عمدة القاري شرح
صحيح البخاري بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحيم
64 - (كِتَابُ المَغَازِي)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان مغازي النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، والمغازي جمع مغزى، والمغزى يصلح أَن يكون
مصدرا تَقول: غزا يَغْزُو غزواً ومغزًى ومغزاة، وَيصْلح
أَن يكون مَوضِع الْغَزْو، وَكَونه مصدرا مُتَعَيّن هُنَا،
والغزوة من الْغَزْو وَيجمع على غزوات ... وَقَالَ ابْن
سَيّده: فِي (الحكم) غزا الشَّيْء غزواً إِذا أَرَادَهُ
وَطَلَبه، والغزو السّير إِلَى الْقِتَال مَعَ الْعَدو،
وَقَالَ ابْن جني: الغزاوة كالشقاوة وَأكْثر مَا يَأْتِي
الفعالة مصدرا إِذا كَانَت لغير الْمُتَعَدِّي، وَعَن
ثَعْلَب: إِذا قيل: غزاه فَهُوَ عمل سنة، وَإِذا قيل:
غَزْوَة فَهِيَ الْمرة الْوَاحِدَة من الْغَزْو، وَقَالَ
الْجَوْهَرِي: غزوت الْعَدو غزواً، وَالِاسْم الْغُزَاة،
وَرجل غاز وَالْجمع غزَاة، مثل: قَاض وقضاة، وغزى وغزى
وغزاء، وَأما عدد مغازيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
فَيَأْتِي عَن قريب أَنَّهَا تسع عشرَة، وَعَن بُرَيْدَة:
سِتّ عشرَة، وَعنهُ: تسع عشرَة، وَقَاتل فِي ثَمَان غزوات،
أولهنَّ: بدر، وَأحد، والأحزاب، والمريسيع، وقديد، وخيبر،
وَمَكَّة، وحنين، وَأما سراياه وبعوثه فَقَالَ ابْن
إِسْحَاق: ثَمَانِيَة وَثَلَاثُونَ، وَقَالَ ابْن سعد:
سَبْعَة وَأَرْبَعُونَ، وَأول الْبعُوث بعث حَمْزَة بن عبد
الْمطلب أَو عُبَيْدَة بن الْحَارِث على اخْتِلَاف، وَآخر
الْبَعْث أُسَامَة بن زيد بن حَارِثَة إِلَى الشَّام،
وَأمره أَن يوطىء الْخَيل تخوم البلقاء والداروم من أَرض
فلسطين.
1 - (بابُ غَزْوَةُ الْعُشَيْرَةِ أوِ الْعُسَيْرَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان غَزْوَة الْعَشِيرَة، بِضَم
الْعين الْمُهْملَة وَفتح الشين وَسُكُون الْيَاء آخر
الْحُرُوف وَفِي آخِره رَاء. قَوْله: أَو العسيرة،
بِالشَّكِّ، وضبطها مثل ضبط الْعَشِيرَة إلاَّ أَنَّهَا
بِالسِّين الْمُهْملَة. وَقَالَ النَّوَوِيّ: جَاءَ فِي
كتاب الْمَغَازِي من (صَحِيح البُخَارِيّ) : العسيرة، أَي:
بِضَم الْمُهْملَة الأولى وَفتح الثَّانِيَة، و: العسير،
بِفَتْح الْمُهْملَة الأولى وَكسر الثَّانِيَة بِحَذْف
الْهَاء وَالْمَعْرُوف فِيهَا الْعَشِيرَة بإعجام الشين
وبالهاء وَقَالَ السُّهيْلي معنى العسيرة والعسيرا إِنَّه
اسْم مصغر من العسرى، والعسر فَإِذا صغر تَصْغِير
التَّرْخِيم قيل: عسيرة، وَهِي بقلة أذية أَي: عصيفة، ثمَّ
تكون سحاء، ثمَّ يُقَال لَهَا: العسرى، وَأما الْعَشِيرَة
فتصغير وَاحِدَة الْعشْر، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: يُقَال:
العشير ذَوَات الْعَشِيرَة، والعشير هُوَ مَوضِع من بطن
يَنْبع، وَقَالَ ياقوت: قَالَ الْأَزْهَرِي: ذُو
الْعَشِيرَة مَوضِع بالصمان ينْسب إِلَى عشرَة نابتة
فِيهِ، وَذُو الْعَشِيرَة مَوضِع من نَاحيَة يَنْبع
غَزَاهَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وعشيرة
أَيْضا قَرْيَة عِنْد أكمة أَرَاهَا من نواحي الْيَمَامَة،
وَهِي لتيم عدي.
قَالَ ابنُ إسْحَاقَ: أوَّلُ مَا غَزَا النَّبِيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم الأبْوَاءَ ثُمَّ بُوَاطَ ثُمَّ
الْعُشَيْرَةَ
أَي: قَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن يسَار ضد الْيَمين
الْمدنِي التَّابِعِيّ رأى أنس بن مَالك صَاحب (كتاب
الْمَغَازِي) الْمدنِي، قدم بَغْدَاد وَحدث بهَا وَمَات
سنة خمسين وَمِائَة وَدفن فِي مَقْبرَة الخيزران، وَهِي
الْيَوْم مَشْهُورَة بمشهد الإِمَام أبي حنيفَة، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، وترجمته طَوِيلَة اسْتشْهد بِهِ
البُخَارِيّ فِي (الصَّحِيح) وروى لَهُ فِي (كتاب
الْقِرَاءَة خلف الإِمَام) وَغَيره، وروى لَهُ مُسلم فِي
المتابعات، واحتجت بِهِ الْأَرْبَعَة. قَوْله: (أول مَا
غزا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْأَبْوَاء) قَالَ
الْوَاقِدِيّ، رَحمَه الله تَعَالَى: هِيَ أول غَزْوَة
غَزَاهَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِنَفسِهِ
وَيُقَال لَهَا: غَزْوَة ودان، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: خرج
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، غازياً فِي صفر على
رَأس اثْنَي عشر شهرا من مقدمه الْمَدِينَة، وَقَالَ ابْن
هِشَام: وَاسْتعْمل على الْمَدِينَة سعد
(17/73)
ابْن عبَادَة، وَقَالَ ابْن جرير: يُرِيد
قُريْشًا وَبني ضَمرَة بن بكر بن عبد مَنَاة من كنَانَة،
فوادعته فِيهَا بَنو ضَمرَة وَرجع رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وَلم يلق كيداً، والأبواء، بِفَتْح
الْهمزَة وبالباء الْمُوَحدَة الساكنة ممدوداً: مَوضِع
مَعْرُوف بَين مَكَّة وَالْمَدينَة، وَهِي إِلَى
الْمَدِينَة أقرب، كَأَنَّهُ سمى بِجمع: بو، وَهُوَ جلد
ولد الْإِبِل الْمحشِي بالتبن. وَقَالَ الْبكْرِيّ:
الْأَبْوَاء قَرْيَة جَامِعَة مَذْكُورَة فِي رسم
الْفَرْع، و: ودان، بِفَتْح الْوَاو وَتَشْديد الدَّال
الْمُهْملَة على وزن فعلان، قَالَ الْبكْرِيّ: قَرْيَة من
