عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 8 - (بابُ قَتْلِ أبِي جَهْلٍ)
(17/84)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قتل أبي جهل،
أَي: فِي كَيْفيَّة قَتله، وَهَذِه التَّرْجَمَة ثبتَتْ
لغير أبي ذَر، قيل: سُقُوطهَا أوجه لِأَن فِيهِ هَلَاك غير
أبي جهل أَيْضا. قلت: وَفِي بعض النّسخ أَيْضا: بَاب قتل
أبي جهل وَغَيره، فعلى هَذَا ثُبُوتهَا أوجه.
3961 - حدَّثنا ابنُ نُمَيْرٍ حَدثنَا أَبُو أُسامَةَ
حدَّثنا إسْمَاعِيلُ أخْبرَنا قَيْسٌ عنْ عَبْدِ الله
رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّهُ أتَى أبَا جَهْلٍ وبِهِ
رَمَقٌ يَوْمَ بَدْر فَقَالَ أبُو جَهْلٍ هَلْ أَعْمِدُ
مِنْ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَابْن نمير هُوَ مُحَمَّد
بن عبد الله بن نمير، وَقد مر غير مرّة، وَأَبُو أُسَامَة
حَمَّاد بن أُسَامَة، وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي خَالِد
الأحمسي البَجلِيّ والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (رَمق) وَهُوَ بَقِيَّة الرّوح يتَرَدَّد فِي
الْحلق. قَوْله: (هَل أعمد من رجل؟) أَي: هَل أعجب من رجل
قَتله قومه؟ يَعْنِي: لَيْسَ قتلكم لي إلاَّ قتل رجل قَتله
قومه، لَا يزِيد على ذَلِك وَلَا هُوَ فَخر لكم وَلَا عَار
عَليّ، يُقَال: أَنا أعمد من كَذَا، أَي: أعجب مِنْهُ،
وَقيل: أعمد، بِمَعْنى: أغضب، من قَوْلهم: عمد عَلَيْهِ
إِذا غضب، وَالْحَاصِل أَنه يهون على نَفسه مَا حل بِهِ من
الْهَلَاك وَأَنه لَيْسَ بِعَارٍ عَلَيْهِ أَن يقْتله
قومه، وَقَالَ السُّهيْلي: هُوَ عِنْدِي من قَوْلهم: عمد
الْبَعِير يعمد، إِذا انفضح سنامه فَهَلَك، أَي: أهلك من
رجل قَتله قومه. وَقَالَ أَبُو عبيد: مَعْنَاهُ: هَل زَاد
على سَيّده قَتله قومه؟ وَعَن عُبَيْدَة: أَي هَل كَانَ
ذَلِك إلاَّ هَذَا؟ يَقُول: إِن هَذَا لَيْسَ بِعَارٍ
عَليّ وَفِي (تَهْذِيب) الْأَزْهَرِي: قَالَ شمر: هَذَا
اسْتِفْهَام أَي: أعجب من رجل قَتله قومه، وَقد ذكرنَا
هَذَا.
3962 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ حدَّثنا زُهَيْرٌ
حدَّثنا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ أنَّ أنَسَاً حدَّثَهُمْ
قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ح
وحدَّثني عَمْرُو بنُ خالِدٍ حدَّثنا زُهَيْرٌ عنْ
سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ قَالَ قَالَ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منْ
يَنْظُرُ مَا صنعَ أبُو جَهْلٍ فانْطَلَقَ ابنُ مَسْعُودٍ
فوَجَدَهُ قَدْ ضرَبَهُ ابْنا عَفْرَاءَ حتَّى برَدَ قَالَ
أأنتَ أبُو جَهْلٍ قَالَ فأخَذَ بِلِحْيَتِهِ قَالَ وهَلْ
فَوْقَ رَجُلٍ قتَلْتُمُوهُ أوْ رَجُلٍ قتَلَهُ قَوْمُهُ
قَالَ أحْمَدُ بنُ يُونُسَ أنْتَ أبُو جَهْلٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأخرجه من طَرِيقين:
أَحدهمَا عَن أَحْمد بن يُونُس هُوَ أَحْمد بن عبد الله بن
يُونُس الْيَرْبُوعي الْكُوفِي عَن زُهَيْر بن مُعَاوِيَة
الْجعْفِيّ الْكُوفِي عَن سُلَيْمَان بن طرخان التَّيْمِيّ
الْبَصْرِيّ عَن أنس. وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي
أَيْضا عَن عَليّ بن حجر وَعَن حَامِد بن عمر. وَالْآخر:
عَن عَمْرو بن خَالِد الْجَزرِي، سكن مصر عَن زُهَيْر ...
إِلَى آخِره، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الحَدِيث من مَرَاسِيل
الصَّحَابَة، لِأَن الْأَصَح أَن أنسا لَمُ يشْهد بَدْرًا،
قلت: قد ذكرنَا عَن قريب عَن أبي دَاوُد أَنه روى
بِإِسْنَاد صَحِيح عَن أنس أَنه قَالَ: كنت أمنح المَاء
لِأَصْحَابِي يَوْم بدر.
قَوْله: (ابْنا عفراء) ، يَعْنِي: معَاذًا ومعوذاً، وَفِي
(صَحِيح مُسلم) : أَن للَّذين قتلاه: معَاذ بن عَمْرو بن
الجموح ومعاذ بن عفراء، وَهُوَ ابْن الْحَارِث بن رِفَاعَة
بن سَواد، وعفراء أمه، وَهِي ابْنة عبيد بن ثَعْلَبَة
النجارية، وَكَذَلِكَ تقدم فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بَاب
من لم يُخَمّس الأسلاب أَن معَاذ بن عَمْرو هُوَ الَّذِي
قطع رجل أبي جهل وصرعه ثمَّ ضربه معوذ بن عفراء حَتَّى
أثْبته ثمَّ تَركه وَبِه رَمق فدفق عَلَيْهِ عبد الله بن
مَسْعُود واحتز رَأسه. فَإِن قلت: مَا وَجه الْجمع بَين
هَذِه الْأَقَاوِيل؟ قلت: لَعَلَّ الْقَتْل كَانَ بِفعل
الْكل فأسند كل راوٍ إِلَى مَا رَآهُ من الضَّرْب أَو من
زِيَادَة الْأَثر على حسب اعْتِقَاده. قَوْله: (حَتَّى
برد) ، بِفتْحَتَيْنِ أَي: حَتَّى مَاتَ. قَوْله: (قَالَ)
، أَي: ابْن مَسْعُود: أَنْت أَبُو جهل؟ هَذَا على أصل
رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وَحده، وَفِي رِوَايَة
الْأَكْثَرين: أَنْت أَبَا جهل، بِالنّصب على النداء أَي:
أَنْت مصروع يَا أَبَا جهل، أَو هُوَ على مَذْهَب من
يَقُول: وَلَو ضربه يَا أَبَا قبيس، أَو تَقْدِيره: أَنْت
تكون أَبَا جهل؟ وخاطبه بذلك مقرعاً لَهُ ومتشفياً مِنْهُ،
لِأَنَّهُ كَانَ يُؤْذِيه بِمَكَّة أَشد الْأَذَى، وَعند
أبي إِسْحَاق وَالْحَاكِم من حَدِيث ابْن عَبَّاس، قَالَ
ابْن مَسْعُود: فَوَجَدته بآخر رَمق فَوضعت رجْلي على
عُنُقه، فَقلت: أخزاك الله يَا عَدو الله، قَالَ: وَبِمَا
أخزاني؟ هَل أعمد من رجل قَتَلْتُمُوهُ؟ وَقَالَ عِيَاض:
إِن ابْن مَسْعُود إِنَّمَا
(17/85)
وضع رجله على عنق أبي جهل ليصدق رُؤْيَاهُ،
فَإِنَّهُ رأى ذَلِك فِي الْمَنَام، قَالَ: وَزعم رجال من
بني مَخْزُوم أَنه قَالَ: لقد أرتقيت يَا رويعي الْغنم
مرتقى صعباً، قَالَ: ثمَّ احتززت رَأسه فَجئْت بِهِ رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقلت: هَذَا رَأس عَدو
الله أبي جهل، فَقَالَ: وَالله الَّذِي لَا إل هـ إلاَّ
هُوَ، فَحلف لَهُ، وَيُقَال: مر ابْن مَسْعُود على أبي جهل
فَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي أخزاك وأعز الْإِسْلَام،
فَقَالَ أَبُو جهل: أتشتمني يَا رويع هُذَيْل؟ فَقَالَ:
نعم وَالله وأقتلك، فَحَذفهُ أَبُو جهل بِسَيْفِهِ،
وَقَالَ: دُونك هَذَا إِذا، فَأَخذه عبد الله فَضَربهُ
حَتَّى قَتله، وَجَاء بِهِ إِلَى النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ: يَا رَسُول الله! قتلت أَبَا
جهل، فَقَالَ: الله الَّذِي لَا إل هـ إلاَّ هُوَ، فَحلف
لَهُ، فَأَخذه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِيَدِهِ
ثمَّ انْطلق مَعَه حَتَّى أرَاهُ إِيَّاه، فَقَامَ عِنْده،
وَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي أعز الْإِسْلَام وَأَهله،
ثَلَاث مَرَّات، وَعَن أبي إِسْحَاق: لما جَاءَ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم البشير بقتل أبي جهل استحلفه
ثَلَاثَة أَيْمَان بِاللَّه الَّذِي لَا إل هـ إلاَّ هُوَ
لقد رَأَيْته قَتِيلا، فَحلف لَهُ، فَخر صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم سَاجِدا. قَوْله: (وَهل فَوق رجل قَتَلْتُمُوهُ؟) ،
قَالَ النَّوَوِيّ: أَي: لَا عَار فِي قتلكم إيَّايَ.
قَوْله: (أَو رجل قَتله قومه) ، شكّ من الرَّاوِي، وَهُوَ
سُلَيْمَان التَّيْمِيّ بيَّنه ابْن علية عَنهُ، وَقَالَ
التَّيْمِيّ أَيْضا: قَالَ أَبُو مجلز: قَالَ أَبُو جهل:
فَلَو غير أكَّار قتلني؟ وَهَذَا فِي مُسلم، وَهُوَ
مُرْسل، وَأَبُو مجلز بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْجِيم
وَفتح اللَّام وَفِي آخِره زَاي، واسْمه لَاحق بن حميد
السدُوسِي الْبَصْرِيّ التَّابِعِيّ الْمَشْهُور، وروى
عَنهُ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ وَغَيره، والأكَّار، بِفَتْح
الْهمزَة وَتَشْديد الْكَاف وَفِي آخِره رَاء، وَهُوَ
الزراع، وَأَرَادَ بذلك ابْني عفراء لِأَنَّهُمَا من
الْأَنْصَار وهم أَصْحَاب زرع ونخل، وَأَشَارَ بذلك إِلَى
تنقيصهم.
قَوْله: (أَحْمد بن يُونُس) وَهُوَ شَيْخه فِي الطَّرِيق
الأول للْحَدِيث الْمَذْكُور، أَي: قَالَ أَحْمد فِي
رِوَايَته: قَالَ ابْن مَسْعُود: أَنْت أَبُو جهل؟ على
الأَصْل، وَعَامة الروَاة على قَوْله: أَنْت أَبُو جهل،
وَقد ذكرنَا وَجهه.
3963 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى حدَّثنا ابنُ
أبِي عَدِيٍ عنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عنْ أنَسٍ رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ بَدْرٍ مَنْ يَنْظُرُ مَا فَعَلَ
أبُو جَهْلٍ فانْطَلَقَ ابنُ مَسْعُودٍ فوَجدَهُ قَدْ
ضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ حتَّى برَدَ فأخَذَ
بِلِحْيَتِهِ فَقَالَ أنْتَ أبَا جَهْلٍ قَالَ وهَلْ
فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلَهُ قَوْمُهُ أوْ قَالَ قَتَلْتُمُوهُ.
(انْظُر الحَدِيث 3962 وطرفه) .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أنس أخرجه عَن مُحَمَّد بن
الْمثنى عَن ابْن أبي عدي، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة
وَكسر الدَّال وَتَشْديد الْيَاء: واسْمه مُحَمَّد بن
إِبْرَاهِيم أَبُو عَمْرو الْبَصْرِيّ، وَإِبْرَاهِيم هُوَ
اسْم أبي عدي السّلمِيّ عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ.
قَوْله: (مَا فعل أَبُو جهل؟) وَفِي الحَدِيث السَّابِق:
(مَا صنع أَبُو جهل) . و: فعل، من أَعم الْأَفْعَال
بِخِلَاف صنع. قَوْله: (حَتَّى برد) ، قد ذكرنَا أَن
مَعْنَاهُ: مَاتَ، وَفِي رِوَايَة لمُسلم: (حَتَّى برك) ،
يَعْنِي حَتَّى سقط على الأَرْض. قَالَ القَاضِي: رِوَايَة
الجمور: (برد) ، يَعْنِي بِالدَّال، وَاخْتَارَ جمَاعَة
محققون الْكَاف.
حدَّثني ابنُ المُثَنَّى أخْبَرَنَا مُعَاذُ بنُ مُعاذٍ
حدَّثنا سُلَيْمَانُ أخبرَنَا أنَسُ بنُ مالِكٍ نَحْوَهُ
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أنس أخرجه عَن مُحَمَّد بن
الْمثنى عَن معَاذ، بِضَم الْمِيم: ابْن معَاذ التَّيْمِيّ
عَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، زَاد هُنَا اسْم
وَالِد أنس، كَمَا نرَاهُ.
16 - (حَدثنَا عَليّ بن عبد الله قَالَ كتبت عَن يُوسُف بن
الْمَاجشون عَن صَالح بن إِبْرَاهِيم عَن أَبِيه عَن جده
فِي بدر يَعْنِي حَدِيث ابْني عفراء) عَليّ بن عبد الله
هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ قَوْله " كتبت " كِنَايَة عَن
سَمِعت لِأَن الْكِتَابَة لَازم السماع عَادَة وَقَول
بَعضهم ظَاهره أَنه كتبه عَنهُ وَلم يسمعهُ مِنْهُ بعيد
ظَاهرا ويوسف بن الْمَاجشون هُوَ يُوسُف بن يَعْقُوب بن
عبد الله بن أبي سَلمَة واسْمه دِينَار والماجشون هُوَ لقب
يَعْقُوب وَتَفْسِيره المورد وَقد ذكر فِيمَا مضى مستقصى
وَإِبْرَاهِيم هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف يروي
عَنهُ ابْنه صَالح وَصَالح يروي عَن أَبِيه إِبْرَاهِيم
عَن جده عبد الرَّحْمَن وَالضَّمِير فِي جده يرجع إِلَى
صَالح والْحَدِيث
(17/86)
مضى مطولا فِي كتاب الْخمس فِي بَاب من لم
يُخَمّس الأسلاب فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُسَدّد عَن
يُوسُف بن الْمَاجشون إِلَى آخِره وَمر الْكَلَام فِيهِ
هُنَاكَ مستقصى قَوْله " فِي بدر " أَي فِي قصَّة غَزْوَة
بدر قَوْله " يَعْنِي حَدِيث ابْني عفراء " أَرَادَ بِهِ
الحَدِيث الَّذِي مضى فِي الْخمس
17 - (حَدثنِي مُحَمَّد بن عبد الله الرقاشِي حَدثنَا
مُعْتَمر قَالَ سَمِعت أبي يَقُول حَدثنَا أَبُو مجلز عَن
قيس بن عباد عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَنه
قَالَ أَنا أول من يجثو بَين يَدي الرَّحْمَن للخصومة
يَوْم الْقِيَامَة وَقَالَ قيس بن عباد وَفِيهِمْ أنزلت
هَذَانِ خصمان اخْتَصَمُوا فِي رَبهم قَالَ هم الَّذين
تبارزوا يَوْم بدر حَمْزَة وَعلي وَعبيدَة أَو أَبُو
عُبَيْدَة بن الْحَارِث وَشَيْبَة بن ربيعَة وَعتبَة بن
ربيعَة والوليد بن عتبَة) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة
وَمُحَمّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْملك بن مُسلم
الرقاشِي وَالِد أبي قلَابَة عبد الْملك بن مُحَمَّد
الْبَصْرِيّ وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا وَالرَّقَاشِيُّ
بِفَتْح الرَّاء وَالْقَاف المخففة وبالشين الْمُعْجَمَة
فِي ربيعَة بن نزار نِسْبَة إِلَى رقاش بنت ضبيعة بن قيس
بن ثَعْلَبَة ومعتمر هُوَ ابْن سُلَيْمَان يروي عَن أَبِيه
سُلَيْمَان بن طرخان التَّيْمِيّ الْبَصْرِيّ وَأَبُو مجلز
ضبطناه عَن قريب فِي هَذَا الْبَاب وَقيس بن عباد بِضَم
الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة
الضبعِي الْبَصْرِيّ وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى
هَذَا الحَدِيث وَحَدِيث آخر تقدم فِي مَنَاقِب عبد الله
بن مُسلم وَفِيه ثَلَاثَة من التَّابِعين يروي بَعضهم عَن
بعض وهم سُلَيْمَان بن طرخان وَأَبُو مجلز وَقيس بن عباد
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن
حجاج بن منهال وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي السّير عَن هِلَال
بن بشر الْبَصْرِيّ قَوْله " أَنا أول من يجثو " أَرَادَ
بالأولية تَقْيِيده بالمجاهدين من هَذِه الْأمة لِأَن
المبارزة الْمَذْكُورَة أول مبارزة وَقعت فِي الْإِسْلَام
ويجثو بِالْجِيم والثاء الْمُثَلَّثَة من جثا يجثو أَي
يقْعد على رُكْبَتَيْهِ مخاصما قَوْله " وَقَالَ قيس بن
عباد " مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور قَوْله " فيهم
أنزلت " أَي فِي عَليّ وَحَمْزَة وَعبيدَة بن الْحَرْث
وروى قيس بن عباد على مَا يَجِيء الْآن أَن أَبَا ذَر
الْغِفَارِيّ كَانَ يقسم بِاللَّه سُبْحَانَهُ أنزلت هَذِه
الْآيَة يَعْنِي قَوْله {هَذَانِ خصمان اخْتَصَمُوا} فِي
سِتَّة نفر من قُرَيْش تبارزوا يَوْم بدر حَمْزَة بن عبد
الْمطلب وَعلي بن أبي طَالب وَعبيدَة بن الْحَارِث رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهُم وَعتبَة وَشَيْبَة ابْني ربيعَة
والوليد بن عتبَة قَوْله " هَذَا خصمان " الْخصم صفة يُوصف
بهَا الفوج أَو الْفَرِيق كَأَنَّهُ قيل هَذَانِ فوجان أَو
فريقان يختصمان وَهَذَانِ بِالنّظرِ إِلَى اللَّفْظ
واختصموا بِالنّظرِ إِلَى الْمَعْنى وَقَالَ الله تَعَالَى
فِي حق أحد الْفَرِيقَيْنِ الَّذين كفرُوا وهم عتبَة
وَشَيْبَة والوليد {فَالَّذِينَ كفرُوا قطعت لَهُم ثِيَاب
من نَار} الْآيَة قَوْله " هم الَّذين تبارزوا " من
التبارز وَهُوَ الْخُرُوج من الصَّفّ على الِانْفِرَاد
لِلْقِتَالِ قَوْله " حَمْزَة " بِالرَّفْع مَعَ مَا عطف
عَلَيْهِ عطف بَيَان لقَوْله هم الَّذين تبارزوا وَيجوز
أَن يكون خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره أحدهم حَمْزَة
وَالثَّانِي عَليّ إِلَى آخِره بِهَذَا التَّقْدِير وَلم
يَقع فِي هَذِه الرِّوَايَة تَفْصِيل المبارزين وَذكر ابْن
إِسْحَاق أَن عُبَيْدَة بن الْحَارِث وَعتبَة بن ربيعَة
كَانَا أسن الْقَوْم فبرز عُبَيْدَة لعتبة وَحَمْزَة لشيبة
وَعلي للوليد وَفِي رِوَايَة مُوسَى بن عقبَة برز حَمْزَة
لعتبة وَعبيدَة لشيبة وَعلي للوليد ثمَّ اتفقَا فَقتل
عَليّ الْوَلِيد وَقتل حَمْزَة الَّذِي بارزه وَاخْتلف
عُبَيْدَة وَمن بارزه بضربتين فَوَقَعت الضَّرْبَة فِي
ركبة عُبَيْدَة فَمَاتَ مِنْهَا لما رجعُوا بالصفراء
وَمَال حَمْزَة وَعلي إِلَى الَّذِي بارز عُبَيْدَة
فأعاناه على قَتله وَعبيدَة مصغر عَبدة ابْن الْحَارِث بن
عبد الْمطلب بن عبد منَاف الْقرشِي كَانَ أسن من رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِعشر سِنِين
أسلم قبل دُخُوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
دَار الأرقم وَكَانَ عمره يَوْم مَاتَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ
سنة -
3966 - حدَّثنا قَبِيصَةُ حدَّثنا سُفْيَانُ عنْ أبِي
هاشِمٍ عنْ أبِي مَجْلَزٍ عنْ قَيْسِ بنِ عُبادٍ عنْ أبِي
ذَرٍّ
(17/87)
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ نَزَلَتْ
هاذانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فِي سِتَّةٍ
مِنْ قُرَيْشٍ عَلِيٍّ وحَمْزَةَ وعُبَيْدَةَ ابنِ
الحَارِثِ وشَيْبَةَ بنِ رَبِيعَةَ وعُتْبَةَ بنِ
رَبِيعَةَ والْوَلِيدِ بنِ عُتْبَةَ. .
قيس بن عباد الْمَذْكُور روى هَذَا الحَدِيث عَن عَليّ
وَأبي ذَر كليهمَا، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة،
وَأَبُو هَاشم اسْمه يحيى بن دِينَار الرماني لنزوله قصر
الرُّمَّان الوَاسِطِيّ. والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ
أَيْضا هُنَا عَن يحيى بن جَعْفَر وَعَن يَعْقُوب بن
إِبْرَاهِيم، وَفِي التَّفْسِير عَن حجاج بن منهال.
وَأخرجه مُسلم فِي آخر كِتَابه: عَن عَمْرو بن زُرَارَة
وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن ابْن الْمثنى. وَأخرجه
النَّسَائِيّ فِي السّير وَفِي المناقب عَن مُحَمَّد بن
منيع وَعَن سُلَيْمَان بن عبيد الله وَفِي التَّفْسِير عَن
بنْدَار، وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْجِهَاد عَن يحيى بن
حَكِيم وَعَن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل.
3967 - حدَّثنا إسْحَاقُ بنُ إبْرَاهِيمَ الصَّوَّافُ
حدَّثنا يُوسُفُ بنُ يَعْقُوبَ كانَ يَنْزِلُ فِي بَنِي
ضُبَيْعَةَ وهْوَ مَوْلًى لِ بَني سَدُوسَ حدَّثنا
سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عنْ أبِي مجْلَزٍ عنْ قَيْسِ بنِ
عُبَادٍ قَالَ قَالَ عَلِيٌّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ
فِينا نَزَلَتْ هاذِهِ الآيَةَ {هاذَانِ خَصْمَانِ
اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} (الْحَج: 19) . (انْظُر
الحَدِيث 3965 وطرفه) .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، أخرجه عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم
الصَّواف الْبَصْرِيّ وَهُوَ من أَفْرَاده عَن يُوسُف بن
يَعْقُوب أَبُو يَعْقُوب السدُوسِي مَوْلَاهُم، وَيُقَال
لَهُ: الضبعِي، لِأَنَّهُ كَانَ ينزل بني ضبيعة، بِضَم
الضَّاد الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون
الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالعين الْمُهْملَة، وَكَانَ بقفاه
سلْعَة فَقيل لَهُ: السلعي وَهُوَ الْبَصْرِيّ، وَلَيْسَ
لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث.
3968 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ جَعْفَرٍ أخْبَرَنَا وكِيعٌ
عنْ سُفْيَانَ عنْ أبِي هاشِمٍ عنْ أبي مِجْلَزٍ عنْ
قَيْسِ ابنِ عُبَادٍ سَمِعْتُ أبَا ذَرٍّ رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ يُقْسِمُ لَنَزَلَتْ هاؤلاَءِ الآياتُ فِي
هاؤلاَءِ الرهْطِ السِّتَّةِ يَوْمَ بَدْرٍ نَحْوَهُ. .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أبي ذَر أخرجه عَن يحيى بن
جَعْفَر بن أعين أَبُو زَكَرِيَّا البُخَارِيّ البيكندي،
وَهُوَ من أَفْرَاده، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ. قَوْله:
(يقسم) بِضَم الْيَاء أَي: يحلف، وَاللَّام فِي: لنزلت،
للتَّأْكِيد وَأَرَادَ بِالْآيَاتِ قَوْله تَعَالَى:
{هَذَانِ خصمان اخْتَصَمُوا} (الْحَج: 19) . إِلَى تَمام
ثَلَاث آيَات، وَقَالَ مُجَاهِد: سَأَلت ابْن عَبَّاس،
فَقَالَ: سُورَة الْحَج نزلت بِمَكَّة سوى ثَلَاث آيَات
مِنْهَا نزلت بِالْمَدِينَةِ فِي سِتَّة نفر من قُرَيْش
ثَلَاثَة مُؤمنُونَ وَثَلَاثَة كافرون، فالمؤمنون: عَليّ
وَحَمْزَة وَعبيدَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَذكر
الْبَاقِي مثل مَا فِي الْكتاب، فَنزلت فيهم: {هَذَانِ
خصمان} (الْحَج: 19) . إِلَى تَمام ثَلَاث آيَات. قلت:
ثَلَاثَة من الْمُسلمين من بني عبد منَاف، وَثَلَاثَة من
الْمُشْركين من بني عبد شمس بن عبد منَاف.
3969 - حدَّثنا يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ
حدَّثنا هُشَيْمٌ أخْبرَنا أبُو هاشِمٍ عنْ أبِي مِجْلَزٍ
عنْ قَيْسٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍ يُقْسِمُ قَسَمَاً
إنَّ هاذِه الآيَةَ {هذاان خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي
رَبِّهِمْ} (الْحَج: 19) . نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ بَرزُوا
يَوْمَ بَدْرٍ حَمْزَةَ وعَلِيٍّ وعُبَيْدَةَ بنِ الحارِثِ
وعُتْبَةَ وشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ والوَلِيدِ بنِ
عُتْبَةَ. (انْظُر الحَدِيث 3966 وطرفه) .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أبي ذَر، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، أخرجه عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي
عَن هشيم، بِضَم الْهَاء وَفتح الشين الْمُعْجَمَة ابْن
بشير، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الشين
الْمُعْجَمَة: الوَاسِطِيّ عَن أبي هَاشم الرماني عَن أبي
مجلز لَاحق عَن قيس بن عباد. قَوْله: (قسما) نصب على أَنه
مفعول مُطلق. قَوْله: (فِي الَّذين) أَي: فِي الرَّهْط
الَّذين. قَوْله: (حَمْزَة) بِفَتْح التَّاء فِي مَوضِع
الْجَرّ لِأَنَّهُ غير منصرف، و: عَليّ، بِالْجَرِّ عطف
عَلَيْهِ، و: عُبَيْدَة، أَيْضا بِالْفَتْح فِي مَوضِع
الْجَرّ لِأَنَّهُ مَعْطُوف على الْمَجْرُور، وَكَذَلِكَ:
عتبَة وَشَيْبَة قَوْله: (والوليد) بِالْجَرِّ لكَونه
مَعْطُوفًا على المجرورات.
(17/88)
3970 - حدَّثني أحْمَدُ بنُ سَعِيدٍ أبُو
عَبْدِ الله حدَّثنا إسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ حدَّثنا
إبْرَاهِيمُ بنُ يُوسُفَ عنْ أبِيهِ عنْ أبِي إسْحَاقَ
سألَ البَرَاءَ وأنَا أسْمَعُ قَالَ أشَهِدَ عَلِيٌّ
بَدْرَاً قَالَ بارَزَ وظَاهَرَ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأحمد بن سعيد بن
إِبْرَاهِيم أَبُو عبد الله الْمَعْرُوف بالرباطي، وَهُوَ
شيخ مُسلم أَيْضا، وَإِسْحَاق بن مَنْصُور أَبُو عبد الله
السَّلُولي الْكُوفِي، وَإِبْرَاهِيم بن يُوسُف بن
إِسْحَاق بن أبي إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي،
وَإِبْرَاهِيم يروي عَن أَبِيه يُوسُف ويوسف يروي عَن جده
أبي إِسْحَاق، وَإِسْحَاق مَاتَ قبل أَبِيه. والْحَدِيث من
أَفْرَاده.
قَوْله: (وَأَنا أسمع) أَي: وَالْحَال أَنا أسمع سُؤال
السَّائِل الْمَذْكُور عَن الْبَراء. قَوْله: (قَالَ) أَي:
السَّائِل الْمَذْكُور. قَوْله: (أشهد) الْهمزَة فِيهِ
للاستفهام على سَبِيل الاستخبار، و: شهد، فعل ماضٍ
بِمَعْنى: حضر، وَعلي بن أبي طَالب بِالرَّفْع فَاعله.
قَوْله: (بَدْرًا) أَي: غَزْوَة بدر، قَالَ: أَي الْبَراء
بارز من المبارزة، وَقد مر تَفْسِيرهَا عَن قريب. قَوْله:
(وَظَاهر) بِلَفْظ الْمَاضِي أَيْضا، أَي: لبس درعاً على
درع، ويروى: ظهر من الظُّهُور، وَفِي الْكَلَام حذف،
تَقْدِيره: قَالَ: نعم شهد بَدْرًا وبارز وَظَاهر.
3971 - حدَّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عبد الله قَالَ
حدَّثني يُوسُفُ بنُ الْمَاجِشُونِ عنْ صالِحِ بنِ
إبْرَاهِيمَ ابنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ عَوْفٍ عنْ
أبِيهِ عنْ جَدِّهِ عبْدِ الرَّحْمانِ قَالَ كاتَبْتُ
أُمَيَّةَ بنَ خَلَفٍ فلَمَّا كانَ يَوْمَ بَدْرٍ فذَكَرَ
قَتْلَهُ وقَتْلَ ابْنِهِ فَقَالَ بِلاَلٌ لاَ نَجَوْتَ
إنْ نَجا أُمَيَّةُ. (انْظُر الحَدِيث 2301) .
هَذَا الحَدِيث بِهَذَا الْإِسْنَاد والمتن قد مر فِي كتاب
الْوكَالَة فِي: بَاب إِذا وكل مُسلم حَرْبِيّا، بأتم
مِنْهُ وأطول.
قَوْله: (كاتبت) مَعْنَاهُ: عَاهَدت (أُميَّة بن خلف)
بِفتْحَتَيْنِ، وَلَفظ الَّذِي فِي كتاب الْوكَالَة: كاتبت
أُميَّة بن خلف كتابا بِأَن يحفظني فِي صاغيتي بِمَكَّة
وأحفظه فِي صاغيته، وصاغية الرجل خاصته وَالَّذين يميلون
إِلَيْهِ ويأتونه. قَوْله: (فَذكر قَتله) أَي: قتل
أُميَّة، وَتَفْسِيره فِي الحَدِيث الَّذِي فِي
الْوكَالَة، وَهُوَ أَن عبد الرَّحْمَن قَالَ: فَلَمَّا
كَانَ فِي يَوْم بدر خرجت إِلَى جبل لأحرزه حِين نَام
النَّاس، فَأَبْصَرَهُ بِلَال فَخرج حَتَّى وقف على مجْلِس
من الْأَنْصَار، فَقَالَ أُميَّة بن خلف: لَا نجوت إِن نجا
أُميَّة، فَخرج مَعَه فريق من الْأَنْصَار فِي آثارنا،
فَلَمَّا خشيت أَن يلحقونا خلفت لَهُم ابْنه لإشغالهم
فَقَتَلُوهُ، ثمَّ أَبَوا حَتَّى يتبعونا، وَكَانَ رجلا
ثقيلاً، فَلَمَّا أدركونا قلت لَهُ: ابرك فبرك، فألقيت
عَلَيْهِ نَفسِي لأمنعه فتخللوه بِالسُّيُوفِ من تحتي
حَتَّى قَتَلُوهُ. قَوْله: (فَقَالَ بِلَال: لَا نجوت إِن
نجا أُميَّة) قَالَ الْكرْمَانِي: فَقتله بِلَال لِأَنَّهُ
كَانَ قد عذب بِلَالًا كثيرا فِي الْمُسْتَضْعَفِينَ
بِمَكَّة، وَفِيه فِيهِ:
(هَنِيئًا زادك الرَّحْمَن فضلا فقد أدْركْت ثأرك يَا
بِلَال)
قلت: الحَدِيث لَا يدل على أَن بلالأُ اخْتصَّ بقتل
أُميَّة، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: أُميَّة بن خلف قَتله رجل
من الْأَنْصَار من بني مَازِن، وَقَالَ ابْن هِشَام:
وَيُقَال: قَتله الْحصن بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب،
وَيُمكن أَن يكون بِلَال مَعَ الَّذين تخللوه بِالسُّيُوفِ
تَحت عبد الرَّحْمَن ابْن عَوْف فَصَارَ من جملَة
القاتلين، وَكَانَ بِلَال اشْتَرَاهُ أَبُو بكر، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، بِمَكَّة من أُميَّة بن خلف كَمَا
ذَكرْنَاهُ.
3972 - حدَّثنا عبْدَانُ بنُ عُثْمَانَ قَالَ أخبَرَنِي
أبي عنْ شُعْبَةَ عنْ أبِي إسْحَاقَ عنِ الأسْوَدِ عنْ
عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النَّبِيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّهُ قرَأ والنَّجْم فسَجَدَ بِهَا
وسَجَدَ مَنْ مَعَهُ غَيْرَ أنَّ شَيْخَاً أخذَ كَفَّاً
مِنْ تُرَابٍ فرَفَعَهُ إِلَى جَبْهَتِهِ فَقال يَكْفِينِي
هاذَا: قَالَ عَبْدُ الله فلَقَدْ رأيْتُهُ بَعْدُ قُتِلَ
كافِرَاً. .
مطابقته للتَّرْجَمَة تَأتي على النُّسْخَة الَّتِي قيل
فِيهَا عدَّة أَصْحَاب بدر وَغَيره، أَو تَقول: المُرَاد
من قَوْله: شَيخا، هُوَ أُميَّة بن خلف وَأَنه قيل فِي
غَزْوَة بدر، وَأَنه قد ذكر فِي الحَدِيث السَّابِق، فَحصل
بَينهمَا التناسب من هَذَا الْوَجْه. وعبدان هُوَ عبد الله
يروي عَن أَبِيه عُثْمَان بن جبلة الْمروزِي، وَأَبُو
إِسْحَاق عَمْرو، وَالْأسود بن يزِيد وَعبد الله بن
مَسْعُود، والْحَدِيث مر فِي: أَبْوَاب سُجُود
(17/89)
الْقُرْآن فِي: بَاب سَجْدَة النَّجْم،
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن حَفْص بن عمر عَن شُعْبَة ...
إِلَى آخِره.
3973 - أخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بنُ مُوساى حدَّثنا هِشامُ
بنُ يُوسُفَ عَنْ مَعْمَرٍ عنْ هِشَامٍ عنْ عُرْوَةَ قَالَ
كانَ فِي الزُّبَيْره ثَلاثُ ضرَبَاتٍ بالسَّيْفِ
إحْدَاهُنَّ فِي عاتِقِه قَالَ إنْ كُنْتُ لأدْخِلُ
أصَابِعِي فِيها قَالَ ضُرِبَ ثِنْتَيْنِ يَوْمَ بَدْرٍ
ووَاحِدَةً يَوْمَ اليَرْمُوكِ قَالَ عُرْوَةُ وَقَالَ لِي
عَبْدُ الْمَلِكِ بنُ مَرْوَانَ حِينَ قُتِلَ عَبْدُ الله
بنُ الزُّبَيْرِ يَا عُرْوَةَ هَلْ تَعْرِفُ سَيْفَ
الزُّبَيْرِ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَمَا فيهِ قُلْتُ فِيهِ
فَلَّةٌ فُلَّهَا يَوْمَ بَدْرٍ قَالَ صَدَقْتَ:
(بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الكَتَائِبِ)
ثُمَّ رَدَّهُ علَى عُرْوَة قَالَ هِشامٌ فأقَمْنَاهُ
بَيْنَنَا ثَلاثَةُ آلافٍ وأخَذَهُ بَعْضُنَا ولَوَدِدْتُ
أنِّي كُنْتُ أخَذْتُهُ. (انْظُر الحَدِيث 3721 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، فَإِنَّهُ يُصَرح بِحُضُور
الزبير بن الْعَوام وقْعَة بدر، فَيدْخل فِي الْعدة،
وَإِبْرَاهِيم بن مُوسَى هُوَ أَبُو إِسْحَاق الْفراء
الرَّازِيّ، وَمعمر بِفَتْح الميمين يروي عَن هِشَام بن
عُرْوَة بن الزبير.
قَوْله: (أَخْبرنِي) ويروى: حَدثنِي. قَوْله: (حَدثنَا
هِشَام) ، ويروى: أخبرنَا هِشَام. قَوْله: (إِحْدَاهُنَّ
فِي عَاتِقه) وَتقدم فِي مَنَاقِب الزبير من طَرِيق عبد
الله بن الْمُبَارك عَن هِشَام: أَن الضربات الثَّلَاث كن
فِي عَاتِقه، وَكَذَا هُوَ فِي الرِّوَايَة الَّتِي بعده،
والعاتق مَا بَين الْعُنُق والمنكب. قَوْله: (قَالَ) أَي:
عُرْوَة. قَوْله: (إِن كنت) ، إِن، هَذِه مُخَفّفَة من
الثَّقِيلَة. قَوْله: (لأدخل) من الإدخال، وَاللَّام فِيهِ
للتَّأْكِيد، وفاعله هُوَ عُرْوَة. قَوْله: (أصابعي
فِيهَا) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فِيهِنَّ، وَزَاد فِي
المناقب، وَفِي الرِّوَايَة الَّتِي بعْدهَا: أَلعَب
وَأَنا صَغِير. قَوْله: (ضرب ثِنْتَيْنِ يَوْم بدر
وَوَاحِدَة يَوْم اليرموك) ، وَفِي رِوَايَة الْمُبَارك:
أَنه ضرب يَوْم اليرموك ضربتين على عَاتِقه بَينهمَا
ضَرْبَة ضربهَا يَوْم بدر، قيل: إِن كَانَ اخْتِلَافا على
هِشَام فرواية ابْن المباك أثبت لِأَن فِي حَدِيث معمر عَن
هِشَام مقَالا، وإلاَّ فَيحْتَمل أَن يكون كَانَ فِيهِ فِي
غير عَاتِقه ضربتان أَيْضا، فَيجمع بذلك بَين
الْخَبَرَيْنِ، و: اليرموك، بِفَتْح الْيَاء آخر
الْحُرُوف، وَقيل بِالضَّمِّ أَيْضا وَسُكُون الرَّاء وَضم
الْمِيم وَسُكُون الْوَاو وَفِي آخِره كَاف، قَالَ
الْكرْمَانِي: هُوَ مَوضِع بِنَاحِيَة الشَّام، وَقَالَ
بَعضهم: من نواحي فلسطين، وَيُقَال: إِنَّه نهر. قلت:
اليرموك مَوضِع بَين أَذْرُعَات ودمشق، وَكَانَت بِهِ
وقْعَة عَظِيمَة بَين الْمُسلمين وأميرهم أَبُو عُبَيْدَة
بن الْجراح، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَبَين عَسْكَر
الرّوم، وأرسلهم هِرقل وأميرهم يُسمى ماهان الأرمني،
وَقَالَ سيف بن عمر: كَانَت وقْعَة يرموك فِي سنة ثَلَاث
عشرَة من الْهِجْرَة قبل فتح دمشق، وَتَبعهُ على ذَلِك
ابْن جرير الطَّبَرِيّ، وَقَالَ إِبْنِ إِسْحَاق: كَانَت
فِي سنة خمس عشرَة بعد فتح دمشق، وَعَلِيهِ الْجُمْهُور،
وَقتل فِيهَا من الْمُسلمين أَرْبَعَة آلَاف نفس وَمن
الرّوم زهاء على مائَة ألف وَخَمْسَة آلَاف، وَأسر
أَرْبَعُونَ ألفا، وَكَانَ فِي الْمُسلمين مائَة شخص
مِمَّن شهد غَزْوَة بدر. قَوْله: (قَالَ عُرْوَة) ، هُوَ
مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور. قَوْله: (فلة) ،
بِفَتْح الْفَاء وَتَشْديد الَّلام، وَهِي وَاحِدَة فلول
السَّيْف، وَهِي كسور فِي حَده، وفله يفله أَي: كَسره.
قَوْله: (فلهَا) ، بِضَم الْفَاء وَتَشْديد الَّلام على
صِيغَة الْمَجْهُول، وَالضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى الفلة.
قَوْله: (قَالَ: صدقت) أَي: قَالَ عبد الْملك لعروة: صدقت،
ثمَّ قَالَ قَوْله:
بِهن فلول من قراع الْكَتَائِب
وَهَذَا مصراع بَيت أَوله:
(وَلَا عيب فيهم غير أَن سيوفهم)
وقائله النَّابِغَة الذبياني، وَهَذَا من قبيل تَأْكِيد
الْمَدْح بِمَا يشبه الذَّم. قَوْله: (فلول) أَي: كلال،
والقراع بِكَسْر الْقَاف: الْمُضَاربَة بِالسَّيْفِ،
وَكَذَا المقارعة، والكتائب جمع الكتيبة وَهِي الْجَيْش.
قَوْله: (ثمَّ رده) أَي: ثمَّ رد عبد الْملك السَّيْف على
عُرْوَة وَكَانَ عُرْوَة مَعَ أَخِيه عبد الله بن الزبير
لما حاصره الْحجَّاج بِمَكَّة، فَلَمَّا قتل عبد الله أَخذ
الْحجَّاج مَا وجد لَهُ فَأرْسل بِهِ إِلَى عبد الْملك
ابْن مَرْوَان وَهُوَ خَليفَة بِدِمَشْق، وَكَانَ فِي
ذَلِك سيف الزبير الَّذِي سَأَلَ عبد الْملك عُرْوَة
عَنهُ، وَكَانَ عُرْوَة خرج إِلَى الشَّام إِلَى عبد
الْملك. قَوْله: (قَالَ هِشَام) ، هُوَ ابْن عُرْوَة،
وَهُوَ أَيْضا مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور.
قَوْله: (فأقمناه) أَي: ذكرنَا قِيمَته، تَقول: قومت
الشَّيْء وأقمته، أَي: ذكرت مَا يقوم مقَامه من الثّمن.
قَوْله: (وَأَخذه بَعْضنَا) أَي: بعض الْوَرَثَة، وَهُوَ
عُثْمَان بن عُرْوَة أَخُو هِشَام، قَوْله: (ولوددت) إِلَى
آخِره من كَلَام هِشَام.
(17/90)
3974 - حدَّثنا فَرْوَةُ عنْ عَلِيٍّ عنْ
هِشَامٍ عنْ أبِيهِ قَالَ كانَ سَيْفُ الزُّبَيْرِ
مُحَلَّى بِفِضَّةٍ قَالَ هِشامٌ وَكَانَ سَيفُ عُرْوَةَ
مُحَلَّى بِفِضَّةٍ.
هَذَا من تَعْلِيق الحَدِيث السَّابِق فَيكون مطابقاً
للتَّرْجَمَة لِأَن المطابق للمطابق لشَيْء مُطَابق لذَلِك
الشَّيْء، وفروة، بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الرَّاء:
وَهُوَ ابْن أبي مغراه، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْغَيْن
الْمُعْجَمَة ممدوداً: أَبُو الْقَاسِم الْكِنْدِيّ
الْكُوفِي، وَاسم أبي المغراء معدي كرب، قَالَ
البُخَارِيّ: مَاتَ فَرْوَة سنة خمس وَعشْرين
وَمِائَتَيْنِ، وَعلي هُوَ ابْن مسْهر، وَهِشَام هُوَ ابْن
عُرْوَة بن الزبير. قَوْله: (محلى) ، بِالْحَاء
الْمُهْملَة وَتَشْديد الَّلام: من الْحِلْية.
3975 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثنا عَبْدُ الله
أخْبَرَنَا هِشامُ بنُ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ أنَّ أصْحَابَ
رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالُوا لِلزّبَيْرِ
يَوْمَ اليَرْمُوكِ ألاَ تَشُدُّ فَنَشُدُّ مَعَكَ فَقَالَ
إنِّي إنْ شَدَدْتُ كَذَبْتُمْ فقالُوا لاَ نَفْعَلُ
فَحَمَلَ علَيْهِمْ حَتَّى شَقَّ صُفُوفَهُمْ
فَجَاوَزَهُمْ ومَا مَعَهُ أحَدٌ ثُمَّ رَجَعَ مُقْبِلاً
فأخَذُوا بِلِجَامِهِ فضَرَبُوهُ ضَرْبَتَيْنِ علَى
عاتِقِهِ بَيْنَهُمَا علَى عاتِقهِ بَيْنَهُمَا ضَرْبَةٌ
ضُرِبَهَا يَوْمَ بَدْرٍ قَالَ عُرْوَةُ كُنْتُ أُدْخِلُ
أصَابِعِي فِي تِلْكَ الضَّرَبَاتِ ألْعَبُ وأنَا صَغِيرٌ
قَالَ عُرْوَةُ وكانَ معَهُ عَبْدُ الله بنُ الزُّبَيْرِ
يَوْمَئِذٍ وهْوَ ابنُ عَشْرِ سِنِينَ فحَمَلَهُ علَى
فَرَسٍ وكَّلَ بِهِ رَجُلاً. (انْظُر الحَدِيث 3721 وطرفه)
.
وَجه الْمُطَابقَة تُؤْخَذ من قَوْله: (يَوْم بدر) لدلالته
على حُضُوره بَدْرًا. وَأحمد بن مُوسَى أَبُو الْعَبَّاس
يُقَال لَهُ مرْدَوَيْه السمسار الْمروزِي، وَعبد الله
هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (أَلا تشد) كلمة: ألاَ للتحضيض، و: تشد، من شدّ
عَلَيْهِ فِي الْحَرْب، أَي: حمل عَلَيْهِ، وَالْمعْنَى:
أَلا تشد على الْمُشْركين فنشد مَعَك؟ قَوْله: (كَذبْتُمْ)
أَي: أخلفتم. قَوْله: (قَالُوا: لَا نَفْعل) أَي: قَالَ
أَصْحَاب رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا نكذب،
وَقيل مَعْنَاهُ: لَا نجبن وَلَا ننصرف، وَقَالَ
الْكرْمَانِي: يحْتَمل أَن يكون لَا ردا لكَلَامه، أَي:
لَا نخلف وَلَا نكذب، ثمَّ قَالُوا: نَفْعل أَي الشد.
قَوْله: (فجاوزهم وَمَا مَعَه أحد) أَي: من الَّذين
قَالُوا لَهُ: (أَلا تشد فنشد مَعَك) . قَوْله: (ثمَّ
رَجَعَ مُقبلا) أَي: ثمَّ رَجَعَ الزبير حَال كَونه مُقبلا
إِلَى الْأَصْحَاب، قَوْله: (فَأخذُوا) ، أَي: الْأَعْدَاء
من الرّوم بلجام فرسه. قَوْله: (كنت أَدخل) ، من الإدخال.
قَوْله: (وَأَنا صَغِير) الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله:
(كَانَ مَعَه) أَي: مَعَ الزبير عبد الله ابْنه. قَوْله:
(يَوْمئِذٍ) أَي: يَوْم وقْعَة اليرموك. قَوْله: (وَهُوَ
ابْن عشر سِنِين) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال. وَقَوله: (عشر
سِنِين) بِحَسب إِلْغَاء الْكسر وَإِلَّا فسنه يَوْمئِذٍ
كَانَ على الصَّحِيح مِقْدَار إثنتي عشرَة سنة. قَوْله:
(فَحَمله على فرس) أَي: فَحمل الزبير عبد الله على فرس،
وَذَلِكَ لِأَنَّهُ فهم مِنْهُ الشجَاعَة والفروسية، فخشي
عَلَيْهِ أَن يهجم بِتِلْكَ الفروسية على مَا لَا يطيقه،
وَجعل مَعَه أَيْضا رجلا ليحفظه من كيد الْعَدو غرَّة إِذا
اشْتغل هُوَ بِالْقِتَالِ، وروى ابْن الْمُبَارك فِي
الْجِهَاد عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عبد الله
بن الزبير: أَن كَانَ مَعَ أَبِيه يَوْم اليرموك، فَلَمَّا
انهزم الْمُشْركُونَ حمل فَجعل يُجهز على جرحاهم.
3976 - حدَّثني عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ سَمِعَ رَوْحَ
بنَ عُبَادَةَ حدَّثنا سَعيدُ بنُ أبِي عَرُوبَةَ عنْ
قَتادَةَ قَالَ ذَكَرَ لَنا أنَسُ بنُ مَالِكٍ عنْ أبِي
طَلْحَةَ أنَّ نَبِيَّ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمَرَ
يَوْمَ بَدْرٍ بأرْبَعَةٍ وعِشْرِينَ رَجُلاً مَنْ
صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ فَقُذِفُوا فِي طَوِيٍّ مِنْ أطْوَاءِ
بَدْرٍ خَبِيثٍ مُخْبِثٍ وكانَ إذَا ظَهَرَ علَى قَوْمٍ
أقَامَ بالْعَرْصَةِ ثلاثَ لَيالٍ فلَمَّا كانَ بِبَدْرٍ
اليَوْمَ الثَّالِثَ أمَرَ بِرَاحِلَته فَشُدَّ عَلَيْهَا
رَحْلُهَا ثُمَّ مَشَى واتَّبَعَهُ أصْحَابُهُ وقالُوا مَا
نُرَى يَنْطَلِقُ إلاَّ لِبَعْضِ حاجَتِهِ حَتَّى قامَ
علَى شَفَةِ الرَّكِيِّ فجَعَلَ يُنِادِيهِم بأسْمَائِهِمْ
وأسْمَاءِ آبَائِهِمْ يَا فُلانُ بنَ فُلانٍ وَيَا فُلانُ
بنَ فُلانٍ أيَسُرُّكُمْ أنَّكُمْ أطَعْتُمُ الله
ورَسُولَهُ فإنَّا قَدْ
(17/91)
وجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقَّاً
فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وعَدَ رَبُّكُمْ حَقَّاً قَالَ
فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ الله مَا تُكَلَّمُ مِنْ
أجْسَادٍ لَا أرْوَاحَ لَهَا فقالَ رَسُولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم والَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا
أنْتُمْ بأسْمَعَ لِمَا أقُولُ مِنْهُمْ قالَ قَتادَةُ
أحْيَاهُمْ الله حتَّى أسْمَعَهُمْ قَوْلَهُ تَوْبِيخاً
وتَصْغِيراً ونِقْمَةً وحَسْرَةً ونَدَمَاً. (انْظُر
الحَدِيث 3065) .
مطابقته للتَّرْجَمَة الزَّائِدَة وَهِي قَوْله: (وَغَيره)
بعد قَوْله: بَاب عدَّة أَصْحَاب بدر، وعَلى تَقْدِير عدم
هَذِه الزِّيَادَة يكون وَجه الْمُطَابقَة هُوَ كَون هَذَا
الحَدِيث مِمَّا يتَعَلَّق بغزوة بدر بطرِيق
الِاسْتِئْنَاس والاستقراب.
وَعبد الله بن مُحَمَّد هُوَ الْمَعْرُوف بالمسندي وَفِيه
رِوَايَة صَحَابِيّ عَن صَحَابِيّ: أنس عَن أبي طَلْحَة
زيد بن سهل الْأنْصَارِيّ.
قَوْله: (من صَنَادِيد قُرَيْش) الصناديد جمع صنديد
بِوَزْن عفريت وَهُوَ السَّيِّد الشجاع الْعَظِيم، وَوَقع
عِنْد ابْن عَائِذ عَن سعيد بن بشر عَن قَتَادَة: بضعَة
وَعشْرين، وَلَا مُنَافَاة بَين الرِّوَايَتَيْنِ لِأَن
الْبضْع يُطلق على الْأَرْبَع أَيْضا، وَفِي حَدِيث
الْبَراء على مَا سَيَأْتِي: أَن قَتْلَى بدر كَانُوا
سبعين وَالَّذين طرحوا فِي القليب كَانُوا الرؤساء
مِنْهُم. قَوْله: (فقذفوا) على صِيغَة الْمَجْهُول أَي:
طرحوا. قَوْله: (فِي طوى) بِفَتْح الطَّاء الْمُهْملَة
وَكسر الْوَاو وَتَشْديد الْيَاء: وَهِي الْبِئْر المطوية
بِالْحِجَارَةِ، وَيجمع على أطواء. قَوْله: (خَبِيث) أَي:
غير طيب، ومخبث، بِضَم الْمِيم وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة
من قَوْلهم أَخبث أَي اتخذ أصحاباً خبثاً. قَوْله:
(وَكَانَ إِذا ظهر) أَي: وَكَانَ رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، إِذا غلب على قوم أَقَامَ بالعرصة وَهِي
كل مَوضِع وَاسع لَا بِنَاء فِيهِ، وَهَذَا أخرجه فِي كتاب
الْجِهَاد فِي: بَاب من غلب الْعَدو فَأَقَامَ على عرصتهم
ثَلَاثًا: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم حَدثنَا روح
بن عباد حَدثنَا سعيد عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أنس بن
مَالك عَن أبي طَلْحَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، أَنه كَانَ إِذا ظهر على قوم أَقَامَ بالعرصة
ثَلَاث لَيَال، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله:
(فَشد) على صِيغَة الْمَجْهُول: (ورحلها) مَرْفُوع بِهِ.
قَوْله: (على شفة الركي) أَي: على طرف الْبِئْر، وَفِي
رِوَايَة الْكشميهني: على شَفير الركي، والركي: بِفَتْح
الرَّاء وَتَشْديد الْيَاء: وَهُوَ الْبِئْر، قبل أَن
تطوى. فَإِن قلت: بَين قَوْله: (فِي طوى) وَبَين قَوْله:
(الركي) مُنَافَاة. قلت: لَا مُنَافَاة لِأَنَّهَا كَانَت
مطوية ثمَّ استهدمت فَصَارَت كالركي. قَوْله: (فَجعل
يناديهم بِأَسْمَائِهِمْ) وَفِي رِوَايَة إِبْنِ إِسْحَاق
وَأحمد وَغَيرهمَا من حَدِيث حميد عَن أنس: فَنَادَى: يَا
عتبَة بن ربيعَة، وَيَا شيبَة بن ربيعَة، وَيَا أُميَّة بن
خلف، وَيَا أَبَا جهل بن هِشَام. . الحَدِيث، وَفِي ذكر
أُميَّة مَعَهم نظر، لِأَن أُميَّة لم يلق فِي القليب
لِأَنَّهُ كَانَ ضخماً فانتفخ فَألْقوا عَلَيْهِ من
الْحِجَارَة وَالتُّرَاب مَا غيبه. فَإِن قلت: مَا وَجه
تَخْصِيص هَؤُلَاءِ بِالْخِطَابِ؟ قلت: لِأَنَّهُ تقدم
مِنْهُم من المعاندة الْعَظِيمَة فخاطبهم بذلك توبيخاً
لَهُم، وَطرح باي الْقَتْلَى فِي أمكنة أُخْرَى، وَقَالَ
الْوَاقِدِيّ: القليب الَّذِي ألقوا فِيهِ كَانَ قد حفره
رجل من بني النجار فَنَاسَبَ أَن يلقى فِيهِ هَؤُلَاءِ
الْكفَّار. قَوْله: (قَالَ عمر: يَا رَسُول الله مَا
تكلم؟) كلمة: مَا، استفهامية. قَوْله: (مِنْهُم) ، أَي: من
الَّذين ألقوا فِي القليب.
قَوْله: (قَالَ قَتَادَة) ، هُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ
الْمَذْكُور. قَوْله: (حَتَّى أسمعهم رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم) قَوْله: (توبيخاً) أَي: لأجل
التوبيخ، وَهُوَ التعيير واللوم. قَوْله: (وندماً) وَفِي
رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ تندماً، والمنصوبات كلهَا على
التَّعْلِيل.
3977 - حدَّثنا الحُمَيْدِيُّ حدَّثَنَا عَمْرٌ وعنْ
عَطَاءٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا
الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ الله كُفْرَاً قَالَ هُمْ
وَالله كُفَّارُ قُرَيْشٍ قَالَ عَمْرٌ وهُمْ قُرَيْشٌ
ومُحَمَّدٌ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نِعْمَةُ الله:
وأحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قَالَ النَّارَ
يَوْمَ بَدْرٍ. (الحَدِيث 3977 طرفه فِي: 4700) .
وَجه ذكر هَذَا هُنَا مَا ذَكرْنَاهُ فِي تَرْجَمَة
الحَدِيث السَّابِق، والْحميدِي عبد الله بن الزبير،
وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعَمْرو هم ابْن دِينَار،
وَعَطَاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن
عَليّ بن عبد الله عَن سُفْيَان. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي
التَّفْسِير عَن قُتَيْبَة عَن سُفْيَان.
قَوْله: (قَالَ: هم) أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس: هم، أَي
الَّذين بدلُوا نعْمَة الله كفرا (وَالله كفار قُرَيْش)
وَرَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن ابْن عُيَيْنَة، قَالَ: هم
كفار قُرَيْش، أَو أهل مَكَّة، وروى الطَّبَرِيّ عَن أبي
كريب عَن ابْن عُيَيْنَة: هم وَالله
(17/92)
أهل مَكَّة. قَالَ ابْن عُيَيْنَة: يَعْنِي
كفارهم، وروى الطَّبَرِيّ من وَجه آخر عَن عَليّ، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، نَحوه لَكِن فِيهِ: فَأَما بَنو
مَخْزُوم فَقطع الله دابرهم يَوْم بدر، وَأما بَنو أُميَّة
فمتعوا إِلَى حِين، وَأخرج الطَّبَرِيّ عَن عمر، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، نَحوه، وَأخرج أَيْضا من وَجه ضَعِيف
عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: هم جبلة بن الْأَيْهَم وَالَّذين
اتَّبعُوهُ من الْعَرَب فَلَحقُوا بالروم، قَوْله: (قَالَ
عَمْرو) أَي: عَمْرو بن دِينَار الْمَذْكُور، وَهُوَ
مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وَقَول عَمْرو هَذَا
مَوْقُوف عَلَيْهِ، وَكَذَا قَوْله: (دَار الْبَوَار
النَّار يَوْم بدر) قَوْله: (يَوْم بدر) ظرف لقَوْله:
(أحلُّوا) أَي: أَنهم أهلكوا قَومهمْ يَوْم بدر فأدخلوا
النَّار، والبوار الْهَلَاك، وَسميت جَهَنَّم دَار
الْبَوَار لإهلاكها من يدخلهَا.
3978 - حدَّثني عُبَيْدُ بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنَا أبُو
أُسَامَةَ عنْ هِشَامٍ عنْ أبِيهِ قَالَ ذُكِرَ عِنْدَ
عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا أنَّ ابنَ عُمَرَ
رَفَعَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّ
المَيِّتَ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِبُكَاءِ أهْلِهِ
فقالَتْ وَهِلَ ابنُ عُمَرَ رَحِمَهُ الله إنَّمَا قَالَ
رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّهُ لَيُعَذَّبُ
بِخَطِيئَتِهِ وذَنْبِهِ وإنَّ أهْلَهُ لَيَبْكُونَ
عَلَيْهِ الآنَ. قالَتْ وذَاكَ مِثْلُ قَوْلِهِ إنَّ
رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قامَ عَلَى القَلِيبِ
وفِيهِ قَتْلَى بَدْرٍ مِنَ المُشْرِكِينَ فقالَ لَهُمْ
مَا قالَ إنَّهُمْ لَيَسْمَعُونَ مَا أقُولُ إنَّمَا قَالَ
إنَّهُمْ الآنَ لَيَعْلَمُونَ أنَّ مَا كُنْتُ أقُولُ
لَهُمْ حَقٌّ ثُمَّ قَرَأتْ {إنَّكَ لاَ تُسْمِعُ
المَوْتَى} (النَّمْل: 280، الرّوم: 52) . {وَمَا أنْتَ
بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي القُبُورِ} (فاطر: 22) . تَقُولُ
حِينَ تَبَوَّؤا مَقَاعِدَهُمْ مِنَ النَّارِ. (انْظُر
الحَدِيث 1371 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن لَهُ تعلقاً بقضية
بدر، أَو تَقول: لقَوْله: وَغَيره، فِي: بَاب قصَّة
غَزْوَة بدر، وَغَيره على تَقْدِير وجود لفظ: وَغَيره، فِي
بعض النّسخ كَمَا ذَكرْنَاهُ.
وَعبيد بِضَم الْعين ابْن إِسْمَاعِيل أَبُو مُحَمَّد
الْهَبَّاري الْقرشِي الْكُوفِي، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد
ابْن أُسَامَة وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة بن الزبير.
قَوْله: (ذكر) على صِيغَة الْمَجْهُول، وَفِي رِوَايَة
الْإِسْمَاعِيلِيّ: أَن عَائِشَة بلغَهَا قَوْله: (إِن
ابْن عمر رفع إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
يَعْنِي: قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: يعذب الْمَيِّت ... إِلَى آخِره، فِي حَدِيث مطول،
وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله: (فَقَالَت) ، أَي:
عَائِشَة (وَهل ابْن عمر) بِكَسْر الْهَاء، أَي: غلط وزنا
وَمعنى، وَأما: وَهل، بِفَتْح الْهَاء فَمَعْنَاه: فزع
وَنسي. قَوْله: (إِنَّمَا قَالَ رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّه ليعذب بخطيئته وذنبه) وَالْحَال
أَن أَهله ليبكون عَلَيْهِ الْآن، وَهَذَا وَجه رد
عَائِشَة على ابْن عمر، وَالْحَاصِل هُنَا أَن ابْن عمر
حمل كَلَامه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْحَقِيقَة،
وَأَن عَائِشَة حَملته على الْمجَاز حَيْثُ أولته بِمَا
ذكرته. قَوْله: (قَالَت) ، أَي: عَائِشَة. (وَذَاكَ مثل
قَوْله) أَي: الَّذِي قَالَه ابْن عمر هُنَا قَوْله: إِن
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى قَوْله: (حق)
، وَلَفظ: مثل، فِي قَوْله: فَقَالَ لَهُم مثل مَا قَالَ،
وَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني: وَفِي رِوَايَة غَيره:
(فَقَالَ لَهُم مَا قَالَ) أَي: ابْن عمر. قَوْله:
(إِنَّهُم ليسمعون) ، بَيَان لَهُ أَو بدل، وَوجه المشابهة
بَينهمَا حمل ابْن عمر على الظَّاهِر، وَالْمرَاد
مِنْهُمَا أَي: من الْحَدِيثين غير الظَّاهِر. قَوْله:
(إِنَّمَا قَالَ) أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
(إِنَّهُم الْآن ليعلمون أَنما كنت أَقُول لَهُم حق)
أَرَادَت بذلك أَن لفظ الحَدِيث أَنهم ليعلمون وَأَن ابْن
عمر وهم فِي قَوْله: (ليسمعون) وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ:
الْعلم لَا يمْنَع من السماع، وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ:
إِن كَانَت عَائِشَة قَالَت مَا قالته رِوَايَة، فرواية
ابْن عمر أَنهم ليسمعون وعلمهم لَا يمْنَع من سماعهم.
قَوْله: (ثمَّ قَرَأت عَائِشَة) إِلَى آخِره، أَرَادَت
بذلك تَأْكِيد مَا ذهبت إِلَيْهِ. وَأجِيب عَن الْآيَة:
بِأَن الَّذِي يسمعهم هُوَ الله تَعَالَى، وَالْمعْنَى
أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يسمعهم، وَلَكِن الله
أحياهم حَتَّى سمعُوا، كَمَا قَالَ قَتَادَة. وَقَالَ
السُّهيْلي: وَعَائِشَة لم تحضر وَغَيرهَا مِمَّن حضر حفظا
للفظه، وَقد قَالُوا لَهُ: أتخاطب قوما قد جيفوا؟ فَقَالَ:
مَا أَنْتُم بأسمع لما أَقُول مِنْهُم، وَإِذا جَازَ أَن
يَكُونُوا سَامِعين، إِمَّا بآذان رؤوسهم إِذا قُلْنَا إِن
الْأَرْوَاح تُعَاد إِلَى الأجساد عِنْد الْمَسْأَلَة،
وَهُوَ قَول الْأَكْثَر من أهل السّنة، وَإِمَّا بآذان
الْقلب وَالروح، على مَذْهَب من يَقُول: يتَوَجَّه
السُّؤَال إِلَى الرّوح من غير رُجُوع مِنْهُ إِلَى
الْجَسَد أَو إِلَى بعضه. قَوْله: يَقُول الْقَائِل
(17/93)
هُوَ عُرْوَة يُرِيد أَن يبين مُرَاد
عَائِشَة، فَأَشَارَ إِلَى أَن إِطْلَاق النَّفْي فِي
قَوْله: {إِنَّك لَا تسمع الْمَوْتَى} (النَّحْل: 80،
الرّوم: 52) . مُقَيّد بِحَالَة استقرارهم فِي النَّار،
وَهُوَ معنى قَوْله: (حِين تبوؤا) أَي: حِين اتَّخذُوا
مَقَاعِدهمْ فِي النَّار قيل: فعلى هَذَا لَا مُعَارضَة
بَين إِنْكَار عَائِشَة وَإِثْبَات ابْن عمر. قلت:
الرِّوَايَة الَّتِي بعد هَذَا تدل على إنكارها مُطلقًا
يعلم ذَلِك بِالتَّأَمُّلِ.
