِينُ علَى
نَوَائِبِ الحَقِّ فَأَنا لَكَ جارٌ ارْجَعْ واعْبُدْ
رَبَّكَ بِبَلَدِكَ فرَجَعَ وارْتَحَلَ مَعَهُ ابنُ
الدَّغِنَةِ فَطافَ ابنُ الدَّغِنَةِ عَشِيَّةً فِي
أشْرَافِ قُرَيْشٍ فَقَالَ لَهُمْ إنَّ أبَا بَكْرٍ لاَ
يَخْرُجُ مِثْلُهُ وَلَا يُخْرَجُ أتُخْرِجُونَ رَجُلاً
يَكْسِبُ الْمَعْدُومَ ويَصِلُ الرَّحِمَ ويَحْمِلُ
الكَلَّ ويَقْرِي الضَّيْفَ ويُعينُ علَى نَوائِبِ الحَقِّ
فلَمْ تُكَذِّبْ قُرَيْشٌ بِجِوَارِ ابنِ الدَّغِنَةِ
وَقَالُوا لابنِ الدَّغِنَةِ مُرْ أبَا بَكْرٍ
فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَلْيُصَلِّ فِيها
ولْيَقْرَأ مَا شاءَ ولاَ يُؤْذِينا بِذالِكَ ولاَ
يَسْتَعْلِنْ بِهِ فإنَّا نَخْشَى أنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا
وأبْناءَنَا فَقالَ ذلِكَ ابنُ الدَّغِنَةِ لأبِي بَكْرٍ
فلَبِثَ أبُو بَكْرٍ بذالِكَ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ
ولاَ يَسْتَعْلِنُ بِصَلاتِهِ ولاَ يَقْرَأ فِي غيْرِ
دَارِهِ ثُمَّ بَدَا لأبِي بَكْرٍ فابْتَنَى مَسْجِدَاً
بِفِناءِ دارِهِ وكانَ يُصَلِّي فِيهِ ويَقْرأ القُرْآنَ
فيَتَقَذَّفُ علَيْهِ نِساءُ الْمُشْرِكِينَ وأبْنَاءَهُمْ
وهُمْ يَعْجَبُونِ مِنْهُ ويَنْظُرُونَ إلَيْهِ وكانَ أبُو
بَكْرٍ رَجُلاً بكَّاءٍ لاَ يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إذَا قرَأ
القُرْآنَ فأفْزَعَ ذالِكَ أشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ فأرْسَلُوا إلَى ابْنِ الدَّغِنَةِ فقَدِمَ
علَيْهِمْ فقَالُوا إنَّا كُنَّا أجَرْنَا أبَا بَكْرٍ
بِجِوَارِكَ علَى أنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فقَدْ
جاوَزَ ذالِكَ فابْتَنَى مَسْجِدَاً بِفِناءِ دَارِهِ
فأعْلَنَ بالصَّلاَةِ والقِرَاءَةِ فِيهِ وإنَّا قَدْ
خَشِينَا أنْ يَفْتِنَ نِساءَنَا وأبْنَاءَنَا فانْهَهُ
فإنْ أحَبَّ أنْ يَقْتَصِرَ علَى أنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي
دَارِهِ فعَلَ وإنْ أبَى إلاَّ أنْ يُعْلِنَ بذالِكَ
فسَلْهُ أنْ يَرُدَّ إلَيْكَ ذِمَّتَكَ فإنَّا قَدْ
كَرِهْنَا أنْ نُخْفِرَكَ ولَسْنَا مُقرِّينَ لأِبِي
بَكْرٍ الإسْتِعْلاَنَ. قالَتْ عائِشَةُ فَأتى ابنُ
الدَّغِنَةِ إلَى أبِي بَكْرٍ فَقَالَ قَدْ عَلِمْتَ
الَّذِي عاقَدْتُ لَكَ علَيْهِ فإمَّا أنْ تَقْتَصِرَ علَى
ذَلِكَ وإمَّا أنْ تَرْجِعَ إلَيَّ ذِمَّتِي فإنِّي لَا
أُحِبُّ أنْ تَسْمَعَ العَرَبُ أنِّي أُخْفِرْتُ فِي
رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ فقالَ أبُو بَكْرٍ فإنِّي أرُدُّ
إلَيْكَ جِوَارَكَ وأرْضَى بِجِوَارِ الله عزِّ وجَلَّ
والنَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ
فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لِلْمُسْلِمِينَ إنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ ذاتَ
نَخْلٍ بَيْنَ لاَبَتَيْنِ وهُمَا الحَرَّتَانِ فَهاجَرَ
مَنْ هاجَرَ قِبَلَ المَدِينَةِ ورَجَعَ عامَّةُ مَنْ كانَ
هاجَرَ بأرْضِ الحبَشَةِ إلاى المَدِينَةِ وتَجَهَّزَ أبُو
بَكْرٍ قِبَلَ المَدِينَةِ فَقال لَهُ رَسُولُ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم علَى رِسْلِكَ فإنِّي أرْجُو أنْ
يُؤْذَنَ لِي فَقالَ أبُو بَكْرٍ وهَلْ تَرْجُو ذالِكَ
بأبِي أنْتَ قَالَ نَعَمْ فحَبَسَ أبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ
علَى رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليَصْحَبَهُ
وعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كانَتَا عِنْدَهُ ورَقَ السَّمُرِ
وهْوَ الخَبَطُ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ: قَالَ ابنُ شِهَابٍ
قَالَ عُرْوَةُ قالَتْ عائِشَةُ فبَيْنَما نحْنُ يَوْمَاً
جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ
قَالَ قائلٌ لأِبِي بَكْرٍ هاذَا رسُولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مُتَقَنِّعَاً فِي ساعَةٍ لَمْ يَكُنْ
يأتِينَا فِيها فَقالَ أبُو بَكْرٍ فِدَاءٌ لَهُ أبي
وأُمِّي وَالله مَا جاءَ بِهِ فِي هاذِهِ السَّاعَةِ إلاَّ
أمْرٌ قالَتْ فَجاءَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فاسْتَأذَنَ فأُذِنَ لَهُ فدَخَلَ فَقالَ النَّبِيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لأبِي بَكْرٍ أخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ
فَقالَ أبُو بَكْرٍ إنَّمَا هُمْ أهْلُكَ بأبِي أنْتَ يَا
رسُولَ الله قالَ فإنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الخُرُوجِ
(17/40)
فَقالَ أبُو بَكْرٍ الصَّحَابَةَ بِأبِي
أنْتَ يَا رسُولَ الله قالَ رَسُولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم نَعَمْ قَالَ أبُو بَكْرٍ فَخُذْ بِأبِي
أنْتَ يَا رسُولَ الله إحْدَى رَاحِلَتَيَّ هاتَيْنِ قَالَ
رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالثَّمَنِ قالتْ
عائِشَةُ فَجَهَّزْنَاهُمَا أحَثَّ الجِهَازِ وصَنَعْنَا
لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ فقَطَعَتْ أسْمَاءُ بِنْتُ
أبِي بَكْرٍ قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا فرَبَطَتْ بِهِ
عَلَى فَمِ الجِرَابِ فبِذالِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ
النِّطَاقَيْنِ قالَتْ ثُمَّ لَحِقَ رسُولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وأبُو بَكْرٍ بغارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ
فَكَمِنَا فِيهِ ثلاَثَ لَيالٍ يَبِيتُ عنْدَهُمَا عبْدُ
الله بنُ أبِي بَكْرٍ وهْوَ غُلامٌ شابٌّ ثَقِفٌ لَقِنٌ
فيُدْلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ فيُصْبحُ مَعَ
قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبائِتٍ فَلاَ يَسْمَعُ أمْرَاً
يُكْتَادَانَ بِهِ إلاَّ وَعاهُ حتَّى يأتِيَهِمَا
بِخَبَرِ ذالِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلاَمُ ويَرْعاى
علَيْهِمَا عامِرُ بنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أبِي بَكْرٍ
مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ فيُرِيحُها علَيْهِمَا حِينَ
تَذْهَبُ ساعَةٌ مِنَ العِشاءِ فَيَبِيتَانِ فِي رِسْل
وهْوَ لَبَنُ مِنْحَتِهِمَا ورَضِيفِهِما حتَّى يَنْعِقَ
بِها عامِرُ بنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ يَفْعَلُ ذالِكَ فِي
كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلاثِ
وأسْتأجَرَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأبُو
بَكْرٍ رَجُلاً مِنْ بَنِي الدِّيلِ وهْوَ مِنْ بَنِي
عَبْدِ بنِ عَدِيٍّ هَادِيَاً خِرِّيتاً والْخِرِّيتُ
الماهِرُ بالهِدَايَةِ قَدْ غَمَسَ حِلْفَاً فِي آلِ
العاصِ بنِ وَائلٍ السَّهْمِيِّ وهْوَ علَى دِينِ كُفَّارِ
قُرَيْشٍ فأمِناهُ فَدَفَعا إلَيْهِ راحِلَتَيْهِمَا
ووَاعَدَاهُ غارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاثِ لَيالٍ
بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلاثٍ وانْطَلَقَ معَهُمَا
عامِرُ بنُ فُهَيْرَةَ والدَّلِيلُ فأخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ
السَّوَاحِلِ. .
3906 - قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وأخْبَرَنِي عَبْدُ
الرَّحْمانِ بنُ مَالِكٍ المُدْلِجِيُّ وهْوَ ابنُ أخِي
سُرَاقَةَ بنِ مالِكِ بنِ جُعْشُمٍ أنَّ أبَاهُ أخْبَرَهُ
أنَّهُ سَمِعَ سُرَاقَةَ بنَ جُعْشَمٍ يَقُولُ جاءَنَا
رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ يجْعَلُونَ فِي رسُولِ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وأبِي بَكْرٍ دِيَةٍ كُلِّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا مَنْ قَتَلهُ أوْ أسَرَهُ فبَيْنَمَا أنَا
جالِسٌ فِي مَجْلِس من مَجَالِسِ قَوْمِي بَنِي مُدْلِجٍ
أقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حتَّى قامَ علَيْنَا ونَحْنُ
جُلُوسٌ فقالَ يَا سُرَاقَةَ إنِّي قَدْ رأيْتُ آنِفَاً
أسْوِدَةً بالسَّاحِلِ أُرَاهَا مُحَمَّدَاً وأصْحَابَهُ
قَالَ سُرَاقَةُ فعَرَفْتُ أنَّهُمْ هُمْ فَقُلْتُ لَهُ
إنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ ولَكِنَّكَ رأيْتَ فُلاَنَاً
وفُلاناً انْطَلَقُوا بأعْيُنِنَا يَبْتَغُونَ ضَالَّة
لَهُمْ ثُمَّ لَبِثْتُ فِي الْمَجْلِسِ ساعَةً ثُمَّ
قُمْتُ فدَخَلْتُ فأمَرْتُ جارِيَتِي أنْ تَخْرُجَ
بِفَرَسِي وهْيَ مِنْ ورَاءِ أكَمَةٍ فتَحْبِسَها علَيَّ
وأخَذْتُ رُمْحِي فَخَرَجْتُ بِهِ مِنْ ظَهْرِ البَيْتِ
فَخَطَطْتُ بِزُجِّهِ الأرْضَ وخفَضْتُ عالِيَهُ حَتَّى
أتَيْتُ فرَسِي فرَكِبْتُهَا فرَفَعْتُهَا تُقَرِّبُ بِي
حتَّى دَنَوْتُ مِنْهُمْ فعَثَرَتْ بِي فرَسِي فخَرَرْتُ
عَنْهَا فَقُمْتُ فأهْوَيْتُ بِيَدِي إلَى كِنَانَتِي
فاسْتَخْرَجْتُ مِنْها الأزْلاَمَ فاسْتَقْسَمْتُ بِهَا
أضُرُّهُمْ أمْ لاَ فخَرَجَ الَّذِي أكْرَهُ فرَكِبْتُ
فرَسِي وعصَيْتُ الأزْلامَ تُقَرِّبُ بِي حتَّى إذَا
سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وهْوَ لاَ يَلْتَفِتُ وأبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الإلْتِفَاتَ
ساخَتْ يَدَا فَرَسِي فِي الأَرْضِ حتَّى بَلَغَتا
الرُّكْبَتَيْنِ فخَرَرْتُ عنْها ثُمَّ زَجَرْتُها
فنَهَضَتْ فلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَيْهَا فَلَمَّا
اسْتَوَتْ قائِمَةً إذَا لأِثَرِ يَدَيْهَا عُثَانٌ ساطِعٌ
فِي السَّمَاءِ مِثْلُ الدُّخَانِ فاسْتَقْسَمْتُ
بالأزْلاَمِ
(17/41)
فَخَرَجَ الَّذِي أكْرَهُ فَنادَيْتُهُمْ
بالأمَانِ فوَقَفُوا فرَكِبْتُ فَرَسِي حتَّى جئْتَهُمْ
ووقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقيتُ مَا لَقِيتُ مِنَ
الحَبْسِ عَنْهُمْ أنْ سَيَظْهَرُ أمْرُ رسُولِ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فقُلْتُ لَهُ أنَّ قَوْمَكَ قدْ
جعَلُوا فِيكَ الدِّيَّةَ وأخْبَرْتُهُمْ أخْبَارَ مَا
يُرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ وعَرَضْتُ عَلَيْهِمْ الزَّادَ
والْمَتاعَ فلَمْ يَرْزآنِي ولَمْ يَسْألاَنِي إلاَّ أنْ
قالَ أخْفِ عَنَّا فَسألْتُهُ أنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابَ
أمْنٍ فأمَرَ عامِرَ بن فُهَيْرَةَ فكَتَبَ فِي رُقْعَةٍ
مِنْ أدِيمٍ ثُمَّ مَضَى رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: قَالَ ابنُ شِهابٍ فأخْبَرَنِي عُرْوَةُ بنُ
الزبَيْرِ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لَقِيَ الزُّبَيْرَ فِي رَكْبٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كانُوا
تجارَاً قافِلِينَ مِنَ الشَّأمِ فكَسَا الزُّبَيْرُ
رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأبَا بَكْرٍ ثِيَابَ
بَيَاضٍ وسَمِعَ المُسْلِمُونَ بالْمَدِينَةِ مَخْرَجَ
رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ مَكَّةَ فكانُوا
يغْدُونَ كلَّ غَداةٍ إلَى الحَرَّةِ فيَنْتَظِرُونَهُ
حتَّى يَرُدَّهُمْ حَرُّ الظَّهِيرَةِ فانْقَلَبُوا
يَوْمَاً بَعْدَ مَا أطَالُوا انْتِظَارَهُمْ فلَمَّا
أووْا إِلَى بيُوتِهِمْ أوْفى رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ علَى
أُطمٍ مِن آطامِهِمْ لأمْرٍ يَنْظُرُ إلَيْهِ فبَصُرَ
بِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأصْحَابِهِ
مُبَيَّضِينَ يَزُولُ بِهِمُ السَّرَابُ فلَمْ يَمْلِكِ
اليَهُودِيُّ أنْ قالَ بأعْلَى صَوْتِهِ يَا مَعْشَرَ
العَرَبِ هذَا جدُّكُمْ الَّذِي تَنْتَظِرُونَ فَثارَ
المُسْلِمُونَ إِلَى السِّلاحِ فتَلَقَّوْا رسُولَ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِظَهْرِ الحَرَّةِ فعَدَلَ
بِهِمْ ذَاتَ اليَمِينِ حتَّى نَزَلَ بِهِمْ فِي بَنِي
عَمْرِو بنِ عَوْفٍ وذَلِكَ يَوْمَ الإثْنَيْنِ مِنْ
شَهْرِ رَبِيعِ الأوَّلِ فقامَ أبُو بَكْرٍ لِلنَّاسِ
وجَلَسَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صامِتَاً
فَطَفِقَ مَنْ جَاءَ مِنَ الأنْصَارِ مِمَّنْ لَمْ يَرَ
رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُحَيِّي أبَا
بَكْرٍ حَتَّى أصَابَتْ الشَّمْسُ رسُولَ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فأقْبَلَ أبُو بَكْرٍ حَتَّى ظَلَّلَ
علَيْهِ بِرِدَائِهِ فعَرَفَ النَّاسُ رسُولَ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْدَ ذَلِكَ فلَبِثَ رسُولُ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَنِي عَمْرِو بنِ عَوْف
بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً وأُسِّسَ المَسْجِدُ الَّذِي
أُسِّسَ علَى التَّقْوَى وصَلَّى فِيهِ رَسُولُ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَسارَ
يَمْشِي معَهُ النَّاسُ حَتَّى برَكَتْ عِنْدَ مَسْجِدِ
الرَّسُولِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالمَدِينَةِ وهْوَ
يُصَلِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
وكانَ مِرْبَدَاً لِلتَّمْرِ لِسُهَيْلٍ وسَهْلٍ
غُلامَيْنَ يَتِيمَيْنِ فِي حَجْرِ أسْعَدَ بنِ زُرَارَةَ
فقالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِينَ
بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ هاذَا إنْ شَاءَ الله المنْزِلُ
ثُمَّ دَعا رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الْغُلامَيْنِ فَساوَمَهُمَا بالمِرْبَدِ لِيَتَّخِذَهُ
مَسْجِدَاً فَقالاَ بَلْ نَهَبُهُ لَكَ يَا رَسُولَ الله
فأبَى رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ يَقْبَلَهُ
مِنْهُمَا هِبَةً حتَّى ابْتاعَهُ مِنْهُمَا ثُمَّ بَناهُ
مَسْجِدَاً وطَفِقَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَنْقُلُ مَعَهُمْ اللَّبَنِ فِي بُنْيَانِهِ ويَقُولُ
وهْوَ يَنْقُلُ اللَّبِنَ:
(هاذَا الحِمالُ لَا حِمالَ خَيْبَرْهاذَا أبَرَّأ ربَّنا
وأطْهَرْ)
ويَقُولُ:
(أللَّهُمَّ إنَّ الأجْرَ أجْرُ الآخِرَهْفارْحَمْ
الأنْصَارَ والمهاجِرَهْ)
فتَمَثَّلَ بِشِعْرِ رَجُلٍ مِنَ المُسْلِمينَ لَمْ
يَسُمَّ لِي قَالَ ابنُ شِهابٍ ولَمْ يَبْلُغْنا فِي
الأحَادِيثِ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
تَمَثَّلِ بِبَيْتِ شِعْرٍ تامٍّ غَيْرَ هَذَا الْبَيْتِ.
(17/42)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة أظهر مَا
يكون. وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَعقيل، بِضَم
الْعين، وَمضى جُزْء من أول هَذَا الحَدِيث فِي كتاب
الصَّلَاة فِي: بَاب الْمَسْجِد يكون فِي الطَّرِيق أخرجه
هُنَاكَ بِهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه، وَكَذَلِكَ أخرجه
فِي كتاب الْإِجَازَة فِي: بَاب اسْتِئْجَار الْمُشْركين
عِنْد الضَّرُورَة، عَن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى عَن هِشَام
عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن عَائِشَة، من قَوْله:
واستأجر رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَبُو
بكر رجلا من بني الديل، إِلَى قَوْله: وَهُوَ على طَرِيق
السَّاحِل، وَكَذَلِكَ أخرجه فِي الْكفَالَة بِإِسْنَاد
هَذَا الْبَاب من قَوْله: إِن عَائِشَة زوج النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَت: لم أعقِل أَبَوي قطّ إلاَّ
وهما يدينان إِلَى قَوْله: ورق السمر أَرْبَعَة أشهر،
وَكَذَلِكَ أخرجه فِي الْأَدَب فِي: بَاب هَل يزور صَاحبه
كل يَوْم أَو بكرَة وَعَشِيَّة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ
عَن إِبْرَاهِيم عَن هِشَام إِلَى آخِره، من قَوْله:
قَالَت: لم أَعقل أَبَوي ... إِلَى قَوْله: قد أذن لي
بِالْخرُوجِ، وَحَاصِل الْكَلَام أَن البُخَارِيّ أخرج
هَذَا الحَدِيث فِي هَذِه الْمَوَاضِع مقطعَة مختصرة، وَلم
يُخرجهُ مطولا إِلَّا هُنَا فَافْهَم.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَبَوي) ، وهما أَبُو بكر الصّديق
وَأم رُومَان، وَلَفظ: أَبَوي، تَثْنِيَة مُضَافَة إِلَى
يَاء الْمُتَكَلّم مَنْصُوبَة على المفعولية. قَوْله:
(الدّين) ، أَي: دين الْإِسْلَام، وَقَالَ بَعضهم: وَهُوَ
مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض أَي: بِالدّينِ، وَيجوز أَن
يكون مَفْعُولا بِهِ على التَّجَوُّز. قلت: إِذا قُلْنَا:
معنى يدينان يطيعان من الدّين بِمَعْنى الطَّاعَة. لَا
يحْتَاج إِلَى تَقْدِير ناصب، لِأَن الْمَعْنى حِينَئِذٍ
إلاَّ وهما يطيعان الدّين. أَي: الْإِسْلَام، وكل من
يُطِيع الْإِسْلَام فَهُوَ مُسلم. وَقَوله: على تجوز،
فِيهِ نظر لَا يخفى. قَوْله: (فَلَمَّا ابْتُلِيَ
الْمُسلمُونَ) أَي: بأذى الْكفَّار من قُرَيْش وَغَيرهم.