أُمَّهَات الْقرى، وَقَالَ ياقوت: بَينهَا وَبَين أبواء
ثَمَانِيَة أَمْيَال. قَوْله: (ثمَّ بواط) ، أَي: غزا
بواط، وَهُوَ بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف
الْوَاو بعد الْألف طاء مُهْملَة، قَالَ الصغاني: بواط جبل
من جبال جُهَيْنَة من نَاحيَة ذِي خشب، وَبَين بواط
وَالْمَدينَة ثَلَاثَة برد أَو أَكثر، وَقَالَ ابْن
إِسْحَاق: غزا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي
شهر ربيع الأول، يَعْنِي: من السّنة الثَّانِيَة من
الْهِجْرَة، يُرِيد قُريْشًا، قَالَ ابْن هِشَام:
وَاسْتعْمل على الْمَدِينَة السَّائِب بن عُثْمَان بن
مَظْعُون، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: اسْتخْلف عَلَيْهَا سعد
بن معَاذ، وَكَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فِي مِائَتي رَاكب، وَكَانَ لِوَاؤُهُ مَعَ سعد بن أبي
وَقاص، وَكَانَ قَصده أَن يتَعَرَّض لعير قُرَيْش وَكَانَ
فِيهِ أُميَّة ابْن خلف وَمِائَة رجل وَخَمْسمِائة بعير،
قَالَ ابْن إِسْحَاق: حَتَّى بلغ بواط من نَاحيَة رضوى
ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة وَلم يلق فِيهَا كيداً
فَلبث بهَا شهر ربيع الْأُخَر وَبَعض جُمَادَى. قَوْله:
(ثمَّ الْعَشِيرَة) ، أَي: ثمَّ غزا الْعَشِيرَة، قَالَ
ابْن إِسْحَاق: ثمَّ غزا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قُريْشًا، قَالَ ابْن هِشَام: وَاسْتعْمل على
الْمَدِينَة أَبَا سَلمَة بن عبد الْأسد، وَقَالَ
الْوَاقِدِيّ: وَكَانَ لِوَاؤُهُ مَعَ حَمْزَة، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: وَخرج رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يتَعَرَّض لعير قُرَيْش ذَاهِبَة إِلَى
الشَّام حَتَّى نزل الْعَشِيرَة من بطن ينبعٍ فَأَقَامَ
بهَا جُمَادَى الأولى وليالي من جُمَادَى الْآخِرَة، ووادع
فِيهَا بني مُدْلِج وحلفاءهم من بني ضَمرَة ثمَّ رَجَعَ
إِلَى الْمَدِينَة وَلم يلق كيداً. قلت: وَلم يكن فِي
هَذِه الْغَزَوَات الثَّلَاث حَرْب.
3949 - حدَّثني عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثنا وهْبٌ
حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ أبِي إسْحَاقَ كُنْتُ إلَى جَنْبَ
زَيْدِ بنِ أرْقَمَ فَقيلَ لَهُ كَمْ غَزَا النَّبِيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم منْ غَزْوَةٍ قَالَ تِسْعَ عَشْرَةَ
قِيلَ كَمْ غَزَوْتَ أنْتَ مَعَهُ قَالَ سَبْعَ عَشْرَةَ
قُلْتُ فأيُّهُمْ كانَتْ أوَّلَ قَالَ العُسَيْرَةُ أوِ
العُشَيْرُ فذَكَرْتُ لِقَتادَةَ فَقالَ الْعُشَيْرُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، ووهب هُوَ ابْن جرير
الْبَصْرِيّ، وَأَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله
السبيعِي، وَزيد بن أَرقم الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن عَمْرو بن خَالِد
عَن زُهَيْر وَعَن عبد الله بن رَجَاء عَن إِسْرَائِيل.
وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي أَيْضا عَن بنْدَار وَأبي
مُوسَى، وَفِيه: عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَفِي
الْمَنَاسِك عَن أبي خَيْثَمَة، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي
الْجِهَاد عَن مُحَمَّد بن غيلَان: حَدثنَا وهب بن جرير
وَأَبُو دَاوُد قَالَا: حَدثنَا شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق
قَالَ: كنت ... إِلَى آخِره نَحوه، غير أَن فِي لَفظه:
قلت: وأيتهن كَانَ أول؟ قَالَ: ذَات الْعَشِيرَة أَو
العسيرة، وروى مُسلم من حَدِيث أبي الزبير عَن جَابر
يَقُول: غزوت مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
تسع عشرَة غَزْوَة، قَالَ جَابر: لم أشهد بَدْرًا وَلَا
أحدا مَنَعَنِي أبي فَلَمَّا قتل أبي عبد الله يَوْم أحد
لم أَتَخَلَّف عَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فِي غَزْوَة قطّ، وَمُقْتَضى حَدِيثه أَن غَزَوَاته صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم إِحْدَى وَعشْرين غَزْوَة لِأَنَّهُ
ذكر أَنه لم يغز مَعَه بَدْرًا وَلَا أحدا، وَأَنه غزا
مَعَه تسع عشرَة غَزْوَة بعد أحد، وَقد ذكر أَصْحَاب
الْمَغَازِي وَالسير أَكثر من ذَلِك، فَذكر مُحَمَّد بن
سعد عَن جمَاعَة من أهل السّير، مِنْهُم مُوسَى بن عقبَة
وَابْن إِسْحَاق وَأَبُو مسعر وَعبد الرَّحْمَن بن أبي
الزِّنَاد فِي آخَرين، وَقَالَ: دخل حَدِيث بَعضهم فِي
بعض، قَالُوا: عدد مغازي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم سبع وَعِشْرُونَ غَزْوَة، وَكَانَت سراياه الَّتِي
بعث فِيهَا سبعا وَأَرْبَعين سَرِيَّة. فَإِن قلت: قد ذكر
أَصْحَاب السّير قبل غَزْوَة العشير ثَلَاث غزوات. قلت:
أما أَن يكون زيد بن أَرقم لم يكن يَوْمئِذٍ أسلم، أَو
كَانَت ثَلَاث غزوات صَغِيرَة، فَإِن من عد من الصَّحَابَة
ذكر أعظمها، أَو كَانَت قبل أَن يشْتَهر أَمر الْغَزْو
بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا علمه. قَوْله: (فَأَيهمْ؟) قَالَ
الدمياطي: مُقْتَضى الْكَلَام: أيهن، أَو: أَيهَا، وَفِي
رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: أيتهن، كَمَا ذكرنَا، قَوْله:
(فَذكرت) الذاكر لعبادة هُوَ شُعْبَة.