3981 - حدَّثني عُثْمَانُ حدَّثنا عَبْدَةُ عنْ هشَامٍ عنْ
أبِيهِ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ
وقَفَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَى قَلِيبِ
بَدْرٍ فَقَالَ هَلْ وجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ
حَقَّاً ثُمَّ قَالَ إنَّهُمْ الآنَ يَسْمَعُونَ مَا
أقُولُ فَذُكِرَ لِعائِشَةَ فقالَتْ إنَّمَا قَالَ
النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّهُمْ الآنَ
لَيَعْلَمُونَ أنَّ الَّذِي كُنْتُ أقُولُ لَهُمْ هُوَ
الحَقُّ ثُمَّ قَرَأتْ {إنَّكَ لاَ تُسْمِعُ المَوْتَى}
(النَّحْل: 80، الرّوم: 52) . حَتَّى قَرأتِ الآيَةَ.
(انْظُر الحَدِيث 1370 وطرفه) . (انْظُر الحَدِيث 1371
وطرفه) .
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث السَّابِق أخرجه عَن
عُثْمَان بن مُحَمَّد بن أبي شيبَة، واسْمه إِبْرَاهِيم
الْعَبْسِي الْكُوفِي، وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا، وَعَبدَة،
بِفَتْح الْعين وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن
سُلَيْمَان الْكلابِي الْكُوفِي. قَوْله: (فَذكر) بِضَم
الدَّال أَي: ذكر مَا قَالَ ابْن عمر (لعَائِشَة، رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهَا، فَقَالَت) وَإِن كَانُوا أَحيَاء
صُورَة، وَكَذَا المُرَاد من الْآيَة الْأُخْرَى وَقَالَ
الزَّمَخْشَرِيّ فِي قَوْله: {إِنَّك لَا تسمع الْمَوْتَى}
(النَّمْل: 80، الرّوم: 52) . شبهوا بالموتى وهم أَحيَاء
لِأَن حَالهم كَحال الْأَمْوَات، وَفِي قَوْله: {وَمَا
أَنْت بمسمع من فِي الْقُبُور} (النَّمْل: 80، الرّوم: 52)
. أَي: الَّذين هم كالمقبورين.
3978 - حدَّثني عُبَيْدُ بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنَا أبُو
أُسَامَةَ عنْ هِشَامٍ عنْ أبِيهِ قَالَ ذُكِرَ عِنْدَ
عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا أنَّ ابنَ عُمَرَ
رَفَعَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّ
المَيِّتَ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِبُكَاءِ أهْلِهِ
فقالَتْ وَهِلَ ابنُ عُمَرَ رَحِمَهُ الله إنَّمَا قَالَ
رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّهُ لَيُعَذَّبُ
بِخَطِيئَتِهِ وذَنْبِهِ وإنَّ أهْلَهُ لَيَبْكُونَ
عَلَيْهِ الآنَ. قالَتْ وذَاكَ مِثْلُ قَوْلِهِ إنَّ
رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قامَ عَلَى القَلِيبِ
وفِيهِ قَتْلَى بَدْرٍ مِنَ المُشْرِكِينَ فقالَ لَهُمْ
مَا قالَ إنَّهُمْ لَيَسْمَعُونَ مَا أقُولُ إنَّمَا قَالَ
إنَّهُمْ الآنَ لَيَعْلَمُونَ أنَّ مَا كُنْتُ أقُولُ
لَهُمْ حَقٌّ ثُمَّ قَرَأتْ {إنَّكَ لاَ تُسْمِعُ
المَوْتَى} (النَّمْل: 280، الرّوم: 52) . {وَمَا أنْتَ
بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي القُبُورِ} (فاطر: 22) . تَقُولُ
حِينَ تَبَوَّؤا مَقَاعِدَهُمْ مِنَ النَّارِ. (انْظُر
الحَدِيث 1371 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن لَهُ تعلقاً بقضية
بدر، أَو تَقول: لقَوْله: وَغَيره، فِي: بَاب قصَّة
غَزْوَة بدر، وَغَيره على تَقْدِير وجود لفظ: وَغَيره، فِي
بعض النّسخ كَمَا ذَكرْنَاهُ.
وَعبيد بِضَم الْعين ابْن إِسْمَاعِيل أَبُو مُحَمَّد
الْهَبَّاري الْقرشِي الْكُوفِي، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد
ابْن أُسَامَة وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة بن الزبير.
قَوْله: (ذكر) على صِيغَة الْمَجْهُول، وَفِي رِوَايَة
الْإِسْمَاعِيلِيّ: أَن عَائِشَة بلغَهَا قَوْله: (إِن
ابْن عمر رفع إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
يَعْنِي: قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: يعذب الْمَيِّت ... إِلَى آخِره، فِي حَدِيث مطول،
وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله: (فَقَالَت) ، أَي:
عَائِشَة (وَهل ابْن عمر) بِكَسْر الْهَاء، أَي: غلط وزنا
وَمعنى، وَأما: وَهل، بِفَتْح الْهَاء فَمَعْنَاه: فزع
وَنسي. قَوْله: (إِنَّمَا قَالَ رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّه ليعذب بخطيئته وذنبه) وَالْحَال
أَن أَهله ليبكون عَلَيْهِ الْآن، وَهَذَا وَجه رد
عَائِشَة على ابْن عمر، وَالْحَاصِل هُنَا أَن ابْن عمر
حمل كَلَامه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْحَقِيقَة،
وَأَن عَائِشَة حَملته على الْمجَاز حَيْثُ أولته بِمَا
ذكرته. قَوْله: (قَالَت) ، أَي: عَائِشَة. (وَذَاكَ مثل
قَوْله) أَي: الَّذِي قَالَه ابْن عمر هُنَا قَوْله: إِن
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى قَوْله: (حق)
، وَلَفظ: مثل، فِي قَوْله: فَقَالَ لَهُم مثل مَا قَالَ،
وَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني: وَفِي رِوَايَة غَيره:
(فَقَالَ لَهُم مَا قَالَ) أَي: ابْن عمر. قَوْله:
(إِنَّهُم ليسمعون) ، بَيَان لَهُ أَو بدل، وَوجه المشابهة
بَينهمَا حمل ابْن عمر على الظَّاهِر، وَالْمرَاد
مِنْهُمَا أَي: من الْحَدِيثين غير الظَّاهِر. قَوْله:
(إِنَّمَا قَالَ) أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
(إِنَّهُم الْآن ليعلمون أَنما كنت أَقُول لَهُم حق)
أَرَادَت بذلك أَن لفظ الحَدِيث أَنهم ليعلمون وَأَن ابْن
عمر وهم فِي قَوْله: (ليسمعون) وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ:
الْعلم لَا يمْنَع من السماع، وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ:
إِن كَانَت عَائِشَة قَالَت مَا قالته رِوَايَة، فرواية
ابْن عمر أَنهم ليسمعون وعلمهم لَا يمْنَع من سماعهم.
قَوْله: (ثمَّ قَرَأت عَائِشَة) إِلَى آخِره، أَرَادَت
بذلك تَأْكِيد مَا ذهبت إِلَيْهِ. وَأجِيب عَن الْآيَة:
بِأَن الَّذِي يسمعهم هُوَ الله تَعَالَى، وَالْمعْنَى
أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يسمعهم، وَلَكِن الله
أحياهم حَتَّى سمعُوا، كَمَا قَالَ قَتَادَة. وَقَالَ
السُّهيْلي: وَعَائِشَة لم تحضر وَغَيرهَا مِمَّن حضر حفظا
للفظه، وَقد قَالُوا لَهُ: أتخاطب قوما قد جيفوا؟ فَقَالَ:
مَا أَنْتُم بأسمع لما أَقُول مِنْهُم، وَإِذا جَازَ أَن
يَكُونُوا سَامِعين، إِمَّا بآذان رؤوسهم إِذا قُلْنَا إِن
الْأَرْوَاح تُعَاد إِلَى الأجساد عِنْد الْمَسْأَلَة،
وَهُوَ قَول الْأَكْثَر من أهل السّنة، وَإِمَّا بآذان
الْقلب وَالروح، على مَذْهَب من يَقُول: يتَوَجَّه
السُّؤَال إِلَى الرّوح من غير رُجُوع مِنْهُ إِلَى
الْجَسَد أَو إِلَى بعضه. قَوْله: يَقُول الْقَائِل هُوَ
عُرْوَة يُرِيد أَن يبين مُرَاد عَائِشَة، فَأَشَارَ إِلَى
أَن إِطْلَاق النَّفْي فِي قَوْله: {إِنَّك لَا تسمع
الْمَوْتَى} (النَّحْل: 80، الرّوم: 52) . مُقَيّد
بِحَالَة استقرارهم فِي النَّار، وَهُوَ معنى قَوْله:
(حِين تبوؤا) أَي: حِين اتَّخذُوا مَقَاعِدهمْ فِي النَّار
قيل: فعلى هَذَا لَا مُعَارضَة بَين إِنْكَار عَائِشَة
وَإِثْبَات ابْن عمر. قلت: الرِّوَايَة الَّتِي بعد هَذَا
تدل على إنكارها مُطلقًا يعلم ذَلِك بِالتَّأَمُّلِ.
3981 - حدَّثني عُثْمَانُ حدَّثنا عَبْدَةُ عنْ هشَامٍ عنْ
أبِيهِ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ
وقَفَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَى قَلِيبِ
بَدْرٍ فَقَالَ هَلْ وجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ
حَقَّاً ثُمَّ قَالَ إنَّهُمْ الآنَ يَسْمَعُونَ مَا
أقُولُ فَذُكِرَ لِعائِشَةَ فقالَتْ إنَّمَا قَالَ
النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّهُمْ الآنَ
لَيَعْلَمُونَ أنَّ الَّذِي كُنْتُ أقُولُ لَهُمْ هُوَ
الحَقُّ ثُمَّ قَرَأتْ {إنَّكَ لاَ تُسْمِعُ المَوْتَى}
(النَّحْل: 80، الرّوم: 52) . حَتَّى قَرأتِ الآيَةَ.
(انْظُر الحَدِيث 1370 وطرفه) . (انْظُر الحَدِيث 1371
وطرفه) .
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث السَّابِق أخرجه عَن
عُثْمَان بن مُحَمَّد بن أبي شيبَة، واسْمه إِبْرَاهِيم
الْعَبْسِي الْكُوفِي، وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا، وَعَبدَة،
بِفَتْح الْعين وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن
سُلَيْمَان الْكلابِي الْكُوفِي. قَوْله: (فَذكر) بِضَم
الدَّال أَي: ذكر مَا قَالَ ابْن عمر (لعَائِشَة، رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهَا، فَقَالَت) وَإِن كَانُوا أَحيَاء
صُورَة، وَكَذَا المُرَاد من الْآيَة الْأُخْرَى وَقَالَ
الزَّمَخْشَرِيّ فِي قَوْله: {إِنَّك لَا تسمع الْمَوْتَى}
(النَّمْل: 80، الرّوم: 52) . شبهوا بالموتى وهم أَحيَاء
لِأَن حَالهم كَحال الْأَمْوَات، وَفِي قَوْله: {وَمَا
أَنْت بمسمع من فِي الْقُبُور} (النَّمْل: 80، الرّوم: 52)
. أَي: الَّذين هم كالمقبورين.
9 - (بابُ فَضْلِ مَنْ شَهِدَ بَدْرَاً)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل من شهد غَزْوَة بدر مَعَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من الْمُسلمين
مُقَاتِلًا للْمُشْرِكين، وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول:
بَاب أَفضَلِيَّة من شهد بَدْرًا، لِأَن المُرَاد بَيَان
ذَلِك لَا بَيَان مُطلق الْفضل.
3982 - حدَّثني عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثنا
مُعاوِيَةُ بنُ عَمْرٍ وحدَّثنا أبُو إسْحَاقَ عنْ
حُمَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ أنَسَاً رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ يَقُولُ أُصِيبَ حارِثَةُ يَوْمَ بَدْر وهْوَ غُلامٌ
فَجاءَتْ أُمُّهُ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فقالَتْ يَا رسُولَ الله قَدْ عَرَفْتَ مَنْزِلَةَ
حارِثَةَ مِنِّي فإنْ يَكُنْ فِي الجَنَّةِ أصْبِرْ
وأحْتَسِبْ وإنْ تَكُ الأخْرَى تَرَى مَا أصْنَعُ فَقَالَ
ويْحَكِ أوَ هَبِلْتِ أوَ جَنَّةٌ واحِدَة هِيَ إنَّهَا
جِنَانٌ كَثِيرَةٌ وإنَّهُ فِي جَنَّةِ الفِرْدَوْسِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَمُعَاوِيَة بن عَمْرو بن
الْمُهلب الْأَزْدِيّ، بالزاي: الْبَغْدَادِيّ، روى عَنهُ
البُخَارِيّ بِلَا وَاسِطَة فِي الْجُمُعَة فِي: بَاب إِذا
نفر النَّاس، وَأَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن
الْحَارِث بن أَسمَاء بن خَارِجَة بن حُصَيْن بن حُذَيْفَة
بن بدر الْفَزارِيّ، أحد الْأَعْلَام، قَالَ أَبُو حَاتِم:
ثِقَة مَأْمُون إِمَام، مَاتَ بِالْمصِّيصَةِ سنة سِتّ
وَثَمَانِينَ وَمِائَة.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْجِهَاد من حَدِيث قَتَادَة عَن
أنس.
قَوْله: (أُصِيب حَارِثَة) ، بِالْحَاء الْمُهْملَة
وَالرَّاء والثاء الْمُثَلَّثَة: ابْن سراقَة، بِضَم
السِّين الْمُهْملَة: الْأنْصَارِيّ، وَهُوَ أول قَتِيل
قتل من الْأَنْصَار ببدر، وَكَانَ خرج نظاراً، وَهُوَ
غُلَام، فَرَمَاهُ حبَان بن العرقة بِسَهْم وَهُوَ يشرب من
الْحَوْض فَقتله. قَوْله: (أمه) هِيَ: الرّبيع، بِضَم
الرَّاء وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الْيَاء آخر
الْحُرُوف وبالعين الْمُهْملَة: بنت النَّضر، عمَّة أنس بن
مَالك. قَوْله: (ترى) ، ويروى: (تَرَ) ، بِالْجَزْمِ
وَهُوَ مثل قَوْله تَعَالَى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يدرككم
الْمَوْت} (النِّسَاء: 78) . قرىء بِالرَّفْع، فَقيل: هُوَ
على حذف الْفَاء كَأَنَّهُ قيل: فيدرككم. قَوْله: (وَيحك)
هُوَ كلمة ترحم وإشفاق، وَقَالَ الدَّاودِيّ: هُوَ توبيخ.
قَوْله: (أَو هبلت؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام، وَالْوَاو
مَفْتُوحَة للْعَطْف على مُقَدّر، وَلَقَد غلط صَاحب
(التَّوْضِيح) فَقَالَ: أَو هبلت، بِلَفْظ صِيغَة
الْمَعْلُوم والمجهول، فَقيل: صِيغَة الْمَجْهُول رِوَايَة
أبي الْحسن، وَصِيغَة الْمَعْلُوم رِوَايَة أبي ذَر من
قَوْلهم: هبلته، أَي: ثكلته، وهبله اللَّحْم أَي: غلب
عَلَيْهِ، وَقيل:
(17/94)
هَذَا اللَّفْظ قد يرد بِمَعْنى الْمَدْح
والإعجاب. وَقَالَ الدَّاودِيّ: مَعْنَاهُ أجهلت؟ ورد
عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لم يَقع عِنْد أحد من أهل اللُّغَة
بِهَذَا الْمَعْنى. قَوْله: (أوَجنة؟) كَذَلِك الْهمزَة
فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الْإِنْكَار، وَالْوَاو
للْعَطْف. قَوْله: (هِيَ) ، فِي مَحل الرّفْع على
الِابْتِدَاء وَخَبره مَحْذُوف تَقْدِيره: هِيَ جنَّة
وَاحِدَة، والهمزة فِيهِ مقدرَة تَقْدِيره: أَهِي جنَّة
وَاحِدَة؟ يَعْنِي: لَيست بجنة وَاحِدَة (إِنَّهَا جنان)
وَهُوَ جمع تكسير وَيجمع على جنَّات أَيْضا، وَهُوَ جمع
قلَّة. قَوْله: (وَإنَّهُ) أَي: وَإِن حَارِثَة (فِي جنَّة
الفردوس) وَهُوَ أَوسط الْجنَّة وَأعلاها، وَمِنْه يتفجر
أَنهَار الْجنَّة، والفردوس الْبُسْتَان، قَالَ الْفراء:
عَرَبِيّ، وَقيل: بِلِسَان الرّوم، وَرُوِيَ عَنهُ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: الفردوس ربوة الْجنَّة
وأوسطها وأفضلها.
3983 - حدَّثني إسْحَاقُ بنُ إبْرَاهِيمَ أخْبرَنَا عَبْدُ
الله بنُ إدْرِيسَ قَالَ سَمِعْتُ حُصَيْنَ بنَ عَبْدِ
الرَّحْمانِ عنْ سَعْدِ بنِ عُبَيْدَةَ عنْ أبِي عَبْدِ
الرَّحْمانِ السُّلَمِيِّ عنْ عَلِيُ رَضِي الله تَعَالَى
عنهُ قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَأَبا مَرْثدٍ والزُّبَيْرَ وكُلُّنَا فارِسٌ قالَ
انْطَلِقُوا حَتَّى تَأتُوا رَوْضَةَ خاخٍ فإنَّ بِهَا
امْرَأةً مِنَ المُشْرِكِينَ مَعَهَا كِتابٌ مِنْ حَاطِبِ
بنِ أبِي بَلْتَعَةَ إلَى الْمُشْرِكِينَ فأدْرَكْنَاهَا
تَسيرُ علَى بَعِيرٍ لَهَا حَيْثُ قَالَ رسُولُ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَقُلْنَا الْكِتَاب فقالَتْ مَا
مَعَنَا كِتَابٌ فأنَخْنَاها فالْتَمَسْنَا فلَمْ نَرَ
كِتابَاً فَقُلْنَا مَا كَذَبَ رسُولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لَتُخْرِجِنَّ الكِتَابَ أوْ
لَنُجَرِّدَنَّكِ فلَمَّا رأتِ الجِدَّ أهْوَتْ إلَى
حُجْزَتِهَا وهْيَ مُحْتَجِزَةٌ بِكِسَاءٍ فأخْرَجَتْهُ
فانْطَلَقْنَا بِهَا إلَى رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَقَالَ عُمَرُ يَا رسُولَ الله قَدْ خَانَ الله
ورسُولَهُ والْمُؤْمِنِينَ فَدَعْنِي فَلأضْرِبَ عُنُقَهُ
فقالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا حَمَلَكَ
علَى مَا صَنَعْتَ قَالَ حاطِبٌ وَالله مَا بِي إِلَّا
أكُونَ مُؤْمِنَاً بِاللَّه ورَسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أرَدْتُ أنْ تَكُونَ لِي عِنْدَ القَوْمِ يَدٌ
يَدْفَعُ الله بِهَا عَنْ أهْلِي ومالِي ولَيْسَ أحَدٌ
مِنْ أصْحَابِكَ إلاَّ لَهُ هُنَاكَ مِنْ عَشِيرَتِهِ مَنْ
يَدْفَعُ الله بِهِ عنْ أهْلِهِ ومالِهِ فَقَالَ
النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَدَقَ ولاَ تَقُولُوا
لَهُ إلاَّ خَيْرَاً فَقالَ عُمَرُ إنَّهُ قدْ خَانَ الله
ورَسُولَهُ والمُؤْمِنِينَ فدَعْنِي فَلأَضْرِبَ عُنُقَهُ
فَقالَ ألَيْسَ مِنْ أهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ لَعَلَّ الله
اطَّلَعَ إلَى أهْلِ بَدْرٍ فَقال اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ
فقدْ وَجَبَتْ لَكُمْ الجَنَّةُ أوْ فَقَدْ غَفرْت لَكُمْ
فدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ وَقَالَ الله ورَسُولُهُ
أعْلَمُ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَقَالَ: أَلَيْسَ من
أهل بدر؟) إِلَى آخِره، وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم هُوَ
ابْن رَاهَوَيْه، وروى عَنهُ مُسلم أَيْضا، وَعبد الله بن
إِدْرِيس بن يزِيد الأودي، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون
الْوَاو وبالدال الْمُهْملَة: الْكُوفِي، و: حُصَيْن،
بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الصَّاد الْمُهْملَة
وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره نون: ابْن عبد
الرَّحْمَن السّلمِيّ أَبُو الْهُذيْل الْكُوفِي، وَسعد بن
عُبَيْدَة مصغر عَبدة أَبُو حَمْزَة الْكُوفِي السّلمِيّ،
ختن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ الَّذِي يروي عَنهُ،
واسْمه: عبد الله بن حبيب بن ربيعَة ولحبيب صُحْبَة، وَعلي
هُوَ ابْن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
وَفِيه: ثَلَاثَة من التَّابِعين على نسق وَاحِد، وهم:
حُصَيْن بن عبد الرَّحْمَن، وَسعد بن عُبَيْدَة، وَأَبُو
عبد الرَّحْمَن.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بَاب الجاسوس،
وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (وَأَبا مرْثَد) بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الرَّاء
وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَفِي آخِره دَال مُهْملَة:
واسْمه كناز، بِكَسْر الْكَاف وَتَخْفِيف النُّون وَفِي
آخِره زَاي، أَي: ابْن الْحصين، وَيُقَال: الْحصين الغنوي،
قَالَ الْوَاقِدِيّ: توفّي سنة ثِنْتَيْ عشرَة من
الْهِجْرَة، زَاد غَيره: بِالشَّام فِي خلَافَة أبي بكر،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (وَالزُّبَيْر) هُوَ
ابْن الْعَوام، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقد تقدم فِي
الْجِهَاد أَنه بعث عَليّ اً والمقداد وَالزُّبَيْر، وَلَا
مُنَافَاة لاحْتِمَال أَنه بعث الْأَرْبَعَة. قَوْله:
(تسير) ، جملَة وَقعت حَالا من الضَّمِير الْمَنْصُوب فِي:
(أدركناها) .
(17/95)
قَوْله: (الْكتاب) ، بِالنّصب أَي: هَاتِي
الْكتاب. أَو أخرجيه. قَوْله: (فأنخناها) ، أَي: فأنخناها
بَعِيرهَا. قَوْله: (أَو لَنُجَرِّدَنَّكِ) كلمة أَو هُنَا
بِمَعْنى إِلَى، نَحْو: لألزمنك أَو تُعْطِينِي حَقي.
قَوْله: (أهوت إِلَى حجزَتهَا) ، بِضَم الْحَاء
الْمُهْملَة وَسُكُون الْجِيم وبالزاي، قَالَ ابْن
الْأَثِير: أصل الحجزة مَوضِع الْإِزَار، ثمَّ قيل للإزار
حجزة للمجاورة. وَقَالَ غَيره: وحجزة الْإِزَار معقده،
وحجزة السَّرَاوِيل الَّتِي فِيهَا التكة. واحتجز الرجل
بِإِزَارِهِ إِذا شده على وَسطه. قَوْله: (محتجزة) أَي:
شَادَّة كساها على وَسطهَا. فَإِن قلت: تقدم فِي الْجِهَاد
أَنَّهَا أخرجته من العقاص لَا من الحجزة؟ قلت: الحجزة
هِيَ المعقدة مُطلقًا، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ من وُجُوه.
قَوْله: (مَا بِي إلاَّ أكون) كلمة: إلاَّ للاستثناء
بِكَسْر الْهمزَة وَتَقْدِيره: أَن لَا أكون. قَوْله:
(الْقَوْم) أَي: الْمُشْركين. قَوْله: (يَد) أَي: يَد
نعْمَة وَيَد منَّة. قَوْله: (لَعَلَّ الله) قَالَ
النَّوَوِيّ: معنى الترجي رَاجع إِلَى عمر لِأَن وُقُوعه
مُحَقّق عِنْد الرَّسُول. قلت: الترجي فِي كَلَام الله
وَكَلَام رَسُوله للوقوع، وَقد وَقع عِنْد أَحْمد وَأبي
دَاوُد وَابْن أبي شيبَة من حَدِيث أبي هُرَيْرَة
بِالْجَزْمِ، وَلَفظه: إِن الله اطلع على أهل بدر فَقَالَ:
إعملوا مَا شِئْتُم فقد غفرت لكم، وَعند أَحْمد بِإِسْنَاد
على شَرط مُسلم من حَدِيث جَابر مَرْفُوعا: لن يدْخل
النَّار أحد شهد بَدْرًا. قَوْله: (إعملوا مَا شِئْتُم)
ظَاهره مُشكل لِأَنَّهُ للْإِبَاحَة وَهُوَ خلاف عقد
الشَّرْع. وَأجِيب: بِأَنَّهُ إِخْبَار عَن الْمَاضِي،
أَي: كل عمل كَانَ لكم فَهُوَ مغْفُور، وَيُؤَيِّدهُ أَنه
لَو كَانَ لما يسْتَقْبل من الْعَمَل لم يَقع بِلَفْظ
الْمَاضِي، ولقال: فسأغفر لكم، ورد بِأَنَّهُ لَو كَانَ
للماضي لما حسن الِاسْتِدْلَال بِهِ فِي قصَّة حَاطِب،
لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاطب بِهِ عمر مُنْكرا
عَلَيْهِ مَا قَالَ فِي أَمر حَاطِب، وَهَذِه الْقِصَّة
كَانَت بعد بدر بست سِنِين، فَدلَّ على أَن المُرَاد مَا
سَيَأْتِي، وَإِنَّمَا أوردهُ بِلَفْظ الْمَاضِي مُبَالغَة
فِي تَحْقِيقه، وَقيل: مَعْنَاهُ الغفران لَهُم فِي
الْآخِرَة، وإلاَّ فَلَو توجه على أحد مِنْهُم حد مثلا
يسْتَوْفى مِنْهُ، ألاَ ترَى أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، حد قدامَة بن مَظْعُون حِين شرب الْخمر وَهُوَ
يدْرِي؟ قَوْله: (أَو فقد غفرت لكم) شكّ من الرَّاوِي.
10 - (بابٌ)
أَي: هَذَا بَاب كَذَا وَقع مُجَردا عَن التَّرْجَمَة،
وَهُوَ غير مُعرب إلاَّ إِذا قدر مَا ذكرنَا، لِأَن
الْإِعْرَاب يَسْتَدْعِي التَّرْكِيب، وكل مَا ذكر فِيهِ
لَا يَخْلُو عَن أَمر من أُمُور بدر.
33 - (حَدثنِي عبد الله بن مُحَمَّد الْجعْفِيّ حَدثنَا
أَبُو أَحْمد الزبيرِي حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن الغسيل
عَن حَمْزَة بن أبي أسيد وَالزُّبَيْر بن الْمُنْذر بن أبي
أسيد عَن أبي أسيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ لنا
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم
بدر إِذا أكثبوكم فارموهم واستبقوا نبلكم) عبد الله بن
مُحَمَّد هُوَ الْمَعْرُوف بالمسندي وَأَبُو أَحْمد هُوَ
مُحَمَّد بن عبد الله الْأَسدي الزبيرِي وَلَيْسَ من نسل
الزبير بن الْعَوام وَعبد الرَّحْمَن هُوَ ابْن سُلَيْمَان
بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن حَنْظَلَة الغسيل وَهُوَ
الْمَعْرُوف بغسيل الْمَلَائِكَة قتل يَوْم أحد شَهِيدا
قَتله أَبُو سُفْيَان بن حَرْب وَكَانَ قد ألم بأَهْله
حِين خُرُوجه إِلَى أحد ثمَّ هجم عَلَيْهِ فِي الْخُرُوج
إِلَى النفير مَا أنساه الْغسْل وأعجله عَنهُ فَلَمَّا قتل
شَهِيدا أخبر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - بِأَن الْمَلَائِكَة غسلته وَسليمَان
الْمَذْكُور نسب إِلَى حَنْظَلَة الْمَذْكُور وَهُوَ جد
أَبِيه وَحَمْزَة بن أبي أسيد مصغر الْأسد واسْمه مَالك بن
ربيعَة بن مَالك الْأنْصَارِيّ السَّاعِدِيّ الخزرجي
وَالزُّبَيْر بن الْمُنْذر بِلَفْظ اسْم فَاعل من الانذار
ابْن مَالك الْمَذْكُور وَفِيه اخْتِلَاف فَقيل هُوَ
الزبير بن مَالك وَقَالَ الْحَاكِم فِي كتاب الْمدْخل هُوَ
زبير بن الْمُنْذر بن أبي أسيد وَقيل زبير بن أبي أسيد
وَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم الرَّازِيّ روى ابْن
الغسيل عَن الزبير فَقَالَ عَن الزبير بن الْمُنْذر بن أبي
أسيد عَن أبي أسيد وروى عَنهُ غَيره فَقَالَ عَن الزبير بن
أبي أسيد عَن أبي أسيد وَقَالَ الْكرْمَانِي وَفِيه
اخْتِلَاف آخر من جِهَة النّسخ فَفِي بَعْضهَا ذكر فِي
الْإِسْنَاد ابْن الزبير بن الْمُنْذر وَفِي بَعْضهَا فِي
الْإِسْنَاد الثَّانِي يَعْنِي الَّذِي يَأْتِي ذكر
الْمُنْذر عَن أبي أسيد وَأسْقط لفظ الزبير هَذَا
وَالْمَفْهُوم من بعض الْكتب أَن الزبير هُوَ بِنَفسِهِ
الْمُنْذر سَمَّاهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - بالمنذر والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْجِهَاد
فِي بَاب التحريض على الرَّمْي
(17/96)
أخرجه عَن أبي نعيم عَن عبد الرَّحْمَن بن
الغسيل عَن حَمْزَة بن أبي أسيد عَن أَبِيه الحَدِيث
قَوْله " إِذا أكثبوكم " من الاكثاب من الكثب بتحريك
الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَهُوَ الْقرب يُقَال رَمَاه من كثب
وَيُقَال أكثبك الصَّيْد أَي أمكنك وَوَقع فِي الرِّوَايَة
الثَّانِيَة يَعْنِي أَكثر وَكم قيل هَذَا تَفْسِير لَا
يعرفهُ أهل اللُّغَة وَحَاصِل الْمَعْنى إِذا قربوا
مِنْكُم فأمكنوكم من أنفسهم فارموهم قَوْله واستبقوا أَمر
من الاستبقاء وَهُوَ طلب الْبَقَاء وَقَالَ بَعضهم هُوَ
أَمر من الْإِبْقَاء (قلت) لَيْسَ كَذَلِك لَا يَقُول
هَذَا إِلَّا من هُوَ عَار عَن علم التصريف وَقَالَ
الدَّاودِيّ معنى قَوْله " ارموهم " يَعْنِي
بِالْحِجَارَةِ لِأَنَّهَا لَا تكَاد تخطيء إِذا رمى بهَا
فِي الْجَمَاعَة قَالَ وَمعنى قَوْله واستبقوا نبلكم أَي
إِلَى أَن تحصل المصادمة والنبل السِّهَام الْعَرَبيَّة -
3985 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ حدَّثنا
أبُو أحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ حدَّثنا عَبْدُ الرَّحْمانِ
بنُ الغَسِيلِ عنْ حَمْزَةَ بنِ أبِي أُسَيْدٍ والمُنْذِرِ
بنِ أبِي أُسَيْدٍ عنْ أبِي أُسَيْدٍ رَضِي الله تَعَالَى
عنهُ قَالَ قَالَ لَنَا رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَوْمَ بَدْرٍ إِذا أكْثَبُوكُمْ يَعْنِي
أكْثَرُوكُمْ فارْمُوهُمْ واسْتَبْقُوا نَبْلَكُمْ.
(انْظُر الحَدِيث 2900 وطرفه) .
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث السَّابِق عَن مُحَمَّد بن
عبد الرَّحِيم أبي يحيى الَّذِي يُقَال لَهُ: صَاعِقَة.
3986 - حدَّثني عَمْرُو بنُ خَالِدٍ حدَّثنا زُهَيرٌ
حدَّثنا أبُو إسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ البَرَاءَ بنَ
عَازِبٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ جَعَلَ
النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَى الرُّمَاةِ
يَوْمَ أُحُدٍ عبْدَ الله بنَ جُبَيْر فأصابُوا مِنَّا
سَبْعِينَ وكانَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وأصْحَابُهُ أصَابُوا مِنَ المُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ
أرْبَعِينَ ومِائَةً سَبْعِينَ أسِيرَاً أوْ سَبْعِينَ
قَتِيلاً: قَالَ أبُو سُفْيَانَ يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ
والحَرْبُ سِجَالٌ. .
قد مر وَجه ذكره هُنَا فِي أول الْبَاب، وَعَمْرو بن
خَالِد بن فروخ الْجَزرِي، وَزُهَيْر بن مُعَاوِيَة،
وَأَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد عَن عَمْرو بن خَالِد أَيْضا
عَن زُهَيْر عَن أبي إِسْحَاق عَن الْبَراء بأتم مِنْهُ
مطولا، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (عبد الله بن جُبَير) ، بِضَم الْجِيم وَفتح
الْبَاء الْمُوَحدَة: الْأنْصَارِيّ، كَانَ أَمِير
الرُّمَاة يَوْم أحد فاستشهد. قَوْله: (أَبُو سُفْيَان) ،
اسْمه صَخْر بن حَرْب بن أُميَّة وَالِد مُعَاوِيَة،
وَكَانَ رَئِيس الْمُشْركين يَوْمئِذٍ فَأسلم يَوْم
الْفَتْح. قَوْله: (يَوْم بِيَوْم بدر) ، يَعْنِي: هَذَا
يَوْم فِي مُقَابلَة يَوْم بدر. قَوْله: (سِجَال) ، جمع
سجل وَهُوَ الدَّلْو شبه المتحاربان بالمستقيين يَسْتَقِي
هَذَا دلواً وَذَلِكَ دلواً، كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
(فَيوم علينا وَيَوْم لنا ... وَيَوْم نُساء وَيَوْم نُسر)
3987 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ العَلاءِ حدَّثنا أبُو
أُسَامَةَ عنْ بُرَيْدٍ عنْ جَدَّهِ أبِي بُرْدَةَ عنْ
أبِي مُوسَى أُرَاهُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ وإذَا الخَيْرُ مَا جاءَ الله بِهِ مِنَ
الخَيْرِ بَعْدُ وثَوابِ الصِّدْقِ الَّذِي أتانَا بَعْدَ
يَوْمِ بَدْرٍ. .
مُحَمَّد بن الْعَلَاء أَبُو كريب الْهَمدَانِي الْكُوفِي،
وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن
أُسَامَة، و: بريد، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح
الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالدال
الْمُهْملَة: ابْن عبد الله بن أبي بردة عَامر بن أبي
مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ. والْحَدِيث مضى فِي
أَوَاخِر: بَاب عَلَامَات النُّبُوَّة، بِهَذَا
الْإِسْنَاد بِعَيْنِه بأتم مِنْهُ، وَقد مر الْكَلَام
فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (وَإِذا الْخَيْر) ، قِطْعَة من آخر الحَدِيث
الْمَذْكُور فِي: بَاب عَلَامَات النُّبُوَّة وَقَبله:
وَرَأَيْت فِيهَا بقرًا وَالله خير فَإِذا هم
الْمُؤْمِنُونَ يَوْم أحد، وَإِذا الْخَيْر مَا جَاءَ الله
بِهِ ... إِلَى آخِره، توضيح ذَلِك: أَن رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، رأى فِي الْمَنَام بقرًا تنحر
وَخيرا، فَعبر نَحْو الْبَقر بِإِصَابَة الْمُؤمنِينَ،
فَقَالَ: فَإِذا هم الْمُؤْمِنُونَ يَوْم أحد، يَعْنِي
حَيْثُ أصيبوا فِيهِ، وَالْخَيْر بِأَنَّهُ هُوَ الْخَيْر
الَّذِي جَاءَ الله بعد ذَلِك. قَوْله: (من الْخَيْر)
بَيَان لقَوْله: مَا جَاءَ الله بِهِ، قَوْله: (بعد) ،
بِضَم الدَّال أَي: بعد ذَلِك، يَعْنِي: بعد يَوْم أحد،
وَقد علم أَن مَا بعد: بعد، إِذا حذف وَقطع عَن
(17/97)
الْإِضَافَة يبْنى على الضَّم. قَوْله:
(وثواب الصدْق) ، بِالْجَرِّ عطف على قَوْله: من الْخَيْر،
وَأُرِيد بِالصّدقِ الْأَمر المرضي الصَّالح، وَيحْتَمل
أَن يكون من بَاب إِضَافَة الْمَوْصُوف إِلَى الصّفة، أَي:
الصَّوَاب الصَّالح الْجيد.
3988 - حدَّثني يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ حدَّثنا
إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عنْ أبِيهِ عنْ جَدَّهِ قَالَ
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمانِ ابنُ عَوْفٍ إنِّي لَفِي
الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ إذِ الْتَفَتُّ فإذَا عنْ يَمِيني
وعنْ يَسارِي فَتَيَانِ حدِيثَا السِّنِّ فكأنِّي لَمْ
آمَنْ بِمَكَانِهِمَا إذْ قالَ لِي أحَدُهُمَا سِرَّاً
مِنْ صاحِبِهِ يَا عَمِّ أرِنِي أبَا جَهْلٍ فقُلْتُ يَا
ابنَ أخِي وَمَا تَصْنَعُ بِهِ قَالَ عاهَدْتُ الله إنْ
رَأيْتَهُ أنْ أقْتُلَهُ أوْ أمُوتَ دُونَهُ فقالَ لِي
الآخَرُ سِرَّاً مِنْ صاحِبِهِ مِثْلَهُ فَما سَرَّنِي
أنِّي بَيْنَ رَجُلَيْنِ مَكانَهُمَا فأشَرْتُ لَهُمَا
إلَيْهِ فَشَدَّا عَلَيْهِ مِثْلَ الصَّقْرَيْنِ حَتَّى
ضَرَبَاهُ وهُمَا ابْنَا عَفْرَاءَ. (انْظُر الحَدِيث 3141
وطرفه) .
وَجه ذكره هُنَا مَا ذَكرْنَاهُ فِي أول الْبَاب،
وَيَعْقُوب ذكر مُجَردا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَوَقع
فِي رِوَايَة أبي ذَر والأصيلي: يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم،
وَجزم الكلاباذي بِأَنَّهُ ابْن حميد بن كاسب، وَذكر فِي
(رجال الصَّحِيحَيْنِ) : وللبخاري وَحده يَعْقُوب غير
مَنْسُوب يُقَال هُوَ ابْن حميد بن كاسب أَبُو يُوسُف
الْمدنِي سكن مَكَّة، سمع إِبْرَاهِيم بن سعد، روى عَنهُ
البُخَارِيّ، وَقيل لَهُ: يَعْقُوب بن كاسب، مَا قَوْلك
فِيهِ؟ قَالَ: لَمْ نر إلاَّ خيرا، وَهُوَ فِي الأَصْل
صَدُوق، روى عَنهُ فِي الصُّلْح وَفِي: بَاب من شهد
بَدْرًا من الْمَلَائِكَة، وَقَالَ: مَاتَ آخر سنة
أَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَقَالَ الْكرْمَانِي:
الحَدِيث مسلسل بالأبوة إِذْ هُوَ: يَعْقُوب بن
إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن،
يَعْنِي: كل وَاحِد مِنْهُم يروي عَن أَبِيه قلت: هَذَا
غلط، لِأَن يَعْقُوب مَاتَ قبل أَن يرحل البُخَارِيّ، وروى
لَهُ الْكثير بِوَاسِطَة، وَالَّذِي قَالَه الْكرْمَانِي
جوزه أَبُو مَسْعُود فِي (الْأَطْرَاف) ، وَلَكنهُمْ
غلطوه: فَكَأَن الْكرْمَانِي لم يطلع إلاَّ على هَذَا
فَجزم بِأَنَّهُ يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن سعد، والآفة
فِي مثل هَذَا من عدم التَّأَمُّل والتقليد، وَمَال الْمزي
إِلَى: أَنه يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي، وَالله
أعلم، وَإِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد
الرَّحْمَن بن عَوْف، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يروي عَن
أَبِيه سعد، وَسعد يروي عَن جده عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
والْحَدِيث مضى فِي الْخمس فِي: بَاب من لم يُخَمّس
الأسلاب، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُسَدّد عَن يُوسُف
بن الْمَاجشون بأتم مِنْهُ وأطول، وَمضى الْكَلَام فِيهِ
هُنَاكَ.
قَوْله: (فَكَأَنِّي لم آمن بمكانهما) أَي: من الْعَدو
لجِهَة مكانهما، وَيحْتَمل أَن يكون مكانهما كِنَايَة
عَنْهُمَا، أَي: لم أَثِق بهما لِأَنَّهُ لم يعرفهما فَلم
يَأْمَن أَن يَكُونَا من الْعَدو، وَجَاء فِي (مغازي ابْن
عَائِذ) مَا يُوضح معنى هَذَا، فَإِنَّهُ أخرج هَذِه
الْقِصَّة مُطَوَّلَة بِإِسْنَاد مُنْقَطع، وَزَاد فِيهَا:
فاشفقت أَن يُؤْتى النَّاس من ناحيتي لكوني بَين غلامين
حديثين. قَوْله: (إِذْ قَالَ) ، أَي: حِين قَالَ (لي
أَحدهمَا) أَي: أحد الغلامين الْمَذْكُورين. قَوْله:
(أَرِنِي) ، بِفَتْح الْهمزَة، أَمر من الإراءة. قَوْله:
(إِن رَأَيْته أَن أَقتلهُ أَو أَمُوت دونه) أَي: أَو أَن
أَمُوت دونه، وَكلمَة: أَو، هُنَا يصلح أَن تكون
شَرْطِيَّة لِأَنَّهَا من جملَة مَعَانِيهَا الاثنا عشر،
وَلَكِن التَّحْقِيق هُنَا أَن كلمة: أَو، بِمَعْنى
الْوَاو، وَلَكِن الْفِعْل الَّذِي قبلهَا دلّ على معنى
حرف الشَّرْط فَدَخلَهَا معنى الشَّرْط، وَالْأولَى أَن
تكون بِمَعْنى: إِلَى، وَالْمعْنَى: إِن رَأَيْته أَن
أعالج قَتله إِلَى أَن أَمُوت دونه، قَوْله: (فَمَا سرني)
كلمة: مَا، للنَّفْي. قَوْله: (مكانهما) ، أَي: بدلهما.
قَوْله: (إِلَيْهِ) أَي: إِلَى أبي جهل. قَوْله: (مثل
الصقرين) تَثْنِيَة صقر وَهُوَ الطَّائِر الَّذِي يصاد
بِهِ، وَإِنَّمَا شبههما بالصقر لما فِيهِ من الشهامة
والإقدام على الصَّيْد، وَلِأَنَّهُ إِذا نشب لم
يُفَارِقهُ حَتَّى يَأْخُذهُ، ولأول من صَاد بالصقر من
الْعَرَب الْحَارِث بن مُعَاوِيَة بن ثَوْر الْكِنْدِيّ،
ثمَّ اشْتهر الصَّيْد بِهِ. قَوْله: (وهما) أَي: الغلامان
الْمَذْكُورَان (ابْنا عفراء) معَاذ ومعوذ، وَقد مر
الْبَحْث فِيهِ قَرِيبا وبعيداً.
3988 - حدَّثني يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ حدَّثنا
إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عنْ أبِيهِ عنْ جَدَّهِ قَالَ
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمانِ ابنُ عَوْفٍ إنِّي لَفِي
الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ إذِ الْتَفَتُّ فإذَا عنْ يَمِيني
وعنْ يَسارِي فَتَيَانِ حدِيثَا السِّنِّ فكأنِّي لَمْ
آمَنْ بِمَكَانِهِمَا إذْ قالَ لِي أحَدُهُمَا سِرَّاً
مِنْ صاحِبِهِ يَا عَمِّ أرِنِي أبَا جَهْلٍ فقُلْتُ يَا
ابنَ أخِي وَمَا تَصْنَعُ بِهِ قَالَ عاهَدْتُ الله إنْ
رَأيْتَهُ أنْ أقْتُلَهُ أوْ أمُوتَ دُونَهُ فقالَ لِي
الآخَرُ سِرَّاً مِنْ صاحِبِهِ مِثْلَهُ فَما سَرَّنِي
أنِّي بَيْنَ رَجُلَيْنِ مَكانَهُمَا فأشَرْتُ لَهُمَا
إلَيْهِ فَشَدَّا عَلَيْهِ مِثْلَ الصَّقْرَيْنِ حَتَّى
ضَرَبَاهُ وهُمَا ابْنَا عَفْرَاءَ. (انْظُر الحَدِيث 3141
وطرفه) .
وَجه ذكره هُنَا مَا ذَكرْنَاهُ فِي أول الْبَاب،
وَيَعْقُوب ذكر مُجَردا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَوَقع
فِي رِوَايَة أبي ذَر والأصيلي: يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم،
وَجزم الكلاباذي بِأَنَّهُ ابْن حميد بن كاسب، وَذكر فِي
(رجال الصَّحِيحَيْنِ) : وللبخاري وَحده يَعْقُوب غير
مَنْسُوب يُقَال هُوَ ابْن حميد بن كاسب أَبُو يُوسُف
الْمدنِي سكن مَكَّة، سمع إِبْرَاهِيم بن سعد، روى عَنهُ
البُخَارِيّ، وَقيل لَهُ: يَعْقُوب بن كاسب، مَا قَوْلك
فِيهِ؟ قَالَ: لَمْ نر إلاَّ خيرا، وَهُوَ فِي الأَصْل
صَدُوق، روى عَنهُ فِي الصُّلْح وَفِي: بَاب من شهد
بَدْرًا من الْمَلَائِكَة، وَقَالَ: مَاتَ آخر سنة
أَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَقَالَ الْكرْمَانِي:
الحَدِيث مسلسل بالأبوة إِذْ هُوَ: يَعْقُوب بن
إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن،
يَعْنِي: كل وَاحِد مِنْهُم يروي عَن أَبِيه قلت: هَذَا
غلط، لِأَن يَعْقُوب مَاتَ قبل أَن يرحل البُخَارِيّ، وروى
لَهُ الْكثير بِوَاسِطَة، وَالَّذِي قَالَه الْكرْمَانِي
جوزه أَبُو مَسْعُود فِي (الْأَطْرَاف) ، وَلَكنهُمْ
غلطوه: فَكَأَن الْكرْمَانِي لم يطلع إلاَّ على هَذَا
فَجزم بِأَنَّهُ يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن سعد، والآفة
فِي مثل هَذَا من عدم التَّأَمُّل والتقليد، وَمَال الْمزي
إِلَى: أَنه يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي، وَالله
أعلم، وَإِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد
الرَّحْمَن بن عَوْف، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يروي عَن
أَبِيه سعد، وَسعد يروي عَن جده عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
والْحَدِيث مضى فِي الْخمس فِي: بَاب من لم يُخَمّس
الأسلاب، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُسَدّد عَن يُوسُف
بن الْمَاجشون بأتم مِنْهُ وأطول، وَمضى الْكَلَام فِيهِ
هُنَاكَ.
قَوْله: (فَكَأَنِّي لم آمن بمكانهما) أَي: من الْعَدو
لجِهَة مكانهما، وَيحْتَمل أَن يكون مكانهما كِنَايَة
عَنْهُمَا، أَي: لم أَثِق بهما لِأَنَّهُ لم يعرفهما فَلم
يَأْمَن أَن يَكُونَا من الْعَدو، وَجَاء فِي (مغازي ابْن
عَائِذ) مَا يُوضح معنى هَذَا، فَإِنَّهُ أخرج هَذِه
الْقِصَّة مُطَوَّلَة بِإِسْنَاد مُنْقَطع، وَزَاد فِيهَا:
فاشفقت أَن يُؤْتى النَّاس من ناحيتي لكوني بَين غلامين
حديثين. قَوْله: (إِذْ قَالَ) ، أَي: حِين قَالَ (لي
أَحدهمَا) أَي: أحد الغلامين الْمَذْكُورين. قَوْله:
(أَرِنِي) ، بِفَتْح الْهمزَة، أَمر من الإراءة. قَوْله:
(إِن رَأَيْته أَن أَقتلهُ أَو أَمُوت دونه) أَي: أَو أَن
أَمُوت دونه، وَكلمَة: أَو، هُنَا يصلح أَن تكون
شَرْطِيَّة لِأَنَّهَا من جملَة مَعَانِيهَا الاثنا عشر،
وَلَكِن التَّحْقِيق هُنَا أَن كلمة: أَو، بِمَعْنى
الْوَاو، وَلَكِن الْفِعْل الَّذِي قبلهَا دلّ على معنى
حرف الشَّرْط فَدَخلَهَا معنى الشَّرْط، وَالْأولَى أَن
تكون بِمَعْنى: إِلَى، وَالْمعْنَى: إِن رَأَيْته أَن
أعالج قَتله إِلَى أَن أَمُوت دونه، قَوْله: (فَمَا سرني)
كلمة: مَا، للنَّفْي. قَوْله: (مكانهما) ، أَي: بدلهما.
قَوْله: (إِلَيْهِ) أَي: إِلَى أبي جهل. قَوْله: (مثل
الصقرين) تَثْنِيَة صقر وَهُوَ الطَّائِر الَّذِي يصاد
بِهِ، وَإِنَّمَا شبههما بالصقر لما فِيهِ من الشهامة
والإقدام على الصَّيْد، وَلِأَنَّهُ إِذا نشب لم
يُفَارِقهُ حَتَّى يَأْخُذهُ، ولأول من صَاد بالصقر من
الْعَرَب الْحَارِث بن مُعَاوِيَة بن ثَوْر الْكِنْدِيّ،
ثمَّ اشْتهر الصَّيْد بِهِ. قَوْله: (وهما) أَي: الغلامان
الْمَذْكُورَان (ابْنا عفراء) معَاذ ومعوذ، وَقد مر
الْبَحْث فِيهِ قَرِيبا وبعيداً.
3989 - حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا
إبْرَاهِيمُ أخبرَنَا ابنُ شِهَابٍ قَالَ أخبرَنِي عَمْرو
بنُ أسيدِ بنِ جارِيَةَ الثَّقَفِيُّ حَلِيفُ بنِي
زُهْرَةَ وكانَ مِنْ أصْحَابِ أبِي هُرَيْرَةَ عنْ أبِي
هُرَيْرَةَ رَضِي
(17/98)
الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ بَعَثَ رسُولُ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَشَرَةَ عَيْنَاً وأمَّرَ
عَلَيْهِمْ عاصِمَ بنَ ثابِتٍ الأنْصَارِيَّ جدَّ عاصِمِ
ابنِ عُمرَ بنِ الخَطَّابِ حتَّى إذَا كَانُوا بالْهَدَأةِ
بَيْنَ عُسْفَانَ ومَكَّةَ ذُكِرُوا لِحَيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ
يُقالُ لَهُمْ بَنُو لِحْيَانَ فنَفَرُوا لَهُمْ بِقَرِيبٍ
مِنْ مِائَةِ رَجُلٍ رامٍ فاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ حتَّى
وجَدُوا مأكَلَهُمُ التَّمْرَ فِي مَنْزِلٍ نَزَلُوهُ
فقالُوا تَمْرَ يَثْرِبَ فاتَّبَعُوا آثارَهُمْ فلَمَّا
حَسَّ بِهِمْ عاصِمٌ وأصْحَابُهُ لَجؤا إِلَى مَوْضِعٍ
فأحاطَ بِهِمِ القَوْمُ فقالُوا لَهُمْ انْزِلُوا فأعْطُوا
بأيْدِيكُمْ ولَكُمُ العَهْدُ والمِيثَاقُ أنْ لاَ
نَقْتُلَ مِنْكُمْ أحَدَاً فَقَالَ عاصِمُ بنُ ثابِتٍ
أيُّهَا القَوْمُ أمَا أنَا فَلا أنْزِلُ فِي ذِمَّةِ
كافِرٍ ثُمَّ قالَ أللَّهُمَّ أخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرَمُوهُمْ بالنَّبْلِ فَقَتَلُوا
عاصِمَاً ونَزَلَ إلَيْهِمْ ثلاَثَةُ نَفَرٍ علَى
الْعَهْدِ والمِيثَاقِ مِنْهُمْ خُبَيْبٌ وزَيْدُ بنُ
الدَّثِنَةِ ورَجُلٌ آخَرُ فلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ
أطْلَقُوا أوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فرَبَطُوهُمْ بِهَا قَالَ
الرَّجُلُ الثَّالِثُ هاذَا أوَّلُ الغَدْرِ وَالله لَا
أصْحَبُكُمْ إنَّ لِي بِهاؤُلاءِ أُسْوَةً يُرِيدُ
القَتْلَى فجَرَّرُوهُ وعَالَجُوهُ فأبَى أنْ يَصْحَبَهُمْ
فانْطُلِقَ بِخُبَيْبٍ وزَيْدِ بنِ الدَّثِنَةِ حتَّى
باعُوهَما بعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ فابْتاعَ بنُو الحَرِثِ
بنِ عامِرِ ابنِ نَوْفَلٍ خُبَيْبَاً وكانَ خُبَيْبٌ هُوَ
قتَلَ الحَرِثَ بنَ عامِرٍ يَوْمَ بَدْرٍ فلَبِثَ خُبَيْبٌ
عِنْدَهُمْ أسِيرَاً حتَّى أجْمَعُوا قتْلَهُ فاسْتَعَارَ
مِنْ بَعْضِ بَناتِ الحَارِث مُوساى يَسْتَحِدُّ بِهَا
فأعَارَتْهُ فدَرَجَ بُنَيُّ لَهَا وهْيَ غافِلَةٌ عَنْهُ
حتَّى أتَاهُ فوَجَدَتْهُ مُجْلِسَهُ علَى فَخْذِهِ
والمُوساى بِيَدِهِ قالَتْ فَفَزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَها
خُبَيْبٌ فَقالَ أتَخْشَيْنَ أنْ أقْتُلَهُ مَا كُنْتُ
لأفْعَلَ ذالِكَ قالَتْ وَالله مَا رأيْتُ أسِيراً قَطُّ
خَيْرَاً مِنْ خُبِيبٍ وَالله لَقَدْ وجَدْتُهُ يَوْمَاً
يأكُلُ قِطْفاً مِنْ عِنَبٍ فِي يَدِهِ وإنَّهُ لَمُوثَقٌ
بالحَدِيدِ وَمَا بِمَكَّةَ مِنْ ثَمَرَةٍ وكانَتْ تَقُولُ
إنَّهُ لَرِزْقٌ رَزَقَهُ الله خُبَيْبَاً فلَمَّا
خَرَجُوا بِهِ مِنَ الحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ فِي الحِلِّ
قَالَ لَهُمْ خُبَيْبٌ دَعُونِي أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ
فتَرَكُوهُ فرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فَقالَ وَالله لَوْلاَ
أنْ تَحْسِبُوا أنَّ مَا بِي جَزَعٌ لَزِدْتُ ثُمَّ قالَ
اللَّهُمَّ أحْصِهِمْ عَدَدَاً واقْتُلْهُمْ بِدَدَاً ولاَ
تُبْقِ مِنْهُمْ أحَدَاً ثُمَّ أنْشأ يَقُولُ:
(فَلَسْتُ أبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمَاً ... علَى
أيِّ جَنْبٍ كانَ لله مَصْرَعِي)
(وذالِكَ فِي ذَاتِ الإلاهِ وإنْ يَشأ ... يُبَارِكُ علَى
أوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ)
ثُمَّ قامَ إلَيْهِ أبُو سِرْوَعَةَ عُقْبَةُ بنُ
الحَارِثِ فقَتَلَهُ وكانَ خُبَيْبٌ هُوَ سَنَّ لِكُلِّ
مُسْلِمٍ قُتِلَ صَبْرَاً الصَّلاَةَ وأخْبَرَ أصْحَابَهُ
يَوْمَ أُصِيبُوا خَبَرَهُمْ وبَعَث ناسٌ منْ قُرَيْشٍ
إِلَى عاصِمِ بنِ ثابِتٍ حينَ حُدِّثُوا أنَّهُ قُتِلَ أنْ
يُؤْتُوا بِشَيْءٍ منْهُ يُعْرَفُ وكانَ قَتَلَ رَجُلاً
عَظِيمَاً منْ عُظَمَائِهِمْ فبَعَثَ الله لِعاصِمٍ مِثْلَ
الظُّلْمَةِ مِنَ الدَّبْرِ فَحَمَتْهُ مِنْ رُسُلِهِمْ
فلَمْ يَقُدِرُوا أنْ يَقْطَعُوا مِنْهُ شَيْئاً.
ذكره هُنَا لأجل قَوْله: (وَكَانَ قتل عَظِيما من عظمائهم)
. فَإِنَّهُ سَيَأْتِي فِي الطَّرِيق الآخر التَّصْرِيح
بِأَن ذَلِك يَوْم بدر، وَالَّذِي قَتله عَاصِم
الْمَذْكُور يَوْم بدر من الْمُشْركين، عقبَة بن أبي معيط
بن أبي عَمْرو بن أُميَّة، قَتله صبرا بِأَمْر النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
ومُوسَى بن إِسْمَاعِيل أَبُو سَلمَة الْمنْقري
الْبَصْرِيّ الَّذِي يُقَال لَهُ: التَّبُوذَكِي،
وَإِبْرَاهِيم هُوَ ابْن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد
الرَّحْمَن
(17/99)
ابْن عَوْف، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن
مُسلم الزُّهْرِيّ، وَعَمْرو، بِفَتْح الْعين: ابْن أسيد،
بِفَتْح الْهمزَة وكسير السِّين: ابْن جَارِيَة،
بِالْجِيم، هَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي
رِوَايَة غَيره: عَمْرو بن جَارِيَة وَهُوَ هُوَ غير أَنه
نسب إِلَى جده فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَوَقع فِي
رِوَايَة البُخَارِيّ فِي غَزْوَة الرجيع: عَمْرو بن أبي
سُفْيَان، وَهِي كنية أَبِيه أسيد، وَأكْثر أَصْحَاب
الزُّهْرِيّ قَالُوا فِيهِ: عَمْرو، بِفَتْح الْعين،
وَقَالَ بَعضهم بِضَم الْعين، وَرجح البُخَارِيّ أَنه
عَمْرو بِالْوَاو، وَقَالَ ابْن السكن فِي رِوَايَة:
عُمَيْر بِالتَّصْغِيرِ وَالْأَكْثَرُونَ على أَنه:
عَمْرو، بِفَتْح الْعين.
والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بَاب هَل
يستأسر الرجل؟ وَمضى الْكَلَام فِيهِ مستقصى.
قَوْله: (عينا) أَي: جاسوساً، وانتصابه على أَنه بدل من:
عشرَة. قَوْله: (أَمر) بتَشْديد الْمِيم. قَوْله: (جد
عَاصِم بن عمر) يَعْنِي لأمه. قَوْله: (بالهدأة) بِفَتْح
الْهَاء وَالدَّال الْمُهْملَة والهمزة، وَقيل بِإِسْكَان
الدَّال بِالْألف وَاللَّام، وَقيل بِغَيْرِهِمَا،
وَالنِّسْبَة إِلَيْهَا: هدوي على غير قِيَاس، وَقيل: رويت
بتَخْفِيف الدَّال وتشديدها، وَعَن أبي حَاتِم: أَن هَذِه
بَين مَكَّة وَالْمَدينَة، وَقَالَ ابْن سعد: على على
سَبْعَة أَمْيَال من عسفان، وَهُوَ بِضَم الْعين
الْمُهْملَة: مَوضِع على مرحلَتَيْنِ من مَكَّة. قَوْله:
(ذكرُوا) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (بَنو لحيان)
بِكَسْر اللَّام وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف
الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَقَالَ الرشاطي: لحيان فِي
هُذَيْل، وَقَالَ الْهَمدَانِي: لحيان من بقايا جرهم دخلت
فِي هُذَيْل، وَقَالَ ابْن دُرَيْد: هُوَ من لحيث الْعود
ولحوته إِذا قشرته، وهذيل، هُوَ ابْن مدركة بن إلْيَاس بن
مُضر. قَوْله: (فنفروا إِلَيْهِم) أَي: ذَهَبُوا لقتالهم.
قَوْله: (مَأْكَلهمْ) اسْم الْمَكَان أَي: فِي مَأْكَلهمْ.
قَوْله: (فأعطونا بِأَيْدِيكُمْ) أَي: انقادوا وسلموا.
قَوْله: (مِنْهُم خبيب) ، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة
وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف
وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة أُخْرَى: وَهُوَ ابْن عدي
الْأنْصَارِيّ. قَوْله: (وَزيد بن الدثنة) ، بِفَتْح
الدَّال الْمُهْملَة وَكسر الثَّاء الْمُثَلَّثَة وبالنون،
ابْن مُعَاوِيَة بن عبيد بن عَامر بن بياضة الْأنْصَارِيّ
البياضي. قَوْله: (وَرجل آخر) هُوَ عبد الله بن طَارق
حَلِيف بني ظفر. قَوْله: (أوتار قسيهم) ، الأوتار جمع وتر،
والقسي جمع قَوس، وَأَصله: قووس، لِأَنَّهُ فعول، إلاَّ
أَنهم قدمُوا اللاَّم وصيروه: قسواً، على وزن فلوع، ثمَّ
قلبوا الْوَاو يَاء فَصَارَ: قسي: ثمَّ كسروا السِّين
فَصَارَ على وزن: فليع، وَيجمع الْقوس على أقواس أَيْضا،
وَقِيَاس، والقوس يذكر وَيُؤَنث فَمن أنثه قَالَ فِي
تصغيره: قويسية، وَمن ذكره قَالَ: قويس. قَوْله: (فَأبى
أَن يصحبهم) ، وَلم يبين فِيهِ مَا فعلوا بِهِ وَبَين فِي
غَزْوَة الرجيع أَنهم قَتَلُوهُ. قَوْله: (فَابْتَاعَ بَنو
الْحَارِث) أَي: اشْترى، وَفِي (التَّوْضِيح) : فَابْتَاعَ
حُجَيْر بن أبي إهَاب خبيباً لِابْنِ أَخِيه عقبَة بن
الْحَارِث بن عَامر خَال أبي إهَاب ليَقْتُلهُ بِأَبِيهِ،
وَعند أبي معشر: اشترت خبيباً ابْنة أبي سروعة، واشترك
مَعهَا نَاس، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ اشْترى صَفْوَان بن
أُميَّة زيدا ليَقْتُلهُ بِأَبِيهِ بِخَمْسِينَ فَرِيضَة،
وَيُقَال: إِنَّه اشْترك فِيهِ نَاس من قُرَيْش، وخبيب
اشْتَرَاهُ حُجَيْر بن أبي إهَاب بِثَمَانِينَ مِثْقَالا
من ذهب، وَيُقَال: بِخَمْسِينَ فَرِيضَة، وَالْفَرِيضَة
بالضاد الْمُعْجَمَة: الْبَعِير الْمَأْخُوذ من الزَّكَاة،
ثمَّ اتَّسع فِيهِ حَتَّى سمي الْبَعِير فَرِيضَة فِي غير
الزَّكَاة، وَيُقَال: اشترته بنت الْحَارِث بِمِائَة من
الْإِبِل، وَعند معمر: اشْتَرَاهُ بَنو الْحَارِث ابْن
نَوْفَل، وَعند ابْن عقبَة: اشْترك فِي ابتياع خبيب أَبُو
إهَاب بن عَزِيز، وَعِكْرِمَة بن أبي جهل، والأخنس بن
شرِيف، وَعبيدَة بن حَكِيم بن الأوقص، وَأُميَّة بن أبي
عتبَة، وَبَنُو الْحَضْرَمِيّ، وَشعْبَة بن عبد الله
وَصَفوَان بن أُميَّة، وهم أَبنَاء من قتل من الْمُشْركين
ببدر، ودفعوه إِلَى عقبَة بن الْحَارِث فسجنه فِي دَاره.