قَوْله: (مُهَاجرا) ، حَال من أبي بكر. قَوْله: (نَحْو
أَرض الْحَبَشَة) ، يَعْنِي: ليلحق من سبقه إِلَيْهَا من
الْمُسلمين. قَوْله: (برك الغماد) ، البرك، بِفَتْح
الْبَاء الْمُوَحدَة وَحكى كسرهَا وَسُكُون الرَّاء
وبالكاف، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: البرك مثل القرد مَوضِع
بِنَاحِيَة الْيمن، والغماد، بِكَسْر الْغَيْن
الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْمِيم وبالدال الْمُهْملَة:
وَهُوَ مَوضِع على خمس لَيَال من مَكَّة إِلَى جِهَة
الْيمن مِمَّا يَلِي سَاحل الْبَحْر، وَقَالَ ابْن فَارس
بِضَم الْغَيْن، وَفِي (التَّوْضِيح) : برك الغماد مَوضِع
فِي أقاصي هجر. قَوْله: (إِبْنِ الدغنة) ، بِضَم الدَّال
الْمُهْملَة والغين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد النُّون عِنْد
أهل اللُّغَة، وَعند الْمُحدثين بِفَتْح الدَّال وَكسر
الْغَيْن وَفتح النُّون الْخَفِيفَة، وَقَالَ الجياني:
روينَاهُ بهما وَهُوَ اسْم أمه، وَقيل: أم أَبِيه، وَقيل:
دايته، وَمعنى الدغنة: المسترخية، وَأَصلهَا الغمامة
الْكَثِيرَة الْمَطَر. وَعَن الْوَاقِدِيّ عَن معمر عَن
الزُّهْرِيّ: أَن اسْمه الْحَارِث بن زيد، وَحكى
السُّهيْلي أَن اسْمه مَالك، وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَالَ
ابْن إِسْحَاق: اسْمه ربيعَة، بِفَتْح الرَّاء. وَقَالَ
بَعضهم: وَوَقع فِي شرح الْكرْمَانِي أَن ابْن إِسْحَاق
سَمَّاهُ ربيعَة بن رفيع، وَهُوَ وهم من الْكرْمَانِي،
فَإِن ربيعَة الْمَذْكُور آخر يُقَال لَهُ ابْن الدغنة
لكنه سلمي، وَالْمَذْكُور هُنَا من القارة. قلت: لَا ينْسب
الْكرْمَانِي إِلَى الْوَهم لِأَنَّهُ نقل عَن ابْن
إِسْحَاق أَنه قَالَ: ابْن الدغنة اسْمه ربيعَة بن رفيع،
وَلم يذكر أَنه سلمي أَو من القارة، فالوهم من غَيره،
وَأما السّلمِيّ فَذكره أَبُو عمر، وَقَالَ: ربيعَة ابْن
رفيع أهبان بن ثَعْلَبَة السّلمِيّ، كَانَ يُقَال لَهُ
ابْن الدغنة، وَهِي أمه. فَغلبَتْ على اسْمه، شهد حنيناً
ثمَّ قدم على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي
بني تَمِيم وَهُوَ الَّذِي قتل دُرَيْد بن الصمَّة يَوْم
حنين، وَآخر يُقَال لَهُ: ابْن دغنة، يُسمى حَابِس وَذكره
أَبُو عمر وَذكره الذَّهَبِيّ عَنهُ، وَقَالَ حَابِس بن
دغنة الْكَلْبِيّ لَهُ فِي أَعْلَام النُّبُوَّة وَله
صُحْبَة ورؤية. قَوْله: (وَهُوَ سيد القارة) ، بِالْقَافِ
وَتَخْفِيف الرَّاء وَهِي قَبيلَة مَشْهُورَة من بني
الْهون، بِالضَّمِّ وَالتَّخْفِيف: ابْن خُزَيْمَة بن
مدركة بن إلْيَاس بن مُضر كَانُوا حلفاء بني زهرَة من
قُرَيْش. قَوْله: (أخرجني قومِي) ، لم يخرجوه حَقِيقَة
وَلَكنهُمْ تسببوا فِي خُرُوجه. قَوْله: (أَن أسيح)
بِالسِّين والحاء الْمُهْمَلَتَيْنِ من السياحة يُقَال ساح
فِي الأَرْض يسيح سياحة إِذا ذهب فِيهَا وَأَصله من السيح
وَهُوَ المَاء الْجَارِي المنبسط على الأَرْض وَمَعْنَاهُ
هَهُنَا إِرَادَة مُفَارقَة الْأَمْصَار وسكنى البراري،
وَإِنَّمَا قَالَ أَبُو بكر: إِن أسيح، وَلم يذكر جِهَة
مقْصده مَعَ أَنه قصد التَّوَجُّه إِلَى أَرض الْحَبَشَة،
لِأَن ابْن الدغنة كَانَ كَافِرًا. قَوْله: (لَا تَخرج
وَلَا تُخرج) ، الأول: بِفَتْح التَّاء من الْخُرُوج،
وَالثَّانِي: بضَمهَا على صِيغَة الْمَجْهُول من
الْإِخْرَاج. قَوْله: (الْمَعْدُوم) ، وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني: المعدم، وَمعنى: (تكسب الْمَعْدُوم) تعطيه
المَال وتملكه إِيَّاه، يُقَال: كسبت للرجل مَالا وأكسبته،
وَقَالَ الْخطابِيّ: وأفصح اللغتين حذف الْألف، وَمنع
الْقَزاز إِثْبَاتهَا وجوزها ابْن الْأَعرَابِي. قَوْله:
(وَتحمل الْكل) ، بِفَتْح الْكَاف وَتَشْديد اللَّام:
وَهُوَ مَا يثقل حمله من الْقيام بالعيال وَنَحْوه مِمَّا
لَا يقوم
(17/43)
بِأَمْر نَفسه. قَوْله: (على نَوَائِب
الْحق) ، جمع نائبة وَمَعْنَاهُ: تعين بِمَا تقدر عَلَيْهِ
من أَصَابَته نَوَائِب، أَي: مَا ينزل بِهِ من
الْمُهِمَّات والحوادث. قَوْله: (فَأَنا لَك جَار) أَي:
مجير أمنع من يُؤْذِيك، وَالْجَار النَّاصِر الحامي
الْمَانِع المدافع. قَوْله: (ارْجع) أَمر لأبي بكر، أَي:
ارْجع إِلَى بلدك ووطنك. قَوْله: (فَرجع) أَي: أَبُو بكر.
قَوْله: (وارتحل مَعَه) أَي: مَعَ أبي بكر ابْن الدغنة،
وَقد تقدم فِي الْكفَالَة: ارتحل ابْن الدغنة فَرجع مَعَ
أبي بكر. قَوْله: (لَا يَخرج) ، بِفَتْح الْيَاء من
الْخُرُوج (وَلَا يخرج) بِضَم الْيَاء. قَوْله: (أتخرجون؟)
بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام على سَبِيل الأنكار (ورجلاً)
مَنْصُوب بِهِ. قَوْله: (فَلم تكذب) ، من التَّكْذِيب و:
قُرَيْش، فَاعله أَرَادَ أَن أحدا مِنْهُم لم يرد قَوْله
فِي أَمَان أبي بكر وَلم يمْنَع أحد جواره وكل من كذب
بِشَيْء فقد رده، فَأطلق التَّكْذِيب وَأَرَادَ لَازمه،
وَتقدم فِي الْكفَالَة بِلَفْظ: فأنفذت قُرَيْش جوَار ابْن
الدغنة، قَوْله: (فليعبد ربه) عطف على مَحْذُوف تَقْدِيره:
مُرْ أبَا بَكر لَا يتَعَرَّض إِلَى شَيْء وليقعد فِي
حَاله فليعبد ربه. قَوْله: (وَلَا يؤذينا بذلك) أَي: بِمَا
يصدر مِنْهُ من صلَاته وقراءته. قَوْله: (وَلَا يستعلن
بِهِ) أَي: بِمَا يَفْعَله من الصَّلَاة وَالْقِرَاءَة.
قَوْله: (فَلبث أَبُو بكر) أَي: مكث على مَا شرطُوا
عَلَيْهِ وَلم يبين فِيهِ مُدَّة الْمكْث. قَوْله: (ثمَّ
بدا لأبي بكر) ، أَي: ثمَّ ظهر لَهُ رَأْي غير الرَّأْي
الأول. قَوْله: (بِفنَاء دَاره) ، بِكَسْر الْفَاء
وَتَخْفِيف النُّون وبالمد: وَهِي سَعَة أَمَام الْبَيْت،
وَقيل: مَا امْتَدَّ من جَوَانِب الْبَيْت. قَوْله:
(فيتقذف عَلَيْهِ) أَي: على أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، ويتقذف على وزن يتفعل بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من
فَوق وَالْقَاف والذال الْمُعْجَمَة الثَّقِيلَة: من
الْقَذْف أَي: يتدافعون فيقذف بَعضهم بَعْضًا فيتساقطون
عَلَيْهِ، ويروى: فيتقصف، بالصَّاد الْمُهْملَة أَي:
يزدحمون عَلَيْهِ حَتَّى يسْقط بَعضهم على بعض وينكسر،
وَقَالَ الْخطابِيّ: هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظ، وَأما يتقذف
فَلَا وَجه لَهُ هَهُنَا إلاَّ أَن يَجْعَل من الْقَذْف،
وَفَسرهُ بِمَا ذَكرْنَاهُ الْآن وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني بنُون وقاف مَفْتُوحَة وصاد مُهْملَة
مَكْسُورَة أَي: يسْقط. قَوْله: (بكاء) على وزن فعال
بِالتَّشْدِيدِ صِيغَة الْمُبَالغَة أَي: كثير الْبكاء.
قَوْله: (لَا يملك عَيْنَيْهِ) ، أَي: لَا يُطيق إمساكهما
من الْبكاء من رقة قلبه. قَوْله: (إِذا) ، ظرفية
وَالْعَامِل فِيهِ (لَا يملك) وَيجوز أَن يكون شَرْطِيَّة
وَالْجَزَاء مُقَدّر تَقْدِيره: إِذا قَرَأَ الْقُرْآن لَا
يملك عَيْنَيْهِ، وَنَحْو ذَلِك. قَوْله: (وأفزع ذَلِك)
أَي: أَخَاف مَا فعله أَبُو بكر من صلَاته وقراءته وتعبده
لله، فَقَوله: ذَلِك، فَاعل أفزع. وَقَوله: (الْمُشْركين)
بِالنّصب مَفْعُوله، يَعْنِي: خَافُوا من ذَلِك على
النِّسَاء وَالصبيان أَن يميلوا إِلَى دين الْإِسْلَام.
قَوْله: (فَقدم عَلَيْهِم) أَي: على أَشْرَاف قُرَيْش من
الْمُشْركين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فَقدم عَلَيْهِ.
أَي: على أبي بكر. قَوْله: (أجرنا) بقصر الْهمزَة وبالجيم
وَالرَّاء فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة
الْقَابِسِيّ بالزاي، أَي: أبحنا لَهُ. قَوْله: (بجوارك)
أَي: بِسَبَب جوارك أَبَا بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: (أَن تفتن) بِصِيغَة الْمَجْهُول. وَقَوله:
(نساؤنا) مَرْفُوع (وأبناؤنا) عطف عَلَيْهِ، وَفِي
رِوَايَة أبي ذَر: أَن يفتن، على صِيغَة الْمَعْلُوم
وَالضَّمِير الَّذِي فِيهِ يرجع إِلَى أبي بكر، و:
نِسَاءَنَا بِالنّصب مَفْعُوله، وَأَبْنَاءَنَا عطف
عَلَيْهِ. قَوْله: (فانهَهُ) أَي: فانهَ أَبَا بكر، وَهُوَ
أَمر لِابْنِ الدغنة. قَوْله: (وَإِن أبَى) أَي: امْتنع
(إلاَّ أَن يعلن) بِضَم الْيَاء من الإعلان (بذلك) أَي:
بِمَا ذكر من الصَّلَاة وَالْقِرَاءَة. قَوْله: (فسله)
أَصله: فَاسْأَلْهُ، وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْكشميهني
من: سَالَ، وَلما نقلت حَرَكَة الْهمزَة إِلَى السِّين
وحذفت للتَّخْفِيف اسْتغنى عَن همزَة الْوَصْل فحذفت
فَصَارَ: سَله. قَوْله: (ذِمَّتك) أَي: أمانك وعهدك.
قَوْله: (أَن نُخفرك) بِضَم النُّون وَسُكُون الْخَاء
الْمُعْجَمَة وَكسر الْفَاء، من الإخفار. يُقَال: خفرت
الرجل إِذا أجرته وحفظته، وأخفرته إِذا نقضت عَهده.
قَوْله: (ولسنا مقرين) ويروى: بمقرين، أَي: لَا نسكت
عَلَيْهِ الْإِنْكَار للمعنى الَّذِي ذَكرُوهُ من الخشية
على نِسَائِهِم وَأَبْنَائِهِمْ أَن يدخلُوا فِي دينه.
قَوْله: (الَّذِي عاقدت) بِضَم التَّاء الَّتِي للمتكلم.
قَوْله: (على ذَلِك) أَي: على الَّذِي عاقدت عَلَيْهِ.
قَوْله: (أَنِّي أُخفرت) بِضَم الْهمزَة على صِيغَة
الْمَجْهُول قَوْله: (وأرضى بجوار الله) أَي: بأمانه
وحمايته. قَوْله: (وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (أريت) بِضَم الْهمزَة على
صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (بَين لابتين وهما: الحرتان)
وَهِي تَثْنِيَة حرَّة، وَهَذَا اللَّفْظ مدرج فِي
الْخَبَر من تَفْسِير الزُّهْرِيّ، واللابتان تَثْنِيَة
لابة بتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة وَهِي الْحرَّة، وَهِي
شبه الْجَبَل من حِجَارَة سود يُرِيد الْمَدِينَة وَهِي
بَين الحرتين. قَوْله: (قبل الْمَدِينَة) بِكَسْر الْقَاف
وَالْبَاء الْمُوَحدَة المخففة. قَوْله: (وَرجع عَامَّة من
كَانَ هَاجر بِأَرْض الْحَبَشَة) أَي: رَجَعَ مُعظم
الَّذين هَاجرُوا إِلَى الْحَبَشَة إِلَى الْمَدِينَة لما
سمعُوا استيطان الْمُسلمين الْمَدِينَة، وَلم يرجع
جَمِيعهم لِأَن جعفراً وَمن كَانَ مَعَه تخلفوا فِي
الْحَبَشَة. قَوْله: (وتجهز أَبُو بكر قبل الْمَدِينَة)
بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: جِهَتهَا،
وَتقدم فِي الْكفَالَة، وَخرج أَبُو بكر مُهَاجرا، هُوَ
نصب على الْحَال الْمقدرَة.
(17/44)
أَي: مُقَدرا الْهِجْرَة، وَفِي رِوَايَة
هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عِنْد ابْن حبَان: اسْتَأْذن
أَبُو بكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي
الْخُرُوج من مَكَّة، ويروى: تجهز أَبُو بكر إِلَى
الْمَدِينَة أَي إِلَى الْخُرُوج إِلَى الْمَدِينَة.
قَوْله: (على رسلك) بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون السِّين
الْمُهْملَة أَي: على مهلك أَي: وهينتك أَي: لَا تستعجل،
وَفِي رِوَايَة ابْن حبَان: فَقَالَ اصبر. قَوْله: (أَن
يُؤذن) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (بِأبي أَنْت)
لفظ: أَنْت، مُبْتَدأ و: بِأبي خَبره أَي: أَنْت مفدى
بِأبي قيل: يحْتَمل أَن يكون: أَنْت، فَاعل ترجو. وَقَوله:
بِأبي قسم. وَقَوله ذَلِك إِشَارَة إِلَى الْإِذْن الَّذِي
يدل عَلَيْهِ أَن يُؤذن. قَوْله: (فحبس أَبُو بكر نَفسه)
أَي: منعهَا من الْهِجْرَة، وَفِي رِوَايَة ابْن حبَان:
فانتظره أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله:
(على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: لأَجله،
وَكلمَة: على، تَأتي للتَّعْلِيل كَمَا فِي قَوْله
تَعَالَى: {ولتكبروا الله على مَا هدَاكُمْ} (الْبَقَرَة:
185) قَوْله (ليصحبه) أَي لَا يصحب رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي الْهِجْرَة قَوْله (وعلف) أَي أَبُو
بكر قَوْله. تَثْنِيَة رَاحِلَة وَهِي من الْإِبِل
الْبَعِير الْقوي على الْأَسْفَار والأحمال، وَالذكر
وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاء، وَالْهَاء فِيهِ
للْمُبَالَغَة، وَهِي الَّتِي يختارها الرجل لمركبه ورحله
على النجابة وَتَمام الْخلق وَحسن المنظر، فَإِذا كَانَت
فِي جمَاعَة الْإِبِل عرفت. قَوْله: (السمر) ، بِفَتْح
السِّين الْمُهْملَة وَضم الْمِيم: وَهُوَ شجر الطلح،
وَقيل: شجر أم غيلَان، وَقيل: كل مَا لَهُ ظلّ ثقيل.
قَوْله: (وَهُوَ الْخبط) أَي: ورق السمر هُوَ الْخبط،
بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وبالباء الْمُوَحدَة: وَهُوَ
الْوَرق الْمَضْرُوب بالعصا السَّاقِط من الشّجر. وَقَوله:
وَهُوَ الْخبط، مدرج أَيْضا من تَفْسِير الزُّهْرِيّ.
قَوْله: (قَالَ ابْن شهَاب) إِلَى آخِره مَوْصُول
بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور أَولا أَي: قَالَ مُحَمَّد بن
مُسلم بن شهَاب الرَّاوِي: قَالَ عُرْوَة ابْن الزبير:
قَالَت عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهَا، قَوْله: (فَبَيْنَمَا) ، قد مر الْكَلَام فِيهِ
غير مرّة. قَوْله: (جُلُوس) أَي: جالسون. قَوْله: (فِي نحر
الظهيرة) أَي: فِي أول وَقت الْحَرَارَة وَهِي المهاجرة،
وَيُقَال: أول الزَّوَال وَهُوَ أَشد مَا يكون من حر
النَّهَار، وَالْغَالِب فِي أَيَّام الْحر القيلولة
فِيهَا. قَوْله: (متقنعاً) أَي: مغطياً رَأسه، وانتصابه
على الْحَال كَمَا فِي قَوْلك: هَذَا زيد قَائِما، أَي:
أُشير إِلَيْهِ وَهُوَ الْعَامِل فِيهِ، وَمن لَهُ يَد فِي
الْعَرَبيَّة لَا يخفى عَلَيْهِ هَذَا وَأَمْثَاله.
قَوْله: (فدَاء لَهُ) ، بِكَسْر الْفَاء وبالمد فِي
رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره بِالْقصرِ،
وانتصاب: فدَاء، على تَقْدِير أَن يكون لَهُ أبي وَأمي
فدَاء، وَيجوز الرّفْع على أَنه خبر الْمُبْتَدَأ وَهُوَ
قَوْله: أبي وَأمي فدَاء لَهُ أَي: للنَّبِي، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم. فَإِن قلت: على هَذَا أَيْن الْمُطَابقَة
بَين الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر؟ قلت: الْفِدَاء يَشْمَل
الْوَاحِد فَمَا فَوْقه. قَوْله: (إلاَّ أَمر) ، أَي: أَمر
قد حدث، وَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَة مُوسَى بن عقبَة،
وَلَفظه: فَقَالَ أَبُو بكر: يَا رَسُول الله! مَا جَاءَ
بك إلاَّ أَمر حدث. قَوْله: (فَأذن) ، على صِيغَة
الْمَجْهُول. قَوْله: (أخرج مَن عنْدك) ، بِفَتْح الْهمزَة
من الْإِخْرَاج، وَمن عنْدك. مَفْعُوله. قَوْله: (إِنَّمَا
هم أهلك) أَشَارَ بِهِ إِلَى عَائِشَة وَأَسْمَاء، كَمَا
فسره مُوسَى بن عقبَة فَفِي رِوَايَته، قَالَ: أخرج مَن
عنْدك، قَالَ: لَا عين عَلَيْك إِنَّمَا هما ابنتاي.
قَوْله: (فَإِنِّي) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني:
فَإِنَّهُ. قَوْله: (قد أذن لي) ، على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: (الصَّحَابَة) ، بِالنّصب أَي: أُرِيد الصَّحَابَة
يَا رَسُول الله يَعْنِي المصاحبة. قَوْله: (نعم. قَالَ) ،
يَعْنِي: نعم الصُّحْبَة الَّتِي تطلبها. قَوْله:
(بِالثّمن) ، أَي: لَا آخذ إلاَّ بِالثّمن، وَفِي رِوَايَة
ابْن إِسْحَاق: لَا أركب بَعِيرًا لَيْسَ هُوَ لي، قَالَ:
فَهُوَ لَك، قَالَ: لَا وَلَكِن بِالثّمن الَّذِي ابتعته
بِهِ، قَالَ: أَخَذته بِكَذَا وَكَذَا، قَالَ: هُوَ لَك،
وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ عَن أَسمَاء، قَالَ:
بِثمنِهَا يَا أَبَا بكر، قَالَ: بِثمنِهَا إِن شِئْت،
وَعَن الْوَاقِدِيّ: أَن الثّمن ثَمَانمِائَة وَأَن
الرَّاحِلَة الَّتِي أَخذهَا رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، من أبي بكر هِيَ الْقَصْوَاء، وَأَنَّهَا
كَانَت من نعم بني قُشَيْر، وَأَنَّهَا عاشت بعد النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَلِيلا وَمَاتَتْ فِي خلَافَة
أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَانَت مُرْسلَة
ترعى بِالبَقِيعِ، وَذكر ابْن إِسْحَاق أَنَّهَا الجذعاء
وَكَانَت من إبل بني الْحَرِيش، وَكَذَا فِي رِوَايَة
أخرجهَا ابْن حبَان: أَنَّهَا الجدعاء. قَوْله: (فجهزنا
هما) أَي: النَّبِي وَأَبا بكر. قَوْله: (أحث الجهاز) لفظ:
أحث، بِالْحَاء الْمُهْملَة والثاء الْمُثَلَّثَة أفعل
التَّفْضِيل من: الْحَث وَهُوَ الْإِسْرَاع، والحثيث على
وزن فعيل: المسرع الْحَرِيص، وأحث أفعل مِنْهُ، وَفِي
رِوَايَة أبي ذَر: أحب، بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالْأول
أصح، و: الجهاز، بِفَتْح الْجِيم وَكسرهَا: مَا يحْتَاج
إِلَيْهِ فِي السّفر وَنَحْوه. قَوْله: (ووضعنا لَهما)
أَي: للنَّبِي وَأبي بكر، ويروى: وصنعنا، من صنع، والسفرة
الزَّاد هُنَا لِأَن أصل السفرة فِي اللُّغَة الزَّاد
الَّذِي يصنع للْمُسَافِر ثمَّ اسْتعْمل فِي وعَاء
الزَّاد، وَمثله المزادة للْمَاء، وَكَذَلِكَ الراوية.
وَعَن الْوَاقِدِيّ: أَنه كَانَ فِي السفرة شَاة مطبوخة.
قَوْله: (فِي
(17/45)
جراب) بِكَسْر الْجِيم، وَرُبمَا فتحت.
قَوْله: (من نطاقها) بِكَسْر النُّون وَهُوَ إِزَار فِيهِ
تكة تلبسه النِّسَاء، والمنطق: كل شَيْء شددت بِهِ وسطك،
قَالَه ابْن فَارس، قَالَ الدَّاودِيّ: هُوَ المئزر،
وَقَالَ الْهَرَوِيّ: النطاق هُوَ الْمنطق وَهُوَ أَن
تَأْخُذ الْمَرْأَة ثوبا فتلبسه ثمَّ تشد إزَارهَا وَسطهَا
بِحَبل ثمَّ ترسل الْأَعْلَى على الْأَسْفَل. قَوْله:
(ذَات النطاقين) هَذِه رِوَايَة الْكشميهني: وَفِي
رِوَايَة غَيره: ذَات النطاق، بِالْإِفْرَادِ. وَقَالَ
الْهَرَوِيّ: سميت بِذَات النطاقين لِأَنَّهَا كَانَت
تجْعَل نطاقاً على نطاق، وَقيل: كَانَ لَهَا نطاقان تلبس
أَحدهمَا وَتحمل فِي الآخر الزَّاد لرَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ فِي الْغَار، وَفِي رِوَايَة ابْن
سعد: شدت نطاقها فأوكت بِقِطْعَة مِنْهُ الجراب، وشدت فَم
الْقرْبَة بِالْبَاقِي، فسميت ذَات النطاقين. قَوْله:
(ثَوْر) بالثاء الْمُثَلَّثَة على لفظ الْحَيَوَان
الْمَشْهُور، وَذكر الْوَاقِدِيّ، رَحمَه الله تَعَالَى،
أَنَّهُمَا خرجا من خوخة فِي ظهر بَيت أبي بكر. وَقَالَ
الْحَاكِم: تَوَاتَرَتْ الْأَخْبَار على أَن خُرُوجه كَانَ
يَوْم الْإِثْنَيْنِ، ودخوله الْمَدِينَة كَانَ يَوْم
الْإِثْنَيْنِ، إلاَّ أَن مُحَمَّد بن مُوسَى
الْخَوَارِزْمِيّ قَالَ: إِنَّه خرج من مَكَّة يَوْم
الْخَمِيس. قلت: الَّذِي يفهم من كَلَام ابْن إِسْحَاق
كَانَ خُرُوجه بِاللَّيْلِ، وَذَلِكَ أَن أَعْيَان قُرَيْش
لما اجْتَمعُوا فِيمَا يَفْعَلُونَ فِي أَمر النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أَشَارَ كل وَاحِد بِرَأْي، فَمَا
أصغوا إِلَيْهِ فآخر الْأَمر أَشَارَ أَبُو جهل بقتْله،
فَأتى جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: لَا تبت هَذِه
اللَّيْلَة على فراشك الَّذِي كنت تبيت عَلَيْهِ. قَالَ:
فَلَمَّا كَانَت عتمة اللَّيْل اجْتَمعُوا على بَابه
يَرْصُدُونَهُ حَتَّى ينَام فيثبون عَلَيْهِ، فَلَمَّا رأى
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مكانهم قَالَ لعَلي
بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: نم على
فِرَاشِي، فَأخذ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
حفْنَة من تُرَاب فِي يَده، فَجعل يَنْثُرهُ على رؤوسهم
وَهُوَ يَتْلُو هَذِه الْآيَات: {يس وَالْقُرْآن
الْحَكِيم} إِلَى قَوْله: {فهم لَا يبصرون} (يس: 1 9) .