(17/74)
2 - (بابُ ذِكْرِ النَّبِيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مَنْ يُقْتَلُ بِبَدْرٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ذكر النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، من يقتل فِي غَزْوَة بدر، وَفِي بعض
النّسخ: من قتل على صِيغَة الْمَجْهُول من الْمَاضِي،
وَالْوَجْه: هُوَ يقتل على صِيغَة الْمَجْهُول من
الْمُضَارع وَهِي رِوَايَة أبي ذَر. وَفِيه الدّلَالَة على
معجزته الباهرة حَيْثُ أخبر عَمَّا سَيَأْتِي.
3950 - حدَّثني أحْمَدُ بنُ عُثْمَانَ حدَّثنا شُرَيْحُ
بنُ مَسْلَمَةَ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ يُوسُفَ عنْ
أبِيهِ عنْ أبِي إسْحَاقَ قَالَ حدَّثنِي عَمْرُو بنُ
مَيْمُونٍ أنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الله بنَ مَسْعُودٍ رَضِي
الله تَعَالَى عنهُ حدَّثَ عنْ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ أنَّهُ
قَالَ كانَ صَدِيقَاً لأمَيَّةَ بنِ خَلَفٍ وكانَ
أُمَيَّةُ إذَا مَرَّ بالمَدِينَةِ نَزَلَ عَلَى سَعْدٍ
وكانَ سَعْدٌ إذَا مَرَّ بِمَكَّةَ نَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ
فلَمَّا قَدِمَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
المَدِينَةَ انْطَلَقَ سَعْدٌ مُعْتَمِرَاً فنَزَلَ علَى
أُمَيَّةَ بِمَكَّةَ فَقالَ لأُمَيَّةَ انْظُرْ لي ساعَةَ
خَلْوَة لَعَلِّي أنْ أطُوفَ بالْبَيْتِ فخَرَجَ بِهِ
قَرِيباً مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ فلَقِيَهُمَا أبُو جَهْلٍ
فَقَالَ يَا أبَا صَفْوَانَ مَنْ هاذَا مَعَكَ فَقَالَ
هاذَا سَعْدٌ فقالَ لَهُ أبُو جَهْلٍ ألاَ أرَاكَ تَطُوفُ
بِمَكَّةَ آمِنَاً وقَدْ أوَيْتُمُ الصُّبَاةَ وزَعَمْتُمْ
أنَّكُمْ تَنْصُرُونَهُمْ وتُعِينُونَهُمْ أمَا وَالله
لوْلاَ أنَّكَ مَعَ أبِي صَفْوَانَ مَا رَجَعْتَ إلَى
أهْلِكَ سالِمَاً فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ ورَفَعَ صَوْتَهُ
علَيْهِ أمَا وَالله لَئِنْ مَنَعْتَنِي هاذَا
لأمْنَعَنَّكَ مَا هُوَ أشَدُّ عَلَيْكَ مِنْهُ طَرِيقَكَ
عَلَى المَدِينَةِ فقالَ لَهُ أُمَيَّةُ لاَ تَرْفَعْ
صَوْتَكَ يَا سَعْدُ علَى أبِي الحَكَمِ سَيِّدِ أهْلِ
الوَادِي فقالَ سَعْدٌ دَعْنَا عَنْكَ يَا أُمَيَّةَ
فَوَالله لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَقُولُ إنَّهُمْ قاتِلُوكَ قَالَ بِمَكَّةَ قَالَ
لاَ أدْرِي ففَزِعَ لِذَلِكَ أُمَيَّةُ فزَعَاً شَدِيدَاً
فلَمَّا رَجَعَ أُمَيَّةُ إلَى أهْلِهِ قَالَ يَا أُمَّ
صَفْوَانَ ألَمْ تَرَى مَا قَالَ لي سَعْدٌ قالَتْ وَمَا
قَالَ لكَ قَالَ زَعَمَ أنَّ مُحَمَّدَاً أخْبَرَهُمْ
أنَّهُمْ قاتِلِيَّ فَقُلْتُ لَهُ بِمَكَّةَ قَالَ لاَ
أدْرِي فَقَالَ أُمَيَّةُ وَالله لَا أخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ
فلَمَّا كانَ يَوْمُ بَدْر اسْتَنْفَرَ أبُو جَهْلٍ
النَّاسَ قَالَ أدْرِكُوا عِيرَكُمْ فَكَرِهَ أُمَيَّةَ
أنْ يَخْرُجَ فأتاهُ أبُو جَهْلٍ فَقَالَ يَا أبَا
صَفْوَانَ إنَّكَ مَتَى يَرَاكَ النَّاسُ قَدْ تَخَلَّفْتَ
وأنْتَ سَيِّدُ أهْلِ الوَادِي تَخَلَّفُوا مَعَكَ فلَمْ
يَزَلْ بِهِ أبُو جَهْلٍ حَتَّى قَالَ أمَّا إِذْ
غَلَبْتَنِي فَوَالله لأشْتَرِيَأ أجْوَدَ بَعِيرٍ
بِمَكَّةَ ثُمَّ قَالَ أُمَيَّةُ يَا أمَّ صَفْوَانَ
جَهِّزِينِي فقالَتْ لَهُ يَا أبَا صَفْوَانَ وقَدْ
نَسِيتُ مَا قالَ لَكَ أخُوكَ اليَثْرِبِيُّ قَالَ لَا مَا
أُرِيدُ أنْ أجُوزَ مَعَهُمْ إلاَّ قَرِيباً فلَمَّا
خَرَجَ أُمَيَّةُ أخَذَ لاَ يَنْزِلُ مَنْزِلاً إلاَّ
عَقَلَ بَعِيرَهُ فَلَمْ يَزَلْ بِذَلِكَ حَتَّى قَتَلَهُ
الله عَزَّ وَجَلَّ بِبَدْرٍ. (انْظُر الحَدِيث 3632) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهُ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، أخبر بِمن يقتل ببدر، فَهَذَا أُميَّة قتل
ببدر، وَهَذَا من أبلغ معجزاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
وَأحمد بن عُثْمَان بن حَكِيم الأودي، وَشُرَيْح، بِضَم
الشين الْمُعْجَمَة وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة: ابْن مسلمة،
بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام: الْكُوفِي، وَإِبْرَاهِيم بن
يُوسُف بن إِسْحَاق بن أبي إِسْحَاق السبيعِي، ويوسف هَذَا
يروي عَن جده أبي إِسْحَاق.