قَوْله: (وَكَانَ خبيب هُوَ قتل الْحَارِث بن عَامر)
وَاعْترض الدمياطي فَقَالَ: لم يقتل خبيب هَذِه،
وَإِنَّمَا هُوَ أحد بني جحجبي الْحَارِث بن عَامر بن
نَوْفَل بن عبد منَاف، وَلم يشْهد بَدْرًا، وَالَّذِي شهد
بَدْرًا وَقتل فِيهَا الْحَارِث هُوَ خبيب بن يسَاف بن
عقبَة بن عَمْرو بن خديج بن عَامر بن جشم بن الْحَرْث بن
الْخَزْرَج، وخبيب بن عدي أحد بني عَمْرو بن عَوْف بن
مَالك بن الْأَوْس، شهد أحدا وَمَات خبيب بن يسَاف فِي زمن
عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قلت: قَالَ أَبُو
عمر فِي كِتَابه (الِاسْتِيعَاب) : خبيب بن عدي
الْأنْصَارِيّ من بني جحجبي بن كلفة بن عَمْرو بن عَوْف،
شهد بَدْرًا وَأسر يَوْم الرجيع، وَقَالَ أَيْضا خبيب بن
أساف وَيُقَال: يسَاف، شهد بَدْرًا وأحداً وَالْخَنْدَق،
وَكَانَ نازلاً بِالْمَدِينَةِ. قَوْله: (مُوسَى) جَازَ
صرفه وَمنعه نظرا إِلَى اشتقاقه، كَذَا قَالَه
الْكرْمَانِي: سكت عَلَيْهِ. قلت: مُوسَى مَا يحلق بِهِ من
أوسى رَأسه أَي: حلق، قَالَ الْفراء: هِيَ فعلى وتؤنث،
وَقَالَ عبد الله بن سعيد الأموري: هُوَ مُذَكّر لَا غير،
يُقَال: هَذَا مُوسَى، وَهُوَ مفعل، وَقَالَ: أَبُو عبيد
لم يسمع التَّذْكِير فِيهِ إلاَّ من الْأمَوِي، وَقَالَ
أَبُو عَمْرو
(17/100)
ابْن الْعَلَاء: هُوَ مفعل، يدل على ذَلِك
أَنه يصرف فِي النكرَة، وفعلى لَا تَنْصَرِف على حَال.
قَوْله: (يستحد بهَا) من الاستحدادد، وَهُوَ إِزَالَة شعر
الحانة، وَأَرَادَ بِهِ التَّنْظِيف للمقاربة، لِأَن ذَلِك
كَانَ حِين فهم إِجْمَاعهم على الْقَتْل. قَوْله: (فدرج) ،
أَي: ذهب إِلَيْهِ. قَوْله: (مَجْلِسه) ، بِضَم الْمِيم
إسم فَاعل من الإجلاس مُضَاف إِلَى الْمَفْعُول. قَوْله:
(قَالَت: فَفَزِعت فزعة) لِأَنَّهَا لما رَأَتْ الصَّبِي
على فَخذه والموسى بِيَدِهِ ظنت أَنه يقْتله، فَقَالَ
خبيب: أتخشين أَن أَقتلهُ؟ كلمة: أَن، مَصْدَرِيَّة، أَي:
أتخشين قَتله؟ ويروى: أتخشى، بِحَذْف النُّون بِغَيْر جازم
وناصب لُغَة، وَيفهم من كَلَام ابْن إِسْحَاق: أَن هَذِه
الْمَرْأَة هِيَ مَارِيَة مولاة حُجَيْر بن أبي إهَاب،
لِأَنَّهُ روى أَن خبيباً قَالَ لَهَا: إبعثي إِلَيّ
بحديدة، قَالَت: فَأعْطيت غُلَاما من الْحَيّ الموسى،
فَقلت: أَدخل بهَا على هَذَا الرجل الْبَيْت، قَالَت:
فوَاللَّه مَا هُوَ إلاَّ أَن ولَّى الْغُلَام بهَا
إِلَيْهِ، قلت: مَا صنعت أصَاب الرجل وَالله ثَأْره بقتل
هَذَا الْغُلَام، فَلَمَّا نَاوَلَهُ الحديدة قَالَ: لعمرك
وَالله مَا خَافت أمك غدري حِين بَعَثْتُك بِهَذِهِ
الحديدة إِلَى قَوْله: (يَأْكُل قطفاً) ، بِكَسْر الْقَاف
وَهُوَ العنقود من الْعِنَب وبجمعه جَاءَ الْقُرْآن:
{قطوفها دانية} (الحاقة: 23) . وَيُقَال: قطف الْعِنَب
إِذا قطعه من الْكَرم قطافاً، وَقد يَجْعَل القطاف إسماً
للْوَقْت، وَمن بَاعَ إِلَى القطاف، وَالْفَتْح لُغَة،
وَقَالَ إِبْنِ إِسْحَاق: حَدثنِي عبد الله بن أبي نجيح
أَنه حدث عَن مَارِيَة مولاة حُجَيْر بن إهَاب، وَكَانَت
قد أسلمت، قَالَت: كَانَ خبيب حبس فِي بَيْتِي، فَلَقَد
اطَّلَعت عَلَيْهِ يَوْمًا وَإِن فِي يَده لقطفاً من عِنَب
مثل رَأس الرجل يَأْكُل مِنْهُ. قَوْله: (مَا بِي جزع)
الَّذِي: هُوَ ملتبس بِي من إِرَادَة الصَّلَاة. قَوْله:
(احصهم) ، من الإحصاء بالمهملتين، دَعَا عَلَيْهِم
بِالْهَلَاكِ استئصالاً بِحَيْثُ لَا يبْقى وَاحِد من
عَددهمْ. قَوْله: (بدداً) ، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة
وَفتح الدَّال الْمُهْملَة الأولى، أَي: مُتَفَرِّقَة
متقطعة. قَوْله: (ثمَّ قَامَ إِلَيْهِ أَبُو سروعة)
بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الرَّاء وَفتح
الْوَاو وبالعين الْمُهْملَة، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق:
حَدثنِي يحيى بن عباد عَن أَبِيه عباد عَن عقبَة بن
الْحَارِث، قَالَ: سمعته يَقُول: وَالله مَا أَنا قتلت
خبيباً لِأَنِّي كنت أَصْغَر من ذَلِك، وَلَكِن أَبَا
ميسرَة أخابني عبد الدَّار أَخذ الحربة فَجَعلهَا فِي
يَدي، ثمَّ أَخذ بيَدي وبالحربة ثمَّ طعنه بهَا حَتَّى
قَتله، وَقَالَ الْحَاكِم فِي (الإكليل) : رموا زيدا،
يَعْنِي: ابْن الدثنة بِالنَّبلِ وَأَرَادُوا فتنته فَلم
يَزْدَدْ إلاَّ إِيمَانًا، وَأَنه، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، قَالَ وَهُوَ جَالس فِي الْيَوْم الَّذِي قتلا
فِيهِ: وعليكما أَو عَلَيْك السَّلَام، خبيب، قَتله
قُرَيْش وَلَا نَدْرِي أذكر زيدا أم لَا، وَزَعَمُوا أَن
خبيباً دَفنه عَمْرو بن أُميَّة، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ
فِي (دلائله) : أَن خبيباً لما قَالَ: أللهم إِنِّي لَا
أجد رَسُولا إِلَى رَسُولك يبلغهُ عني السَّلَام، جَاءَ
جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، إِلَى رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأخْبرهُ بذلك، وَقَالَ ابْن سعد:
وَكَانَا صليا رَكْعَتَيْنِ قبل أَن يقتلا. قلت: نَص
البُخَارِيّ على أَن خبيباً هُوَ الَّذِي صلاهما، قَوْله:
(الصَّلَاة) ، بِالنّصب لِأَنَّهُ مفعول قَوْله: (سنّ) ،
قَوْله: (وَأخْبر أَصْحَابه) ، أَي: وَأخْبر النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَصْحَابه بقضية هَؤُلَاءِ، وَهُوَ
من المعجزات. قَوْله: (يَوْم أصيبوا) على صِيغَة
الْمَجْهُول أَي: يَوْم أُصِيب هَؤُلَاءِ. ويروى: يَوْم
أُصِيب، على تَقْدِير: أُصِيب كل وَاحِد مِنْهُم. قَوْله:
(حِين حدثوا) ، على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: حِين أخبروا.
قَوْله: (مثل الظلة من الدبر) الظلة، بِضَم الظَّاء
الْمُعْجَمَة وَتَشْديد اللَّام: كل مَا أظلك، وَيجمع على:
ظلل، وَمِنْه: {عَذَاب يَوْم الظلة} (الشُّعَرَاء: 189) .
وَهِي: سَحَابَة أظلتهم فلجأوا إِلَى ظلها من شدَّة الْحر،
فأطبقت عَلَيْهِم وأهلكتهم، و: الدبر، بِفَتْح الدَّال
الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وبالراء:
الزنابير. قَالَه أَبُو حنيفَة، قَالَ: وَقد يُقَال أَيْضا
للنحل: دبر، بِالْفَتْح وواحدها: دبرة، قَالَ: وَيُقَال
لَهُ: خشرم، وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه: قيل: واحده:
خشرمة، وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الدبر النَّحْل، وَلَا
وَاحِد لَهُ، روى ذَلِك أَبُو عُبَيْدَة عَنهُ، وَأما
غَيره فروى عَنهُ أَن واحدتها: دبرة، قَالَ أَبُو حنيفَة:
والدبر عِنْد من رَأينَا من الْأَعْرَاب الزنابير، وَقَالَ
الْبَاهِلِيّ: الدبر النَّحْل وَالْجمع الدبور، وَذكر بعض
الروَاة أَنه يُقَال لأَوْلَاد الْجَرَاد: الدبر، وَذكر
أَبُو يُوسُف فِي (لطائفه) : قَالَ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: أَيّكُم ينزل خبيباً من خشبته وَله الْجنَّة؟
فَقَالَ الزبير: أَنا والمقداد، قَالَا: فَوَجَدنَا حول
الْخَشَبَة أَرْبَعِينَ رجلا فأنزلناه، فَإِذا هُوَ رطب لم
يتَغَيَّر بعد أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَيَده على جرحه
وَهُوَ ينبض، أَي: يسيل دَمًا كالمسك، فَحَمله الزبير على
فرسه، فَلَمَّا لحقه الْكفَّار قذفه فابتلعته الأَرْض
فَسُمي: بليع الأَرْض.
(17/101)
وَقَالَ كَعْبُ بنُ مالِكٍ ذَكَرُوا
مُرَارَةَ بنَ الرَّبِيعِ العَمْرِيَّ وهِلالَ بنَ
أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيَّ رَجُلَيْنِ صالِحَيْنِ قَدْ
شَهِدَا بَدْرَاً
لما كَانَت هَذِه الْأَبْوَاب الْمَذْكُورَة فِيمَا
يتَعَلَّق بغزوة بدر، والترجمة الأولى فِي: بَاب عدَّة
أَصْحَاب بدر، ذكر أَن مرَارَة ابْن الرّبيع وهلال بن
أُميَّة من أهل بدر، وأنهما داخلان فِي الْعدة، ردا على من
أنكر من النَّاس أَنَّهُمَا لم يشهدَا بَدْرًا، وَرُبمَا
نسب ذَلِك أَيْضا إِلَى الزُّهْرِيّ، فَرد ذَلِك بنسبته
إِلَى كَعْب بن مَالك. فَإِن الحَدِيث الطَّوِيل
الْمَوْصُول الَّذِي سَيَأْتِي فِي غَزْوَة تَبُوك قد أَخذ
عَنهُ، وَهُوَ أعرف بِمن شهد بَدْرًا مِمَّن لم يشْهد.
فَقَوله: (وَقَالَ كَعْب بن مَالك) إِلَى آخِره، قِطْعَة
من الحَدِيث الطَّوِيل، وَمِمَّنْ رد ذَلِك وَاعْترض
الْحَافِظ الدمياطي، فَإِنَّهُ قَالَ: لم يذكر أحد أَن
مرَارَة وهلالاً شَهدا بَدْرًا إلاَّ مَا جَاءَ فِي حَدِيث
كَعْب هَذَا، وَإِنَّمَا ذكرا فِي الطَّبَقَة الثَّانِيَة
من الْأَنْصَار مِمَّن لم يشْهد بَدْرًا، وشهدا أحدا، ورد
عَلَيْهِ بجزم البُخَارِيّ بذلك مَعَ جمَاعَة تبعوه فِي
ذَلِك، على أَن الْمُثبت أولى من النَّافِي مَعَ إِخْبَار
الْمُثبت بِهِ، وَالله أعلم.
3990 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ حدَّثنا لَ يْثٌ عنْ يَحْيَى
عنْ نافِعٍ أنَّ ابنَ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما
ذُكِرَ لَهُ أنَّ سَعِيدَ بنَ زَيْدِ بنِ عَمْرِو بنِ
نُفَيْلٍ وكانَ بَدْرِياً مَرِضَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ
فرَكِبَ إلَيْهِ بعْدَ أنْ تَعَالَى النَّهَارُ
واقْتَرَبَتِ الجُمُعَةُ وتَرَكَ الْجُمُعَةَ.
ذكره هُنَا لقَوْله: وَكَانَ بَدْرِيًّا، وَإِنَّمَا نسب
إِلَيْهِ مَعَ أَنه لم يشهده لِأَنَّهُ كَانَ مِمَّن ضرب
لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بسهمه وأجره،
وَذَلِكَ لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بَعثه
وَطَلْحَة بن عبيد الله إِلَى طَرِيق الشَّام يتجسسان
الْأَخْبَار عَن عير أهل مَكَّة، ففاتهما بدر، فَضرب
بسهميهما وأجريهما، فَعدا بذلك من أهل بدر.
وقتيبة هُوَ ابْن سعيد، وَاللَّيْث بن سعد، وَيحيى هُوَ
ابْن سعيد الْأنْصَارِيّ، والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (ذكر لَهُ) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، أَي: ذكر
لعبد الله بن عمر. قَوْله: (أَن سعيد بن زيد) ، هُوَ أحد
الْعشْرَة المبشرة. قَوْله: (فَركب إِلَيْهِ) أَي: فَركب
ابْن عمر إِلَى سعيد. قَوْله: (وَترك الْجُمُعَة) أَي: ترك
صَلَاة الْجُمُعَة، قَالَ الْكرْمَانِي: كَانَ لعذر،
وَهُوَ إشراف الْقَرِيب على الْهَلَاك، لِأَنَّهُ كَانَ
ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَزوج أُخْته،
وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) أَيْضا: هَذَا لأجل قرَابَته
مِنْهُ وَهُوَ عذر. قلت: فِيمَا قَالَا نظر، نعم لَو كَانَ
فِي عدم حُضُوره هَلَاكه لأجل عِلّة من الْعِلَل كَانَ
لَهُ فِي ذَلِك الْوَقْت ترك الْجُمُعَة، وَقَالَ ابْن
التِّين: يتْرك الْجُمُعَة إِذا لم يكن مَعَه من يقوم
بِهِ.
3991 - وقَالَ اللَّيْثُ حدَّثَنِي يُونُسُ عنِ ابنِ
شِهابٍ قَالَ حدَّثني عُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ الله بنِ
عُتْبَةَ أنَّ أبَاهُ كَتَبَ إلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ الله
بنِ الأرْقَمِ الزُّهْرِيِّ يأمُرُهُ أنْ يَدْخُلَ علَى
سُبَيْعَةَ بِنْتِ الحارِثِ الأسْلَمِيَّةِ فيَسْألَهَا
عنْ حَدِيثِهَا وعنْ مَا قالَ لَهَا رسُولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم حِينَ اسْتَفْتَتْهُ فكَتَبَ عُمَرُ بنُ
عَبْدِ الله بنِ الأرْقَمِ إلَى عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ
يُخْبِرُهُ أنَّ سُبَيْعَةَ بِنْتَ الحَارِثِ أخْبَرَتْهُ
أنَّهَا كانَتْ تَحْتَ سَعْدِ بنِ خَوْلَةَ وهُوَ مِنْ
بَنِي عامِرِ بنِ لُؤَيٍّ وكانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرَاً
فَتُوُفِّيَ عَنْهَا فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ وهْيَ حامِلٌ
فَلَمْ تَنْشَبْ أنْ وضَعَتْ حَمْلَهَا بَعْدَ وفاتِهِ
فلَمَّا تَعمَلتُ مِنْ نِفاسِهَا تَجَمَّلَتْ لِلْخِطَابِ
فدَخَلَ علَيْهَا أبُو السَّنَابِلِ ابنُ بَعْكَكٍ رَجُلٌ
مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّار فَقالَ لَهَا مالِي أرَاكِ
تَجَمَّلْتِ لِلْخُطَّابِ تُرَجِّينَ النِّكَاحَ فإنَّكِ
وَالله مَا أنْتِ بِنَاكِحٍ حتَّى تَمُرَّ عَلَيْكِ
أرْبَعَةُ أشْهُرٍ وعَشْرٌ قالَتْ سُبَيْعَةُ فَلَمَّا
قَالَ لِي ذالِكَ جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي حِينَ
أمْسَيْتُ وأتَيْتُ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فسألْتُهُ عنْ ذالِكَ فأفْتَانِي بأنِّي قَدْ حَلَلْتُ
حِينَ وَضَعْتُ حَمْلِي وأمَرَنِي بالتَّزَوُّجِ إنْ بَدَا
لِي. (الحَدِيث 3991 طرفه فِي: 5319) .
(17/102)
ذكره هُنَا لأجل قَوْله: (وَكَانَ مِمَّن
شهد بَدْرًا) . وَعبيد الله، بِضَم الْعين: يرْوى عَن
أَبِيه عبد الله بن عتبَة، بِضَم الْعين وَسُكُون
الْمُثَنَّاة من فَوق: ابْن مَسْعُود الْهُذلِيّ يروي عَن
عمر بن عبد الله بن الأرقم بن عبد يَغُوث الزُّهْرِيّ،
وَعبد الله بن الأرقم أسلم عَام الْفَتْح وَكتب للنَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاسْتَعْملهُ عمر بن الْخطاب على
بَيت المَال، وسبيعة، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح
الْبَاء الْمُوَحدَة مصغر سَبْعَة بنت الْحَارِث
الأسْلَمِيَّة، وَتَعْلِيق اللَّيْث وَصله قَاسم بن أصبغ
فِي (مُصَنفه) : عَن الْمطلب بن شُعَيْب عَن عبد الله بن
صَالح عَن اللَّيْث بِتَمَامِهِ.
والْحَدِيث أخرجه أَيْضا فِي الطَّلَاق مُخْتَصرا عَن يحيى
بن بكير عَن اللَّيْث عَن يزِيد بن أبي خبيب. وَأخرجه
مُسلم فِي الطَّلَاق عَن أبي الطَّاهِر بن أبي السَّرْح
وحرملة بن يحيى. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن
سُلَيْمَان بن دَاوُد. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن
يُونُس بن عبد الْأَعْلَى وَعَن كثير بن عبيد. وَأخرجه
ابْن مَاجَه فِيهِ عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.
قَوْله: (يَأْمُرهُ) من الْأَحْوَال الْمقدرَة. قَوْله:
(حِين استفتته) أَي: فِي انْقِضَاء عدَّة الْحَامِل
بِالْوَضْعِ. قَوْله: (يُخبرهُ) ، من الْأَحْوَال
الْمقدرَة أَيْضا. قَوْله: (سعد بن خَوْلَة) بِفَتْح
الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْوَاو وباللام، وَهُوَ من
بني عَامر بن لؤَي من أنفسهم عِنْد بَعضهم، وَعند بَعضهم
هُوَ حَلِيف لَهُم، وَقَالَ ابْن هِشَام: هُوَ من الْيمن
حَلِيف لبني عَامر بن لؤَي، وَقَالَ غَيره: كَانَ من عجم
الْفرس وَكَانَ من مهاجرة الْحَبَشَة الْهِجْرَة
الثَّانِيَة فِي قَول الْوَاقِدِيّ، وَذكر ابْن هِشَام عَن
زِيَاد عَن ابْن إِسْحَاق: أَنه مِمَّن شهد بَدْرًا،
وَكَذَا فِي رِوَايَة البُخَارِيّ. قَوْله: (فِي حجَّة
الْوَدَاع) هَذَا لَا خلاف فِيهِ إلاَّ مَا ذكره
الطَّبَرِيّ مُحَمَّد بن جرير، فَإِنَّهُ قَالَ: توفّي سعد
بن خَوْلَة سنة سبع، وَالصَّحِيح مَا ذكره البُخَارِيّ،
قَوْله: (وَهِي) ، أَي: سبيعة ذَات حمل. قَوْله: (فَلم
تنشب) أَي: فَلم تلبث (أَن وضعت حملهَا بعد وَفَاته) أَي:
وَفَاة سعد بن خَوْلَة، وَقَالَ أَبُو عمر: وضعت بعد
وَفَاة زَوجهَا بِليَال، وَقيل: بِخمْس وَعشْرين لَيْلَة،
وَقيل: بِأَقَلّ من ذَلِك. قَوْله: (فَلَمَّا تعلت)
بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد اللَّام، يُقَال:
تعلت الْمَرْأَة من نفَاسهَا وتعللت: إِذا خرجت مِنْهُ
وطهرت من دَمهَا. قَوْله: (تجملت) أَي: تزينت. قَوْله:
(للخطاب) بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة: جمع خَاطب. قَوْله:
(أَبُو السنابل) بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَالنُّون
وبالباء الْمُوَحدَة وباللام. (ابْن بعك) بِفَتْح الْبَاء
الْمُوَحدَة وَإِسْكَان الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْكَاف
الأولى، وَهُوَ منصرف، واسْمه: عَمْرو قَالَه
الْكرْمَانِي: وَقَالَ أَبُو عمر فِي بَاب الْحَاء فِي
(الِاسْتِيعَاب) : حَبَّة بن بعكك أَبُو السنابل الْقرشِي
العامري وَهُوَ مَشْهُور بكنيته، وحبة بِفَتْح الْحَاء
الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة، وَذكر فِي
بَاب الكنى: أَبُو السنابل بن بعكك بن الْحجَّاج بن
الْحَارِث بن السباق بن عبد الدَّار بن قصي الْقرشِي
الْعَبدَرِي، وَأمه عمْرَة بنت أَوْس من بني عذرة بن هذيم،
قيل: اسْمه حَبَّة بن بعكك من مسلمة الْفَتْح كَانَ
شَاعِرًا وَمَات بِمَكَّة، روى عَنهُ الْأسود بن يزِيد
قصَّته مَعَ سبيعة الأسْلَمِيَّة، قَوْله: (لَعَلَّك
ترجِّين) من الترجية وَفِي رِوَايَة مُسلم: فَقَالَ أَبُو
السنابل: مَالِي أَرَاك متجملة؟ لَعَلَّك ترجين النِّكَاح،
إِنَّك وَالله مَا أَنْت بناكح، أَي: لَيْسَ من شَأْنك
النِّكَاح وَلست من أَهله، يُقَال: امْرَأَة ناكح مثل
حَائِض وَطَالِق، وَلَا يُقَال: ناكحة، إلاَّ إِذا
أَرَادوا بِنَاء الِاسْم لَهَا، فَيُقَال: نكحت فَهِيَ
ناكحة. قَوْله: (إِن بداء لي) أَي: ظهر لي.
وَفِي مُسلم بعد هَذَا: قَالَ ابْن شهَاب: فَلَا أرى
بَأْسا أَن تتَزَوَّج حِين وضعت وَإِن كَانَت فِي دَمهَا،
غير أَنَّهَا لَا يقربهَا زَوجهَا حَتَّى تطهر. قلت:
وَهَذَا قَول أَكثر الصَّحَابَة وَالْفُقَهَاء، وتأولوا
قَوْله تَعَالَى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ
أَرْبَعَة أشهر وَعشرا} (الْبَقَرَة: 234) . فِي الْحَائِل
دون الْحَامِل عملا بِالْآيَةِ الْأُخْرَى، وَهِي:
{وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ}
(الطَّلَاق: 4) . وروى عَن عَليّ وَابْن عَبَّاس، رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهُم: إِنَّهَا تَعْتَد بآخر
الْأَجَليْنِ، وَبِه قَالَ سَحْنُون، حَكَاهُ عَنهُ عبد
الْحق، وَعند أَصْحَابنَا: عدَّة الْحَامِل بِوَضْع الْحمل
سَوَاء كَانَت حرَّة أَو أمة، وَسَوَاء كَانَت الْعدة عَن
طَلَاق أَو وَفَاة أَو غير ذَلِك، لِأَن آيَة الْحمل
مُتَأَخِّرَة فَيكون غَيرهَا مَنْسُوخا بهَا أَو
مَخْصُوصًا.
تابَعَهُ أصْبَغُ عنِ ابنِ وهْبٍ عنْ يُونُسَ
أَي: تَابع اللَّيْث أصبغ بن الْفرج الْمصْرِيّ أحد
مَشَايِخ البُخَارِيّ فِي رِوَايَته الحَدِيث الْمَذْكُور
عَن عبد الله بن وهب عَن يُونُس بن يزِيد، وَهَذِه
الْمُتَابَعَة رَوَاهَا الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق
مُحَمَّد بن عبد الْملك بن رنجويه عَن أصبغ.
وَقَالَ اللَّيْثُ حدَّثني يُونُسُ عنِ ابنِ شِهَابٍ
وسألْنَاهُ فَقال أخبرَنِي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ
الرَّحْمانِ بنِ ثَوْبَانَ مَوْلَى بَنِي عامِرِ بِنِ
لُؤَيٍّ أنَّ مُحَمَّدَ بنَ إيَاسِ بنِ البُكَيْرِ وكانَ
أبُوهُ شَهِدَ بَدْرَاً أخْبَرَهُ
(17/103)
هَذَا أَيْضا تَعْلِيق ذكره عَن اللَّيْث
بن سعد عَن يُونُس بن يزِيد عَن يزِيد عَن مُحَمَّد بن
مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ، وَصله البُخَارِيّ فِي
(تَارِيخه الْكَبِير) قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن صَالح
أخبرنَا اللَّيْث ... فَذكر الحَدِيث الْمَذْكُور
بِتَمَامِهِ، قَوْله: (وسألناه) ، السَّائِل هُوَ ابْن
شهَاب. قَوْله: (فَقَالَ: أَخْبرنِي) ، وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني: حَدثنِي، وَفِي رِوَايَة غَيره: فَقَالَ
حَدثهُ مُحَمَّد بن ثَوْبَان، بِفَتْح الثَّاء
الْمُثَلَّثَة وَسُكُون الْوَاو: العامري ابْن مُحَمَّد بن
إِيَاس، بتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالسين
الْمُهْملَة: ابْن البكير، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة
وَفتح الْكَاف وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، ويروى:
بكير، بِكَسْر الْبَاء وَتَشْديد الْكَاف، وَقَالَ أَبُو
عمر: وَيُقَال ابْن أبي بكير بن عبد ياليل بن ناشب بن
غيرَة بن سعد بن لَيْث اللَّيْثِيّ حَلِيف بني عدي، وأياس
شهد بَدْرًا وأحداً وَالْخَنْدَق والمشاهد كلهَا مَعَ
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ إِسْلَامه
وَإِسْلَام أَخِيه عَامر فِي دَار الأرقم، وَابْنه
مُحَمَّد يروي عَن ابْن عَبَّاس، وَابْن عمر وَأبي
هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، قَوْله: (أخبرهُ)
خبر قَوْله: أَن مُحَمَّد بن أياس، أَي: أخبرهُ بِهَذَا
الحَدِيث أَو بِغَيْرِهِ، لِأَن الْمَقْصُود بَيَان أَنه
شهد بَدْرًا لَا بَيَان أَنه أخبرهُ بِهَذَا، وَلِهَذَا
قَالَ: وَكَانَ أَبوهُ شهد بَدْرًا، وَهِي جملَة
مُعْتَرضَة بَين اسْم إِن وخبرها.
11 - (بابُ شُهُودِ المَلاَئِكَةِ بَدْرَاً)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حُضُور الْمَلَائِكَة غَزْوَة
بدر مَعَ الْمُسلمين نصْرَة لَهُم وعوناً على الْكَافرين.
3992 - حدَّثني إسْحَاقُ بنُ إبْرَاهِيمَ أخْبَرَنَا
جَرِيرٌ عنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ عنْ مُعاذِ بنِ رَفَاعَةَ
ابنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ عنْ أبِيهِ وكانَ أبُوهُ مِنْ
أهْلِ بَدْرٍ قَالَ جاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ مَا تَعُدُّونَ أهْلَ بَدْرٍ
فِيكُمْ قَالَ مِنْ أفْضَلِ الْمُسْلِمِينَ أوْ كَلِمَةً
نَحْوَهَا قَالَ وكذَلِكَ مَنْ شَهِدَ بَدْرَاً مِنَ
المَلاَئِكَةِ. (الحَدِيث 3992 طرفه فِي: 3994) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم
الْمَعْرُوف بِابْن رَاهَوَيْه، وَجَرِير هُوَ ابْن عبد
الحميد، وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ ومعاذ، بِضَم
الْمِيم وبالذال الْمُعْجَمَة ابْن رِفَاعَة، بِكَسْر
الرَّاء وَتَخْفِيف الْفَاء: ابْن رَافع الزرقي، بِضَم
الزَّاي وَفتح الرَّاء وبالقاف: الْأنْصَارِيّ. والْحَدِيث
من أَفْرَاده.
قَوْله: (وَكَانَ أَبوهُ) ، أَي: أَبُو معَاذ هُوَ
رِفَاعَة من أهل بدر، وَقَالَ أَبُو عمر: رِفَاعَة بن
رَافع بن مَالك ابْن العجلان بن عَمْرو بن عَامر بن
زُرَيْق الْأنْصَارِيّ الزرقي، يكنى أَبَا معَاذ، شهد
بَدْرًا بِلَا خلاف وأحداً وَسَائِر الْمشَاهد مَعَ رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَشهد رِفَاعَة مَعَ
عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الْجمل وصفين وَتُوفِّي
فِي أول إِمَارَة مُعَاوِيَة وَأَبوهُ رَافع أحد
النُّقَبَاء الإثني عشر، شهد الْعقبَة مَعَ السّبْعين وَلم
يشْهد بَدْرًا على خلاف فِيهِ. قَوْله: (أَو كلمة
نَحْوهَا) ، شكّ من الرَّاوِي أَي: أَو قَالَ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، كلمة نَحْو. قَوْله: (من أفضل الْمُسلمين)
نَحْو قَوْله: من خِيَار الْمُسلمين، كَمَا جَاءَ فِي
رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ، سَأَلَ جِبْرِيل النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: كَيفَ أهل بدر فِيكُم؟ قَالَ:
خيارنا. قَوْله: (قَالَ: وَكَذَلِكَ) أَي: قَالَ جِبْرِيل،
عَلَيْهِ السَّلَام: من شهد بَدْرًا من الْمَلَائِكَة هم
من أفضلهم أَيْضا، وَفِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ: (قَالَ:
وَكَذَلِكَ من شهد بَدْرًا من الْمَلَائِكَة) .
3993 - حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ حدَّثنا حَمَّادٌ
عنْ يَحْيَى عنْ مُعاذِ بنِ رِفاعَةَ بنِ رَافِعٍ وكانَ
رِفاعَةُ مِنْ أهْلِ بَدْرٍ وكانَ رَافِعٌ مِنْ أهْلِ
العَقَبَةِ فَكانَ يَقُولُ لإبْنِهِ مَا يَسُرُّنِي أنِّي
شَهِدْتُ بَدْرَاً بالْعَقَبَةِ قَالَ سألَ جِبْرِيلُ
النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهَذَا.
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث رِفَاعَة أخرجه عَن
سُلَيْمَان بن حَرْب عَن حَمَّاد بن زيد عَن يحيى بن سعيد
الْأنْصَارِيّ عَن معَاذ ... إِلَى آخِره، وَهَذَا مُرْسل.
قَوْله: (وَكَانَ رَافع من أهل الْعقبَة) ، أَي: الَّتِي
بمنى، وَهُوَ كَانَ أحد السِّتَّة وَأحد الإثني عشر وَأحد
السّبْعين من الْأَنْصَار الَّذين بَايعُوا رَسُول الله،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بمنى قبل الْهِجْرَة. قَوْله:
(مَا يسرني) كلمة: مَا، استفهامية وَفِيه معنى التَّمَنِّي
لشهود بدر، وَيحْتَمل أَن تكون نَافِيَة، وَالْبَاء فِي:
بِالْعقبَةِ، بَاء الْبَدَل أَي: بدل الْعقبَة. قَالَ
الْكرْمَانِي فَإِن قلت: غَزْوَة بدر
(17/104)
أفضل الْمَغَازِي. قلت: لَعَلَّ اجْتِهَاده
أدّى إِلَى أَن بيعَة الْعقبَة لما كَانَت منشأ نصْرَة
الْإِسْلَام وَسبب هِجْرَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، الَّتِي هِيَ سَبَب لقُوته واستعداده للغزوات كلهَا
كَانَت أفضل. قَوْله: (سَأَلَ جِبْرِيل، عَلَيْهِ
السَّلَام، بِهَذَا) أَي: بِمَا تقدم فِي رِوَايَة جرير،
رَحمَه الله.
3994 - حدَّثنا إسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ أخْبرنَا يَزِيدُ
أخْبَرَنا يَزِيدُ أخبرنَا يَحْيى سَمِعَ مُعاذَ بنَ
رِفاعَةَ أنَّ ملَكاً سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم نَحْوَهُ. وعنْ يَحْيَى أنَّ يَزِيدَ بنَ الهَادِ
أخْبَرَهُ أنَّهُ كانَ مَعَهُ يَوْمَ حَدَّثَهُ مُعاذٌ
هَذَا الحَدِيثَ فقالَ يَزِيدُ فَقَالَ مُعاذٌ إنَّ
السَّائِلَ هُوَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ. (انْظُر
الحَدِيث 3992) .
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن
إِسْحَاق بن مَنْصُور أبي يَعْقُوب الْمروزِي عَن يزِيد بن
هَارُون عَن يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، وَهَذَا أَيْضا
ظَاهر الْإِرْسَال.
قَوْله: (أَن ملكا سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم) ، إِنَّمَا قَالَ: أَن ملكا سَأَلَ، مَعَ أَنه
تَابِعِيّ غير صَحَابِيّ على سَبِيل الْإِرْشَاد، أَو على
وَجه الِاعْتِمَاد على الطَّرِيق السَّابِق، والمسؤول بِهِ
هُوَ شُهُود بدر وَذَلِكَ كَانَ قبل وُقُوعه، أَو
أَفضَلِيَّة بدر أَو الْعقبَة، يُقَال: سَأَلته عَنهُ
وَبِه، بِمَعْنى وَاحِد، قَالَ تَعَالَى: {سَأَلَ سَائل
بِعَذَاب وَاقع} (المعارج: 1) . أَي: عَن عَذَاب. قَوْله:
(نَحوه) أَي: نَحْو مَا سَأَلَ جِبْرِيل، عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام، مَعَ أَن معَاذًا بَين فِي آخر
الحَدِيث أَن السَّائِل هُوَ جِبْرِيل، عَلَيْهِ
السَّلَام.
قَوْله: (عَن يحيى) ، هُوَ مُتَّصِل بِمَا قبله، أَي: عَن
يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ الْمَذْكُور (أَن يزِيد بن
الْهَاد) هُوَ يزِيد بن عبد الله بن أُسَامَة بن الْهَاد
اللَّيْثِيّ (أخبرهُ) أَي: أخبر يحيى أَنه كَانَ مَعَ
يزِيد بن الْهَاد. قَوْله: (فَقَالَ يزِيد) أَي: ابْن
الْهَاد (فَقَالَ معَاذ) بن رِفَاعَة (أَن السَّائِل) فِي
قَوْله: (أَن ملكا) هُوَ جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام.
3995 - حدَّثني إبْرَاهِيمُ بنُ مُوساى أخبرَنَا عَبْدُ
الوَهَّابِ حدَّثنَا خَالِدٌ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ
عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّ النَّبِيَّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَوْمَ بَدْر هَذَا جِبْرِيلُ
آخِدٌ بِرَأسِ فرَسِهِ علَيْهِ أدَاةُ الحَرْبِ. (الحَدِيث
3995 طرفه فِي: 4041) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَإِبْرَاهِيم بن مُوسَى
الْفراء الرَّازِيّ، وَعبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد
الثَّقَفِيّ، وخَالِد هُوَ الْحذاء.
والْحَدِيث من أَفْرَاده وَهُوَ من مَرَاسِيل الصَّحَابَة،
وَعَن إِبْنِ إِسْحَاق: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، فِي يَوْم بدر خَفق خفقة ثمَّ انتبه، فَقَالَ: أبشر
يَا أَبَا بكر أَتَاك نصر الله، هَذَا جِبْرِيل آخذ فعنان
فرسه يَقُودهُ على ثناياه الْغُبَار، وَمن مُرْسل عَطِيَّة
بن قيس أخرجه سعيد بن مَنْصُور: أَن جِبْرِيل، عَلَيْهِ
السَّلَام، أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
بَعْدَمَا فرغ من بدر على فرس حَمْرَاء مَعْقُود الناصية
قد عصب الْغُبَار ثنيته عَلَيْهِ درعه، وَقَالَ: يَا
مُحَمَّد! إِن الله بَعَثَنِي إِلَيْك وَأَمرَنِي أَن لَا
أُفَارِقك حَتَّى ترْضى، أفرضيت؟ قَالَ: نعم، وروى
الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق مُحَمَّد بن جُبَير بن مطعم أَنه
سمع عليا، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يَقُول: هبت ريح
شَدِيدَة لم أر مثلهَا ثمَّ هبت ريح شَدِيدَة وَأَظنهُ ذكر
ثَالِثَة، فَكَانَت الأولى جِبْرِيل، وَالثَّانيَِة
مِيكَائِيل، وَالثَّالِثَة إسْرَافيل، عَلَيْهِم
السَّلَام، وَكَانَ مِيكَائِيل عَن يَمِين النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، وفيهَا أَبُو بكر، وإسرافيل عَن
يسَاره وَأَنا فِيهَا، وَمن طَرِيق أبي صَالح عَن عَليّ،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: قيل لي وَلأبي بكر
يَوْم بدر: مَعَ أحد كَمَا جِبْرِيل وَمَعَ الآخر
مِيكَائِيل، وإسرافيل، عَلَيْهِ السَّلَام، ملك عَظِيم
يحضر الصَّفّ وَيشْهد الْقِتَال، وَأخرجه أَحْمد وَأَبُو
يعلى وَصَححهُ الْحَاكِم. فَإِن قلت: مَا الْحِكْمَة فِي
قتال الْمَلَائِكَة مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، مَعَ أَن جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، كَانَ
قَادِرًا على دفع الْكفَّار بريشة من جنَاحه؟ قلت: ليَكُون
لفعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه
وَتَكون الْمَلَائِكَة مدَدا على عَادَة مدد الْجَيْش.
12 - (بابٌ)
أَي: هَذَا بَاب وَهُوَ كالفصل لما قبله لِأَنَّهُ
يتَعَلَّق بِبَيَان من شهد بَدْرًا، وَهَكَذَا وَقع
بِغَيْر تَرْجَمَة فِي رِوَايَة الْجَمِيع.
3996 - حدَّثني خَلِيفَةُ حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ
الله الأنْصَارِيُّ حدَّثنا سَعِيدٌ عنْ قَتادَةَ عنْ
(17/105)
أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ ماتَ
أبُو زَيْدٍ ولَمْ يَتْرُكْ عَقِبَاً وكانَ بَدْرِيَّاً.
خَليفَة هُوَ ابْن خياط، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة
وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف: أَبُو عَمْرو الْحَافِظ
الْعُصْفُرِي الْبَصْرِيّ، مَاتَ سنة سِتّ وَأَرْبَعين
وَمِائَتَيْنِ، وَمُحَمّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ من
كبار مَشَايِخ البُخَارِيّ وَحدث عَنهُ هُنَا بالواسطة،
وَسَعِيد هُوَ ابْن أبي عرُوبَة، وَأَبُو زيد اسْمه قيس بن
السكن الْأنْصَارِيّ أحد الَّذين جمعُوا الْقُرْآن على عهد
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ أحد عمومة
أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَقَالَ أَبُو عمر:
قيس بن السكن بن قيس بن زعور بن حرَام بن جُنْدُب بن عَامر
بن غنم بن عدي بن النجار الْأنْصَارِيّ الخزرجي غلبت
عَلَيْهِ كنيته، وَقَالَ ابْن سعد: يذكرُونَ أَنه مِمَّن
جمع الْقُرْآن على عهد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَكَانَ لَهُ من الْوَلَد زيد وَإِسْحَاق وَخَوْلَة،
وأمهم أم خَوْلَة بنت سُفْيَان بن قيس بن زعور، وَشهد قيس
بن السكن بَدْرًا وأحداً وَالْخَنْدَق والمشاهد كلهَا مَعَ
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقتل يَوْم جسر
أبي عبيد شَهِيدا سنة خمس عشرَة وَلَيْسَ لَهُ عقب، وبخط
الدمياطي بعد هَذَا. أَبُو زيد ثَابت بن زيد بن قيس بن زيد
بن النُّعْمَان بن مَالك الْأَغَر ابْن ثَعْلَبَة بن كَعْب
بن الْخَزْرَج، وَمن ولد أبي زيد: سعيد بن أويس بن ثَابت
بن بشير بن أبي زيد النَّحْوِيّ الْبَصْرِيّ، وَهُوَ أحد
السِّتَّة الَّذِي جمعُوا الْقُرْآن وَهلك فِي خلَافَة عمر
رَضِي الله عَنهُ وَفِي مُعْجم الصَّحَابَة للذهبي أَبُو
زيد أَوْس وَقيل معَاذ الْأنْصَارِيّ الَّذِي جمع
الْقُرْآن وَقَالَ ابْن معِين: اسْمه ثَابت بن زيد، وَهُوَ
وَالِد عُمَيْر اسْتشْهد بالقادسية، قَالَ: وَقيل: قيس
هُوَ ابْن السكن بن قيس الخزرجي النجاري مَشْهُور بكنيته،
وَقَالَ ابْن التِّين: أَبُو زيد هَذَا أحد أعمام زيد بن
ثَابت. قَوْله: (وَلم يتْرك عقباً) والعقب الْوَلَد وَولد
الْوَلَد، وَقَالَ ابْن فَارس: بل الْوَرَثَة كلهم، قَالَ:
وَالْأول أصح.
3997 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ حدَّثنا اللَّيْثُ
قَالَ حدَّثني يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ عنِ القاسِمِ بنِ
مُحَمَّدٍ عنِ ابنِ خَبَّابٍ أنَّ أبَا سَعيدِ بنَ مالِكٍ
الخُدْرِيَّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ
فقَدَّمَ إلَيْهِ أهْلُهُ لَحْمَاً مِنْ لُحُومِ الأضْحَى
فَقَالَ مَا أنَا بآكِلِهِ حتَّى أسْألَ فانْطَلَقَ إِلَى
أخِيهِ لاُِمِّهِ وكانَ بَدْرِيَّاً قَتَادَةَ بنِ
النُّعْمَانِ فسَألَهُ فَقَالَ إنَّهُ حدَثَ بَعْدَكَ
أمْرٌ نَقْضٌ لِمَا كانُوا يُنْهَوْنَ عَنْهُ مِنْ أكْلِ
لُحُومِ الأضْحَى بَعْدَ ثَلاَثَةِ أيَّامٍ. (الحَدِيث
3997 طرفه فِي: 5568) .
الْغَرَض من ذكره هُنَا لقَوْله: (وَكَانَ بَدْرِيًّا) .
وَالقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، وَابْن خباب هُوَ عبد الله ابْن خباب،
بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْبَاء
الْمُوَحدَة الأولى: مولى بني عدي بن النجار
الْأنْصَارِيّ، وَأَبُو سعيد سعد بن مَالك الْخُدْرِيّ،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَفِي الْإِسْنَاد ثَلَاثَة من
التَّابِعين على نسق وَاحِد.
قَوْله: (من لُحُوم الْأَضْحَى) ويروى: الْأَضَاحِي.
قَوْله: (بآكله) على صِيغَة اسْم الْفَاعِل من أكل.
قَوْله: (إِلَى أَخِيه لأمه) وَهِي أنيسَة بنت قيس بن
عَمْرو. قَوْله: (وَكَانَ بَدْرِيًّا) أَي: وَكَانَ
أَخُوهُ لأمه وَهُوَ قَتَادَة مِمَّن شهد غَزْوَة بدر،
قَوْله: (قَتَادَة بن النُّعْمَان) يجوز فِيهِ الرّفْع
وَالنّصب والجر، أما الرّفْع فعلى أَنه خبر لمبتدأ
مَحْذُوف تَقْدِيره: هُوَ قَتَادَة بن النُّعْمَان، وَأما
النصب فعلى أَنه مفعول لفعل مَحْذُوف تَقْدِيره: أَعنِي
قَتَادَة، وَأما الْجَرّ فعلى أَنه بدل من أَخِيه،
وَبَقِيَّة نسب قَتَادَة هُوَ: ابْن النُّعْمَان بن زيد بن
عَامر بن سَواد بن كَعْب، وَكَعب هُوَ ظفر بن الْخَزْرَج
بن عَمْرو بن مَالك بن الْأَوْس الْأنْصَارِيّ الظفري،
يكنى أَبَا عَمْرو وَقيل: أَبَا عمر، وَقيل: أَبَا عبد
الله عَقبي بَدْرِي أحدي وَشهد الْمشَاهد كلهَا
وَأُصِيبَتْ عينه يَوْم بدر، وَقيل: يَوْم الخَنْدَق،
وَقيل: يَوْم أحد وَهُوَ الْأَصَح، فسالت حدقته على وَجهه
فأرادوا قطعهَا ثمَّ أَتَوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَرفع حدقته بِيَدِهِ حَتَّى وَضعهَا موضعهَا ثمَّ
غمزها براحته، وَقَالَ: أللهم اكسه جمالاً، فَمَاتَ
وَإِنَّهَا لأحسن عَيْنَيْهِ وَمَا مَرضت بعد، وَقَالَ
الْهَيْثَم بن عدي، فَأتى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، وعينه فِي يَده، فَقَالَ: مَا هَذِه يَا قَتَادَة؟
قَالَ: هُوَ كَمَا ترى! فَقَالَ: إِن شِئْت صبرت وَلَك
الْجنَّة، وَإِن شِئْت رَددتهَا ودعوت الله تَعَالَى، فَلم
تفقد مِنْهَا شَيْئا، فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِن
الْجنَّة لجزاء جليل وَعَطَاء جميل، وَلَكِنِّي رجل مبتلًى
بحب النِّسَاء وأخاف أَن يقلن: أَعور، فَلَا يردنني،
وَلَكِن تردها وتسأل الله تَعَالَى لي الْجنَّة، فَأَخذهَا
(17/106)
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بِيَدِهِ وأعادها إِلَى مَكَانهَا، فَكَانَت أحسن
عَيْنَيْهِ إِلَى أَن مَاتَ، ودعا لَهُ بِالْجنَّةِ.
وَقَالَ عبد الله بن مُحَمَّد بن عمَارَة: قَالَ: يَا
رَسُول الله إِن عِنْدِي امْرَأَة أحبها وَإِن هِيَ رَأَتْ
عَيْني خشيت أَن تقذرني، فَردهَا رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، بِيَدِهِ فاستوت، وَعَن إِبْنِ إِسْحَاق
من حَدِيث جَابر بن عبد الله، وَقَالَ: أُصِيبَت عين
قَتَادَة بن النُّعْمَان يَوْم أحد وَكَانَ قريب عهد بعرس،
فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأَخذهَا
بِيَدِهِ فَردهَا فَكَانَت أحسن عَيْنَيْهِ وأحدَّهما
نظرا، وَقَالَ أَبُو معشر السندي: قدم رجل من ولد قَتَادَة
بن النُّعْمَان على عمر بن عبد الْعَزِيز، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، فَقَالَ: مِمَّن الرجل؟ فَقَالَ:
(أَنا ابْن الَّذِي سَالَتْ على الخد عينه ... فَردَّتْ
بكف الْمُصْطَفى أحسن الرَّدِّ)
(فَعَادَت لما كَانَت لأوّل أمرهَا ... فيا حسن مَا عين
وَيَا حسن مَا رد)
توفّي قَتَادَة فِي سنة ثَلَاث وَعشْرين، وَصلى عَلَيْهِ
عمر بن الْخطاب وَنزل فِي قَبره أَخُوهُ أَبُو سعيد
الْخُدْرِيّ وَهُوَ ابْن خمس وَسِتِّينَ سنة. قَوْله:
(إِنَّه) أَي: إِن الشَّأْن. قَوْله: (نقض) بِالْقَافِ
وَالضَّاد الْمُعْجَمَة بِمَعْنى: نَاقض. قَوْله: (لما
كَانُوا ينهون عَنهُ) أَي: لما كَانَت الصَّحَابَة ينهون
على صِيغَة الْمَجْهُول من أكل لُحُوم أضاحيهم بعد
ثَلَاثَة أَيَّام، وَاحْتج بِهَذَا الحَدِيث قوم على أَنه
يحرم إمْسَاك لُحُوم الْأَضَاحِي وَالْأكل مِنْهَا بعد
ثَلَاثَة أَيَّام، وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِحَدِيث عَليّ،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: إِن رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، نَهَانَا أَن نَأْكُل من لُحُوم
نسكنا بعد ثَلَاث، وَقَالَ جَمَاهِير الْعلمَاء: يُبَاح
الْأكل والإمساك بعد الثَّلَاث، وَالنَّهْي مَنْسُوخ بقوله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كلوا بعد وَادخرُوا وتزودوا، على
مَا يَجِيء بَيَانه فِي كتاب الْأَضَاحِي مفصلا إِن شَاءَ
الله تَعَالَى.
3998 - حدَّثنا عُبَيْدُ بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا أبُو
أُسَامَةَ عنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ قَالَ
قَالَ الزُّبَيْرُ لَقِيتُ يَوْمَ بَدْرٍ عُبَيْدَةَ بنَ
سَعِيدِ بنِ العَاصِ وهْوَ مُدَجَّجٌ لاَ يُرَى مِنْهُ
إلاَّ عَيْنَاهُ وهْوَ يُكْنَى أبَا ذَاتِ الكَرِش فَقَالَ
أَنا أبُو ذَاتِ الكَرِشِ فحَمَلْتُ عَلَيْهِ بالْعَنَزَةِ
فَطَعَنْتُهُ فِي عَيْنِهِ فَماتَ. قالَ هِشَامٌ
فأُخْبِرْتُ أنَّ الزُّبَيْرَ قَالَ لَقَدْ وضَعْتُ
رِجْلِي علَيْهِ ثُمَّ تَمَطَّأتُ فكانَ الجَهْدُ أنْ
نَزَعْتُهَا وقَدِ انْثَنَى طَرَفَاهَا قَالَ عُرْوَةُ
فَسألَهُ إيَّاهَا رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فأعْطَاهُ فلَمَّا قُبِضَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أخَذَهَا ثُمَّ طَلَبَهَا أبُو بَكْرٍ فأعْطَاهُ
إيَّاهَا فلَمَّا قُبِضَ أبُو بَكْرٍ سألَهُ إيَّاهَا
عُمَرُ فأعْطَاهُ إيَّاهَا فلَمَّا قُبِضَ عُمَرُ أخَذَهَا
ثُمَّ طَلَبَها عُثْمَانُ مِنْهُ فأعْطَاهُ إيَّاهَا
فلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانَ وقَعَتْ عِنْدَ آل عَلِيٍّ
فَطَلَبَهَا عَبْدُ الله بنُ الزُّبَيْرِ فَكانَتْ
عِنْدَهُ حتَّى قُتِلَ.
ذكره هُنَا لأجل قَوْله: (يَوْم بدر) وَعبيد مصغر عبد
واسْمه فِي الأَصْل: عبد الله بن إِسْمَاعِيل أَبُو
مُحَمَّد الْهَبَّاري الْقرشِي الْكُوفِي، وَأَبُو
أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وَالزُّبَيْر هُوَ ابْن
الْعَوام، و: عُبَيْدَة بِضَم الْعين وَفتح الْبَاء
الْمُوَحدَة، وَقيل: بِفَتْح الْعين وَكسر الْمُوَحدَة:
ابْن سعيد بن الْعَاصِ بن أُميَّة ابْن عبد شمس.
قَوْله: (وَهُوَ مدجج) ، بِضَم الْمِيم وَفتح الدَّال
الْمُهْملَة وَكسر الْجِيم الأولى وَفتحهَا على صِيغَة
اسْم الْفَاعِل من: دجج، بِالتَّشْدِيدِ فِي شكته وتدجج
أَي: تغطى بِالسِّلَاحِ فَلَا يظْهر مِنْهُ شَيْء، والمدجج
شاكي السِّلَاح تامه. قَوْله: (أَبُو ذَات الكرش) بِفَتْح
الْكَاف وَكسر الرَّاء، وَهُوَ لذِي الْخُف والظلف وكل
محتر كالمعدة للْإنْسَان، وكرش الرجل أَيْضا عِيَاله،
والكرش أَيْضا: الْجَمَاعَة من النَّاس. قَوْله: (بالعنزة)
، بِفَتْح النُّون وَهِي كالحربة، قَالَه الدَّاودِيّ:
وَقَالَ ابْن فَارس: هِيَ شبه العكاز. قَوْله: (قَالَ
هِشَام) هُوَ ابْن عُرْوَة، وَهُوَ مَوْصُول
بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور. قَوْله: (فَأخْبرت) على
صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (ثمَّ تمطات) وَقَالَ
الدمياطي: الصَّوَاب: تمطيت، وَهُوَ من التمطي، وَهُوَ مد
الْيَدَيْنِ فِي الْمَشْي، وتمطط أَي: تمدد. قَوْله:
(فَكَانَ الْجهد) بِفَتْح الْجِيم وَبِضَمِّهَا. قَوْله:
(أَن نزعتها) ،
(17/107)
بِفَتْح الْهمزَة، وَالضَّمِير فِي:
نزعتها، وَفِي: طرفاها، للعنزة وَمعنى: انثنى انعطف.
قَوْله: (قَالَ عُرْوَة) مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ
الْمَذْكُور. قَوْله: (فَسَأَلَهُ إِيَّاهَا) أَي: سَأَلَ
الزبيرَ العنزةَ رسولُ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (فَأعْطَاهُ) أَي: فَأعْطى الزبير رَسُول الله،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم العنزة عَارِية. قَوْله:
(أَخذهَا) يَعْنِي: أَخذ الزبير العنزة بعد موت رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهَا كَانَت عَارِية.
قَوْله: (ثمَّ طلبَهَا أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ) أَي: ثمَّ طلب العنزة أَبُو بكر من الزبير
فَأعْطَاهُ إِيَّاهَا عَارِية، وَكَذَلِكَ جرى مَعَ عمر
وَعُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. قَوْله:
(عِنْد آل عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) أَي: عِنْد
عَليّ نَفسه، وَلَفْظَة: الْآل، مقحمة، وَبعد عَليّ كَانَت
عِنْد أَوْلَاده ثمَّ طلبَهَا الزبير من أَوْلَاد عَليّ
فَكَانَت عِنْده إِلَى أَن قتل.
47 - حَدثنَا أَبُو الْيَمَان أخبرنَا شُعَيْب عَن
الزُّهْرِيّ قَالَ أَخْبرنِي أَبُو أدريس عَائِذ الله بن
عبد الله أَن عبَادَة بن الصَّامِت وَكَانَ شهد بَدْرًا
أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
قَالَ بايعوني) ذكره هُنَا لاجل قَوْله وَكَانَ شهدر
بَدْرًا وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع والْحَدِيث مر
بِهَذَا الاسناد بِعَيْنِه باتم مِنْهُ فِي كتاب
الْإِيمَان فِي بَاب حَدثنَا أَبُو الْيَمَان
48 - (حَدثنَا يحيى بن بكير حَدثنَا اللَّيْث عَن عقيل عَن
ابْن شهَاب أَخْبرنِي عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة
رَضِي الله عَنْهَا زوج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن أَبَا حُذَيْفَة وَكَانَ مِمَّن
شهد بَدْرًا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - تبنى سالما وأنكحه بنت أَخِيه هِنْد بنت
الْوَلِيد بن عتبَة وَهُوَ مولى لامْرَأَة من الْأَنْصَار
كَمَا تبنى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - زيدا وَكَانَ من تبنى رجلا فِي
الْجَاهِلِيَّة دَعَاهُ النَّاس إِلَيْهِ وَورث من
مِيرَاثه حَتَّى أنزل الله تَعَالَى {ادعوهُمْ
لِآبَائِهِمْ} فَجَاءَت سهلة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَذكر الحَدِيث) ذكره هُنَا لأجل
قَوْله وَكَانَ مِمَّن شهد بَدْرًا وَرِجَاله قد ذكرُوا
غير مرّة والْحَدِيث من إِفْرَاده قَوْله أَن أَبَا
حُذَيْفَة بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الذَّال
الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف يُقَال اسْمه
مهشم بالشين الْمُعْجَمَة وَيُقَال هشيم بِضَم الْهَاء
وَيُقَال هَاشم وَالْأَكْثَر على أَنه هِشَام بن عتبَة بن
ربيعَة بن عبد شمس بن عبد منَاف الْقرشِي كَانَ من فضلاء
الصَّحَابَة من الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين وَهَاجَر
الهجرتين وَصلى الْقبْلَتَيْنِ وَشهد بَدْرًا وأحدا
وَالْخَنْدَق وَالْحُدَيْبِيَة والمشاهد كلهَا وَقتل يَوْم
الْيَمَامَة شَهِيدا وَهُوَ ابْن ثَلَاث أَو أَربع وَخمسين
سنة قَوْله " تبنى سالما " أَي ادّعى أَنه ابْنه وَكَانَ
ذَلِك قبل نزُول قَوْله تَعَالَى {ادعوهُمْ لِآبَائِهِمْ}
وَسَالم كَانَ ابْن معقل بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين
الْمُهْملَة وَكسر الْقَاف وَقيل هُوَ ابْن عبيد مُصَغرًا
وَفِي الِاسْتِيعَاب كَانَ سَالم عبد الثبيتة بِضَم
الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون
الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق
بنت يعار بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف وَالْعين الْمُهْملَة
وَالرَّاء الْأَنْصَارِيَّة زوج أبي حُذَيْفَة فأعتقته
فَانْقَطع إِلَى أبي حُذَيْفَة فَتَبَنَّاهُ قَوْله "
وأنكحه " أَي زوجه بنت أَخِيه هِنْد بنت الْوَلِيد بن
عتبَة وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ
وَقَالا هِنْد بنت الْوَلِيد وَكَذَا سَمَّاهَا الزبير
وَخَالفهُم مَالك فَأخْرجهُ فِي موطئِهِ من طَرِيق
الزُّهْرِيّ أَيْضا عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة وسماها
فَاطِمَة بنت الْوَلِيد وَكَذَا قَالَه أَبُو عمر تقليدا
لمَالِك وَلم يذكر ابْن سعد وَلَا أَبُو عمر فِي
الصَّحَابَة هِنْد بنت الْوَلِيد وَلم يذكر ابْن سعد مرّة
فَاطِمَة بنت الْوَلِيد بل ذكر عَمَّتهَا فَاطِمَة بنت
عتبَة وَأَنَّهَا الَّتِي تزوج بهَا سَالم قَالَ الدمياطي
وَلَا أَظُنهُ صَحِيحا وَقد ذكر ابْن مَنْدَه فِي
الصَّحَابَة عَن أبي بكر بن الْحَارِث عَن فَاطِمَة بنت
الْوَلِيد أَنَّهَا كَانَت بِالشَّام تلبس الثِّيَاب من
ثِيَاب الْخَزّ ثمَّ تأتزر فَقيل لَهَا أما يُغْنِيك هَذَا
عَن الْإِزَار فَقَالَت إِنِّي سَمِعت رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَأْمر بالإزار
وَفِي مُعْجم الذَّهَبِيّ فَاطِمَة بنت الْوَلِيد بن عتبَة
بن ربيعَة زوج سَالم مولى أبي حُذَيْفَة من الْمُهَاجِرَات
تزَوجهَا بعد سَالم الْحَارِث بن هِشَام فِيمَا زعم
إِسْحَاق الْفَروِي وَلَيْسَ بِشَيْء ثمَّ قَالَ فَاطِمَة
بنت الْوَلِيد المخزومية أُخْت خَالِد بَايَعت يَوْم
الْفَتْح وَهِي
(17/108)
زوج ابْن عَمها الْحَارِث بن هِشَام قَوْله
" وَهُوَ مولى لامْرَأَة من الْأَنْصَار " أَي سَالم مولى
لامْرَأَة وَهِي ثبيتة الْمَذْكُورَة آنِفا (فَإِن قلت) قد
مضى فِي فَضَائِل الصَّحَابَة بَاب مَنَاقِب سَالم مولى
أبي حُذَيْفَة وَبَينه وَبَين قَوْله هُنَا تفَاوت (قلت)
النِّسْبَة إِلَى ابْن حُذَيْفَة إِنَّمَا كَانَت
بِأَدْنَى مُلَابسَة فَهُوَ إِطْلَاق مجازي قَوْله " كَمَا
تبنى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
زيد بن حَارِثَة الْكَلْبِيّ " من بني عبدود وَكَانَ عبد
الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
فَأعْتقهُ وتبناه قبل الْوَحْي بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَة
وآخى بَينه وَبَين حَمْزَة بن عبد الْمطلب رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ فِي الْإِسْلَام فَجعل الْفَقِير أَخا
للغني ليعود عَلَيْهِ فَلَمَّا تزوج النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - زَيْنَب بنت جحش الْأَسدي
وَكَانَت تَحت زيد بن حَارِثَة قَالَت الْيَهُود
والمنافقون تزوج مُحَمَّد امْرَأَة ابْنه وَينْهى النَّاس
عَنْهَا فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة أَعنِي قَوْله
{ادعوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أقسط عِنْد الله} قَوْله "
فَجَاءَت سهلة " بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون
الْهَاء بنت سُهَيْل بن عَمْرو العامرية هَاجَرت مَعَ
زَوجهَا أبي حُذَيْفَة بن عتبَة الْمَذْكُور وَلما جَاءَت
سهلة إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- قَالَت يَا رَسُول الله إِنَّا كُنَّا نرى سالما ولدا
وَقد أنزل الله تَعَالَى فِيهِ مَا قد علمت فَقَالَ
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أرضعيه
فأرضعته خمس رَضعَات فَكَانَ بِمَنْزِلَة وَلَدهَا من
الرضَاعَة هَذَا لفظ أبي دَاوُد وَفِي رِوَايَة
النَّسَائِيّ فَجَاءَت سهلة بنت سُهَيْل إِلَى النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ يَا رَسُول
الله إِنِّي لأرى فِي وَجه أبي حُذَيْفَة من دُخُول سَالم
عَليّ قَالَت قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - أرضعيه قلت إِنَّه ذُو لحية فَقَالَ أرضعيه
يذهب مَا فِي وَجه أبي حُذَيْفَة قَالَت وَالله مَا عَرفته
فِي وَجه أبي حُذَيْفَة وَفِي رِوَايَة لَهُ أرضعيه تحرمي
عَلَيْهِ فأرضعته فَذهب الَّذِي فِي نفس أبي حُذَيْفَة
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
49 - (حَدثنَا عَليّ حَدثنَا بشر بن الْمفضل حَدثنَا
خَالِد بن ذكْوَان عَن الرّبيع بنت معوذ قَالَت دخل عَليّ
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - غَدَاة
بني عَليّ فَجَلَسَ على فِرَاشِي كمجلسك مني وجويريات
يضربن بالدف يندبن من قتل من آبائهن يَوْم بدر حَتَّى
قَالَت جَارِيَة وَفينَا نَبِي يعلم مَا فِي غَد فَقَالَ
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا
تقولي هَكَذَا وَقَوْلِي مَا كنت تَقُولِينَ) ذكره هُنَا
أَن كَانَ بطرِيق الاستطراد حَيْثُ فِيهِ ذكر بدر فَلهُ
وَجه مَا وَعلي هُوَ ابْن عبد الله الْمَدِينِيّ وَبشر
بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن الْمفضل بتَشْديد
الضَّاد الْمُعْجَمَة الْمَفْتُوحَة ابْن لَاحق أَبُو
إِسْمَاعِيل الْبَصْرِيّ وخَالِد بن ذكْوَان أَبُو الْحسن
الْمدنِي سكن الْبَصْرَة وَالربيع بِضَم الرَّاء وَفتح
الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الْيَاء آخر الْحُرُوف
الْمُشَدّدَة بنت معوذ بِصِيغَة اسْم الْفَاعِل من التعويذ
بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة ابْن عفراء الْأَنْصَارِيَّة
ومعوذ لَهُ صُحْبَة أَيْضا والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ
أَيْضا فِي النِّكَاح عَن مُسَدّد وَأخرجه أَبُو دَاوُد
فِي الْأَدَب عَن مُسَدّد بِهِ وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي
النِّكَاح عَن حميد بن مسْعدَة عَن بشر بن الْمفضل بِهِ
وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن أبي بكر بن أبي شيبَة قَوْله "
غَدَاة " نصب على الظّرْف مُضَاف إِلَى الْجُمْلَة الَّتِي
بعْدهَا وَهِي قَوْله بني بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة على
صِيغَة الْمَجْهُول وَعلي بتَشْديد الْيَاء وَالْبناء
عبارَة عَن الدُّخُول بِالْمَرْأَةِ قَوْله " كمجلسك "
بِفَتْح اللَّام بِمَعْنى الْجُلُوس وجويريات يضربن جملَة
حَالية قَوْله " بالدف " بِضَم الدَّال وَفتحهَا وَتَشْديد
الْفَاء قَوْله " يندبن " بِفَتْح الْيَاء من النّدب
وَهُوَ ذكر الْمَيِّت بِأَحْسَن أَوْصَافه وَهُوَ مِمَّا
يهيج الشوق إِلَيْهِ والبكاء عَلَيْهِ قَوْله " من قتل "
فِي مَحل النصب على أَنه مفعول يندبن وَفِيه إِبَاحَة ضرب
الدُّف صَبِيحَة الْعرس وَإِبَاحَة سماعهن وَمن يمنعهُ من
الْعلمَاء يَقُول كَانَ هَذَا وَأَمْثَاله فِي ابْتِدَاء
الْإِسْلَام وَفِيه منع نِسْبَة علم الْغَيْب لأحد من
المخلوقين -
3997 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ حدَّثنا اللَّيْثُ
قَالَ حدَّثني يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ عنِ القاسِمِ بنِ
مُحَمَّدٍ عنِ ابنِ خَبَّابٍ أنَّ أبَا سَعيدِ بنَ مالِكٍ
الخُدْرِيَّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ
فقَدَّمَ إلَيْهِ أهْلُهُ لَحْمَاً مِنْ لُحُومِ الأضْحَى
فَقَالَ مَا أنَا بآكِلِهِ حتَّى أسْألَ فانْطَلَقَ إِلَى
أخِيهِ لاُِمِّهِ وكانَ بَدْرِيَّاً قَتَادَةَ بنِ
النُّعْمَانِ فسَألَهُ فَقَالَ إنَّهُ حدَثَ بَعْدَكَ
أمْرٌ نَقْضٌ لِمَا كانُوا يُنْهَوْنَ عَنْهُ مِنْ أكْلِ
لُحُومِ الأضْحَى بَعْدَ ثَلاَثَةِ أيَّامٍ. (الحَدِيث
3997 طرفه فِي: 5568) .