وَلم يبْق مِنْهُم أحد إلاَّ وَقد وضع على رَأسه تُرَاب
ثمَّ انْصَرف رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (عِنْدهمَا) أَي: عِنْد النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عبد
الله بن أبي بكر، قيل: فِي نُسْخَة عبد الرَّحْمَن: وَهُوَ
وهم. قَوْله:، بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَكسر
الْقَاف وَيجوز إسكانها وَفتحهَا وَفِي آخِره فَاء: وَهُوَ
الحاذق الفطن تَقول: ثقفت الشَّيْء إِذا أَقمت عوجه.
وَقَالَ الْخطابِيّ: الثقافة حسن التلقي للأدب، يُقَال:
غُلَام ثقف، وَقَالَ ابْن فَارس، وَيُقَال: رجل ثقف،
قَوْله: (لقن) ، بِفَتْح اللَّام وَكسر الْقَاف وبالنون:
وَهُوَ السَّرِيع الْفَهم، وَيُقَال: اللقن الْحسن التلقي
لما يسمعهُ ويعلمه. قَوْله: (فيدلج) بتَشْديد الدَّال
وبالجيم: أَي: يخرج بِالسحرِ منصرفاً إِلَى مَكَّة،
يُقَال: أدْلج إِذا سَار فِي أول اللَّيْل، وَقيل: فِي
كُله، وأدلج، بتَشْديد الدَّال إِذا سَار فِي آخِره.
قَوْله: (يكتادان بِهِ) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني:
(يكادان) ، بِغَيْر تَاء مثناة من فَوق وَهُوَ من قَوْلهم:
كدت الرجل إِذا طلبت لَهُ الغوائل ومكرت بِهِ. قَوْله:
(إلاَّ وعَاء) أَي: حفظه. قَوْله: (عَامر بن فهَيْرَة) ،
بِضَم الْفَاء وَفتح الْهَاء وَسُكُون الْيَاء آخر
الْحُرُوف، وبالراء مولى أبي بكر الصّديق، كَانَ مولداً من
مولدِي الأزد، أسود اللَّوْن مَمْلُوكا للطفيل بن عبد الله
بن سَخْبَرَة، فَأسلم وَهُوَ مَمْلُوك فَاشْتَرَاهُ أَبُو
بكر وَأعْتقهُ، وَكَانَ حسن الْإِسْلَام وَكَانَ يرْعَى
الْغنم فِي ثَوْر وَيروح بهَا على رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر فِي الْغَار، وَشهد بَدْرًا
وأحداً ثمَّ قتل يَوْم بِئْر مَعُونَة وَهُوَ ابْن
أَرْبَعِينَ سنة، قَتله عَامر بن الطُّفَيْل، ويروى عَنهُ
أَنه قَالَ: رَأَيْت أول طعنة طعنتها عَامر بن فهَيْرَة
نورا خرج مِنْهَا، وَقَالَ أَبُو عمر: وروى ابْن
الْمُبَارك عَن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ، قَالَ: زعم
عُرْوَة بن الزبير أَن عَامر بن فهَيْرَة قتل يَوْمئِذٍ
فَلم يُوجد جسده، يرَوْنَ أَن الْمَلَائِكَة دَفَنته،
وَكَانَت بِئْر مَعُونَة سنة أَربع من الْهِجْرَة. قَوْله:
(منحة) ، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون النُّون وَبِالْحَاءِ
الْمُهْملَة، وَهِي فِي الأَصْل الشَّاة الَّتِي يَجْعَل
الرجل لَبنهَا لغيره ثمَّ يَقع على كل شَاة، وَقَالَ ابْن
فَارس المنحة والمنيحة منحة اللَّبن، والمنحة النَّاقة أَو
الشَّاة يُعْطي لَبنهَا، ثمَّ جعلت كل عَطِيَّة منحة،
وَفِي رِوَايَة مُوسَى بن عقبَة عَن ابْن شهَاب: أَن
الْغنم كَانَت لأبي بكر فَكَانَ يروح عَلَيْهِمَا الْغنم
كل لَيْلَة فيحلبان ثمَّ يسرح بكرَة فَيُصْبِح فِي رعيان
النَّاس فَلَا يفْطن لَهُ. قَوْله: (فِي رسل) ، بِكَسْر
الرَّاء وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة: وَهُوَ اللَّبن
الطري. قَوْله: (ورضيفهما) الرضيف بِفَتْح الرَّاء وَكسر
الضَّاد الْمُعْجَمَة على وزن رغيف، وَهُوَ اللَّبن
الَّذِي جعل فِيهِ الرضفة وَهِي الْحِجَارَة المحماة لتزول
وخامته وَثقله، وَقيل: الرضيف النَّاقة المحلوبة. فَإِن
قلت: كَيفَ إعرابه؟ قلت: إِن جعلته عطفا على لبن منحتهما
يكون مَرْفُوعا، وَإِن جعلته عطفا على الْمُضَاف إِلَيْهِ
فِيهِ يكون مجروراً فَافْهَم. وَفِي (التَّوْضِيح) ويروى:
وصريفها، والصريف اللَّبن سَاعَة يحلب، وَقَالَ ابْن
الْأَثِير فِي: بَاب الصَّاد الْمُهْملَة، وَفِي حَدِيث
الْغَار ويبيتان فِي رسلها وصريفها، الصريف اللَّبن سَاعَة
(17/46)
يصرف عَن الضَّرع. قَوْله: (حَتَّى ينعق
بهما) كلمة: حَتَّى، للغاية و: ينعق، بِكَسْر الْعين
الْمُهْملَة أَي: يَصِيح بغنمه، والنعق صَوت الرَّاعِي
وَالضَّمِير فِي: بهما، يرجع إِلَى لفظ المنحة، و: لفظ
الْغنم وَهَذَا هُوَ رِوَايَة أبي ذَر: أَعنِي بهما
التَّثْنِيَة، وَفِي رِوَايَة غَيره: بهَا،
بِالْإِفْرَادِ. قَالَ الْكرْمَانِي: أَي: المنحة أَو
بالغنم. قَوْله: (عَامر) ، مَرْفُوع لِأَنَّهُ فَاعل ينعق.
قَوْله: (بِغَلَس) أَي: فِي غلس وَهُوَ ظلام آخر اللَّيْل
قَوْله: (من بني الديل) ، بِكَسْر الدَّال وَسُكُون
الْيَاء آخر الْحُرُوف. وَقيل بِضَم أَوله وبالهمزة
الْمَكْسُورَة فِي ثَانِيه. قَوْله: (وَهُوَ) أَي: الرجل
الَّذِي استأجراه من بني عبد بن عدي بن الديل بن عبد منَاف
بن كنَانَة، وَيُقَال: من بني عدي بن عَمْرو بن خُزَاعَة،
وَقَالَ ابْن هِشَام: اسْمه عبد الله بن أرقد. وَفِي
رِوَايَة الْأمَوِي عَن ابْن إِسْحَاق: أريقد
بِالتَّصْغِيرِ وَعند ابْن سعد: عبد الله ابْن أريقط،
بِالطَّاءِ مَوضِع الدَّال بِالتَّصْغِيرِ، وَهَذَا هُوَ
الْأَشْهر، وَقَالَ ابْن التِّين عَن مَالك: إسمه رقيط،
وَكَانَ كَافِرًا. قَوْله: (هادياً) ، نصب لِأَنَّهُ صفة
رجلا يَعْنِي: يهديهما إِلَى الطَّرِيق. قَوْله: (خريتاً)
، صفة بعد صفة، وَهُوَ بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة
وَتَشْديد الرَّاء وبالياء آخر الْحُرُوف الساكنة وَفِي
آخِره تَاء مثناة من فَوق والخريت الماهر بالهداية،
أَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِير الخريت وَهَذَا مدرج فِي
الْخَبَر من كَلَام الزُّهْرِيّ، وَعَن الْخطابِيّ: الخريت
مَأْخُوذ من خرت الإبرة كَأَنَّهُ يَهْتَدِي لمثل خرتها من
الطَّرِيق، وخرت الإبرة بِالضَّمِّ: ثقبها، وَحكى عَن
الْكسَائي: خرتنا الأَرْض إِذا عرفناها وَلم تخف علينا
طرقها. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الخريت الماهر الَّذِي
يَهْتَدِي لأخرات الْمَفَازَة وَهِي طرقها الْخفية.
قَوْله: (قد غمس حلفا فِي آل الْعَاصِ بن الوائل) هَذِه
الْجُمْلَة وَقعت حَالا من قَوْله: رجلا. وَالْأَصْل فِي
الْجُمْلَة الفعلية الْمَاضِيَة إِذا وَقعت حَالا أَن يكون
فِيهَا كلمة: قد، إِمَّا ظَاهِرَة وَإِمَّا مقدرَة كَمَا
فِي قَوْله تَعَالَى: {أوجاؤكم حصرت صُدُورهمْ}
(النِّسَاء: 90) . أَي: قد حصرت. قَوْله: غمس حلفا، أَي:
أَخذ بِنَصِيب من حلفهم وعقدهم يَأْمَن بِهِ، كَانَت
عَادَتهم أَن يحضروا فِي جَفْنَة طيبا أَو دَمًا أَو
رَمَادا فَيدْخلُونَ فِيهِ أَيْديهم عِنْد التَّحَالُف
ليتم عقدهم عَلَيْهِ باشتراكهم فِي شَيْء وَاحِد، وَالْحلف
بِفَتْح الْحَاء وَكسر اللَّام، مصدر حَلَفت وَقد تسكن
اللَّام وَيُرَاد بِهِ الْعَهْد بَين الْقَوْم. قَوْله:
(فأمناه) بقصر الْهمزَة وَكسر الْمِيم أَي: ائتمناه، كَمَا
فِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِن أَمن بَعْضكُم بَعْضًا}
(الْبَقَرَة: 283) . وأمنته على كَذَا وائتمنته بِمَعْنى.
قَوْله: (فَأخذ بهم طَرِيق السواحل) وَفِي رِوَايَة مُوسَى
بن عقبَة: فَأجَاز بهما أَسْفَل مَكَّة ثمَّ مضى هما
حَتَّى جَاءَ بهما السَّاحِل أَسْفَل من عسفان، ثمَّ أجَاز
بهما حَتَّى عَارض الطَّرِيق.
قَوْله: (قَالَ ابْن شهَاب) هُوَ مَوْصُول بِإِسْنَاد
حَدِيث عَائِشَة الْمَذْكُور، وَهُوَ مُحَمَّد بن مُسلم
الزُّهْرِيّ أحد رُوَاة الحَدِيث. قَوْله: (عبد الرَّحْمَن
بن مَالك بن جعْشم) بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْعين
الْمُهْملَة وَضم الشين الْمُعْجَمَة، وَحكى فتح الْجِيم
أَيْضا: المدلجي، بِضَم الْمِيم وَسُكُون الدَّال
الْمُهْملَة وَكسر اللَّام وبالجيم: من بني مُدْلِج بن
مرّة بن عبد منَاف بن كنَانَة، وَمَالك وَالِد عبد
الرَّحْمَن، هَذَا ذكره ابْن حبَان فِي التَّابِعين
وَلَيْسَ لَهُ وَلَا لِأَخِيهِ سراقَة وَلَا لِابْنِهِ عبد
الرَّحْمَن فِي البُخَارِيّ غير هَذَا الحَدِيث. قَوْله:
(وَهُوَ ابْن أخي سراقَة بن جعْشم) أَي: عبد الرَّحْمَن
هُوَ ابْن أخي سراقَة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: سراقَة بن
مَالك بن جعْشم، وَالْأول هُوَ الْمُعْتَمد عَلَيْهِ،
وَقَالَ الْكرْمَانِي: سراقَة بن جعْشم، ويروى: سراقَة بن
مَالك بن جعْشم وَالْأول هُوَ الْمُوَافق لكَونه ابْن
أَخِيه، لَكِن الْمَشْهُور هُوَ الثَّانِي كَمَا فِي كتاب
(الِاسْتِيعَاب) قلت: يَعْنِي ذكر أَبُو عمر فِي كتاب
(الِاسْتِيعَاب) : سراقَة بن مَالك بن جعْشم بن مَالك ...
إِلَى آخِره. وَذكر أَنه يعد فِي أهل الْمَدِينَة،
وَيُقَال: إِنَّه سكن مَكَّة، وكنية سراقَة أَبُو
سُفْيَان، وَكَانَ ينزل قديدا وعاشا إِلَى خلَافَة
عُثْمَان وَقَالَ الذَّهَبِيّ سراقَة بن مَالك بن جعْشم
الْكِنَانِي المدلجي أَبُو سُفْيَان أسلم بعد الطَّائِف،
وَيُقَال: وَحَيْثُ جَاءَ فِي الرِّوَايَات: سراقَة بن
جعْشم، يكون نسبته إِلَى جده. قَوْله: (دِيَة فِي كل
وَاحِد) أَي: مائَة من الْإِبِل، وَصرح بذلك مُوسَى بن
عقبَة وَصَالح ابْن كيسَان فِي روايتهما عَن الزُّهْرِيّ.
قَوْله: (ودية) مَنْصُوب بقوله: (يجْعَلُونَ) ويروى: دِيَة
كل وَاحِد، بِإِضَافَة دِيَة إِلَى كل، قَوْله: (من قَتله)
ويروى: لمن قَتله، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ يرجع
إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَذَلِكَ فِي:
(أَو أسره) . قَوْله: (فَبَيْنَمَا أَنا جَالس) ، قَول
سراقَة. قَوْله: (أقبل) جَوَاب: بَيْنَمَا، ويروى: إِذْ
أقبل. قَوْله: (وَنحن جُلُوس) الْوَاو فِيهِ للْحَال،
وَالْجُلُوس جمع جَالس. قَوْله: (فَقَالَ: يَا سراقَة)
الْقَائِل هُوَ الرجل الَّذِي هُوَ من بني مُدْلِج.
قَوْله: (رَأَيْت أنفًا) أَي: فِي هَذِه السَّاعَة.
قَوْله: (أَسْوِدَة) أَي: أشخاصاً. قَوْله: (فَعرفت أَنهم
هم) أَي: عرفت أَن الأسودة هم مُحَمَّد وَأَصْحَابه.
قَوْله: (فَقلت لَهُ) الْقَائِل سراقَة لذَلِك الرجل
(إِنَّهُم) أَي: إِن الأسودة (لَيْسُوا بهم) أَي: بِمُحَمد
وَأَصْحَابه، ثمَّ استدرك بقوله: (وَلَكِنَّك رَأَيْت
فلَانا وَفُلَانًا انْطَلقُوا بأعيننا) ، أَي: فِي نَظرنَا
مُعَاينَة
(17/47)
(يتبعُون ضَالَّة لَهُم) . قَوْله: (ثمَّ
قُمْت) كَلَام سراقَة. وَكَذَلِكَ قَوْله: (فَدخلت، وَأمرت
جاريتي) إِلَى قَوْله: (قَالَ ابْن شهَاب) . قَوْله:
(أكمة) وَهِي الرابية المرتفعة عَن الأَرْض. قَوْله:
(فخططت) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني والأصيلي بِالْمُهْمَلَةِ، أَي: أمكنت
أَسْفَله. قَوْله: (بزجه) بِضَم الزاء وَتَشْديد الْجِيم:
وَهُوَ الحديدة الَّتِي فِي أَسْفَل الرمْح، وَفِي
رِوَايَة الْكشميهني: فخططت بِهِ. قَوْله: (وخفضت عاليه)
أَي: عالي الرمْح لِئَلَّا يظْهر بريقه لمن بَعُد مِنْهُ
لِأَنَّهُ كره أَن يتبعهُ أحد فيشركه فِي الْجعَالَة، وروى
ابْن أبي شيبَة من حَدِيث الْحسن عَن سراقَة: وَجعلت أجر
الرمْح مَخَافَة أَن يشركني أهل المَاء فِيهَا. قَوْله:
(فرفعتها) بالراء، أَي: أسرعت بهَا السّير. قَالَ ابْن
الْأَثِير: أَي: كلفتها الْمَرْفُوع من السّير وَهُوَ فَوق
الْمَوْضُوع وَدون الْعَدو، يُقَال: أرفع دابتك، أَي:
أسْرع بهَا، ويروى: دفعتها بِالدَّال، يُقَال: دفع نَاقَته
إِذا حملهَا على السّير. قَوْله: (تقرب بِي) من
التَّقْرِيب وَهُوَ السّير دون الْعَدو وَفَوق الْعَادة.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: هُوَ أَن ترفع الْفرس يَديهَا مَعًا
وتضعهما مَعًا. قَوْله: (فَخَرَرْت عَنْهَا) أَي: عَن
دَابَّتي، من الخرور بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَهُوَ
السُّقُوط. قَوْله: (فَأَهْوَيْت يَدي) أَي: بسطتها
إِلَيْهَا للأخذ. والكنانة الخريطة المستطيلة من جولد
تجْعَل فِيهَا السِّهَام وَهِي الجعبة. قَوْله: (الأزلام)
وَهِي: القداح وَهُوَ السِّهَام الَّتِي لَا ريش لَهَا
وَلَا نصل، وَكَانَ لَهُم فِي الْجَاهِلِيَّة هَذِه
الأزلام مَكْتُوبًا عَلَيْهَا: (لَا) (وَنعم) ، فَإِذا
اتّفق لَهُم أَمر من غير قصد كَانُوا يخرجونها، فَإِن خرج
مَا عَلَيْهِ: (نعم) ، مضى على عزمه، وَإِن خرج (لَا)
انْصَرف عَنهُ. قَوْله: (فاستقسمت بهَا) من الاستقسام
وَهُوَ طلب معرفَة النَّفْع والضر بالأزلام، أَي: التفاؤل
بهَا. قَوْله: (فَخرج الَّذِي أكره) أَي: الَّذِي لَا
يضرهم، وَصرح بِهِ الْإِسْمَاعِيلِيّ ومُوسَى وَابْن
إِسْحَاق، زَاد: أَو كنت أَرْجُو أَن أرده وَأخذ الْمِائَة
النَّاقة. قَوْله: (وعصيت الأزلام) ، الْوَاو فِيهِ
للْحَال، أَرَادَ أَنه مَا الْتفت إِلَى الَّذِي خرج مَا
يكرههُ. قَوْله: (تقرب بِي) يَعْنِي: فرسه، وَمضى معنى
التَّقْرِيب آنِفا. قَوْله: (وَهُوَ لَا يلْتَفت) ،
الْوَاو فِيهِ للْحَال أَي: وَالْحَال أَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، لَا يلْتَفت، وَأَبُو بكر يكثر
الِالْتِفَات. قَوْله: (ساخت يدا فرسي) أَرَادَ أَنه حِين
سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ساخت يدا فرسه،
بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة أَي: غاصت. وَفِي حَدِيث أَسمَاء
بنت أبي بكر: فَوَقَعت لمنخريها. قَوْله: (حَتَّى بلغتا
الرُّكْبَتَيْنِ) وَفِي رِوَايَة الْبَزَّار، فارتطمت بِهِ
فرسه إِلَى بَطنهَا. قَوْله: (فحررت عَنْهَا) بِالْخَاءِ
الْمُعْجَمَة، أَي: سَقَطت. قَوْله: (ثمَّ زجرتها) أَي:
حثثتها وحملتها على الْقيام (فَنَهَضت) أَي: أسرعت
للْقِيَام، وَلم تكد: من أَفعَال المقاربة أَي: لم تقرب من
إِخْرَاج يَديهَا. قَوْله: (فَلَمَّا اسْتَوَت قَائِمَة)
أَي: بعد تحمل شدَّة فِي الْقيام، وَفِي رِوَايَة أنس،
ثمَّ قَامَت تحمحم، الحمحمة بالحائين المهمتين: صَوت
الْفرس وصهيله. قَوْله: (إِذا) ، كلمة مفاجأة وَهِي
جَوَاب: لما، قَوْله: (لأثر يَديهَا) اللَّتَيْنِ غاصتا
فِي الأَرْض. قَوْله: (عثان) ، بِضَم الْعين الْمُهْملَة
وبالثاء الْمُثَلَّثَة وَبعد الْألف نون: وَهُوَ الدُّخان
من غير نَار، و: عثان مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ وَخَبره
هُوَ قَوْله: (لأثر يَديهَا) مقدما. قَوْله: (سَاطِع) أَي:
منتشر مُرْتَفع، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: غُبَار، بغين
مُعْجمَة مَضْمُومَة وباء مُوَحدَة، وبراء. قَالَ
الْكرْمَانِي: هَذِه هِيَ الْأَصَح، وَقيل: الأولى هِيَ
الْأَشْهر، وَفِي رِوَايَة مُوسَى ابْن عقبَة والإسماعيلي:
واتبعها دُخان مثل الْغُبَار، وَفِيه: فَعلمت أَنه منع
مني. قَوْله: (فناديتهم بالأمان) ، وَفِي رِوَايَة ابْن
إِسْحَاق: فناديت الْقَوْم: أَنا سراقَة بن مَالك بن
جعْشم، أنظروني أكلمكم، فوَاللَّه لَا آتيكم وَلَا يأتيكم
مني شَيْء تكرهونه. قَوْله: (وَأَخْبَرتهمْ أَخْبَار مَا
يُرِيد النَّاس بهم) أَي: من الْحِرْص على الظفر بهم وبذل
المَال لمن يحصلهم لَهُم. قَوْله: (فَلم يرزآني) برَاء
ثمَّ زَاي أَي: لم يأخذا مني شَيْئا وَلم ينقصا من مَالِي،
يُقَال: رزأته، أرزؤه، وَأَصله النَّقْص ويرزآني تَثْنِيَة
يرزأ، وَالضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر، وَكَذَلِكَ فِي: (وَلم يسألاني)
قَوْله: (إِلَّا أَن قَالَ) أَي: النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر، ويروى: إلاَّ أَن قَالَا
بالتثنية يَعْنِي: كِلَاهُمَا قَالَا (إخف عَنَّا) بِفَتْح
الْهمزَة وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة: أَمر من
الْإخْفَاء. قَوْله: (فَسَأَلته) أَي: قَالَ سراقَة:
سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَن يكْتب لي
كتاب أَمن) بِسُكُون الْمِيم، وَفِي رِوَايَة
الْإِسْمَاعِيلِيّ: كتاب موادعة، وَفِي رِوَايَة إِبْنِ
إِسْحَاق: كتابا يكون آيَة بيني وَبَيْنك. قَوْله: (فَأمر)
، أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَامر بن
فهَيْرَة. قَوْله: (فَكتب لي فِي رقْعَة من أَدَم) وَهُوَ
بِفتْحَتَيْنِ اسْم لجمع: أَدِيم، وَهُوَ الْجلد المدبوغ،
ويروى: من أَدِيم، وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: فَكتب لي
كتابا فِي عظم أَو رقْعَة أَو خرقَة، ثمَّ أَلْقَاهُ
إِلَيّ فَأَخَذته فَجَعَلته فِي كِنَانَتِي ثمَّ رجعت.
قَوْله: (قَالَ ابْن شهَاب) هُوَ مُتَّصِل إِلَى ابْن
شهَاب الزُّهْرِيّ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور أَولا،
قَوْله: (فَأَخْبرنِي عُرْوَة بن الزبير أَن رَسُول الله،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَهَذَا مُرْسل وَصله
(17/48)
الْحَاكِم من طَرِيق معمر عَن الزُّهْرِيّ،
قَالَ أَخْبرنِي عُرْوَة أَنه سمع الزبير ... الحَدِيث.
قَوْله: (لَقِي الزبير) أَي: ابْن الْعَوام، وَقَالَ
مُوسَى ابْن عقبَة: يُقَال: لما دنا، أَي: النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ طَلْحَة قدم من الشَّام، فَخرج
عَامِدًا إِلَى مَكَّة إِمَّا متلقياً وَإِمَّا
مُعْتَمِرًا وَمَعَهُ ثِيَاب أهداها لأبي بكر من ثِيَاب
الشَّام، فَلَمَّا لقِيه أعطَاهُ فَلبس مِنْهَا هُوَ
وَأَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَقَالَ
الدمياطي: لم يذكر الزبير بن بكار الزبير بن الْعَوام
وَلَا أهل السّير، وَإِنَّمَا هُوَ طَلْحَة بن عبيد الله.