والْحَدِيث قد تقدم فِي عَلَامَات النُّبُوَّة فِي
الْإِسْلَام، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَا عَن أَحْمد بن
إِسْحَاق عَن عبيد الله بن مُوسَى عَن إِسْرَائِيل عَن أبي
إِسْحَاق ... إِلَى آخر، وَتقدم الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (وَقد أويتم) بِالْمدِّ وَالْقصر (والصباة) بِضَم
الصَّاد جمع الصابي، وَهُوَ
(17/75)
المائل عَن دينه إِلَى دين غَيره. قَوْله:
(طريقك) قَالَ الْكرْمَانِي بِالنّصب وَالرَّفْع وَلم يبين
وجههما. قلت: أما بِالنّصب فعلى أَنه بدل من قَوْله: (مَا
هُوَ أَشد عَلَيْك مِنْهُ) ، وَأما الرّفْع فعلى أَنه خبر
مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: هُوَ طريقك. قَوْله: (قاتلوك)
ويروى: قاتليك، على غير الْقيَاس بِتَأْوِيل: يكونُونَ
قاتليك، ويروى: قاتلتك، أَي: الطَّائِفَة القاتلون لَك؟
قَوْله: (قَالَ بِمَكَّة) أَي: قَالَ أُميَّة: إِنَّهُم
قاتلوني بِمَكَّة؟ قَوْله: (أخْبرهُم) أَي: أخبر النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَصْحَابه، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُم. قَوْله: (أَنهم) أَي: أَن أَبَا جهل وَأَتْبَاعه
قاتلي، بتَشْديد الْيَاء. قَوْله: (اسْتنْفرَ) أَي: طلب
الْخُرُوج من النَّاس. قَوْله: (عِيركُمْ) بِكَسْر الْعين
الْمُهْملَة، وَهُوَ الْإِبِل الَّتِي تحمل الْميرَة.
قَوْله: (مَتى يراك النَّاس) ويروى: مَتى يَرك النَّاس،
بِالْجَزْمِ. قَوْله: (أَخُوك اليثربي) أَرَادَ بِهِ
سَعْدا، وَالْمرَاد الْأُخوة بَينهمَا بِحَسب المعاهدة
والموالاة. قَوْله: (أَن أجوز) أَي: أنفذ، أَو: أَن أسلك.
قَوْله: (حَتَّى قَتله الله) أَي: قدر الله قَتله بيد
بِلَال مُؤذن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلما
كَانَ أَبُو جهل هُوَ السَّبَب فِي خُرُوج أُميَّة إِلَى
الْقِتَال أضيف إِلَيْهِ لِأَن الْقَتْل كَمَا يكون
مُبَاشرَة يكون سَببا.
3 - (بابُ قِصَّةِ غَزْوَةِ بَدْرٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قصَّة غَزْوَة بدر وَلَفظ بَاب
مَا ثَبت إِلَّا فِي رِوَايَة كَرِيمَة.
وقَوْلِ الله تعالَى ولَقَدْ نَصَرَكُمْ بِبَدْرٍ وأنْتُمْ
أذِلَّةٌ فاتَّقُوا الله لعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ إذْ
تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ ألَنْ يَكْفِيَكُمْ أنْ
يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِنَ
المَلاَئِكَةِ مُنْزَلِينَ بَلَى إنْ تَصْبِرُوا
وتَتَّقُوا ويأتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هاذَا يُمْدِدْكُمْ
رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلاَفٍ مِنَ المَلاَئِكَةِ
مُسَوَّمِينَ وَمَا جَعَلَهُ الله إلاَّ بُشْرَى لَكُمْ
ولِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمُ بِهِ ومَا النَّصْرُ إلاَّ
مِنْ عِنْدِ الله العَزِيزِ الحَكِيمِ لِيَقْطَعَ طَرَفَاً
مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا
خَائِبِينَ. (آل عمرَان: 123 127) .
وَقَول الله، بِالْجَرِّ عطفا على قَوْله: قصَّة غَزْوَة
بدر، وسيقت هَذِه الْآيَات الْكَرِيمَة كلهَا فِي رِوَايَة
كَرِيمَة وَفِي رِوَايَة أبي ذَر والأصيلي، وَقَول الله
تَعَالَى: {وَلَقَد نصركم الله ببدر وَأَنْتُم أَذِلَّة
فَاتَّقُوا الله لَعَلَّكُمْ تشكرون} إِلَى قَوْله:
{فينقلبوا خائبين} قَوْله: {وَلَقَد نصركم الله} فِي معرض
الْمِنَّة حَيْثُ أعز الله الْإِسْلَام وَأَهله يَوْم بدر
وَرفع فِيهِ الشّرك وَخرب مَحَله، هَذَا مَعَ قلَّة
الْعدَد فِي الْمُسلمين يَوْمئِذٍ وَكَثْرَة الْعَدو وَفِي
سوابغ الْحَدِيد وَالْبيض وَالْعدة الْكَامِلَة والخيول
المسومة وَالْخُيَلَاء الزَّائِدَة، فأعز الله رَسُوله
وَأظْهر وحيه وتنزيله، وبيض الله وَجه النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وقبيله، وأخزى الشَّيْطَان وجيله،
وَلِهَذَا قَالَ ممتنا على عَادَة الْمُؤمنِينَ وَحزبه
المفلحين الْمُتَّقِينَ {وَلَقَد نصركم الله ببدر} قَالَ
الشّعبِيّ: بدر بِئْر لرجل يُسمى بدر بن الْحَارِث بن مخلد
بن النَّضر بن كنَانَة، وَقيل: سميت بَدْرًا لاستدارتها
كالبدر، وَقيل: لصفائها ورؤية الْبَدْر فِيهَا، وَقَالَ
السُّهيْلي: احتفرها رجل من بني غفار ثمَّ من بني النجار،
واسْمه بدر بن كلدة، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: ذكرت هَذَا
لعبد الله بن جَعْفَر وَمُحَمّد بن صَالح فأنكراه،
وَقَالا: لأي شَيْء سميت الصَّفْرَاء؟ ولأي شَيْء سمي
الْجَار؟ إِنَّمَا هُوَ اسْم الْموضع. قَالَ: وَذكرت ذَلِك
ليحيى بن النُّعْمَان الْغِفَارِيّ فَقَالَ: سَمِعت
شُيُوخنَا من غفار يَقُولُونَ: هُوَ ماؤنا ومنزلنا وَمَا
ملكه أحد قطّ قد اسْمه بدر، وَمَا هُوَ من بِلَاد
جُهَيْنَة إِنَّمَا هُوَ من بِلَاد غفار، قَالَ
الْوَاقِدِيّ: هُوَ الْمَعْرُوف عندنَا. وَفِي (الإكليل) :
بدر مَوضِع بِأَرْض الْعَرَب يُقَال لَهَا الأثيل بِقرب
يَنْبع والصفراء وَالْجَار والجحفة، وَهُوَ موسم من مواسم
الْعَرَب وَمجمع من مجامعهم فِي الْجَاهِلِيَّة، وَبهَا
قليب وآبار ومياه تستعذب، وَعَن الزُّهْرِيّ: كَانَ بدر
متجراً يُؤْتى فِي كل عَام. وَقَالَ الْبكْرِيّ: هِيَ على
مائَة وَعشْرين فرسخاً من الْمَدِينَة، وَمِنْهَا إِلَى
الْجَار سِتَّة عشر ميلًا، وَبِه عينان جاريتان
عَلَيْهِمَا الموز وَالنَّخْل وَالْعِنَب. قَوْله:
{وَأَنْتُم أَذِلَّة} جمع ذليل، وَهُوَ جمع قلَّة وَجمع
الْكَثْرَة: ذلال، وَجَاء بِجمع الْقلَّة ليدل على أَنهم
على ذلتهم كَانُوا قَلِيلا وذلتهم مَا كَانَ بهم من ضعف
الْحَال وَقلة السِّلَاح وَالْمَال والمركوب، وعدوهم
كَثِيرُونَ مَعَ شكة وشوكة، وسنبين ذَلِك عَن قريب.