الْغَرَض من ذكره هُنَا لقَوْله: (وَكَانَ بَدْرِيًّا) .
وَالقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، وَابْن خباب هُوَ عبد الله ابْن خباب،
بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْبَاء
الْمُوَحدَة الأولى: مولى بني عدي بن النجار
الْأنْصَارِيّ، وَأَبُو سعيد سعد بن مَالك الْخُدْرِيّ،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَفِي الْإِسْنَاد ثَلَاثَة من
التَّابِعين على نسق وَاحِد.
قَوْله: (من لُحُوم الْأَضْحَى) ويروى: الْأَضَاحِي.
قَوْله: (بآكله) على صِيغَة اسْم الْفَاعِل من أكل.
قَوْله: (إِلَى أَخِيه لأمه) وَهِي أنيسَة بنت قيس بن
عَمْرو. قَوْله: (وَكَانَ بَدْرِيًّا) أَي: وَكَانَ
أَخُوهُ لأمه وَهُوَ قَتَادَة مِمَّن شهد غَزْوَة بدر،
قَوْله: (قَتَادَة بن النُّعْمَان) يجوز فِيهِ الرّفْع
وَالنّصب والجر، أما الرّفْع فعلى أَنه خبر لمبتدأ
مَحْذُوف تَقْدِيره: هُوَ قَتَادَة بن النُّعْمَان، وَأما
النصب فعلى أَنه مفعول لفعل مَحْذُوف تَقْدِيره: أَعنِي
قَتَادَة، وَأما الْجَرّ فعلى أَنه بدل من أَخِيه،
وَبَقِيَّة نسب قَتَادَة هُوَ: ابْن النُّعْمَان بن زيد بن
عَامر بن سَواد بن كَعْب، وَكَعب هُوَ ظفر بن الْخَزْرَج
بن عَمْرو بن مَالك بن الْأَوْس الْأنْصَارِيّ الظفري،
يكنى أَبَا عَمْرو وَقيل: أَبَا عمر، وَقيل: أَبَا عبد
الله عَقبي بَدْرِي أحدي وَشهد الْمشَاهد كلهَا
وَأُصِيبَتْ عينه يَوْم بدر، وَقيل: يَوْم الخَنْدَق،
وَقيل: يَوْم أحد وَهُوَ الْأَصَح، فسالت حدقته على وَجهه
فأرادوا قطعهَا ثمَّ أَتَوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَرفع حدقته بِيَدِهِ حَتَّى وَضعهَا موضعهَا ثمَّ
غمزها براحته، وَقَالَ: أللهم اكسه جمالاً، فَمَاتَ
وَإِنَّهَا لأحسن عَيْنَيْهِ وَمَا مَرضت بعد، وَقَالَ
الْهَيْثَم بن عدي، فَأتى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، وعينه فِي يَده، فَقَالَ: مَا هَذِه يَا قَتَادَة؟
قَالَ: هُوَ كَمَا ترى! فَقَالَ: إِن شِئْت صبرت وَلَك
الْجنَّة، وَإِن شِئْت رَددتهَا ودعوت الله تَعَالَى، فَلم
تفقد مِنْهَا شَيْئا، فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِن
الْجنَّة لجزاء جليل وَعَطَاء جميل، وَلَكِنِّي رجل مبتلًى
بحب النِّسَاء وأخاف أَن يقلن: أَعور، فَلَا يردنني،
وَلَكِن تردها وتسأل الله تَعَالَى لي الْجنَّة، فَأَخذهَا
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَدِهِ وأعادها
إِلَى مَكَانهَا، فَكَانَت أحسن عَيْنَيْهِ إِلَى أَن
مَاتَ، ودعا لَهُ بِالْجنَّةِ. وَقَالَ عبد الله بن
مُحَمَّد بن عمَارَة: قَالَ: يَا رَسُول الله إِن عِنْدِي
امْرَأَة أحبها وَإِن هِيَ رَأَتْ عَيْني خشيت أَن تقذرني،
فَردهَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِيَدِهِ
فاستوت، وَعَن إِبْنِ إِسْحَاق من حَدِيث جَابر بن عبد
الله، وَقَالَ: أُصِيبَت عين قَتَادَة بن النُّعْمَان
يَوْم أحد وَكَانَ قريب عهد بعرس، فَأتى النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، فَأَخذهَا بِيَدِهِ فَردهَا فَكَانَت أحسن
عَيْنَيْهِ وأحدَّهما نظرا، وَقَالَ أَبُو معشر السندي:
قدم رجل من ولد قَتَادَة بن النُّعْمَان على عمر بن عبد
الْعَزِيز، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَقَالَ: مِمَّن
الرجل؟ فَقَالَ:
(أَنا ابْن الَّذِي سَالَتْ على الخد عينه ... فَردَّتْ
بكف الْمُصْطَفى أحسن الرَّدِّ)
(فَعَادَت لما كَانَت لأوّل أمرهَا ... فيا حسن مَا عين
وَيَا حسن مَا رد)
توفّي قَتَادَة فِي سنة ثَلَاث وَعشْرين، وَصلى عَلَيْهِ
عمر بن الْخطاب وَنزل فِي قَبره أَخُوهُ أَبُو سعيد
الْخُدْرِيّ وَهُوَ ابْن خمس وَسِتِّينَ سنة. قَوْله:
(إِنَّه) أَي: إِن الشَّأْن. قَوْله: (نقض) بِالْقَافِ
وَالضَّاد الْمُعْجَمَة بِمَعْنى: نَاقض. قَوْله: (لما
كَانُوا ينهون عَنهُ) أَي: لما كَانَت الصَّحَابَة ينهون
على صِيغَة الْمَجْهُول من أكل لُحُوم أضاحيهم بعد
ثَلَاثَة أَيَّام، وَاحْتج بِهَذَا الحَدِيث قوم على أَنه
يحرم إمْسَاك لُحُوم الْأَضَاحِي وَالْأكل مِنْهَا بعد
ثَلَاثَة أَيَّام، وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِحَدِيث عَليّ،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: إِن رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، نَهَانَا أَن نَأْكُل من لُحُوم
نسكنا بعد ثَلَاث، وَقَالَ جَمَاهِير الْعلمَاء: يُبَاح
الْأكل والإمساك بعد الثَّلَاث، وَالنَّهْي مَنْسُوخ بقوله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كلوا بعد وَادخرُوا وتزودوا، على
مَا يَجِيء بَيَانه فِي كتاب الْأَضَاحِي مفصلا إِن شَاءَ
الله تَعَالَى.
3998 - حدَّثنا عُبَيْدُ بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا أبُو
أُسَامَةَ عنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ قَالَ
قَالَ الزُّبَيْرُ لَقِيتُ يَوْمَ بَدْرٍ عُبَيْدَةَ بنَ
سَعِيدِ بنِ العَاصِ وهْوَ مُدَجَّجٌ لاَ يُرَى مِنْهُ
إلاَّ عَيْنَاهُ وهْوَ يُكْنَى أبَا ذَاتِ الكَرِش فَقَالَ
أَنا أبُو ذَاتِ الكَرِشِ فحَمَلْتُ عَلَيْهِ بالْعَنَزَةِ
فَطَعَنْتُهُ فِي عَيْنِهِ فَماتَ. قالَ هِشَامٌ
فأُخْبِرْتُ أنَّ الزُّبَيْرَ قَالَ لَقَدْ وضَعْتُ
رِجْلِي علَيْهِ ثُمَّ تَمَطَّأتُ فكانَ الجَهْدُ أنْ
نَزَعْتُهَا وقَدِ انْثَنَى طَرَفَاهَا قَالَ عُرْوَةُ
فَسألَهُ إيَّاهَا رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فأعْطَاهُ فلَمَّا قُبِضَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أخَذَهَا ثُمَّ طَلَبَهَا أبُو بَكْرٍ فأعْطَاهُ
إيَّاهَا فلَمَّا قُبِضَ أبُو بَكْرٍ سألَهُ إيَّاهَا
عُمَرُ فأعْطَاهُ إيَّاهَا فلَمَّا قُبِضَ عُمَرُ أخَذَهَا
ثُمَّ طَلَبَها عُثْمَانُ مِنْهُ فأعْطَاهُ إيَّاهَا
فلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانَ وقَعَتْ عِنْدَ آل عَلِيٍّ
فَطَلَبَهَا عَبْدُ الله بنُ الزُّبَيْرِ فَكانَتْ
عِنْدَهُ حتَّى قُتِلَ.
ذكره هُنَا لأجل قَوْله: (يَوْم بدر) وَعبيد مصغر عبد
واسْمه فِي الأَصْل: عبد الله بن إِسْمَاعِيل أَبُو
مُحَمَّد الْهَبَّاري الْقرشِي الْكُوفِي، وَأَبُو
أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وَالزُّبَيْر هُوَ ابْن
الْعَوام، و: عُبَيْدَة بِضَم الْعين وَفتح الْبَاء
الْمُوَحدَة، وَقيل: بِفَتْح الْعين وَكسر الْمُوَحدَة:
ابْن سعيد بن الْعَاصِ بن أُميَّة ابْن عبد شمس.
قَوْله: (وَهُوَ مدجج) ، بِضَم الْمِيم وَفتح الدَّال
الْمُهْملَة وَكسر الْجِيم الأولى وَفتحهَا على صِيغَة
اسْم الْفَاعِل من: دجج، بِالتَّشْدِيدِ فِي شكته وتدجج
أَي: تغطى بِالسِّلَاحِ فَلَا يظْهر مِنْهُ شَيْء، والمدجج
شاكي السِّلَاح تامه. قَوْله: (أَبُو ذَات الكرش) بِفَتْح
الْكَاف وَكسر الرَّاء، وَهُوَ لذِي الْخُف والظلف وكل
محتر كالمعدة للْإنْسَان، وكرش الرجل أَيْضا عِيَاله،
والكرش أَيْضا: الْجَمَاعَة من النَّاس. قَوْله: (بالعنزة)
، بِفَتْح النُّون وَهِي كالحربة، قَالَه الدَّاودِيّ:
وَقَالَ ابْن فَارس: هِيَ شبه العكاز. قَوْله: (قَالَ
هِشَام) هُوَ ابْن عُرْوَة، وَهُوَ مَوْصُول
بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور. قَوْله: (فَأخْبرت) على
صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (ثمَّ تمطات) وَقَالَ
الدمياطي: الصَّوَاب: تمطيت، وَهُوَ من التمطي، وَهُوَ مد
الْيَدَيْنِ فِي الْمَشْي، وتمطط أَي: تمدد. قَوْله:
(فَكَانَ الْجهد) بِفَتْح الْجِيم وَبِضَمِّهَا. قَوْله:
(أَن نزعتها) ، بِفَتْح الْهمزَة، وَالضَّمِير فِي:
نزعتها، وَفِي: طرفاها، للعنزة وَمعنى: انثنى انعطف.
قَوْله: (قَالَ عُرْوَة) مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ
الْمَذْكُور. قَوْله: (فَسَأَلَهُ إِيَّاهَا) أَي: سَأَلَ
الزبيرَ العنزةَ رسولُ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (فَأعْطَاهُ) أَي: فَأعْطى الزبير رَسُول الله،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم العنزة عَارِية. قَوْله:
(أَخذهَا) يَعْنِي: أَخذ الزبير العنزة بعد موت رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهَا كَانَت عَارِية.
قَوْله: (ثمَّ طلبَهَا أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ) أَي: ثمَّ طلب العنزة أَبُو بكر من الزبير
فَأعْطَاهُ إِيَّاهَا عَارِية، وَكَذَلِكَ جرى مَعَ عمر
وَعُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. قَوْله:
(عِنْد آل عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) أَي: عِنْد
عَليّ نَفسه، وَلَفْظَة: الْآل، مقحمة، وَبعد عَليّ كَانَت
عِنْد أَوْلَاده ثمَّ طلبَهَا الزبير من أَوْلَاد عَليّ
فَكَانَت عِنْده إِلَى أَن قتل.
3999 - حدَّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ
الزُّهْرِيِّ قَالَ أخبرَنِي أبُو إدْرِيسَ عائِذُ الله
بنُ عَبْدِ الله أنَّ عُبَادَةَ بنَ الصَّامِتِ وكانَ
شَهِدَ بَدْرَاً أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ بايِعُونِي. .
ذكره هُنَا لأجل قَوْله: (وَكَانَ شهد بَدْرًا) وَأَبُو
الْيَمَان: الحكم بن نَافِع، والْحَدِيث مر بِهَذَا
الْإِسْنَاد بِعَيْنِه بأتم مِنْهُ فِي كتاب الْإِيمَان
فِي: بَاب حَدثنَا أَبُو الْيَمَان.
4002 - حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ مُوساى أخبرَنا هِشامٌ عنْ
مَعْمَرٍ عنِ الزُّهْرِيِّ ح.
وحدَّثَنا إسْمَاعِيلُ قَالَ حدَّثنِي أخِي عنْ
سُلَيْمَانَ عنْ مُحَمَّدٍ بنِ أبِي عَتِيقٍ عنِ ابنِ
شِهَابٍ عنْ عُبَيْدِ الله بنَ عَبْدِ الله ابنِ عُتْبَةَ
بنَ مَسْعُودٍ أنَّ ابنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى
عنهُما قَالَ أخْبَرَنِي أبُو طَلْحَةَ رَضِي الله
تَعَالَى عنهُ صاحِبُ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وكانَ قَدْ شَهِدَ بَدْرَاً مَعَ رَسُولِ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أنَّهُ
(17/109)
قَالَ لاَ تَدْخُلُ المَلاَئِكَةُ بَيْتَاً
فِيهِ كَلْبٌ لاَ صُورَةٌ يُرِيدُ التَّمَاثِيلَ الَّتِي
فِيهَا الأرْوَاحُ. .
ذكره هُنَا لأجل قَوْله: (وَكَانَ قد شهد بَدْرًا) أخرجه
من طَرِيقين: الأول: عَن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى الْفراء
الرَّازِيّ عَن هِشَام بن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ عَن معمر،
بِفَتْح الميمين: ابْن رَاشد عَن مُحَمَّد بن مُسلم
الزُّهْرِيّ. وَالثَّانِي: عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس
الْمدنِي عَن أخي هـ عبد الحميد عَن سُلَيْمَان بن بِلَال
عَن مُحَمَّد بن أبي عَتيق، بِفَتْح الْعين: سبط الصّديق
عَن ابْن شهَاب الزُّهْرِيّ، وَقد مضى الحَدِيث فِي بَدْء
الْخلق، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (يُرِيد) ، هُوَ من قَول ابْن عَبَّاس، قَالَه
الْقَابِسِيّ وَجزم بِهِ ابْن التِّين تَفْسِيرا لَهُ
وتخصيصاً لعمومه، والتماثيل جمع: تِمْثَال، وَهُوَ
الصُّورَة.
4003 - حدَّثنا عَبْدَانُ أخبرَنَا عبْدُ الله أخبرَنَا
يونُسُ ح وحدَّثنا أحْمَدُ بنُ صَالِحٍ حدَّثنا عَنْبَسَةُ
حدَّثَنَا يُونُسُ عنِ الزُّهْرِيِّ أخبرَنا علِيُّ بنُ
حُسَيْنٍ أنَّ حُسَيْنَ بنَ عليٍّ علَيْهِمُ السَّلاَمُ
أخْبَرَهُ أنَّ عَلِيَّاً قَالَ كانَتْ لِي شارِفٌ مِنْ
نَصِيبي مِنَ المَغْنَمِ يَوْمَ بَدْرٍ وكانَ النَّبِيُّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْطَانِي مِمَّا أفَاءَ الله
علَيْهِ مِنَ الخُمُسِ يَوْمَئِذٍ فلَمَّا أرَدْتُ أنْ
أبْتَنِيَ بِفَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلامُ بِنْتِ
النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاعَدْتُ رَجُلاً
صَوَّاغَاً فِي بَنِي قَيْنُقَاع أنْ يَرْتَحِلَ مَعِي
فَنَأتِيَ بإذْخِر فأرَدْتُ أنْ أبِيعَهُ مِن
الصَّوَّاغِينَ فنَسْتَعِينَ بِهِ فِي ولِيمَةِ عُرْسِي
فبَيْنَا أنَا أجْمَعُ لِشَارِفَيَّ مِنَ الأقْتَابِ
والْغَرَائِرِ والْحِبَالِ وَشَارِفَايَ مُنَاخَانِ إِلَى
جَنْبِ حُجْرَةِ رَجُلٍ مِنَ الأنْصَارِ حتَّى جَمَعْتُ
مَا جَمَعْتُهُ فإذَا أنَا بِشَارِفَيَّ قَدْ أُجِبَّتْ
أسْنِمَتُهُمَا وَبُقِرَتْ خَوَاصِرُهُمَا وأُخِذَ مِنْ
أكْبَادِهِمَا فلَمْ أمْلِكَ عَيْنَيَّ حِينَ رأيْتُ
المَنْظَرَ قُلْتُ منْ فعَلَ هاذَا قالُوا فعَلَهُ
حَمْزَةُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ وهْوَ فِي هاذَا البَيْتِ
فِي شَرْبٍ مِنَ الأنْصَارِ عِنْدَهُ قَيْنَةٌ وأصْحَابُهُ
فقَالَتْ فِي غِنَائِهَا ألاَ يَا حَمْزَ للشُّرُفِ
النِّوَاءِ فوَثَبَ حَمْزَةُ إلَى السَّيْفِ فأجَبَّ
أسْنِمَتَهُمَا وبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا وأخَذَ مِنْ
أكْبَادِهِمَا قالَ عَلِيٌّ فانْطَلَقْتُ حَتَّى أدْخُلَ
علَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعِنْدَهُ زَيْدُ
بنُ حَارِثَةَ وعَرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الَّذِي لَقِيتُ فَقَالَ مالَكَ قُلْتُ يَا رَسُولَ الله
مَا رأيْتُ كالْيَوْمِ عدَا حَمْزَةُ علَى ناقَتَيَّ
فأجَبَّ أسْنِمَتَهُمَا وبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا وَهَا هُوَ
ذَا فِي بَيْت معَهُ شَرْبٌ فدَعَا النَّبِيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بِرِدَائِهِ فارْتَدَى ثُمَّ انْطَلَقَ
يَمْشِي واتَّبَعْتُهُ أنَا وزَيْدُ ابنُ حارِثَةَ حَتَّى
جاءَ البَيتَ الَّذِي فِيهِ حَمْزَةُ فاسْتأذَنَ عَلَيْهِ
فأُذِنَ لَهُ فَطَفِقَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَلُومُ حَمْزَةَ فِيمَا فعَلَ فإذَا حَمْزَةُ ثَمِلٌ
مُحْمَرَّةٌ عَيْنَاهُ فنَظَرَ حَمْزَةُ إلَى النَّبِيِّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فنَظَرَ
إلَى رُكْبَتِهِ ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فنَظَرَ إلَى
وَجْهِهِ ثُمَّ قالَ حَمْزَةُ وهَلْ أنْتُمْ إلاَّ عَبِيدٌ
لأِبِي فَعَرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أنَّهُ ثَمِلٌ فنَكَصَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم علَى عَقِبَيْهِ القَهْقَرَى فخَرَجَ وخَرَجْنَا
مَعَهُ. .
ذكره هُنَا لقَوْله: (من الْمغنم يَوْم بدر) وَأخرجه من
طَرِيقين: الأول: عَن عَبْدَانِ هُوَ عبد الله بن عُثْمَان
الْمروزِي عَن عبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي عَن
يُونُس بن يزِيد الايلي. وَالثَّانِي: عَن أَحْمد بن صَالح
بن أبي جَعْفَر الْمصْرِيّ عَن عَنْبَسَة، بِفَتْح الْعين
الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة
وبالسين الْمُهْملَة: ابْن خَالِد ابْن أخي يُونُس بن
يزِيد الْمَذْكُور عَن عَمه يُونُس عَن مُحَمَّد بن مُسلم
(17/110)
الزُّهْرِيّ عَن عَليّ بن حُسَيْن بن عَليّ
عَن أَبِيه حُسَيْن بن عَليّ عَن أَبِيه عَليّ بن أبي
طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
والْحَدِيث مضى فِي: بَاب فرض الْخمس فَإِنَّهُ أخرجه
هُنَاكَ.
قَوْله: (شَارف) ، وَهِي المسنة من النوق. (والغرائر) ،
جمع الغرارة وَهِي وعَاء للتبن وَنَحْوه وَهُوَ مُعرب.
قَوْله: (أجبْت) ، على صِيغَة الْمَجْهُول من الْجب وَهُوَ
الْقطع، ويروى: جبت، قيل: هَذَا هُوَ الصَّوَاب. قَوْله:
(حمز) ، مرخم بِحَذْف التَّاء (وَالشرب) بِفَتْح الشين
الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء: جمع شَارِب كتجر جمع
تَاجر. قَوْله: (والشرف) جمع شَارف (والنواء) بِالْكَسْرِ
جمع الناوية وَهِي السمينة، (والثمل) بِفَتْح الثَّاء
الْمُثَلَّثَة وَكسر الْمِيم: السَّكْرَان.
4004 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ عَبَّادٍ أخبرَنَا ابنُ
عُيَيْنَةَ قَالَ أنْفَذَهُ لَنَا ابنُ الأصْبَهَانِيِّ
سَمِعَهُ مِنِ ابنِ مَعْقِلٍ أنَّ عَلِيَّاً رَضِي الله
تَعَالَى عنهُ كَبَّرَ علَى سَهْلِ بنِ حُنَيْفٍ فَقالَ
إنَّهُ شَهِدَ بَدْرَاً.
ذكره هُنَا لقَوْله: (إِنَّه شهد بَدْرًا) ، وَمُحَمّد بن
عباد، بِفَتْح الْعين وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة:
أَبُو عبد الله الْمَكِّيّ نزيل بَغْدَاد ثِقَة مَشْهُور
مَاتَ بِبَغْدَاد سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ
وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث،
وَابْن عُيَيْنَة هُوَ سُفْيَان، وَابْن الْأَصْبَهَانِيّ
هُوَ عبد الرَّحْمَن بن عبد الله الْكُوفِي، وَابْن معقل
هُوَ عبد الله بن معقل، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين
الْمُهْملَة وَكسر الْقَاف: الْمُزنِيّ، لِأَبِيهِ
صُحْبَة، وَسَهل بن حنيف، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح
النُّون وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره فَاء:
ابْن واهب بن العكيم بن ثَعْلَبَة أَبُو عبد الله، وَقيل:
أَبُو الْوَلِيد، وَقيل: أَبُو ثَابت، مَاتَ بِالْكُوفَةِ
سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ، وَصلى عَلَيْهِ عَليّ بن أبي
طَالب وَكبر عَلَيْهِ سِتا، قَالَه أَبُو عمر
وَالْبَغوِيّ، وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو ذَر: كبر عَلَيْهِ
خمْسا.
قَوْله: (أنفذه لنا) أَي: بلغ بِهِ منتهاه من الرِّوَايَة
كَقَوْلِك: أنفذت السهْم، أَي: رميت بِهِ فَأَصَبْت،
وَقيل: المُرَاد بِهِ أَنه أرْسلهُ فَكَأَنَّهُ حمله عَنهُ
مُكَاتبَة.
4005 - حدَّثنا أبُو اليَمَانِ أخْبرَنَا شُعَيْبٌ عنِ
الزُّهْرِيِّ قَالَ أخبرَنِي سالِمُ بنُ عَبْدِ الله
أنَّهُ سَمِعَ عبْدَالله بنَ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى
عنهُما يُحَدِّثُ أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ حِينَ
تأيَّمَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ مِنْ خُنَيْسِ بنِ
حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ وكانَ مِنْ أصْحَابِ رسُولِ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قدْ شَهِدَ بَدْرَاً تُوُفِّيَ
بالمَدِينَةِ: قَالَ عُمَرُ فَلَقَيْتُ عُثْمَانَ بنَ
عَفَّانَ فعَرَضْتُ علَيْهِ حَفْصَةَ فقُلْتُ إنْ شِئْتَ
أنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ قَالَ سأنْظُرُ فِي
أمْرِي فلَبِثْتُ لَياليَ فقالَ قَدْ بَدَا لِي أنْ لاَ
أتَزَوِّجَ يَوْمِي هاذَا قَالَ عُمَرُ فلَقِيتُ أبَا
بَكْرٍ فَقُلْتُ إنْ شِئْتَ أنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ
عُمَرَ فَصَمَتَ أبُو بَكْرٍ فلَمْ يَرْجِعْ إلَيَّ
شَيْئاً فَكُنْتُ عَلَيْهِ أوْجَدَ مِنِّي علَى عُثْمَانَ
فلَبِثْتُ لَيالِيَ ثُمَّ خَطَبَهَا رسُولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فأنْكَحْتُهَا إيَّاهُ فلَقِيَنِي أبُو
بَكْرٍ فَقالَ لَعَلَّكَ وجَدْتَ عَلَيَّ حِينَ عَرَضْتَ
علَيَّ حَفْصَةَ فلَمْ أرْجِعْ إلَيْكَ قُلْتُ نَعَمْ
قَالَ فإنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أنْ أرْجِعَ إلَيْكَ فِيما
عَرَضْتَ إلاَّ أنِّي قَدْ عَلِمْتُ أنَّ رَسُولَ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَدْ ذَكَرَهَا فلَمْ أكُنْ
لاُِفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ولَوْ تَرَكَهَا لَقَبِلْتُهَا. .
ذكره هُنَا لأجل قَوْله: (قد شهد بَدْرًا) . وَرِجَاله قد
ذكرُوا عَن قريب.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي النِّكَاح عَن
عبد الْعَزِيز ابْن عبد الله وَعَن عبد الله بن مُحَمَّد.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي النِّكَاح عَن إِسْحَاق بن
إِبْرَاهِيم وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله المَخْزُومِي.
قَوْله: (حِين تأيمت) يُقَال تأيمت الْمَرْأَة وآمت إِذا
قَامَت لتتزوج، والأيم الَّتِي لَا زوج لَهَا، بكرا كَانَت
أَو ثَيِّبًا، مُطلقَة كَانَت أَو متوفى عَنْهَا زَوجهَا.
قَوْله: (من خُنَيْس) ، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح
النُّون وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالسين
الْمُهْملَة: ابْن حذافة، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة
وَتَخْفِيف الذَّال الْمُعْجَمَة وبالفاء: ابْن قيس بن عدي
بن سعد بن سهم الْقرشِي السَّهْمِي، وَكَانَ من
الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين، شهد بَدْرًا بعد هجرته إِلَى
أَرض الْحَبَشَة، ثمَّ شهد أحدا ونالته ثمَّة جِرَاحَة
مَاتَ مِنْهَا بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ أَخُو عبد الله بن
حذافة. قَوْله:
(17/111)
(أوجد مني عَلَيْهِ) أَي: أَشد غَضبا،
وَهُوَ من الموجدة يُقَال: وجد عَلَيْهِ، إِذا غضب،
وَإِنَّمَا قَالَ عمر ذَلِك لِأَن لكل مِنْهُمَا كَانَ
للْآخر من مزِيد الْمحبَّة، فَلذَلِك كَانَ غَضَبه من أبي
بكر أَشد من غَضَبه من عُثْمَان.
4007 - حدَّثنا أَبُو الْيَمَان أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ
الزُّهْرِيِّ سَمِعْتُ عُرْوَةَ بنَ الزُّبَيْرِ يُحَدِّثُ
عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيزِ فِي إمَارَتِهِ أخَّرَ
المُغِيرَةُ بنُ شُعْبَةَ العَصْرَ وهْوَ أمِيرُ الكُوفَةِ
فدَخَلَ أبُو مَسْعُودٍ عُقْبَةُ بنُ عَمْرٍ
والأنْصَارِيُّ جَدُّ زَيْدٍ بنِ حسَنٍ شَهِدَ بَدْرَاً
فَقَالَ لَقَدْ عَلِمْتُ نَزَلَ جِبْرِيلُ فصَلَّى فصَلَّى
رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَمْسَ صَلَوَاتٍ
ثُمَّ قالَ هاكذَا أمِرْتُ كَذَلِكَ كانَ بَشِيرُ بنُ أبِي
مَسْعُودٍ يُحَدِّثُ عنْ أبِيهِ. (انْظُر الحَدِيث 521
وطرفه) .
ذكره هُنَا لأجل قَوْله شهد بدر قَوْله: (جد زيد بن حسن) .
هُوَ ابْن عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
أَبُو أمه، وَأمه أم بشير بنت أبي مَسْعُود، تزَوجهَا سعيد
بن زيد بن عمر بن نفَيْل فَولدت لَهُ، ثمَّ خلف عَلَيْهَا
الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب فَولدت لَهُ زيدا، ثمَّ خلف
عَلَيْهَا عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن أبي ربيعَة
المَخْزُومِي فَولدت لَهُ عمرا. قَوْله: (شهد بَدْرًا)
هَذَا إِخْبَار عَن حَقِيقَة شُهُوده غَزْوَة بدر،
فَلذَلِك جزم بِهِ البُخَارِيّ حَيْثُ ذكره أَولا فِي
الحَدِيث السَّابِق بقوله: البدري، بالتوصيف وَذكره هُنَا
بالإخبار على وَجه الْجَزْم. قَوْله: (لقد علمت) بِلَفْظ
الْخطاب، وَهَكَذَا لفظ: أمرت، وَلكنه على صِيغَة
الْمَجْهُول. قَوْله: (كَذَلِك) إِلَى آخِره، كَلَام
عُرْوَة، وَفِيه نوع من الْإِرْسَال. قَوْله: (بشير) ،
بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الشين الْمُعْجَمَة:
هُوَ ابْن أبي مَسْعُود الْمَذْكُور، وَقد مر الحَدِيث
الْمَذْكُور فِي أول كتاب مَوَاقِيت الصَّلَاة، فَإِنَّهُ
أخرجه هُنَاكَ مطولا عَن عبد الله بن مسلمة عَن مَالك،
وَمر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.
4008 - حدَّثنا مُوساى حدَّثنا أبُو عَوَانَةَ عنِ
الأعْمَشِ عنْ إبْرَاهِيمَ عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ
يَزِيدَ عنْ عَلْقَمَةَ عنْ أبِي مَسْعُودٍ البَدْرِيِّ
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ رسُولُ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم الآيَتانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ
البَقَرَةِ مَنْ قَرَأهُمَا فِي لَيْلَةٍ كفَتاهُ قَالَ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ فلَقِيتُ أبَا مَسْعُودٍ وهْوَ يَطُوفُ
بالْبَيْتِ فسَألْتُهُ فحَدَّثَنِيهِ. .
ذكره هُنَا لأجل قَوْله: (البدري) ومُوسَى هُوَ ابْن
إِسْمَاعِيل التَّبُوذَكِي، وَأَبُو عوَانَة، بِفَتْح
الْعين الْمُهْملَة: اسْمه الوضاح الْيَشْكُرِي،
وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان، وَإِبْرَاهِيم هُوَ
النَّخعِيّ، وَفِيه أَرْبَعَة من التَّابِعين على نسق
وَاحِد.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي
(17/112)
فَضَائِل الْقُرْآن عَن عَليّ بن عبد الله
وَعَن عمر بن حَفْص عَن مُحَمَّد بن كثير عَن أبي نعيم،
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن منْجَاب ابْن الْحَارِث
وَعَن عَليّ بن حشرم وَعَن جمَاعَة آخَرين. وَأخرجه أَبُو
دَاوُد فِيهِ عَن حَفْص بن عمر. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي
فَضَائِل الْقُرْآن عَن أَحْمد بن منيع، وَأخرجه
النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عَليّ بن حشرم. وَعَن آخَرين.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الصَّلَاة عَن عُثْمَان بن أبي
شيبَة وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير.
قَوْله: الْآيَتَانِ هما: {آمن الرَّسُول} (الْبَقَرَة:
285) . إِلَى آخِره، قيل: أقل مَا يَكْفِي فِي قيام
اللَّيْل آيتان، لهَذَا الحَدِيث، يُرِيد مَعَ أم
الْقُرْآن، وَقيل: أَقَله ثَلَاث آيَات، لِأَنَّهُ لَيْسَ
سُورَة أقل من ذَلِك.) قَوْله: (كفتاه) أَي: أغنتاه عَن
قيام اللَّيْل، وَقيل: أقل مَا يجزىء من الْقُرْآن فِي
قيام اللَّيْل، وَقيل: يكفيان الشَّرّ ويقيان من
الْمَكْرُوه. قَوْله: (وَهُوَ يطوف) ، جملَة حَالية.
قَوْله: (فَحَدَّثَنِيهِ) ، أَي: بِالْحَدِيثِ
الْمَذْكُور.
وَفِيه: الحَدِيث فِي الطّواف، وَتَعْلِيم الْعلم
وَالسُّؤَال عَنهُ، وَمَا خف من الحَدِيث فَهُوَ جَائِز
فِيهِ.
4009 - حدَّثنا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حدَّثنا اللَّيْثُ
عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ أخبرَنِي مَحْمُودُ بنُ
الرَّبِيعِ أنَّ عِتْبانَ بنَ مالِكٍ وكانَ مِنْ أصْحَابِ
النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِمَّنْ شَهِدَ
بَدْرَاً مِنَ الأنْصَارِ أنَّهُ أتَى رسُولَ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم. .
ذكره هُنَا لأجل قَوْله: (مِمَّن شهد بَدْرًا) وَلِهَذَا
لم يذكر بَقِيَّة الحَدِيث، ومحمود بن الرّبيع أَبُو
مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ الْحَارِثِيّ، وَيُقَال: أَبُو
نعيم، عقل مجة مجها رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فِي وَجهه من دلو كَانَ فِي دَارهم وَهُوَ ابْن خمس
سِنِين، وَقَالَ أَبُو عمر: مَعْدُود فِي أهل الْمَدِينَة،
وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر: مَاتَ سنة تسع
وَتِسْعين وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَتِسْعين، وعتبان، بِكَسْر
الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق
وبالباء الْمُوَحدَة وبالنون: ابْن مَالك بن عَمْرو بن
العجلان بن زيد بن غنم بن سَالم الخزرجي السالمي، توفّي
زمن مُعَاوِيَة.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الصَّلَاة فِي بَاب الْمَسَاجِد
فِي الْبيُوت، وَفِي: بَاب صَلَاة النَّوَافِل جمَاعَة،
مطولا.
4011 - حدَّثنا أبُو اليَمَانِ أخبَرَنا شُعَيْبٌ عنِ
الزُّهْرِيِّ قَالَ أخْبَرَنِي عبْدُ الله بنُ عامِرِ بنِ
رَبِيعَةَ وكانَ مِنْ أكْبَرِ بَنِي عَدِيٍّ وكانَ أبُوهُ
شَهِدَ بَدْرَاً معَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أنَّ عُمَرَ اسْتَعْمَلَ قُدَامَةَ ابنَ مَظْعُونٍ علَى
البَحْرَيْنِ وكانَ شَهِدَ بَدْرَاً وهْوَ خالُ عَبْدِ
الله بنِ عُمَرَ وحَفْصَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُم.
ذكره هُنَا لأجل قَوْله: (شهد بَدْرًا) فِي
الْمَوْضِعَيْنِ. وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع،
وَعبد الله بن عَامر بن ربيعَة بن كَعْب بن مَالك بن
ربيعَة بن عَامر بن سعد بن الْحَارِث بن رفيدة بن عنز بن
وَائِل بن قاسط بن قصي، حَالف عَامر الْخطاب بن نفَيْل
ثمَّ تبناه، وَأسلم قبل دُخُول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، دَار الأرقم، وَهَاجَر إِلَى الْحَبَشَة مَعَ
امْرَأَته ليلى بنت أبي حثْمَة العدوية، ثمَّ هَاجر إِلَى
الْمَدِينَة وَشهد بَدْرًا وَسَائِر الْمشَاهد، وَتُوفِّي
سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ، وَقيل: سنة ثِنْتَيْنِ وَقيل:
سنة خمس وَثَلَاثِينَ، بعد قتل
(17/113)
عُثْمَان بأيام، روى عَنهُ جمَاعَة من
الصَّحَابَة مِنْهُم: ابْن عمر وَابْن الزبير، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُم، وَابْنه عبد الله الرَّاوِي عَنهُ
الزُّهْرِيّ، ولد على عهد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، قيل: سنة سِتّ من الْهِجْرَة، وَحفظ: عَنهُ وَهُوَ
صَغِير، وَتوفى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
وَهُوَ ابْن أَربع سِنِين أَو خمس سِنِين، وَتُوفِّي سنة
خمس وَثَمَانِينَ، وَله أَخ آخر يُسمى عبد الله أَيْضا،
وَله صُحْبَة أَيْضا صحب هُوَ وَأَبوهُ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وَاسْتشْهدَ يَوْم الطَّائِف مَعَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (وَكَانَ من أكبر بني عدي) ، أَي: وَكَانَ عبد
الله بن عَامر من أكبر بني عدي، بِفَتْح الْعين وَكسر
الدَّال الْمُهْمَلَتَيْنِ وَتَشْديد الْيَاء: ابْن كَعْب
ابْن لؤَي، وَلم يكن مِنْهُم، وَإِنَّمَا كَانَ حليفاً
لَهُم، وَوَصفه بِكَوْنِهِ أكبرهم بِالنِّسْبَةِ لمن لقِيه
الزُّهْرِيّ مِنْهُم. قَوْله: (قدامَة) ، بِضَم الْقَاف
ابْن مَظْعُون، بِسُكُون الظَّاء الْمُعْجَمَة: ابْن حبيب
بن وهب بن حذافة بن جمح الْقرشِي الجُمَحِي، يكنى أَبَا
عَمْرو، قيل: أَبَا عَمْرو الأول أشهر، هَاجر إِلَى أَرض
الْحَبَشَة مَعَ أَخَوَيْهِ، عُثْمَان وَعبد الله ابْني
مَظْعُون، شهد بَدْرًا وَسَائِر الْمشَاهد، اسْتَعْملهُ
عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على
الْبَحْرين ثمَّ عَزله وَولى عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ،
وَكَانَ سَبَب عَزله إِيَّاه أَنه أخبر أَنه شرب مُسكرا،
فَلَمَّا ثَبت عِنْده حَده، وَغَضب على قدامَة ثمَّ رأى
عمر فِي مَنَامه أَنه قيل لَهُ: صَالح قدامَة فَإِنَّهُ
أَخُوك، فَاسْتَيْقَظَ فَقَالَ: عَليّ بِهِ فَأبى، فَأخْبر
فَقَالَ: جروه فَأتي بِهِ فَجعل عمر يسْتَغْفر لَهُ
فاصطلحا. قَوْله: (وَهُوَ) ، أَي: قدامَة الْمَذْكُور خَال
عبد الله بن عمر بن الْخطاب وَحَفْصَة بنت عمر بن الْخطاب،
وَكَانَت صَفِيَّة بنت الْخطاب أُخْت عمر بن الْخطاب
زَوْجَة قدامَة وَأم عبد الله وَحَفْصَة زَيْنَب بنت
مَظْعُون أُخْت عُثْمَان بن مَظْعُون وأخيه قدامَة بن
مَظْعُون.
4013 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدِ بنِ أسْمَاءَ
حدَّثنا جُوَيْرِيَةُ عنْ مالِكٍ عنِ الزُّهْرِيِّ أنَّ
سالِمَ ابنَ عَبْدِ الله أخْبَرَهُ قَالَ أخْبَرَ رافِعُ
بنُ خَدِيجٍ عَبْدَ الله بنَ عُمَرَ أنَّ عَمَّيْهِ وكانَا
شَهِدَا بَدْرَاً أخْبَرَاهُ أنَّ رسُولَ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم نَهَى عنْ كِرَاءِ المَزَارِعِ قُلْتُ
لِسَالِمٍ فَتْكْرِيهَا أنْتَ قَالَ نَعَمْ إنَّ رافِعَاً
أكْثَرَ عَلَى نَفْسِهِ. (انْظُر الحَدِيث 2339 وطرفه)
(وَانْظُر الحَدِيث 2347) .
ذكره هُنَا لأجل قَوْله: (وَكَانَا شَهدا بَدْرًا) وَعبد
الله بن مُحَمَّد بن أَسمَاء بن عبيد الضبعِي الْبَصْرِيّ،
وَهُوَ يروي عَن عَمه جوَيْرِية ابْن أَسمَاء، وَهُوَ من
مَشَايِخ مُسلم أَيْضا، وَهُوَ يروي عَن مَالك بن أنس عَن
مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ.
قَوْله: (أخبر) ، فعل مَاض من الْإِخْبَار. وَقَوله:
(رَافع بن خديج) بِالرَّفْع فَاعله و (عبد الله بن عمر)
بِالنّصب مَفْعُوله، وَوَقع فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي:
أَخْبرنِي رَافع قيل: هُوَ خطأ، وخديج، بِفَتْح الْخَاء
الْمُعْجَمَة وَكسر الدَّال الْمُهْملَة وبالجيم: ابْن
رَافع بن عدي بن زيد الْأنْصَارِيّ الْحَارِثِيّ الخزرجي.
قَوْله: (أَن عميه) تَثْنِيَة عَم وهما: ظهير مصغر ظهر
ومظهر ابْنا رَافع بن عدي بن زيد، وَشهد ظهير الْعقبَة
الثَّانِيَة، وَقتل مظهر بِخَيْبَر زمن عمر بن الْخطاب،
قَتله غلْمَان لَهُ، فَأجلى عمر أهل خَيْبَر من أجل ذَلِك
لِأَنَّهُ كَانَ يَأْمُرهُم، وَقَالَ الدمياطي: لم يشْهد
بَدْرًا، إِنَّمَا شهد أحدا، قيل: أَنه اعْتمد فِي ذَلِك
على قَول ابْن سعد، والمثبت أثبت من النَّافِي. قَوْله:
(فتكريها أَنْت؟) أَي: افتكري الْمزَارِع أَنْت؟ قَالَ:
نعم، وأصل الحَدِيث مر فِي كتاب الْمُزَارعَة فِي: بَاب
مَا كَانَ من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يواسي بَعضهم بَعْضًا. قَوْله: (إِن رَافعا أَكثر على
نَفسه) هَذَا إِنْكَار من سَالم على رَافع، قَالَ
الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: رَافع رفع الحَدِيث إِلَى رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلِم قَالَ: هُوَ أَكثر على
نَفسه؟ قلت: لَعَلَّ غَرَضه أَنه لَا يفرق بَين الْكِرَاء
بِبَعْض مَا يحصل من الأَرْض، والكراء بِالنَّقْدِ
وَنَحْوه، وَالْأول هُوَ الْمنْهِي عَنهُ لَا مُطلقًا.
4014 - حدَّثنا آدَمُ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ حُصَيْنِ بنِ
عَبْدِ الرَّحْمانِ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ
شَدَّادِ بنِ الْهَادِ اللَّيْثِيَّ قَالَ رأيْتُ
رِفَاعَةَ بنَ رافِعٍ الأنْصَارِيَّ وكانَ شَهِدَ
بَدْرَاً.
ذكره هُنَا لأجل قَوْله: (وَكَانَ شهد بَدْرًا) وحصين،
بِضَم الْحَاء وَفتح الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ. قَوْله:
(اللَّيْثِيّ) بِالنّصب لِأَنَّهُ صفة عبد الله،
وَكَذَلِكَ قَوْله: (الْأنْصَارِيّ) بِالنّصب لِأَنَّهُ
صفة رِفَاعَة، وَقد تقدّمت تَرْجَمَة رِفَاعَة، وَتَمام
هَذَا الحَدِيث أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ من
(17/114)
طَرِيق معَاذ بن معَاذ عَن شُعْبَة
بِلَفْظ: سمع رجلا من أهل بدر يُقَال لَهُ: رِفَاعَة بن
رَافع، كبر فِي صلَاته حِين دَخلهَا، وَمن طَرِيق ابْن أبي
عدي عَن شُعْبَة، وَلَفظه: عَن رِفَاعَة رجل من أهل بدر،
أَنه دخل فِي الصَّلَاة فَقَالَ: الله أكبر كَبِيرا وَلم
يذكر البُخَارِيّ ذَلِك لِأَنَّهُ مَوْقُوف.
4015 - حدَّثنا عَبْدَانُ أخبَرَنَا عَبْدُ الله أخْبرَنا
مَعْمَرٌ ويُونُسُ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عُرْوَةَ ابنِ
الزُّبَيْرِ أنَّهُ أخْبَرَهُ أنَّ المِسْوَرَ بنَ
مَخْرَمَةَ أخْبَرَهُ أنَّ عَمْرَو بنَ عَوْفٍ وهْوَ
حَلِيفٌ لِبَنِي عامِرِ ابنِ لُؤَيٍّ وكانَ شَهِدَ
بَدْرَاً معَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّ
رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعَثَ أبَا
عُبَيْدَةَ بنَ الجَرَّاحِ إلَى البَحْرَيْنِ يأتِي
بِجِزْيَتِهَا وكانَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
هُوَ صالَحَ أهْلَ البَحْرَيْنِ وأمَّرَ عَلَيْهِمْ
العَلاءَ بنَ الحَضْرَمِيِّ فقَدِمَ أبُو عُبَيْدَةَ
بِمَالٍ مِنَ البَحْرَيْنِ فَسَمِعَتِ الأنْصَارُ
بِقُدُومِ أبِي عُبَيْدَةَ فَوَافَوْا صَلاَ الْفَجْرِ معَ
النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلَمَّا انْصَرَفَ
تَعرَّضُوا لَهُ فتَبَسَّمَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم حينَ رآهُمْ ثُمَّ قَالَ أظُنُّكُمْ سَمِعْتُمْ أنَّ
أبَا عُبَيْدَةَ قَدِمَ بِشَيْءٍ قَالُوا أجَلْ يَا رسُولَ
الله قَالَ فأبْشِرُوا وأمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ فَوَالله
مَا الفَقْرَ أخْشَى عَلَيْكُمْ ولَكِنِّي أخْشَى أنْ
تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ علَى مَنْ
قَبْلَكُمْ فتَنَافَسُوهَا كَما تَنافَسُوهَا
وتِهْلِكَكُمْ كَما أهْلَكَتْهُمْ. (انْظُر الحَدِيث 3158
وطرفه) .
ذكره هُنَا لأجل قَوْله: (وَكَانَ شهد بَدْرًا) وعبدان لقب
عبد الله بن عُثْمَان الْمروزِي، وَقد تكَرر ذكره، وَعبد
الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَعَمْرو بن عَوْف
بِالْفَاءِ الْأنْصَارِيّ، كَذَا هُوَ عَنَّا عَمْرو،
وَكَذَا عِنْد ابْن إِسْحَاق، وَسَماهُ مُوسَى وَأَبُو
معشر والواقدي: عُمَيْر بن عَوْف، بِالتَّصْغِيرِ، وَكَذَا
سَمَّاهُ ابْن سعد، وَقَالَ: إِنَّه مولى سُهَيْل بن
عَمْرو يكنى أَبَا عَمْرو، وَكَانَ من مولدِي مَكَّة، نزل
على كُلْثُوم ابْن الْهدم لما هَاجر وَشهد بَدْرًا وأحداً
وَالْخَنْدَق والمشاهد كلهَا، مَاتَ فِي خلَافَة عمر،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَصلى عَلَيْهِ، وَأَبُو
عُبَيْدَة اسْمه عَامر بن عبد الله بن الْجراح، وَفِي
الْإِسْنَاد: صحابيان وتابعيان.
والْحَدِيث مضى فِي: بَاب الْجِزْيَة وَالْمُوَادَعَة،
وَقَالَ بَعضهم: تقدم فِي فدَاء الْمُشْركين من كتاب
الْجِهَاد، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَمر الْكَلَام فِيهِ
هُنَاكَ مُسْتَوفى.
قَوْله: (أهل الْبَحْرين) ، على لفظ تَثْنِيَة الْبَحْر:
هُوَ مَوضِع بَين الْبَصْرَة وعمان. قَوْله: (أمَّر) ،
بتَشْديد الْمِيم، (والْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ) كَانَ
مجاب الدعْوَة وَأَنه خَاضَ الْبَحْر بِكَلِمَات قَالَهَا
ودعا بهَا، وَاسم الْحَضْرَمِيّ: عبد الله بن عماد،
وَيُقَال غير ذَلِك، وَقَالَ الْحسن بن عُثْمَان: مَاتَ
الْعَلَاء سنة إِحْدَى عشرَة وَكَانَ والياً على
الْبَحْرين، فَاسْتعْمل عَلَيْهَا عمر، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، مَكَانَهُ أَبَا هُرَيْرَة، وَيُقَال:
توفّي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ عَلَيْهَا فأقره
أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ خِلَافَته كلهَا ثمَّ
أقره عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَتُوفِّي فِي خلَافَة
عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، سنة أَربع عشرَة. قَوْله:
(وأملوا) من الأمل. قَوْله: (الْفقر) بِالنّصب مفعول مقدم
على الْفِعْل. قَوْله: (على من قبلكُمْ) ويروى: على من
كَانَ قبلكُمْ، قَوْله: (فتنافسوها) أَي: رَغِبُوا فِيهَا
على وَجه الْمُعَارضَة.
(17/115)
4018 - حدَّثني إبْرَاهِيمُ بنُ المُنْذِرِ
حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ فُلَيْحٍ عنْ مُوساى بنِ عُقْبَةَ
قالَ ابنُ شِهَابٍ حدَّثنا أنَسُ بنُ مالِكٍ أنَّ رِجالاً
مِنَ الأنْصَارِ اسْتأذَنُوا رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَقالُوا ائْذَنْ لَنَا فلْنَتْرُكْ لاِبْنِ
أخْتِنَا عَبَّاسٍ فِدَاءَهُ قَالَ وَالله لاَ تَذَرُونَ
مِنْهُ دِرْهَمَاً. (انْظُر الحَدِيث 2537 وطرفه) .
ذكره هُنَا لأجل قَوْله: (أَن رجَالًا من الْأَنْصَار)
لأَنهم كَانُوا بدريين. وَإِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر بن عبد
الله أَبُو إِسْحَاق الْحزَامِي الْمَدِينِيّ، وَمُحَمّد
بن فليح، بِضَم الْفَاء وَفتح اللَّام وَسُكُون الْيَاء
آخر الْحُرُوف وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْعتْق وَفِي
الْجِهَاد.
قَوْله: (فلنترك) ، مضارع بنُون الْجمع مجزوم لِأَن
التَّقْدِير: إِن تَأذن فلنترك، وَاللَّام فِيهِ
للتَّأْكِيد. وَقَالَ بَعضهم: فلنترك، بِصِيغَة الْأَمر
وَاللَّام للْمُبَالَغَة. قلت: هَذَا خطأ مَحْض لَا
يَقُوله من مس شَيْئا من علم الصّرْف، وَقد غر هَذَا
الْقَائِل قَول الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: الْإِذْن سَبَب
للترك أَو لأمرهم أنفسهم بِالتّرْكِ؟ قلت: التّرْك بِلَفْظ
الْأَمر مُبَالغَة كَأَنَّهُمْ تَأْمُرهُمْ أنفسهم بذلك،
وَلَو صحت الرِّوَايَة بِالنّصب فَهُوَ فِي تَقْدِير
الْخَبَر للمبتدأ الْمَحْذُوف أَي: فالإذن للترك، انْتهى
وَفِيه تعسف لَا يخفى. قَوْله: (لِابْنِ أُخْتنَا عَبَّاس)
، وَكَانَ عَبَّاس من جِهَة الْأُم قَرِيبا للْأَنْصَار،
كَذَا قَالَه الْكرْمَانِي وَسكت عَلَيْهِ، وَأم
الْعَبَّاس وَهُوَ ابْن عبد الْمطلب لَيست من الْأَنْصَار،
بل جدته أم عبد الْمطلب هِيَ الْأَنْصَارِيَّة، فَأطلق على
جدة الْعَبَّاس: أُخْتنَا، لكَونهَا مِنْهُم وعَلى
الْعَبَّاس ابْنهَا لكَونهَا جدته، وَأم الْعَبَّاس
وَضِرَار نثيلة، بِضَم النُّون وَفتح الثَّاء
الْمُثَلَّثَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح
اللَّام: بنت جناب، بِالْجِيم وَالنُّون: ابْن حبيب بن
مَالك بن عَمْرو بن عَامر الضحيان الْأَصْغَر بن زيد
مَنَاة بن عَامر الضحيان الْأَكْبَر بن سعد بن الْخَزْرَج
بن تيم الله بن النمر، قَالَه أَبُو عُبَيْدَة، وَقَالَ
ابْن الزبير: اسْمهَا نثلة، بِفَتْح النُّون وَسُكُون
الثَّاء الْمُثَلَّثَة: بنت جناب ... إِلَى آخِره، وَأم
عبد الْمطلب سلمى بنت عَمْرو بن زيد بن لبيد بن حرَام بن
خِدَاش بن خندف بن عدي بن النجار، وَكَانَ هَاشم وَالِد
عبد الْمطلب لما مر بِالْمَدِينَةِ نزل على عَمْرو بن زيد
الْمَذْكُور وَكَانَ سيد قومه فَأَعْجَبتهُ ابْنَته سلمى
فَخَطَبَهَا إِلَى أَبِيهَا وَزوجهَا مِنْهُ. قَوْله:
(عَبَّاس) ، بِالْجَرِّ لِأَنَّهُ عطف بَيَان من: ابْن
أُخْتنَا. قَوْله: (فداءه) ، مَنْصُوب على أَنه مفعول:
فلنترك وروى ابْن عَائِذ فِي الْمَغَازِي من طَرِيق
مُرْسل: أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لما ولي وثاق
الأسرى شدوا وثاق الْعَبَّاس، فَسَمعهُ رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، يَئِن فَلم يَأْخُذهُ النّوم، فَبلغ
الْأَنْصَار فأطلقوا الْعَبَّاس، فَكَانَ الْأَنْصَار لما
فَهموا رضَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بفك
وثَاقه سَأَلُوهُ أَن يتْركُوا لَهُ الْفِدَاء طلبا لتَمام
رِضَاهُ فَلم يجبهم إِلَى ذَلِك. وَأخرج ابْن إِسْحَاق من
حَدِيث ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ: يَا عَبَّاس إفد نَفسك وَابْن أخويك عقيل بن
أبي طَالب وَنَوْفَل بن الْحَارِث، وَحَلِيفك عتبَة بن
عَمْرو فَإنَّك ذُو مَال قَالَ: إِنِّي كنت مُسلما،
وَلَكِن الْقَوْم اسْتَكْرَهُونِي، قَالَ: الله أعلم بِمَا
تَقول إِن يَك مَا تَقول حَقًا فَإِن الله يجْزِيك،
وَلَكِن ظَاهر الْأَمر أَنَّك كنت علينا، وَذكر مُوسَى بن
عقبَة أَن فداءهم كَانَ أَرْبَعِينَ أُوقِيَّة ذَهَبا،
وَعند أبي نعيم فِي (الدَّلَائِل) بِإِسْنَاد حسن من
حَدِيث ابْن عَبَّاس: كَانَ فدَاء كل وَاحِد أَرْبَعِينَ
أُوقِيَّة، فَجعل على الْعَبَّاس مائَة أُوقِيَّة، وعَلى
عقيل ثَمَانِينَ، فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاس أللقرابة صنعت
هَذَا؟ قَالَ: فَأنْزل الله تَعَالَى: {يَا أَيهَا
النَّبِي قل لمن فِي أَيْدِيكُم من الأسرى} (الْأَنْفَال:
70) . الْآيَة، فَقَالَ الْعَبَّاس: وددت لَو كنت أَخذ مني
أضعافها، لقَوْله تَعَالَى: {يُؤْتكُم خيرا مِمَّا أَخذ
مِنْكُم} (الْأَنْفَال: 70) . قَوْله: (لَا تَذَرُون)
بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة، أَي: لَا تتركون من
الْفِدَاء (درهما وَاحِدًا) وَزَاد الْكشميهني فِي
رِوَايَة: (لَا تَذَرُون لَهُ) أَي: للْعَبَّاس، وأمات
الْعَرَب ماضي هَذِه الْمَادَّة فَلم يَقُولُوا: وذر،
وَكَذَا ماضي: يدع، إلاَّ فِي قِرَاءَة: مَا وَدعك،
بِالتَّخْفِيفِ.
4019 - حدَّثنا أبُو عَاصِمٍ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ عنِ
الزُّهْرِيِّ عنْ عطَاءِ بنِ يَزِيدَ عنْ عُبَيْدِ الله
بنِ عَدِيٍّ عنِ المِقْدَارِ بنِ الأسْوَدِ ح وحدَّثنِي
إسْحَاقُ حدَّثنَا يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ بنِ سَعْدٍ
حدَّثنا ابنُ أخِي ابنِ شِهَابٍ عنْ عَمَّهِ قَالَ
أخبرَنِي عَطاءُ بنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ ثُم
الجُنْدَعِيُّ أنَّ عُبَيْدَ الله بنَ عَدِيِّ
(17/116)
ابنِ الخِيَارِ أخبَرَهُ أنَّ المِقْدَادَ
بنَ عَمْرٍ والكِنْدِيَّ وكانَ حَلِيفَاً لِبَنِي زُهْرَةَ
وكانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرَاً مَعَ رَسُولِ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أخْبَرَهُ أنَّهُ قالَ لِرَسُولِ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أرَأيْتَ إنْ لَقِيتُ رَجُلاً مِنَ
الكُفَّارِ فاقْتَتَلْنَا فضَرَبَ إحْدَى يَدَيَّ
بالسَّيْفِ فقَطَعَهَا ثُمَّ لاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ
فَقَالَ أسْلَمْتُ لله آقْتُلُهُ يَا رسُولَ الله بَعْدَ
أنْ قالَهَا فقالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لَا تَقْتُلْهُ فَقَالَ يَا رسُولَ الله إنَّهُ قَطَعَ
إحْدَى يَدَيَّ ثُمَّ قالَ ذالِكَ بَعْدَما قطَعَهَا
فَقَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا
تَقْتُلْهُ فإنْ قتَلْتَهُ فإنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ
أنْ تَقْتُلَهُ وإنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أنْ يَقُولَ
كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَ. (الحَدِيث 4019 طرفه فِي: 6865)
.
ذكره هُنَا لأجل قَوْله: (وَكَانَ مِمَّن شهد بَدْرًا) .
وَأخرجه من طَرِيقين: الأول: عَن أبي عَاصِم الضَّحَّاك بن
مخلد النَّبِيل الْبَصْرِيّ عَن عبد الْملك بن عبد
الْعَزِيز بن جريج عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن
عَطاء بن يزِيد من الزِّيَادَة أبي يزِيد اللَّيْثِيّ عَن
عبيد الله بن عدي عَن الْمِقْدَاد بن عَمْرو، كَذَا قَالَ
هُنَا ابْن عَمْرو، وَكَذَا ذكره بعد فِي تَسْمِيَة من شهد
بَدْرًا، وكنيته أَبُو معبد، وَذكر فِي الطَّهَارَة:
الْمِقْدَاد بن الْأسود وَالصَّحِيح مَا ذكره هُنَا،
وَالْأسود إِنَّمَا رباه فنسب إِلَيْهِ، وَيُقَال: كَانَ
فِي حجره، وَيُقَال: كَانَ عبدا حَبَشِيًّا لَهُ
فَتَبَنَّاهُ، فَلَا تصح عبوديته، وَقَالَ ابْن حبَان:
كَانَ أَبوهُ عمر وحالف كِنْدَة فنسب إِلَيْهَا، وَقَالَ
أَبُو عمر: الْمِقْدَاد بن الْأسود نسب إِلَى الْأسود بن
عبد يَغُوث بن وهب بن عبد منَاف بن زهرَة الزُّهْرِيّ
لِأَنَّهُ كَانَ تبناه وحالفه فِي الْجَاهِلِيَّة، فَقيل:
الْمِقْدَاد بن الْأسود، وَهُوَ الْمِقْدَاد بن عَمْرو بن
ثَعْلَبَة بن مَالك بن ربيعَة بن ثُمَامَة بن عَمْرو بن
سعد البهراني وَكَانَ الْمِقْدَاد من الْفُضَلَاء النجباء
الْكِبَار الْخِيَار من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وَشهد فتح مصر وَمَات فِي أرضه بالجرف
فَحمل إِلَى الْمَدِينَة وَدفن بهَا، وَصلى عَلَيْهِ
عُثْمَان ابْن عَفَّان سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ. الطَّرِيق
الثَّانِي: عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور عَن يَعْقُوب بن
إِبْرَاهِيم بن سعد ن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن ابْن
عَوْف الْقرشِي الزُّهْرِيّ عَن مُحَمَّد بن عبد الله ابْن
أخي الزُّهْرِيّ عَن عَمه مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ
عَن عَطاء بن يزِيد ... إِلَى آخِره.
وَفِي إِسْنَاده: ثَلَاثَة من التَّابِعين على نسق وَاحِد
وهم مدنيون.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الدِّيات عَن
عَبْدَانِ عَن ابْن الْمُبَارك، وَأخرجه مُسلم فِي
الْإِيمَان عَن قُتَيْبَة وَعَن آخَرين، وَأخرجه أَبُو
دَاوُد فِي الْجِهَاد، وَالنَّسَائِيّ فِي السّير جَمِيعًا
عَن قُتَيْبَة.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (اللَّيْثِيّ) بِالرَّفْع
لِأَنَّهُ صفة عَطاء الْمَرْفُوع بِأَنَّهُ فَاعل:
أَخْبرنِي، والليثي نِسْبَة إِلَى لَيْث بن بكر بن عبد
منَاف ابْن كنَانَة، والجندعي، بِضَم الْجِيم وَسُكُون
النُّون وَفتح الدَّال الْمُهْملَة وَضمّهَا وبالعين
الْمُهْملَة: نِسْبَة إِلَى جندع بن لَيْث بن بكر، وَقَالَ
ابْن دُرَيْد: الجندع وَاحِد الجنادع، وَهِي الخنافس
الصغار، والكندي نِسْبَة إِلَى كِنْدَة، بِكَسْر الْكَاف
وَسُكُون النُّون وبالدال الْمُهْملَة، وَهُوَ ثَوْر بن
عفير بن عدي بن الْحَارِث، سمى كنده لِأَنَّهُ كند أَبَاهُ
أَي: عقه. قَوْله: (وَكَانَ حليفاً لبني زهرَة) ، أَي:
ابْن كلاب بن مرّة بن كَعْب بن لؤَي بن غَالب بن فهر.
قَوْله: (أَرَأَيْت) أَي: أَخْبرنِي. قَوْله: (ثمَّ لَاذَ
مني بشجرة) ، أَي: تحيل فِي الْفِرَار مني بهَا، وَمِنْه
قَوْله تَعَالَى: {يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُم لِوَاذًا}
(النُّور: 63) . إِلَّا إِن لِوَاذًا مصدر: لاوذ، ومصدر:
لَاذَ، لياذاً. قَوْله: (قَالَ: أسلمت لله) ، يثبت بِهِ
الْإِسْلَام فَلَا يحْتَاج إِلَى كلمة الشَّهَادَة.
قَوْله: (أَقتلهُ؟) بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام على سَبِيل
الاستعلام. قَوْله: (فَإِنَّهُ بمنزلتك) ، مَعْنَاهُ: أَنه
مثلك فِي كَونه مُبَاح الدَّم فَقَط، وَقَالَ
الْكرْمَانِي: الْقَتْل لَيْسَ سَببا لكَون كل مِنْهُمَا
بِمَنْزِلَة الآخر، فَمَا وَجه الشّرطِيَّة؟ قلت:
أَمْثَاله عِنْد النُّحَاة مؤولة بالإخبار، أَي: قَتلك
إِيَّاه سَبَب لقتلك، وَعند البيانيين بِأَن المُرَاد
لَازمه نَحْو: يُبَاح دمك إِذا عصيت، وَقَالَ الْخطابِيّ:
معنى هَذَا أَن الْكَافِر مُبَاح الدَّم بِحكم الدّين قبل
أَن يَقُول كلمة التَّوْحِيد، فَإِذا قَالَهَا صَار
مَحْظُور الدَّم كَالْمُسلمِ، فَإِن قَتله الْمُسلم بعد
ذَلِك صَار دَمه مُبَاحا بِحَق الْقصاص كالكافر بِحَق
الدّين، وَلم يرد بِهِ إِلْحَاقه بالْكفْر، على مَا
يَقُوله الْخَوَارِج من تَكْفِير الْمُسلم بالكبيرة.