وَقَالَ ابْن سعد: لما ارتحل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، من الْحجاز فِي هجرته إِلَى الْمَدِينَة لقِيه
طَلْحَة بن عبيد الله من الْغَد جائياً من الشَّام، فكسا
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَبا بكر من
ثِيَاب الشَّام، وَأخْبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، أَن من بِالْمَدِينَةِ من الْمُسلمين قد استبطأوا
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فتعجل رَسُول الله،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد رجح الدمياطي الَّذِي فِي
(السّير) على الَّذِي فِي (الصَّحِيح) وَالْأولَى أَن يجمع
بَينهمَا بِأَن يكون كل من طَلْحَة وَالزُّبَيْر أهْدى
لَهما من الثِّيَاب. قَوْله: (فِي ركب) ، بِفَتْح الرَّاء
وَسُكُون الْكَاف: جمع رَاكب، كتجر جمع تَاجر. قَوْله:
(قافلين) ، نصب على الْحَال، أَي: رَاجِعين. قَوْله: (مخرج
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) . ويروى: بمخرج
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ مصدر ميمي
بِمَعْنى الْخُرُوج. قَوْله: (يَغْدُونَ) بِسُكُون
الْغَيْن الْمُعْجَمَة أَي: يخرجُون غدْوَة. قَوْله: (أَو
فِي رجل) ، أَي: اطلع إِلَى مَكَان عَال فَأَشْرَف مِنْهُ.
قَوْله: (على أَطَم) ، بِضَمَّتَيْنِ وَهُوَ الْحصن،
وَيُقَال: بِنَاء من حجر كالقصر. قَوْله: (مبيضين) ، نصب
على الْحَال أَي: عَلَيْهِم الثِّيَاب الْبيض الَّتِي
كساهم إِيَّاهَا الزبير أَو طَلْحَة أَو كِلَاهُمَا،
وَقَالَ ابْن التِّين: يحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ:
مستعجلين، وَحكى عَن ابْن فَارس، يُقَال: بائض أَي مستعجل.
قَوْله: (يَزُول بهم السراب) ، أَي: يَزُول السراب عَن
النّظر بِسَبَب عروضهم لَهُ، وَقيل: مَعْنَاهُ ظَهرت
حركتهم فِيهِ للعين، والسراب بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة
هُوَ الَّذِي يرى فِي شدَّة الْحر كَالْمَاءِ، فَإِذا
جِئْته لم تلق شَيْئا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يحسبه
الظمآن مَاء} (النُّور: 39) . الْآيَة. قَوْله: (يَا معشر
الْعَرَب) ، وَفِي رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن عُوَيْمِر:
يَا بني قيلة، بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الْيَاء آخر
الْحُرُوف وَهِي: الْجدّة الْكُبْرَى من الْأَنْصَار
وَالِدَة الْأَوْس والخزرج، وَهِي: قيلة بنت كَاهِل بن
عدي. قَوْله: (هَذَا جدكم) ، بِفَتْح الْجِيم أَي: حظكم
وَصَاحب دولتكم الَّذِي تتوقعونه، وَفِي رِوَايَة معمر:
(هَذَا صَاحبكُم) . قَوْله: (بِظهْر الْحرَّة) ، بِفَتْح
الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء، وَهِي الأَرْض
الَّتِي عَلَيْهَا الْحِجَارَة السود، وَقد مرت غير مرّة.
قَوْله: (فِي بني عَمْرو بن عَوْف) ، أَي: ابْن مَالك بن
أَوْس بن حَارِثَة، ومنازلهم بقباء وَهِي على فَرسَخ من
الْمَسْجِد النَّبَوِيّ بِالْمَدِينَةِ. قَوْله: (وَذَلِكَ
يَوْم الْإِثْنَيْنِ من شهر ربيع الأول) ، وَلم يبين أَي
يَوْم الْإِثْنَيْنِ من الشَّهْر، وَفِيه اخْتِلَاف كثير.
فَفِي رِوَايَة مُوسَى بن عقبَة عَن ابْن شهَاب: قدمهَا
لهِلَال ربيع الأول، أَي: أول يَوْم مِنْهُ، وَعَن إِبْنِ
إِسْحَاق: قدمهَا لليلتين خلتا من ربيع الأول، وَنَحْوه
عِنْد أبي معشر، لَكِن قَالَ: لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ.
وَفِي (شرف الْمُصْطَفى) من طَرِيق أبي بكر بن حزم: قدم
لثلاث عشرَة من ربيع الأول، وَفِيه من حَدِيث عمر: ثمَّ
نزل على بني عَمْرو بن عَوْف يَوْم الْإِثْنَيْنِ لليلتين
بَقِيَتَا من ربيع الأول، وَعند الزبير فِي خبر
الْمَدِينَة عَن ابْن شهَاب: فِي نصف ربيع الأول، وَيُمكن
الْجمع بَين هَذِه الرِّوَايَات بِالْحملِ على
الِاخْتِلَاف فِي مُدَّة إِقَامَته بقباء، فَعَن أنس: أَنه
أَقَامَ بقباء أَربع عشرَة لَيْلَة، وَعَن الْكَلْبِيّ
أَربع لَيَال فَقَط، وَعَن مُوسَى بن عقبَة: ثَلَاث
لَيَال، وَحكى عَن الزبير بن بكار إثنين وَعشْرين يَوْمًا،
وعَلى اعْتِدَاد يَوْم الدُّخُول وَالْخُرُوج وَعدم
اعتدادهما، فَافْهَم. قَوْله: (فَقَامَ أَبُو بكر للنَّاس)
أَي: يتلقاهم. قَوْله: (فَطَفِقَ) أَي: جعل من جَاءَ من
الْأَنْصَار يحيى أَبَا بكر، أَي: يسلم عَلَيْهِ قَالَ
ابْن التِّين: إِنَّمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِك بِأبي
بكر لِكَثْرَة تردده إِلَيْهِم فِي التِّجَارَة إِلَى
الشَّام، فَكَانُوا يعرفونه، وَأما النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَلم يأتها بعد أَن كبر. قَوْله: (فَنزل
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بني عَمْرو بن
عَوْف) قيل: نزل على كُلْثُوم بِهِ الْهدم، وَقيل: سعيد بن
حثْمَة، وَلَا خلاف أَنه نزل فِي الْمَدِينَة على أبي
أَيُّوب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (وَأسسَ
الْمَسْجِد) ، أَي: مَسْجِد قبَاء. قَوْله: (الْمَسْجِد
الَّذِي أسس على التَّقْوَى) هَذَا صَرِيح فِي أَنه
مَسْجده، وَقد اخْتلف فِي ذَلِك فِي زَمَانه، فَقيل:
إِنَّه مَسْجده، وَقيل: إِنَّه مَسْجِد قبَاء، وَالْأول
أثبت. وَقَالَ الدَّاودِيّ: إِنَّه لَيْسَ باخْتلَاف،
وَكِلَاهُمَا أسس على التَّقْوَى. قَوْله: (وَكَانَ
مربداً) بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْبَاء
الْمُوَحدَة، وَهُوَ الْموضع الَّذِي يجفف فِيهِ التَّمْر.
قَوْله: (لسهيل وَسَهل) ابْني رَافع بن عَمْرو بن عَائِذ
بن ثَعْلَبَة بن غنم بن مَالك بن النجار، وَسُهيْل شهد
بَدْرًا دون أَخِيه سهل. قَوْله: (فِي حجر أسعد بن
زُرَارَة) بِفَتْح الْحَاء وَسُكُون الْجِيم وَهُوَ من حجر
الثَّوْب، وَهُوَ طرفه الْمُقدم لِأَن الْإِنْسَان يُربي
وَلَده فِي حجره
(17/49)
وَالْوَلِيّ الْقَائِم بأَمْره كَذَلِك،
وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الْحجر، بِالْفَتْح وَالْكَسْر:
الثَّوْب والحصن، والمصدر بِالْفَتْح لَا غير، وأسعد بن
زُرَارَة بِالْألف فِي أَوله، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر
وَحده: سعد بن زُرَارَة، بِدُونِ الْألف، وَالْأول هُوَ
الْأَوْجه، وَكَانَ من السَّابِقين إِلَى الْإِسْلَام من
الْأَنْصَار، وَوَقع فِي (مُرْسل ابْن سِيرِين) عِنْد أبي
عبيد فِي الْغَرِيب: أَنَّهُمَا كَانَا فِي حجر معَاذ بن
عفراء، وَحكى الزبير أَنَّهُمَا كَانَا فِي حجر أبي
أَيُّوب، وَالْأول أثبت. قَوْله: (حَتَّى ابتاعه
مِنْهُمَا) ، أَي: حَتَّى اشْتَرَاهُ من سُهَيْل وَسَهل،
وَعَن الْوَاقِدِيّ عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ: أَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَمر أَبَا بكر أَن
يعطيهما ثمنه، وَقيل: أعطاهما عشرَة دَنَانِير، وَعَن
الزبير: أَن أَبَا أَيُّوب أرضاهما عَن ثمنه. فَإِن قلت:
قد تقدم فِي أَبْوَاب الْمَسَاجِد من حَدِيث أنس: أَنه،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: يَا بني النجار ثامنوني
بحائطكم؟ قَالُوا: لَا وَالله لَا نطلب ثمنه إلاَّ إِلَى
الله؟ قلت: يجمع بَينهمَا بِأَنَّهُم لما قَالُوا: لَا
نطلب ثمنه إلاَّ إِلَى الله، سَأَلَ عَمَّن يخْتَص بِملكه
مِنْهُم، فعينوا لَهُ الغلامين فابتاعه مِنْهُمَا،
وَيحْتَمل أَن يكون الَّذين قَالُوا: لَا نطلب ثمنه إلاَّ
إِلَى الله، تحملوا عَنهُ الغلامين بِالثّمن. قَوْله:
(فَطَفِقَ) ، أَي: جعل (ينْقل اللَّبن) ، بِفَتْح اللَّام
وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة: وَهُوَ الطوب النيء الَّذِي لم
يحرق. قَوْله: (هَذَا الْحمال) ، بِكَسْر الْحَاء
الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم أَي: هَذَا مَحْمُول من
اللَّبن (أبر عِنْد الله) أَي: أبقى ذخْرا وَأكْثر ثَوابًا
وأدوم مَنْفَعَة وَأَشد طَهَارَة (من حمال خَيْبَر) أَي:
الَّتِي تحمل مِنْهَا من التَّمْر وَالزَّبِيب وَنَحْو
ذَلِك، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: هَذَا الْجمال،
بِفَتْح الْجِيم. قَوْله: (رَبنَا) منادًى مُضَاف، أَي:
يَا رَبنَا. قَوْله: (فتمثل بِشعر رجل من الْمُسلمين)
وَقَالَ الْكرْمَانِي: يحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ الشّعْر
الْمَذْكُور، وَأَن يُرَاد شعر آخر، وَقَالَ بَعضهم الأول
هُوَ الْمُعْتَمد قلت: لم يبين وَجهه، والاعتماد لَا يكون
إلاَّ بالعماد.
قَوْله: (قَالَ ابْن شهَاب) أَي: مُحَمَّد بن مُسلم بن
شهَاب الزُّهْرِيّ أحد رُوَاة الحَدِيث. قَوْله: (غير
هَذَا الْبَيْت) ويروى: غير هَذِه الأبيات، زَاد ابْن
عَائِذ فِي آخِره: الَّتِي كَانَ يرتجز بِهن وَهُوَ ينْقل
اللَّبن لبنيان الْمَسْجِد. وَقَالَ ابْن التِّين: أنكر
على الزُّهْرِيّ هَذَا من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه رجز
وَلَيْسَ بِشعر. وَالثَّانِي: أَن الْعلمَاء اخْتلفُوا هَل
كَانَ ينشد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شعرًا أم
لَا؟ وعَلى الْجَوَاز: هَل كَانَ ينشد بَيْتا وَاحِدًا
وَيزِيد؟ وَأجِيب: عَن الأول: أَن الْجُمْهُور على أَن
الرجز من أَقسَام الشّعْر إِذا كَانَ مَوْزُونا، وَعَن
الثَّانِي: أَن الْمُمْتَنع على النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إنشاؤه لَا إنشاده، وَالله أعلم.
3907 - حدَّثنا عبْدُ الله بنُ أبِي شَيْبَةَ حدَّثنا أبُو
أُسَامَةَ حدَّثنَا هِشَامٌ عنْ أبِيهِ وفَاطِمَةَ عنْ
أسْمَاءَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما صَنَعْتُ سُفْرَةً
لِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بَكْرٍ حِينَ
أرَادَا المَدِينَةَ فقُلْتُ لأبي مَا أجِدُ شَيْئَاً
أرْبِطُهُ إلاَّ نِطَاقِي قَالَ فشُقِّيهِ ففَعَلْتُ
فسُمِّيتُ ذاتَ النِّطَاقَيْنِ. (انْظُر الحَدِيث 2979
وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يتَعَلَّق
بِالْهِجْرَةِ، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة،
وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه وَعَن
فَاطِمَة بنت الْمُنْذر بن الزبير وَهِي زَوْجَة هِشَام
الْمَذْكُور، وَأَسْمَاء بنت أبي بكر جدة فَاطِمَة
الْمَذْكُورَة. والْحَدِيث مر فِي الْجِهَاد فِي: بَاب حمل
الزَّاد فِي الْغَزْو، فَإِنَّهُ رَوَاهُ هُنَاكَ: عَن
عبيد بن إِسْمَاعِيل عَن أبي أُسَامَة ... إِلَى آخِره
بأتم مِنْهُ، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله:
(أربطه) ويروى: أربطها، فالتذكير إِمَّا بِاعْتِبَار
الطّرف أَو على تَقْدِير حذف الْمُضَاف أَي: رَأس السفرة،
وَيُسْتَفَاد مِنْهُ أَن الَّذِي أَمر بشق نطاقها لتربط
بهَا السفرة هُوَ أَبوهَا أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ.
389 - (حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار حَدثنَا غنْدر حَدثنَا
شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق قَالَ سَمِعت الْبَراء رَضِي
الله عَنهُ قَالَ لما أقبل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى الْمَدِينَة تبعه سراقَة بن
مَالك بن جعْشم فَدَعَا عَلَيْهِ النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فساخت بِهِ فرسه قَالَ ادْع
الله لي وَلَا أَضرّك فَدَعَا لَهُ قَالَ فعطش رَسُول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَمر براع قَالَ
أَبُو بكر فَأخذت قدحا فحلبت فِيهِ كثبة من لبن فَأَتَيْته
فَشرب حَتَّى رضيت) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله لما
أقبل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
إِلَى الْمَدِينَة وإقباله إِلَيْهَا هُوَ هجرته إِلَيْهَا
وغندر بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَهُوَ لقب مُحَمَّد بن
جَعْفَر وَقد تكَرر ذكره قَوْله وَأَبُو اسحق عَمْرو بن
عبد الله السبيعِي والبراء هُوَ ابْن عَازِب
(17/50)
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ والْحَدِيث من
قَوْله فَمر براع إِلَى آخِره قد مضى بأتم مِنْهُ فِي كتاب
اللّقطَة فِي بَاب مُجَرّد من التَّرْجَمَة عقيب بَاب من
عرف اللّقطَة وَلم يَدْفَعهَا فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن
اسحق بن إِبْرَاهِيم عَن النَّضر عَن إِسْرَائِيل عَن أبي
إِسْحَاق إِلَى آخِره قَوْله " كثبة " بِضَم الْكَاف
وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة وبالباء الْمُوَحدَة وَهِي
قدر حلبة وَقيل ملْء الْقدح -
3909 - حدَّثني زَكَرِيَّاءُ بنُ يَحْيَى عنْ أبِي
أُسَامَةَ عنْ هِشامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ
أسْمَاءَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّها حَمَلَتْ
بِعَبْدِ الله بنِ الزُّبَيْرِ قالَتْ فخَرَجْتُ وأنَا
مُتِمٌّ فأتَيْتُ المَدِينَةَ فنَزَلْتُ بِقُبَاءٍ
فوَلَدْتُهُ بِقُبَاءٍ ثُمَّ أتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فوَضَعْتُهُ فِي حَجْرِهِ ثُمَّ دَعَا
بِتَمْرَةٍ فمَضَغَهَا ثُمَّ تفَلَ فِي فِيهِ فَكانَ
أوَّلَ شَيْءٌ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسُولِ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم ثُمَّ حَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ ثُمَّ
دَعَا لهُ وبَرَّكَ عَلَيْهِ وكانَ أوَّلَ مَوْلُودٍ
وُلِدَ فِي الإسْلاَمِ. (الحَدِيث 3909 طرفه فِي: 5469) .
مطابقته للجزء الثَّانِي للتَّرْجَمَة، وَهُوَ قَوْله:
(وَأَصْحَابه) أَي: وهجرة أَصْحَابه، كَمَا ذَكرْنَاهُ.
وزَكَرِيا بن يحيى بن صَالح بن سُلَيْمَان بن مطر
اللؤْلُؤِي الْبَلْخِي الْحَافِظ الْفَقِيه إِمَام مُصَنف
فِي السّنة، مَاتَ سنة إثنتين وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ،
وَهُوَ من أَفْرَاده.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْعَقِيقَة عَن
إِسْحَاق بن مَنْصُور. وَأخرجه مُسلم فِي الاستيذان عَن
أبي كريب وَعَن أبي بكر ابْن أبي شيبَة وَعَن الحكم بن
مُوسَى.
قَوْله: (أَنَّهَا حملت بِعَبْد الله) يَعْنِي: فِي
مَكَّة. قَوْله: (فَخرجت) أَي: من مَكَّة مهاجرة إِلَى
الْمَدِينَة. قَوْله: (وَأَنا متم) الْوَاو فِيهِ للْحَال
وَمعنى: متم، أتممت مُدَّة الْحمل الْغَالِب وَهِي تِسْعَة
أشهر، قَوْله: (فولدته بقباء) وَلم يكن هَذَا إِلَّا بعد
تحول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من قبَاء. قَوْله:
(ثمَّ أتيت بِهِ) أَي: بِعَبْد الله، وَذَلِكَ
بِالْمَدِينَةِ. قَوْله: (فِي حجره) بِفَتْح الْحَاء
وَكسرهَا. قَوْله: (ثمَّ تفل) بِفَتْح التَّاء
الْمُثَنَّاة من فَوق وبالفاء. قَوْله: (فِي فِيهِ) أَي:
فِي فَمه. قَوْله: (حنكه) من حنكت الصَّبِي إِذا مضغت
تَمرا أَو غَيره. ثمَّ دلكته بحنكه. قَوْله: (وبرَّك
عَلَيْهِ) أَي: دَعَا لَهُ بِالْبركَةِ، أَي قَالَ: بَارك
الله فِيك، أَو: أللهم بَارك فِيهِ. قَوْله: (وَكَانَ أول
مَوْلُود) أَي: كَانَ عبد الله بن الزبير أول مَوْلُود
(ولد فِي الْإِسْلَام) أَي: بِالْمَدِينَةِ لَا مُطلقًا،
وَأما من ولد فِي غير الْمَدِينَة من الْمُهَاجِرين،
فَقيل: عبد الله بن جَعْفَر بِالْحَبَشَةِ، وَأما من
الْأَنْصَار بِالْمَدِينَةِ فَكَانَ أول مَوْلُود ولد
لَهُم بعد الْهِجْرَة مسلمة ابْن مخلد، كَمَا رَوَاهُ ابْن
أبي شيبَة، وَقيل: النُّعْمَان بن بشير.
تابَعَهُ خالِدُ بنُ مَخْلَدٍ عنْ عَلِيِّ بنِ مُسْهِرٍ
عنْ هِشَامٍ عنْ أبِيهِ عنْ أسْمَاءَ رَضِي الله تَعَالَى
عنهَا أنَّها هاجَرَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وهْيَ حُبْلَى
أَي: تَابع زَكَرِيَّا بن يحيى (خَالِد بن مخلد) بِفَتْح
الْمِيم وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح اللَّام:
الْقَطوَانِي، ينْسب إِلَى التَّشَيُّع، وَقَالَ أَحْمد
وَغَيره: لَهُ مَنَاكِير، مَاتَ سنة ثَلَاث عشرَة
وَمِائَتَيْنِ، وَعلي بن مسْهر أَبُو الْحسن قَاضِي
الْموصل الْكُوفِي الْحَافِظ الْمُحدث الْفَقِيه، مَاتَ
سنة سبع وَثَمَانِينَ وَمِائَة، وَأخرج هَذِه
الْمُتَابَعَة الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق عُثْمَان بن
أبي شيبَة عَن خَالِد بن مخلد بِهَذَا السَّنَد وَلَفظه:
أَنَّهَا هَاجَرت وَهِي حُبْلَى بِعَبْد الله فَوَضَعته
بقباء فَلم ترْضِعه حَتَّى أَتَت بِهِ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم ... نَحوه، وَزَاد فِي آخِره، ثمَّ صلى
عَلَيْهِ أَي: دَعَا لَهُ وَسَماهُ: عبد الله.