قَوْله: {فَاتَّقُوا الله} أَي: مُخَالفَة أمره وعقابه،
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ {فَاتَّقُوا الله} فِي الثَّبَات
مَعَ رَسُوله {لَعَلَّكُمْ تشكرون} بتقواكم مَا أنعم بِهِ
عَلَيْكُم، ولعلكم ينعم الله عَلَيْكُم نعْمَة أُخْرَى
تشكرونها، فَوضع الشُّكْر مَوضِع الإنعام لِأَنَّهُ سَبَب
(17/76)
لَهُ. قَوْله: {إِذْ تَقول} ظرف لقَوْله:
نصركم، أَو بدل ثَان من: إِذْ غَدَوْت، وَقَالَ ابْن كثير:
اخْتلف الْمُفَسِّرُونَ فِي هَذَا، هَل كَانَ يَوْم بدر
أَو يَوْم أحد؟ على قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا: أَن قَوْله:
(إِذْ تَقول) يتَعَلَّق بقوله: {وَلَقَد نصركم الله ببدر}
، رُوِيَ هَذَا عَن الْحسن الْبَصْرِيّ وعامر الشّعبِيّ
وَالربيع بن أنس وَغَيرهم، وَاخْتَارَهُ ابْن جرير.
وَالثَّانِي: أَنه يتَعَلَّق بقوله: {وَإِذ غَدَوْت من
أهلك تبوىء الْمُؤمنِينَ مقاعد لِلْقِتَالِ} (آل عمرَان:
121) . وَذَلِكَ يَوْم أحد، وَهُوَ قَول مُجَاهِد
وَعِكْرِمَة وَالضَّحَّاك وَالزهْرِيّ ومُوسَى بن عقبَة
وَغَيرهم، لَكِن قَالُوا: لم يحصل الْإِمْدَاد بِخَمْسَة
آلَاف لِأَن الْمُسلمين فروا يَوْمئِذٍ، زَاد عِكْرِمَة:
وَلَا بِثَلَاثَة آلَاف. قَوْله: {ألن يكفيكم} قَالَ ابْن
أبي حَاتِم: حَدثنَا أبي حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل
حَدثنَا وهيب عَن دَاوُد عَن عَامر يَعْنِي الشّعبِيّ: أَن
الْمُسلمين بَلغهُمْ يَوْم بدر أَن كرز بن جَابر يمد
الْمُشْركين، فشق عَلَيْهِم، فَأنْزل الله: {ألن يكفيكم
أَن يمدكم ربكُم بِثَلَاثَة آلَاف من الْمَلَائِكَة
منزلين} إِلَى قَوْله: {مسومين} قَالَ: فبلغت كرز
الْهَزِيمَة فَلم يمد الْمُشْركين، وَلم يمد الله
الْمُسلمين بالخمسة آلَاف. وَقَالَ الرّبيع بن أنس: أمد
الله الْمُسلمين بِأَلف ثمَّ صَارُوا ثَلَاثَة آلَاف ثمَّ
صَارُوا خَمْسَة آلَاف. فَإِن قلت: مَا الْجمع بَين هَذِه
الْآيَة على هَذَا القَوْل، وَبَين قَوْله فِي قَضِيَّة
بدر: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ ربكُم فَاسْتَجَاب لكم أَنِّي
مُمِدكُمْ بِأَلف من الْمَلَائِكَة مُردفِينَ}
(الْأَنْفَال: 9) . قلت: التَّنْصِيص على الْألف هَهُنَا
لَا يُنَافِي الثَّلَاثَة آلَاف فَمَا فَوْقهَا،
فَمَعْنَى: مُردفِينَ، يردفهم غَيرهم ويتبعهم أُلُوف أخر
مثلهم، والكفاية مِقْدَار سد الْخلَّة، والاكتفاء
الِاقْتِصَار على ذَلِك، والإمداد إِعْطَاء الشَّيْء بعد
الشَّيْء. قَالَ الْمفضل: كل مَا كَانَ على جِهَة
الْقُوَّة والإعانة قيل فِيهِ: أمده، وكل مَا كَانَ على
جِهَة الزِّيَادَة قيل فِيهِ: مده، وَمِنْه قَوْله
تَعَالَى: {وَالْبَحْر يمده} (لُقْمَان: 27) . وَقَالَ
بَعضهم: الْمَدّ فِي الشَّرّ والإمداد فِي الْخَيْر،
بِدَلِيل قَوْله: {ويمدهم فِي طغيانهم يعمهون}
(الْبَقَرَة: 15) . {ونمد لَهُ من الْعَذَاب مدا}
(مَرْيَم: 79) . وَقَالَ فِي الْخَيْر: {إِنِّي مُمِدكُمْ
بِأَلف} (الْأَنْفَال: 9) . قَوْله: (بلَى) تَصْدِيق لما
وعده بالإمداد والكفاية. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: بلَى،
إِيجَاب لما بعد لن، يَعْنِي: بل يكفيكم الْإِمْدَاد بهم،
فَأوجب الْكِفَايَة. قَوْله: (أَن تصبروا) أَي: على لِقَاء
الْعَدو وتتقوا مَعْصِيّة الله وَمُخَالفَة نبيه. قَوْله:
(ويأتوكم من فورهم هَذَا) ، يَعْنِي الْمُشْركين من فورهم
هَذَا يَعْنِي: من ساعتهم هَذِه، قيل: يَوْم فورهم يَوْم
بدر، وَقيل: يَوْم أحد، وَقيل: يَوْم فورهم يَوْم غضبهم،
ثَبت هَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَهُوَ قَول
عِكْرِمَة وَمُجاهد، وَرُوِيَ عَن الْحسن وَقَتَادَة
وَالربيع وَالسُّديّ: أَي: من وجههم هَذَا، وأصل الْفَوْر
غليان الْقدر، ثمَّ قيل للغضبان: فائر. قَوْله: (يمددكم) ،
جَزَاء. أَن: قَوْله: (مسومين) ، أَي: معلمين بالسيماء،
قَالَ أَبُو إِسْحَاق السبيعِي: عَن حَارِثَة عَن مضرب عَن
عَليّ بن أبي طَالب قَالَ كَانَ سيماء الْمَلَائِكَة يَوْم
بدر الصُّوف الْأَبْيَض وَكَانَ سيماؤهم أَيْضا فِي نواصي
خيولهم وروى ابْن أبي حَاتِم بِإِسْنَادِهِ عَن أبي
هُرَيْرَة: {مسومين} قَالَ: بالعهن الْأَحْمَر. وَقَالَ
مَكْحُول: مسومين بالعمائم، وروى ابْن مرْدَوَيْه من
حَدِيث عبد القدوس بن حبيب عَن عَطاء بن أبي رَبَاح عَن
ابْن عَبَّاس، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، فِي قَوْله: مسومين، قَالَ: معلمين،
وَكَانَت سيماء الْمَلَائِكَة يَوْم بدر عمائم سود،
وَيَوْم أحد عمائم حمر، وروى من حَدِيث حُصَيْن بن مُخَارق
عَن سعد عَن الحكم عَن مقسم عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: لم
تقَاتل الْمَلَائِكَة إلاَّ يَوْم بدر، وَقَالَ ابْن أبي
حَاتِم: حَدثنَا الأحمسي حَدثنَا وَكِيع حَدثنَا هِشَام
ابْن عُرْوَة عَن يحيى بن عباد أَن الزبير، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ كَانَ عَلَيْهِ يَوْم بدر عِمَامَة صفراء
معتجراً بهَا، فَنزلت الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم عمائم صفر،
وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: حَدثنِي من لَا أتهم عَن مقسم عَن
ابْن عَبَّاس، قَالَ: كَانَت سيماء الْمَلَائِكَة يَوْم
بدر عمائم بيض، قد أرسلوها فِي ظُهُورهمْ، وَيَوْم حنين
عمائم حمر، وَلم تضرب الْمَلَائِكَة فِي يَوْم سوى يَوْم
بدر، وَكَانُوا يكونُونَ عددا ومددا لَا يضْربُونَ،
وَقَالَ عُرْوَة: كَانَت الْمَلَائِكَة يَوْمئِذٍ على خيل
بلق وعمائمهم صفر، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: عمائمهم بيض،
وَقَالَ الْحسن: عمِلُوا على أَذْنَاب خيلهم وَنَوَاصِيهمْ
بصوف أَبيض. قَوْله: (وَمَا جعله الله إلاَّ بشرى لكم) ،
أَي: مَا جعل الله هَذَا الْوَعْد إلاَّ بِشَارَة لكم.