4020 - حدَّثني يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ حدَّثنا ابنُ
عُلَيَّةَ حدَّثنا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ حدَّثنا أنَسٌ
رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ رسُولُ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ بَدْرٍ مَنْ يَنْظُرُ مَا
صنَعَ أبُو جَهْلٍ فانْطَلَقَ ابنُ مسْعُودٍ فوَجَدَهُ
(17/117)
قَدْ ضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ حَتَّى
بَرَدَ فَقَالَ آنْتَ أبَا جَهْلٍ، قَالَ ابنُ عُلَيَّةَ
قَالَ سُلَيْمَانُ هاكذَا قالَهَا أنَسٌ قَالَ أنْتَ أبَا
جَهْلٍ قَالَ وهَلْ فَوْقَ رَجُلٍ قتَلْتُمُوهُ. قَالَ
سُلَيْمَانُ أوْ قَالَ قتَلَهُ قَوْمُهُ. قَالَ وَقَالَ
أبُو مِجْلَزٍ قَالَ أبُو جَهْلٍ فلَوْ غَيْرُ أكَّارٍ
قتَلَنِي. (انْظُر الحَدِيث 3962 وطرفه) .
ذكره هُنَا مَعَ كَونه تقدم فِي أَوَائِل هَذِه الْغَزْوَة
لأجل قَوْله: قد ضربه بِنَا عفراء، لِأَنَّهُ يدل قطعا
أَنَّهُمَا شَهدا بَدْرًا، وهما: معَاذ ومعوَّذ
الأنصاريان، وَقد مر عَن قريب، وَيَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم
بن كثير الدَّوْرَقِي وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا، وَابْن
علية هُوَ إِسْمَاعِيل ابْن إِبْرَاهِيم، وَعليَّة أمه،
بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح اللَّام وَتَشْديد الْيَاء
آخر الْحُرُوف، وَسليمَان هُوَ ابْن طرخان أَبُو
الْمُعْتَمِر التَّيْمِيّ الْبَصْرِيّ.
قَوْله: (حَتَّى برد) ، أَي: مَاتَ. قَوْله: (أَنْت أَبَا
جهل؟) بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام على سَبِيل التقريع،
وَنصب: أَبَا جهل، على طَريقَة النداء أَو على لُغَة من
جوز ذَلِك. قَوْله: (وَهل فَوق رجل قَتَلْتُمُوهُ؟) أَي:
لَيْسَ فعلكم زَائِدا على قتل رجل.
قَوْله: (أَبُو مجلز) هُوَ: لَاحق بن حميد. قَوْله: (فَلَو
غير أكَّار قتلني؟) أَي: لَو قتلني غير أكار، لِأَن: لَو،
يَأْتِي بعْدهَا إلاَّ الْفِعْل، والأكار، بِفَتْح
الْهمزَة وَتَشْديد الْكَاف: الزراع والفلاح، وَكَانَ
الَّذين قَتَلُوهُ من الْأَنْصَار وهم أهل الزِّرَاعَة،
يُرِيد بذلك استخفافهم.
4021 - حدَّثنا مُوسَى حدَّثنا عَبْدُ الوَاحِدِ حدَّثنا
مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عبْدِ
الله حدَّثني ابنُ عبَّاسٍ عنْ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى
عنهُم لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قُلْتُ لأبِي بَكْرٍ انْطَلِقْ بنَا إِلَى
إخْوَانِنَا منَ الأنْصَارِ فلَقِينَا مِنْهُمْ رَجُلاَنِ
صالِحَانِ شَهِدَا بَدْرَاً فحَدَّثْتُ بِهِ عُرْوَةَ بنَ
الزُّبَيْرِ فقالَ هُمَا عُوَيْمُ بنُ سَاعِدَةَ ومَعْنُ
بنُ عَدِيٍّ. .
ذكره هُنَا لأجل قَوْله: (رجلَانِ صالحان شَهدا بَدْرًا)
ومُوسَى هُوَ ابْن إِسْمَاعِيل الْمنْقري، وَعبد الْوَاحِد
هُوَ ابْن زِيَاد الْعَبْدي الْبَصْرِيّ، وَهَذَا قِطْعَة
من حَدِيث السَّقِيفَة قد مر مطولا فِي الْمَظَالِم وَفِي
الْهِجْرَة، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.
قَوْله: (فلقينا) ، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف: فعل
ومفعول (ورجلان) فَاعله. قَوْله: (عويم) ، بِضَم الْعين
الْمُهْملَة وَفتح الْوَاو وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف
وَفِي آخِره مِيم: ابْن سَاعِدَة بن عائش بن قيس بن
النُّعْمَان بن زيد بن أُميَّة، شهد العقبتين جَمِيعًا فِي
قَول الْوَاقِدِيّ وَغَيره، وَشهد بَدْرًا وأحداً
وَالْخَنْدَق، وَمَات فِي حَيَاة رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وَقيل: بل مَاتَ فِي خلَافَة عمر، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ ابْن خمس أَو
سِتّ وَسِتِّينَ. قَوْله: (ومعهن) ، بِفَتْح الْمِيم
وَسُكُون الْعين وَفِي آخِره نون: ابْن عدي بن الْجد بن
عجلَان بن ضبيعة البلوي، من يَلِي بن عَمْرو بن الحاف بن
قضاعة، حَلِيف بن عَمْرو بن عَوْف الْأنْصَارِيّ، شهد
الْعقبَة وبدراً وأحداً وَالْخَنْدَق وَسَائِر الْمشَاهد
مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقتل يَوْم
الْيَمَامَة شَهِيدا فِي خلَافَة أبي بكر الصّديق، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ.
4022 - حدَّثنا إسْحَاقُ بنُ إبْرَاهِيمَ سَمِعَ مُحَمَّدَ
بنَ فُضَيْلٍ عنْ إسْمَاعِيلَ عنْ قَيْسٍ كانَ عَطَاءُ
البَدْرِيِّينَ خَمْسَةَ آلاَفٍ خَمْسَةَ آلافٍ. وَقَالَ
عُمَرُ: لأُفَضِّلَنَّهُمْ علَى مَنْ بَعْدَهُمْ.
وَجه ذكره هُنَا ظَاهر، وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم هُوَ
ابْن رَاهَوَيْه، وَمُحَمّد بن فُضَيْل مصغر فضل بالضاد
الْمُعْجَمَة ابْن غَزوَان الْكُوفِي، وَإِسْمَاعِيل هُوَ
ابْن أبي خَالِد، وَقيس هُوَ ابْن أبي حَازِم. قَوْله:
(كَانَ عَطاء الْبَدْرِيِّينَ) أَي: المَال الَّذِي يعْطى
كل وَاحِد مِنْهُم فِي كل سنة خَمْسَة آلَاف فِي عهد عمر
وَمن بعده. قَوْله: (لأفضلنهم) من التَّفْضِيل يَعْنِي:
فِي زِيَادَة الْعَطاء، وَفِيه: فضل ظَاهر للبدريين.
69 - (حَدثنِي إِسْحَاق بن مَنْصُور حَدثنَا عبد
الرَّزَّاق أخبرنَا معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن مُحَمَّد بن
جُبَير بن مطعم عَن أَبِيه قَالَ سَمِعت النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يقْرَأ فِي الْمغرب
بِالطورِ وَذَلِكَ أول مَا وقر
(17/118)
الْإِيمَان فِي الْقلب وَعَن الزُّهْرِيّ
عَن مُحَمَّد بن جُبَير بن مطعم عَن أَبِيه أَن النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ فِي أُسَارَى
بدر لَو كَانَ مطعم بن عدي حَيا ثمَّ كلمني فِي هَؤُلَاءِ
النتنى لتركتهم لَهُ) . قيل وَجه إِيرَاده هُنَا مَا تقدم
فِي الْجِهَاد إِنَّه كَانَ قدم فِي سَار بدر أَي فِي طلب
فداوءهم (قلت) هَذَا الْوَجْه غير ظَاهر على مَا لَا يخفى
وَإِسْحَاق بن مَنْصُور بن بهْرَام الْمروزِي وَقد مضى فِي
كتاب الصَّلَاة فِي بَاب الْجَهْر فِي الْمغرب حَدِيث
جُبَير بن مطعم أَنه قَالَ سَمِعت النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَرَأَ فِي الْمغرب
بِالطورِ قَوْله وَذَلِكَ أول مَا وقر الْإِيمَان فِي
قلبِي أَي أول مَا حصل وقور الْإِيمَان فِي قلبِي إِي
ثباته ووقوره وَإِن قلت تقدم بِالْجِهَادِ فِي بَاب فدَاء
الْمُشْركين أَن جبيراً حِين سمع قِرَاءَته بالمغرب
بِالطورِ كَانَ كَافِرًا وَقد جَاءَ إِلَى الْمَدِينَة فِي
اسارى بدر وَإِنَّمَا أسلم بعد ذَلِك يَوْم الْفَتْح قلت
التَّصْرِيح بِالْكَلِمَةِ والتزام أَحْكَام الْإِسْلَام
كَانَ عِنْد الْفَتْح وَإِمَّا حُصُول وقور الْإِيمَان فِي
صَدره فَكَانَ فِي ذَلِك الْيَوْم قَوْله " وَعَن
الزُّهْرِيّ " مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الأول قَوْله "
النتنى " بنونين مفتوحين بَينهمَا تَاء مثناه من فَوق
وَهُوَ جمع نَتن بِفَتْح النُّون وَكسر التَّاء كزمن يجمع
على زمني سمى أُسَارَى بدر الدّين قتلوا وصاروا جيفاً
بالنتنى لكفرهم كَقَوْلِه تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُشْركين
نجس} قَوْله لتركتهم أَي بِغَيْر فدَاء وَإِنَّمَا قَالَ
ذَلِك لليداتى كَانَت للمطعم وَهِي قِيَامه فِي نقض
الصَّحِيفَة الَّتِي كتبتها قُرَيْش على بني هَاشم وَمن
مَعَهم من الْمُسلمين حَتَّى حصروهم فِي الشّعب وَدخُول
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي
جواره حِين رَجَعَ من الطَّائِف وَمَات الْمطعم قبل وقْعَة
الْبَدْر وَله بضع وَتسْعُونَ سنة (وَقَالَ اللَّيْث عَن
يحيى بن سعيد عَن سعيد بن الْمسيب وَقعت الْفِتْنَة الأولى
يَعْنِي مقتل عُثْمَان فَلم تبقى من أَصْحَاب بدر أحد ثمَّ
وَقعت الْفِتْنَة الثَّانِيَة يَعْنِي الْحرَّة فَلم تبقى
من أَصْحَاب الْحُدَيْبِيَة أحد ثمَّ وَقعت الثَّالِثَة
فَلم ترْتَفع وَلِلنَّاسِ طباخ) . تَعْلِيق اللَّيْث بن
سعد هَذَا الَّذِي رَوَاهُ عَن يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ
وَصله أَبُو نعيم فِي الْمُسْتَخْرج من طَرِيق أَحْمد بن
حَنْبَل عَن يحيى بن سعيد الْقطَّان عَن يحيى بن سعيد
الْأنْصَارِيّ نَحوه قَوْله يَعْنِي مقتل عُثْمَان
تَفْسِير لقَوْله الْفِتْنَة الأولى وَكَانَ مقتل عُثْمَان
رَضِي الله عَنهُ يَوْم الْجُمُعَة لثمان لَيَال خلت من
ذِي الْحجَّة يَوْم التَّرويَة سنة خَمْسَة وَثَلَاثُونَ
قَالَه الْوَاقِدِيّ وَعنهُ أَيْضا أَنه قتل يَوْم
الْجُمُعَة لليلتين بَقِيَتَا من ذِي الْحجَّة وحاصروه تسع
وَأَرْبَعين يَوْمًا وَقَالَ الزبير حاصروه شَهْرَيْن
وَعشْرين يَوْمًا قَوْله " فَلم تبْق " بِضَم التَّاء من
الْإِبْقَاء قيل هَذَا غلط لِأَن عليا وَطَلْحَة
وَالزُّبَيْر وَآخَرُونَ من الْبَدْرِيِّينَ عاشوا بعد
عُثْمَان زَمَانا وَكَيف يُقَال فَلم تبْق الأولى من
أَصْحَاب بدر أحدا واجيب بِأَنَّهُ ظن أَنهم قتلوا عِنْد
مقتل عُثْمَان وَلَيْسَ ذَلِك مرَادا وَفِيه نظر لَا يخفى
وَقَالَ الْكرْمَانِي المُرَاد عُثْمَان صَار سَببا لهلاك
كثير من الْبَدْرِيِّينَ كَمَا فِي الْقِتَال الَّذِي بَين
عَليّ وَمُعَاوِيَة وَنَحْوه ثمَّ قَالَ أحد نكرَة فِي
سِيَاق النَّفْي فَيُفِيد الْعُمُوم ثمَّ أجَاب بقوله مَا
من عَام إِلَّا وَقد خص إِلَّا قَوْله تَعَالَى {وَالله
بِكُل شَيْء عليم} مَعَ أَن لفظ الْعَام الَّذِي قصد بِهِ
الْمُبَالغَة اخْتلفُوا فِيهِ هَل مَعْنَاهُ الْعُمُوم أم
لَا وَقَالَ الدَّاودِيّ الْفِتْنَة الأولى مقتل
الْحُسَيْن رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قيل هَذَا خطأ لِأَن
فِي زمن مقتل الْحُسَيْن لم يكن أحد من الْبَدْرِيِّينَ
مَوْجُودا قَوْله " يَعْنِي الْحرَّة " تَفْسِير للفتنة
الثَّانِيَة يَعْنِي الْفِتْنَة الثَّانِيَة هِيَ وقْعَة
الْحرَّة أَي حرَّة الْمَدِينَة وَهِي خَارِجهَا وَهُوَ
مَوضِع الَّذِي قَاتل عَسْكَر يزِيد بن مُعَاوِيَة فِيهِ
أهل الْمَدِينَة فِي سنة اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ الْأَصَح
أَنَّهَا كَانَت فِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَكَانَ رَأس
عَسْكَر يزِيد مُسلم بن عقبَة قَالَ الْمَدَائِنِي كَانَ
فِي سَبْعَة وَعشْرين ألفا اثنى عشر ألف فَارس وَخَمْسَة
عشر ألف راجل وَكَانُوا نزلُوا شَرْقي الْمَدِينَة فِي
الْحرَّة وَهِي أَرض ذَات حِجَارَة سود وَلما وَقع
الْقِتَال انتصر مُسلم بن عقبَة وَقتل سَبْعمِائة من
وُجُوه النَّاس من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَكَانَ
السَّبَب فِي ذَلِك أَن أهل الْمَدِينَة خلعوا يزِيد وولوا
على قُرَيْش عبد الله بن مُطِيع وعَلى الْأَنْصَار عبد
الله بن حَنْظَلَة بن أبي عَامر وأخرجوا عَامل يزِيد من
بَين أظهرهم وَهُوَ عُثْمَان بن
(17/119)
مُحَمَّد بن أبي سُفْيَان بن عَم يزِيد
واجتمعوا على اجلاء بني أُميَّة من الْمَدِينَة
فَاجْتمعُوا وهم قريب من الف رجل فِي دَار مَرْوَان بن
الحكم والقصة فِي ذَلِك طَوِيلَة بسطناها فِي تاريخنا
الْكَبِير قَوْله " ثمَّ وَقعت الْفِتْنَة الثَّالِثَة "
كَذَا وَقع فِي الْأُصُول وَلم بَينهَا وَزعم الدَّاودِيّ
أَنَّهَا فتْنَة الازارقة قيل فِيهِ نظر وَلم بَين وَجهه
وَقَالَ ابْن التِّين يحْتَمل أَن يكون يَوْم خرج
بِالْمَدِينَةِ أَبُو حَمْزَة الْخَارِجِي وَبِه جزم
مُحَمَّد بن عبد الحكم وَكَانَ ذَلِك فِي خلَافَة مَرْوَان
بن مُحَمَّد بن مَرْوَان الحكم سنة ثَلَاثِينَ وَمِائَة
وَكَانَ مَجِيئه من حَضرمَوْت من عِنْد عبد الله بن يحيى
بن زيد مظهر خلاف مَرْوَان فِي سَبْعمِائة فَارس وَكَانَ
حُضُوره فِي الْمَوْسِم وَكَانَ على مَكَّة وَالْمَدينَة
والطائف عبد الْوَاحِد بن سُلَيْمَان بن عبد الْملك بن
مَرْوَان فَوَقع بَينهمَا الإتفاق إِلَى أَن ينفر النَّاس
النفير الْأَخير ووقعوا بِعَرَفَة وَدفع بِالنَّاسِ عبد
الْوَاحِد ثمَّ مضى إِلَى الْمَدِينَة وخلى مَكَّة لأبي
حَمْزَة فَدَخلَهَا من غير قتال وَلما بلغ الْخَبَر
مَرْوَان انتخب من عسكره أَرْبَعَة آلَاف وَاسْتعْمل
عَلَيْهِم عبد الْملك بن مُحَمَّد بن عَطِيَّة السَّعْدِيّ
وَلما تلاقيا اقْتَتَلُوا فَقتل أَبُو حَمْزَة وَعَسْكَره
وَالله أعلم قَوْله " وَلِلنَّاسِ طباخ " بِفَتْح الطَّاء
الْمُهْملَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة الْخَفِيفَة وَفِي
آخِره خاء مُعْجمَة أَي قُوَّة وَشدَّة وَقَالَ الْخَلِيل
أصل الطباخ السّمن وَالْقُوَّة وَيسْتَعْمل فِي الْفِعْل
وَالْخَيْر وَقَالَ حسان
(المَال يغشى رجَالًا لَا طباخ لَهُم ... كالسيل يغشى
أصُول الدندن الْبَالِي)
والدندن بِكَسْر الدالين الْمُهْمَلَتَيْنِ وَسُكُون
النُّون بَينهمَا هُوَ الَّذِي يسود من النَّبَات لقدمه
ويروى وبالناس ويروى وَفِي النَّاس
70 - (حَدثنَا حجاج بن منهال حَدثنَا عبد الله بن عمر
النميري حَدثنَا يُونُس بن يزِيد قَالَ سَمِعت عُرْوَة بن
الزبير وَسَعِيد بن الْمسيب وعلقمة بن وَقاص وَعبيد الله
بن عبد الله عَن حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا زوج
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كل
حَدثنِي طَائِفَة من الحَدِيث قَالَت فَأَقْبَلت أَنا وَأم
مسطح فَعَثَرَتْ أم مسطح فِي مرْطهَا فَقَالَت تعس مسطح
فَقلت بئس مَا قلت تسبين رجلا شهد بَدْرًا فَذكر حَدِيث
الْإِفْك) ذكره هُنَا لأجل شَهَادَة عَائِشَة لمسطح أَنه
من أهل بدر وَهُوَ مسطح بِكَسْر الْمِيم ابْن أَثَاثَة
بِضَم الْهمزَة وَتَخْفِيف الثائين المثلثتين ابْن عباد بن
الْمطلب بن عبد منَاف بن قصي الْقرشِي المطلبي وَأمه سلمى
بنت صَخْر بن عَامر بن كَعْب بن سعد ابْن تَمِيم بن مرّة
وَهِي ابْنة خَالَة أبي بكر الصّديق وَيُقَال مسطح لقب
واسْمه عَوْف ابْن أَثَاثَة توفّي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ
وَهُوَ ابْن سِتّ وَخمسين سنة وَقيل شهد مسطح صفّين
وَتُوفِّي فِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وحجاج بن منهال
بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون النُّون ويروى الْمنْهَال
بِالْألف وَاللَّام وَعبد الله بن عمر بن غَانِم النمير
بِضَم النُّون وَفتح الْمِيم وَقيل النمر أَيْضا بِدُونِ
التصغير الرعيني قَاضِي إفريقيا انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ
وَهُوَ مُسْتَقِيم الحَدِيث مَاتَ سنة تسعين وَمِائَة
وَولد سنة ثَمَان وَعشْرين وَمِائَة قَالَه الدمياطي
وَهُوَ الَّذِي كَانَ يكْتب للْإِمَام مَالك بن أنس فِي
الْمسَائِل وَلَيْسَ لَهُ عِنْد البُخَارِيّ غير هَذَا
الحَدِيث وَهَذَا طرف من حَدِيث الْإِفْك وَقد مضى فِي
الشَّهَادَات فِي بَاب تَعْدِيل النِّسَاء بَعضهنَّ
بَعْضًا مطولا وَمضى الْكَلَام فِيهِ مشروحاً
4026 - حدَّثنا إبرَاهِيمُ بنُ المُنْذِرِ حدَّثنا
مُحَمَّدُ بنُ فُلَيْحِ بنِ سُلَيْمَانَ عنْ مُوساى بنِ
عُقْبَةَ عنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ هَذِهِ مَغَازِي رسُولِ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فذَكَرَ الحَدِيثَ فَقَالَ
رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهْو يُلَقِّيهِمْ
هَلْ وجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ حَقَّاً. قَالَ
مُوساى قَالَ نافِعٌ قَالَ عَبْدُ الله قَالَ ناسٌ مِنْ
أصْحَابِهِ يَا رسُولَ الله تُنَادِي نَاسا أمْوَاتَاً
قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أنْتُمْ
بأسْمَعَ لِمَا قُلْتُ مِنْهُمْ. (انْظُر الحَدِيث 1371
وطرفه) .
(17/120)
ذكر هَذَا هُنَا لبَيَان مَا حمله مُوسَى
بن عقبَة عَن ابْن شهَاب من أُمُور غَزْوَة بدر. قَوْله:
(هَذِه مغازي) أَي: قَالَ ابْن شهَاب بعد أَن ذكر غزوات
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَذِه
الْمَذْكُورَات فِي مغازي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، قَوْله: (فَذكر الحَدِيث) ، أَي: حَدِيث بدر.
قَوْله: (وَهُوَ يُلقيهِمْ) ، بتَشْديد الْقَاف
الْمَكْسُورَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَفِي
رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: بِسُكُون اللَّام وَتَخْفِيف
الْقَاف من الْإِلْقَاء، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني:
وَهُوَ يلعنهم من اللَّعْن، وَكَذَا هُوَ فِي (مغازي
مُوسَى بن عقبَة) . قَوْله: (قَالَ مُوسَى) ، هُوَ ابْن
عقبَة الْمَذْكُور، وَقَالَ نَافِع مولى ابْن عمر: قَالَ
عبد الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. قَوْله:
(قَالَ نَاس من أَصْحَابه) ، قد مضى مِنْهُم هَؤُلَاءِ،
وَمِنْهُم: عمر بن الْخطاب. قَوْله: (مَا أَنْتُم بأسمع
لما قلت مِنْهُم) فِيهِ: دَلِيل على جَوَاز الْفَصْل بَين
أفعل التَّفْضِيل وَكلمَة: من، فَافْهَم.
قَالَ أبُو عَبْدِ الله فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ بَدْرَاً
مِنْ قُرَيْشٍ مِمَّنْ ضُرِبَ لَهُ بِسَهْمِهِ أحَدٌ
وثَمَانُونَ رَجُلاً وكانَ عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ
يَقُولُ قَالَ الزُّبَيْرُ قُسِمَتْ سُهْمَانُهُمْ
فَكانُوا مائَةً وَالله أعْلَمُ
أبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، فعلى هَذَا يكون
قَوْله: (فَجَمِيع من شهد بَدْرًا) من مقوله وَلَيْسَ فِي
كثير من النّسخ ذَلِك، فعلى هَذَا قَوْله: (فَجَمِيع من
شهد بَدْرًا) من مقول مُوسَى بن عقبَة عَن ابْن شهَاب،
وَبِه قَالَ الْكرْمَانِي. قَوْله: (مِمَّن ضرب لَهُ
بسهمه) ، أَي: أعطَاهُ نَصِيبا من الْغَنِيمَة وَإِن لم
يشهدها لعذر لَهُ، فصيره كمن شَهِدَهَا. قَوْله: (وَكَانَ
عُرْوَة بن الزبير) إِلَى آخِره، إِمَّا من بَقِيَّة
كَلَام البُخَارِيّ، وَإِمَّا من بَقِيَّة كَلَام مُوسَى
بن عقبَة، على مَا ذكر من النسختين. قَوْله: (فَكَانُوا
مائَة) أَي: من شهد بَدْرًا من قُرَيْش مائَة رجل.
4027 - حدَّثني إبْرَاهِيمُ بنُ مُوساى أخبرَنَا هِشَامٌ
عنْ مَعْمَرٍ عنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنِ
الزُّبَيْرِ قَالَ ضُرِبَتْ يَوْمَ بَدْرٍ
لِلْمُهَاجِرِينَ بِمائَةِ سَهْمٍ.
هِشَام الَّذِي يروي عَن معمر هُوَ هِشَام بن يُوسُف أَبُو
عبد الرَّحْمَن الصَّنْعَانِيّ الْيَمَانِيّ، وَهُوَ من
أَفْرَاد البُخَارِيّ، فَإِن قلت: يُعَارض هَذَا حَدِيث
الْبَراء الَّذِي مضى فِي أَوَائِل هَذِه الْقِصَّة، وَهِي
قَوْله: إِن الْمُهَاجِرين كَانُوا زِيَادَة على سِتِّينَ.
قلت: يجمع بَينهمَا بِأَن حَدِيث الْبَراء ورد فِيمَن
شَهِدَهَا حسا، وَهَذَا الحَدِيث فِيمَن شَهِدَهَا حسا
وَحكما، وَيكون المُرَاد بِالْمِائَةِ فِي قَول الزبير
الْأَحْرَار وَمن انْضَمَّ إِلَيْهِم من مواليهم وأتباعهم.
13 - (بابُ تَسْمِيَةِ مَنْ سُمِّيَ مِنْ أهْلِ بَدْرٍ فِي
الجَامِعِ الَّذِي وضَعَهُ أبُو عَبْدِ الله علَى حُرُوفِ
الْمُعْجَمِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان تَسْمِيَة من سمي: أَي من
جَاءَ ذكره من أهل بدر فِي (الْجَامِع) أَي: فِي هَذَا
الصَّحِيح الَّذِي هُوَ جَامع لأقوال رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، وأفعاله وأحواله وأيامه،
وَالْمَقْصُود مِنْهُ تَسْمِيَة من علم فِي هَذَا الْكتاب
أَنه من أهل بدر على الْخُصُوص لَا تَسْمِيَة
الْمَذْكُورين مِنْهُم فِيهِ إطلاقاً، إِذْ كثير مِنْهُم
مِمَّن لم يخْتَلف فِي شُهُوده بَدْرًا: كَأبي عُبَيْدَة
بن الْجراح، لم يذكرهُ هَهُنَا، وَلَا تَسْمِيَة من روى
حَدِيثا، فَإِن كثيرا من الْمَذْكُورين هَهُنَا لم يرووا
حَدِيثا فِيهِ نَحْو حَارِثَة وَغَيره.
النبِيُّ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله الهَاشِمِيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم
أَي: أحد من سمي مِنْهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَإِنَّمَا، بَدَأَ بِهِ تيمناً وتبركاً بِهِ، وإلاَّ
فكونه من أهل بدر مَقْطُوع بِهِ.
أبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ عَبْدُ الله بنُ عُثْمَانَ
القُرَشِيُّ. ثُمَّ عُمَرَ بنُ الخَطَّابِ العَدَوِيُّ
ثُمَّ عُثْمَانُ بنُ عَفَّانَ خَلَّفَهُ النَّبِيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم علَى ابْنَتِهِ فضَرَبَ لَهُ
بِسَهْمِهِ. ثُمَّ عَلِيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ الهَاشِمِيُّ
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم
أَي: مِنْهُم أَبُو بكر الصّديق، واسْمه: عبد الله، وَاسم
أَبِيه: عُثْمَان وَهُوَ المكنى بِأبي قُحَافَة، ثمَّ عمر
وَعلي، لَا خلاف فِي شهودهما بَدْرًا وَأما عُثْمَان بن
عَفَّان بن أبي الْعَاصِ بن أُميَّة أَبُو عَمْرو،
وَيُقَال: أَبُو عبد الله، وَيُقَال: أَبُو ليلى
الْأمَوِي، فَإِنَّهُ لم يشْهد بَدْرًا لتخلفه على
(17/121)
تمريض زَوجته رقية وَكَانَت عليلة، وَلَكِن
لما ضرب لَهُ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بسهمه
وأجره عد فِي الْبَدْرِيِّينَ لذَلِك، فَلذَلِك ذكره
البُخَارِيّ مَعَ أبي بكر وَعمر وَعلي، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُم، وَقَدَّمَهُمْ على غَيرهم من
الصَّحَابَة لشرفهم، وَفِي بعض النّسخ: قدم رَسُول الله،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَط، وَذكر البَاقِينَ
بالترتيب، وَالدَّلِيل على كَون أبي بكر مَعَ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم بدر أَخذه بيد النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَوله: حَسبك، لما قَالَ رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أللهم إِنِّي أنْشدك ...
وَقد تقدم بَيَانه، وعَلى كَون عمر مَعَه قَوْله: يَا
رَسُول الله! مَا تكلم من أجساد لَا أَرْوَاح لَهَا،
وَذَلِكَ حِين قَالَ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل
وجدْتُم مَا وعد ربكُم حَقًا؟ وعَلى كَون عَليّ مَعَه،
قَوْله: كَانَ لي شَارف من الْمغنم يَوْم بدر، وَقد تقدم
بَيَانه.
ثُمَّ إيَاسُ بنُ البُكَيْرِ
شرع فِي ذكره من سمي من أهل بدر بترتيب حُرُوف الهجاء،
فَذكر فِي حرف الْألف: إِيَاس، بِكَسْر الْهمزَة وَفتحهَا
وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره سين
مُهْملَة: ابْن البكير، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة مصغر
بكر وَقيل: ابْن أبي البكير بن عبد ياليل بن ناشب بن غبرة
بن سعد بن لَيْث اللَّيْثِيّ، خَليفَة بني عدي، شهد
بَدْرًا وأحداً وَالْخَنْدَق والمشاهد كلهَا مَعَ رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم يذكر فِي الْهمزَة
إلاَّ إِيَاس بن البكير، وَقد شهد بَدْرًا إِيَاس آخر
وَهُوَ إِيَاس بن ورقة الْأنْصَارِيّ، وَقتل يَوْم
الْيَمَامَة شَهِيدا.
بِلاَلُ بنُ رَبَاحٍ مَوْلَى أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ
القُرَشِيِّ
لم يذكر فِي الْبَاء إلاَّ بِلَال بن رَبَاح، بتَخْفِيف
الْبَاء الْمُوَحدَة، وَقد مر فِي كتاب الْوكَالَة إِذْ
قَالَ بِلَال: يَوْم لَا نجوت إِن نجا أُمية بن خلف.
حَمْزَةُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ الْهَاشِمِيُّ
ذكره فِي حرف الْحَاء الْمُهْملَة جمَاعَة مِنْهُم:
حَمْزَة بن عبد الْمطلب عَم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَهُوَ الَّذِي قتل شيبَة بن ربيعَة يَوْم بدر وَقتل
آخَرين أَيْضا.
حاطِبُ بنُ أبِي بَلْتَعَةَ حَلِيفٌ لِقُرَيْشٍ
من الْمَذْكُورين فِي حرف الْحَاء: حَاطِب بن أبي بلتعة،
بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون اللَّام وَفتح
التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وبالعين الْمُهْملَة،
واسْمه: عَمْرو اللَّخْمِيّ حَلِيف قُرَيْش وَقد ذكر
فِيمَا تقدم أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَرَادَ
قَتله فَقَالَ لَهُ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
إِنَّه قد شهد بَدْرًا.
أبُو حُذَيْفَةَ بنُ عُتْبَةَ بنِ رَبِيعَةَ القُرَشِيُّ
أَبُو حُذَيْفَة اسْمه: هَاشم، وَيُقَال: هشيم، وَيُقَال:
مهشم بن عتبَة بن ربيعَة بن عبد شمس بن عبد منَاف الْقرشِي
العبشمي، كَانَ من فضلاء الصَّحَابَة، شهد بَدْرًا وأحداً
وَالْخَنْدَق وَالْحُدَيْبِيَة وَسَائِر الْمشَاهد مَعَ
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقتل يَوْم
الْيَمَامَة شَهِيدا، وَقد ذكر فِي: بَاب شُهُود
الْمَلَائِكَة. قَالَ: وَكَانَ مِمَّن شهد بَدْرًا.
حارِثَةُ بنُ الرَّبِيعِ الأنْصَارِيُّ قُتِلَ يَوْمَ
بَدْرٍ وهْوَ حارِثَةُ بنُ سُرَاقَةَ كانَ فِي
النَّظَّارَةِ
هَذَا أَيْضا فِي الْحَاء الْمُهْملَة، وَالربيع، بِضَم
الرَّاء مصغر الرّبيع وَهُوَ اسْم أمه، وَاسم أَبِيه:
سراقَة، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الرَّاء:
ابْن الْحَارِث بن عدي بن مَالك بن عدي بن عَامر بن غنم بن
عدي بن النجار، وَأمه أم حَارِثَة عمَّة أنس بن مَالك، قتل
يَوْم بدر، قَتله حبَان بن العرقة، وَهُوَ أول قَتِيل قتل
يَوْم بدر من الْأَنْصَار، وَقد مر فِي: بَاب فضل من شهد
بَدْرًا، قَوْله: كَانَ فِي النظارة، بتَشْديد الظَّاء
الْمُعْجَمَة وهم الْقَوْم ينظرُونَ إِلَى شَيْء. وَكَانَ
حَارِثَة ينظر مَاء بدر، وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: مَا
خرج لقِتَال.
خُبَيْبُ بنُ عَدِيٍّ الأنْصَارِيُّ
هَذَا فِي الْخَاء الْمُعْجَمَة، وخبيب، بِضَم الْخَاء
الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن عدي
الْأنْصَارِيّ الأوسي من بني جحجبى بن كلفة بن عَمْرو بن
عَوْف، وَقد مر فِي: بَاب فضل من شهد بَدْرًا، قَالَ:
كَانَ خبيب قتل الْحَارِث بن عَامر يَوْم بدر.
خُنَيْس، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح النُّون
وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَفِي آخِره سين
مُهْملَة: ابْن حذافة، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة
(17/122)
وَتَخْفِيف الذَّال الْمُعْجَمَة وبالفاء:
ابْن قيس بن عدي بن سعد بن سهم الْقرشِي السَّهْمِي، وَقد
مر فِي الْبَاب الْمُجَرّد بعد: بَاب شُهُود الْمَلَائِكَة
بَدْرًا، وَقَالَ: إِن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
حِين تأيمت حَفْصَة بنت عمر من خُنَيْس بن حذافة، وَكَانَ
من أَصْحَاب رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد شهد
بَدْرًا، توفّي بِالْمَدِينَةِ.
رِفاعَةُ بنُ رافِعٍ الأنْصَارِيُّ
رِفَاعَة، بِكَسْر الرَّاء وَتَخْفِيف الْفَاء: ابْن رَافع
ضد الْخَافِض ابْن العجلان بن عَمْرو بن عَامر بن زُرَيْق
الْأنْصَارِيّ الزرقي، وَقد مر فِي: بَاب فضل من شهد
بَدْرًا.
رفاعَةُ بنُ عَبْدِ المُنْذِرِ. أبُو لُبابَةَ
الأنْصَارِيُّ
رِفَاعَة، مثل الْمَذْكُور: ابْن عبد الْمُنْذر، بِلَفْظ
اسْم الْفَاعِل من الْإِنْذَار ضد الإبشار، أَبُو لبَابَة،
بِضَم اللَّام وَتَخْفِيف الباءين الموحدتين بَينهمَا ألف:
الْأنْصَارِيّ من بني عَمْرو بن عَوْف، وَتقدم فِي الْبَاب
الْمُتَقَدّم آنِفا، قَالَ: حَدثهُ أَبُو لبَابَة البدري،
وَقَالَ الدمياطي: إِنَّمَا هُوَ أَخُو أبي لبَابَة
وَلَيْسَ بِأبي لبَابَة، وَاسم أبي لبَابَة: بشير بن عبد
الْمُنْذر.
الزُّبَيْرُ بنُ العَوَّامِ القُرَشِيُّ
تقدم الزبير فِي عدَّة أَحَادِيث.
زَيْدُ بنُ سَهْلٍ أبُو طَلْحَةَ الأنْصَارِيُّ
مر فِيمَا تقدم، قَالَ: وَكَانَ بَدْرِيًّا، وَهُوَ زوج أم
أنس بن مَالك وَهُوَ مَشْهُور بكنيته، مَاتَ فِي سنة
إِحْدَى وَخمسين.
أَبُو زَيْدٍ الأنْصَارِيُّ
اسْمه: قيس بن السكن الْأنْصَارِيّ البُخَارِيّ، تقدم فِي
حَدِيث أنس، وَكَانَ بَدْرِيًّا.
سَعْدُ بنُ مالِكٍ الزُّهْرِيُّ
هُوَ ابْن أبي وَقاص، وَلَا خلاف فِي كَونه بَدْرِيًّا،
وَفِي بعض النّسخ لَيْسَ بمذكور.
سعْدُ بنُ خَوْلَةَ القُرَشِيُّ
تقدم فِي: بَاب الْفضل، قَالَ: وَكَانَ بَدْرِيًّا.
وسَعِيدُ بنُ زَيْدِ بنِ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ القُرَشِيُّ
تقدم فِي: بَاب الْفضل، قَالَ: وَكَانَ بَدْرِيًّا.
سَهْلُ بنُ حُنَيْفٍ الأنْصَارِيُّ
حنيف مصغر حنف بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالنُّون وَالْفَاء،
تقدم عَن قريب فِي حَدِيث عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ أَنه كبر عَلَيْهِ خمْسا، فَقَالَ: إِنَّه
شهد بَدْرًا، وَفِيه كَلَام قد ذَكرْنَاهُ عَن قريب.
ظُهَيْرُ بنُ رَافِعٍ الأنْصَارِيُّ وأخُوهُ
ظهير، بِضَم الظَّاء الْمُعْجَمَة، وَقد تقدم فِي حَدِيث
رَافع بن خديج، وَأَنه عَمه. قَوْله: (وَأَخُوهُ) أَي:
أَخُو ظهير، وَلم يسمه البُخَارِيّ، واسْمه مظهر بِلَفْظ
اسْم الْفَاعِل من الْإِظْهَار، وَقد تقدم أَنَّهُمَا
شَهدا بَدْرًا.
عبْدُ الله بنُ مَسْعُودِ الهُذَلِي
بِضَم الْهَاء وَفتح الذَّال الْمُعْجَمَة، وَقد تقدم فِي
أول الْمَغَازِي بِلَفْظ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَوْم بدر: من ينظر مَا فعل أَبُو جهل؟
فَانْطَلق ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
عُتْبَةُ بنُ مَسْعُودٍ الهُذْلِيُّ
هُوَ أَخُو عبد الله بن مَسْعُود، وَهُوَ بِضَم الْعين
وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، وَلم يتَقَدَّم
لَهُ ذكر فِيمَا مضى، قيل: وَلَا ذكره أحد مِمَّن صنف فِي
الْمَغَازِي فِي الْبَدْرِيِّينَ، وَقد سقط ذكره من
رِوَايَة النَّسَفِيّ وَلم يذكرهُ الْكرْمَانِي، وَقَالَ
أَيْضا فِي شَرحه فِي الْعدَد. وَقَالَ أَبُو عمر: عتبَة
بن مَسْعُود الْهُذلِيّ، حَلِيف بني زهرَة، أَخُو عبد الله
بن مَسْعُود شقيقه، وَقيل: أَخُوهُ من أَبِيه وَالْأول
أصح، شهد أحدا وَمَا بعْدهَا من الْمشَاهد، وَمَات
بِالْمَدِينَةِ وَصلى عَلَيْهِ عمر بن الْخطاب، وَكَانَت
وَفَاته قبل وَفَاة أَخِيه عبد الله.
عبْدُ الرَّحْمانِ بنُ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ
تقدم فِي قتل أبي جهل وَغَيره، وَفِي: بَاب الْفضل، قَالَ:
إِنِّي لفي الصَّفّ يَوْم بدر.
(17/123)
عُبَيْدَةُ بنُ الحَارِثِ القُرَشِيُّ
عُبَيْدَة بِضَم الْعين بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب بن
عبد منَاف بن قصي الْقرشِي المطلبي، وَكَانَ أسن من رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعشر سِنِين، وَكَانَ لَهُ
قدر ومنزلة عِنْد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
مَاتَ بالصفراء على لَيْلَة من بدر، وَكَانَ عتبَة بن
ربيعَة قطع رجله يَوْمئِذٍ.
عُبَادَةُ بنُ الصَّامِتِ الأنْصَارِيُّ
بِضَم الْعين وَتَخْفِيف الْمُوَحدَة، ذكر فِي: بَاب، بعد:
بَاب شُهُود الْمَلَائِكَة بَدْرًا، بِلَفْظ: وَكَانَ شهد
بَدْرًا.
عَمْرُو بنُ عَوْفٍ حَلِيفُ بَنِي عامِرِ بنِ لُؤَيٍّ
قَالَ أَبُو عمر: شهد بَدْرًا وَسكن الْمَدِينَة، وَلَا
عقب لَهُ.
عُقْبَةُ بنُ عَمْرٍ والأنْصَارِيُّ
هُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ: أَبُو مَسْعُود البدري، تقدم
ذكره فِي ثَلَاثَة أَحَادِيث.
عامِرُ بنُ رَبِيعَةَ العَنَزِيُّ
بِفَتْح الْعين وَالنُّون وبالزاي، وَوَقع فِي رِوَايَة
الْكشميهني: الْعَدوي، وَكِلَاهُمَا صَوَاب، لِأَنَّهُ
عنزي الأَصْل عدوى الْحلف، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة معمر
بن الْمثنى: عَامر بن الربيعة الْعَدوي، حَلِيف عمر بن
الْخطاب، كَانَ بَدْرِيًّا، مَاتَ سنة ثَلَاث
وَثَلَاثِينَ.
عاصِمُ بنُ ثابِتٍ الأنْصَارِيُّ
تقدم فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بَاب قتل الْأَسير، قَالَ:
كَانَ قتل رجلا من عظمائهم يَوْم بدر.
عُوَيْمُ بنُ سَاعِدَةَ الأنْصَارِيُّ
عويم مصغر الْعَام، تقدم فِي حَدِيث السَّقِيفَة.
عِتْبَانُ بنُ مَالِكٍ الأنْصَارِيُّ
عتْبَان، بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون التَّاء
الْمُثَنَّاة من فَوق وبالباء الْمُوَحدَة، تقدم فِيمَا
بعد شُهُود الْمَلَائِكَة بَدْرًا.
قُدَامَةُ بنُ مَظْعُونٍ
قدامَة، بِضَم الْقَاف وَتَخْفِيف الدَّال: ومظعون، بالظاء
الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة، وَتقدم فِي الْبَاب
الْمَذْكُور.
قَتَادَةُ بنُ النُّعْمَانِ الأنْصَارِيُّ
تقدم فِي أَوَائِل الْبَاب فِي حَدِيث أبي سعيد.
مُعاذُ بنُ عَمْرِو بنِ الجَمُوحِ
معَاذ، بِضَم الْمِيم وبالعين الْمُهْملَة وبالذال
الْمُعْجَمَة: ابْن عَمْرو، بِفَتْح الْعين: ابْن الجموح،
بِفَتْح الْجِيم، وَقد تقدم فِي: بَاب من لم يُخَمّس
الأسلاب، حَيْثُ قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: سلبه أَي: سلب أبي جهل لِمعَاذ بن عَمْرو.
مُعَوِّذُ بنُ عَفْرَاءَ وأخُوهُ
معوذ، بِضَم الْمِيم وَفتح الْعين وَتَشْديد الْوَاو
الْمَكْسُورَة وَبِفَتْحِهَا على الْأَشْهر، وَجزم الوقشي
أَنه بِالْكَسْرِ: ابْن عفراء، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة
وَسُكُون الْفَاء وبالراء وَالْمدّ، وَقد ذكرنَا أَن عفراء
اسْم أمه، وَهُوَ معوذ بن الْحَارِث بن رِفَاعَة، قَالَ
أَبُو عمر: معوذ بن عفراء هُوَ الَّذِي قتل أَبَا جهل
يَوْم بدر، ثمَّ قَاتل حَتَّى قتل يَوْمئِذٍ ببدر شَهِيدا،
قَتله أَبُو مسافع. قَوْله: (وَأَخُوهُ) ، واسْمه: عَوْف
ابْن الْحَارِث، تقدم ذكرهمَا.
مالِكُ بنُ رَبِيعَةَ أبُو أُسَيْدٍ الأنْصَارِيُّ
مَالك بن ربيعَة بن الْبدن بن عَامر بن عَوْف بن عَمْرو بن
الْخَزْرَج بن سَاعِدَة أَبُو أسيد، بِضَم الْهَمْز وَفتح
السِّين: الْأنْصَارِيّ السَّاعِدِيّ، وَقَالَ أَبُو عمر:
صَحَّ عَن إِبْنِ إِسْحَاق: الْبدن، بِالْبَاء المنقوطة
وبالنون، شهد بَدْرًا وَغَيرهَا، وَمَات بِالْمَدِينَةِ
سنة سِتِّينَ، وَقد يتَوَهَّم من لَا معرفَة لَهُ بِهَذَا
الْفَنّ أَن مَالك بن ربيعَة هُوَ عطف بَيَان من قَوْله:
وَأَخُوهُ، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل قَوْله: مَالك بن ربيعَة
كَلَام مُسْتَأْنف، وَلَكِن لَو قَالَ بواو الْعَطف
لَكَانَ أولى وَأبْعد من الْوَهم الْمَذْكُور، على أَن فِي
بعض النّسخ قد وَقع
(17/124)
بواو الْعَطف عِنْد بعض الروَاة.
مُرَارَةُ بنُ الرَّبِيِعِ الأنْصَارِيُّ
مرَارَة، بِضَم الْمِيم: ابْن الرّبيع، وَيُقَال: ابْن
ربيعَة الْأنْصَارِيّ، من بني عَمْرو بن عَوْف، شهد
بَدْرًا وَهُوَ أحد الثَّلَاثَة الَّذين تخلفوا عَن رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة تَبُوك، وَلم
يذكرهُ بَعضهم بِنَاء على مَا قيل: إِنَّه لَيْسَ ببدري،
وَذكر فِي: بَاب الْفضل، قَالَ: ذكرُوا مرَارَة وهلالاً
رجلَيْنِ صالحين شَهدا بَدْرًا.
مَعْنُ بنُ عَدِيُ الأنْصَارِيُّ
تقدم مَعَ ذكر عويم بن سَاعِدَة.
مِسْطَحُ بنُ أُثاثَةَ بنِ عَبَّادِ بنِ عَبْدِ
المُطَّلِبِ بنِ عَبْدِ مَنافٍ
مسطح، بِكَسْر الْمِيم: ابْن أَثَاثَة، بِضَم الْهمزَة
والثاءين المثلثتين، وَقد تقدم عَن قريب.
مِقْدَادُ بنُ عَمْرٍ والكِنْدِيُّ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ
مقداد بِكَسْر الْمِيم، وَقد تقدم ذكره قَرِيبا.
هِلالُ بنُ أُمَيَّةَ الأنْصَارِيُّ رَضِي الله تَعَالَى
عنهُمْ
ذكره فِي قصَّة كَعْب مَعَ مرَارَة فَجَمِيع مَا ذكره
البُخَارِيّ هُنَا: أَرْبَعَة وَأَرْبَعُونَ غير النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
14 - (بابُ حَدِيثِ بَنِي النَّضِيرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حَدِيث بني النَّضِير، بِفَتْح
النُّون وَكسر الضَّاد الْمُعْجَمَة، وهم قَبيلَة من يهود
الْمَدِينَة، وَكَانَ بَينهم وَبَين رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم عقد موادعة، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق:
قُرَيْظَة وَالنضير والنحام وعمو هم أصُول بني الْخَزْرَج
بن الصَّرِيح بن التومان ابْن السمط بن أليسع بن سعد بن
لاوي بن خير بن النحام بن تخوم بن عازر بن عزراء بن
هَارُون بن عمرَان بن يصهر بن فاهث ابْن لاوي بن يَعْقُوب
وَهُوَ إِسْرَائِيل بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم خَلِيل
الرَّحْمَن، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.
ومَخْرَجِ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلَيْهِمْ
فِي دِيَّةِ الرَّجُلَيْنِ ومَا أرَادُوا مِنَ الغَدْرِ
بِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ومخرج، بِالْجَرِّ عطف على، حَدِيث بني النَّضِير، أَي:
وَفِي بَيَان خُرُوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
وَهُوَ مصدر ميمي. قَوْله: إِلَيْهِم، أَي: إِلَى بني
النَّضِير، قَوْله: (فِي دِيَة الرجلَيْن) كلمة: فِي هُنَا
للتَّعْلِيل أَي: كَانَ خُرُوجه إِلَيْهِم بِسَبَب دِيَة
الرجلَيْن، وَذَلِكَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَذَلِك
الَّذِي لمتنني فِيهِ} (يُوسُف: 32) . وَفِي الحَدِيث:
امْرَأَة دخلت النَّار فِي هرة، وَكَانَ الرّجلَانِ
الْمَذْكُورَان من بني عَامر، قَالَه ابْن إِسْحَاق،
وَقَالَ ابْن هِشَام: من بني كلاب، وَذكر أَبُو عمر
أَنَّهُمَا من سليم، فَخَرَجَا من الْمَدِينَة وَنزلا فِي
ظلّ فِيهِ عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي، وَكَانَ مَعَهُمَا
عقد وعهد من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجوَار،
وَلم يعلم بِهِ عَمْرو، وَقد سَأَلَهُمَا حِين نزلا:
مِمَّن أَنْتُمَا؟ فَقَالَا: من بني عَامر، فأمهلهما
حَتَّى إِذا نَامَا عدا عَلَيْهِمَا فَقَتَلَهُمَا، وَلما
قدم عَمْرو على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخْبرهُ، قَالَ: لقد قتلت قَتِيلين لأودينَّهما، فَخرج
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بني النَّضِير
مستعيناً بهم فِي دِيَة الْقَتِيلين، قَالَ إِبْنِ
إِسْحَاق: وَكَانَ بَين بني النَّضِير وَبني عَامر حلف
وَعقد، فَقَالُوا: نعم يَا أَبَا الْقَاسِم نعينك، ثمَّ
خلا بَعضهم بِبَعْض، فَقَالُوا: إِنَّكُم لن تَجدوا الرجل
على مثل حَاله هَذِه، وَرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم إِلَى جنب جِدَار من بُيُوتهم قَاعد، فَمن رجل
يَعْلُو على هَذَا الْبَيْت فيلقي عَلَيْهِ صَخْرَة
فَيُرِيحنَا مِنْهُ؟ فَانْتدبَ لذَلِك عَمْرو بن جحاش،
بِكَسْر الْجِيم وَتَخْفِيف الْحَاء الْمُهْملَة وبالشين
الْمُعْجَمَة: ابْن كَعْب أحدهم، فَقَالَ: أَنا لذَلِك،
فَصَعدَ ليلقي عَلَيْهِ صَخْرَة، وَكَانَ رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نفر فيهم أَبُو بكر وَعمر وَعلي،
وَزَاد أَبُو نعيم: الزبير وَطَلْحَة وَسعد بن معَاذ
وَأسيد بن حضير وَسعد بن عبَادَة، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُم، قَالَ ابْن إِسْحَاق: فَأتى رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم الْخَبَر من السَّمَاء بِمَا أَرَادَ
الْقَوْم، فَقَامَ وَخرج رَاجعا إِلَى الْمَدِينَة،
وَهَذَا معنى قَوْله: (وَمَا أَرَادوا) أَي: وَفِي بَيَان
مَا أَرَادَ بَنو النَّضِير من الْغدر برَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ ابْن سعد: خرج إِلَيْهِم
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَسْتَعِينهُمْ
يَوْم السبت فِي شهر ربيع الأول على رَأس سَبْعَة
وَثَلَاثِينَ شهرا من الْهِجْرَة بعد غَزْوَة الرجيع،
وَأَن ابْن جحاش لما همَّ بِما هَمَّ بِهِ، قَالَ سَلام بن
مشْكم: لَا تَفعلُوا، وَالله ليخبرن بِمَا هممتم وَإنَّهُ
لينقض الْعَهْد بَيْننَا وَبَينه، وَبعث إِلَيْهِم
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُحَمَّد بن مسلمة: أَن
أخرجُوا من بلدي لَا تساكنوني بهَا، وَقد
(17/125)
هممتم بِمَا هممتم بِهِ من الْغدر، وَقد
أجَّلتكم عشرا، فَمن رئي بعد ذَلِك فقد ضربت عُنُقه،
فَمَكَثُوا أَيَّامًا يَتَجَهَّزُونَ، فَأرْسل إِلَيْهِم
ابْن أبي فَثَبَّطَهُمْ، فأرسلوا إِلَى النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّا لَا نخرج فَاصْنَعْ مَا بدا لَك،
فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الله أكبر حَارَبت يهود،
فَخرج إِلَيْهِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاعتزلتهم
قُرَيْظَة، فَلم تعنهم وخذلهم ابْن أبي وحلفاؤهم من غطفان
فَحَاصَرَهُمْ خَمْسَة عشر يَوْمًا، وَقَالَ ابْن الطلاع:
ثَلَاثَة وَعشْرين يَوْمًا، وَعَن عَائِشَة، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهَا: خَمْسَة وَعشْرين يَوْمًا، وَقَالَ ابْن
سعد: ثمَّ أجلاهم فَتَحملُوا على سِتّمائَة بعير وَكَانَت
صفياً لَهُ حبسا لنوائبه، وَلم يخمسها وَلم يُسهم مِنْهَا
لأحد إلاَّ لأبي بكر وَعمر وَابْن عَوْف وصهيب بن سِنَان
وَالزُّبَيْر بن الْعَوام وَأبي سَلمَة بن عبد الْأسد
وَأبي دُجَانَة، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: فاحتملوا إِلَى
خَيْبَر وَإِلَى الشَّام، وَقَالَ: فَحَدثني عبد الله بن
أبي بكر أَنهم خلوا الْأَمْوَال من الْخَيل والمزارع
لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة، وَقَالَ
إِبْنِ إِسْحَاق: لم يسلم مِنْهُم إلاَّ يَامِين بن
عُمَيْر، وَأَبُو سعيد ابْن وهب، فأحرزا أموالهما.
قَالَ الزُّهْرِيُّ عنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ كانَتْ
عَلَى رأسِ سِتَّةِ أشْهُرٍ مِنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ قَبْلَ
أحُدٍ أَي: قَالَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن
عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام: كَانَت غَزْوَة بني
النَّضِير على رَأس سِتَّة أشهر من وقْعَة غَزْوَة بدر قبل
غَزْوَة أحد، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله الْحَاكِم عَن أبي
عبد الله الْأَصْبَهَانِيّ: حَدثنَا الْحُسَيْن بن جهم
حَدثنَا مُوسَى بن الْمسَاوِر حَدثنَا عبد الله بن معَاذ
عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ بِهِ.
وقَوْلِ الله تعَالى {هُوَ الَّذِي أخْرَجَ الَّذِينَ
كَفَرُوا مِنْ أهْلِ الكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأِوَّلِ
الحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أنْ يَخْرُجُوا} (الْحَشْر: 2) .
وَقَول الله، بِالْجَرِّ عطفا على قَوْله: ومخرج رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، هَذِه الْآيَة من سُورَة
الْحَشْر، قَالَ أَبُو إِسْحَاق: أنزل الله تَعَالَى هَذِه
السُّورَة بكمالها فِي بني النَّضِير، فِيهَا مَا
أَصَابَهُم بِهِ من نقمة وَمَا سلط عَلَيْهِم رَسُوله
وَمَا عمل بِهِ فيهم. قَوْله: (لأوّل الْحَشْر) أَي:
الْجلاء، وَذَلِكَ أَن بني النَّضِير أول من أخرج من
دِيَارهمْ، وروى ابْن مرْدَوَيْه قصَّة بني النَّضِير
بِإِسْنَاد صَحِيح مُطَوَّلَة، وَفِيه: أَنه صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَاتلهم حَتَّى نزلُوا على الْجلاء،
وَكَانَ جلاؤهم ذَلِك أول حشر النَّاس إِلَى الشَّام،
وَكَذَا رَوَاهُ عبد بن حميد فِي (تَفْسِيره) : عَن عبد
الرَّزَّاق، وَفِيه رد على ابْن التِّين حَيْثُ زعم أَنه
لَيْسَ فِي هَذِه الْقِصَّة حَدِيث بِإِسْنَاد.
وجعَلَهُ ابنُ إسْحَاقَ بَعْد بِئرِ مَعُونَةَ وأُحُدٍ
أَي: جعل مُحَمَّد بن إِسْحَاق صَاحب (الْمَغَازِي) قتال
بني النَّضِير بعد بِئْر مَعُونَة، فَكَانَت فِي صفر من
سنة أَربع من الْهِجْرَة، وَقَالَ إِبْنِ إِسْحَاق:
أَقَامَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بعد أحد
بَقِيَّة شَوَّال وَذَا الْقعدَة وَذَا الْحجَّة
وَالْمحرم، ثمَّ بعث بأصحاب بِئْر مَعُونَة فِي صفر على
رَأس أَرْبَعَة أشهر من أحد، وَقَالَ مُوسَى بن عقبَة:
كَانَ أَمِير الْقَوْم الْمُنْذر بن عَمْرو، وَيُقَال:
مرْثَد بن أبي مرْثَد، وَوَقع فِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ:
وَجعله إِسْحَاق، قَالَ عِيَاض: وَهُوَ وهم، وَالصَّوَاب
ابْن إِسْحَاق، وَهُوَ: مُحَمَّد بن إِسْحَاق ابْن يسَار،
وَقَالَ الْكرْمَانِي: مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن نصر،
بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْمُهْملَة، وَلَيْسَ كَذَلِك،
وَالصَّوَاب: ابْن يسَار، وَهُوَ مَشْهُور لَيْسَ فِيهِ
خَفَاء.
4028 - حدَّثنا إسْحَاقُ بنُ نَصْرٍ حدَّثنا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ أخْبرَنَا ابنُ جُرَيْجٍ عنْ مُوساى بنِ
عُقْبَةَ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى
عنهُما قَالَ حارَبَتِ النَّضِيرُ وقُرَيْظَةُ فأجْلى
بَنِي النَّضِيرِ وأقَرَّ قُرَيْظَةَ ومَنَّ علَيْهِمْ
حتَّى حارَبَتْ قُرَيْظَةُ فقَتَلَ رِجالَهُمْ وقَسَمَ
نِساءَهُمْ وأوْلاَدَهُمْ وأمْوَالَهُمْ بَيْنَ
الْمُسْلِمِينَ إلاَّ بَعْضَهُمْ لَحِقُوا بالنَّبِيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فأمَّنَهُمْ وأسْلَمُوا وأجْلَى
يَهُودَ المَدِينَةِ كلَّهُمْ بَني قَيْنُقَاعَ وهُمْ
رَهْطُ عَبْدِ الله بنِ سَلامٍ ويَهُودَ بَنِي حارِثَةَ
وكُلَّ يَهُودٍ بالمَدِينَةِ.
(17/126)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْحَاق
بن نصر هُوَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن نصر السَّعْدِيّ
البُخَارِيّ، وَالْبُخَارِيّ يروي عَنهُ، فَتَارَة ينْسبهُ
إِلَى أَبِيه، وَتارَة إِلَى جده، وَعبد الرَّزَّاق بن
همام الْيَمَانِيّ، وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد
الْعَزِيز بن جريج الْمَكِّيّ، ومُوسَى بن عقبَة بن أبي
عَيَّاش الْأَسدي الْمدنِي.
قَوْله: (حَارَبت النَّضِير) فعل وفاعل. قَوْله:
(وَقُرَيْظَة) بِالرَّفْع عطف على: النَّضِير، وَهُوَ
مصغر: الْقرظ، بِالْقَافِ وَالرَّاء والظاء، وهم أَيْضا
قَبيلَة من يهود الْمَدِينَة، وَالْمَفْعُول مَحْذُوف
تَقْدِيره: حَارَبت هَاتَانِ القبيلتان رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (فَأجلى) ، أَي: النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالضَّمِير الَّذِي فِيهِ هُوَ
الْفَاعِل. قَوْله: (وَبني النَّضِير) ، بِالنّصب
مَفْعُوله، يُقَال: جلا من الوطن يجلو جلاء، وَأجلى يجلي
إجلاء: إِذا خرج مفارقاً، وجلوته أَنا وأجليته،
وَكِلَاهُمَا لَازم ومتعد. قَوْله: (وَأقر قُرَيْظَة) ،
أَي: فِي مَنَازِلهمْ (وَمن عَلَيْهِم) وَلم يَأْخُذ
مِنْهُم شَيْئا. قَوْله: (حَتَّى حَارَبت قُرَيْظَة) ،
يَعْنِي: إِقْرَاره، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ومنَّه
عَلَيْهِم إِلَى أَن حَاربُوا. قَوْله: (فَقتل رِجَالهمْ)
، يَعْنِي: لما حَاربُوا مَعَ رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، حَاصَرَهُمْ رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، خَمْسَة وَعشْرين يَوْمًا حَتَّى جهدهمْ
الْحصار، وَقذف الله فِي قُلُوبهم الرعب فنزلوا على حكم
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (فَقتل رِجَالهمْ
وَقسم نِسَاءَهُمْ وَأَوْلَادهمْ وَأَمْوَالهمْ بَين
الْمُسلمين) بَعْدَمَا أخرج الْخمس، فَأعْطى للفارس
ثَلَاثَة أسْهم: سَهْمَيْنِ للْفرس، وَسَهْما لفارسه،
وَسَهْما للراجل، وَكَانَت الْخَيل: سِتَّة وَثَلَاثِينَ.
قَوْله: (إلاَّ بَعضهم) أَي: إلاَّ بعض قُرَيْظَة. قَوْله:
(فَأَمنَهُمْ) أَي: جعلهم أمنين. قَوْله: (بني قينقاع)
بِالنّصب على أَنه بدل من قَوْله: يهود بِالْمَدِينَةِ،
وَنون قينقاع مُثَلّثَة. قَوْله: (وكل يهود) أَي: وَأجلى
كل يهود بِالْمَدِينَةِ، ويروى: كل يهود الْمَدِينَة.
4029 - حدَّثني الحَسَنُ بنُ مُدْرِكٍ حدَّثنا يَحْيَى بنُ
حَمَّادٍ أخبرَنَا أبُو عَوَانَةَ عنْ أبِي بِشْرٍ عنْ
سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ قَالَ قُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ
سُورَةُ الحَشْرِ قَالَ قُلْ سُورَةُ النَّضِيرِ. .
الْحسن بن مدرك، على لفظ اسْم الْفَاعِل من الْإِدْرَاك،
أَبُو عَليّ الطَّحَّان، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَيحيى بن
حَمَّاد الشَّيْبَانِيّ الْبَصْرِيّ، مَاتَ سنة خمس عشرَة
وَمِائَتَيْنِ، وَأَبُو عوَانَة، بِفَتْح الْعين
الْمُهْملَة: الوضاح بن عبد الله الْيَشْكُرِي
الوَاسِطِيّ، وَأَبُو بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة
وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: جَعْفَر بن أبي وحشية إِيَاس
الْيَشْكُرِي الوَاسِطِيّ. قَوْله: (قل سُورَة النَّضِير)
لِأَنَّهَا نزلت فيهم، وَقَالَ الدَّاودِيّ: كَأَن ابْن
عَسَاكِر كره تَسْمِيَتهَا سُورَة الْحَشْر لِئَلَّا يظنّ
أَن المُرَاد بالحشر يَوْم الْقِيَامَة.
تابَعَهُ هُشَيْمٌ عنْ أبِي بِشْرٍ
أَي: تَابع أَبَا عوَانَة هشيمُ بنُ بشير الوَاسِطِيّ فِي
رِوَايَته عَن أبي بشر، وَوصل البُخَارِيّ هَذِه
الْمُتَابَعَة فِي التَّفْسِير كَمَا سَيَأْتِي، إِن شَاءَ
الله تَعَالَى.
4030 - حدَّثنا عبْدُ الله بنُ أبِي الأسْودِ حدَّثنا
مُعْتَمَرٌ عنْ أبِيهِ سَمِعْتُ أنَسَ بنَ مالِكٍ رَضِي
الله تَعَالَى عنهُ قَالَ كانَ الرَّجُلُ يَجْعَلُ
للنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّخَلاتِ حتَّى
افْتَتَحَ قُرَيْظَةَ والنَّضِيرَ فَكانَ بَعْدَ ذالِكَ
يَرُدُّ علَيْهِمْ. مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَعبد
الله بن أبي الْأسود، واسْمه: حميد بن الْأسود أَبُو بكر
الْبَصْرِيّ الْحَافِظ، وَهُوَ من أَفْرَاده، ومعتمر بن
سُلَيْمَان يروي عَن أَبِيه سُلَيْمَان بن طرخان
الْبَصْرِيّ، والْحَدِيث بِعَيْنِه سنداً ومتناً مضى فِي
الْخمس فِي: بَاب كَيفَ قسم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، قُرَيْظَة وَالنضير، وَمضى الْكَلَام فِيهِ
هُنَاكَ.