3911 - حدَّثني مُحَمَّدٌ حدَّثنا عبْدُ الصَّمَدِ حدَّثنا
أبِي حدَّثنا عبْدُ العَزِيزِ بنُ صُهَيْبٍ حدَّثنا أنَسُ
ابنُ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ أقبَلَ
نبِيُّ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى المَدِينَةِ
وهْوَ مُرْدِفٌ أبَا بَكْرٍ وأبُو بَكْر شَيْخٌ يُعْرَفُ
ونَبِيُّ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شابٌّ لاَ يُعْرَفُ
قَالَ فيَلْقَى الرَّجُلُ أبَا بَكْرٍ فيَقُولُ يَا أبَا
بَكْرٍ مَنْ هاذَا الرَّجُلُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْكَ
فيَقُولُ هاذًّ الرَّجُلُ يَهْدِينِي السَّبِيلَ قالَ
فيَحْسِبُ الحَاسِبُ أنَّهُ إنَّمَا يَعْنِي الطَّرِيقَ
وإنَّمَا
(17/51)
يَعْنِي سَبِيلَ الخَيْرِ فالْتَفَتَ أبُو
بَكْرٍ فإذَا هُوَ بِفَارِسٍ قَدْ لَحِقَهُمْ فَقَالَ يَا
رسُولَ الله هاذَا فارِسٌ قَدْ لَحِقَ بِنا فالْتَفَتَ
نَبِيُّ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقَالَ اللَّهُمَّ
اصْرَعْهُ فَصَرَعَهُ الفَرَسُ ثُمَّ قامَتْ تُحَمْحِمُ
فَقَالَ يَا نَبِيَّ الله مُرْنِي بِمَ شِئْتَ قَالَ
فَقِفْ مكانَك لاَ تَتْرُكَنَّ أحدَاً يَلْحَقُ بِنَا
قَالَ فَكَانَ أوَّلَ النَّهَارِ جاهِدَاً علَى نَبِيِّ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكانَ آخِرَ النَّهَارِ
مسْلَحَةً لَهُ فنَزَلَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم جانِبَ الحَرَّةِ ثُمَّ بَعَثَ إلَى الأنْصَارِ
فَجاؤُا إِلَى نَبِيِّ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي
بَكْرٍ فسَلَّمُوا علَيْهِمَا وقالُوا ارْكَبَا آمِنَيْنِ
مُطَاعَيْنِ فرَكِبَ نَبِيُّ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وأبُو بَكْرٍ وحَفُّوا دُونَهُمَا بالسِّلاَحِ فقِيلَ فِي
المَدِينَةِ جاءَ نَبِيُّ الله جاءَ نَبِيُّ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فأشْرَفُوا يَنْظُرُونَ ويَقُولُونَ جاءَ
نِبِيُّ الله جاءَ نَبِيُّ الله فأقْبَلَ يَسِيرُ حتَّى
نَزَلَ جانِبَ دَارِ أبِي أيُّوبَ فإنَّهُ لَيُحَدَّثُ
أهْلَهُ إِذْ سَمِعَ بِهِ عَبْدُ الله بنُ سَلاَمٍ وهْوَ
فِي نَخْلٍ لأِهْلِهِ يَخْتَرِفُ لَهُمْ فعَجِلَ أنْ
يَضَعَ الَّذِي يَخْتَرِفُ لَهُمْ فِيها فَجاءَ وهْيَ
معَهُ فسَمِعَ مِنْ نَبِيِّ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ثُمَّ رَجَعَ إلَى أهْلِهِ فَقَالَ نَبيُّ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أيُّ بُيُوتِ أهْلِنَا أقْرَبُ فَقَالَ
أبُو أيُوبَ أَنا يَا نَبِيَّ الله هاذِهِ دَارِي وهاذَا
بَابي قَالَ فانْطَلِقْ فَهَيِّىءْ لَنا مَقِيلاً قَالَ
قُومَا علَى بَرَكَةِ الله تَعَالَى فلَمَّا جاءَ نَبِيُّ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جاءَ عَبْدُ الله بنُ
سَلاَمٍ فَقَالَ أشْهَدُ أنَّكَ رسُولُ الله وأنَّكَ
جِئْتَ بِحَقٍّ وقَدْ عَلِمَتْ يَهُودُ أنِّي سَيِّدُهُمْ
وابنُ سَيِّدِهِمْ وأعْلَمُهُمْ وابنُ أعْلَمِهِمْ
فادْعُهُمْ فاسْألْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أنْ يَعلَمُوا أنِّي
قَدْ أسْلَمْتُ فإنَّهُمْ إنْ يَعْلَمُوا أنِّي قَدْ
أسْلَمْتُ قالُوا فِيَّ مَا لَيْسَ فِيَّ فأرْسَلَ نَبِيُّ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأقْبَلُوا فدَخَلُوا
علَيْهِ فَقَالَ لَهُمْ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَا مَعْشَرَ اليَهُودِ ويْلَكُمْ اتَّقُوا الله
فوَالله الَّذِي لاَ إلاهَ إلاَّ هُوَ إنَّكُمْ
لتَعْلَمُونَ أنِّي رسُولُ الله حَقَّا وأنِّي جِئْتُكُمْ
بِحَقٍّ فأسْلِمُوا قالُوا مَا نَعْلَمُهُ قالُوا
لِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالَها ثلاثَ مِرَارٍ
قَالَ فأيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُ الله بنُ سَلاَمٍ
قالُوا ذَاكَ سَيِّدُنا وابنُ سَيِّدِنَا وأعْلَمُنَا
وابنُ أعْلَمِنَا قَالَ أفَرَأيْتُمْ إنْ أسْلَمَ قالُوا
حاشَى لله مَا كانَ لِيُسْلِمَ قَالَ أفَرَأيْتُمْ إنْ
أسْلَمَ قالُوا حَاشى لله مَا كانَ لِيُسْلِمَ قالَ
أفَرَأيْتُمْ إنْ أسْلَمَ قالُوا حاشَى لله مَا كانَ
لِيُسْلِمَ قَالَ يَا ابنَ سَلاَمٍ اخْرُجْ علَيْهِمْ
فخَرَجَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ اليَهُود اتَّقُوا الله
فَوَالله الَّذِي لاَ إلاهَ هُوَ إنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ
أنَّهُ رَسُولُ الله وأنَّهُ جاءَ بِحَقٍّ فقالُوا لَهُ
كَذَبْتَ فأخْرَجَهُمْ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أقبل نَبِي الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى الْمَدِينَة) وإقباله
إِلَيْهَا هُوَ هجرته. وَشَيْخه مُحَمَّد الَّذِي ذكره
مُجَردا هُوَ مُحَمَّد بن سَلام، وَقَالَ أَبُو نعيم فِي
(مستخرجه) : أَظن أَنه مُحَمَّد بن الْمثنى وَعبد الصَّمد
يروي عَن أَبِيه عبد الْوَارِث بن سعيد الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (وَهُوَ مردف) الْوَاو فِيهِ للْحَال، وَقَالَ
الدَّاودِيّ: يحْتَمل أَنه مرتدف خَلفه على الرَّاحِلَة
الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا، وَيحْتَمل أَن يكون على رَاحِلَة
أُخْرَى وَرَاءه، قَالَ الله تَعَالَى: {بِأَلف من
الْمَلَائِكَة مُردفِينَ} (الْأَنْفَال: 9) . أَي: يَتْلُو
بَعضهم بَعْضًا. وَاعْترض عَلَيْهِ ابْن التِّين بِأَن
الِاحْتِمَال الثَّانِي غير صَحِيح لِأَنَّهُ يلْزم مِنْهُ
أَن يمشي أَبُو بكر بَين يَدي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، وَأجَاب بَعضهم عَن هَذَا بِأَنَّهُ: إِنَّمَا
يلْزم ذَلِك لَو كَانَ الْخَبَر جَاءَ بِالْعَكْسِ، كَأَن
يَقُول: وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مرتدف خلف
أبي بكر، وَأما عَن لفظ: وَهُوَ مردف، فَلَا. قلت: فِي كل
كَلَامي الْمُعْتَرض والمجيب نظر، أما كَلَام الْمُعْتَرض
(17/52)
فَلَا نسلم فِيهِ الْمُلَازمَة الَّتِي
ذكرهَا، وَلَئِن سلمنَا فَمَاذَا يَتَرَتَّب إِذا مَشى
أَبُو بكر بَين يَدي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بل
هُوَ الْمَطْلُوب عِنْد الْمُلُوك وأكابر النَّاس ولائمة
ملك وَلَا كَبِير أشرف من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، وَلَا أجلّ قدرا. وَأما كَلَام الْمُجيب فَإِنَّهُ
يسْقط بِسُقُوط الِاعْتِرَاض. قَوْله: (وَأَبُو بكر شيخ
يعرف) أما كَونه شَيخا فَلِأَنَّهُ قد شَاب، وَمَعَ هَذَا
فَرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ أسن من أبي
بكر على الصَّحِيح، لَكِن كَانَ شعر أبي بكر أَبيض وَأكْثر
بَيَاضًا من شعر رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
وَأما كَونه يعرف، فَلِأَنَّهُ كَانَ يمر على أهل
الْمَدِينَة فِي سفر التِّجَارَة، بِخِلَاف النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، قَوْله: (يهديني السَّبِيل) ، وَسبب
هَذَا القَوْل مَا ذكره ابْن سعد فِي رِوَايَة لَهُ: أَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ لأبي بكر: ألهُ
النَّاس عني، فَكَانَ إِذا سُئِلَ: من أَنْت؟ قَالَ: باغي
حَاجَة، فَإِذا قيل: من هَذَا؟ قَالَ: هادٍ يهديني، يُرِيد
الْهِدَايَة فِي الدّين، ويحسبه الآخر دَلِيلا. قَوْله:
(ويحسب) ، أَي: يظنّ. قَوْله: (فَقَالَ: يَا رَسُول الله!
هَذَا فَارس) وَهُوَ سراقَة بن مَالك جعْشم. قَوْله: (ثمَّ
قَامَت تحمحم) ، من الحمحمة بالمهملتين: وَهِي صَوت
الْفرس، وَقَالَ ابْن التِّين: فِي هَذَا الْكَلَام نظر،
لِأَن الْفرس إِن كَانَت أُنْثَى فَلَا يجوز: فصرعه، وَإِن
كَانَ ذكرا فَلَا يُقَال: ثمَّ قَامَت، وَقَالَ بَعضهم
وإنكاره من الْعَجَائِب. وَالْجَوَاب أَنه ذكَّر
بِاعْتِبَار لفظ الْفرس، وأنَّث بِاعْتِبَار مَا فِي نفس
الْأَمر من أَنَّهَا كَانَت أُنْثَى. قلت: الْجَواب
الَّذِي يُقَال مَا قَالَه أهل اللُّغَة مِنْهُم
الْجَوْهَرِي: الْفرس يَقع على الذّكر وَالْأُنْثَى، وَلم
يقل أحد: إِنَّه يذكر بِاعْتِبَار لَفظه وَيُؤَنث
بِاعْتِبَار أَنَّهَا كَانَت أُنْثَى، فَهَذَا الَّذِي
ذكره على قَوْله يمشي فِي غير الْفرس أَيْضا، وَلَكِن لم
يقل بِهِ أحد وَلَا لَهُ وَجه. قَوْله: (لَا تتركن أحدا
يلْحق بِنَا) هُوَ كَقَوْلِهِم: لَا تدن من الْأسد يهلكك.
قَالَ الْكرْمَانِي: وَهُوَ ظَاهر على مَذْهَب الْكسَائي
وَلم يبين ذَلِك. قلت: هَذَا الْمِثَال غير صَحِيح عِنْد
غير الْكسَائي، لِأَن فِيهِ فَسَاد الْمَعْنى، لِأَن
انْتِفَاء الدنو لَيْسَ سَببا للهلاك، وَالْكسَائِيّ يجوّز
هَذَا لِأَنَّهُ يقدر الشَّرْط إيجابياً فِي قُوَّة: إِن
دَنَوْت من الْأسد يهلكك، وتحقيقه يعرف فِي مَوْضِعه.
قَوْله: (مسلحة لَهُ) أَي: يدْفع عَنهُ الْأَذَى، وَقَالَ
الْكرْمَانِي: المسلحة، بِفَتْح الْمِيم: صَاحب السِّلَاح.
قلت: فِيهِ مَا فِيهِ، قَالَ الْجَوْهَرِي: المسلحة قوم
ذَوُو سلَاح، والمسلحة كالثغر والمرقب، وَقَالَ ابْن
الْأَثِير المسلحة الْقَوْم الَّذين يحفظون الثغور من
الْعَدو، وَسموا مسلحة لأَنهم يكونُونَ ذَوُو سلَاح أَو
لأَنهم يسكنون المسلحة وَهِي كالثغر، والمرقب يكون فِيهِ
أَقوام يرقبون الْعَدو لِئَلَّا يطرقهم على غَفلَة، فَإِذا
رأواه أعلمُوا أَصْحَابهم لِيَتَأَهَّبُوا لَهُ، وَالْجمع
مسالح. قَوْله: (عَلَيْهِمَا) أَي: على النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وَأبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: (آمِنين) تَثْنِيَة: آمن، نصب على الْحَال،
وَكَذَا قَوْله: (مُطاعَين) تَثْنِيَة: مُطَاع نصب على
الْحَال إِمَّا المتداخلة أَو المترادفة. قَوْله: (وحفوا
دونهمَا) أَي: أحدقوهما بِالسِّلَاحِ. قَالَ الله
تَعَالَى: {وَترى الْمَلَائِكَة حافين من حول الْعَرْش}
(الزمر: 75) . أَي: محدقين. قَوْله: (فَأقبل) أَي: رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (يسير) حَال. أَي:
أقبل حَال كَونه سائراً. قَوْله: (فَإِنَّهُ ليحدث أَهله)
الضَّمِير فِي: أَنه، يرجع إِلَى النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (إِذْ سمع) كلمة: إِذْ، للمفاجأة.
قَوْله: (وَهُوَ فِي نخل) الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله:
(يخْتَرف لَهُم) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وبالفاء أَي:
يجتني من الثِّمَار. قَوْله: (فَعجل) أَي: ااستعجل.
قَوْله: (لَهُم) أَي: لأَهله. قَوْله: (فِيهَا) أَي: فِي
النّخل. النّخل والنخيل بِمَعْنى، والواحدة نَخْلَة.
قَوْله: (فجَاء وَهِي مَعَه) الْوَاو فِيهِ للْحَال أَي:
الثَّمَرَة الَّتِي اجتناها مَعَه، ويروى: وَهُوَ مَعَه،
أَي: الَّذِي اجتناه. قَوْله: (أهلنا) ، إِنَّمَا قَالَ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أهلنا، لقرابة مَا بَينهم من
النِّسَاء، لِأَن جدته وَالِدَة عبد الْمطلب وَهِي سلمى
بنت عَمْرو (مِنْهُم) أَي من بني مَالك بن النجار،
وَلِهَذَا جَاءَ فِي حَدِيث الْبَراء: أَنه صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، نزل على أَخْوَاله أَو أجداده من بني
النجار. قَوْله: (مقيلاً) أَي: مَكَانا يقيل فِيهِ،
والمقيل أَيْضا النّوم نصف النَّهَار. وَقَالَ
الْأَزْهَرِي: القيلولة والمقيل: الاسْتِرَاحَة نصف
النَّهَار، كَانَ مَعهَا نوم أَو لَا، بِدَلِيل قَوْله
تَعَالَى: {وَأحسن مقيلاً} (الْفرْقَان: 24) . وَالْجنَّة
لَا نوم فِيهَا. يُقَال: قلت أقيل قائلة وقيلولة
وَمَقِيلا، قَالَ الدَّاودِيّ: فَهِيَ لنا مقيلاً، يَعْنِي
دَار أبي أَيُّوب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله:
(فَلَمَّا جَاءَ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي:
إِلَى منزل أبي أَيُّوب جَاءَ عبد الله بن سَلام إِلَيْهِ.
قَوْله: (قَالُوا فيَّ) بتَشْديد الْيَاء فِي
الْمَوْضِعَيْنِ. قَوْله: (فَدَخَلُوا عَلَيْهِ) أَي: على
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بعد أَن خبأ عبد الله
بن سَلام، وَفِي رِوَايَة يحيى بن عبد الله: فَأَدْخلنِي
فِي بعض بيوتك ثمَّ سلهم عني فَإِنَّهُم إِن علمُوا بذلك
بَهَتُونِي وعابوني. قَالَ: فَأَدْخلنِي بعض بيوته.
قَوْله: (قَالَ: يَا ابْن سَلام) أَي: قَالَ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا عبد الله بن سَلام أخرج
عَلَيْهِم، إِنَّمَا قَالَ: عَلَيْهِم، دون: لَهُم،
لِأَنَّهُ صَار عدوا لَهُم بِإِسْلَامِهِ ومفارقته
إيَّاهُم. قَوْله: (فَأخْرجهُمْ) أَي: من عِنْده.
(17/53)
393 - (حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مُوسَى
أخبرنَا هِشَام عَن ابْن جريج قَالَ أَخْبرنِي عبيد الله
بن عمر عَن نَافِع يَعْنِي عَن ابْن عمر عَن عمر بن
الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ كَانَ فرض للمهاجرين
الْأَوَّلين أَرْبَعَة آلَاف فِي أَرْبَعَة وَفرض لِابْنِ
عمر ثَلَاثَة آلَاف وَخَمْسمِائة فَقيل لَهُ هُوَ من
الْمُهَاجِرين فَلم نقصته من أَرْبَعَة آلَاف فَقَالَ
إِنَّمَا هَاجر بِهِ أَبَوَاهُ يَقُول لَيْسَ هُوَ كمن
هَاجر بِنَفسِهِ) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة
وَإِبْرَاهِيم بن مُوسَى بن يزِيد الْفراء أَبُو اسحق
الرَّازِيّ يعرف بالصغير وَهِشَام هُوَ ابْن يُوسُف
الصَّنْعَانِيّ وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد
الْعَزِيز بن جريج وَعبيد الله بن عمر هُوَ ابْن حَفْص بن
عَاصِم بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ والْحَدِيث من
أَفْرَاده قَوْله عَن نَافِع يَعْنِي عَن ابْن عمر عَن عمر
بن الْخطاب هَذَا هَكَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر وَفِي
رِوَايَة غَيره عَن نَافِع عَن عمر وَهَذَا مُنْقَطع لِأَن
نَافِعًا لم يلْحق عمر رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ
الْكرْمَانِي أما نَافِع عَن عمر فَهُوَ مُرْسل لِأَن
نَافِعًا لم يدْرك عمر وَفِي بَعْضهَا نَافِع عَن عبد الله
بن عمر بن الْخطاب قَوْله فرض للمهاجرين الْأَوَّلين أَي
فرض عمر يَعْنِي عين من مَال بَيت المَال للمهاجرين
الْأَوَّلين وهم الَّذين صلوا إِلَى الْقبْلَتَيْنِ وَقيل
هم الَّذين شهدُوا بَدْرًا قَوْله أَرْبَعَة آلَاف فِي
أَرْبَعَة آلَاف قَالَ صَاحب التَّوْضِيح مَعْنَاهُ
أَرْبَعَة آلَاف فِي أَرْبَعَة آلَاف وَقيل مَعْنَاهُ فِي
أَرْبَعَة أَعْوَام وَقَالَ الْكرْمَانِي وَفِي بَعْضهَا
أَرْبَعَة آلَاف فِي أَرْبَعَة بِزِيَاد لفظ فِي أَرْبَعَة
وَلَعَلَّ فَائِدَة ? ذكرهَا التَّوْزِيع وَبَيَان أَن لكل
مهَاجر أَرْبَعَة آلَاف أَو المُرَاد فِي أَرْبَعَة فُصُول
قَوْله فَقيل لَهُ أَي لعمر بن الْخطاب هُوَ يَعْنِي عبد
الله ابْنه من الْمُهَاجِرين فلأجل أَي شَيْء نقصته من
أَرْبَعَة آلَاف إِلَى آخِره فَقَالَ إِلَى آخِره وَكَانَ
عبد الله فِي عِيَاله وَكَانَ عمره حِينَئِذٍ ثِنْتَيْ
عشرَة سنة وَأشهر وَفرض عمر أَيْضا لِلْحسنِ وَالْحُسَيْن
مثل مَا فرض للمهاجرين -
2913 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ أخْبَرَنَا
سُفْيَانُ عنِ الأعْمَشِ عنْ أبِي وائِلٍ عنْ خَبَّابٍ
قَالَ هاجَرْنَا مَعَ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم. .
3914 - ح وحدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنِي يَحْيَى عنِ
الأعْمَشِ قَالَ سَمِعْتُ شَقِيقَ بنَ سلَمَةَ قَالَ
حدَّثنا خَبَّابٌ قَالَ هاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم نَبْتَغِي وجْهَ الله وجَبَ أجْرُنَا
علَى الله فَمِنَّا مَنْ مَضَى لَمْ يأكُلْ مِنْ أجْرِهِ
شَيْئَاً مِنْهُمْ مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ قُتِلَ يَوْمَ
أُحُدٍ فلَمْ (نَجِدْ لَهُ شَيْئَاً نُكَفِّنُهُ فِيهِ
إلاَّ نَمِرَةً كُنَّا إذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأسَهُ
خرَجَتْ رِجْلاهُ فإذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ خَرَجَ
رَأسُهُ فأمَرَنا رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ
نُغَطِّيَ رَأسَهُ بِهَا ونَجْعَلَ علَى رِجْلَيْهِ مِنْ
إذْخِرٍ ومِنَّا مَنْ أيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهْوَ
يَهْدِبُها قَالَ أبُو عَبْدِ الله يَنَعَ إذَا نَضِجَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث مضى عَن قريب
فِي أول الْبَاب، وَمر أَيْضا فِي الْجَنَائِز، وَذكره
هَهُنَا أَيْضا من طَرِيقين: أَحدهمَا عَن مُحَمَّد بن
كثير بالثاء الْمُثَلَّثَة عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن
سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن أبي وَائِل شَقِيق بن سَلمَة.
وَالْآخر: عَن مُسَدّد عَن يحيى الْقطَّان ... إِلَى
آخِره، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله: (هاجرنا
مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: هَاجر
نَا بِإِذْنِهِ لِأَنَّهُ لم يُهَاجر مَعَ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، إلاَّ أَبُو بكر وعامر بن فهَيْرَة.
قَوْله: (نبتغي) ، أَي: نطلب. قَوْله: (أينعت) أَي:
أدْركْت ونضجت، يُقَال: أينع الثَّمر يونع وينع يينع.
فَهُوَ مونع ويانع، وأينع أَكثر اسْتِعْمَالا. قَوْله:
(يهدبها) من هدب الثَّمَرَة إِذا اجتناها. قَوْله: (قَالَ
أَبُو عبد الله) هُوَ: البُخَارِيّ نَفسه.
3915 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ بِشْرٍ حدَّثنا رَوْحٌ
حدَّثنَا عَوْفٌ عنْ مُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ قَالَ
حدَّثني أبُو بُرْدَةَ بنُ أبِي مُوساى الأشْعَرِي قَالَ
قَالَ لِي عبْدُ الله بنُ عُمَرَ هلْ تَدْرِي مَا قَالَ
أبِي لأبِيكَ قَالَ قُلْتُ لَا قالَ فإنَّ أبي قَالَ
لأبيِكَ يَا أَبَا مُوساى هَل يَسُرُّكَ إسْلاَمُنَا معَ
رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهِجْرَتُنَا معَهُ
(17/54)
وجِهَادُنا معَهُ وعَمَلُنَا كُلُّنا
مَعَهُ بَرَدَ لَنَا وأنَّ كُلَّ عَمَلٍ عَمِلْنَاهُ
بَعْدَهُ نَجَوْنَا مِنْهُ كفَافاً رأسَاً بِرأسٍ فَقَالَ
أبِي لاَ وَالله قدْ جاهَدْنَا بَعْدَ رسُولِ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وصَلَّيْنَا وصُمْنَا وعَمِلْنَا
خَيْرَاً كَثِيراً وأسْلَمَ علَى أيْدِينَا بَشَرٌ كَثِيرٌ
وإنَّا لنَرْجُو ذالِكَ فَقال أبِي لاكِنِّي أَنا والَّذِي
نَفْسُ عُمَرَ بِيَدِهِ لوَدِدْتُ أنَّ ذَلِكَ برَدَ لَنَا
وأنَّ كلَّ شَيْءٍ عَمِلْنَاهُ بَعْدُ نَجَوْنَا مِنْهُ
كَفافاً رأسَاً برأسٍ فقُلْتُ إنَّ أبَاكَ وَالله خَيْرٌ
مِنْ أبِي.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وهجرتنا مَعَه) .
وَيحيى بن بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون
الشين الْمُعْجَمَة: أَبُو زَكَرِيَّا الْبَلْخِي وَكَانَ
من عباد الله الصَّالِحين، وروح بِفَتْح الرَّاء ابْن
عبَادَة، بِضَم الْعين، وعَوْف هُوَ الْأَعرَابِي، وَأَبُو
بردة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة اسْمه عَامر، وَأَبُو
مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ.
قَوْله: (وعملنا كلنا) ويروى: كُله. قَوْله: (برد) بِلَفْظ
الْمَاضِي، أَي: ثَبت وَسلم لنا، يُقَال: برد لي على
الْغَرِيم حقٌّ أَي: ثَبت، وَيُقَال: مَا برد على فلَان
فعلي، وَفِي رِوَايَة سعيد بن بردة: خلص، بدل: برد،
قَوْله: (كفافاً) أَي: سَوَاء بِسَوَاء، كَذَا فسره
بَعضهم. وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَي: لَا لي وَلَا عَليّ.
أَي: لَا مُوجبا للثَّواب وَلَا للعقاب. قلت: التَّحْقِيق
فِيهِ أَن الكفاف هُوَ الَّذِي لَا يفضل عَن الشَّيْء
وَيكون بِقدر الْحَاجة، وَهُوَ نصب على الْحَال، وَقيل:
أَرَادَ بِهِ مكفوفاً عني شَرها، وَقيل: مَعْنَاهُ أَن لَا
ينَال مني وَلَا أنال مِنْهُ، أَي: يكف عني وأكف عَنهُ.
قَوْله: (فَقَالَ أبي: لَا، وَالله) ، كَذَا وَقع،
وَالصَّوَاب: فَقَالَ أَبوك، لِأَن ابْن عمر هُوَ الَّذِي
يحْكى لأبي بردة مَا دَار بَين عمر وَأبي مُوسَى، وَقد
وَقع فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ على الصَّوَاب وَلَفظه:
فَقَالَ أَبوك: لَا وَالله. قَوْله: (فَقَالَ أبي: لكني)
إِلَى آخِره، كَلَام عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
وَهَذَا لَيْسَ قطعا للرجاء، وَإِنَّمَا قَالَ عمر، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ مَا قَالَ هضماً لنَفسِهِ أَو لما رأى
أَن الْإِنْسَان لَا يَخْلُو عَن تقصيرٍ مَا فِي كل خير
يعمله، أَرَادَ أَن يَقع التقاصُّ بَينهمَا وَيبقى هُوَ
فِي الدّين سالما. قَوْله: (فَقلت) ، الْقَائِل هُوَ أَبُو
بردة، خَاطب بذلك ابْن عمر. قَوْله: (خير من أبي) ، وَفِي
رِوَايَة سعيد بن أبي بردة: أفقه من أبي.