قَوْله: (ولتطمئن قُلُوبكُمْ بِهِ) ، وَاضح مثل: {وزينا
السَّمَاء الدُّنْيَا بمصابيح وحفظاً} (فصلت: 12) .
قَوْله: (وَمَا النَّصْر إلاَّ من عِنْد الله) أَي دون
الْمَلَائِكَة، وَكَثْرَة الْعدَد، وَلَكِن نزولهم سَبَب
من أَسبَاب النَّصْر لَا يحْتَاج الرب إِلَيْهِ. قَوْله:
(الْعَزِيز) ، أَي: الَّذِي لَا يغالب، (الْحَكِيم) ،
الَّذِي تجْرِي أَفعاله على مَا يُرِيد وَهُوَ أعلم بمصالح
العبيد. قَوْله: (ليقطع طرفا) ، فِيهِ حرف الْعَطف
مَحْذُوف أَي: وليقطع طَائِفَة (من الَّذين كفرُوا) ،
وَقَالَ السّديّ: ليهْدم ركنا من أَرْكَان الْمُشْركين
بِالْقَتْلِ والأسر. قَوْله: (أَو يكبتهم) أَي: يهزمهم،
وَقيل: يصرعهم، وَقيل: يُهْلِكهُمْ، وَقيل: يلعنهم.
قَوْله: (فينقلبوا) ، أَي: فيرجعوا خائبين أَي: لم يحصلوا
على مَا أَملوهُ.
(17/77)
وقالَ وَحْشِيٌّ قَتَلَ حَمْزَةَ
طُعَيْمَةَ بنَ عَدِيِّ بنِ الخِيارِ يَوْمَ بَدْرٍ
وَحشِي، بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة
وَكسر الشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْيَاء: هُوَ ابْن
حَرْب ضد الصُّلْح الحبشي، مولى طعيمة مصغر الطعمة
بالمهملتين، وَقيل: مولى جُبَير بن مطعم بن عدي بن
الْخِيَار، كَذَا وَقع فِيهِ: ابْن الْخِيَار، وَهُوَ وهم
وَالصَّوَاب: ابْن نَوْفَل، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: هُوَ
طعيمة بن عدي بن نَوْفَل، وَلم يذكر ابْن الْخِيَار.
قَوْله: (قتل حَمْزَة) أَي: ابْن عبد الْمطلب، وَكَانَ
جُبَير بن مطعم وَهُوَ ابْن أخي طعيمة قَالَ لَهُ: لما قتل
حَمْزَة يَوْم بدر: طعيمة! إِن قتلت حَمْزَة بعمي فَأَنت
حر، فَقتله يَوْم أحد على مَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله
تَعَالَى، وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي
غَزْوَة أحد فِي: بَاب قتل حَمْزَة، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ.
وقَوْلُهُ تَعَالى وإذْ يَعِدُكُمْ الله إحْدَى
الطَّائِفَتَيْنِ أنَّهَا لَكُمْ وتَوَدُّونَ أنَّ غَيْرَ
ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ الْآيَة} (الْأَنْفَال:
7) .
كلمة: إِذْ، مَنْصُوبَة بإضمار: اذكر، وَالْمرَاد
بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ: الطَّائِفَة الَّتِي فِيهَا
العير وَالَّتِي فِيهَا النفير، وَكَانَ فِي العير أَبُو
سُفْيَان وَمن مَعَه وَمَعَهُمْ من الْأَمْوَال، وَكَانَ
فِي النفير أَبُو جهل وَعتبَة بن ربيعَة وَغَيرهمَا من
رُؤَسَاء قُرَيْش مستعدين للسلاح متأهبين لِلْقِتَالِ،
وَمُرَاد الْمُسلمين حُصُول العير لم، وقصة ذَلِك مختصرة:
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، خرج من الْمَدِينَة
طَالبا لعير أبي سُفْيَان الَّتِي بلغه خَبَرهَا أَنا
صادرة من الشَّام فِيهَا أَمْوَال جزيلة لقريش، فاستنهض
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْمُسلمين من خف
مِنْهُم، فَخرج فِي ثَلَاثمِائَة وَبضْعَة عشر رجل وَطلب
نَحْو السَّاحِل من على طَرِيق بدر، وَعلم أَبُو سُفْيَان
بِخُرُوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي طلبه:
فَبعث ضَمْضَم بن عَمْرو نذيراً إِلَى أهل مَكَّة فنهضوا
فِي قريب من ألف مقنع مَا بَين تِسْعمائَة إِلَى الْألف،
وتيامن أَبُو سُفْيَان بالعير إِلَى سَاحل الْبَحْر فنجا،
وَجَاء النفير فَوَرَدُوا مَاء بدر، وَجمع الله بَين
الْمُسلمين والكافرين على غير ميعاد لما يُرِيد الله
تَعَالَى من إعلاء كلمة الْمُسلمين ونصرهم على عدوهم
والتفرقة بَين الْحق وَالْبَاطِل، وَالْغَرَض أَن رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما بلغه خُرُوج النفير
أوحى الله إِلَيْهِ بعدَة إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ:
إِمَّا العير وَإِمَّا النفير، وَرغب كثير من الْمُسلمين
إِلَى العير لِأَنَّهُ كسب بِلَا قتال، كَمَا قَالَ
تَعَالَى: {وتودون أَن غير ذَات الشَّوْكَة} (الْأَنْفَال:
7) . الْآيَة. قَوْله: (أَنَّهَا لكم) بدل من {إِحْدَى
الطَّائِفَتَيْنِ} (الْأَنْفَال: 7) . قَوْله: (وتودون) ،
أَي: تحبون أَن الطَّائِفَة الَّتِي لَا حد لَهَا وَلَا
مَنْعَة وَلَا قتال تكون لكم وَهِي العير، والشوكة:
الشدَّة وَالْقُوَّة، وَأَصلهَا من الشوك، وَقَالَ أَبُو
عُبَيْدَة: يُقَال: مَا أَشد شَوْكَة بني فلَان، أَي:
حَدهمْ، وَكَأَنَّهَا مستعارة من وَاحِد الشوك.