76 - (حَدثنَا آدم حَدثنَا اللَّيْث عَن نَافِع عَن ابْن
عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ حرق رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نخل بني النَّضِير وَقطع
وَهِي البويرة فَنزلت {مَا قطعْتُمْ من لينَة أَو
تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَة على أُصُولهَا فبإذن الله} )
(17/127)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وآدَم هُوَ
ابْن أبي إِيَاس والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي
التَّفْسِير عَن قُتَيْبَة وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي
عَن يحيى بن يحيى وقتيبة وَمُحَمّد بن رمح وَأخرجه أَبُو
دَاوُد فِي الْجِهَاد عَن مُحَمَّد بن رمح وَأخرجه
التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ جَمِيعًا فِي السّير وَفِي
التَّفْسِير عَن قُتَيْبَة بِهِ وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي
الْجِهَاد عَن مُحَمَّد بن رمح وَلما روى التِّرْمِذِيّ
هَذَا الحَدِيث قَالَ وَقد ذهب قوم من أهل الْعلم إِلَى
هَذَا وَلم يرَوا بَأْسا بِقطع الْأَشْجَار وتخريب
الْحُصُون وَكره بَعضهم ذَلِك وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَنهى أَبُو بكر الصّديق رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ أَن يقطع شَجرا مثمرا وَيخرب عَامِرًا
وَعمل بذلك الْمُسلمُونَ بعده وَقَالَ الشَّافِعِي لَا
بَأْس بالتحريق فِي أَرض الْعَدو وَقطع الْأَشْجَار
وَالثِّمَار وَقَالَ أَحْمد قد يكون فِي مَوَاضِع لَا
يَجدونَ مِنْهُ بدا فَأَما بالعبث فَلَا يحرق وَقَالَ
إِسْحَق التحريق سنة إِذا كَانَ لكَافِر فِيهَا انْتهى قلت
مَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن الشَّافِعِي من أَنه لَا
بَأْس بالتحريق وَقطع الْأَشْجَار حَكَاهُ النَّوَوِيّ فِي
شرح مُسلم عَن الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَالْجُمْهُور
وَالْمَعْرُوف ذَلِك قَوْله " نخل بني النَّضِير " هَذِه
رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره نخل النَّضِير
قَوْله وَهِي البويرة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة مصغر
البورة وَهُوَ مَوضِع بِقرب الْمَدِينَة ونخل كَانَ لبني
النَّضِير وَقَالَ الْجَوْهَرِي البؤرة بِالْهَمْزَةِ
الحفرة قَوْله من لينَة اخْتلفُوا فِي تَفْسِيرهَا فَقَالَ
أَبُو عُبَيْدَة معمر بن الْمثنى اللينة من الألوان وَهِي
مَا لم تكن برنية وَلَا عَجْوَة وَقَالَ ابْن إِسْحَق
اللينة مَا خَالف الْعَجْوَة من النخيل وَهُوَ قَول
عِكْرِمَة وَيزِيد بن رُومَان وَقَتَادَة وروى عَن ابْن
عَبَّاس أَيْضا وَهُوَ الَّذِي رَجحه النَّوَوِيّ وَيُقَال
اللينة أَنْوَاع التَّمْر كلهَا إِلَّا الْعَجْوَة وَقيل
كرام النّخل وَقيل كل النّخل وَقيل كل الْأَشْجَار للينها
وَقيل هِيَ النَّخْلَة الْقَرِيبَة من الأَرْض وَقيل
اللينة الْعَجْوَة والعتيق والنخيل رَوَاهُ ابْن
مرْدَوَيْه فِي التَّفْسِير عَن جَابر بن عبد الله قَوْله
" فبإذن الله " قيل يحْتَمل أَن يُرَاد بِالْعلمِ وَمِنْه
قَوْله تَعَالَى {فأذنوا بِحَرب} أَي فاعلموا وَيحْتَمل
أَن يُرَاد بِالْإِذْنِ إِبَاحَة الْفِعْل وَهُوَ
الْأَظْهر وَقَالَ ابْن إِسْحَق فبأمر الله وعَلى هَذَا
فَهَل اسْتمرّ الْأَمْرَانِ بعد ذَلِك أَنهم يخيرون بَين
قطع النخيل وَتَحْرِيقهَا وَبَين إبقائها أَو أَن ذَلِك
كَانَ على التَّرْتِيب فَكَانَ الْإِذْن أَولا فِي الْقطع
ثمَّ فِي التّرْك آخرا أما على سَبِيل الْوُجُوب
والاستحباب فَيكون الْقطع وَالتَّحْرِيق مَنْسُوخا قيل يدل
عَلَيْهِ حَدِيث جَابر رَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه فِي
تَفْسِيره من رِوَايَة سُلَيْمَان بن مُوسَى عَن أبي
الزبير عَن جَابر قَالَ رخص لَهُم رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي قطع النّخل ثمَّ شدد
عَلَيْهِم فَأتوا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فَقَالَ يَا رَسُول الله علينا إِثْم فِيمَا
قَطعنَا أَو وزر فِيمَا تركنَا فَأنْزل الله تَعَالَى {مَا
قطعْتُمْ من لينَة} الْآيَة فَدلَّ ذَلِك على أَنه
نَهَاهُم عَن الْقطع فَيكون محمل الْآيَة مَا قطعْتُمْ من
لينَة أَولا بِالْإِذْنِ فِي الْقطع أَو تَرَكْتُمُوهَا
آخرا بِالنَّهْي عَن ذَلِك فبإذن الله فِي الْحَالَتَيْنِ
مَعًا لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
رخص أَولا ثمَّ نَهَاهُم آخرا قلت حَدِيث جَابر ضَعِيف
وَسليمَان بن مُوسَى الْأَشْدَق عِنْده مَنَاكِير قَالَه
البُخَارِيّ وَفِيه أَيْضا سُفْيَان بن وَكِيع مُتَكَلم
فِيهِ وَقَالَ أَبُو زرْعَة يتهم بِالْكَذِبِ فَحَدِيث
جَابر لَا يَصح -
4032 - حدَّثني إسْحَاقُ أخبَرَنَا حَبَّانُ أخْبَرَنَا
جُوَيْرِيَةُ بنُ أسْمَاءَ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ
رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّ النَّبِيَّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم حرَّقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ قَالَ
ولَهَا يَقُولُ حَسَّانُ بنُ ثَابِتٍ
(وَهَانَ علَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ حرِيقٌ
بالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ)
قَالَ فأجَابَهُ أبُو سُفْيَانَ بنُ الحَارِثِ
(أدَامَ الله ذالِكَ مِنْ صَنِيعٍ ... وحَرَّقَ فِي
نَوَاحِيهَا السَّعِيرُ)
(سَتَعْلَمُ أيُّنَا مِنْهَا بِنُزْهٍ ... وتَعْلَمُ أيَّ
أرْضَيْنَا تَضِيرُ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَإِسْحَاق هُوَ ابْن
مَنْصُور الْمروزِي، وَقيل: إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه،
وَالْأول أشهر، وحبان، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة
وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن هِلَال الْبَاهِلِيّ
الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث مر فِي كتاب الْمُزَارعَة فِي: بَاب قطع الشّجر
وَالنَّخْل، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، وَنَذْكُر بعض
شَيْء لبعد المدى.
قَوْله: (وَهَان) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: لهان،
بِاللَّامِ بدل الْوَاو، وَفِي رِوَايَة
(17/128)
الْإِسْمَاعِيلِيّ: هان، بِلَا لَام وَلَا
وَاو. قَوْله: (على سراة) سراة الْقَوْم ساداتهم. قَوْله:
(بني لؤَي) ، بِضَم اللَّام وَفتح الْهمزَة وَتَشْديد
الْيَاء، وَالْمرَاد بهم صَنَادِيد قُرَيْش وأكابرهم.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَي: رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وأقاربه، وَفِي (التَّوْضِيح) : لِأَن
قُريْشًا هم الَّذين حملُوا كَعْب بن أَسد الْقرظِيّ،
صَاحب عقد بني قُرَيْظَة، على نقض الْعَهْد بَينه وَبَين
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى خرج مَعَهم إِلَى
الخَنْدَق. قَوْله: (مستطير) ، أَي: منتشر مشتعل. قَوْله:
(فَأَجَابَهُ أَبُو سُفْيَان) ، هُوَ ابْن الْحَارِث بن
عبد الْمطلب وَهُوَ ابْن عَم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، وَكَانَ حِينَئِذٍ لم يسلم وَقد أسلم بعد فِي
الْفَتْح، وَثَبت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بحنين. قَوْله: (أدام الله) ، قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن
قلت: كَيفَ قَالَ: أدام الله ذَلِك، أَي: تحريق الْمُسلمين
أَرض الْكَافرين، وَهُوَ كَانَ كَافِرًا لَا يَدْعُو
لَهُم؟ قلت: غَرَضه: أدام الله تحريق تِلْكَ الأَرْض
بِحَيْثُ يتَّصل بنواحيها، وَهِي الْمَدِينَة وَسَائِر
مَوَاضِع أهل الْإِسْلَام، فَيكون دُعَاء عَلَيْهِم لَا
لَهُم. قَوْله: (مِنْهَا) ، أَي: من البويرة، أَي:
جِهَتهَا وإحراقها، ويروى: مِنْهُم، أَي: من بني
النَّضِير. قَوْله: (بنزه) ، بِضَم النُّون وَسُكُون
الزَّاي أَي: ببعد، وزنا وَمعنى، وَهُوَ فِي الأَصْل من
النزاتهة وَهِي الْبعد من السوء، وَجَاء فِيهِ فتح
النُّون. قَوْله: (أَي أرضينا) ، بالتثنية أَي:
الْمَدِينَة الَّتِي هِيَ دَار الْإِيمَان، وَمَكَّة
الَّتِي كَانَت بهَا الْكفَّار. قَوْله: (تضير) ، بِفَتْح
التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَكسر الضَّاد الْمُعْجَمَة
من: ضار يضير ضيراً، وَهُوَ الضّر. قَالَ الْكرْمَانِي:
وَفِي بَعْضهَا: نضير، بالنُّون من النضارة على وزن: فعيل،
وَقد وَقع فِي (عُيُون الْأَثر) لأبي الْفَتْح بن سيد
النَّاس: عَن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ أَن الَّذِي
قَالَ:
هان على سراة بني لؤَي
هُوَ أَبُو سُفْيَان ابْن الْحَارِث، وَأَنه قَالَ: عز،
بدل: هان، وَأَن الَّذِي أجَاب بقوله:
أدام الله ذَلِك من صَنِيع
الْبَيْتَيْنِ هُوَ حسان، قَالَ: وَهُوَ من أشبه من
الرِّوَايَة الَّتِي وَقعت فِي البُخَارِيّ انْتهى. قيل:
لم يذكر مُسْتَند التَّرْجِيح، وَالَّذِي يظْهر أَن
الَّذِي فِي (الصَّحِيح) أصح. انْتهى. قلت: يصلح للترجيح
قَول أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ لأنى أَدْرِي بذلك من
غَيره، على مَا لَا يخفى على أحد.
4033 - حدَّثنا أبُو اليَمَانِ أخبَرَنا شُعَيْبٌ عنِ
الزُّهْرِيِّ قَالَ أخبَرَنِي مالِكُ بنُ أوْسِ بنِ
الحَدَثَانِ النَّصْرِيِّ أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ دعَاهُ إذْ جاءَهُ حاجِبُهُ
يَرْفا فَقَالَ هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ وَعَبْدِ
الرَّحْمَنِ والزُّبَيْرِ وسَعْدٍ يَسْتأذِنُونَ فَقَالَ
نَعَمْ فأدْخِلْهُمْ فلَبِثَ قَلِيلاً ثُمَّ جاءَ فقَالَ
هَلْ لَكَ فِي عَبَّاسٍ وعَلِيٍّ يَسْتَأذِنَانِ قَالَ
نَعَمْ فلَمَّا دَخَلاَ قَالَ عَبَّاسٌ يَا أمِيرَ
المُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنِي وبَيْنَ هاذَا وهُمَا
يَخْتَصِمَانِ فِي الَّذِي أفَاءَ الله علَى رسُولِهِ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ مَالِ بَنِي النَّضِيرِ
فاسْتَبَّ علِيٌّ وعَبَّاسٌ فَقَالَ الرَّهْطُ يَا أمِيرَ
المُؤْمِنِينَ اقْضِ بيْنَهُمَا وأرِحْ أحَدَهُمَا مِنَ
الآخَرِ فَقَالَ عُمَرُ إتِّئِدُوا أنْشُدُكُمْ بِاللَّه
الَّذِي بإذْنِهِ تَقُومُ السَّماءُ والأرْضُ هَلْ
تَعْلَمونَ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ لاَ نُورِثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ يُرِيدُ
بِذَلِكَ نَفْسَهُ قالُوا قدْ قَالَ ذالِكَ فأقْبَلَ
عُمَرُ علَى عَبَّاسٍ وعَلِي فَقَالَ أنْشُدُكُمَا
بِاللَّه هَلْ تَعْلَمَانِ أنَّ رسُولَ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَدْ قالَ ذَلِكَ قالاَ نَعَمْ قَالَ
فإنِّي أُحَدِّثُكُمْ عنْ هَذَا الأمْرِ إنَّ الله
سُبْحَانَهُ كانَ خَصَّ رسُولَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فِي هذَا الْفَيْءِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أحَدَاً
غيْرَهُ فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ {ومَا أفَاءَ الله علَى
رسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أوْجَفْتُمْ علَيْهِ مِنْ خَيْلٍ
ولاَ رِكَابٍ} (الْحَشْر: 6) . إِلَى قَوْلِهِ: {قَدِيرٌ}
(الْحَشْر: 6) . فَكَانَتْ هاذِهِ خالِصَةً لِرَسُولِ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثُمَّ وَالله مَا احْتَازَها
دُونَكُمْ ولاَ اسْتَأثَرَهَا عَلَيْكُمْ لَقَدْ
أعْطَاكُمُوها وقَسَمَها فِيكُمْ حَتَّى بَقِيَ هاذَا
المَالُ مِنْهَا فَكانَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يُنْفِقُ علَى أهْلِهِ نَفَقَته سَنَتِهِمْ مِنْ
هاذَا المالِ ثُمَّ يأخُذُ مَا بَقِيَ فيَجْعَلُهُ
مَجْعَلَ مالِ الله فعَمِلِ ذالِكَ رسُولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم حَياتَهُ ثُمَّ تُوُفِيَّ النَّبيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فقالَ أبُو بَكْرٍ فأنَا وليُّ
(17/129)
رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فقَبَضَهُ أبُو بَكْرٍ فعَمِلَ فِيهِ بِمَا عَمِلَ بِهِ
رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأنْتُمْ حِينَئِذَ
فأقْبَلَ علَى عَلِيٍّ وعَبَّاسٍ وَقَالَ تَذْكُرَانِ أنَّ
أبَا بَكْرٍ فيهِ كَما تَقُولانِ وَالله يَعْلَمُ إنَّهُ
فيهِ لَصَادِقٌ بارٌّ رَاشِدٌ تابِعٌ لِلْحَقِّ ثُمَّ
تَوَفَّى الله أبَا بَكْرٍ فقُلْتُ أنَا وَلِيُّ رسُولِ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بَكْرٍ فقَبَضْتُهُ
سَنَتَيْنِ من إمَارَتي أعْمَلُ فِيهِ بِمَا عَمِلَ رسُولُ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأبُو بَكْرٍ وَالله
يَعْلَمُ أنِّي فِيهِ صادِقٌ بارٌّ رَاشِدٌ تابِعٌ
لِلْحَقِّ ثُمَّ جِئْتُمَانِي كِلاَكُمَا وكَلِمَتُكُمَا
واحِدَةٌ وأمْرُكُمَا جَمِيعٌ فَجِئْتَنِي يَعْنِي
عَبَّاسَاً فَقُلْتُ لَكُمَا إنَّ رسُولَ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لاَ نُورِثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ
فلَمَّا بَدَا لِي أنْ أدْفَعَهُ إلَيْكُمَا قُلْتُ إنْ
شِئْتُمَا دَفَعْتُهُ إلَيْكُمَا عَلَى أنَّ عَلَيْكُمَا
عَهْدَ الله ومِيثَاقَهُ لَتَعْمَلانِّ فِيهِ بِمَا عَمِلَ
فيهِ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأبُو بَكْرٍ
ومَا عَمِلْتُ فِيهِ مُذْ وَلِيتُ وإلاَّ فَلاَ
تُكَلِّمَانِي فقُلْتُمَا ادْفَعْهُ إلَيْنَا بِذَلِكَ
فدَفَعْتُهُ إلَيْكُمَا أفَتَلْتَمِسَانِ مِنِّي قَضاءً
غَيْرَ ذالِكَ فوَالله الَّذِي بإذْنِهِ تَقُومُ السَّماءُ
والأرْضُ لاَ أقْضِي فِيهِ بِقَضاءِ غَيْرِ ذالِكَ حتَّى
تَقُومَ السَّاعَةُ فإنَّ عَجزْتُمَا عنْهُ فادْفَعَا
إلَيَّ فأنَا أكْفِيكُمَاهُ. قالَ فَحَدَّثْتُ هَذَا
الحَدِيثَ عُرْوَةَ بنَ الزُّبَيْرِ فقالَ صَدَقَ مالِكُ
بنُ أوْسٍ أنَا سَمِعْتُ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى
عنهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَقُولُ
أرْسَلَ أزْوَاجَ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
عُثْمَانَ إلَى أبِي بَكْرٍ يَسْألْنَهُ ثمُنَهُنَّ مِمَّا
أفَاءَ الله علَى رسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فكُنْتُ أنَا أرُدُّهُنَّ فَقُلْتُ لَهُنَّ ألاَ تتَّقِينَ
الله ألَمْ تَعْلَمْنَ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم كانَ يَقُولُ لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقةٌ
يُرِيدُ بِذالِكَ نَفْسَهُ إنَّمَا يأكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هاذَا المَالِ فانْتَهاى إلَى
أزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى مَا
أخْبَرْتُهُنَّ قَالَ فكانَتْ هاذِهِ الصَّدَقَةُ بِيَدِ
عَلِيٍّ مَنَعَهَا عَلِيٌّ عَبَّاساً فغَلَبَهُ علَيْهَا
ثُمَّ كَانَ بِيَدِ حسَنِ بنِ عَليٍّ ثُمَّ بِيَدِ
حُسَيْنِ ابنِ علِيِّ بن حُسَيْنٍ وحَسنِ بنِ حَسَنَ
كِلاَهُمَا كَانَا يتَدَاوَلانِهَا ثُمَّ بِيَدِ زَيْدِ
بنِ حَسَنٍ وهْيَ صدَقَةُ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم حَقَّاً.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وهما يختصمان فِي
الَّذِي أَفَاء الله على رَسُوله من بني النَّضِير) .
وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع. وَهَذَا الْإِسْنَاد
قد تكَرر ذكره. والْحَدِيث مر فِي الْخمس فِي: بَاب فرض
الْخمس فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِسْحَاق بن مُحَمَّد
الْفَروِي عَن مَالك بن أنس عَن ابْن شهَاب عَن مَالك بن
أَوْس مطولا إِلَى قَوْله: (فَإِنِّي أكفيكما) . وَقد مر
الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.
قَوْله: (يرفأ) بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون
الرَّاء وبالفاء مهموزاً وَغير مَهْمُوز، وَقد تدخل
عَلَيْهِ الللام فَيُقَال: اليرفاء، وَهُوَ حَاجِب من حجاب
عمر. قَوْله: (فاستب) ، لم يكن هَذَا السب من قبيل
الْقَذْف وَلَا من نوع الْمُحرمَات، وَلَعَلَّ عليا ذكر
تخلف عَبَّاس عَن الْهِجْرَة وَنَحْو ذَلِك. قَوْله:
(اتئدوا) ، أَي: لَا تستعجلوا، وَهِي من التؤدة وَهِي
التأني والمهلة. قَوْله: (أنْشدكُمْ) ، بِضَم الشين.
قَوْله: (لَا نورث) ، بِفَتْح الرَّاء، وَالْمعْنَى على
الْكسر أَيْضا صَحِيح، وَيُرِيد بِهِ الْأَنْبِيَاء،
عَلَيْهِم السَّلَام، وعورض بقوله: {وَورث سُلَيْمَان
دَاوُد} (النَّمْل: 16) . وَقَوله فِي زَكَرِيَّا:
{يَرِثنِي وَيَرِث من آل يَعْقُوب} (مَرْيَم: 6) .
وَأجِيب: بِأَن المُرَاد إِرْث الْعلم والنبوة، وَلَو
كَانَ المُرَاد المَال كَانَ زَكَرِيَّا، عَلَيْهِ
السَّلَام، أَحَق بِالْمِيرَاثِ من آل يَعْقُوب. قَوْله:
(قد قَالَ) ذَلِك، أَي: قَوْله: لَا نورث. قَوْله:
(احتازها) ، بِالْحَاء الْمُهْملَة من الاحتياز وَهُوَ
الْجمع. قَوْله: (وَلَا استأثرها) ، من الاستئثار، وَهُوَ
الاستبداد والاستقلال. قَوْله: (وَأَنْتُم) ، جمع
(وتذكران) مثنى فَلَا مُطَابقَة بَين الْمُبْتَدَأ
وَالْخَبَر، لَكِن هُوَ على مَذْهَب من قَالَ: أقل الْجمع
اثْنَان، أَو يكون لفظ: (حِينَئِذٍ) ، خَبره (وتذكران)
ابْتِدَاء كَلَام الْكرْمَانِي: ويروى: (أَنْتُمَا) .
(17/130)
قَوْله: (فجئتني) ، قَالَ أَولا جئتما،
ثمَّ قَالَ بِالْإِفْرَادِ لِأَنَّهُ لعلهما جاآ
بالِاتِّفَاقِ أَولا ثمَّ جَاءَ عَبَّاس وَحده. قَوْله:
(وبدا لي) أَي: ظهر لي.
قَوْله: (قَالَ: فَحدثت) ، أَي: قَالَ الزُّهْرِيّ.
قَوْله: (فغلبه عَلَيْهَا) ، أَي: بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا
وَتَحْصِيل غلاتها لَا بتخصيص الْحَاصِل بِنَفسِهِ.
قَوْله: (يتداولانها) أَي: عَليّ بن حُسَيْن وَحسن بن حسن
مكبران ابْن عَليّ، وكل مِنْهُمَا ابْن عمر الآخر يتناوبان
فِي تصرفهما، وَزيد بن الْحسن بن عَليّ أَخُو الْحسن
الْمَذْكُور.
4033 - حدَّثنا أبُو اليَمَانِ أخبَرَنا شُعَيْبٌ عنِ
الزُّهْرِيِّ قَالَ أخبَرَنِي مالِكُ بنُ أوْسِ بنِ
الحَدَثَانِ النَّصْرِيِّ أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ دعَاهُ إذْ جاءَهُ حاجِبُهُ
يَرْفا فَقَالَ هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ وَعَبْدِ
الرَّحْمَنِ والزُّبَيْرِ وسَعْدٍ يَسْتأذِنُونَ فَقَالَ
نَعَمْ فأدْخِلْهُمْ فلَبِثَ قَلِيلاً ثُمَّ جاءَ فقَالَ
هَلْ لَكَ فِي عَبَّاسٍ وعَلِيٍّ يَسْتَأذِنَانِ قَالَ
نَعَمْ فلَمَّا دَخَلاَ قَالَ عَبَّاسٌ يَا أمِيرَ
المُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنِي وبَيْنَ هاذَا وهُمَا
يَخْتَصِمَانِ فِي الَّذِي أفَاءَ الله علَى رسُولِهِ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ مَالِ بَنِي النَّضِيرِ
فاسْتَبَّ علِيٌّ وعَبَّاسٌ فَقَالَ الرَّهْطُ يَا أمِيرَ
المُؤْمِنِينَ اقْضِ بيْنَهُمَا وأرِحْ أحَدَهُمَا مِنَ
الآخَرِ فَقَالَ عُمَرُ إتِّئِدُوا أنْشُدُكُمْ بِاللَّه
الَّذِي بإذْنِهِ تَقُومُ السَّماءُ والأرْضُ هَلْ
تَعْلَمونَ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ لاَ نُورِثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ يُرِيدُ
بِذَلِكَ نَفْسَهُ قالُوا قدْ قَالَ ذالِكَ فأقْبَلَ
عُمَرُ علَى عَبَّاسٍ وعَلِي فَقَالَ أنْشُدُكُمَا
بِاللَّه هَلْ تَعْلَمَانِ أنَّ رسُولَ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَدْ قالَ ذَلِكَ قالاَ نَعَمْ قَالَ
فإنِّي أُحَدِّثُكُمْ عنْ هَذَا الأمْرِ إنَّ الله
سُبْحَانَهُ كانَ خَصَّ رسُولَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فِي هذَا الْفَيْءِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أحَدَاً
غيْرَهُ فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ {ومَا أفَاءَ الله علَى
رسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أوْجَفْتُمْ علَيْهِ مِنْ خَيْلٍ
ولاَ رِكَابٍ} (الْحَشْر: 6) . إِلَى قَوْلِهِ: {قَدِيرٌ}
(الْحَشْر: 6) . فَكَانَتْ هاذِهِ خالِصَةً لِرَسُولِ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثُمَّ وَالله مَا احْتَازَها
دُونَكُمْ ولاَ اسْتَأثَرَهَا عَلَيْكُمْ لَقَدْ
أعْطَاكُمُوها وقَسَمَها فِيكُمْ حَتَّى بَقِيَ هاذَا
المَالُ مِنْهَا فَكانَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يُنْفِقُ علَى أهْلِهِ نَفَقَته سَنَتِهِمْ مِنْ
هاذَا المالِ ثُمَّ يأخُذُ مَا بَقِيَ فيَجْعَلُهُ
مَجْعَلَ مالِ الله فعَمِلِ ذالِكَ رسُولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم حَياتَهُ ثُمَّ تُوُفِيَّ النَّبيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فقالَ أبُو بَكْرٍ فأنَا وليُّ رسُولِ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقَبَضَهُ أبُو بَكْرٍ
فعَمِلَ فِيهِ بِمَا عَمِلَ بِهِ رسُولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وأنْتُمْ حِينَئِذَ فأقْبَلَ علَى عَلِيٍّ
وعَبَّاسٍ وَقَالَ تَذْكُرَانِ أنَّ أبَا بَكْرٍ فيهِ كَما
تَقُولانِ وَالله يَعْلَمُ إنَّهُ فيهِ لَصَادِقٌ بارٌّ
رَاشِدٌ تابِعٌ لِلْحَقِّ ثُمَّ تَوَفَّى الله أبَا بَكْرٍ
فقُلْتُ أنَا وَلِيُّ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأبي بَكْرٍ فقَبَضْتُهُ سَنَتَيْنِ من إمَارَتي أعْمَلُ
فِيهِ بِمَا عَمِلَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وأبُو بَكْرٍ وَالله يَعْلَمُ أنِّي فِيهِ صادِقٌ بارٌّ
رَاشِدٌ تابِعٌ لِلْحَقِّ ثُمَّ جِئْتُمَانِي كِلاَكُمَا
وكَلِمَتُكُمَا واحِدَةٌ وأمْرُكُمَا جَمِيعٌ فَجِئْتَنِي
يَعْنِي عَبَّاسَاً فَقُلْتُ لَكُمَا إنَّ رسُولَ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لاَ نُورِثُ مَا تَرَكْنَا
صَدَقَةٌ فلَمَّا بَدَا لِي أنْ أدْفَعَهُ إلَيْكُمَا
قُلْتُ إنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهُ إلَيْكُمَا عَلَى أنَّ
عَلَيْكُمَا عَهْدَ الله ومِيثَاقَهُ لَتَعْمَلانِّ فِيهِ
بِمَا عَمِلَ فيهِ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وأبُو بَكْرٍ ومَا عَمِلْتُ فِيهِ مُذْ وَلِيتُ وإلاَّ
فَلاَ تُكَلِّمَانِي فقُلْتُمَا ادْفَعْهُ إلَيْنَا
بِذَلِكَ فدَفَعْتُهُ إلَيْكُمَا أفَتَلْتَمِسَانِ مِنِّي
قَضاءً غَيْرَ ذالِكَ فوَالله الَّذِي بإذْنِهِ تَقُومُ
السَّماءُ والأرْضُ لاَ أقْضِي فِيهِ بِقَضاءِ غَيْرِ
ذالِكَ حتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ فإنَّ عَجزْتُمَا عنْهُ
فادْفَعَا إلَيَّ فأنَا أكْفِيكُمَاهُ. قالَ فَحَدَّثْتُ
هَذَا الحَدِيثَ عُرْوَةَ بنَ الزُّبَيْرِ فقالَ صَدَقَ
مالِكُ بنُ أوْسٍ أنَا سَمِعْتُ عائِشَةَ رَضِي الله
تَعَالَى عنهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
تَقُولُ أرْسَلَ أزْوَاجَ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم عُثْمَانَ إلَى أبِي بَكْرٍ يَسْألْنَهُ ثمُنَهُنَّ
مِمَّا أفَاءَ الله علَى رسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فكُنْتُ أنَا أرُدُّهُنَّ فَقُلْتُ لَهُنَّ ألاَ تتَّقِينَ
الله ألَمْ تَعْلَمْنَ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم كانَ يَقُولُ لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقةٌ
يُرِيدُ بِذالِكَ نَفْسَهُ إنَّمَا يأكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هاذَا المَالِ فانْتَهاى إلَى
أزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى مَا
أخْبَرْتُهُنَّ قَالَ فكانَتْ هاذِهِ الصَّدَقَةُ بِيَدِ
عَلِيٍّ مَنَعَهَا عَلِيٌّ عَبَّاساً فغَلَبَهُ علَيْهَا
ثُمَّ كَانَ بِيَدِ حسَنِ بنِ عَليٍّ ثُمَّ بِيَدِ
حُسَيْنِ ابنِ علِيِّ بن حُسَيْنٍ وحَسنِ بنِ حَسَنَ
كِلاَهُمَا كَانَا يتَدَاوَلانِهَا ثُمَّ بِيَدِ زَيْدِ
بنِ حَسَنٍ وهْيَ صدَقَةُ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم حَقَّاً.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وهما يختصمان فِي
الَّذِي أَفَاء الله على رَسُوله من بني النَّضِير) .
وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع. وَهَذَا الْإِسْنَاد
قد تكَرر ذكره. والْحَدِيث مر فِي الْخمس فِي: بَاب فرض
الْخمس فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِسْحَاق بن مُحَمَّد
الْفَروِي عَن مَالك بن أنس عَن ابْن شهَاب عَن مَالك بن
أَوْس مطولا إِلَى قَوْله: (فَإِنِّي أكفيكما) . وَقد مر
الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.
قَوْله: (يرفأ) بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون
الرَّاء وبالفاء مهموزاً وَغير مَهْمُوز، وَقد تدخل
عَلَيْهِ الللام فَيُقَال: اليرفاء، وَهُوَ حَاجِب من حجاب
عمر. قَوْله: (فاستب) ، لم يكن هَذَا السب من قبيل
الْقَذْف وَلَا من نوع الْمُحرمَات، وَلَعَلَّ عليا ذكر
تخلف عَبَّاس عَن الْهِجْرَة وَنَحْو ذَلِك. قَوْله:
(اتئدوا) ، أَي: لَا تستعجلوا، وَهِي من التؤدة وَهِي
التأني والمهلة. قَوْله: (أنْشدكُمْ) ، بِضَم الشين.
قَوْله: (لَا نورث) ، بِفَتْح الرَّاء، وَالْمعْنَى على
الْكسر أَيْضا صَحِيح، وَيُرِيد بِهِ الْأَنْبِيَاء،
عَلَيْهِم السَّلَام، وعورض بقوله: {وَورث سُلَيْمَان
دَاوُد} (النَّمْل: 16) . وَقَوله فِي زَكَرِيَّا:
{يَرِثنِي وَيَرِث من آل يَعْقُوب} (مَرْيَم: 6) .
وَأجِيب: بِأَن المُرَاد إِرْث الْعلم والنبوة، وَلَو
كَانَ المُرَاد المَال كَانَ زَكَرِيَّا، عَلَيْهِ
السَّلَام، أَحَق بِالْمِيرَاثِ من آل يَعْقُوب. قَوْله:
(قد قَالَ) ذَلِك، أَي: قَوْله: لَا نورث. قَوْله:
(احتازها) ، بِالْحَاء الْمُهْملَة من الاحتياز وَهُوَ
الْجمع. قَوْله: (وَلَا استأثرها) ، من الاستئثار، وَهُوَ
الاستبداد والاستقلال. قَوْله: (وَأَنْتُم) ، جمع
(وتذكران) مثنى فَلَا مُطَابقَة بَين الْمُبْتَدَأ
وَالْخَبَر، لَكِن هُوَ على مَذْهَب من قَالَ: أقل الْجمع
اثْنَان، أَو يكون لفظ: (حِينَئِذٍ) ، خَبره (وتذكران)
ابْتِدَاء كَلَام الْكرْمَانِي: ويروى: (أَنْتُمَا) .
قَوْله: (فجئتني) ، قَالَ أَولا جئتما، ثمَّ قَالَ
بِالْإِفْرَادِ لِأَنَّهُ لعلهما جاآ بالِاتِّفَاقِ أَولا
ثمَّ جَاءَ عَبَّاس وَحده. قَوْله: (وبدا لي) أَي: ظهر لي.
قَوْله: (قَالَ: فَحدثت) ، أَي: قَالَ الزُّهْرِيّ.
قَوْله: (فغلبه عَلَيْهَا) ، أَي: بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا
وَتَحْصِيل غلاتها لَا بتخصيص الْحَاصِل بِنَفسِهِ.
قَوْله: (يتداولانها) أَي: عَليّ بن حُسَيْن وَحسن بن حسن
مكبران ابْن عَليّ، وكل مِنْهُمَا ابْن عمر الآخر يتناوبان
فِي تصرفهما، وَزيد بن الْحسن بن عَليّ أَخُو الْحسن
الْمَذْكُور.
4035 - حدَّثنا أبْرَاهِيمُ بنُ مُوساى أخبرَنا هِشامٌ
أخبرَنا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عُرْوَةَ عنْ
عائِشَةَ أنَّ فاطِمَةَ علَيْهَا السَّلامُ والعَبَّاسَ
أتَيَا بَكْرٍ يَلْتَمِسَانِ مِيرَاثَهُمَا أرْضَهُ مِنْ
فَدَكٍ وسَهْمَهُ مِنْ خَيْبَرَ. فَقَالَ أبُو بَكْرٍ
سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ لاَ
نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ إنَّمَا يأكُلُ آلُ
مُحَمَّدٍ فِي هاذَا المَالِ وَالله لَقَرَابَةُ رَسُولِ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحَبُّ إلَيَّ أنْ أصِلَ
مِنْ قَرَابَتِي. .
هَذَا الحَدِيث مُطَابق للْحَدِيث السَّابِق، والمطابق
للمطابق للشَّيْء مُطَابق لذَلِك الشَّيْء، وَهَذَا
السَّنَد بهؤلاء الرِّجَال قد مر غير مرّة، وَهِشَام هُوَ
ابْن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ. والْحَدِيث مر فِي فرض الْخمس
وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (فِي هَذَا المَال) أَي: فِي جملَة من يَأْكُل من
هَذَا المَال لَا أَنه لَهُم بِخُصُوصِهِ، حَاصله أَنهم
يُعْطون مِنْهُ مَا يكفيهم لَيْسَ على وَجه الْمِيرَاث.
قَوْله: (لقرابة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
الخ، اعتذار من أبي بكر عَن مَنعه الْقِسْمَة، وَلَا يلْزم
من ذَلِك أَن لَا يصلهم ببره من جِهَة أُخْرَى.
15 - (بابُ قَتْلِ كَعْبِ بنِ الأشْرَفِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَيْفيَّة قتل كَعْب بن
الْأَشْرَف الْيَهُودِيّ الْقرظِيّ الشَّاعِر، كَانَ يهجو
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالْمُسْلِمين ويظاهر
عَلَيْهِم الْكفَّار، وَلما أصَاب الْمُشْركين يَوْم بدر
مَا أَصَابَهُم اشْتَدَّ عَلَيْهِ وَكَانَ يبكي على
قَتْلَى بدر وينشد الْأَشْعَار، فَمن ذَلِك مَا حَكَاهُ
الْوَاقِدِيّ.
(طحنت رحى بدر مهالك أَهله ... ولمثل بدر تستهل وتدمع)
(قتلت سراة النَّاس حول حياضهم [/ علا تبعدوا، إِن
الْمُلُوك تصرّع.)
إِلَى أَبْيَات كَثِيرَة، فَأَجَابَهُ حسان بن ثَابت:
(أبكاه كَعْب ثمَّ عل بعبرة ... مِنْهُ وعاش مجدعاً لَا
يسمع)
إِلَى أَبْيَات، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: كَانَ كَعْب من
بني نَبهَان وهم بطن من طيىء، وَكَانَ قَتله فِي رَمَضَان
سنة ثَلَاث، وَقيل: فِي ربيع الأول وَالْأول أشهر.
4037 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا سُفْيَانُ
قَالَ عَمْرٌ وسَمِعْتُ جابِرَ بنَ عَبْدِ الله رَضِي الله
تَعَالَى عنهُما يَقُولُ قَالَ رسُولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مَنْ لِكَعْبِ بنِ الأشْرَفِ فإنَّهُ قَدْ
آذَى الله ورَسُولَهُ فقامَ مُحَمَّدُ ابنُ مَسْلَمَةَ
فَقَالَ يَا رسُولَ الله أتُحِبُّ أنْ أقْتُلَهُ قَالَ
نَعَمْ قَالَ فأذَنْ لِي أنْ أقُولَ شَيْئاً قَالَ قُلْ
فأتَاهُ مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ فقالَ إنَّ هاذَا
الرَّجُلَ قَدْ سألْنَاهُ صَدَقَةً وإنَّهُ قَدْ عَنانَا
وإنِّي قَدْ أتَيْتُكَ أسْتَسْلِفُكَ قَالَ وَأَيْضًا
وَللَّه لَتَمَلَّنَّهُ قَالَ وإنَّا قَدِ اتَّبَعْنَاهُ
فَلاَ نُحِبُّ أنْ نَدَعَهُ حتَّى نَنْظُرَ إلَى أيِّ
شَيْءٍ يَصِيرُ شأنُهُ وقَدْ أرَدْنَا أنْ تُسْلِفَنَا
وسْقَاً أوْ وَسْقَيْنِ. وحدَّثنا عَمْرٌ وغَيْرَ مَرَّةٍ
فلَمْ يَذْكُرْ وَسْقَاً أوْ وَسْقَيْنِ فقُلْتُ لَهُ
فِيهِ وسْقَاً أوْ وَسْقَيْنِ فَقَالَ أُرَى فِيهِ
وَسْقَاً أوْ وَسْقَيْنِ فَقَالَ نَعَمْ ارْهَنُونِي
قالُوا أيَّ شَيْءٍ تُرِيدُ قَالَ ارْهَنُونِي نِسَاءَكُمْ
قالُوا كَيْفَ نَرْهَنُكَ نِساءَنا وأنْتَ أجْمَلُ العرَبِ
قَالَ فارْهَنُونِي أبْنَاءَكُمْ قَالُوا كَيْفَ
نَرْهَنُكَ
(17/131)
أبْنَاءَنَا فيُسَبُّ أحَدُهُمْ فَيُقَالُ
رُهِنَ بِوَسَقٍ أوْ وَسْقَيْنِ هاذَا عارٌ عَلَيْنَا
ولَكِنَّا نَرْهَنُكَ الَّلأمَةَ قالَ سُفْيَانُ يَعْنِي
السِّلاَحَ فَوَاعَدَهُ أنْ يأتِيَهُ فَجاءَهُ لَيْلاً
ومَعَهُ أبُو نائِلَةَ وهْوَ أخُو كَعْبٍ مِنَ
الرَّضَاعَةِ فدَعَاهُمْ إِلَى الحِصْنِ فنَزَلَ إلَيْهِمْ
فقالَتْ لَهُ امْرَأتُهُ أيْنَ تَخْرُجُ هاذِهِ السَّاعَةَ
فَقَالَ إنَّمَا هُوَ مُحَمَّدُ ابنُ مَسْلَمَةَ وأخِي
أبُو نائِلَةَ. وقالَ غَيْرُ عَمْرٍ وقالَتْ أسْمَعُ
صَوْتاً كأنَّهُ يَقْطُرُ مِنْهُ الدَّمُ قَالَ إنَّمَا
هُوَ أخِي مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةٍ ورَضِيعِي أبُو
نائِلَةَ إنَّ الكَرِيمَ لوْ دُعِيَ إلَى طَعْنَةٍ
بِلَيْلٍ لأجَابَ قَالَ ويُدْخِلُ مُحَمَّدُ ابنُ
مَسْلَمَةَ مَعَهُ رَجُلَيْنِ قِيلَ لِسُفْيَانَ
سَمَّاهُمْ عَمْرٌ ووقالَ سَمَّى بَعْضَهُمْ قالَ عَمْرٌ
وجاءَ معَهُ بِرَجُلَيْنِ وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍ وأبُو
عَبْسِ بنُ جَبْرٍ والحَارِثُ بنُ أوْسٍ وعَبَّادُ بنُ
بِشْرٍ قَالَ عَمْرٌ ووجاءَ مَعَهُ بِرَجُلَيْنِ فقَالَ
إذَا مَا جاءَ فإنِّي قائِلٌ بِشَعَرِهِ فأشُمُّهُ فإذَا
رَأيْتُمُونِي اسْتَمْكَنْتُ مِنْ رأسِهِ فدُونَكُمْ
فاضْرِبُوهُ وَقَالَ مَرَّةً ثُمَّ أُشِمُّكُمْ فَنَزَلَ
إلَيْهِمْ مُتَوَشِّحَاً وهْوَ يَنْفَحُ مِنْهُ رِيحُ
الطِّيبِ فَقَالَ مَا رأيْتُ كالْيَوْمِ رِيحاً أَي أطيَبَ
وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍ وَقَالَ عِنْدِي أعْطَرُ نِساءِ
العَرَبِ وأكْمَلُ العَرَبِ قَالَ عَمْرٌ وفقال أتأذَنَ
لِي أنْ أشُمَّ رأسَكَ قَالَ نَعَمْ فشَمَّهُ ثُمَّ أشَمَّ
أصْحَابَهُ ثُمَّ قَالَ أتأذَنُ لِي قَالَ نعَمْ فلَمَّا
اسْتَمْكَنَ مِنْهُ قَالَ دُونَكُمْ فقَتَلُوهُ ثُمَّ
أتَوْا النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأخْبَرُوهُ. .
فِيهِ كَيْفيَّة قتل كَعْب، وَهِي الْمُطَابقَة بَين
التَّرْجَمَة والْحَدِيث، وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن
الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعَمْرو
هُوَ ابْن دِينَار. والْحَدِيث مضى مُخْتَصرا بِهَذَا
الْإِسْنَاد فِي: بَاب رهن السِّلَاح.
قَوْله: (حَدثنَا سُفْيَان قَالَ عمر) وَفِي رِوَايَة
قُتَيْبَة عَن سُفْيَان فِي الْجِهَاد: عَن سُفْيَان
حَدثنَا عَمْرو. قَوْله: (من لكعب بن الْأَشْرَف) أَي: من
يستعد لقَتله، وَمن الَّذِي ينتدب إِلَيْهِ. قَوْله:
(فَإِنَّهُ قد آذَى الله وَرَسُوله) هَذِه كِنَايَة عَن
مُخَالفَة الله تَعَالَى وَمُخَالفَة نبيه صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (فَقَامَ مُحَمَّد بن مسلمة)
بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام ابْن سَلمَة بن خَالِد بن عدي
ابْن مجدعة بن حَارِثَة بن الْحَارِث بن الْخَزْرَج بن
عَمْرو بن مَالك بن أَوْس حَلِيف لبني عبد الْأَشْهَل، شهد
بَدْرًا والمشاهد كلهَا وَمَات بِالْمَدِينَةِ فِي صفر سنة
ثَلَاث وَأَرْبَعين، وَقيل: سِتّ وَأَرْبَعين، وَقيل: سنة
سبع وَأَرْبَعين وَهُوَ ابْن سبع وَسبعين سنة، وَصلى
عَلَيْهِ مَرْوَان بن الحكم وَهُوَ كَانَ يَوْمئِذٍ أَمِير
الْمَدِينَة، وَكَانَ من فضلاء الصَّحَابَة، واستخلفه
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمَدِينَة فِي بعض
غَزَوَاته، وَقيل: إِنَّه اسْتَخْلَفَهُ فِي غَزْوَة قرقرة
الكدر، وَقيل: إِنَّه اسْتَخْلَفَهُ عَام تَبُوك،
وَاعْتَزل الْفِتْنَة وَاتخذ سَيْفا من خشب وَجعله فِي
سفن، وَذكر أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
أمره بذلك وَلم يشْهد الْجمل وَلَا صفّين، وَأقَام
بالربذة. قَوْله: (أَتُحِبُّ؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام
على سَبِيل الاستخبار. قَوْله: (فَأذن لي أَن أَقُول
شَيْئا) يَعْنِي مِمَّا يسر كَعْبًا. قَوْله: (قَالَ: قل)
أَي: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لمُحَمد بن
مسلمة: قل، وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بن إِسْحَاق: فَقَالَ:
يَا رَسُول الله! لَا بُد لنا أَن نقُول، فَقَالَ: قُولُوا
مَا بدا لكم، فَأنْتم فِي حل من ذَلِك. قَوْله:
(فَأَتَاهُ) أَي: أَتَى كَعْبًا مُحَمَّد بن مسلمة.
قَوْله: (إِن هَذَا الرجل) يَعْنِي النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (قد سَأَلنَا) بِفَتْح الْهمزَة
وَاللَّام فعل وفاعل ومفعول، وَصدقَة بِالنّصب مفعول ثَان،
وَفِي رِوَايَة الْوَاقِدِيّ: سَأَلنَا الصَّدَقَة وَنحن
لَا نجد مَا نَأْكُل. قَوْله: (وَإنَّهُ) أَي: وَإِن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (قد عنَّانا) بِفَتْح
الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد النُّون أَي: أتعبنا وكلفنا
الْمَشَقَّة. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: عني بِالْكَسْرِ
يَعْنِي عناء أَي تَعب وَنصب، وعنيته أَنا تعنية وتعنيته
أَنا فتعنى. قَوْله: (قَالَ: وَأَيْضًا) أَي: قَالَ كَعْب
وَزِيَادَة على ذَلِك. قَوْله: (لتملنه) بِفَتْح التَّاء
الْمُثَنَّاة من فَوق وَتَشْديد اللَّام وَالنُّون من
الملالة، وَمَعْنَاهُ: ليزيدن ملالتكم وضجركم عَنهُ، وَفِي
رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: قَالَ: كَانَ قدوم هَذَا الرجل
علينا بلَاء من الْبلَاء، عادتنا الْعَرَب ورمتنا عَن قَوس
وَاحِدَة وَقطعت عَنَّا السبل حَتَّى جَاع الْعِيَال وجهدت
الْأَنْفس وأصبحنا قد جهدنا وَجهد عيالنا، فَقَالَ كَعْب
بن الْأَشْرَف: أما وَالله لقد أَخْبَرتكُم أَن الْأَمر
سيصير إِلَى هَذَا. قَوْله: (أَن ندعه) أَي: نتركه.
قَوْله: (شَأْنه) ، أَي: حَاله وَأمره. قَوْله: (وسق)
الوسق وقر بعير وَهُوَ سِتُّونَ صَاعا بِصَاع النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (أَو وسقين) شكّ من
الرَّاوِي،
(17/132)
وَفِي رِوَايَة عُرْوَة: وَأحب أَن تسلفنا
طَعَاما، قَالَ: أَيْن طَعَامكُمْ؟ قَالَ: أنفقناه على
هَذَا الرجل وَأَصْحَابه، قَالَ: ألم يَأن لكم أَن تعرفوا
مَا أَنْتُم عَلَيْهِ من الْبَاطِل؟
قَوْله: (وَحدثنَا عَمْرو غير مرّة) ، قيل: قَائِل هَذَا
عَليّ بن الْمَدِينِيّ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَي قَالَ
سُفْيَان: حَدثنَا عَمْرو غير مرّة أَي مرَارًا، وَهَذَا
هُوَ الظَّاهِر. قَوْله: (أرى فِيهِ) أَي: أَظن فِي
الحَدِيث. قَوْله: (أرهنوني) أَي: إدفعوا إِلَيّ شَيْئا
يكون رهنا على التَّمْر الَّذِي تريدونه. قَوْله: (وَأَنت
أجمل الْعَرَب) أَي: صُورَة، وَالنِّسَاء يملن إِلَى
الصُّور الحسان، وَفِي رِوَايَة ابْن سعد من مُرْسل
عِكْرِمَة: ولأنا مِنْك، وَأي امْرَأَة تمنع مِنْك لجمالك،
وَقَالَ بَعضهم: قَالُوا ذَلِك تهكماً. قلت: مُرْسل
عِكْرِمَة يرد هَذَا، قَوْله: (فيسب أحدهم) بِضَم الْيَاء
على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (اللامة) بتَشْديد
اللَّام، وَقد فَسرهَا سُفْيَان بِأَنَّهَا السِّلَاح،
وَقَالَ غَيره من أهل اللُّغَة: اللامة الدرْع، فعلى هَذَا
إِطْلَاق السِّلَاح عَلَيْهَا من إِطْلَاق اسْم الْكل على
الْبَعْض، وَفِي مُرْسل عِكْرِمَة. وَلَكنَّا نرهنك
سِلَاحنَا مَعَ علمك بحاجتنا إِلَيْهِ، قَالَ: نعم.
قَوْله: (فَجَاءَهُ لَيْلًا) ، أَي: فجَاء مُحَمَّد بن
مسلمة كَعْبًا فِي اللَّيْل، وَالْحَال أَن مَعَه أَبُو
نائلة، بنُون وَبعد الْألف يَاء آخر الْحُرُوف سَاكِنة،
وَقيل: بِالْهَمْزَةِ بعد الْألف، واسْمه: سلكان، بِكَسْر
السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام: ابْن سَلامَة ابْن
وقش بن رَغْبَة بن زعور بن عبد الْأَشْهَل الْأنْصَارِيّ
الأشْهَلِي، وَيُقَال: سلكان لقب واسْمه: سعد، شهد أحدا
وَكَانَ من الرُّمَاة الْمَذْكُورين من أَصْحَاب النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ شَاعِرًا: قَوْله:
(وَكَانَ أَخَاهُ من الرضَاعَة) أَي: كَانَ أَبُو نائلة
أَخا كَعْب من الرضَاعَة، وَذكر الْوَاقِدِيّ أَن مُحَمَّد
بن مسلمة أَيْضا كَانَ أَخَاهُ من الرضَاعَة، وَزَاد
الْحميدِي فِي رِوَايَته، وَكَانُوا أَرْبَعَة، سمى عَمْرو
مِنْهُم اثْنَيْنِ، والاثنان الْآخرَانِ: عباد بن بشر
والْحَارث بن أَوْس. وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: فَاجْتمع فِي
قَتله: مُحَمَّد بن مسلمة، وسلكان بن سَلامَة بن وقش
وَهُوَ أَبُو نائلة الأشْهَلِي، وَعباد بن بشر بن وقش
الأشْهَلِي، وَأَبُو عبس بن جبر أَخُو بني حَارِثَة،
والْحَارث بن أَوْس، فَهَؤُلَاءِ خَمْسَة.
قَوْله: (وَقَالَ غير عَمْرو) ، أَي: قَالَ سُفْيَان:
قَالَ غير عَمْرو بن دِينَار الْمَذْكُور، وَبَين
الْحميدِي فِي رِوَايَته عَن سُفْيَان أَن الْغَيْر
الَّذِي أبهمه سُفْيَان فِي هَذِه الْقِصَّة هُوَ
الْعَبْسِي. قَوْله: وَأَنه حَدثهُ بذلك عَن عِكْرِمَة
مُرْسلا: (كَأَنَّهُ يقطر مِنْهُ الدَّم) كِنَايَة عَن
صَوت طَالب شَرّ وخراب، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: لما انْتهى
هَؤُلَاءِ إِلَى حصن كَعْب هتف بِهِ أَبُو نائلة، وَكَانَ
حَدِيث عهد بعرس، فَوَثَبَ فِي ملحفة لَهُ فَأخذت
امْرَأَته بناحيتها وَقَالَت: إِلَى أَيْن فِي مثل هَذِه
السَّاعَة؟ فَقَالَ: إِنَّه أَبُو نائلة، لَو وجدني
نَائِما أيقظني. فَقَالَت: وَالله إِنِّي لأعرف فِي صَوته
الشَّرّ، فَقَالَ لَهَا كَعْب: لَو دعِي الْفَتى إِلَى
طعنة لأجاب، ثمَّ نزل. قَوْله: (فَقَالَ: إِذا مَا جَاءَ)
أَي: فَقَالَ مُحَمَّد بن مسلمة: إِذا مَا جَاءَ كَعْب.
قَوْله: (فَإِنِّي قَائِل بِشعرِهِ) أَي: فَإِنِّي جاذب
بِشعرِهِ، وَقد اسْتعْملت الْعَرَب لفظ: القَوْل، فِي
مَوضِع غَيره من الْمعَانِي وأطلقوه على غير الْكَلَام
وَاللِّسَان، فَيَقُول: قَالَ بِيَدِهِ، أَي: أَخذ،
وَقَالَ بِرجلِهِ أَي: مَشى، وَقَالَ بِالْمَاءِ على يَده
أَي: قلب، وَقَالَ بِثَوْبِهِ أَي: رَفعه، وكل ذَلِك على
الْمجَاز والاتساع. قَوْله: (ثمَّ أشمكم) بِضَم الْهمزَة
من الإشمام أَي: أمكنكم من الشم. قَوْله: (متوشحاً) نصب
على الْحَال من الضَّمِير الَّذِي فِي: نزل، أَي: متلبساً
بِثَوْبِهِ وسلاحه. قَوْله: (وَهُوَ ينفح مِنْهُ ريح
الطّيب) جملَة حَالية، و: ينفح، بِالْحَاء الْمُهْملَة
مَعْنَاهُ: يفوح، وريح الطّيب بِالرَّفْع فَاعل: ينفح.
قَوْله: (مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ ريحًا) أَي: مَا رَأَيْت
ريحًا أطيب فِي يَوْم مثل هَذَا الْيَوْم. قَوْله: (قَالَ
غير عَمْرو) أَي: قَالَ سُفْيَان: قَالَ غير عَمْرو بن
دِينَار (عِنْدِي أعطر نسَاء الْعَرَب) وَفِي رِوَايَة
أُخْرَى: عِنْد أعطر سيد الْعَرَب، وَكَانَ لفظ سيد
تصحيفاً من نسَاء، فَإِن كَانَت مَحْفُوظَة فَالْمَعْنى
أعطر نسَاء سيد الْعَرَب على الْحَذف، أَو المُرَاد شخص
أَو مصاحب أعطر من سيدهم. قَوْله: (وأكمل الْعَرَب) وَفِي
رِوَايَة الإصيلي: أجمل، بِالْجِيم بدل الْكَاف وَهَذَا
أشبه. قَوْله: (دونكم) أَي: خذوه بأسيافكم. قَوْله:
(فَقَتَلُوهُ) وَفِي رِوَايَة عُرْوَة: وضربه مُحَمَّد بن
مسلمة فَقتله وَأصَاب ذُبَاب السَّيْف الْحَارِث بن أَوْس
وَأَقْبلُوا حَتَّى إِذا كَانُوا بجرف بُعَاث تخلف
الْحَارِث ونزف، فَلَمَّا افتقده أَصْحَابه رجعُوا
فاحتملوه ثمَّ أَقبلُوا سرَاعًا حَتَّى دخلُوا
الْمَدِينَة. وَفِي رِوَايَة الْوَاقِدِيّ: أَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تفل على جرح الْحَارِث بن أَوْس
فَلم يؤذه، وَفِي رِوَايَة ابْن الْكَلْبِيّ: فضربوه
حَتَّى برد، وَصَاح عِنْد أول ضَرْبَة وَاجْتمعت
الْيَهُود، فَأخذُوا على غير طَرِيق أَصْحَاب رَسُول الله،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ففاتوهم. وَفِي مُرْسل
عِكْرِمَة: فَأَصْبَحت الْيَهُود مذعورين فَأتوا النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: قتل سيدنَا غيلَة،
فَذكر لَهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَنِيعه
وَمَا كَانَ يحرض عَلَيْهِ ويؤذي الْمُسلمين. وَقَالَ ابْن
سعد: فخافوا وَلم ينطقوا، وَذكر فِي (كتاب شرف
الْمُصْطَفى) أَن الَّذين قتلوا كَعْب بن الْأَشْرَف
حملُوا رَأسه فِي مخلاة إِلَى
(17/133)
الْمَدِينَة، فَقيل: إِنَّه أول رَأس حمل
فِي الْإِسْلَام، وَقيل: أول رَأس حمل رَأس عَمْرو بن
الْحمق، وَقيل: رَأس أبي عزة الجُمَحِي الَّذِي قَالَ لَهُ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يلْدغ الْمُؤمن من
جُحر مرَّتَيْنِ.
16 - (بابُ قَتْلِ أبِي رافِع)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قتل أبي رَافع الْيَهُودِيّ.
عَبْدِ الله بنِ أبِي الحُقَيْقِ
عبد الله، مجرور لِأَنَّهُ عطف بَيَان لِأَنَّهُ اسْم أبي
رَافع، وَأَبوهُ: الْحقيق، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة
وَفتح الْقَاف الأولى وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف،
وَاسم أبي رَافع: عبد الله عِنْد الْهَيْثَم، وَقيل:
الَّذِي سَمَّاهُ عبد الله هُوَ عبد الله بن أنيس،
وَذَلِكَ فِيمَا أخرجه الْحَاكِم فِي (الإكليل) من حَدِيثه
مطولا، وأوله: أَن الرَّهْط الَّذين بَعثهمْ رَسُول الله،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى عبد الله بن أبي الْحقيق
ليقتلوه هم عبد الله بن عتِيك وَعبد الله بن أنيس وَأَبُو
قَتَادَة وحليف لَهُم رجل من الْأَنْصَار، قدمُوا خَيْبَر
لَيْلًا ... فَذكر الحَدِيث.
يُقَالُ سَلاَّمُ بنُ أبِي الحُقَيْقِ
أَي: يُقَال: إسم أبي رَافع سَلام، بِفَتْح السِّين
الْمُهْملَة وَتَشْديد اللَّام، وَالْقَائِل بِهَذَا هُوَ
مُحَمَّد بن إِسْحَاق صَاحب (الْمَغَازِي) .
كانَ بِخَيْبَرَ
أَي: كَانَ أَبُو رَافع يسكن بِخَيْبَر بلد عنزة فِي جِهَة
الشمَال والشرق من الْمَدِينَة على نَحْو سِتّ مراحل،
وخيبر بلغَة الْيَهُود: حصن، وَكَانَ فِي صدر الْإِسْلَام
دَار بني قُرَيْظَة وَالنضير.
ويُقَالُ: فِي حِصْنٍ لَهُ بِأرْضِ الْحجاز
أَي: يُقَال: كَانَ أَبُو رَافع فِي حصن كَانَ لَهُ
بِأَرْض الْحجاز، قَالَ الْوَاقِدِيّ: الْحجاز من
الْمَدِينَة إِلَى تَبُوك، وَمن الْمَدِينَة إِلَى طَرِيق
الْكُوفَة، وَمن وَرَاء ذَلِك إِلَى أَن يشارف أَرض
الْبَصْرَة فَهُوَ نجد، وَمَا بَين الْعرَاق وَبَين وجرة
وغمرة الطَّائِف نجد، وَمَا كَانَ من وَرَاء وجرة إِلَى
الْبَحْر فَهُوَ تهَامَة، وَمَا كَانَ بَين تهَامَة ونجد
فَهُوَ حجاز، وَقَالَ الْمَدَائِنِي: الْحجاز جبل يقبل من
الْيمن حَتَّى يتَّصل بِالشَّام وَفِيه الْمَدِينَة وعمان،
وَإِنَّمَا سمي حجازاً لِأَنَّهُ يحجز بَين نجد وتهامة،
وَمن الْمَدِينَة إِلَى طَرِيق مَكَّة إِلَى أَن يبلغ مهبط
العرج حجاز أَيْضا، وَمَا وَرَاء ذَلِك إِلَى مَكَّة
وَجدّة فَهُوَ تهَامَة، وَمَا كَانَ بَين تهَامَة ونجد
فَهُوَ حجاز.
وقَالَ الزُّهْرِيُّ هُوَ بَعْدَ كعْبِ بنِ الأشْرَفِ
أَي: قَالَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ: قتل أبي رَافع
كَانَ بعد قتل كَعْب بن الْأَشْرَف، وَقد ذكرنَا أَن قتل
كَعْب بن الْأَشْرَف كَانَ فِي رَمَضَان سنة ثَلَاث.
وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: كَانَت قصَّة أبي رَافع فِي سنة
سِتّ، وَهُوَ وهم، وَقيل: فِي سنة خمس فِي ذِي الْحجَّة،
وَقيل: فِي سنة أَربع، وَقيل: فِي رَجَب سنة ثَلَاث،
وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله يَعْقُوب بن سُفْيَان فِي
(تَارِيخه) عَن حجاج بن أبي منيع عَن جده عَن الزُّهْرِيّ.
4038 - حدَّثني إسْحَاقُ بنُ نَصْر حدَّثنا يَحْيَى بنُ
آدَمَ حدَّثنا ابنُ أبِي زَائِدَةَ عنْ أبِيهِ عنْ أبِي
إسْحَاقَ عنِ الْبَرَاءِ بنِ عَازِب رَضِي الله تَعَالَى
عنهُما قَالَ بَعَثَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
رَهْطَاً إِلَى أبِي رَافِعٍ فدَخَلَ علَيْهِ عبْدُ الله
بن عَتِيكٍ بَيْتَهُ لَيْلاً وهْوَ نائِمٌ فقَتَلَهُ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْحَاق بن نصر هُوَ
إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن نصر السَّعْدِيّ البُخَارِيّ،
وَيحيى بن آدم بن سُلَيْمَان الْكُوفِي، صَاحب الثَّوْريّ،
رَحمَه الله، وَابْن أبي زَائِدَة واسْمه مَيْمُون،
وَيُقَال: خَالِد الْهَمدَانِي الْكُوفِي القَاضِي، وَهُوَ
يروي عَن أَبِيه زَكَرِيَّا، وَهُوَ يروي عَن أبي إِسْحَاق
عَمْرو بن عبد الله السبيعِي الْكُوفِي.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد فِي: بَاب قتل النَّائِم
(17/134)
الْمُشرك، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن
عَليّ بن مُسلم عَن يحيى بن زَكَرِيَّا ... إِلَخ، وَمر
الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، ولنذكر هُنَا أَيْضا مَا يحْتَاج
إِلَيْهِ.
قَوْله: (رَهْط) ، الرَّهْط من الرِّجَال مَا دون
الْعشْرَة، وَقيل: إِلَى الْأَرْبَعين، وَلَا يكون فيهم
امْرَأَة، وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه، وَيجمع على أرهط
وأرهاط وأراهط جمع الْجمع، وَقد ذكرنَا عَن الْحَاكِم
آنِفا، أَنهم كَانُوا أَرْبَعَة مِنْهُم: عبد الله بن
عتِيك، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَكسر التَّاء
الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف
وبالكاف: ابْن مَالك بن الْأَوْس، وَيُقَال: عتِيك بن
الْحَارِث بن قيس بن هيشة بن الْحَارِث بن أُميَّة بن زيد
بن مُعَاوِيَة بن مَالك بن عَوْف بن عَمْرو بن عَوْف بن
مَالك بن الْأَوْس الْأنْصَارِيّ، اسْتشْهد عبد الله هَذَا
يَوْم الْيَمَامَة، قَالَ أَبُو عمر: وَأَظنهُ وأخاه جَابر
بن عتِيك شَهدا بَدْرًا، وَلم يخْتَلف أَن عبد الله شهد
أحدا، وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ وَأَبوهُ: أَنه شهد صفّين
مَعَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ أَبُو عمر:
فَإِن كَانَ فَلم يقتل يَوْم الْيَمَامَة، وَالله أعلم.
قَوْله: (بَيته) ، بِفَتْح الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء
أَي: بَيت أبي رَافع، وَهُوَ مَنْصُوب على المفعولية،
هَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة
السَّرخسِيّ وَالْمُسْتَمْلِي: ببيته، بتَشْديد الْيَاء
آخر الْحُرُوف، فعل مَاض من التثبيت، وَالْجُمْلَة حَالية
بِتَقْدِير: قد، وَالتَّقْدِير: دخل على أبي رَافع عبد
الله ابْن عتِيك قد بَيت الدُّخُول لَيْلًا أَي: فِي
اللَّيْل. قَوْله: (وَهُوَ) ، أَي: وَالْحَال أَن أَبَا
رَافع نَائِم فَقتله.