3916 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ صَبَّاحٍ أوْ بَلَغَنِي
عَنْهُ حدَّثنَا إسْمَاعِيلُ عنْ عاصِمٍ عنْ أبِي
عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ سَمِعْتُ ابنَ عُمَرَ رَضِي
الله تَعَالَى عنهُما إذَا قِيلَ لَهُ هاجَرَ قَبْلَ
أبِيهِ يَغْضَبُ قَالَ وقَدمْتُ أَنا وعُمَرُ علَى رسُولِ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فوَجَدْناهُ قَائِلا
فرَجَعْنَا إِلَى المَنْزِل فأرْسَلَنِي عُمَرُ وَقَالَ
اذْهَبْ فانْظُرْ هَلْ اسْتَيْقَظَ فأتَيْتُهُ فدَخَلْتُ
عَلَيْهِ فبَايَعْتُهُ ثُمَّ انْطَلَقْتُ إلَى عُمَرَ
فأخْبَرْتُهُ أنَّهُ قَدِ اسْتَيْقَظَ فانْطَلَقْنَا
إلَيْهِ نُهَرْوِلُ هَرْوَلَةً حتَّى دخَلَ عَلَيْهِ
فبَايَعَهُ ثُمَّ بَايَعْتُهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (هَاجر) . وَمُحَمّد بن
الصَّباح بتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: الدولابي
الْبَزَّار بمعجمتين نزيل بَغْدَاد وَإِسْمَاعِيل هُوَ
ابْن علية، وَعَاصِم هُوَ ابْن سُلَيْمَان الْأَحول،
وَأَبُو عُثْمَان النَّهْدِيّ واسْمه عبد الرَّحْمَن بن
مل، وَهَؤُلَاء كلهم بصريون.
قَوْله: (أَو بَلغنِي عَنهُ) ، قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ
نوع من الرِّوَايَة عَن الْمَجْهُول، وَقيل: يحْتَمل أَن
يكون الَّذِي بلغه عَنهُ هُوَ عباد بن الْوَلِيد أَبُو بدر
الغبري، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء
الْمُوَحدَة الْخَفِيفَة، لِأَن أَبَا نعيم أخرجه فِي
(مستخرجه) من طَرِيقه عَن مُحَمَّد بن الصَّباح بِلَفْظ:
إِذا قيل لَهُ، أَي: لِابْنِ عمر (هَاجر قبل أَبِيه يغْضب)
يَعْنِي: يتَكَلَّم بِكَلَام الغضبان، وَكَانَ سَبَب
غَضَبه أَن لَا يرفع فَوق قدره وَلَا ينافس وَالِده،
وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ من وَجه آخر عَن ابْن عمر أَنه،
كَانَ يَقُول: لعن الله من يزْعم أَنِّي هَاجَرت قبل أبي،
إِنَّمَا قدمني فِي ثقله، وَفِي إِسْنَاده ضعف،
وَالْجَوَاب الَّذِي قَالَه هُنَا أصح مِنْهُ. قَوْله:
(قدمت أَنا وَعمر على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم) أَرَادَ عِنْد الْبيعَة، قيل: لَعَلَّهَا بيعَة
الرضْوَان، وَزعم الدَّاودِيّ أَنَّهَا بيعَة صدرت حِين
قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْمَدِينَة. قيل:
فِيهِ بُعْدٌ لِأَن ابْن عمر لم يكن حِينَئِذٍ فِي نسق من
يُبَايع، وَقد عرض على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
بعد ذَلِك بِثَلَاث سِنِين يَوْم أحد فَلم يجزه، فَيحْتَمل
أَن تكون الْبيعَة حِينَئِذٍ على غير الْقِتَال. قَوْله:
(قَائِلا) من القيلولة. قَوْله: (هرولة) وَهِي: السّير
بَين الْمَشْي على مهل والعدْو.
(17/55)
3917 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ عُثْمَانَ
حدَّثنا شُرَيْحُ بنُ مَسْلَمَةَ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ
يُوسُفَ عنْ أبِيهِ عنْ أبِي إسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ
البَرَاءَ يُحَدِّثُ قَالَ ابْتَاعَ أبُو بَكْرٍ مِنْ
عازِبٍ رَحْلاً فحَمَلْتُهُ معَهُ قَالَ فسَألَهُ عازِبٌ
عنْ مَسِيرِ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ
أُخِذَ علَيْنَا بالرَّصَدِ فخَرَجْنَا لَيْلاً
فأحْيَيْنَا لَيْلَتَنَا ويَوْمَنَا حتَّى قامَ قائِمُ
الظَّهِيرَةِ ثُمَّ رُفِعَتْ لَنَا صَخْرَةٌ فَأتَيْنَاها
ولَها شَيْءٌ مِنْ ظِلٍّ قَالَ ففَرَشْتُ لِرسولِ الله،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرْوَةً مَعِي ثُمَّ اضْطَجَعَ
علَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فانْطَلَقْتُ
أنْفُضُ مَا حَوْلَهُ فإذَا أنَا بِرَاعٍ قَدْ أقْبَلَ فِي
غُنَيْمَةٍ يُريدُ مِنَ الصَّخْرَةِ مِثْلَ الَّذِي
أرَدْنَا فَسألْتُهُ لِمَنْ أنْتَ يَا غُلاَمُ فَقَالَ
أنَا لِفُلانِ فَقُلْتُ لَهُ هَلْ فِي غَنَمِكَ مِنْ
لَبَنٍ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ لَهُ هَلْ أنْتَ حالِبٌ قَالَ
نَعَمْ فأخَذَ شَاة مِنْ غَنَمِهِ فَقُلْتُ لَهُ انْفُضِ
الضَّرْعَ قَالَ فحَلَبَ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ ومَعِي
إدَاوَةٌ مِنْ ماءٍ عَلَيْهَا خِرْقَةٌ قَدْ رَوَّأتُهَا
لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فصَبَبْتُ علَى
اللَّبَنِ حتَّى برَدَ أسْفَلُهُ ثُمَّ أتَيْتُ بِهِ
النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقُلْتُ اشْرَبْ يَا
رسُولَ الله فَشَرِبَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم حتَّى رَضِيتُ ثُمَّ ارْتَحَلْنَا والطَّلَبُ فِي
إثْرِنَا. .
3919 - حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ
حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ حِمْيَرَ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ
أبي عَبْلَةَ أنَّ عُقْبَةَ بنَ وسَّاجٍ حدَّثَهُ عنْ
أنَسٍ خادِمِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ
قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولَيْسَ فِي
أصْحَابِهِ أشْمَطُ غَيْرَ أبِي بَكْرٍ فَغَلَّفها
بالحِنَّاءِ والكَتْمِ. (الحَدِيث 3919 طرفه فِي: 3920) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (قدم النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) لِأَن مَعْنَاهُ: قدم من مَكَّة
مُهَاجرا إِلَى الْمَدِينَة. وَسليمَان بن عبد الرَّحْمَن
ابْن ابْنة شُرَحْبِيل بن أَيُّوب الدِّمَشْقِي، مَاتَ سنة
ثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ من أَفْرَاده، وَمُحَمّد
بن حمير، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْمِيم
وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالراء: أَبُو عبد الحميد
الْحِمصِي وَهُوَ من أَفْرَاده، وَإِبْرَاهِيم بن أبي
عبلة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء
الْمُوَحدَة: واسْمه شمر بن يقظان الْعقيلِيّ الشَّامي،
وَعقبَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْقَاف
وبالباء الْمُوَحدَة:
(17/56)
ابْن وساج، بِفَتْح الْوَاو وَتَشْديد
السِّين الْمُهْملَة وبالجيم: الْبَصْرِيّ، سكن الشَّام
قُتِل سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ. والْحَدِيث من
أَفْرَاده.
قَوْله: (أشمط) من الشمط وَهُوَ بَيَاض شعر الرَّأْس
يخالطه سَواد. قَوْله: (فغلفها) بالغين الْمُعْجَمَة
وبالفاء، أَي: خضبها، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب يرجع إِلَى
اللِّحْيَة وَإِن لم يمض ذكرهَا، لِأَن الْقَرِينَة
الحالية تدل عَلَيْهِ. قَوْله: (بِالْحِنَّاءِ) بِكَسْر
الْحَاء وَتَشْديد النُّون وبالمد، واحدته: حناة، وَأَصله
الْهَمْز، يُقَال: حنأ لحيته بِالْحِنَّاءِ، وَزعم
السُّهيْلي أَنه يجمع على حنان، يَعْنِي بِضَم الْحَاء
وَتَشْديد النُّون على غير الْقيَاس، وَقَالَ: هُوَ
عِنْدِي لُغَة لَا جمع لَهُ، وَقَالَ ابْن سَيّده فِي
(الْمُحكم) : الْحِنَّاء بِكَسْر الْحَاء لُغَة فِي
الْحِنَّاء عَن ثَعْلَب، وَوَقع فِي (مُعْجم
الطَّبَرَانِيّ) : أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
سَمَّاهُ طيبا وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه،
فَلَا يجوزونه للْمحرمِ. قَوْله: (والكتم) بِفَتْح التَّاء
الْمُثَنَّاة من فَوق، قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ الوسمة،
وَقيل: نبت يخلط بالوسمة يختضب بِهِ، وَقيل: هُوَ حناء
قُرَيْش، يَعْنِي: الَّذِي صبغه أصفر، وَقيل: هور النّيل،
وَقيل: هُوَ غير الوسمة. وَفِي (التَّلْوِيح) : الكتم من
شجر الْجبَال يجفف ورقه ويخلط بِالْحِنَّاءِ ويختضب بِهِ
الشّعْر فيقنىء لَونه ويقويه، وَيُقَال: هُوَ ينْبت فِي
أصعب الصخور فيتدلى تدلياً خيطاناً لطافاً، وَهُوَ أَخْضَر
وورقه كورق الآس أَو أَصْغَر، ومجتناه صَعب، وَمَا أَكثر
من يعطب مِمَّن يجتنيه، وَلذَلِك هُوَ قَلِيل. وَفِي
(ديوَان الْأَدَب) : هُوَ بِالتَّخْفِيفِ، وَأما أَبُو
عبيد فشدده.
3920 - وقَالَ دُحَيْمٌ حدَّثنا الوَلِيدُ حدَّثنا
الأوْزَاعِيُّ حدَّثني أَبُو عُبَيْدٍ عنْ عُقْبَةَ بنِ
وسَّاجٍ حدَّثنِي أنَسُ بنُ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى
عنهُ قَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
المَدِينَةَ فَكانَ أسَنَّ أصْحَابِهِ أبُو بَكْرٍ
فغَلَّفَهَا بالحِنَّاءِ والكَتَمِ حتَّى قَنأ لَوْنُهَا.
(انْظُر الحَدِيث 3919) .
هَذَا طَرِيق آخر ذكره مُعَلّقا: عَن دُحَيْم، بِضَم
الدَّال وَفتح الْحَاء الْمُهْمَلَتَيْنِ: واسْمه عبد
الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم الدِّمَشْقِي الْحَافِظ. قَالَ
أَبُو دَاوُد: لم يكن فِي زَمَانه مثله، مَاتَ سنة خمس
وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ، روى عَنهُ البُخَارِيّ فِي
(الْأَدَب) وَأَبُو عبيد مُصَغرًا لعبد، ضد الْحر اسْمه:
حُيَيّ، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْبَاء آخر
الْحُرُوف الأولى وَتَشْديد الثَّانِيَة، وَقيل: هُوَ
حَيّ، بِلَفْظ ضد الْمَيِّت يُقَال لَهُ: أَبُو عبيد بن
أبي عَمْرو، وَكَانَ صَاحب سُلَيْمَان بن عبد الْملك
ومولاه.
وَوصل هَذَا الْمُعَلق الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن الْحسن بن
سُفْيَان عَنهُ.
قَوْله: (فَكَانَ أسن أَصْحَابه) أَي: الَّذين قدمُوا
مَعَه حِينَئِذٍ. وَقَبله أَيْضا. قَوْله: (فغلفها) ، أَي:
اللِّحْيَة، كَمَا ذكرنَا. قَوْله: (حَتَّى قنأ) ، بِفَتْح
الْقَاف وَالنُّون وبالهمزة، أَي: حَتَّى اشْتَدَّ حمرتها،
حَتَّى ضربت إِلَى السوَاد، يُقَال: قنأت لحيته من الخضاب
تقنأ قنوءاً وقنأ الرجل لحيته بِالتَّشْدِيدِ تقنئة،
وَيُقَال: أَحْمَر قانىء، واصفر فَاقِع، وأخضر ناضر، وأسود
حالك، وأبيض ناصع، ويقق.
3921 - حدَّثنا أصْبَغُ حدَّثنا ابنُ وَهْبٍ عنْ يُونُسَ
عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ عُرْوَةَ بنَ الزُّبَيْرِ عنْ
عائِشَةَ أنَّ أبَا بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ
تَزَوَّجَ امْرَأةً مِنْ كَلْبٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ
بَكْرٍ فلَمَّا هاجَرَ أبُو بَكْرٍ طلَّقَهَا
فتَزَوَّجَهَا ابنُ عَمِّهَا هاذا الشَّاعِرُ الَّذِي
قَالَ هَذِهِ القَصِيدَةَ رَثَى كُفَّارَ قُرَيْشٍ:
(وماذَا بالْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ مِنَ الشِّيزَى
تُزَيَّنُ بالسَّنَامِ)
(وماذَا بالْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ مِنَ الْقَيْناتِ
والشَّرْبِ الكِرَامِ)
(تُحَيِّى بالسَّلاَمَةِ أُمَّ بَكْرٍ وهَلْ لِي بَعْدَ
قَوْمِي مِنْ سَلاَمٍ)
(يُحَدِّثُنَا الرَّسُولُ بأنْ سَنَحْيَاوكَيْفَ حَياةُ
أضْدَاءٍ وهامِ)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَلَمَّا هَاجر)
وَأصبغ، بِفَتْح الْهمزَة وبالغين الْمُعْجَمَة: أَبُو عبد
الله الْمصْرِيّ، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَابْن وهب هُوَ
عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد
الْأَيْلِي، وَابْن شهَاب مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب
الزُّهْرِيّ.
والْحَدِيث من
(17/57)
أَفْرَاده، وَذكره الْحَافِظ الْمزي فِي
(مُسْند أبي بكر) رَضِي الله تَعَالَى عنهُ.
قَوْله: (من كلب) أَي: من بني كلب، وَهُوَ كلب بن عَوْف بن
عَامر بن لَيْث بن بكر بن عبد مَنَاة بن كنَانَة، وَأما
الْكَلْبِيّ الْمَشْهُور فَهُوَ: من بني كلب بن وبرة بن
ثَعْلَب بن قضاعة. قَوْله: (هَذَا الشَّاعِر) ، وَهُوَ
أَبُو بكر شَدَّاد بن الْأسود بن عبد شمس بن مَالك بن
جَعونَة، وَيُقَال لَهُ: ابْن شعوب، بِفَتْح الشين
الْمُعْجَمَة وَضم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْوَاو
وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة، وَقَالَ ابْن حبيب: وَهِي أمه،
وَهِي خزاعية، وَقَالَ ابْن هِشَام: وَله شعر كثير، قَالَه
وَهُوَ كَافِر ثمَّ أسلم ثمَّ ارْتَدَّ. قَوْله: (رثى) ،
من رثيت الْمَيِّت أرثيه، ورثوته أَيْضا: إِذا بكيته وعددت
محاسنه، وَكَذَلِكَ إِذا نظمت فِيهِ شعرًا، ورثى لَهُ أَي:
رق لَهُ وتوجع. قَالَ ابْن الْأَثِير: المرثئة من أبنية
المصادر نَحْو الْمَغْفِرَة والمعذرة. قَوْله: (بالقليب) ،
وَهُوَ الْبِئْر الَّتِي لم تطوَ، وقليب بدر وَهِي
الْبِئْر الَّتِي ألْقى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، فِيهَا جيف صَنَادِيد قُرَيْش الَّذين قتلوا يَوْم
بدر، قَالَ الشَّاعِر الْمَذْكُور هَذِه الأبيات
الْمَذْكُورَة فِي مرثيتهم. قَوْله: (من الشيزي) ، بِكَسْر
الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح
الزَّاي مَقْصُورا، وَهُوَ شجر يتَّخذ مِنْهُ الجفان
والقصاع الْخشب الَّتِي يعْمل فِيهَا الثَّرِيد، وَقَالَ
الْأَصْمَعِي: هِيَ من شجر الْجَوْز يسود بالدسم،
وَأَرَادَ بالشيزى مَا تتَّخذ مِنْهُ الْجَفْنَة وبالجفنة
صَاحبهَا، كَأَنَّهُ قَالَ: مَاذَا بقليب بدر من أجل
أَصْحَاب الجفان المزينة بلحوم أسنمة الْإِبِل؟ وَقيل:
كَانُوا يسمون الرجل المطعام جَفْنَة، لِأَنَّهُ يطعم
النَّاس فِيهَا، وَقَالَ الدَّاودِيّ: الشيزي الْجمال،
قَالَ: لِأَن الْإِبِل إِذا سمنت تعظم أسمنتها ويعظم
جمَالهَا ورد عَلَيْهِ ابْن التِّين فَقَالَ إِنَّمَا
أَرَادَ أَن الْجَفْنَة من الثَّرِيد تزين بِقطع اللَّحْم
من السنام. قَوْله: (من الْقَيْنَات جمع قينة) بِفَتْح
الْقَاف وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح النُّون:
وَهِي الْمُغنيَة وَتطلق على الْأمة أَيْضا، سَوَاء كَانَت
مغنية أَو لَا. قَوْله: (وَالشرب) بِفَتْح الشين
الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء: جمع شَارِب، كتجر وتاجر،
وَقيل: هُوَ اسْم جمع، وَأَرَادَ بهم الندماء الَّذين
يَجْتَمعُونَ للشُّرْب. قَوْله: (تحيي بالسلامة أم بكر)
تحيى من حيى يحيي، بِالتَّشْدِيدِ، تَحِيَّة، وفاعله هُوَ
قَوْله: أم بكر، وَأَرَادَ: بالسلامة، السَّلَام لِأَن
معنى السَّلَام الَّذِي هُوَ التَّحِيَّة: السَّلامَة،
أَلا ترى كَيفَ عطف عَلَيْهِ فِي المصراع الآخر
بِالسَّلَامِ؟ يُرِيد: وَهل لي بعد هَلَاك قومِي من
سَلامَة؟ وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: تحييني
بِالْإِفْرَادِ، وَفِي رِوَايَة غَيره: تحيينا، بضمير
الْجمع. قَوْله: (وَهل لي) بِالْوَاو فِي رِوَايَة
الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: فَهَل لي، بِالْفَاءِ.
قَوْله: (أصداء) ، بِفَتْح الْهمزَة: جمع صدي، وَهُوَ ذكر
البوم، (وهام) جمع هَامة، وَهِي: جمجمة الرَّأْس، وَقيل:
الصدي هُوَ الطَّائِر الَّذِي يطير بِاللَّيْلِ، وَقيل:
الصدي مَا كَانَ يزعمه أهل الْجَاهِلِيَّة من أَن روح
الْإِنْسَان تصير طائراً يُقَال لَهُ الصدي، وَذَلِكَ من
ترهات الْجَاهِلِيَّة وأباطيلهم وإنكارهم الْبَعْث،
وَقَالَ الدَّاودِيّ: الصدي عِظَام الْمَيِّت، والهام جمع
هَامة وهم الْمَوْتَى، يُقَال: أصبح فلَان هَامة: إِذا
مَاتَ، وَيحْتَمل أَن يُرِيد الإشراف، لِأَن هَامة
الْقَوْم سيدهم، وَعَن أبي عبيد فِي (تَفْسِيره) : أَن
الْعَرَب كَانَت تَقول: إِذا مَاتَ الْمَيِّت يكون من
عِظَامه هَامة تطير، وَقَالَ الْهَرَوِيّ: يسمون ذَلِك
الطَّائِر الَّذِي يخرج من هَامة الْمَيِّت إِذا مَاتَ:
الصدي، وَذكر ابْن فَارس أَن الْعَرَب كَانَت تَقول: إِن
الْقَتِيل إِذا لم يدْرك بثأره يصير هَامة فِي الْقَبْر
فتزقو فَتَقول: إسقوني إسقوني، فَإِذا أدْرك بثأره طارت.
3922 - حدَّثنا مُوساى بنُ إسْمَاعِيلُ حدَّثنا هَمَّامٌ
عنْ ثابِتٍ عنْ أنَسٍ عنْ أبِي بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ قَالَ كُنْتُ معَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فِي الغَارِ فرَفَعْتُ رأسِي فإذَا أَنا بأقْدَامِ
القَوْمِ فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ الله لَوْ أنَّ بَعْضَهُمْ
طأطأ بَصَرَهُ رَآنَا قَالَ اسْكُتْ يَا أَبَا بَكْرٍ
اثْنانِ الله ثالِثُهُمَا. (انْظُر الحَدِيث 3653 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ أمرا من أُمُور
الْهِجْرَة، وَهَمَّام هُوَ ابْن يحيى الشَّيْبَانِيّ
الْبَصْرِيّ، وثابت هُوَ الْبنانِيّ وَمضى الحَدِيث فِي:
بَاب مَنَاقِب الْمُهَاجِرين، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن
مُحَمَّد بن سِنَان عَن همام عَن ثَابت إِلَى آخِره.
قَوْله: (طأطأ بَصَره) أَي: طامنه وأماله إِلَى تَحت.
قَوْله: (اثْنَان) ، خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: نَحن
اثْنَان الله ثالثهما، أَي: معاونهما وناصرهما وَإِلَّا
فَهُوَ مَعَ كل اثْنَيْنِ بِعِلْمِهِ.
3922 - حدَّثنا مُوساى بنُ إسْمَاعِيلُ حدَّثنا هَمَّامٌ
عنْ ثابِتٍ عنْ أنَسٍ عنْ أبِي بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ قَالَ كُنْتُ معَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فِي الغَارِ فرَفَعْتُ رأسِي فإذَا أَنا بأقْدَامِ
القَوْمِ فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ الله لَوْ أنَّ بَعْضَهُمْ
طأطأ بَصَرَهُ رَآنَا قَالَ اسْكُتْ يَا أَبَا بَكْرٍ
اثْنانِ الله ثالِثُهُمَا. (انْظُر الحَدِيث 3653 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ أمرا من أُمُور
الْهِجْرَة، وَهَمَّام هُوَ ابْن يحيى الشَّيْبَانِيّ
الْبَصْرِيّ، وثابت هُوَ الْبنانِيّ وَمضى الحَدِيث فِي:
بَاب مَنَاقِب الْمُهَاجِرين، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن
مُحَمَّد بن سِنَان عَن همام عَن ثَابت إِلَى آخِره.
قَوْله: (طأطأ بَصَره) أَي: طامنه وأماله إِلَى تَحت.
قَوْله: (اثْنَان) ، خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: نَحن
اثْنَان الله ثالثهما، أَي: معاونهما وناصرهما وَإِلَّا
فَهُوَ مَعَ كل اثْنَيْنِ بِعِلْمِهِ.