قَالَ أبُو عَبْدِ الله الشَّوْكَةُ الحِدَّة
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ، ففسر الشَّوْكَة بالحدة،
وَقد ذَكرْنَاهُ، وَلَيْسَ هَذَا بمذكور فِي بعض النّسخ.
3951 - حدَّثني يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ حدَّثنا اللَّيْثُ
عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ
ابنِ عَبْدِ الله بنِ كَعْبٍ أنَّ عَبْدَ الله بنَ كَعْبٍ
قَالَ سَمِعْتُ كَعْبَ بنَ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى
عنهُ يقُولُ لَمْ أتَخَلَّفْ عنْ رَسُولِ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوةٍ غَزَاهَا إلاَّ فِي غَزْوَةِ
تَبُوكَ غَيْرَ أنِّي تَخَلَّفْتُ عَنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ
ولَمْ يُعَاتَبْ أحَدٌ تَخَلَّفَ عَنْهَا إنَّمَا خرَجَ
رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُرِيدُ عِيرَ
قُرَيْشٍ حتَّى جَمَعَ الله بَيْنَهُمْ وبَيْنَ
عَدُوِّهِمْ علَى غَيْرِ مِيعَادٍ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة تظهر من لفظ الحَدِيث، وَقَالَ
بَعضهم: وَالْغَرَض مِنْهُ هُنَا قَوْله: (وَلم يُعَاتب
أحدا) ، انْتهى. قلت: أَرَادَ بِهِ وَجه الْمُطَابقَة بَين
الحَدِيث والترجمة، وَلَيْسَ الْغَرَض ذَلِك، لِأَن مَا
قَالَه لَا يُطَابق التَّرْجَمَة بل الْوَجْه مَا
ذَكرْنَاهُ، وَرِجَاله قد مروا وَلَا سِيمَا شَيْخه إِلَى
عبد الرَّحْمَن، وَهُوَ طرف من حَدِيث كَعْب بن مَالك فِي
قصَّة تَوْبَته، وَسَيَأْتِي مطولا فِي غَزْوَة تَبُوك.
قَوْله:
(17/78)
(إلاَّ فِي غَزْوَة) وَجه هَذَا
الِاسْتِثْنَاء أَن غير صفة، وَالْمعْنَى: مَا تخلفت إلاَّ
فِي تَبُوك حَال مُغَايرَة تخلف بدر لتخلف تَبُوك، لِأَن
التَّوَجُّه فِيهِ لم يكن بِقصد الْغَزْو بل بِقصد أَخذ
العير، وَهُوَ معنى قَوْله: (إِنَّمَا خرج رَسُول الله،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) إِلَى آخِره. قَوْله: (وَلم
يُعَاتب) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، وَلَفظ (أحد)
مَرْفُوع، وَفِي رِوَايَة الكشمسهيني: (وَلم يُعَاتب الله
أحدا) قَوْله: (يُرِيد عير قُرَيْش) ، جملَة حَالية،
يَعْنِي: لم يرد الْقِتَال. قَوْله: (على غير ميعاد)
يَعْنِي: بَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَين
كفار قُرَيْش.
4 - (بابُ قَوْلِ الله تعَالى {إذْ تسْتَغِيثُونَ
رَبَّكُمْ فاسْتَجَابَ لكُم أنِّي مُمِدُّكُمْ بألْفٍ مِنَ
المَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ وَمَا جَعَلَهُ الله إلاَّ
بُشْرَى ولِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ
إلاَّ مِنْ عِنْدِ الله إنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ إذْ
يُغَشِّيكُمْ النعاسَ أمَنَةً مِنْهُ ويُنَزِّلُ علَيْكُمْ
مِنَ السَّمَاءِ مَاء لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ويُذْهِبَ
عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ ولِيَرْبِطَ عَلَى
قُلُوبِكُمْ ويُثَبِّتَ بِهِ الأقْدَامَ إذْ يُوحِي
رَبُّكَ إِلَى المَلائِكَةِ أنِّي مَعَكُمْ فثَبِّتُوا
الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ
كفَرُوا الرُّعْبَ فاضْرِبُوا فوقَ الأعْنَاقِ واضْرِبُوا
مِنْهُمْ كلَّ بَنانٍ ذالِكَ بِأنَّهُمْ شَاقُوا الله
ورَسُولَهُ ومَنْ يُشَاقِقِ الله ورَسُولَهُ فإنَّ الله
شَديدَ العِقَابِ. (الْأَنْفَال: 9 12) .)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول الله تَعَالَى: {إِذْ
تَسْتَغِيثُونَ ربَّكم} الْآيَات، هَكَذَا سيقت هَذِه
الْآيَات كلهَا فِي رِوَايَة كَرِيمَة، وَفِي رِوَايَة
الْأَكْثَرين: بَاب قَول الله تَعَالَى: {إِذْ
تَسْتَغِيثُونَ ربكُم} إِلَى قَوْله: {شَدِيد الْعقَاب}
قَوْله: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ} بدل من قَوْله {إِذْ
يَعدكُم} (الْأَنْفَال: 7) . وَقيل: يتَعَلَّق بقوله:
{ليحق الْحق وَيبْطل الْبَاطِل} (الْأَنْفَال: 8) .