4039 - حدَّثنا يُوسُفُ بنُ مُوساى حدَّثنا عُبَيْدُ الله
بنُ مُوساى عنْ إسْرَائِيل عنْ أبِي إسْحَاقَ عنِ
البَرَاءِ بنِ عازِبٍ قَالَ بَعَثَ رسُولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إلَى أبي رَافِعٍ اليَهُودِيِّ رِجَالاً
مِنَ الأنْصَارِ فأمَّرَ علَيْهِمْ عَبْدَ الله بنَ
عَتِيكٍ وكانَ أبُو رَافِعٍ يُؤذِي رسولَ الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم ويُعِينُ علَيْهِ وكانَ فِي حُصْنٍ لَهُ
بِأرْضِ الحِجَازِ فلَمَّا دَنَوْا مِنْهُ وقَدْ غَرَبَتِ
الشَّمْسُ ورَاحَ النَّاسُ بِسَرْحِهِمْ فَقَالَ عَبْدُ
الله لأصْحَابِهِ اجْلِسُوا مَكَانَكُمْ فإنِّي مُنْطَلِقٌ
ومُتَلَطِّفٌ لِلْبَوَّابِ لَعَلِّي أنْ أدْخُلَ فأقْبَلَ
حتَّى دَنا مِنَ البَابِ ثُمَّ تقَنَّعَ بِثَوْبِهِ
كأنَّهُ يَقْضِي حاجَةً وقَدْ دَخَلَ النَّاسُ فهَتَفَ
بِهِ البَوَّابُ يَا عَبْدُ الله إنْ كُنْتَ تُرِيدُ أنْ
تَدْخُلَ فادْخُلْ فإنِّي أُرِيدُ أنْ أغْلِقَ البابَ
فدَخَلْتُ فكَمَنْتُ فلَمَّا دخَلَ النَّاسُ اغْلقَ
البَابَ ثُمَّ علَّقَ الأغَالِيقَ علَى وَتَدٍ قَالَ
فقُمْتُ إِلَى الأقالِيدِ فأخَذْتُهَا ففَتَحْتُ الْبَابَ
وكانَ أبُو رَافِعٍ يُسْمَرُ عِنْدَهُ وكانَ فِي
عَلاَلِيَّ لَهُ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْهُ أهْلُ سَمَرِهِ
صَعِدْتُ إلَيْهِ فجَعَلْتُ كُلَّمَا فتَحْتُ بَابا
أغْلَقْتُ عَلَيَّ مِنْ دَاخِلٍ قُلْتُ إنَّ القَوْمَ
نَذِرُوا بِي لَمْ يَخْلُصُوا إلَيَّ حتَّى أقْتُلَهُ
فانْتَهَيْتُ إلَيْهِ فإذَا هُوَ فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ
وسْطَ عِيَالِهِ لَا أدْرِي أيْنَ هُوَ مِنَ البَيْتِ
فَقُلْتُ يَا أبَا رَافِعٍ قَالَ مَنْ هاذَا فأهْوَيْتُ
نَحْوَ الصَّوْتِ فأضْرِبُهُ ضَرْبَةً بالسَّيْفِ وأنَا
دَهِشٌ مِمَّا أغْنَيْتُ شَيْئَاً وصاحَ فخَرَجْتُ مِنَ
البَيْتِ فأمْكُثُ غيْرَ بعِيدٍ ثُمَّ دَخَلْتُ إلَيْهِ
فقُلْتُ مَا هاذا الصَّوّتُ يَا أبَا رَافِعٍ فَقال
لأُمِّكَ الوَيْلُ إنَّ رَجُلاً فِي الْبَيْتِ ضَرَبَنِي
قَبْلُ بالسَّيْفِ قَالَ فأضْرِبُهُ ضَرْبَةً أثْخَنَتْهُ
ولَمْ أقْتُلْهُ ثُمَّ وَضَعْتُ ظُبَةَ السَّيْفِ فِي
بَطْنِهِ حتَّى أخَذَ فِي ظَهْرِهِ فعَرَفْتُ أنِّي
قتَلْتُهُ فجَعَلْتُ أفْتَحُ الأبْوَابَ بَابا بَابا حتَّى
انْتَهَيْتُ إِلَى دَرَجَةٍ لَهُ فَوَضَعْتُ رِجْلِي وأنَا
أُرَي أنِّي قدِ انْتَهَيْتُ إِلَى الأرْضِ فوَقَعْتُ فِي
لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ فانْكَسَرَتْ ساقِي فعَصَبْتُهَا
بِعِمَامَةٍ ثُمَّ انْطَلَقْتُ حتَّى جَلَسْتُ علَى
البَابِ فقُلْتُ لَا أخْرُجُ اللَّيْلَةَ حتَّى أعْلَمَ
أقَتَلْتُهُ فلَمَّا صاحَ الدِّيكُ قامَ النَّاعِي علَى
السُّورِ فَقال أنْعَى أبَا رَافِعٍ تاجِرَ أهْلِ
الحِجَازِ فانْطَلَقْتُ إِلَى أصْحَابِي فقُلْتُ
النَّجَاءَ
(17/135)
فقَدْ قَتَلَ الله أبَا رَافِعٍ
فانْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فحَدَّثْتُهُ فَقال لِي ابْسُطْ رِجْلَكَ فبَسَطْتُ
رِجْلِي فمَسَحَها فكَأنَّهَا لَمْ أشْتَكِهَا قَطُّ. .
هَذَا طَرِيق آخر أخرجه مطولا، وَفِيه بَيَان قصَّة أبي
رَافع. ويوسف بن مُوسَى بن رَافع. ويوسف بن مُوسَى بن
رَاشد بن بِلَال الْقطَّان الْكُوفِي، سكن بَغْدَاد وَمَات
بهَا سنة اثْنَيْنِ وَخمسين وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ من
أَفْرَاده، وَعبيد الله بن مُوسَى بن باذام أَبُو مُحَمَّد
الْعَبْسِي الْكُوفِي، وَهُوَ أَيْضا شيخ البُخَارِيّ روى
عَنهُ هُنَا بالواسطة، وَإِسْرَائِيل هُوَ ابْن يُونُس بن
أبي إِسْحَاق السبيعِي، يروي عَن جده أبي إِسْحَاق.
قَوْله: (رجَالًا من الْأَنْصَار) قد سمى مِنْهُم فِي
هَذَا الْبَاب: عبد الله بن عتِيك ومسعود بن سِنَان وَعبد
الله بن أنيس وَأَبا قَتَادَة وخزاعى ابْن أسود. وَإِن
كَانَ عبد الله بن عتبَة مَحْفُوظًا فَكَانُوا سِتَّة،
وَقد ترجمنا عبد الله بن عتِيك، وَأما مَسْعُود بن سِنَان
فَهُوَ ابْن سِنَان ابْن الْأسود حَلِيف لبني غنم بن
سَلمَة من الْأَنْصَار، شهد أحدا وَقتل يَوْم الْيَمَامَة
شَهِيدا، وَعبد الله بن أنيس، بِضَم الْهمزَة وَفتح
النُّون وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالسين
الْمُهْملَة: ابْن أسعد بن حرَام بن حبيب بن غنم بن كَعْب
بن غنم بن تفاثة بن أياس بن يَرْبُوع بن فالبرك بن وبرة
أخي كلب بن وبرة، البرك بن وبرة دخل فِي جُهَيْنَة،
وَقَالَ أَبُو عمر: عبد الله بن أنيس الْجُهَنِيّ، ثمَّ
الْأنْصَارِيّ حَلِيف بني سَلمَة، وَقيل: هُوَ من
جُهَيْنَة حَلِيف للْأَنْصَار، وَقيل: هُوَ من
الْأَنْصَار، توفّي سنة أَربع وَخمسين شهد أحدا وَمَا
بعْدهَا، وَأَبُو قَتَادَة الْأنْصَارِيّ فَارس رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، اخْتلف فِي اسْمه، فَقيل:
الْحَارِث بن ربعي بن بلدهة، وَقيل: بلدمة بن خناس بن
سِنَان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كَعْب بن سَلمَة
الْأنْصَارِيّ السّلمِيّ، وَقيل: النُّعْمَان الربعِي،
وَقيل: عَمْرو بن ربعي. وَاخْتلف فِي شُهُوده بَدْرًا،
فَقَالَ بَعضهم: كَانَ بَدْرِيًّا وَلم يذكرهُ ابْن عقبَة
وَلَا ابْن إِسْحَاق فِي الْبَدْرِيِّينَ وَشهد أحدا وَمَا
بعْدهَا من الْمشَاهد كلهَا، وَعَن الشّعبِيّ أَن عليا،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كبر على أبي قَتَادَة سِتا،
وَكَانَ بَدْرِيًّا وَعنهُ أَنه كبر عَلَيْهِ سبعا،
وَكَانَ بَدْرِيًّا. وَقَالَ الْحسن بن عُثْمَان: مَاتَ
أَبُو قَتَادَة سنة أَرْبَعِينَ وَشهد مَعَ عَليّ، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، مشاهده كلهَا فِي خِلَافَته، وَمَات
بِالْكُوفَةِ وَهُوَ ابْن سبعين سنة، وخزاعي، بِضَم
الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الزَّاي وبالعين
الْمُهْملَة: ابْن أسود بن خزاعي، الْأَسْلَمِيّ حَلِيف
الْأَنْصَار، ذكره الذَّهَبِيّ فِي تَجْرِيد أَسمَاء
الصَّحَابَة وَقَالَ: قيل: لَهُ صُحْبَة، وَلم يذكرهُ
أَبُو عمر فِي الصَّحَابَة، وَقيل بِالْقَلْبِ: أسود بن
خزاعي، وَقيل: أسود بن حرَام، ذكره فِي (الإكليل) فِي
حَدِيث عبد الله بن أنيس، وَكَذَا ذكره مُوسَى بن عقبَة
فِي (الْمَغَازِي) وَذكر فِي (دَلَائِل الْبَيْهَقِيّ) من
طَرِيق مُوسَى بن عقبَة على الشَّك: هَل هُوَ أسود بن
خزاعي أَو أسود بن حرَام؟ وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي
تَجْرِيد الصَّحَابَة) : الْأسود بن خزاعي، وَقيل: خزاعي
بن أسود أحد من قتل ابْن أبي الْحقيق، ذكره ابْن إِسْحَاق
وَهُوَ أسلمي من حلفاء بني سَلمَة الأنصاريين، وَقَالَ
الذَّهَبِيّ أَيْضا: الْأسود بن أَبيض، استدركه أَبُو
مُوسَى، قيل: هُوَ أحد من بَيت ابْن أبي الْحقيق، وَأما
عبد الله بن عتبَة، فبالعين المضمومة وَسُكُون التَّاء
الْمُثَنَّاة من فَوق، وَقَالَ أَبُو عمر، عبد الله بن
عتبَة أَبُو قيس الذكواني، مدنِي. وَقَالَ الذَّهَبِيّ:
قيل: لَهُ صُحْبَة، وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي (جَامع
الْأُصُول) : إِنَّه ابْن عنبة، بِكَسْر الْعين وَفتح
النُّون، وغلطه بَعضهم بِأَنَّهُ خولاني لَا أَنْصَارِي،
ومتأخر الْإِسْلَام، وَهَذِه الْقِصَّة مُتَقَدّمَة.
وَقَالَ الذَّهَبِيّ: عبد الله بن عتبَة، أَبُو عتبَة
الْخَولَانِيّ، نزل مصر، وَقَالَ بكر بن زرْعَة: لَهُ
صُحْبَة وَقد صلى الْقبْلَتَيْنِ وَسمع من النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (فأمَّر عَلَيْهِم) ،
بتَشْديد الْمِيم من التأمير. قَوْله: (وَكَانَ أَبُو
رَافع يُؤْذِي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
لِأَنَّهُ مِمَّن أعَان غطفان وَغَيرهم من مُشْركي
الْعَرَب بِالْمَالِ الْكثير على رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (وَرَاح النَّاس بسرحهم) ، أَي:
رجعُوا بمواشيهم الَّتِي ترعى، والسرح، بِفَتْح السِّين
الْمُهْملَة وَسُكُون الرَّاء وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة:
وَهِي السَّائِمَة من إبل وبقر وغنم. قَوْله: (ثمَّ تقنع
بِثَوْبِهِ) ، أَي: تغطى بِهِ ليخفي شخصه لِئَلَّا يعرف.
قَوْله: (فَهَتَفَ بِهِ البواب) ، أَي: ناداه، وَفِي
رِوَايَة فَنَادَى صَاحب الْبَاب. فَإِن قلت: كَيفَ قَالَ
البواب: يَا عبد الله؟ فَهَذَا يدل على أَنه عرفه؟ فَلَو
عرفه لما مكنه من الدُّخُول مَعَ أَنه كَانَ مستخفياً
مِنْهُ. قلت: لم يرد بِهِ اسْمه الْعلم، بل الظَّاهِر أَنه
أَرَادَ بِهِ الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ، لِأَن الْكل عبيد
الله. قَوْله: (فَكَمَنْت) ، أَي: اخْتَبَأْت،
(17/136)
وَفِي رِوَايَة يُوسُف، ثمَّ اخْتَبَأْت
فِي مربط حمَار عِنْد بَاب الْحصن. قَوْله: (ثمَّ غلق
الأغاليق) ، وَهُوَ بالغين الْمُعْجَمَة جمع غلق بِفَتْح
أَوله، وَهُوَ مَا يغلق بِهِ الْبَاب، وَالْمرَاد بهَا
المفاتيح كَأَنَّهُ كَانَ يغلق بهَا وَيفتح بهَا، كَذَا
فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره: بِالْعينِ
الْمُهْملَة، وَفِي (التَّوْضِيح) : هُوَ جمع إغليق،
وَهُوَ الْمِفْتَاح. قَوْله: (على وتد) ويروى: على ود،
وَهُوَ مدغم الوتد، قَالَه الْكرْمَانِي: يَعْنِي قلبت
التَّاء دَالا وأدغمت الدَّال فِي الدَّال، وَقَالَ: هِيَ
مسمرة على الْبَاب، فَكيف تعلق على الوتد؟ قلت: يُرَاد
بهَا الأقاليد، والإقليد كَمَا يفتح بِهِ يغلق أَيْضا
بِهِ. قَوْله: (يسمر عِنْده) على صِيغَة الْمَجْهُول من
الْمُضَارع، أَي: يتحدثون عِنْده بعد الْعشَاء وَهُوَ من
السمر وَهُوَ الاقتصاص بِاللَّيْلِ. قَوْله: (فِي علالي)
جمع علية، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَكسر اللَّام
وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَهِي الغرفة وَفِي
رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: وَكَانَ فِي علية لَهُ عجلة،
بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَالْجِيم، قَالَ بَعضهم: هِيَ
سلم من الْخشب، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: العجلة من نخل
ينقر الْجذع وَيحمل فِيهِ شبه الدرج. قَوْله: (نذروا)
بِكَسْر الذَّال أَي: علمُوا، وَأَصله من الْإِنْذَار
وَهُوَ الْإِعْلَام بالشَّيْء الَّذِي يحذر مِنْهُ، وَذكر
ابْن سعد أَن عبد الله بن عتِيك كَانَ يرطن باليهودية
فَاسْتَفْتَحَ، فَقَالَت لَهُ امْرَأَة أبي رَافع: من
أَنْت؟ قَالَ: جِئْت أَبَا رَافع بهديه، ففتحت لَهُ.
قَوْله: (فَأَهْوَيْت نَحْو الصَّوْت) ، أَي: قصدت نَحْو
صَاحب الصَّوْت، وَفِي رِوَايَة يُوسُف: فعمدت نَحْو
الصَّوْت. قَوْله: (وَأَنا دهش) جملَة إسمية وَقعت حَالا،
ودهش أَي: تحير وَهُوَ بِفَتْح الدَّال وَكسر الْهَاء،
وَفِي آخِره شين مُعْجمَة. قَوْله: (فَمَا أغنيت شَيْئا)
يُقَال: مَا يُغني عَنْك، أَي: مَا يجدي عَنْك وَمَا
ينفعك، حَاصِل الْمَعْنى: لم أَقتلهُ. قَوْله: (لأمك
الويل) دُعَاء عَلَيْهِ، وَالْوَيْل مُبْتَدأ، و: لأمك،
مقدما خَبره. قَوْله: (أثخنته) أَي: أثخنت الضَّرْبَة
أَبَا رَافع، وَالْحَال أَنِّي لم أَقتلهُ أَيْضا. قَوْله:
(ظبه السَّيْف) وَهُوَ حرف حد السَّيْف، وَيجمع على: ظبات
وظبين، وَأما الضبيب بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَكسر
الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى على وزن: رغيف، فَلَا أَدْرِي
لَهُ معنى يَصح فِي هَذَا، وَإِنَّمَا هُوَ سيلان الدَّم
من الْفَم، يُقَال: ضبت لثته ضبيباً، وَقَالَ الْخطابِيّ:
هَكَذَا يرْوى، وَمَا أرَاهُ مَحْفُوظًا، وَقَالَ عِيَاض:
روى بَعضهم الصبيب بِالْمُهْمَلَةِ، قَالَ: وأظن أَنه
الطّرف. قلت: هُوَ رِوَايَة أبي ذَر، وَكَذَا ذكره
الْحَرْبِيّ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: لَو كَانَ بِالذَّالِ
الْمُعْجَمَة مصغر ذُبَاب السَّيْف وَهُوَ طرفه لَكَانَ
ظَاهرا، وَفِي رِوَايَة يُوسُف: فأضع السَّيْف فِي بَطْنه
ثمَّ انكفىء عَلَيْهِ حَتَّى أسمع صَوت الْعظم. قَوْله:
(وَأَنا أرى) بِضَم الْهمزَة أَي: أَظن، وَذكر ابْن
إِسْحَاق فِي رِوَايَته أَنه كَانَ سيء الْبَصَر، قَوْله:
فَانْكَسَرت ساقي فَوَثَبت يَده، قيل: هُوَ وهم
وَالصَّوَاب رجله. قَوْله: (قَامَ الناعي) بالنُّون
وَالْعين الْمُهْملَة من النعي، وَهُوَ خبر الْمَوْت،
وَالِاسْم الناعي. قَوْله: (أنعي أَبَا رَافع) كَذَا ثَبت
فِي الرِّوَايَات بِفَتْح الْعين، قَالَ ابْن التِّين:
هِيَ لُغَة، وَالْمَعْرُوف: أنعوا، قَوْله: (النَّجَاء)
بِالنّصب أَي: أَسْرعُوا. قَوْله: (فَكَأَنَّهَا) أَي:
فَكَأَن رجْلي لم أشتكها، من الشكاية.
4040 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ عُثْمَانَ حدَّثَنَا شُرَيْحٌ
هُوَ ابنُ مَسْلَمَةَ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ يُوسُفَ عنْ
أبِيهِ عنْ أبِي إسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ البَرَاءَ رَضِي
الله تَعَالَى عنهُ قَالَ بعَثَ رسُولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إلَى أبِي رَافِعٍ عَبْدَ الله بنَ عَتِيكٍ
وعَبْدَ الله بنَ عُتْبَةَ فِي ناسٍ مَعَهُمْ فانْطَلَقُوا
حَتَّى دَنَوْا مِنَ الحِصْنِ فَقالَ لَهُمْ عَبْدُ الله
بنُ عَتِيكٍ امْكُثُوا أنْتُمْ حتَّى أنْطَلِقَ أنَا
فأنْظُرَ قالَ فتَلَطَّفْتُ أنْ أدْخُلَ الحِصْنَ
ففَقَدُوا حِمارَاً لَهُمْ قَالَ فخَرَجُوا بِقَبَسٍ
يَطْلُبُونَهُ قَالَ فَخَشِيتُ أنْ أُعْرَفَ قَالَ
فَغَطَّيْتُ رأسِي ورِجْلِي كأنِّي أقْضِي حاجَةً ثُمَّ
نادَى صاحِبُ الْبابِ مَنْ أرَادَ أنْ يَدْخُلَ
فلْيَدْخُلْ قَبْلَ أنْ أُغْلِقَهُ فدَخَلْتُ ثُمَّ
اخْتَبأتُ فِي مَرْبِطِ حِمَارٍ عِنْدَ بابِ الحَصْنِ
عِنْدَ أبِي رَافِعٍ وتَحَدَّثُوا حتَّى ذَهَبَتْ ساعَةٌ
مِنَ اللَّيْلِ ثُمَّ رَجَعُوا إلَى بُيُوتِهِمْ فلَمَّا
هدَأتِ الأصْوَاتُ وَلَا أسْمَعُ حَرَكةً خرَجْتُ قَالَ
ورَأيْتُ صاحِبَ الْبابِ حيْثُ وَضَعَ مِفْتَاحَ الحِصْنِ
فِي كَوَّةٍ فأخَذْتُهُ ففَتَحْتُ بِهِ بابَ الحِصْنِ
قَالَ قُلْتُ إنْ نَذِرَ بِي القَوْمُ انْطَلَقْتُ علَى
مَهْلٍ ثُمَّ عَمَدْتُ إلَى أبْوَابِ بيُوتِهِمْ
فغَلَّقْتُهَا علَيْهِمْ مِنْ ظَاهِرٍ ثُمَّ
(17/137)
صَعِدْتُ إلَى أبِي رافِعٍ فِي سُلَّمٍ
فإذَا البَيْتُ مُظْلِمٌ قدْ طُفِىءَ سِرَاجُهُ فلَمْ
أدْرِ أيْنَ الرَّجُلُ فقُلْتُ يَا أبَا رَافعٍ قَالَ مَنْ
هاذَا قَالَ فعَمَدْتُ نَحْوَ الصَّوْتِ فأضْرِبُهُ وصَاحَ
فلَمْ تُغْنِ شَيْئاً قَالَ ثُمَّ جِئْتُ كأنِّي أُغِيثُهُ
فقُلْتُ مالَكَ يَا أبَا رَافِعٍ وغيَّرْتُ صَوْتي فَقال
ألاَ أُعْجِبَكَ لاُِمِّكَ الوَيْلُ دخَلَ علَيَّ رَجُلٌ
فضَرَبَنِي بالسَّيْفِ قَالَ فَعَمَدْتُ لَهُ أَيْضا
فأضْرِبُهُ أخْرَى فلَمْ تُغْنِ شَيْئاً فَصاحَ وقامَ
أهْلُهُ قَالَ ثُمَّ جِئْتُ وغيَّرْتُ صَوْتِي كَهَيْئَةِ
الْمُغِيثِ فإذَا هُوَ مُسْتَلْقٍ عَلَى ظَهْرِهِ فأضَعُ
السَّيْفَ فِي بَطْنِهِ ثُمَّ أنْكَفِىءُ علَيْهِ حتَّى
سَمِعْتُ صَوْتَ العَظْمِ ثُمَّ خَرَجْتُ دَهِشَاً حتَّى
أتَيْتُ السُّلَّمَ أُرِيدُ أنْ أنْزِلَ فأسْقُطُ مِنْهُ
فانْخَلَعَتْ رِجْلِي فعَصَبْتُهَا ثُمَّ أتَيْتُ أصْحَابي
أحْجُلُ فقُلْتُ لَهُمْ انْطَلِقُوا فبَشِّرُوا رَسُولَ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فإنِّي لاَ أبْرَحُ حتَّى
أسْمَعَ النَّاعِيَةَ فلَمَّا كانَ فِي وَجْهِ الصُّبْحِ
صَعِدَ النَّاعِيَةُ فَقال أنْعَى أبَا رَافعٍ قَالَ
فقُمْتُ أمْشِي مَا بِي قَلَبَةٌ فأدْرَكْتُ أصْحَابِي
قبْلَ أنْ يَأتُوا النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فبَشَّرْتُهُمْ. .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث الْبَراء، أخرجه عَن أَحْمد
بن عُثْمَان بن حَكِيم أَبُو عبد الله الْكُوفِي عَن
شُرَيْح، بِضَم الشين الْمُعْجَمَة ابْن مسلمة الْكُوفِي
عَن إِبْرَاهِيم بن يُوسُف بن إِسْحَاق بن أبي إِسْحَاق
وَإِبْرَاهِيم هَذَا يروي عَن أَبِيه يُوسُف، ويوسف يروي
عَن جده أبي إِسْحَاق عَمْرو السبيعِي عَن الْبَراء بن
عَازِب، وَرِجَال هَذَا الأسناد كلهم كوفيون.
قَوْله: (وَعبد الله بن عتبَة) بِضَم الْعين وَسُكُون
التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ
عَن قريب. قَوْله: (بقبس) ، أَي: شعلة من النَّار. قَوْله:
(فَلَمَّا هدأت الْأَصْوَات) كَذَا هُوَ بِالْهَمْزَةِ،
وَذكر ابْن التِّين بِغَيْر همز، ثمَّ قَالَ: وَصَوَابه
الْهَمْز، أَي: سكنت ونام النَّاس. قَوْله: (فأضربه) ، ذكر
بِلَفْظ الْمُضَارع مُبَالغَة لاستحضار صُورَة الْحَال
وَإِن كَانَ ذَلِك قد مضى. قَوْله: (فَلم تغنِ) أَي: لم
تَنْفَع شَيْئا. قَوْله: (أغيثه) ، بِضَم الْهمزَة من
الإغاثة. قَوْله: (وَقَامَ أَهله) ، وَفِي رِوَايَة ابْن
إِسْحَاق: فصاحت امْرَأَته فنوهت بِنَا فَجعلنَا نرفع
السَّيْف عَلَيْهَا، ثمَّ نذْكر نهي النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، عَن قتل النِّسَاء فنكف عَنْهَا. قَوْله:
(ثمَّ أنكفىء) أَي: أنقلب عَلَيْهِ. قَوْله: (فانخلعت
رجْلي) وَفِي الرِّوَايَة الْمُتَقَدّمَة: فَانْكَسَرت،
والتلفيق بَينهمَا بِأَن يُقَال: إنَّهُمَا وَقعا، أَو
أَرَادَ من كل مِنْهُمَا مُجَرّد اختلال الرجل. قَوْله:
(أحجل) بِالْحَاء الْمُهْملَة ثمَّ الْجِيم: من الحجلان،
وَهُوَ مشي الْمُقَيد كَمَا يحجل الْبَعِير على ثَلَاث،
والغلام على رجل وَاحِدَة. قَوْله: (مَا بِي قلبة) بِفَتْح
الْقَاف وَاللَّام أَي: تقلب، واضطرب من جِهَة الرجل.
فَإِن قلت: سبق أَنه قَالَ: فمسحها، فَكَأَنَّهَا لم
أشتكها. قلت: لَا مُنَافَاة بَينهمَا، إِذْ لَا يلْزم من
عدم التقلب عودهَا إِلَى حالتها الأولى وَعدم بَقَاء
الْأَثر فِيهَا.
17 - (بابُ غَزْوَةِ أُحُدٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان غَزْوَة أحد، وَلَيْسَ فِي
رِوَايَة أبي ذَر لَفْظَة: بَاب، وَكَانَت غَزْوَة أحد فِي
شَوَّال سنة ثَلَاث يَوْم السبت لإحدى عشرَة لَيْلَة خلت
مِنْهُ عِنْد ابْن عَائِذ، وَعند ابْن سعد: لسبع لَيَال
خلون مِنْهُ على رَأس اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ شهرا من
الْهِجْرَة، وَقَالَ إِسْحَاق: لِلنِّصْفِ مِنْهُ، وَعند
الْبَيْهَقِيّ عَن مَالك: كَانَت بدر لسنة وَنصف من
الْهِجْرَة، وَأحد بعْدهَا بِسنة، وَفِي رِوَايَة: كَانَت
على أحد وَثَلَاثِينَ شهرا، وَأحد جبل من جبال الْمَدِينَة
على أثل من فَرسَخ مِنْهَا، سمي أحد لتوحده وانقطاعه عَن
جبال أخر هُنَاكَ، وَقَالَ السُّهيْلي: وَفِيه قبر هَارُون
بن عمرَان، وَبِه قبض. وَكَانَ هُوَ وَأَخُوهُ مُوسَى،
عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، مرا بِهِ حاجين أَو
معتمرين، وَفِي الْآثَار المسندة: أَنه يَوْم الْقِيَامَة
عِنْد بَاب الْجنَّة من داخلها، وَفِي بَعْضهَا: أَنه ركن
لبابها، ذكره ابْن سَلام فِي (تَفْسِيره) وَفِي (الْمسند)
من حَدِيث أبي عِيسَى بن جُبَير مَرْفُوعا: أحد جبل يحبنا
ونحبه، وَكَانَ على بَاب الْجنَّة، وَقَالَ السُّهيْلي:
وَيُقَال لأحد ذُو عينين، وعينان تَثْنِيَة عين، جبل بِأحد
وَهُوَ الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ إِبْلِيس، عَلَيْهِ
اللَّعْنَة، وَيَوْم أحد، وَقَالَ: إِن سيدنَا رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قد قتل، وَبِه أَقَامَ
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرُّمَاة يَوْم
أحد.
(17/138)
وقَوْلِ الله عزَّ وجَلَّ {وإذْ غَدَوْتَ
مِنْ أهْلِكَ تُبَوِّىءُ المُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ
لِلْقِتَالِ وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (آل عمرَان: 121) .
وقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ {وَلاَ تَهِنُوا ولاَ تَحْزَنُوا
وأنْتُمُ الأعْلُونَ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ إنْ
يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فقَدْ مَسَّ القَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ
وتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ
ولِيَعْلَمَ الله الَّذِينَ آمَنُوا ويَتَّخِذَ مِنْكُمْ
شُهَدَاءَ وَالله لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ولِيُمَحِّصَ
الله الَّذِينَ آمَنُوا ويَمْحَقَ الكَافِرِينَ أمْ
حَسِبْتُمْ أنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ ولَمَّا يَعْلَمَ
الله الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ ويَعْلَمَ الصَّابِرِينَ
ولَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ المَوْتَ مِنْ قَبْلِ أنْ
تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأيْتُمُوهُ وأنْتُمْ تَنْظُرُونَ} (آل
عمرَان: 139، 143) . وقَوْلِهِ {ولَقَدْ صدَقَكُمُ الله
وعْدَهُ إذْ تَحُسُّونَهُمْ تَسْتَأصِلُونَهُمْ قَتْلاً
بإذْنِهِ حَتَّى إذَا فَشِلْتُمْ وتَنَازَعْتُمْ فِي
الأمْرِ وعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أرَاكُمْ مَا
تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا ومِنْكُمْ
مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ
لِيَبْتَلِيَكُمْ ولَقَدْ عفَا عَنْكُمْ وَالله ذُو فَضْلٍ
علَى الْمُؤْمِنينَ} (آل عمرَان: 152) . وقَوْلِهِ تعَالَى
{ولاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله
أمْوَاتَاً} (169) . الْآيَة.
هَذِه الْآيَات كلهَا فِي سُورَة آل عمرَان، وَكلهَا
تتَعَلَّق بوقعة أحد، وَقَالَ إِبْنِ إِسْحَاق: أنزل الله
فِي شَأْن أحد سِتِّينَ آي من آل عمرَان، وروى ابْن أبي
حَاتِم من طَرِيق الْمسور بن مخرمَة، قَالَ: قلت لعبد
الرَّحْمَن بن عَوْف، أَخْبرنِي عَن قصتكم يَوْم أحد
قَالَ: إقرأ الْعشْرين وَمِائَة من آل عمرَان تجدها:
{وَإِذا غَدَوْت من أهلك تبوىء الْمُؤمنِينَ مقاعد
لِلْقِتَالِ} (آل عمرَان: 121) . إِلَى قَوْله: {أَمَنَة
نعاساً} (آل عمرَان: 154) .
قَوْله: (وَقَول الله عز وَجل) ، بِالْجَرِّ عطفا على
قَوْله: غَزْوَة أحد. قَوْله: (وَإِذ غَدَوْت) تَقْدِيره:
أذكر يَا مُحَمَّد حِين غَدَوْت، أَي حِين خرجت أول
النَّهَار من حجرَة عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهَا، وَاخْتلف فِي هَذَا الْيَوْم الَّذِي عَنى الله
بِهِ؟ فَعِنْدَ الْجُمْهُور: المُرَاد بِهِ يَوْم أحد،
قَالَه ابْن عَبَّاس وَالْحسن وَقَتَادَة وَالسُّديّ وَغير
وَاحِد، وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ: المُرَاد بذلك يَوْم
الْأَحْزَاب، رَوَاهُ ابْن جرير وَهُوَ غَرِيب لَا يعول
عَلَيْهِ، وَقيل: يَوْم بدر، وَهُوَ أَيْضا لَا يعول
عَلَيْهِ، وَكَانَت وقْعَة أحد يَوْم السبت من شَوَّال سنة
ثَلَاث من الْهِجْرَة، وَقَالَ قَتَادَة: لإحدى عشرَة
لَيْلَة خلت من شَوَّال، وَقَالَ عِكْرِمَة: يَوْم السبت
النّصْف من شَوَّال، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: وَكَانَت
إِقَامَة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد قدومه
من غَزْوَة الْفَرْع من نَجْرَان جُمَادَى الْآخِرَة
ورجباً وَشَعْبَان وَشهر رَمَضَان، وغزوة قُرَيْش وغزوة
أحد فِي شَوَّال سنة ثَلَاث، وَقَالَ البلاذري: لتسْع خلون
من شَوَّال، وَقَالَ مَالك: كَانَت الْوَقْعَة أول
النَّهَار وَهِي الَّتِي أنزل الله فِيهَا: {وَإِذ غَدَوْت
من أهلك تبوىء الْمُؤمنِينَ مقاعد لِلْقِتَالِ} (آل
عمرَان: 121) . الْآيَات. قَوْله: (تبوىء الْمُؤمنِينَ)
أَي: تنزلهم (مقاعد) أَي: منَازِل، وتجعلهم ميمنة وميسرة.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: مقاعد أَي مَوَاطِن ومواقف،
وقرىء: مقاعداً، بِالتَّنْوِينِ. قَوْله: (لِلْقِتَالِ)
أَي: لأجل الْقِتَال مَعَ الْمُشْركين من قُرَيْش
وَغَيرهم، وَكَانُوا قَرِيبا من ثَلَاثَة آلَاف ونزلوا
قَرِيبا من أحد تِلْقَاء الْمَدِينَة، وَكَانَ قائدهم
أَبَا سُفْيَان وَمَعَهُ زَوجته هِنْد بنت عتبَة بن
ربيعَة، وَكَانَ خَالِد بن الْوَلِيد على ميمنة خيلهم،
وَعِكْرِمَة بن أبي جهل على ميسرتهم، وَقَالَ ابْن سعد:
وَجعلُوا على الْخَيل صَفْوَان بن أُميَّة، وَقيل: عَمْرو
بن الْعَاصِ، وعَلى الرُّمَاة عبد الله بن أبي ربيعَة،
وَكَانُوا مائَة وَفِيهِمْ سَبْعمِائة ذِرَاع، والظعن
خَمْسَة عشر، وَقَالَ ابْن هِشَام: لما خرج رَسُول الله،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمسلمون يَوْم أحد اسْتعْمل على
الْمَدِينَة ابْن أم مَكْتُوم على الصَّلَاة بِالنَّاسِ،
وَقَالَ مُوسَى بن عقبَة: كَانُوا ألف رجل، فَلَمَّا نزل
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأحد رَجَعَ عَنهُ عبد الله بن
أبي بن سلول فِي ثَلَاثمِائَة، فَبَقيَ رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَبْعمِائة، قَالَ الْبَيْهَقِيّ:
هَذَا هُوَ الْمَشْهُور عِنْد أهل الْمَغَازِي قَالَ
وَالْمَشْهُور عَن الزُّهْرِيّ أَنهم بقوا فِي
أَرْبَعمِائَة مقَاتل وَلم يكن مَعَهم فرس وَاحِد، وَكَانَ
مَعَ الْمُشْركين مائَة فرس. وَقَالَ الْوَاقِدِيّ:
وَكَانَ مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فرسَان: فرس لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفرس لأبي
بردة، وأمَّر رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على
الرُّمَاة عبد الله بن جُبَير أَخا بني عَمْرو بن عَوْف،
وهم خَمْسُونَ رجلا، وَقَالَ: لَا يقاتلن أحد حَتَّى نأمره
بِالْقِتَالِ، ثمَّ جرى مَا ذكره أهل السّير. قَوْله:
(وَالله سميع عليم) أَي: سميع بِمَا تَقولُونَ، عليم
بضمائركم. قَوْله: (وَقَوله جلّ ذكره) ، بِالْجَرِّ أَيْضا
عطفا على: قَول الله عز وَجل، قَوْله: (وَلَا تهنوا) أَي:
(17/139)
لَا تضعفوا بِسَبَب مَا جرى، وَهَذَا
تَسْلِيَة من الله لرَسُوله وَلِلْمُؤْمنِينَ عَمَّا
أَصَابَهُم يَوْم أحد، وأصل: لَا تهنوا: توهنوا، حذفت
الْوَاو طرداً للباب لِأَنَّهَا حذفت فِي: يهن، أَصله
يوهن، لوُقُوع الْوَاو بَين الْيَاء والكسرة، والوهن
الضعْف، يُقَال: وَهن يهن، بِالْكَسْرِ فِي الْمُضَارع،
وَيسْتَعْمل: وَهن لَازِما ومتعدياً، قَالَ تَعَالَى:
{وَهن الْعظم مني} (مَرْيَم: 4) . وَفِي الحَدِيث: (وهنتهم
حمى يثرب) ، وَقَالَ الْفراء: يُقَال: وهنه الله وأوهنه،
زَاد غَيره: ووهنه. قَوْله: (وَلَا تحزنوا) أَي: على
ظُهُور أعدائكم وَمَا فاتكم من الْغَنِيمَة، وَكَانَ قد
قتل يَوْمئِذٍ خَمْسَة من الْمُهَاجِرين، وهم: حَمْزَة،
وَمصْعَب بن عُمَيْر صَاحب راية النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وَعبد الله بن جحش ابْن عمَّة النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعُثْمَان بن شماس، وَسعد مولى
ابْن عتبَة، وَمن الْأَنْصَار سَبْعُونَ رجلا. قَوْله:
(وَأَنْتُم الأعلون) وَهُوَ جمع: أَعلَى، أَي: بِالْحجَّةِ
فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، وَلكم الْغَلَبَة فِيمَا بعد.
قَوْله: (إِن كُنْتُم مُؤمنين) أَي: إِذا كُنْتُم، وَقيل:
إِذْ دمتم، على الْإِيمَان فِي الْمُسْتَقْبل. قَوْله:
(إِن يمسكم قرح) الْآيَة، قَالَ رَاشد بن سعد: انْصَرف
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَوْم أحد كئيباً،
وَجعلت الْمَرْأَة تجىء بابنها وأبيها وَزوجهَا مقتولين،
فَقَالَ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أهكذا تفعل برسولك؟
فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة، وَيُقَال: أقبل
عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يَوْمئِذٍ وَفِيه نَيف
وَسِتُّونَ جِرَاحَة من طعنة وضربة ورمية، فَجعل، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، يمسحها بِيَدِهِ وَهِي تلتئم بِإِذن الله
كَأَن لم تكن. قَوْله: (إِن يمسسكم) ، من الْمس وَهُوَ
الْإِصَابَة، والقرح بِالْفَتْح: الْجراح، واحدتها: قرحَة،
وبالضم اسْم الْجراح، وبفتح الرَّاء مصدر: قرح يقرح،
وَقَالَ الْكسَائي: الْقرح، بِالْفَتْح وَالضَّم وَاحِد،
أَي: الْجراح، وَقَالَ الْفراء: هُوَ بِالْفَتْح مصدر
قُرْحَته فَهُوَ نفس الْجراح، وبالضم الْأَلَم، وَقَالَ
أَبُو الْبَقَاء، بِضَم الْقَاف وَالرَّاء على
الِاتِّبَاع، وَالْمعْنَى وَالله أعلم: لَا تحزنوا إِن
أَصَابَكُم جرح يَوْم أحد، فقد أصَاب الْمُشْركين مثله
يَوْم بدر، وَمَعَ هَذَا إِن قَتْلَاكُمْ فِي الْجنَّة
وقتلاهم فِي النَّار. قَوْله: (وَتلك الْأَيَّام) ، تِلْكَ
مُبْتَدأ، وَالْأَيَّام خَبره، ونداولها فِي مَوضِع
الْحَال، وَالْعَامِل فِيهَا معنى الْإِشَارَة، وَيجوز أَن
يكون الْأَيَّام بَدَلا أَو عطف بَيَان، ونداولها
الْخَبَر، وَالْمعْنَى: لَا تهنوا فالحرب سِجَال، وَأَنا
أداول الْأَيَّام بَين النَّاس، فأديل الْكَافِر من
الْمُؤمن تَغْلِيظًا للمحنة والابتلاء، وَلَو كَانَت
الْغَلَبَة للْمُؤْمِنين لصاروا كالمضطرين، وَيُقَال: نديل
عَلَيْكُم الْأَعْدَاء تَارَة وَإِن كَانَت الْعَاقِبَة
لكم لما لنا فِي ذَلِك من الحكم، وَلِهَذَا قَالَ: {وليعلم
الله الَّذين آمنُوا} (آل عمرَان: 140) . قَالَ ابْن
عَبَّاس فِي مثل هَذَا: لنرى من يصبر على مناجزة
الْأَعْدَاء. قَوْله: (ويتخذ مِنْكُم) ، أَي: وليتخذ
مِنْكُم شُهَدَاء، يَعْنِي: نكرم نَاسا مِنْكُم
بِالشَّهَادَةِ، يَعْنِي المستشهدين يَوْم أحد، وليتخذ
مِنْكُم من يصلح للشَّهَادَة على الْأُمَم يَوْم
الْقِيَامَة، وَقَالَ ابْن جريج: كَانَ الْمُسلمُونَ
يَقُولُونَ: رَبنَا أرنا يَوْمًا كَيَوْم بدر نلتمس فِيهِ
الشَّهَادَة، فَاتخذ الله مِنْهُم شُهَدَاء يَوْم أحد.
قَوْله: (وَالله لَا يحب الظَّالِمين) ، أَي: الْمُشْركين.
قَوْله: (وليمحص الله الَّذين آمنُوا) ، مَعْطُوف على
قَوْله: (وليعلم الله) والتمحيص الطهير والتصفية، وَقيل:
التمحيص الِابْتِلَاء والاختبار، وَالْمعْنَى: ليكفِّر
الله عَن الْمُؤمنِينَ ذنوبهم إِن كَانَت لَهُم ذنُوب،
وليرفع لَهُم دَرَجَات بِحَسب مَا أصيبوا بِهِ. قَوْله:
(ويمحق الْكَافرين) ، أَي: يُهْلِكهُمْ، وَقيل: ينقصهم
ويقللهم، يُقَال: محق الله الشَّيْء وامتحق وانمحق.
قَوْله: (أم حسبتم) كلمة: أم، مُنْقَطِعَة، وَمعنى
الْهمزَة فِيهَا الْإِنْكَار، وَالْمعْنَى: أحسبتم أَن
تدْخلُوا الْجنَّة وَلم تبتلوا بِالْقِتَالِ والشدائد
كَمَا دخل الَّذين قتلوا وثبتوا على ألم الْجراح؟ قَوْله:
(وَلما يعلم الله) ، كلمة: لما، بِمَعْنى: لم إلاَّ أَن
فِيهِ ضربا من التوقع، فَدلَّ على نفي الْجِهَاد فِيمَا
مضى، وعَلى توقعه فِيمَا يسْتَقْبل. قَوْله: (وَيعلم
الصابرين) ، قَالَ الزّجاج: الْوَاو، هُنَا بِمَعْنى:
حَتَّى، أَي: حَتَّى يعلم صبرهم. وَقَرَأَ الْحسن بِكَسْر
الْمِيم عطفا على الأول، وَمِنْهُم من قَرَأَ بِالضَّمِّ
على تَقْدِير: وَهُوَ يعلم، وَحَاصِل الْمَعْنى: لَا يحصل
لكم دُخُول الْجنَّة حَتَّى تبتلوا وَيرى الله مِنْكُم
الْمُجَاهدين فِي سَبيله وَالصَّابِرِينَ على مقارعة
الْأَعْدَاء. قَوْله: (وَلَقَد كُنْتُم تمنون الْمَوْت) ،
قَالَ ابْن عَبَّاس: لما أخبر الله تَعَالَى، على لِسَان
نبيه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَا فعل بشهدائهم يَوْم
بدر من الْكَرَامَة رَغِبُوا فِي ذَلِك، فَأَرَاهُم يَوْم
أحد فَلم يَلْبَثُوا أَن انْهَزمُوا، فَنزلت هَذِه الْآيَة
أَي: {وَلَقَد كُنْتُم تمنون الْمَوْت} (آل عمرَان: 143) .
أَي: الْقِتَال من قبل أَن تلقوهُ يَوْم أحد فقد
رَأَيْتُمُوهُ يَوْمئِذٍ وَأَنْتُم تنْظرُون، يَعْنِي
الْمَوْت فِي لمعان السيوف وحد الأسنة واشتباك الرماح
وصفوف الرِّجَال لِلْقِتَالِ فَكيف انْهَزَمْتُمْ؟ فَإِن
قلت: كَيفَ جَازَ تمني الشَّهَادَة وَفِيه غَلَبَة
الْكفَّار على الْمُسلمين؟ قلت: لِأَن غَرَض المتمني
لَيْسَ إلاّ
(17/140)
َ حُصُول الشَّهَادَة مَعَ قطع النّظر عَن
غَلَبَة الْكفَّار، وَإِن كَانَ متضمناً لَهَا. قَوْله:
(وَلَقَد صدقكُم الله وعده) ، قَالَ مُحَمَّد بن كَعْب:
لما رَجَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه
من أحد إِلَى الْمَدِينَة، قَالَ قوم مِنْهُم: من أَيْن
أَصَابَنَا هَذَا وَقد وعدنا الله النَّصْر؟ فَنزلت هَذِه
الْآيَة. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: وعدهم الله النَّصْر
بِأحد فَلَمَّا طلبُوا الْغَنِيمَة هزموا. قَوْله: (إِذْ
تحسونهم بِإِذْنِهِ) ، أَي: حِين تقتلونهم قتلا ذريعاً
بِإِذْنِهِ، أَي: بأَمْره وتيسيره، وَيُقَال: سنة حسوس
إِذا أَتَت على كل شَيْء، وجراد محسوس إِذا قَتله الْبرد.
قَوْله: (حَتَّى إِذا فشلتم) أَي: جبنتم وضعفتم، يُقَال:
فشل الرجل يفشل فَهُوَ فشيل، وَفِيه تَقْدِيم وَتَأْخِير
أَي: حَتَّى إِذا تنازعتم وعصيتم فشلتم، وَقيل: حَتَّى
بِمَعْنى إِلَى، وَحِينَئِذٍ لَا جَوَاب، أَي: صدقكُم الله
وعده إِلَى أَن فشلتم وتنازعتم، أَي: اختلفتم وَكَانَ
ذَلِك فِي أول الْأَمر لما انهزم الْمُشْركُونَ، قَالَ بعض
الرمات الَّذين كَانُوا عِنْد المركز: مَا مقامنا هُنَا؟
قد انهزم الْقَوْم. وَقَالَ بَعضهم: لَا تجاوزوا أَمر
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَثَبت عبد الله بن
جُبَير أَمِير الرُّمَاة فِي نفر يسير دون الْعشْرَة،
وَانْطَلق الْبَاقُونَ ينتهبون، فَلَمَّا نظر خَالِد بن
الْوَلِيد وَعِكْرِمَة ابْن أبي جهل ذَلِك، حملُوا على
الرُّمَاة فَقتلُوا عبد الله وَأَصْحَابه، وَأَقْبلُوا على
الْمُسلمين. قَوْله: (عصيتم) أَي: بترك المركز. قَوْله:
(من بعد مَا أَرَاكُم مَا تحبون) من النَّصْر وَالظفر بهم.
قَوْله: (مِنْكُم من يُرِيد الدُّنْيَا) أَي: الْغَنِيمَة،
ومنكم من يُرِيد الْآخِرَة، وهم الَّذين ثبتوا فِي المركز.
قَوْله: (ثمَّ صرفكم عَنْهُم) أَي: ردكم عَن الْمُشْركين
بهزيمتكم، وردهم عَلَيْكُم ليختبركم ويمنحكم. قَوْله:
(وَلَقَد عَفا عَنْكُم) أَي: عَن ذنبكم بعصيان رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والانهزام، وَقَالَ ابْن
جريج: وَلَقَد عَفا عَنْكُم بِأَن لم يستأصلكم، وَكَذَا
قَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق، رَوَاهُ ابْن جرير. قَوْله:
(وَالله ذُو فضل على الْمُؤمنِينَ) قيل: إِذا عَفا
عَنْهُم، وَقيل: إِذا لم يقتلُوا جَمِيعًا. قَوْله: (وَلَا
تحسبن الَّذين قتلوا) الْآيَة نزلت فِي شُهَدَاء أحد، وروى
مُسلم من طَرِيق مَسْرُوق، قَالَ: سَأَلنَا عبد الله بن
مَسْعُود عَن هَؤُلَاءِ الْآيَات، قَالَ: إِنَّا قد
سَأَلنَا عَنْهَا، فَقيل لنا: إِنَّه لما أُصِيب
إخْوَانكُمْ بِأحد جعل الله أَرْوَاحهم فِي أَجْوَاف طير
خضر ترد أَنهَار الْجنَّة وتأكل من ثمارها ... الحَدِيث،
وَعَن ابْن عَبَّاس فِيمَا رَوَاهُ أَحْمد أَنه قَالَ: لما
أُصِيب إِخْوَاننَا بِأحد جعل الله أَرْوَاحهم فِي
أَجْوَاف طير خضر ترد أَنهَار الْجنَّة وتأكل من ثمارها
وتأوي إِلَى قناديل من ذهب معلقَة فِي ظلّ الْعَرْش،
فَلَمَّا وجدوا طيب مَأْكَلهمْ وَمَشْرَبهمْ وَمَقِيلهمْ،
قَالُوا: من يبلغ إِخْوَاننَا عَنَّا أَنا فِي الْجنَّة
نرْزق، لِئَلَّا يَزْهَدُوا عَن الْقِتَال؟ فَقَالَ الله
تَعَالَى: أَنا أبلغهم عَنْكُم، فَأنْزل الله هَذِه
الْآيَة. وَقيل: نزلت فِي شُهَدَاء بدر، وَقيل: فِي
شُهَدَاء بِئْر مَعُونَة، وَقيل غير ذَلِك، وروى أَحْمد من
حَدِيث ابْن عَبَّاس أَيْضا قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: الشُّهَدَاء على بارق نهر بِبَاب
الْجنَّة فِي قبَّة خضراء، يخرج عَلَيْهِم رزقهم من
الْجنَّة بكرَة وعشياً. وَقَالَ ابْن كثير فِي (تَفْسِيره)
: وَكَانَ الشُّهَدَاء أَقسَام، مِنْهُم من تسرح
أَرْوَاحهم فِي الْجنَّة، وَمِنْهُم من يكون على هَذَا
النَّهر بِبَاب الْجنَّة، وَقد يحْتَمل أَن يَنْتَهِي
سيرهم إِلَى هَذَا النَّهر فيجتمعون هُنَالك ويُغدى
عَلَيْهِم رزقهم هُنَاكَ وَيرَاح، وَالله أعلم.
4041 - حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ مُوساى أخبرَنَا عَبْدُ
الوَهَّابِ حدَّثنا خالِدٌ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ
عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ قَالَ
النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ أُحُدٍ هاذا
جبْرِيلُ آخِذٌ بِرَأسِ فرَسِهِ علَيْهِ أدَاةُ الحَرْبِ.
(انْظُر الحَدِيث 3995) .
هَذَا الحَدِيث غير وَاقع فِي مَحَله هُنَا لِأَنَّهُ تقدم
فِي: بَاب شُهُود الْمَلَائِكَة بَدْرًا بِسَنَدِهِ
وَمَتنه، وَفِيه قَالَ: وَلِهَذَا لم يذكرهُ هُنَا أَبُو
ذَر وَلَا غَيره من متقني رُوَاة البُخَارِيّ، وَلَا
استخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ وَلَا أَبُو نعيم، وَلم يَقع
هَذَا إلاَّ فِي رِوَايَة أبي الْوَقْت والأصيلي وَهُوَ
وهم، وَعبد الْوَهَّاب هُوَ الثَّقَفِيّ، وخَالِد هُوَ
الْحذاء.
4042 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ أخْبَرَنا
زَكَرِيَّاءُ بنُ عَدِيٍّ أخبرَنا بنُ المُبارَكِ عنْ
حَيْوَةَ عنْ يَزِيدَ بنَ أبِي حَبيبٍ عنْ أبِي الخَيْرِ
عنْ عُقْبَةَ بنِ عامِرٍ قَالَ صَلَّى رسولُ الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم علَى قَتْلَى أُحُدٍ بَعْدَ ثَمانِ
سِنينَ كالمُوَدِّعِ لِلأَحْيَاءِ والأمْوَاتِ ثُمَّ
طَلَعَ المِنْبَرَ فَقَالَ إنِّي بَيْنَ
(17/141)
أيْدِيكُمْ فَرَطٌ وَأَنا عَلَيْكُمْ
شَهِيدٌ وإنَّ مَوْعِدَكُمُ الحَوْضُ وإنِّي لأنْظُرُ
إلَيْهِ مِنْ مَقامِي هذَا وإنِّي لَسْتُ أخْشَى
عَلَيْكُمْ أنْ تُشْرِكُوا ولاكِنِّي أخْشَى علَيْكُمُ
الدُّنْيَا أنْ تَنافَسُوها قَالَ فَكَانَتْ آخِرَ
نَظْرَةٍ نَظَرْتها إِلَى رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهُ من جملَة أُمُور
غَزْوَة أحد، وَمُحَمّد بن عبد الرَّحِيم أَبُو يحيى كَانَ
يُقَال لَهُ: صَاعِقَة، وزَكَرِيا بن عدي أَبُو يحيى
الْكُوفِي، وَابْن الْمُبَارك هُوَ عبد الله بن الْمُبَارك
الْمروزِي، وحيوة هُوَ ابْن شُرَيْح الْحَضْرَمِيّ
الْكِنْدِيّ الْمصْرِيّ أَبُو زرْعَة، مَاتَ سنة تسع خمسين
وَمِائَة، وَيزِيد بن أبي حبيب واسْمه سُوَيْد، ويكنى
يزِيد بِأبي رَجَاء الْمصْرِيّ، وَأَبُو الْخَيْر اسْمه
مرْثَد بن عبد الله.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْجَنَائِز فِي: بَاب الصَّلَاة
على الشَّهِيد، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن
يُوسُف عَن اللَّيْث عَن يزِيد بن أبي حبيب ... إِلَى
آخِره وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، قَالَ الْكرْمَانِي:
فَإِن قلت: فَمَا قَول الشَّافِعِيَّة حَيْثُ لَا يصلونَ
عَلَيْهِ؟ أَي: على الشَّهِيد؟ قلت: تقدم أَيْضا ثمَّة
أَنه لم يصلّ على أهل أحد، فَلَا بُد من التَّوْفِيق
بَينهمَا بِأَن تحمل الصَّلَاة على الْمَعْنى اللّغَوِيّ
أَي: دَعَا لَهُم بِدُعَاء الْمَيِّت. انْتهى. قلت: حفظ
شَيْئا وَغَابَتْ عَنهُ أَشْيَاء، فَكيف تحمل الصَّلَاة
على الْمَعْنى اللّغَوِيّ وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ
وَمُسلم فِي حَدِيث عقبَة بن عَامر: أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم خرج يَوْمًا فصلى على شُهَدَاء أحد صلَاته
على الْمَيِّت، ثمَّ انْصَرف؟ وَيَقُول الْحَنَفِيَّة:
جَاءَ عَن ابْن عَبَّاس وَابْن الزبير وَعقبَة بن عَامر
وَعِكْرِمَة وَسَعِيد بن الْمسيب وَالْحسن الْبَصْرِيّ
وَمَكْحُول وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ والمزني وَأحمد
فِي رِوَايَة، واختارها الْخلال.
4043 - حدَّثنا عُبَيْدُ الله بنُ مُوساى عنْ إسرائِيلَ
عنْ أبِي إسْحَاقَ عنِ البَرَاءِ رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ قَالَ لَقينا المُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ وأجْلَسَ
النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَيْشَاً مِنَ
الرُّمَاةِ وأمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ الله وَقَالَ لاَ
تَبْرَحُوا إنْ رأيْتُمونَا ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ فَلاَ
تَبْرَحُوا وإنِ رَأيْتُمُوهُمْ ظَهَرُوا علَيْنَا فَلاَ
تُعِينُونَا فلَمَّا لَقِينا هَرَبُوا حتَّى رأيْتُ
النِّساءَ يَشْتَدِدْنَ فِي الجَبَلِ رفَعْنَ عنْ
سُوقِهِنَّ قدْ بَدَتْ خَلاَخِلُهُنَّ فأخَذُوا يَقُولُونَ
الْغَنِيمَةَ الغَنِيمَةَ فَقالَ عَبْدُ الله بنُ جُبَيْرٍ
عَهِدَ إليَّ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ لاَ
تَبْرَحُوا فأبَوْا فلَمَّا أبَوْا صُرِفَ وُجُوهُهُمْ
فأصِيبَ سَبْعُونَ قَتِيلاً وأشْرَفَ أبُو سُفْيَانَ فَقال
أفِي القَوْمِ مُحَمَّدٌ فَقال لاَ تُجِيبُوهُ فَقَالَ
أفِي القَوْمِ ابنُ أبِي قُحَافَةَ قَالَ لاَ تُجِيبُوهُ
فَقَالَ أفِي القَوْمِ ابنُ الخَطَّابِ فَقَالَ إنَّ
هؤُلاءِ قُتِلُوا فلَوْ كانُوا أحْيَاءً لأجَابُوا فلَمْ
يَمْلِكْ عُمَرُ نَفْسَهُ فَقَالَ كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ
الله أبْقَى الله عَلَيْكَ مَا يُحْزِنُكَ: قَالَ أبُو
سُفْيَانَ أُعْلُ هُبَلْ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أجِيبُوهُ قالُوا قالُوا مَا نَقُولُ؟
قَالَ قوُلُوا الله أعلَى وأجَلَّ. قالَ أبُو سُفْيانُ:
لَنَا العزَّى ولاَ عُزَّىَ لَكُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: أجِيبُوهُ قالُوا مَا نقُولُ قَالَ
قُولُوا الله مَوْلانَا ولاَ مَوْلَى لَكُمْ. قَالَ أبُو
سُفيانَ يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ والحَرْبُ سِجالٌ
وتَجِدُونَ مُثْلَةً لَمْ آمُرْ بِهَا ولَمْ تَسُؤنِي. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَعبيد الله بن مُوسَى بن
باذام أَبُو مُحَمَّد الْكُوفِي، وَإِسْرَائِيل هُوَ ابْن
يُونُس بن أبي إِسْحَاق، يروي عَن جده أبي إِسْحَاق عَمْرو
بن عبد الله السبيعِي. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (يَوْمئِذٍ) أَي: يَوْم أحد. قَوْله: (من
الرُّمَاة) بِضَم الرَّاء جمع رامٍ. وَفِي حَدِيث زُهَيْر:
وَكَانُوا خمسين رجلا. قَوْله: (وَأمر) ، بتَشْديد الْمِيم
من التأمير. قَوْله: (عبد الله) ، هُوَ ابْن جُبَير، بِضَم
الْجِيم وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن النُّعْمَان بن
أُميَّة بن امرىء الْقَيْس، اسْمه البرك بن ثَعْلَبَة بن
عَمْرو بن عَوْف الْأنْصَارِيّ، شهد الْعقبَة ثمَّ شهد
بَدْرًا، وَقتل يَوْم أحد شَهِيدا، قَالَ أَبُو عمر: لَا
أعلم لَهُ رِوَايَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
وَهُوَ
(17/142)
أَخُو خَوات بن جُبَير بن النُّعْمَان
لِأَبِيهِ وَأمه. قَوْله: (إِن ظهرنا) أَي: غلبناهم.
قَوْله: (وَإِن رأيتموهم ظَهَرُوا علينا) وَفِي رِوَايَة
زُهَيْر: وَإِن رَأَيْتُمُونَا تخطفنا الطير، وَفِي حَدِيث
ابْن عَبَّاس رَوَاهُ أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أقامهم فِي مَوضِع،
ثمَّ قَالَ لَهُم: إحموا ظُهُورنَا، فَإِن رَأَيْتُمُونَا
نقْتل فَلَا تنصرونا، وَإِن رَأَيْتُمُونَا قد غنمنا فَلَا
تشركونا. قَوْله: (يشتددن) ، كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة
الْأَكْثَرين، بِفَتْح أَوله وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة
وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَبعدهَا دَال
مَكْسُورَة ثمَّ أُخْرَى سَاكِنة أَي: يسرعن الْمَشْي،
يُقَال: اشْتَدَّ فِي مَشْيه إِذا أسْرع، وَكَذَا فِي
رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة زُهَيْر: وَله
رِوَايَة أُخْرَى هُنَا: يسندن، بِضَم أَوله وَسُكُون
السِّين الْمُهْملَة بعْدهَا نون مَكْسُورَة ودال
مُهْملَة، أَي: يصعدن، يُقَال: أسْند فِي الْجَبَل يسند
إِذا صعد، وَفِي رِوَايَة البَاقِينَ: يشددن، بِفَتْح
أَوله وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَضم الدَّال الأولى
وَسُكُون الثَّانِيَة، وَقَالَ عِيَاض: وَقع للقابسي فِي
الْجِهَاد: يسندن، وَكَذَا لِابْنِ السكن فِيهِ، وَفِي
الْفَضَائِل وَعند الْأصيلِيّ والنسفي: يشدن بِمُعْجَمَة
ودال وَاحِدَة، وَفِي أبي دَاوُد: يصعدن. قَوْله: (رفعن
عَن سوقهن) ويروى: يرفعن، والسوق جمع: سَاق، وَذَلِكَ
ليعينهن ذَلِك على سرعَة الهروب. قَوْله: (قد بَدَت) أَي:
ظَهرت (خلاخلهن) وَهُوَ جمع خلخال، كَمَا أَن الخلاخيل جمع
خلخال وهما بِمَعْنى وَاحِد. قَوْله: (الْغَنِيمَة)
بِالنّصب أَي: خُذُوا الْغَنِيمَة، وَقد ظهر أصحابكم فَمَا
تنتظرون؟ وَفِي رِوَايَة زُهَيْر: فَقَالَ عبد الله:
أنسيتم مَا قَالَ لكم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم؟ قَالُوا: وَالله لنأتين النَّاس فلنصيبن من
الْغَنِيمَة. قَوْله: (فَلَمَّا أَبَوا صرف وُجُوههم) أَي:
تحيروا فَلم يدروا أَن يذهبون وَأَيْنَ يتوجهون. قَوْله:
(فأصيب سَبْعُونَ قَتِيلا) وَلم يكن فِي عَهده، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، ملحمة هِيَ أَشد وَلَا أَكثر قَتْلَى من
أحد. قَوْله: (وأشرف أَبُو سُفْيَان) أَي: اطلع أَبُو
سُفْيَان بن حَرْب رَئِيس الْمُشْركين يَوْمئِذٍ. قَوْله:
(أَفِي الْقَوْم) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام للاستعلام.
قَوْله: (أبقى الله عَلَيْك مَا يحزنك) بِالْحَاء
الْمُهْملَة وَالزَّاي وَالنُّون: من الْحزن ويروى: مَا
يخزيك، بِضَم الْيَاء وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر
الزَّاي من: الخزي. قَوْله: (أعل هُبل) أعل أَمر من علا
يَعْلُو، و: هُبل، بِضَم الْهَاء وَتَخْفِيف الْبَاء
الْمُوَحدَة: اسْم صنم كَانَ فِي الْكَعْبَة وَهُوَ منادًى
حذف مِنْهُ حرف النداء أَي: يَا هُبل، قَالَ ابْن
إِسْحَاق: مَعْنَاهُ ظهر دينك، وَقَالَ السُّهيْلي:
مَعْنَاهُ زد علوا، وَفِي (التَّوْضِيح) : أَي: ليرتفع
أَمرك ويعز دينك فقد غلبت. قلت: كل هَذَا لَيْسَ مَعْنَاهُ
الْحَقِيقِيّ، وَلَكِن فِي الْوَاقِع يرجع مَعْنَاهُ إِلَى
مَعْنَاهُ إِلَى هَذِه الْمعَانِي، قَالَ الْكرْمَانِي:
مَا معنى أعل وَلَا علو فِي هُبل، ثمَّ أجَاب بقوله: هُوَ
بِمَعْنى العلى، أَو المُرَاد أَعلَى من كل شَيْء. انْتهى.