3923 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا الوَلِيدُ
بنُ مُسْلِمٍ حدَّثنا الأوْزَاعِيُّ وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ
يُوسُفَ
(17/58)
حدَّثنا الأوْزَاعِيُّ حدَّثنا
الزُّهْرِيُّ قَالَ حدَّثني عَطاءُ بنُ يَزِيدَ
اللَّيْثِيُّ قَالَ حدَّثني أبُو سَعِيدٍ رَضِي الله
تَعَالَى عنهُ قَالَ جاءَ أعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فسَألَهُ عنِ الهِجْرَةِ فَقَالَ
وَيْحَكَ إنَّ الهِجْرَةَ شَأنها شَدِيدٌ فَهَلْ لَكَ مِنْ
إبِلٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَتُعْطِي صدَقَتَهَا قالَ
نَعَمْ قَالَ فَهَلْ تَمْنَحُ مِنْهَا قَالَ نَعَمْ قَالَ
فَتَحْلُبُهَا يَوْمَ وُرُودِهَا قَالَ نَعَمْ قَالَ
فاعْمَلْ مِنْ وَرَاءِ البِحَارِ فإنَّ الله لَنْ يَتْرِكَ
مِنْ عَمَلِكَ شَيْئَاً.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فَسَأَلَهُ عَن
الْهِجْرَة) وَذَلِكَ بطرِيق الِاسْتِئْنَاس، وَعلي بن عبد
الله هُوَ الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ، والوليد بن
مُسلم الدِّمَشْقِي، وَالْأَوْزَاعِيّ هُوَ عبد الرَّحْمَن
بن عَمْرو إِلَى هُنَا طَرِيق مُتَّصِل، وَمن قَوْله:
قَالَ مُحَمَّد بن يُوسُف، طَرِيق مُعَلّق، فالموصول أخرجه
فِي كتاب الزَّكَاة فِي بَاب زَكَاة الأبل عَن عَليّ بن
عبد الله عَن وليد بن مُسلم عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن ابْن
شهَاب عَن عَطاء بن يزِيد عَن ابي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي
الله عَنهُ إِلَى آخر وَالْمُعَلّق أخرجه فِي كِتَابه
الْهِبَة فِي: بَاب فضل المنحة عَن مُحَمَّد بن يُوسُف أحد
مشايخه بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وَمضى الْكَلَام فِيهِ
فِي كتاب الزَّكَاة. قَوْله: (فَهَل تمنح مِنْهَا) أَي:
هَل تعطيها لغيرك ليحلب مِنْهَا وَينْتَفع بهَا. قَوْله:
(يَوْم وُرُودهَا) أَي: على المَاء، وَإِنَّمَا قيد
الْحَلب بِيَوْم الشّرْب لِأَنَّهُ أرْفق لِلْإِبِلِ
وَالْمَسَاكِين. قَوْله: (فَلَنْ يَتِرَك) من الْوتر
وَهُوَ النَّقْص، أَي: لن ينْقصك إِذا أدّيت الْحُقُوق
فَلَا عَلَيْك فِي إقامتك فِي وطنك.
46
- (
بابُ مَقْدَمِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وأصْحَابِهِ المَدِينَةَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قدوم النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وقدوم أَصْحَابه الْمَدِينَة، وَكَانَ
وُصُول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى قبَاء
يَوْم الِاثْنَيْنِ أول شهر ربيع الأول، وَمر الْكَلَام
فِيهِ عَن قريب، وَكَانَ وُصُول أَكثر أَصْحَابه قبله
وَنزل رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على كُلْثُوم
بن الْهدم، قَالَه ابْن شهَاب، وَقيل: نزل على سعد بن
خَيْثَمَة وَجمع بَينهمَا بِأَن نُزُوله كَانَ على
كُلْثُوم، وَكَانَ يجلس مَعَ أَصْحَابه عِنْد سعد بن
خَيْثَمَة لِأَنَّهُ كَانَ أعزب، وَكَانَ يُقَال لبيته:
بَيت العزاب، قَالَ ابْن شهَاب: وَبلغ عَليّ بن أبي طَالب
نُزُوله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أمنا بقباء، فَركب
رَاحِلَته فلحق بِهِ وَهُوَ بقباء.
3924 - حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ
أنْبأنَا أبُو إسْحَاقَ سَمِعَ البَرَاءَ رَضِي الله
تَعَالَى عنهُ قَالَ أوَّلُ مَنْ قَدِمَ علَيْنَا مُصْعَبُ
بنُ عُمَيْرٍ وابنُ مَكْتُومٍ ثُمَّ قَدِمَ علَيْنَا
عَمَّارُ بنُ يَاسِرٍ وبِلالٌ رَضِي الله تَعَالَى عنهُم.
.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن فِيهَا مقدم
أَصْحَابه أَيْضا، وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك
الطَّيَالِسِيّ، وَأَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله
السبيعِي، والبراء هُوَ ابْن عَازِب.
وَأخرج البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث أَيْضا فِي فَضَائِل
الْقُرْآن عَن أبي الْوَلِيد وَفِي التَّفْسِير عَن
عَبْدَانِ عَن أَبِيه.
قَوْله: (أَنبأَنَا) وَكَانَ شُعْبَة يروي أَن أَنبأَنَا
وَأخْبرنَا وَحدثنَا بِمَعْنى، وَقيل: يجوز أَن يُقَال
أَنبأَنَا عِنْد الْإِجَازَة لِأَنَّهَا إنباء عرفا، فعلى
هَذَا يكون الإنباء أَعم من الْإِخْبَار. قَوْله: (أول من
قدم علينا) أَي: بِالْمَدِينَةِ، وَزَاد الْحَاكِم فِي
(الإكليل) : عَن شُعْبَة من الْمُهَاجِرين. قَوْله: (مُصعب
بن عُمَيْر) بِضَم الْمِيم وَسُكُون الصَّاد وَعُمَيْر
مصغر عَمْرو بن هَاشم بن عبد منَاف بن عبد الدَّار بن قصي
الْقرشِي الْعَبدَرِي، وَفِي رِوَايَة ابْن أبي شيبَة:
مُصعب بن عُمَيْر أَخُو بني عبد الدَّار، وَذكر مُوسَى بن
عقبَة أَنه نزل على خبيب ابْن عدي. قَوْله: (وَابْن أم
مَكْتُوم) هُوَ عَمْرو، وَيُقَال: عبد الله وَهُوَ من بني
عَامر بن لؤَي. قلت: عَمْرو بن قيس بن زَائِدَة، وَيُقَال:
زِيَاد ابْن الْأَصَم، والأصم هُوَ جُنْدُب بن هرم بن
رَوَاحَة بن حجر بن عبد بن بغيض بن عَامر بن لؤَي
وَيُقَال: عَمْرو بن زَائِدَة، وَيُقَال عبد الله بن
زَائِدَة الْقرشِي، وَقَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ عَمْرو بن
قيس بن زَائِدَة على الْأَصَح العامري الْقرشِي الأعمي
مُؤذن النَّبِي
(17/59)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَاسم أمه
عَاتِكَة، بِالْعينِ الْمُهْملَة وبالتاء الْمُثَنَّاة من
فَوق: بنت عبد الله بن عتكة بن عَامر بن مَخْزُوم
المخزومية، قتل بالقادسية شَهِيدا، وَقيل: رَجَعَ مِنْهَا
إِلَى الْمَدِينَة وَمَات بهَا وَهُوَ ابْن خَال خَدِيجَة
بنت خويلد، وَفِي رِوَايَة ابْن أبي شيبَة: ثمَّ أَتَانَا
بعده، يَعْنِي: بعد مُصعب بن عَمْرو بن أم مَكْتُوم
الْأَعْمَى أَخُو بني فهم، فَقُلْنَا لَهُ: مَا فعل رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: هم على أثري.
قَوْله: (ثمَّ قدم علينا عمار بن يَاسر) الْعَبْسِي أَبُو
الْيَقظَان مولى بني مَخْزُوم وَأمه سميَّة بنت خياط، أسلم
بِمَكَّة قَدِيما وَأَبوهُ وَأمه، قتل بصفين سنة سبع
وَثَلَاثِينَ وَدفن هُنَاكَ، وَكَانَ مَعَ عَليّ، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، وبلال الْمُؤَذّن وَهُوَ ابْن
رَبَاح، وحمامة أمه مولاة أبي بكر الصّديق، شهد الْمشَاهد
كلهَا مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَسكن
بعده دمشق وَمَات بهَا سنة عشْرين وَدفن بِبَاب الصَّغِير،
وَقيل: بِبَاب كيسَان، وَقيل: مَاتَ بحلب وَدفن بِبَاب
الْأَرْبَعين.
3925 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا غُنْدَرٌ
حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ أبِي إسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ
البَرَاءَ ابنَ عَازِبٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ
أوَّلُ مَنْ قَدِمَ علَيْنَا مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ وابنُ
مَكْتُومٍ وَكَانَا يُقْرِئَانِ النَّاسَ فَقَدِمَ بِلالٌ
وسعْدٌ وعَمَّارُ بنُ يَاسِرٍ ثُمَّ قَدِمَ عُمَرُ بنُ
الخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ مِنْ أصْحَابِ النَّبِيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم ثُمَّ قَدِمَ النَّبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَمَا رأيْتُ أهْلَ المَدِينَةِ فَرِحُوا
بِشَيءٍ فرَحَهُمْ بِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
حَتَّى جَعَلَ الإمَاءُ يَقُلْنَ قَدِمَ رسُولُ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَا قَدِمَ حتَّى قَرَأتُ سَبِّحِ
اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى فِي سُوَرٍ مِنَ الْمُفَصَّلِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وغندر بِضَم الْغَيْن
مُحَمَّد بن جَعْفَر وَأَبُو إِسْحَاق قد مر الْآن. فَإِن
قلت: جزم مُوسَى بن عقبَة بِأَن أول من قدم الْمَدِينَة من
الْمُهَاجِرين مُطلقًا أَبُو سَلمَة بن عبد الْأسد، وَهنا
أول من قدم مُصعب. قلت: قد يجمع بَينهمَا بِأَن أَبَا
سَلمَة خرج لَا لقصد الْإِقَامَة بِالْمَدِينَةِ، بل
فِرَارًا من الْمُشْركين، بِخِلَاف مُصعب بن عُمَيْر
فَإِنَّهُ خرج إِلَيْهَا للإقامة بهَا وَتَعْلِيم من أسلم
من أَهلهَا بِأَمْر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
فَلِكُل مِنْهُمَا أولية من جِهَة.
قَوْله: (وَكَانَ يقرئان النَّاس) أَي: مُصعب وَابْن أم
مَكْتُوم، وَفِي أَكثر النّسخ: وَكَانُوا يقرئون النَّاس
بِصِيغَة الْجمع بعد ذكر اثْنَيْنِ، وَفِي رِوَايَة
الْحَاكِم: وَكَانُوا يقرئوننا. قَوْله: (وَسعد) هُوَ ابْن
أبي وَقاص أحد الْعشْرَة المبشرة. قَوْله: (ثمَّ قدم عمر
بن الْخطاب فِي عشْرين من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم) ذكر ابْن إِسْحَاق مِنْهُم زيد بن الْخطاب
وَسَعِيد بن زيد بن عَمْرو وَعبد الله ابْني سراقَة، وخنيس
بن حذافة وواقد بن عبد الله وخولي بن أبي خولي، وَمَالك بن
أبي خولي وأخاه هِلَال وَعَيَّاش بن أبي ربيعَة وخالداً
وإياساً وعامراً وعاقلاً من بني البكير، قَالَ فنزلوا
جَمِيعًا، أَي: هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة عشر على رِفَاعَة بن
الْمُنْذر وروى ابْن عَائِذ فِي الْمَغَازِي بِإِسْنَاد
لَهُ عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عنهُما،
قَالَ: خرج عمر وَالزُّبَيْر وَطَلْحَة وَعُثْمَان
وَعَيَّاش بن أبي ربيعَة فِي طَائِفَة فَتوجه عُثْمَان
وَطَلْحَة إِلَى الشَّام ... انْتهى، وَذكر مُوسَى بن
عقبَة أَن أَكثر الْمُهَاجِرين نزلُوا على بني عَمْرو بن
عَوْف بقباء إلاَّ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَإِنَّهُ نزل
على سعد بن الرّبيع وَهُوَ خزرجي. قَوْله: (فَرَحهمْ)
مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض أَي: كفرحهم. قَوْله: (حَتَّى
جعل الْإِمَاء) جمع أمة وَفِي رِوَايَة الْحَاكِم من
طَرِيق إِسْحَاق بن أبي طَلْحَة عَن أنس، فَخرجت جوَار من
بني النجار يضربن بالدف وَهن يقلن:
نَحن جوَار من بني النجار
يَا حبذا مُحَمَّدًا من جَار
وَفِي (شرف الْمُصْطَفى) : لما دخل النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، جعل الولائد يقلن:
(طلع الْبَدْر علينا ... من ثنيات الْوَدَاع)
(وَجب الشُّكْر علينا ... مَا دَعَا لله دَاع)
(17/60)
قَوْله: (فِي سور من الْمفصل) أَي: مَعَ
سور من الْمفصل، وَهُوَ السَّبع الْأَخير من الْقُرْآن.
فَإِن قلت: قَوْله حَتَّى قَرَأت {سبح اسْم رَبك
الْأَعْلَى} (الْأَعْلَى: 1) . يدل على أَنَّهَا نزلت
بِمَكَّة، وَذكروا أَن قَوْله تَعَالَى: {قد أَفْلح من
تزكّى وَذكر اسْم ربه فصلى} (الْأَعْلَى: 9 10) . نزلت فِي
صَلَاة الْعِيد وَصدقَة الْفطر فِي السّنة الثَّانِيَة من
الْهِجْرَة. قلت: لَا يبعد أَن تكون السُّورَة مَكِّيَّة
وَتَكون الْآيَتَانِ مدنيتان، وَجَوَاب آخر، وَهُوَ
الْأَوْجه: أَن نزُول السُّورَة كلهَا كَانَ بِمَكَّة،
وَلَكِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بيَّن أَن
المُرَاد من الْآيَتَيْنِ صَلَاة الْعِيد وَصدقَة الْفطر،
وَلَا شكّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مُبين
للشرائع وَالْأَحْكَام.
3926 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخْبرنَا مالِكٌ
عنْ هِشامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي
الله تَعَالَى عنهَا أنَّها قالَتْ لَما قَدِمَ رسُولُ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المَدِينَةَ وُعِكَ أبُو
بَكْرٍ وبِلالٌ قالَتْ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمَا فقُلْتُ يَا
أبَتِ كَيْفَ تَجِدُكَ وَيَا بِلاَلُ كَيْفَ تَجِدُكَ
قالَتْ فَكانَ أبُو بَكْرٍ إذَا أخَذَتْهُ الحُمَّى
يَقُولُ:
(كلُّ امْرِىءٍ مُصَبَّحٌ فِي أهْلِهِ ... والمَوْتُ
أدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ)
وكانَ بِلالٌ إذَا أقْلَعَ عنْهُ الحُمَّى يَرْفَعُ
عَقِيرَتَهُ ويَقُولُ:
(ألاَ لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أبِيتَنَّ لَيْلَةًبِوَادٍ
وحَوْلِي إذْخِرٌ وجَلِيلُ)
(وهَلْ أرِدَنْ يَوْماً مياه مَجَنَّةٍ وهَلْ يَبْدُوَنْ
لِي شَامَةٌ وطَفِيلُ)
قالَتْ عائِشَةُ فَجِئْتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فأخْبَرْتُهُ فَقَالَ اللَّهُمَّ حَبِّبْ إلَيْنَا
المَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أوْ أشَدَّ وصَحِّحْها
وبارِكْ لَنَا فِي صاعِها ومُدِّها وانْقُلْ حُمَاهَا
فاجْعَلْهَا بالجُحْفَةِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث مر فِي كتاب
الْحَج فِي آخر الْأَبْوَاب، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن
عبيد بن إِسْمَاعِيل عَن أبي أُسَامَة عَن هِشَام عَن
أَبِيه عَن عَائِشَة ... إِلَى آخِره، وَفِيه: أللهم
الْعَن شيبَة ... إِلَى قَوْله: إِلَى أَرض الوباء، وَقد
مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (وعك) على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: حم. قَوْله:
(قَالَت) أَي: عَائِشَة. قَوْله: (عَلَيْهِمَا) أَي: على
أبي بكر وبلال. قَوْله: (كَيفَ تجدك) بتاء الْخطاب، أَي:
كَيفَ تَجِد نَفسك، وَمثله: تجدك الثَّانِي. قَوْله:
(مصبح) بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة، أَي: مصاب
بِالْمَوْتِ صباحاً، وَقيل: المُرَاد يُقَال لَهُ: صبحك
الله بِالْخَيرِ، وَقد يفجؤه الْمَوْت فِي بَقِيَّة
النَّهَار. قَوْله: (أدنى) أَي: أقرب، والشراك، بِكَسْر
الشين الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الرَّاء: سير النَّعْل على
وَجههَا. قَوْله: (إِذا أقلع) أَي: الْكَفّ وَزَالَ
قَوْله: (عقيرته) بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَكسر
الْقَاف، وَهُوَ الصَّوْت بالبكاء أَو بِالْغنَاءِ.
قَوْله: (بواد) أَي: بوادي مَكَّة، وَالْوَاو فِي: (وحولي)
للْحَال. قَوْله: (وجليل) بِالْجِيم، وَهُوَ نبت ضَعِيف
يحشى بِهِ خصاص الْبيُوت. قَوْله: (أردن) مُتَكَلم
الْمُضَارع بالنُّون الْخَفِيفَة. قَوْله: (مجنة) بِفَتْح
الْمِيم وَالْجِيم وَالنُّون: اسْم مَوضِع على أَمْيَال من
مَكَّة، وَكَانَ بِهِ سوق فِي الْجَاهِلِيَّة. قَوْله:
(وَهل يبدون) أَي: وَهل يظهرن، وَهُوَ بالنُّون
الْخَفِيفَة. قَوْله: (شامة) بالشين الْمُعْجَمَة
وَتَخْفِيف الْمِيم (وطفيل) بِفَتْح الطَّاء الْمُهْملَة
وَكسر الْفَاء، وهما جبلان بِقرب مَكَّة. وَقَالَ
الْخطابِيّ، كنت أَحسب أَنَّهُمَا جبلان حَتَّى ثَبت
عِنْدِي أَنَّهُمَا عينان، وَقَالَ بَعضهم: زعم بَعضهم أَن
الصَّوَاب بِالْمُوَحَّدَةِ يَعْنِي: شَابة بِالْبَاء
الْمُوَحدَة بدل الْمِيم، وَالْمَعْرُوف بِالْمِيم. قلت:
الْقَائِل بِهِ هُوَ الصغاني:
(إِذا قَالَت حذام فصدقوها)
قَوْله: (فِي صاعها) ويروى: وصاعنا. قَوْله:
(بِالْجُحْفَةِ) بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْحَاء
الْمُهْملَة وَفتح الْفَاء على سبع مراحل من الْمَدِينَة،
وَبَينه وَبَين الْبَحْر سِتَّة أَمْيَال، وَهُوَ مِيقَات
أهل مصر الْآن، وَأما فِي ذَلِك الْوَقْت فَكَانَ مسكن
الْيَهُود، لعنهم الله تَعَالَى.
3927 - حدَّثني عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثنا هِشامٌ
أخبرَنا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ حدَّثني
(17/61)
عرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ أنَّ عُبَيْدَ
الله بنَ عَدِيٍّ أخْبَرَهُ دَخَلْتُ عَلَى عُثْمَانَ:
وَقَالَ بِشْرُ بنُ شُعَيْبٍ حدَّثني أبِي عنِ
الزُّهْرِيِّ حدَّثنِي عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ أنْ
عُبَيْدَ الله بنَ عَدِيِّ بنِ الْخِيَارِ أخْبَرَهُ قَالَ
دَخَلْتُ علَى عُثْمَانَ فتَشَهَّدَ ثُمَّ قالَ أمَّا
بَعْدُ فإنَّ الله بَعَثَ مُحَمَّدَاً صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم بالحَقِّ وكُنْتُ مِمَّنِ اسْتَجَابِ لله
ولِرَسُولِهِ وآمَنَ بِمَا بُعِثَ بِهِ مُحَمَّدٌ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم ثُمَّ هَاجَرْتُ هِجْرَتَيْنِ ونِلْتُ
صِهْرَ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبايَعْتُهُ
فَوَالله مَا عَصَيْتُهُ ولاَ غَشَشْتُهُ حتَّى تَوَفَّاهُ
الله تعالَى. (انْظُر الحَدِيث 3696 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (ثمَّ هَاجَرت هجرتين)
وَكَانَ عُثْمَان مِمَّن رَجَعَ من الْحَبَشَة فَهَاجَرَ
من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة وَمَعَهُ زَوجته رقية بنت
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعبد الله بن مُحَمَّد
الْمَعْرُوف بالمسندي، وَهِشَام هُوَ ابْن يُوسُف
الصَّنْعَانِيّ، وَمعمر بِفَتْح الميمين هُوَ ابْن رَاشد،
وَعبيد الله بن عدي بتَشْديد الْيَاء ابْن الْخِيَار،
ويروى بِدُونِ الْألف وَاللَّام النَّوْفَلِي، أدْرك زمن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَكِن لم يثبت لَهُ
رُؤْيَة وَلَا رِوَايَة، إِلَى هُنَا مَوْصُول. قَوْله:
(وَقَالَ بشر) مُعَلّق، وَهُوَ بِكَسْر الْبَاء
الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: ابْن شُعَيْب
يروي عَن أَبِيه شُعَيْب بن أبي حَمْزَة الْحِمصِي عَن
مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ. والْحَدِيث مر بأتم مِنْهُ
فِي مَنَاقِب عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
وَالْمُعَلّق وَصله أَحْمد فِي (مُسْنده) عَن بشر بن
يَعْقُوب بِتَمَامِهِ. قَوْله: (هجرتين) هما هِجْرَة
الْحَبَشَة وهجرة الْمَدِينَة. قَوْله: (ونلت) بالنُّون
ويروى: وَكنت، صهر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَي الِاتِّصَال بِهِ من جِهَة الْقَرَابَة النسبية، أَي:
ببنتيه.
تابَعَهُ إسْحَاقُ الكَلْبِيُّ حدَّثني الزُّهْرِيُّ
مِثْلَهُ
أَي: تَابع شعيباً الرَّاوِي عَن الزُّهْرِيّ بقوله:
حَدثنِي إِسْحَاق بن يحيى الْكَلْبِيّ الْحِمصِي، وَوصل
هَذِه الْمُتَابَعَة أَبُو بكر بن شَاذان بِإِسْنَادِهِ
إِلَى يحيى بن صَالح عَنهُ عَن الزُّهْرِيّ مثله.
3928 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ سُلَيْمَانَ حدَّثني ابنُ
وَهْبٍ حدَّثنا مالِكٌ ح وأخبرَني يُونُسُ عنِ ابنِ
شِهَابٍ قَالَ أخبرَنِي عُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ الله أَن
ابنَ عَبَّاسٍ أخْبرَهُ أنَّ عَبْدَ الرَّحْمانِ بنَ
عَوْفٍ رَجَعَ إلَى أهْلِهِ وهْوَ بِمِنًى فِي آخِرِ
حَجَّةٍ حَجَّهَا عُمَرُ فوَجَدَنِي فَقَالَ عَبْدُ
الرَّحْمانِ فقُلْتُ يَا أمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ
الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعاعَ النَّاسِ وإنِّي أرَى أنْ
نُمْهِلَ حَتَّى تقْدَمَ المَدِينَةَ فإنَّهَا دارُ
الهِجْرَةِ والسُّنَّةِ وتَخْلُصَ لأِهْلِ الفِقْهِ
وأشْرَافِ النَّاسِ وذَوِي رأيِهِمْ قَالَ عُمَرُ
لأقُومَنَّ فِي أوَّلِ مقَامٍ أقُومُهُ بالمَدِينَةِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَإِنَّهَا دَار
الْهِجْرَة وَالسّنة) وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة،
وَيحيى بن سُلَيْمَان الْجعْفِيّ سكن مصر، وَعبيد الله بن
عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي الْمُحَاربين مطولا عَن
عَليّ بن عبد الله وَعَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله وَفِي
الْمَغَازِي والاعتصام عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل وَأخرجه
بَقِيَّة الْجَمَاعَة. قَوْله: (قَالَ ابْن وهب: أَخْبرنِي
يُونُس) وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْمَظَالِم فِي: بَاب مَا
جَاءَ فِي السقائف حَيْثُ قَالَ: حَدثنِي يحيى بن
سُلَيْمَان، قَالَ: حَدثنِي ابْن وهب، قَالَ: حَدثنِي
مَالك وَأَخْبرنِي يُونُس عَن إِبْنِ شهَاب ... إِلَى
آخِره مُخْتَصرا، حَاصله أَن عبد الله بن وهب روى هَذَا
الحَدِيث عَن مَالك، وروى عَن يُونُس بن يزِيد أَيْضا وَله
فِيهِ شَيْخَانِ، والْحَدِيث الَّذِي يَأْتِي فِي
الْمُحَاربين يُفَسر هَذَا لِأَنَّهُ مُخْتَصر مِنْهُ.