قلت: ظن أَنه أَعلَى هُبل، على وزن أفعل التَّفْضِيل،
فَلذَلِك سَأَلَ بِمَا سَأَلَ وَأجَاب بِمَا أجَاب وَهُوَ
واهم فِي هَذَا، وَالصَّوَاب مَا ذَكرْنَاهُ. قَوْله:
(الْعُزَّى) وَهُوَ تَأْنِيث الْأَعَز بالزاي، وَهُوَ اسْم
صنم لقريش، وَيُقَال: الْعُزَّى سَمُرَة كَانَت غطفان
يعبدونها وبنوا عَلَيْهَا بَيْتا وَأَقَامُوا لَهَا سدنة،
فَبعث إِلَيْهَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
خَالِد بن الْوَلِيد رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فهدم
الْبَيْت وأحرق السمرَة، وَهُوَ يَقُول:
(يَا عزى كُفْرَانك لَا سُبْحَانَكَ ... إِنِّي رَأَيْت
الله قد أَهَانَك)
قَوْله: (الله مَوْلَانَا وَلَا مولى لكم) أَي: الله
ناصرنا وَلَا نَاصِر لكم. قَوْله: (يَوْم بِيَوْم بدر)
أَي: هَذَا يَوْم بِمُقَابلَة يَوْم بدر، لِأَن فِي بدر
قتل مِنْهُم سَبْعُونَ، وَفِي أحد قتلوا سبعين من
الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. قَوْله:
(وَالْحَرب سِجَال) يَعْنِي: ساجلة يَعْنِي: متداولة يَوْم
لنا وَيَوْم علينا. قَوْله: (وتجدون) وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني: وستجدون. قَوْله: (مثلَة) بِضَم الْمِيم على
وزن: فعلة، من مثل إِذا قطع وجذع كَمَا فعلوا بِحَمْزَة،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَالَ إِبْنِ إِسْحَاق:
حَدثنِي صَالح بن كيسَان، قَالَ: خرجت هِنْد والنسوة
مَعهَا يمثلن بالقتلى يجذعن الآذان والأنوف حَتَّى اتَّخذت
هِنْد من ذَلِك خدماً وقلائد، وأعطت خدمها وقلائدها أَي:
اللَّاتِي كن عَلَيْهَا لوحشي جَزَاء لَهُ على قتل
حَمْزَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وبقرت عَن كبد
حَمْزَة، فلاكتها فَلم تستطع أَن تسيغها، فلفظتها. قَوْله:
(لم آمُر بهَا) أَي: بالمثلة، وَفِي رِوَايَة إِبْنِ
إِسْحَاق! وَالله مَا رضيت وَمَا سخطت وَمَا نهيت وَمَا
أمرت، وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس: وَلم يكن ذَلِك عَن رَأس
سراتتا، ثمَّ أَدْرَكته حمية الْجَاهِلِيَّة، أما أَنه
إِذْ كَانَ لم يكرههُ. قَوْله: (وَلم تسؤني) أَي:
وَالْحَال أَن الْمثلَة الَّتِي فَعَلُوهَا لم تسؤني،
وَإِن كنت مَا أمرت.
4044 - أخْبَرَنِي عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثنا
سُفْيَانُ عنْ عَمْرٍ وعَنْ جابِرٍ قَالَ اصْطَبَحَ
الخَمْرَ يَوْمَ أُحُدٍ
(17/143)
ناسٌ ثُمَّ قُتِلُوا شُهدَاءَ. (انْظُر
الحَدِيث 2815 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وسُفْيَان هُوَ ابْن
عُيَيْنَة، وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار. والْحَدِيث مضى
فِي الْجِهَاد عَن عَليّ بن عبد الله فِي: بَاب فضل قَول
الله تَعَالَى: {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا} (آل عمرَان:
169) . قَوْله: (اصطبح الْخمر) أَي: شربه صَبُوحًا.
والْحَدِيث دلّ على أَن تَحْرِيم الْخمر إِنَّمَا كَانَ
بعد أحد.
4045 - حدَّثنا عَبْدَانُ حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ
المُبَارَكِ أخْبرَنَا شُعْبَةُ عنْ سَعْدِ بنِ
إبْرَاهِيمَ عنْ أبِيهِ إبْرَاهِيمَ أنَّ عَبْدَ
الرَّحمانِ بنَ عَوْفٍ أتِيَ بِطَعامٍ وكانَ صَائِمَاً
فَقَالَ قُتِلَ مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ وهْوَ خَيْرٌ مِنِّي
كُفِّنَ فِي بُرْدَةٍ إنْ غُطِّيَ رأسُهُ بَدَتْ رِجْلاَهُ
وإنْ غُطِّيَ رِجْلاَهُ بَدَتْ رأسُهُ وأُرَاهُ قَالَ
وقُتِلَ حَمْزَةُ وهْوَ خَيْرٌ مِنِّي ثُمَّ بُسِطَ لَنَا
مِنَ الدُّنْيَا مَا بُسِطَ أوْ قالَ أُعْطِينا مِنَ
الدُّنْيَا مَا أُعْطِينَا وقَدْ خَشِينَا أَن تَكُونَ
حسَناتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا ثُمَّ جعَلَ يَبْكِي حتَّى
تَرَكَ الطَّعامَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (قتل مُصعب بن عُمَيْر)
. وَفِي قَوْله: (وَقتل حَمْزَة، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ) . وعبدان لقب عبد الله بن عُثْمَان الْمروزِي،
وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَسعد بن
إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف. والْحَدِيث مضى
فِي الْجَنَائِز فِي: بَاب إِذا لم يُوجد إلاَّ ثوب
وَاحِد، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن مقَاتل
عَن عبد الله ... إِلَخ. وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (بِطَعَام) وَفِي رِوَايَة نَوْفَل بن إِيَاس:
كَانَ خبْزًا وَلَحْمًا، أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي
الشَّمَائِل. قَوْله: (وَهُوَ صَائِم) وَذكر أَبُو عمر أَن
ذَلِك كَانَ فِي مرض مَوته. قَوْله: (وَهُوَ خير مني)
لَعَلَّه قَالَ ذَلِك تواضعاً، وَيحْتَمل أَن يكون ذَلِك
قبل اسْتِقْرَار الْأَمر من تَفْضِيل الْعشْرَة على
غَيرهم. قَوْله: (ثمَّ بسط لنا) أَشَارَ بذلك إِلَى مَا
حصل من الفتوحات والغنائم. قَوْله: (حَتَّى ترك الطَّعَام)
وَفِي رِوَايَة أَحْمد عَن غنْدر عَن شُعْبَة، وَأَحْسبهُ
لم يَأْكُلهُ.
4036 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثنا
سُفْيانُ عَنْ عَمْرٍ وسَمِعَ جابِرَ بنَ عبْدِ الله رَضِي
الله تَعَالَى عنهُما قَالَ قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ أُحُدٍ أرَأيْتَ إنْ قُتِلْتُ
فأيْنَ أنَا قَالَ فِي الجَنَّةِ فألْقَى تَمَرَاتٍ فِي
يَدِهِ ثُمَّ قاتَلَ حتَّى قُتِلَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الله بن مُحَمَّد
الْمَعْرُوف بالمسندي، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة
وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْجِهَاد عَن سعيد بن عَمْرو
وسُويد بن سعيد. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد
بن مَنْصُور.
قَوْله: (قَالَ رجل) زعم ابْن بشكوال أَنه عُمَيْر بن
الْحمام، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم،
قَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) أَيْضا: إِنَّه عُمَيْر بن
الْحمام بن الجموح بن زيد الْأنْصَارِيّ، وَلَيْسَ فِي
الصَّحَابَة عُمَيْر بن الْحمام سَوَاء، وَهُوَ قد تبع فِي
ذَلِك صَاحب (التَّلْوِيح) ، وَقيل: وَقع التَّصْرِيح فِي
حَدِيث أنس بِأَن ذَلِك كَانَ يَوْم بدر، وَهنا
التَّصْرِيح بِأَنَّهُ يَوْم أحد، فَالظَّاهِر أَنَّهُمَا
قضيتان وقعتا لِرجلَيْنِ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب.
4047 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ حدَّثنا زُهَيْرٌ
حدَّثنا الأعْمَشُ عنْ شَقِيقٍ عنْ خَبَّابٍ رَضِي الله
تَعَالَى عنهُ قَالَ هاجَرْنَا معَ رَسُولِ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم نَبْتغِي وجْهَ الله فوَجَبَ أجْرُنَا علَى
الله ومِنَّا مَنْ مَضَى أوْ ذَهَبَ لَمْ يأكُلْ مِنْ
أجْرِهِ شَيْئَاً كانَ مِنْهُمْ مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ
قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ لَمْ يَتْرُكَ إلاَّ نَمِرَةً كُنَّا
إذَا غَطَّيْنَا بِهَا رأسَهُ خَرَجَتْ رِجْلاَهُ وإذَا
غُطِّيَ بِهَا رِجْلاَهُ خَرَجَ رَأسُهُ فَقَالَ لَنَا
النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَطوا بِهَا رأسَهُ
واجْعَلوا علَى رِجْلِهِ الإذْخِرَ أوْ قالَ ألْقُوا علَى
رِجْلهِ الإذْخِرَ ومِنَّا مَنْ قَدْ
(17/144)
أيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهْوَ
يَهْدِبُهَا. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (كَانَ مِنْهُم مُصعب بن
عُمَيْر) الخ، وَزُهَيْر هُوَ ابْن مُعَاوِيَة،
وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان، وشقيق هُوَ ابْن سَلمَة
وخباب هُوَ ابْن الْأَرَت، والْحَدِيث مضى فِي الْجَنَائِز
فِي: بَاب إِذا لم يجد كفناً، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن
عمر بن حَفْص عَن أَبِيه عَن الْأَعْمَش ... إِلَخ، وَمضى
الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله: (يهدبها) من هدب
الثَّمَرَة إِذا اجتناها واخترف مِنْهَا.
4048 - أخْبَرَنَا حَسَّانُ بنُ حَسَّانَ حدَّثنَا
مُحَمَّدُ بنُ طَلْحَةَ حدَّثنَا حُمَيْدٌ عنْ أنَسٍ رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ عَمَّهُ غابَ عنْ بَدْرٍ فَقَالَ
غِبْتُ عنْ أوَّلِ قِتَالِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لَئِنْ أشْهَدَنِي الله معَ النَّبِيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لَيَرَيَنَّ الله مَا آجِدُّ فلَقِيَ
يَوْمَ أُحُدٍ فهُزِمَ النَّاسُ فَقال اللَّهُمَّ إنِّي
أعْتَذِرُ إلَيْكَ مِمَّا صنَعَ هؤُلاءِ يَعْنِي
المُسْلِمِينَ وأبْرَأُ إلَيْكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ
المُشْرِكُونَ فتَقَدَّمَ بِسَيْفِهِ فَلَقِيَ سَعْدَ بنَ
مُعَاذٍ فَقال أيْنَ يَا سَعْدُ إنِّي أجِدُ رِيحَ
الجَنَّةِ دُونَ أُحُدٍ فمَضَى فَقُتِلَ فَمَا عُرِفَ
حَتَّى عَرَفَتْهُ أُخْتُهُ بِشامَةٍ أوْ بِبنَانِهِ وبِهِ
بِضْعٌ وثَمَانُونَ مَنْ طَعْنَةٍ وضَرْبَةٍ ورَمْيَةٍ
بِسَهْمٍ. (انْظُر الحَدِيث 2805 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَحسان بن حسان، وَيُقَال
لَهُ: حسان بن أبي عباد أَو عَليّ الْبَصْرِيّ سكن مَكَّة
وَهُوَ من شُيُوخ البُخَارِيّ القدماء، روى عَنهُ هُنَا
وَفِي الْعمرَة، وَمَات سنة ثَلَاث عشرَة وَمِائَتَيْنِ،
وَمُحَمّد بن طَلْحَة بن مصرف على وزن اسْم الْفَاعِل من
التصريف الْهَمدَانِي اليامي، وَحميد هُوَ الطَّوِيل.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد فِي: بَاب قَول الله
تَعَالَى: {من الْمُؤمنِينَ رجال} (الْأَحْزَاب: 23) .
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ من طَرِيقين بأتم مِنْهُ، وَمضى
الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (أَن عَمه) وَهُوَ أنس بن النَّضر بِسُكُون
الضَّاد الْمُعْجَمَة، قَوْله: (عَن بدر) أَي: عَن غَزْوَة
بدر. قَوْله: (عَن أول قتال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم) أَرَادَ بِهِ: أول القتالات الْعَظِيمَة وَلَيْسَ
المُرَاد بِهِ أول الْغَزَوَات. قَوْله: (ليرين الله)
بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَالرَّاء وَالْيَاء أَيْضا
وَتَشْديد النُّون، وَهُوَ فعل مضارع مُؤَكد بِاللَّامِ
وَالنُّون الثَّقِيلَة، وَلَفْظَة: الله، بِالرَّفْع
فَاعله. قَوْله: (مَا أجد) بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الْجِيم
وَتَشْديد الدَّال. قَالَ بَعضهم: هُوَ من الرباعي،
يُقَال: أجد فِي الشَّيْء يجد إِذا بَالغ فِيهِ. قلت:
قَوْله: من الرباعي، لَيْسَ باصطلاح أهل الصّرْف، بل هُوَ
مضاعف من الثلاثي الْمَزِيد فِيهِ، وَهُوَ هَكَذَا
رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَقَالَ ابْن التِّين: صَوَابه
بِفَتْح الْهمزَة وَضم الْجِيم، يُقَال: جد يجد إِذا
اجْتهد فِي الْأَمر، وَأما أجد، فَإِنَّمَا يُقَال لمن
سَار فِي أَرض مستوية، وَلَا معنى لَهُ هَهُنَا. قَالَ:
وَضَبطه بَعضهم بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الْجِيم وَتَخْفِيف
الدَّال من: الوجد، أَي: مَا ألْقى من الشدَّة فِي
الْقِتَال. قَوْله: (فَهزمَ النَّاس) على صِيغَة
الْمَجْهُول. قَوْله: (فَقَالَ: أَيْن يَا سعد) ويروى: أَي
سعد، يَعْنِي: يَا سعد. قَوْله: (إِنِّي أجد ريح الْجنَّة)
كِنَايَة عَن شدَّة قِتَاله فِي ذَلِك الْيَوْم
الْمُؤَدِّي إِلَى استشهاده الْمُؤَدِّي إِلَى الْجنَّة.
وَقيل: يحْتَمل أَن يكون ذَلِك على الْحَقِيقَة بِأَن يكون
شم رَائِحَة طيبَة زَائِدَة عَمَّا كَانَ يعهده، فَعرف
أَنَّهَا ريح الْجنَّة، وَفِيه نظر لَا يخفى. قَوْله: (دون
أحد) أَي: عِنْد أحد. قَوْله: (فَمضى) قيل: فِيهِ حدف أَي:
فَمضى إِلَى الْقِتَال وَقَاتل قتالاً شَدِيدا. قَوْله:
(بشامة) وَهِي الْخَال. قَوْله: (أَو ببنانه) شكّ من
الرَّاوِي وَهُوَ بنان الْأصْبع وَهُوَ الْمَشْهُور،
وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة ثَابت عَن أنس عِنْد مُسلم.
قَوْله: (وَبِه) أَي: وبأنس بن النَّضر، والواوان فِي:
وضربته ورميته، للتنويع والتقسيم يدل عَلَيْهِ رِوَايَة
عبد الْأَعْلَى بِلَفْظ: ضَرْبَة بِالسَّيْفِ أَو طعنة
بِالرُّمْحِ أَو رمية بِالسَّهْمِ، وَلَيْسَت كلمة: أَو،
للشَّكّ.
4049 - حدَّثنا مُوساى بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنَا
إبْرَاهِيمُ بنُ سعْدٍ حدَّثنا ابنُ شِهابٍ أخْبرَنِي
خارِجَةُ بنُ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ أنَّهُ سَمِعَ زَيْدَ بنَ
ثَابِتٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يقُولُ فقَدْتُ آيَةً
مِنَ الأحْزَابِ حِينَ نسَخْنَا الْمُصْحَفَ كُنْتُ
أسْمَعُ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقْرَأُ
بِهَا فالْتَمَسْنَاهَا فوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بنِ
ثابِتٍ الأنْصَارِيِّ: {مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ
صَدَقُوا مَا عاهَدُوا
(17/145)
الله علَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى
نَحْبَهُ ومِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ} (الْأَحْزَاب: 23) .
فألْحَقْنَاهَا فِي سُورَتِهَا فِي المُصْحَفِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن فِي هَذِه الْآيَة:
{وَمِنْهُم من قضى نحبه} (الْأَحْزَاب: 23) 0 إِنَّمَا
قضوه فِي أحد مِنْهُم أنس بن النَّضر الْمَذْكُور فِي
الحَدِيث السَّابِق، ونزولها فِي أنس بن النَّضر ونظائره
من شُهَدَاء أحد، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
وَإِبْرَاهِيم بن سعد ابْن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن
بن عَوْف، وَابْن شها هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ،
وخارجة ضد الدَّاخِلَة ابْن زيد بن ثَابت بن الضَّحَّاك
النجاري الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد فِي: بَاب قَول الله
تَعَالَى: {من الْمُؤمنِينَ رجال} (الْأَحْزَاب: 23) .
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ من طَرِيقين، وَمضى الْكَلَام
فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (فالتمسناها) ، أَي: طلبناها. قَوْله: (مَعَ
خُزَيْمَة) ، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الزَّاي.
قَوْله: (مَا عَاهَدُوا الله) ، المعاهدة كَانَت لَيْلَة
الْعقبَة على الْإِسْلَام والنصرة، وَقيل: على أَن لَا
يَفروا، لأَنهم كَانُوا لم يشْهدُوا بَدْرًا. قَوْله:
(نحبه) النحب الْحَاجة، أَي: سهم من قضى عَهده وَحَاجته
(وَمِنْهُم من ينْتَظر) أَن يَقْضِيه بِقِتَال وَصدق
لِقَاء، وَقيل: من مضى نَذره، وأصل النحب النّذر فاستعير
مَكَان الْأَجَل، لِأَنَّهُ وَقع بالنحب، وَكَانَ هُوَ
سَببا لَهُ وَكَانَ رجال حلفوا بعد بدر: لَئِن لقوا
الْعَدو ليقاتلن حَتَّى يستشهدوا، فَفَعَلُوا فَقتل بَعضهم
وَبَعْضهمْ ينْتَظر ذَلِك، وَآخر الْآيَة: {وَمَا بدلُوا
تبديلاً} (الْأَحْزَاب: 23) . أَي: مَا غيروا الْعَهْد
الَّذِي عَاهَدُوا رَبهم عَلَيْهِ من الصَّبْر وَعدم
الْفِرَار. قَوْله: (فألحقناها فِي سورتها) أَي: فألحقنا
الْآيَة الْمَذْكُورَة فِي سورتها وَهِي الْأَحْزَاب.
قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: كَيفَ جَازَ إِلْحَاق
الْآيَة بالمصحف بقول وَاحِد أَو اثْنَيْنِ، وَشرط كَونه
قُرْآنًا التَّوَاتُر؟ قلت: كَانَ متواتراً عِنْدهم،
وَإِنَّمَا فقدوا مكتوبيتها فَمَا وجدهَا مَكْتُوبَة إلاَّ
عِنْده، وَفِيه أَن الْآيَات كَانَ لَهَا فِي حَيَاة
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مقامات مَخْصُوصَة
من السُّور.
4050 - حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ
عَدِيِّ بنِ ثابِتٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ
يَزِيدَ يُحَدِّثُ عنْ زَيْدِ بنِ ثابِتٍ رَضِي الله
تَعَالَى عنهُ قَالَ لَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أُحُدٍ رجَعَ نَاسٌ مِمَّنْ خَرَجَ
مَعَهُ وكانَ أصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فِرْقَتَيْنِ فِرْقَةً تَقُولُ نُقَاتِلُهُمْ وفِرْقَةً
تَقُولُ لاَ نُقَاتِلُهُمْ فنَزَلَتْ: {فَما لَكُمْ فِي
المُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَالله أرْكَسَهُمْ بِمَا
كَسَبُوا} (النِّسَاء: 88) . وَقَالَ إنَّهَا طَيْبَةُ
تَنْفِي الذُّنُوبَ كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبثَ
الفِضِّةِ. (انْظُر الحَدِيث 1884 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام
بن عبد الْملك، وَعبد الله بن يزِيد من الزِّيَادَة هُوَ
الخطمي، صَحَابِيّ صَغِير. والْحَدِيث مر فِي فضل
الْمَدِينَة فِي: بَاب الْمَدِينَة تَنْفِي الْخبث،
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن سُلَيْمَان بن حَرْب عَن
شُعْبَة ... إِلَخ.
قَوْله: (رَجَعَ نَاس) أَرَادَ بِهِ عبد الله بن أبي بن
سلول، وَمن مَعَه فَإِنَّهُ رَجَعَ بِثلث النَّاس، وَقد مر
بَيَانه هُنَاكَ وَعَن قريب أَيْضا. قَوْله: (وَكَانَ
أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فرْقَتَيْن)
يَعْنِي: فِي الحكم فِيمَن انْصَرف مَعَ عبد الله بن أبي.
قَوْله: (فَنزلت) أَي: هَذِه الْآيَة: {فَمَا لكم فِي
الْمُنَافِقين} الْآيَة، هَذَا هُوَ الْأَصَح فِي سَبَب
نُزُولهَا، وَقيل: سَبَب نُزُولهَا فِي الَّذين تشاتموا
حِين قَالَ عبد الله بن أبي لرَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم،: لَا تؤذينا برائحة حِمَارك، وَقَالَ زيد
بن أسلم عَن ابْن أسعد بن معَاذ أَنَّهَا نزلت فِي، تَقول
الْأَوْس والخزرج فِي شَأْن عبد الله بن أبي حِين استعذر
مِنْهُ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على
الْمِنْبَر فِي قَضِيَّة الْإِفْك، وَهَذَا غَرِيب.
قَوْله: (وَالله أركسهم) أَي: ردهم وأوقعهم فِي الْخَطَأ،
قَالَ ابْن عَبَّاس: أركسهم أَي: أوقعهم، وَقَالَ
قَتَادَة: أهلكهم. قَوْله: (بِمَا كسبوا) أَي: بِسَبَب
عصيانهم ومخالفتهم الرَّسُول وأتباعهم الْبَاطِل. قَوْله:
(إِنَّهَا) ، أَي: الْمَدِينَة، وَهُوَ حَدِيث آخر
جَمعهمَا الرَّاوِي، وَقد مر فِي الْحَج قَوْله: (تَنْفِي)
المُرَاد من النَّفْي الْإِظْهَار والتمييز، من الذُّنُوب
أَصْحَابهَا. قَوْله: (خبث الْفضة) الْخبث بِفتْحَتَيْنِ:
مَا تلقيه النَّار من وسخ الْفضة والنحاس وَغَيرهمَا إِذا
أذيبت.
18 - (بابٌ)
أَي: هَذَا بَاب، وَقد مر غير مرّة أَن لَفْظَة: بَاب،
إِذا ذكر مُجَردا عَن التَّرْجَمَة يكون كالفعل لما قبله،
وَهَهُنَا غير مُجَرّد لِأَنَّهُ أضيف إِلَى قَوْله: إِذا
هَمت فَتكون الْآيَة تَرْجَمَة، فَافْهَم.
(17/146)
إذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أنْ
تَفْشَلاَ وَالله ولِيُّهُمَا وعَلى الله فلْيَتَوَكَّلِ
المُؤْمِنُونَ} (آل عمرَان: 122) .
إِذْ هَمت بدل من: إِذْ غَدَوْت، قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ:
أَو عمل فِيهِ معنى سميع عليم، والطائفتان حَيَّان من
الْأَنْصَار: بَنو سَلمَة، بِفَتْح السِّين وَكسر اللَّام
من الْخَزْرَج، و: بَنو حَارِثَة من الْأَوْس، وهما
الجناحان، وَقد ذكرنَا أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم خرج يَوْم أحد فِي ألف، وَقيل: فِي تسعماية وَخمسين
وَالْمُشْرِكُونَ فِي ثَلَاثَة آلَاف، وَوَعدهمْ الْفَتْح
إِن صَبَرُوا، فانخذل عبد الله بن أبي بِثلث النَّاس ثمَّ
هَاتَانِ الطائفتان همتا أَن تَفْشَلَا أَي: يتجنبا
ويتخلفا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويذهبا مَعَ
عبد الله بن أبي، وَلَكِن الله عصمهما فَلم ينصرفوا ومضوا
مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَذكرهمْ الله
تَعَالَى نعْمَته بعصمته. فَقَالَ: {إِذْ هَمت
طَائِفَتَانِ} (آل عمرَان: 122) . وألهم تعلق الخاطر
بِمَالِه قدر، والفشل الْجُبْن والخور، وَلَكِن لم يكن
همهما عزماً، فَلذَلِك قَالَ الله: {وَالله وليهما} (آل
عمرَان: 122) . أَي: ناصرهما، قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: الله
ناصرهما ومتولى أَمرهمَا، فَمَا لَهما يفشلان وَلَا
يتوكلان على الله؟
4051 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ عنِ ابنِ عُيَيْنَةَ
عنْ عَمْرٍ وعنْ جابِرٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ
نَزَلَتْ هَذِهِ الآيةُ فِينَا {إذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ
مِنْكُمْ أنْ تَفْشَلاَ} (آل عمرَان: 122) . بَني سَلِمَةَ
وبَنِي حَارِثَةَ وَمَا أُحِبُّ أنَّهَا لَمْ تَنْزلْ
وَالله يَقُولُ {وَالله ولِيُّهُمَا} (آل عمرَان: 122) .
(الحَدِيث 4051 طرفه فِي: 4558) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَابْن عُيَيْنَة هُوَ
سُفْيَان وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار. والْحَدِيث أخرجه
البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن عَليّ بن عبد
الله. وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن إِسْحَاق بن
إِبْرَاهِيم وَأحمد بن عَبدة.
قَوْله: (بني سَلمَة) ، بِالْجَرِّ على أَنه بدل من
قَوْله: (فِينَا) وَبني حَارِثَة عطف عَلَيْهِ. قَوْله:
(وَمَا أحب أَنَّهَا) أَي: أَن الْآيَة (لم تنزل)
وَالْحَال أَن الله تَعَالَى يَقُول: {وَالله وليهما} (آل
عمرَان: 122) . وَحَاصِل المعني: أَن ذَلِك فرط الاستبشار
بِمَا حصل لَهُم من الشّرف بثناء الله وإنزاله فيهم آيَة
ناطقة بِصِحَّة الْولَايَة، وَأَن ذَلِك ألهم غير
الْمَأْخُوذ بِهِ، لِأَنَّهُ لم يكن عَن عزم وتصميم.
4052 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ حدَّثنا سُفْيَانُ أخْبرَنَا
عَمْرٌ وعنْ جابِرٍ قَالَ قَالَ لِي رسُولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم هَلْ نَكَحْتَ يَا جابِرُ قُلْتُ نَعَمْ
قَالَ مَاذَا أبِكْراٌ أمْ ثَيِّباً قُلْتُ لاَ بَلْ
ثَيِّبَاً قَالَ فهَلاَّ جارِيَةً تُلاَعِبُكَ قُلْتُ يَا
رسُولَ الله إنَّ أبِي قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وتَرَكَ
تِسْعَ بَناتٍ كُنَّ لِي تِسْعَ أخَوَاتٍ فكَرِهْتُ أنْ
أجْمَعَ إلَيْهِنَّ جارِيَةً خَرْقَاءَ مِثْلَهُنَّ
ولَكِنِ امْرَأةً تَمْشُطُهُنَّ وتَقُومُ عَلَيْهِنَّ
قَالَ أصَبْتَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (إِن أبي قتل يَوْم أحد)
وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعَمْرو هُوَ ابْن
دِينَار.
والْحَدِيث أخرجه فِي النِّكَاح عَن قُتَيْبَة بِهِ.
قَوْله: (مَاذَا؟) أَي: مَا كَانَ نكاحك؟ أنكحت بكرا أم
ثَيِّبًا؟ والهمزة فِي: أبكراً؟ للاستفهام على سَبِيل
الاستخبار. قَوْله: (لَا) أَي: قلت: لَا نكحت بكرا، بل
نكحت ثَيِّبًا. قَوْله: (فَهَلا جَارِيَة) يَعْنِي بكرا
تلاعبك، وَهَذِه الْجُمْلَة فِي مَحل النصب لِأَنَّهَا صفة
لقَوْله: جَارِيَة. قَوْله: (إِن أبي) ، هُوَ عبد الله بن
عَمْرو بن حرَام الْأنْصَارِيّ. قَوْله: (تسع بَنَات) ،
وَفِي رِوَايَة الشّعبِيّ: (سِتّ بَنَات) ، فَكَانَ ثَلَاث
بَنَات مِنْهُنَّ متزوجات أَو بِالْعَكْسِ، وَفِي: بَاب
اسْتِئْذَان الرجل الإِمَام: (ولي أَخَوَات صغَار) ، فَلم
يعيّن عددهن، وَفِي (السِّيرَة) عِنْد الْخُرُوج إِلَى
حَمْرَاء الْأسد: أَن أبي خلفني على أَخَوَات سبع،
بِتَقْدِيم السِّين على الْبَاء، وَلَا إِشْكَال فِيهِ
لِأَن ذكر الْقَلِيل لَا يُنَافِي ذكر الْكثير. قَوْله:
(خرقاء) تَأْنِيث الأخرق وَهِي الحمقاء الجاهلة، والخرق،
بِالضَّمِّ الْجَهْل والحمق، وَقد خرق يخرق خرقاً
بِالْفَتْح، وَهُوَ الْمصدر، وبالضم الإسم، وَقيل: الخرقاء
الْمَرْأَة الَّتِي لَا رفق بهَا وَلَا سياسة. قَوْله:
(تمشطهن) ، بِضَم الشين الْمُعْجَمَة من: مشطتها الماشطة
إِذا سرحت شعرهَا بالمشط، بِضَم الْمِيم وبالفتح، مصدر.
قَوْله: (أصبت) ، يدل على أَن الثّيّب فِي هَذِه الْحَالة
أولى من الْبكر الصَّغِيرَة، وَهَذَا هُوَ المُرَاد من
قَول الْفُقَهَاء: الْبكر أولى إِذا لم يكن عذر فِيمَا
يظْهر.
94 - (حَدثنِي أَحْمد بن أبي سُرَيج أخبرنَا عبيد الله بن
مُوسَى حَدثنَا شَيبَان عَن فراس عَن
(17/147)
الشّعبِيّ قَالَ حَدثنِي جَابر بن عبد الله
رَضِي الله عَنْهُمَا أَن أَبَاهُ اسْتشْهد يَوْم أحد
وَترك عَلَيْهِ دينا وَترك سِتّ بَنَات فَلَمَّا حضر جذاذ
النّخل قَالَ أتيت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فَقلت قد علمت أَن وَالِدي قد اسْتشْهد يَوْم
أحد وَترك دينا كثيرا وَإِنِّي أحب أَن يراك الْغُرَمَاء
فَقَالَ اذْهَبْ فبيدر كل تمر على نَاحيَة ففلت ثمَّ
دَعوته فَلَمَّا نظرُوا إِلَيْهِ كَأَنَّهُمْ اغروا بِي
تِلْكَ السَّاعَة فَلَمَّا رأى مَا يصنعون أطاف حول أعظمها
بيدرا ثَلَاث مَرَّات ثمَّ جلس عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ ادْع
لَك أَصْحَابك فَمَا زَالَ يَكِيل لَهُم حَتَّى أدّى الله
عَن وَالِدي أَمَانَته وَأَنا أرْضى أَن يُؤَدِّي الله
أَمَانَة وَالِدي وَلَا أرجع إِلَى أخواتي بتمرة فَسلم
الله البيادر كلهَا حَتَّى إِنِّي أنظر إِلَى البيدر
الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَأَنَّهَا لم تنقص تَمْرَة
وَاحِدَة) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله أَن أَبَاهُ
اسْتشْهد يَوْم أحد وَشَيخ البُخَارِيّ أَبُو جَعْفَر
أَحْمد بن أبي سُرَيج بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح
الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره جِيم
واسْمه الصَّباح النَّهْشَلِي بِفَتْح النُّون وَسُكُون
الْهَاء وبالشين الْمُعْجَمَة الرَّازِيّ وَهُوَ من
أَفْرَاده وَعبيد الله بن مُوسَى بن باذام أَبُو مُحَمَّد
الْكُوفِي وشيبان هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن النَّحْوِيّ
سكن الْكُوفَة أَصله من الْبَصْرَة وفراس بِكَسْر الْفَاء
وَتَخْفِيف الرَّاء وبسين مُهْملَة هُوَ ابْن يحيى مر فِي
كتاب الزَّكَاة وَالشعْبِيّ هُوَ عَامر بن شرَاحِيل أَبُو
عَمْرو الْكُوفِي والْحَدِيث مر مرَارًا مطولا ومختصرا فِي
الصُّلْح وَالْقَرْض وَغَيرهمَا قَوْله " جذاذ النّخل "
بِفَتْح الْجِيم وَكسرهَا أَي قطعه ويروى " جدَاد النّخل "
بِفَتْح الْجِيم وَكسرهَا أَيْضا وَهُوَ الْقطع أَيْضا
قَوْله " فبيدر " أَمر من بيدر إِذا جمع الطَّعَام فِي
مَوضِع يُسمى بيدرا قَوْله " اغروا " أَي هيجوا قَوْله "
أطاف بِهِ " أَي ألم بِهِ وقاربه قَوْله " حَتَّى كَأَنِّي
" الخ ادّعى الدَّاودِيّ أَن هَذَا لَيْسَ فِي أَكثر
الرِّوَايَات -
4054 - حدَّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عبْدِ الله حدَّثنا
إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عنْ أبِيهِ عنْ جَدِّهِ عنْ سَعْدِ
بنِ أبِي وقَّاصٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ رأيْتُ
رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ أُحُدٍ
ومَعَهُ رَجُلاَنِ يُقَاتِلاَنِ عَنْهُ علَيْهِمَا ثِيابٌ
بِيضٌ كأشَدِّ القِتَالِ مَا رأيْتُهُمَا قَبْلُ ولاَ
بَعْدُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَعبد الْعَزِيز بن عبد
الله بن يحيى الأوسي الْمدنِي، وَإِبْرَاهِيم بن سعد بن
إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الزُّهْرِيّ
الْقرشِي الْمدنِي، كَانَ على قَضَاء بَغْدَاد. قَوْله:
(وَمَعَهُ رجلَانِ) وَفِي كتاب مُسلم: أَنَّهُمَا جِبْرِيل
وَمِيكَائِيل، عَلَيْهِمَا السَّلَام. قَوْله: (وكأشد
الْقِتَال) ، الْكَاف فِيهِ زَائِدَة، قَالَه
الْكرْمَانِي: قلت: بل للتشبيه، أَي: كأشد قتال بني آدم.
96 - (حَدثنِي عبد الله بن مُحَمَّد حَدثنَا مَرْوَان بن
مُعَاوِيَة حَدثنَا هَاشم بن هَاشم السَّعْدِيّ قَالَ
سَمِعت سعيد بن الْمسيب يَقُول سَمِعت سعد بن أبي وَقاص
يَقُول نثل لي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - كِنَانَته يَوْم أحد فَقَالَ ارْمِ فدَاك أبي
وَأمي) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وهَاشِم بن هَاشم بن
عتبَة بن أبي وَقاص السَّعْدِيّ ابْن أخي سعد بن أبي وَقاص
وَإِنَّمَا قيل لَهُ السَّعْدِيّ لِأَنَّهُ مَنْسُوب إِلَى
عَم أَبِيه سعد وَهُوَ جده من قبل الْأُم قَوْله " نثل "
بالنُّون وبالثاء الْمُثَلَّثَة يُقَال نثلت كِنَانَتِي
إِذا استخرجت مَا فِيهَا من النبل وَكَذَلِكَ إِذا نفضت
مَا فِي الجراب من الزَّاد وَفِي التَّوْضِيح وضبطها
بَعضهم بمثناة أَي قدمهَا إِلَيْهِ يُقَال استنتل فلَان من
الصَّفّ إِذا تقدم على أَصْحَابه والكنانة التركاش الَّذِي
يجمع فِيهِ النبل قَوْله " فدَاك أبي وَأمي " هَذِه كلمة
تَقُولهَا الْعَرَب على الترحيب أَي لَو كَانَ لي إِلَى
الْفِدَاء سَبِيل لفديتك بأبوي اللَّذين هما عزيزان
عِنْدِي وَالْمرَاد من التفدية لازمها وَهُوَ الرِّضَا أَي
ارْمِ مرضيا وَقد مر الْكَلَام فِيهِ غير مرّة -
(17/148)
4056 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا يَحْيَى
عنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بنَ
المُسَيَّبِ قَالَ سَمِعْتُ سَعْدَاً يَقُولُ جمَعَ لِي
النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبَوَيْهِ يَوْمَ
أُحُدٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَيحيى الأول: هُوَ يحيى
بن سعيد الْقطَّان. وَيحيى الثَّانِي: هُوَ ابْن سعيد
الْأنْصَارِيّ.
4057 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ حدَّثنا لَ يْثٌ عنْ يَحْيَى
عنِ ابنِ المُسَيَّبِ أنَّهُ قالَ قَالَ سَعْدُ بنُ أبِي
وقَّاصٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ لَقَدْ جَمَعَ لِي
رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ أُحُد
أبَوَيْهِ كِلَيْهِمَا يُرِيدُ حِينَ قَالَ فِدَاكَ أبِي
وأُمِّي وهْوَ يُقاتِلُ.
قد مر هَذَا فِي مَنَاقِب سعد فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن
مُحَمَّد بن الْمثنى عَن عبد الْوَهَّاب عَن يحيى بن سعيد
عَن ابْن الْمسيب، وَهنا أخرجه عَن مُسَدّد عَن لَيْسَ بن
سعد عَن يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ عَن سعيد بن الْمسيب،
وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (كليهمَا) كَذَا وَقع فِي البُخَارِيّ على
الصَّوَاب، وَقَالَ ابْن التِّين: إِنَّه وَقع فِيهِ:
كِلَاهُمَا. وَهُوَ غير صَوَاب.
4058 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا مِسْعَرٌ عنْ سَعْدٍ
عنِ ابنِ شَدَّادٍ قَالَ سَمِعْتُ عَليَّاً رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ يقُولُ مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَجْمَعُ أبَوَيْهِ لأِحَدٍ غَيْرَ سَعْدٍ.
هَذَا مُنَاسِب للْحَدِيث السَّابِق، فَمن هَذِه
الْحَيْثِيَّة تقع الْمُطَابقَة، وَأَبُو نعيم الْفضل بن
دُكَيْن، ومسعر، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون السِّين
الْمُهْملَة وَفتح الْعين الْمُهْملَة وبالراء: هُوَ ابْن
كدام الْكُوفِي، وَهُوَ من أَصْحَاب أبي حنيفَة، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، وَسعد هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم ابْن
عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَابْن شَدَّاد، بِفَتْح
الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الدَّال الأولى: هُوَ عبد الله بن
شَدَّاد بن الْهَاد اللَّيْثِيّ الْكُوفِي.
قَوْله: (غير سعد) ، أَي: سعد بن أبي وَقاص، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، وَعدم سَماع عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، بِجمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَوَيْهِ
لغير سعد لَا يُنَافِي سَماع غَيره فِي غَيره.
4059 - حدَّثنا يَسَرَةُ بنُ صَفْوَانَ حدَّثنا
إبْرَاهِيمُ عنْ أبِيهِ عنْ عَبْدِ الله بنِ شَدَّادٍ عنْ
عَلِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ مَا سَمِعْتُ
النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَمَعَ أبَوَيْهِ
لأحَدٍ إلاَّ لِسَعْدِ بنِ مالِكٍ فإنِّي سَمِعْتُهُ
يَقُولُ يَوْمَ أُحُد يَا سَعْدُ ارْمِ فِدَاكَ أبِي
وأُمِّي.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهُوَ طَرِيق آخر فِي
حَدِيث عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
أخرجه عَن يسرة، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَالسِّين
الْمُهْملَة وَالرَّاء: ابْن صَفْوَان اللَّخْمِيّ
الدِّمَشْقِي، وَهُوَ من أَفْرَاده، يرْوى عَن إِبْرَاهِيم
بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
قَوْله: (إِلَّا لسعد بن مَالك) ، وَهُوَ سعد بن أبي
وَقاص، وَاسم أبي وَقاص مَالك، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني
غير سعد بن مَالك. قَوْله: (يَا سعد إرم) ، وَفِي رِوَايَة
التِّرْمِذِيّ: (إرمِ أَيهَا الْغُلَام الحذور) ، وَقَالَ
الزُّهْرِيّ: رمى سعد يَوْمئِذٍ ألف سهم.
101 - (حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن مُعْتَمر عَن
أَبِيه قَالَ زعم أَبُو عُثْمَان أَنه لم يبْق مَعَ
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي بعض
تِلْكَ الْأَيَّام الَّتِي يُقَاتل فِيهِنَّ غير طَلْحَة
وَسعد عَن حَدِيثهمَا) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله
فِي بعض تِلْكَ الْأَيَّام لِأَن المُرَاد بِهِ يَوْم أحد
ومعتمر هُوَ ابْن سُلَيْمَان بن طرخان التَّيْمِيّ قَوْله
" زعم " أَي قَالَ أَبُو عُثْمَان وَهُوَ عبد الرَّحْمَن
بن مل النَّهْدِيّ وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ
سَمِعت أَبَا عُثْمَان قَوْله " فِي بعض تِلْكَ الْأَيَّام
" هُوَ رِوَايَة أبي ذَر وَفِي رِوَايَة غَيره لم يبْق
مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي
تِلْكَ الْأَيَّام بِدُونِ لفظ بعض وَرِوَايَة أبي ذَر
أبين وأوضح للمراد قَوْله الَّتِي يُقَاتل هُوَ رِوَايَة
أبي ذَر وَفِي رِوَايَة غَيره الَّذِي فالتذكير بِالنّظرِ
إِلَى لفظ الْبَعْض والتأنيث بِالنّظرِ إِلَى قَوْله
تِلْكَ الْأَيَّام قَوْله طَلْحَة أَي ابْن عبيد الله أحد
الْعشْرَة المبشرة بِالْجنَّةِ قَوْله وَسعد هُوَ ابْن أبي
وَقاص فَإِن قلت قد تقدم عَن قريب أَن الْمِقْدَاد كَانَ
مِمَّن
(17/149)
بَقِي مَعَه قلت يحْتَمل أَنه حضر بعد
تِلْكَ الجولة وَيحْتَمل أَن يكون انفرادهما مَعَ النَّبِي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي بعض المقامات
وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد بتخصيص الِاثْنَيْنِ
الْمَذْكُورين من الْمُهَاجِرين كَأَنَّهُ قَالَ لم يبْق
مَعَه من الْمُهَاجِرين غير هذَيْن وَأَيْضًا كَانَ فِيهِ
اخْتِلَاف الْأَحْوَال فَإِنَّهُم تفَرقُوا فِي الْقِتَال
قَوْله " عَن حَدِيثهمَا " أَي روى أَبُو عُثْمَان هَذَا
عَن حَدِيثي طَلْحَة وَسعد يَعْنِي هما حَدثا أَبَا
عُثْمَان بذلك -
4062 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ أبِي الأسْوَدِ حدَّثنَا
حاتِمُ بنُ إسْمَاعِيلَ عنْ مُحَمَّدِ بنِ يُوسُفَ قَالَ
سَمِعْتُ السَّائِبَ بنَ يَزِيدَ قَالَ صَحِبْتُ عَبْدَ
الرَّحْمانِ بنَ عَوْفٍ وطَلْحَةَ بنَ عُبَيْدِ الله
والْمِقْدَادَ وسَعْدَاً رَضِي الله تَعَالَى عنهُم فَمَا
سَمِعْتُ أحَدَاً مِنْهُمْ يُحَدِّثُ عنِ النَّبِيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم إلاَّ أنِّي سَمِعْتُ طَلْحَةَ
يُحَدِّثُ عنْ يَوْمِ أُحُدٍ. (انْظُر الحَدِيث 2824) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (يحدث عَن يَوْم أحد) .
وَعبد الله بن أبي الْأسود هُوَ عبد الله بن مُحَمَّد بن
أبي الْأسود، واسْمه حميد ابْن الْأسود الْبَصْرِيّ
الْحَافِظ، وَهُوَ من أَفْرَاده، مَاتَ سنة ثَلَاث
وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ، وحاتم بن إِسْمَاعِيل أَبُو
إِسْمَاعِيل الْكُوفِي، سكن الْمَدِينَة، وَمُحَمّد بن
يُوسُف بن عبد الله بن يزِيد ابْن أُخْت نمر، وَأمه إبنة
السَّائِب بن يزِيد، سمع جده لأمه السَّائِب بن يزِيد ابْن
سعيد بن ثُمَامَة بن الْأسود ابْن أُخْت النمر، وَهُوَ من
صغَار الصَّحَابَة، وَقَالَ السَّائِب: حج بِي أبي مَعَ
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا ابْن سبع
سِنِين، هَذِه رِوَايَة مُحَمَّد بن يُوسُف عَنهُ وَقَالَ
أَبُو عمر: ولد فِي السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة،
فَهُوَ ترب ابْن الزبير والنعمان ابْن بشير فِي قَول من
قَالَ ذَلِك، كَانَ عَاملا لعمر، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، على سوق الْمَدِينَة مَعَ عبد الله بن عتبَة بن
مَسْعُود، وَمَات فِي سنة ثَمَانِينَ، وَقيل: فِي سنة سِتّ
وَثَمَانِينَ، وَقيل: فِي سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَهُوَ
ابْن أَربع وَتِسْعين، وَسبب مَا فِيهِ أَن هَؤُلَاءِ خشو
السَّهْو فحذروا أَن يقعوا فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: من كذب عَليّ مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من
النارد، وَفِي قَول طَلْحَة ذكر الْمَرْء بِعَمَلِهِ
الصَّالح ليؤدي مَا علم مِمَّا يعلم غَيره، لِأَنَّهُ
انْفَرد برَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِينَئِذٍ.
4063 - حدَّثني عَبْدُ الله بنُ أبِي شَيْبَةَ حدَّثنا
وكِيعٌ عنْ إسْمَاعِيلَ عنْ قَيْسٍ قَالَ رأيْتُ يَدَ
طَلْحَةَ شُلاَّءَ وَقَى بِهَا النَّبِيَّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ أُحُدٍ. (انْظُر الحَدِيث 2724) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْمَاعِيل بن أبي
خَالِد الأحمسي البَجلِيّ الْكُوفِي، وَقيس هُوَ ابْن أبي
حَازِم البَجلِيّ، وَطَلْحَة هُوَ ابْن عبيد الله. رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: (شلاء) ، بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد
اللَّام وبالمد، وَهِي الَّتِي أَصَابَهَا الشلل، وَهُوَ
مَا يبطل عمل الْأَصَابِع كلهَا أَو بَعْضهَا. قَوْله:
(وقى) ، أَي: حفظ (بهَا) أَي: بِيَدِهِ، وَقد أوضح ذَلِك
الْحَاكِم فِي (الإكليل) من طَرِيق مُوسَى بن طَلْحَة: أَن
طَلْحَة جرح يَوْم أحد تسعا وَثَلَاثِينَ أَو خمْسا
وَثَلَاثِينَ، وشلت أُصْبُعه أَي: السبابَة، وَالَّتِي
تَلِيهَا، وَجَاء فِي رِوَايَة: أَن أُصْبُعه قطعت،
فَقَالَ: حس، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
لَو ذكرت الله لَرَفَعَتْك الْمَلَائِكَة وَالنَّاس
ينظرُونَ إِلَيْك.
104 - (حَدثنَا أَبُو معمر حَدثنَا عبد الْوَارِث حَدثنَا
عبد الْعَزِيز عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ لما كَانَ
يَوْم أحد انهزم النَّاس عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَبُو طَلْحَة بَين يَدي النَّبِي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مجوب عَلَيْهِ
بحجفة لَهُ وَكَانَ أَبُو طَلْحَة رجلا راميا شَدِيد النزع
كسر يَوْمئِذٍ قوسين أَو ثَلَاثًا وَكَانَ الرجل يمر مَعَه
بجعبة من النبل فَيَقُول انثرها لأبي طَلْحَة قَالَ ويشرف
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ينظر
إِلَى الْقَوْم فَيَقُول أَبُو طَلْحَة بِأبي أَنْت وَأمي
لَا تشرف يصيبك سهم من سِهَام الْقَوْم نحري دون نحرك
(17/150)
وَلَقَد رَأَيْت عَائِشَة بنت أبي بكر وَأم
سليم وإنهما لمشمرتان أرى خدم سوقهما تنقزان الْقرب على
متونهما تفرغانه فِي أَفْوَاه الْقَوْم ثمَّ تَرْجِعَانِ
فتملآنها ثمَّ تجيآن فتفرغانه فِي أَفْوَاه الْقَوْم
وَلَقَد وَقع السَّيْف من يَدي أبي طَلْحَة إِمَّا
مرَّتَيْنِ وَإِمَّا ثَلَاثًا) مطابقته للتَّرْجَمَة
ظَاهِرَة وَأَبُو معمر بِفَتْح الميمين اسْمه عبد الله بن
عَمْرو بن الْحجَّاج الْمنْقري المعقد وَهُوَ شيخ مُسلم
أَيْضا وَعبد الْوَارِث بن سعيد وَعبد الْعَزِيز بن
صُهَيْب وكل هَؤُلَاءِ قد ذكرُوا غيرَة مرّة والْحَدِيث
مضى فِي الْجِهَاد فِي بَاب غَزْوَة النِّسَاء وقتالهن
مَعَ الرِّجَال وَمضى فِي مَنَاقِب أبي طَلْحَة مثل مَا
أخرجه هُنَا عَن أبي معمر عَن عبد الْوَارِث إِلَى آخِره
نَحوه قَوْله وَأَبُو طَلْحَة اسْمه زيد بن سهل
الْأنْصَارِيّ وَهُوَ زوج وَالِدَة أنس رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُمَا وَأنس حمل هَذَا الحَدِيث عَنهُ قَوْله
مجوب بِضَم الْمِيم وَفتح الْجِيم وَتَشْديد الْوَاو
الْمَكْسُورَة وَمَعْنَاهُ مترس من الجوبة وَهِي الترس
والحجفة بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالْجِيم وَالْفَاء
الترس الَّذِي يتَّخذ من الْجلد وَيُسمى بالبدرقة قَوْله
شَدِيد النزع بِفَتْح النُّون وَسُكُون الزَّاي وبالعين
الْمُهْملَة أَي فِي رمي السهْم وَتقدم فِي الْجِهَاد من
وَجه آخر بِلَفْظ كَانَ أَبُو طَلْحَة حسن الرَّمْي
وَكَانَ يتترس مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - بترس وَاحِد قَوْله بجعبة بِفَتْح الْجِيم
وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة
وَهِي الكنانة الَّتِي يَجْعَل فِيهَا السِّهَام وَضَبطه
بَعضهم بِضَم الْجِيم وَمَا أرَاهُ إِلَّا غَلطا قَوْله
فَيَقُول انثرها أَي فَيَقُول النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - انثر الجعبة الَّتِي فِيهَا النبل
لأجل أبي طَلْحَة وانثر بِضَم الْهمزَة أَمر من نثر
بالنُّون والثاء الْمُثَلَّثَة ينثر نثرا من بَاب نصر ينصر
قَوْله " ويشرف " بِضَم الْيَاء من الإشراف وَهُوَ
الِاطِّلَاع إِلَى الشَّيْء ويروى وتشرف على وزن تفعل
قَوْله " ينظر " جملَة حَالية قَوْله " لَا تشرف " من
الإشراف أَيْضا وَفِي رِوَايَة أبي الْوَقْت لَا تشرف
بِفَتْح التَّاء والشين وَتَشْديد الرَّاء الْمَفْتُوحَة
وَأَصله لَا تتشرف بتاءين فحذفت إِحْدَاهمَا قَوْله "
يصيبك " بِالرَّفْع والجزم أما الْجَزْم فَلِأَنَّهُ
جَوَاب النَّهْي وَأما الرّفْع فعلى تَقْدِير فَهُوَ يصيبك
وَرِوَايَة أبي ذَر الْجَزْم على الأَصْل قَوْله " نحري
دون نحرك " أَي يُصِيب السهْم نحري وَلَا يُصِيب نحرك
وَحَاصِله أفديك بنفسي وَعَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ زوج
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأم
سليم وَالِدَة أنس بن مَالك وَفِي اسْمهَا اخْتِلَاف قد
ذَكرْنَاهُ فِي الْجِهَاد قَوْله " خدم سوقهما " بِفَتْح
الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالدَّال الْمُهْملَة جمع خدمَة
وَهِي الخلاخيل والسوق بِالضَّمِّ جمع سَاق قَوْله "
تنقزان الْقرب " أَي تحملانها وتنقزان بهَا وثبا يُقَال
نقز وأنقز إِذا وثب وَقَالَ ابْن الْأَثِير وَفِي نصب
الْقرب بعد لِأَن ينقز غير مُتَعَدٍّ وأوله بَعضهم
بِعَدَمِ الْجَار وَرَوَاهُ بَعضهم بِضَم التَّاء من أنقز
فعداه بِالْهَمْزَةِ يُرِيد تَحْرِيك الْقرب ووثوبها
بِشدَّة الْعَدو والوثب وَرُوِيَ بِرَفْع الْقرب على
الِابْتِدَاء وَالْجُمْلَة فِي مَوضِع الْحَال وَقيل
مَعْنَاهُ تنقلان وَقَالَ الدَّاودِيّ هُوَ مثل تنقلان
وَالَّذِي ذكره أهل اللُّغَة أَن النقز بالنُّون وَالْقَاف
وَالزَّاي الوثب فلعلهما كَانَتَا تنهضان بِالْحملِ
وتنقزان وَأنْكرهُ الْخطابِيّ وَقَالَ إِنَّمَا هُوَ
تنقزان أَي تحملان قَوْله " فِي أَفْوَاه الْقَوْم " قَالَ
الدَّاودِيّ الأفواه جمع فِي والفم لَا جمع لَهُ من لَفظه
(قلت) الَّذِي ذكره أهل اللُّغَة أَن أصل الْفَم فوه فأبدل
من الْوَاو مِيم وَالْجمع يرد الشَّيْء إِلَى أَصله كَمَا
أَن إِمَاء أَصله موه فَلذَلِك قَالُوا فِي جمعه أمواه
قَوْله " من يَدي أبي طَلْحَة " وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ
من يَد أبي طَلْحَة بِالْإِفْرَادِ وَوُقُوع السَّيْف
كَانَ لأجل النعاس الَّذِي ألْقى الله عَلَيْهِم أَمَنَة
مِنْهُ وَوَقع فِي رِوَايَة أبي معمر شيخ البُخَارِيّ
عِنْد مُسلم من النعاس صرح بِهِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى
{إِذْ يغشيكم النعاس أَمَنَة} -
4065 - حدَّثني عُبَيْدُ الله بنُ سَعِيدٍ حدَّثنا أبُو
أُسَامَةَ عنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ
عَائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا قالَتْ لَمَّا كانَ
يَوْمُ أُحُدٍ هُزِمَ المُشْرِكُونَ فصَرَخَ إبْلِيسُ
لعَنَةُ الله علَيْهِ أيْ عِبَادَ الله أُخْرَاكُمْ
فرَجَعَتْ أُولاهُم فاجْتَلَدَتْ هِيَ وأُخْرَاهُمّ
فَبَصُرَ حُذَيْفَةَ فإذَا هُوَ بأبِيهِ اليَمَانِ فَقالَ
أيْ عِبَادَ الله أبي أبي قَالَ قالَت فَوَالله مَا
احْتَجَزُوا حتَّى قتَلُوهُ فقالَ حُذَيْفَةُ يَغْفِرُ
الله لَكُمْ قَالَ عُرْوَةُ
(17/151)
فَوَالله مَا زَالَتْ فِي حُذَيْفَةَ
بَقِيَّةُ خَيْرٍ حتَّى لَحِقَ بِاللَّه. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبيد الله بن سعيد بن
يحيى أَبُو قدامَة الْيَشْكُرِي السَّرخسِيّ، وَهُوَ شيخ
مُسلم أَيْضا، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة.
والْحَدِيث مر فِي: بَاب صفة إِبْلِيس وَجُنُوده،
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن زَكَرِيَّا بن يحيى عَن أبي
أُسَامَة ... الخ نَحوه، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ،
وَلَكِن نتكلم هُنَا أَيْضا بِمَا فِيهِ لبعد الْعَهْد
مِنْهُ.
قَوْله: (أخراكم) أَي: احترزوا من جِهَة أخراكم، وَهِي
كلمة تقال لمن يخْشَى أَن يُؤْتى عِنْد الْقِتَال من
وَرَائه، وَكَانَ ذَلِك لما ترك الرُّمَاة مكانهم ودخلوا
ينتهبون عَسْكَر الْمُشْركين. قَوْله: (فاجتلدت هِيَ) أَي:
أولاهم نفرت مَعَ أخراهم. قَوْله: (فَبَصر حُذَيْفَة) أَي:
نظر إِلَى أَبِيه وَرَآهُ. وَقَالَ: يَا عباد الله أبي أبي
أَي: هَذَا أبي فَلَا تتعرضوا لَهُ واحفظوه، وَإِنَّمَا
قَالَ: أبي أبي، بالتكرار حَتَّى لَا يظنّ أَنه: أبي،
بِضَم الْهمزَة وَفتح الْبَاء وَتَشْديد الْيَاء. قَوْله:
(قَالَ: قَالَت) أَي: قَالَ عُرْوَة، قَالَت عَائِشَة:
فوَاللَّه مَا احتجزوا أَي: مَا امْتَنعُوا من قَتله
حَتَّى قَتَلُوهُ أَي: الْيَمَان وَالِد حُذَيْفَة، وَذكر
ابْن إِسْحَاق، قَالَ: حَدثنِي عَاصِم ابْن عمر عَن
مَحْمُود بن لبيد، قَالَ: كَانَ الْيَمَان وَالِد
حُذَيْفَة وثابت بن وقش شيخين كبيرين فَتَركهُمَا رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ النِّسَاء وَالصبيان
فرغبا فِي الشَّهَادَة فأخذا سيفيهما ولحقا بِالْمُسْلِمين
بعد الْهَزِيمَة، فَلم يعرفوا بهما، فَأَما ثَابت فَقتله
الْمُشْركُونَ، وَأما الْيَمَان فاختلفت عَلَيْهِ أسياف
الْمُسلمين فَقَتَلُوهُ وَلَا يعرفونه، وَقَالَ ابْن سعد:
إِن الَّذِي قتل الْيَمَان خطأ عتبَة بن مَسْعُود أَخُو
عبد الله بن مَسْعُود، وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق،
قَالَ حُذَيْفَة: قتلتم أبي قَالُوا: وَالله مَا
عَرفْنَاهُ وَصَدقُوا، فَقَالَ حُذَيْفَة: يغْفر الله لكم
فَأَرَادَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن
يَدَيْهِ فَتصدق حُذَيْفَة بديته على الْمُسلمين فزاده
ذَلِك عِنْد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خيرا،
وَالْعجب من ابْن التِّين حَيْثُ يَقُول: وَلم يذكر فِي
الحَدِيث الدِّيَة فِي قتل الْيَمَان وَالْكَفَّارَة،
فَأَما لم تفرض حِينَئِذٍ أَو اكْتفى بِعلم السَّامع،
وَلَو اطلع على مَا ذكرنَا لما أغرب فِي كَلَامه.
بَصَرْتُ عَلِمْتُ مِنَ البَصِيرَةِ فِي الأمْرِ
وأبْصَرْتُ مِنْ بَصَرِ العَيْنِ ويُقالُ بَصُرْتُ
وأبْصَرْتُ واحِدٌ
لما كَانَ فِي الحَدِيث الْمَذْكُور لفظ: بصر، بِفَتْح
الْبَاء وَضم الصَّاد، أَشَارَ إِلَى مَعْنَاهُ وَإِلَى
الْفرق بَين بصر وَأبْصر، فَقَالَ: معنى بصر علم مَأْخُوذ
من البصيرة فِي الْأَمر، فَيكون من الْمعَانِي القلبية،
وَقَالَ: أبْصر بِزِيَادَة الْهمزَة فِي أَوله يَعْنِي:
نظر لِأَنَّهُ من بصر الْعين، وبصر الْعين حاستها وَقَالَ
الْجَوْهَرِي: الْبَصَر الْعلم وبصرت بالشَّيْء عَلمته،
وَقَالَ تَعَالَى: {بصرت لما لم يبصروا بِهِ} (طه: 96) .
قَوْله: وَيُقَال: بصرت وأبصرت وَاحِد، يَعْنِي:
كِلَاهُمَا سَوَاء، كسرعت وأسرعت.
19 - (بابُ قَوْلِ الله تعَالَى {إنَّ الَّذِينَ
تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الجَمْعَانِ إنَّمَا
اسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا
ولَقَدْ عفَا الله عنْهُمْ إنَّ الله غَفُورٌ حَلِيمٌ} (آل
عمرَان: 155) .)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول الله تَعَالَى: {إِن الَّذين
توَلّوا مِنْكُم} (آل عمرَان: 155) . الْآيَة. وَاتفقَ أهل
الْعلم بِالنَّقْلِ على أَن المُرَاد بِهَذِهِ الْآيَة مَا
وَقع فِي أحد، وَقَول من قَالَ: إِنَّهَا فِي يَوْم بدر،
غير صَحِيح، لِأَنَّهُ لم يول أحد من الْمُسلمين يَوْم
بدر. قَوْله: {إِن الَّذين توَلّوا مِنْكُم} (آل عمرَان:
155) . أَي: إِن الَّذين فروا مِنْكُم يَا معشر
الْمُسلمين. قَوْله: (يَوْم التقى الْجَمْعَانِ) ، أَي:
جمع الْمُسلمين وَجمع الْكفَّار. قَوْله: (إِنَّمَا
استزلهم الشَّيْطَان) أَي: حملهمْ على الزلل. قَوْله:
(بِبَعْض مَا كسبوا) ، أَي: بِبَعْض ذنوبهم السالفة،
وَهُوَ تَركهم الْمُشْركين. قَوْله: (وَلَقَد عَفا الله
عَنْهُم) ، أَي: حلم عَلَيْهِم إِذْ لم يعاجلهم بالعقوبة،
وَقيل: غفر لَهُم الْخَطِيئَة، وَرُوِيَ أَنه صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لما رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة قَالَ
لأَصْحَابه: هَذِه وقْعَة تشاع فِي الْعَرَب فأطلبوهم
حَتَّى يسمعوا أَنا قد طلبناهم، فَخَرجُوا فَلم يدركوا
الْقَوْم. قَوْله: (إِن الله غَفُور حَلِيم) ، أَي: يغْفر
الذُّنُوب ويحلم على خلقه ويتجاوز عَنْهُم.
106 - (حَدثنَا عَبْدَانِ أخبرنَا أَبُو حَمْزَة عَن
عُثْمَان بن موهب قَالَ جَاءَ رجل حج الْبَيْت فَرَأى قوما
جُلُوسًا فَقَالَ من هَؤُلَاءِ الْقعُود قَالُوا هَؤُلَاءِ
قُرَيْش قَالَ من الشَّيْخ قَالُوا ابْن عمر فَأَتَاهُ
فَقَالَ إِنِّي سَائِلك عَن شَيْء أتحدثني قَالَ أنْشدك
بِحرْمَة هَذَا الْبَيْت أتعلم أَن عُثْمَان بن
(17/152)
عَفَّان فر يَوْم أحد قَالَ نعم قَالَ فتعلمه تغيب عَن بدر
فَلم يشهدها قَالَ نعم قَالَ فتعلم أَنه تخلف عَن بيعَة
الرضْوَان فَلم يشهدها قَالَ نعم قَالَ فَكبر قَالَ ابْن
عمر تعال لأخبرك ولأبين لَك عَمَّا سَأَلتنِي عَنهُ أما
فراره يَوْم أحد فَأشْهد أَن الله عَفا عَنهُ وَأما تغيبه
عَن بدر فَإِنَّهُ كَانَ تَحْتَهُ بنت رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَكَانَت مَرِيضَة
فَقَالَ لَهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - إِن لَك أجر رجل مِمَّن شهد بَدْرًا وسهمه وَأما تغيبه
عَن بيعَة الرضْوَان فَإِنَّهُ لَو كَانَ أحد أعز بِبَطن
مَكَّة من عُثْمَان بن عَفَّان لبعثه مَكَانَهُ فَبعث
عُثْمَان وَكَانَت بيعَة الرضْوَان بَعْدَمَا ذهب عُثْمَان
إِلَى مَكَّة فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - بِيَدِهِ الْيُمْنَى هَذِه يَد عُثْمَان
فَضرب بهَا على يَده فَقَالَ هَذِه لعُثْمَان اذْهَبْ
بِهَذَا الْآن مَعَك) مطابقته للتَّرْجَمَة تظهر من حَيْثُ
الْمَعْنى وعبدان لقب عبد الله وَأَبُو حَمْزَة بِالْحَاء
الْمُهْملَة وَالزَّاي مُحَمَّد بن مَيْمُون السكرِي
وَعُثْمَان بن موهب بِفَتْح الْمِيم وَالْهَاء الْأَعْرَج
الطلحي التَّيْمِيّ الْقرشِي والْحَدِيث مضى بِطُولِهِ فِي
مَنَاقِب عُثْمَان وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن
أبي عوَانَة عَن عُثْمَان بن موهب إِلَى آخِره قَوْله "
أتحدثني " الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الاستعلام
وَبعده فِي رِوَايَة أبي نعيم قَالَ " نعم " - |