قَوْله: (رَجَعَ إِلَى أَهله وَهُوَ بمنى) أَي: وَالْحَال
أَن أَهله بمنى وَأَرَادَ بِهِ منزله، ويوضحه مَا فِي
حَدِيث الْمُحَاربين عَن ابْن عَبَّاس: كنت أقرىء رجَالًا
من الْمُهَاجِرين مِنْهُم عبد الرَّحْمَن بن عَوْف،
فَبَيْنَمَا أَنا فِي منزله بمنى وَهُوَ عِنْد عمر بن
الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي آخر حجَّة حَجهَا
إِذْ رَجَعَ إِلَى عبد الرَّحْمَن، فَقَالَ: لَو رَأَيْت
رجلا أَتَى أَمِير الْمُؤمنِينَ الْيَوْم، فَقَالَ: يَا
أَمِير الْمُؤمنِينَ! هَل لَك فِي فلَان؟ يَقُول: لَو قد
مَاتَ عمر لقد بَايَعت فلَانا. فوَاللَّه مَا كَانَت بيعَة
أبي بكر إِلَّا فلتة فتمت، فَغَضب عمر، ثمَّ قَالَ: إِنِّي
إِن شَاءَ الله لقائم العشية فِي النَّاس فمحذرهم
هَؤُلَاءِ الَّذين يُرِيدُونَ أَن يغصبوهم أُمُورهم، قَالَ
عبد الرَّحْمَن: فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ: لَا تفعل
فَإِن الْمَوْسِم يجمع رعاع النَّاس وغوغاءهم،
(17/62)
إِلَى أَن قَالَ: فامهل حَتَّى تقدم
الْمَدِينَة فَإِنَّهَا دَار الْهِجْرَة وَالسّنة، فتخلص
بِأَهْل الفقة وأشراف النَّاس فَتَقول مَا قلت مُتَمَكنًا،
فيعي أهل الْعلم مَقَالَتك ويضعونها على موَاضعهَا.
فَقَالَ عمر: أما وَالله إِن شَاءَ الله لأقومن بذلك أول
مقَام أقومه بِالْمَدِينَةِ ... الحَدِيث بِطُولِهِ، فَإِن
لم يقف النَّاظر فِيهِ لم يحصل لَهُ تمكن فِي فهم حَدِيث
الْبَاب لِأَنَّهُ مُخْتَصر، والمطول شرح لَهُ، فَلذَلِك
ذكرنَا مِنْهُ قدر الِاحْتِيَاج هَهُنَا، وَسَيَجِيءُ
مزِيد الْكَلَام فِي الْمُحَاربين إِن شَاءَ الله
تَعَالَى. قَوْله: (إِن الْمَوْسِم) أَي: موسم الْحَج،
وَهُوَ مُجْتَمع النَّاس، وسمى بِهِ لِأَنَّهُ معلم
لجَمِيع النَّاس. قَوْله: (رعاع النَّاس) بِفَتْح الرَّاء
وَتَخْفِيف الْعين الْمُهْملَة الأولى: الأسقاط والسفلة
وغوغاؤهم، أصل الغوغاء الْجَرَاد حَتَّى يخف للطيران، ثمَّ
استعير للسفلة من النَّاس المسرعين إِلَى الشَّرّ، وَيجوز
أَن يكون من الغوغاء: الصَّوْت والجلبة الْكَثِيرَة
لِكَثْرَة لغلطهم وصياحهم. قَوْله: (وَالسّنة) ويروى:
والسلامة عَن الْكشميهني. قَوْله: (وتخلص) أَي: تصل.
قَوْله: (أول مقَام) أَرَادَ بِهِ قِيَامه فِي الْمَدِينَة
بالْكلَام وَالْحكم.
3928 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ سُلَيْمَانَ حدَّثني ابنُ
وَهْبٍ حدَّثنا مالِكٌ ح وأخبرَني يُونُسُ عنِ ابنِ
شِهَابٍ قَالَ أخبرَنِي عُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ الله أَن
ابنَ عَبَّاسٍ أخْبرَهُ أنَّ عَبْدَ الرَّحْمانِ بنَ
عَوْفٍ رَجَعَ إلَى أهْلِهِ وهْوَ بِمِنًى فِي آخِرِ
حَجَّةٍ حَجَّهَا عُمَرُ فوَجَدَنِي فَقَالَ عَبْدُ
الرَّحْمانِ فقُلْتُ يَا أمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ
الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعاعَ النَّاسِ وإنِّي أرَى أنْ
نُمْهِلَ حَتَّى تقْدَمَ المَدِينَةَ فإنَّهَا دارُ
الهِجْرَةِ والسُّنَّةِ وتَخْلُصَ لأِهْلِ الفِقْهِ
وأشْرَافِ النَّاسِ وذَوِي رأيِهِمْ قَالَ عُمَرُ
لأقُومَنَّ فِي أوَّلِ مقَامٍ أقُومُهُ بالمَدِينَةِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَإِنَّهَا دَار
الْهِجْرَة وَالسّنة) وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة،
وَيحيى بن سُلَيْمَان الْجعْفِيّ سكن مصر، وَعبيد الله بن
عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي الْمُحَاربين مطولا عَن
عَليّ بن عبد الله وَعَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله وَفِي
الْمَغَازِي والاعتصام عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل وَأخرجه
بَقِيَّة الْجَمَاعَة. قَوْله: (قَالَ ابْن وهب: أَخْبرنِي
يُونُس) وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْمَظَالِم فِي: بَاب مَا
جَاءَ فِي السقائف حَيْثُ قَالَ: حَدثنِي يحيى بن
سُلَيْمَان، قَالَ: حَدثنِي ابْن وهب، قَالَ: حَدثنِي
مَالك وَأَخْبرنِي يُونُس عَن إِبْنِ شهَاب ... إِلَى
آخِره مُخْتَصرا، حَاصله أَن عبد الله بن وهب روى هَذَا
الحَدِيث عَن مَالك، وروى عَن يُونُس بن يزِيد أَيْضا وَله
فِيهِ شَيْخَانِ، والْحَدِيث الَّذِي يَأْتِي فِي
الْمُحَاربين يُفَسر هَذَا لِأَنَّهُ مُخْتَصر مِنْهُ.
قَوْله: (رَجَعَ إِلَى أَهله وَهُوَ بمنى) أَي: وَالْحَال
أَن أَهله بمنى وَأَرَادَ بِهِ منزله، ويوضحه مَا فِي
حَدِيث الْمُحَاربين عَن ابْن عَبَّاس: كنت أقرىء رجَالًا
من الْمُهَاجِرين مِنْهُم عبد الرَّحْمَن بن عَوْف،
فَبَيْنَمَا أَنا فِي منزله بمنى وَهُوَ عِنْد عمر بن
الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي آخر حجَّة حَجهَا
إِذْ رَجَعَ إِلَى عبد الرَّحْمَن، فَقَالَ: لَو رَأَيْت
رجلا أَتَى أَمِير الْمُؤمنِينَ الْيَوْم، فَقَالَ: يَا
أَمِير الْمُؤمنِينَ! هَل لَك فِي فلَان؟ يَقُول: لَو قد
مَاتَ عمر لقد بَايَعت فلَانا. فوَاللَّه مَا كَانَت بيعَة
أبي بكر إِلَّا فلتة فتمت، فَغَضب عمر، ثمَّ قَالَ: إِنِّي
إِن شَاءَ الله لقائم العشية فِي النَّاس فمحذرهم
هَؤُلَاءِ الَّذين يُرِيدُونَ أَن يغصبوهم أُمُورهم، قَالَ
عبد الرَّحْمَن: فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ: لَا تفعل
فَإِن الْمَوْسِم يجمع رعاع النَّاس وغوغاءهم، إِلَى أَن
قَالَ: فامهل حَتَّى تقدم الْمَدِينَة فَإِنَّهَا دَار
الْهِجْرَة وَالسّنة، فتخلص بِأَهْل الفقة وأشراف النَّاس
فَتَقول مَا قلت مُتَمَكنًا، فيعي أهل الْعلم مَقَالَتك
ويضعونها على موَاضعهَا. فَقَالَ عمر: أما وَالله إِن
شَاءَ الله لأقومن بذلك أول مقَام أقومه بِالْمَدِينَةِ
... الحَدِيث بِطُولِهِ، فَإِن لم يقف النَّاظر فِيهِ لم
يحصل لَهُ تمكن فِي فهم حَدِيث الْبَاب لِأَنَّهُ
مُخْتَصر، والمطول شرح لَهُ، فَلذَلِك ذكرنَا مِنْهُ قدر
الِاحْتِيَاج هَهُنَا، وَسَيَجِيءُ مزِيد الْكَلَام فِي
الْمُحَاربين إِن شَاءَ الله تَعَالَى. قَوْله: (إِن
الْمَوْسِم) أَي: موسم الْحَج، وَهُوَ مُجْتَمع النَّاس،
وسمى بِهِ لِأَنَّهُ معلم لجَمِيع النَّاس. قَوْله: (رعاع
النَّاس) بِفَتْح الرَّاء وَتَخْفِيف الْعين الْمُهْملَة
الأولى: الأسقاط والسفلة وغوغاؤهم، أصل الغوغاء الْجَرَاد
حَتَّى يخف للطيران، ثمَّ استعير للسفلة من النَّاس
المسرعين إِلَى الشَّرّ، وَيجوز أَن يكون من الغوغاء:
الصَّوْت والجلبة الْكَثِيرَة لِكَثْرَة لغلطهم وصياحهم.
قَوْله: (وَالسّنة) ويروى: والسلامة عَن الْكشميهني.
قَوْله: (وتخلص) أَي: تصل. قَوْله: (أول مقَام) أَرَادَ
بِهِ قِيَامه فِي الْمَدِينَة بالْكلَام وَالْحكم.
3929 - حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا
إبْرَاهِيمُ الأنْصَارِي بنُ سَعْدٍ أخبرَنَا ابنُ شِهابٍ
عنْ خَارِجَةَ بنِ زَيْدِ بنِ ثابِتٍ أنَّ أمَّ العَلاَءِ
امْرَأةً مِنْ نِسَائِهِمْ بايَعَتِ النَّبِيَّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أخْبَرَتْهُ أنَّ عُثْمَانَ بنَ مَظْعُونٍ
طارَ لَهُمْ فِي السُّكْنَى حِينَ اقْتَرَعَتِ الأنْصَارُ
عَلَى سُكْنَى الْمُهَاجِرِينَ قالَتْ أُمُّ العَلاءِ
فاشْتَكَى عُثْمَانُ عِنْدَنَا فَمَرَّضْتُهُ حتَّى
تُوُفِّيَ وجَعَلْنَاهُ فِي أثْوَابِهِ فدَخَلَ عَلَيْنَا
النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقُلْتُ رَحْمَةُ الله
علَيْكَ أبَا السَّائِبِ شَهَادَتي علَيْكَ لَقَدْ
أكْرَمَكَ الله فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم ومَا يُدْرِيكِ أنَّ الله أكْرَمَهُ قالَتْ قُلْتُ
لاَ أدْرِي بأبِي أنْتَ وأُمِّي يَا رَسُولَ الله فَمَنْ
قالَ أمَّا هُوَ فقَدْ جاءَهُ وَالله الْيَقِينُ وَالله
إنِّي لأرْجُو لَهُ الخَيْرَ ومَا أدْرِي وَالله وأنَا
رسُولُ الله مَا يُفْعَلُ بِي قالَتْ فَوَالله لاَ
أُزَكِّي أحَدَاً بَعْدَهُ قالَتْ فأحْزَنَني ذَلِكَ فَنمت
فأرِيتُ لِعُثْمَانَ بنِ مَظْعُونٍ عَيْنَاً تَجْرِي
فَجِئْتُ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فأخْبَرْتُهُ فقَالَ ذَلِكَ عَمَلُهُ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (حِين اقترعت
الْأَنْصَار على سُكْنى الْمُهَاجِرين) وَإِبْرَاهِيم بن
سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن ابْن عَوْف، وَأم
الْعَلَاء. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هِيَ وَالِدَة خَارِجَة
بن زيد بن ثَابت الرَّاوِي عَنْهَا، وَأم الْعَلَاء هِيَ
بنت الْحَارِث بن ثَابت بن خَارِجَة الْأَنْصَارِيَّة
الخزرجية، وَاسْمهَا كنيتها. والْحَدِيث مر فِي كتاب
الْجَنَائِز فِي: بَاب الدُّخُول على الْمَيِّت، فَإِنَّهُ
أخرجه هُنَاكَ: عَن يحيى ن بكير عَن اللَّيْث عَن عقيل عَن
ابْن شهَاب ... إِلَى آخِره. قَوْله: (من نِسَائِهِم) ،
أَي: من نسَاء الْأَنْصَار. قَوْله: (حَتَّى اقترعت) ،
وَوَقع أَيْضا: قرعت، وَالْأول هُوَ الْمَعْرُوف. قَوْله:
(طَار لَهُم) أَي: خرج لَهُم فِي الْقرعَة. قَوْله: (أَبَا
السَّائِب) هُوَ كنية عُثْمَان بن مَظْعُون، بالظاء
الْمُعْجَمَة.
408 - (حَدثنَا عبيد الله بن سعيد حَدثنَا أَبُو أُسَامَة
عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا
قَالَت كَانَ يَوْم بُعَاث يَوْمًا قدمه الله عز وَجل
لرَسُوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقدم
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الْمَدِينَة وَقد افترق ملوهم وَقتلت سرواتهم فِي
دُخُولهمْ فِي الْإِسْلَام) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي
قَوْله فَقدم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - وَعبيد الله بن سعيد بن يحيى أَبُو قدامَة
الْيَشْكُرِي السَّرخسِيّ وَهُوَ من مَشَايِخ مُسلم أَيْضا
وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة وَهِشَام يروي عَن
أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة
والْحَدِيث فِي بَاب مَنَاقِب الْأَنْصَار فَإِنَّهُ أخرجه
هُنَاكَ عَن عبيد بن إِسْمَاعِيل عَن أبي أُسَامَة إِلَى
آخِره قَوْله " يَوْم بُعَاث " بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة
وَتَخْفِيف
(17/63)
الْعين الْمُهْملَة وَفِي آخِره ثاء
مُثَلّثَة وَهُوَ يَوْم جرى بَين الْأَوْس والخزرج فِيهِ
قتال قَوْله " وَقد افترق " الْوَاو فِيهِ للْحَال قَوْله
" ماؤهم " أَي أَشْرَافهم قَوْله " وسرواتهم " أَي ساداتهم
وَهُوَ جمع سراة وَيجمع السرى يَعْنِي النفيس على سراة
أَيْضا على غير قِيَاس قَوْله فِي دُخُولهمْ يتَعَلَّق
بقوله قدمه الله تَعَالَى يَعْنِي لَو كَانَ صَنَادِيدهمْ
أَحيَاء لما انقادوا لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حبا للرياسة
409 - (حَدثنِي مُحَمَّد بن الْمثنى حَدثنَا غنْدر حَدثنَا
شُعْبَة عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة أَن أَبَا بكر
دخل عَلَيْهَا وَالنَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - عِنْدهَا يَوْم فطر أَو أضحى وَعِنْدهَا
قينتان تُغنيَانِ بِمَا تقاذفت الْأَنْصَار يَوْم بُعَاث
فَقَالَ أَبُو بكر مزمار الشَّيْطَان مرَّتَيْنِ فَقَالَ
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دعهما
يَا أَبَا بكر إِن لكل قوم عيدا وَإِن عيدنا هَذَا
الْيَوْم) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَنه مُطَابق
للْحَدِيث السَّابِق فِي ذكر يَوْم بُعَاث والمطابق
للمطابق للشَّيْء مُطَابق لذَلِك الشَّيْء وَلم أر أحدا من
الشُّرَّاح ذكر لَهُ مُطَابقَة وَالَّذِي ذكرته من
الْفَيْض الالهي وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة وغندر
مُحَمَّد بن جَعْفَر وَهِشَام يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن
الزبير بن الْعَوام رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ والْحَدِيث
قد مر بأتم مِنْهُ فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ فِي بَاب إِذا
فَاتَتْهُ صَلَاة الْعِيد يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ عَن يحيى
بن بكير عَن اللَّيْث عَن عقيل عَن ابْن شهَاب إِلَى آخِره
وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ قَوْله وَالنَّبِيّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْوَاو فِيهِ
للْحَال قَوْله " أَو أضحى " شكّ من الرَّاوِي أَي أَو
يَوْم أضحى قَوْله " قينتان " تَثْنِيَة قينة بِفَتْح
الْقَاف وَهِي الْمُغنيَة قَوْله " بِمَا تقاذفت "
بِالْقَافِ والذال الْمُعْجَمَة أَي بِمَا ترامت بِهِ
الْأَنْصَار فِي ذَلِك الْيَوْم ويروى بِمَا تعازفت
بِالْعينِ الْمُهْملَة وَالزَّاي قَالَ الْخطابِيّ يحْتَمل
أَن يكون من عزف اللَّهْو وَضرب المعازف على تِلْكَ
الْأَشْعَار المحرضة لِلْقِتَالِ وَأَن يكون من العزف
وَهُوَ أصوات الوغى كعزيف الرِّيَاح وَهُوَ مَا يسمع من
دويها وَالْمَعَازِف الملاهي والعازف اللاعب بهَا وَفِي
بعض النّسخ وَعِنْدهَا قينتان بِمَا تقاذفت الْأَنْصَار
بِدُونِ لفظ تُغنيَانِ فَلذَلِك قَالَ الْخطابِيّ يُرِيد
بالقينتين جارتين لَا مغنيتين وَأَرَادَ بِهَذَا تَنْزِيه
بَيت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
من أَن يكون فِيهِ غناء من مغنيتين مشهورتين (قلت) فعلى
هَذَا الابدان بِقدر مُتَعَلق مُنَاسِب لقَوْله بِمَا
وَهُوَ أَن يُقَال قينتان تنشدان بِمَا تقاذفت الْأَنْصَار
فَافْهَم -
3932 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا عَبْدُ الوَارِثِ ح
وحدَّثنا إسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ أخْبرنَا عبْدُ الصَّمَدِ
قَالَ سَمِعْتُ أبِي يُحَدِّثُ حدَّثنا أبُو التَّيَّاحَ
يَزِيدُ بنُ حُمَيْدٍ الضُّبَعِيُّ قَالَ حدَّثني أنَسُ
بنُ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ لَمَّا قدِمَ
رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المَدِينَةَ نَزَلَ
فِي عُلْوِ المَدِينَةِ فِي حَيٍّ يُقالُ لَهُمْ بَنُو
عَمْرِو بنِ عَوْفٍ قَالَ فأقَامَ فِيهِمْ أرْبَعَ
عَشْرَةَ لَيْلَةً ثُمَّ أرْسَلَ إِلَى مَلاءِ بَنِي
النَّجَّارِ قَالَ فَجاؤُا مُتَقَلِّدِي سُيُوفِهِمْ قَالَ
وكأنِّي أنْظُرُ إِلَى رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم علَى رَاحِلَتِهِ وأبُو بَكْرٍ رِدْفَهُ ومَلإ بَنِي
النَّجَّار حَوْلَهُ حَتَّى ألْقَى بِفَنَاءِ أبِي أيُّوبَ
قَالَ فَكانَ يُصَلِّي حَيْثُ أدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ
ويُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الغَنَمِ قَالَ ثُمَّ إنَّهُ
أمَرَ بِبِناءِ الْمَسْجِدِ فأرْسَلَ إلَى مَلأ بَنِي
النَّجَّارِ فَجاؤا فقَال يَا بَنِي النَّجَّارِ
ثامِنُونِي حائِطَكُمْ هاذَا فقَالُوا لَا وَالله لَا
نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إلاَّ الله تَعَالَى قَالَ فكانَ فِيهِ
مَا أقُولُ لَكُمْ كانَتْ فِيهِ قُبُورُ المُشْرِكِينَ
وكانَتْ فِيهِ خِرَبٌ وكانَ فِيهِ نَخْل فأمَرَ رسُولُ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِقُبُورِ المُشْرِكِينَ
فَنُبِشَتْ وبالخِرَبِ فَسُوِّيَتْ وبالنَّخْلِ فقُطِعَ
قَالَ فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ المَسْجِدِ قَالَ
وجعَلُوا عِضَادَتَيْهِ حِجَارَةً قَالَ جَعَلُوا
يَنْقُلُونَ ذَاكَ الصَّخْرَ وهُمْ يَرْتَجِزُونَ ورسُولُ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم معَهُمْ يَقُولُونَ:
(أللَّهُمَّ إِنَّه لاَ خَيْرَ إلاَّ خَيْرُ
الآخِرَهْفانْصُرِ الأنْصَارَ والمُهَاجِرَهْ)
.
(17/64)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الْوَارِث هُوَ ابْن
عبد الصَّمد. والْحَدِيث مر فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب
هَل تنبش قُبُور مُشْركي الْجَاهِلِيَّة، فَإِنَّهُ أخرجه
هُنَاكَ عَن مُسَدّد عَن عبد الْوَارِث عَن أبي التياح عَن
أنس ... إِلَى آخِره، وَتقدم الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ،
وَأَبُو التياح، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق
وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف.
قَوْله: (علو الْمَدِينَة) ، بِضَم الْعين وَسُكُون
اللَّام، وكل مَا كَانَ فِي جِهَة نجد يُسمى: الْعَالِيَة،
وَمَا كَانَ فِي جِهَة تهَامَة يُسمى: السافلة، وقباء من
عوالي الْمَدِينَة، وَأخذ من نزُول النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، فِي علو الْمَدِينَة التفاؤل لَهُ ولدينه
بالعلو. قَوْله: (يُقَال لَهُم: بَنو عَمْرو بن عَوْف) ،
وَهُوَ ابْن مَالك ابْن الْأَوْس بن حَارِثَة. قَوْله:
(إِلَى مَلأ بني النجار) أَي: جَمَاعَتهمْ. قَوْله:
(حَتَّى ألْقى بِفنَاء أبي أَيُّوب) ، معنى ألْقى: نزل،
أَو ألْقى رَحْله، وفناء الدَّار بِكَسْر الْفَاء مَا
امْتَدَّ من جوانبها، وَاسم أبي أَيُّوب: خَالِد بن زيد بن
كُلَيْب الْأنْصَارِيّ من بني مَالك ابْن النجار. قَوْله:
(ثامنوني) أَي: عينوا لي ثمنه، أَو: ساوموني بِثمنِهِ،
يُقَال: ثامنت الرجل فِي كَذَا أَي: ساومته. قَوْله:
(حائطكم) أَي: بستانكم. (قَالَ: فَكَانَ فِيهِ) أَي: قَالَ
أنس: فَكَانَ فِي حائطكم. قَوْله: (خرب) بِكَسْر الْخَاء
الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء، ويروى: خرب، بِفَتْح الْخَاء
وَكسر الرَّاء، وَقَالَ الْخطابِيّ: أَكثر الرِّوَايَة
بِالْفَتْح ثمَّ بِالْكَسْرِ، قَالَ: وَيحْتَمل الخرب
بِالضَّمِّ ثمَّ السّكُون، قَالَ: وَهِي الخروق المستديرة
فِي الأَرْض، وَيحْتَمل: الجرف، بِكَسْر الْجِيم وَفتح
الرَّاء وبالفاء، وَهُوَ مَا تجرفه السُّيُول وتأكله من
الأَرْض، وَيحْتَمل: الحدب، بِفَتْح الْحَاء وَالدَّال
الْمُهْمَلَتَيْنِ، وَهُوَ الْمُرْتَفع من الأَرْض،
وَهَذِه احتمالات لَا يلْتَفت إِلَيْهَا مَعَ وجود
الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة الصَّحِيحَة. قَوْله: (عضادتيه)
تَثْنِيَة عضادة، وَهِي: مَا حول الْبَاب. |