واستغاثتهم أَنهم لما علمُوا أَنه لَا بُد من الْقِتَال
طفقوا يدعونَ الله تَعَالَى، أَي: رب انصرنا على عَدوك،
يَا غياث المستغيثين أغثنا، وَسَيَجِيءُ بَيَان الاستغاثة
فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
قَوْله: {إنِّي مُمِدكُمْ} من الْإِمْدَاد، وَقد مر
الْكَلَام فِيهِ عَن قريب، وأصل (أَنِّي) بِأَنِّي، فَحذف
الْجَار وسلط عَلَيْهِ: اسْتَجَابَ، فنصب مَحَله، وَعَن
أبي عَمْرو أَنه قَرَأَ: أَنِّي مُمِدكُمْ، بِالْكَسْرِ
على إِرَادَة القَوْل أَو على إِجْرَاء اسْتَجَابَ مجْرى:
قَالَ، لِأَن الاستجابة من القَوْل. قَوْله: {مُردفِينَ}
أَي: مردف بَعضهم بَعْضًا، وَعَن ابْن عَبَّاس:
مُتَتَابعين، يَعْنِي وَرَاء كل ملك ملك، وَقَالَ ابْن
جرير: حَدثنِي الْمثنى حَدثنَا إِسْحَاق حَدثنَا يَعْقُوب
بن مُحَمَّد الزُّهْرِيّ حَدثنِي عبد الْعَزِيز بن عمرَان
عَن الربيعي عَن أبي الْحُوَيْرِث عَن مُحَمَّد بن جُبَير
عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: نزل
جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فِي ألف من
الْمَلَائِكَة عَن ميمنة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، وفيهَا أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
وَنزل مِيكَائِيل فِي ألف من الْمَلَائِكَة عَن ميسرَة
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَنا فِي الميسرة،
وَهَذَا يَقْتَضِي لَو صَحَّ إِسْنَاده أَن الْألف مردفة
بِمِثْلِهَا، وَلِهَذَا قَرَأَ بَعضهم: مُردفِينَ، بِفَتْح
الدَّال. قَوْله: (وَمَا جعله الله) ، أَي: وَمَا جعل الله
بعث الْمَلَائِكَة وإعلامه إيَّاكُمْ بهم {إلاَّ بشرى لكم
ولتطمئن بِهِ قُلُوبكُمْ} (الْأَنْفَال: 7) . وإلاَّ
فَالله تَعَالَى قَادر على نصركم على أعدائكم بِدُونِ
ذَلِك، وَلِهَذَا قَالَ: {وَمَا النَّصْر إلاَّ من عِنْد
الله} قَوْله: {إِذْ يغشيكم النعاس} كلمة: إِذْ، بدل ثَان
من: إِذْ يَعدكُم، أَو مَنْصُوب بالنصر، أَو بِمَا فِي من
عِنْد الله من معنى الْفِعْل، أَو بِمَا جعله الله،
وَمعنى: يغشيكم يغطيكم، يُقَال: غشاه تغشية إِذا غطاه،
قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: قرىء بِالتَّشْدِيدِ
وَالتَّخْفِيف، وَنصب النعاس، وَالضَّمِير لله عز وَجل.
قَوْله: (أَمَنَة) مفعول لَهُ، أَي: لأمنكم، قَالَ
الْمُفَسِّرُونَ: ذكرهم الله بِمَا أنعم بِهِ عَلَيْهِم من
إلقائه النعاس عَلَيْهِم أَمَانًا من خوفهم الَّذِي حصل
لَهُم من كَثْرَة عدوهم وَقلة عَددهمْ، وَقَالَ أَبُو
طَلْحَة: كنت مِمَّن أَصَابَهُ النعاس يَوْم أحد، وَلَقَد
سقط السَّيْف من يَدي مرَارًا، وَلَقَد نظرت إِلَيْهِم
يمتدون وهم تَحت الجحف، وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ: عَن
أبي عَاصِم عَن أبي رزين عَن عبد الله بن عَبَّاس، أَنه
قَالَ: النعاس فِي الْقِتَال أَمَنَة من الله، وَفِي
الصَّلَاة وَسْوَسَة من الشَّيْطَان، وَقَالَ قَتَادَة:
النعاس فِي الرَّأْس وَالنَّوْم فِي الْقلب، وَقَالَ سهل
بن عبد الله: هُوَ يحل فِي الرَّأْس مَعَ حَيَاة الْقلب،
وَالنَّوْم يحل فِي الْقلب بعد نُزُوله من الرَّأْس.
قَوْله: {وَينزل عَلَيْكُم} إِلَى قَوْله: {الْأَقْدَام}
وَعَن ابْن عَبَّاس: نزل الْمُسلمُونَ يَوْم بدر على كثيب
أعفر سوخ فِيهِ الْأَقْدَام وحوافر الدَّوَابّ، وسبقهم
الْمُشْركُونَ إِلَى مَاء بدر وغلبوهم عَلَيْهِ، وَأصْبح
الْمُسلمُونَ بَعضهم محدثين وَبَعْضهمْ
(17/79)
جنبا، وأصابهم الظمأ ووسوس إِلَيْهِم
الشَّيْطَان، وَقَالَ: تَزْعُمُونَ أَن فِيكُم نَبِي الله
وأنكم أَوْلِيَاء الله وَقد غَلَبَكُمْ الْمُشْركُونَ على
المَاء وَأَنْتُم تصلونَ جنبا ومحدثين؟ فَكيف ترجون أَن
تظهروا عَلَيْهِم؟ فَأرْسل الله عَلَيْهِم مَطَرا من
السَّمَاء سَالَ مِنْهُ الْوَادي، فَشرب مِنْهُ
الْمُسلمُونَ وَاغْتَسلُوا وَسقوا الركاب. وملأوا الأسقية
وَأَطْفَأت الْغُبَار وَاشْتَدَّ الرمل حَتَّى ثبتَتْ
عَلَيْهِ الْأَقْدَام وزالت وَسْوَسَة الشَّيْطَان،
فَذَلِك قَوْله تَعَالَى: {وَينزل عَلَيْكُم} الْآيَة.
قَوْله: (إِذْ يوحي رَبك) بدل ثَالِث من: {إِذْ يَعدكُم}
(الْأَنْفَال: 7) . وَأَنه نصب: بيثبت بِهِ الْأَقْدَام.
قَوْله: (إِنِّي مَعكُمْ) ، مفعول يوحي، وقرىء: إِنِّي:
بِالْكَسْرِ على إِرَادَة القَوْل. قَوْله: (فثبتوا
الَّذين آمنُوا) الْمَعْنى: أَنِّي معينكم على التثبيت
فثبتوهم، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: فآزروهم، وَقيل: قَاتلُوا
مَعَهم، وَقيل: كَثُرُوا سوادهم. قَوْله: (الرعب) ، أَي:
الْخَوْف والمذلة وَالصغَار، فاضربوا فَوق الْأَعْنَاق،
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ أَرَادَ أعالي الْأَعْنَاق
الَّتِي هِيَ المذابح لِأَنَّهَا مفاصل، فَكَانَ إِيقَاع
الضَّرْب فِيهَا حزاً وتطييراً للرؤوس، وَقيل: أَرَادَ
الرؤوس لِأَنَّهَا فَوق الْأَعْنَاق. قَوْله: (كل بنان) ،
قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: البنان الْأَصَابِع، يُرِيد
الْأَطْرَاف، وَقيل: كل مفصل. قَوْله: (ذَلِك) إِشَارَة
إِلَى مَا أَصَابَهُم من الضَّرْب وَالْقَتْل وَالْعِقَاب
العاجل، وَمحله الرّفْع على الِابْتِدَاء، وَقَوله:
(بِأَنَّهُم) خَبره أَي: ذَلِك الْعقَاب وَقع عَلَيْهِم
بِسَبَب مشاقهم. قَوْله: (شاقوا الله وَرَسُوله) أَي:
خالفوهما. قَوْله: (شَدِيد الْعقَاب) أَي: هُوَ الطَّالِب
الْغَالِب لمن خَالفه وناواه، لَا يفوتهُ شَيْء وَلَا يقوم
لغضبه شَيْء.
3952 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا إسْرَائِيلُ عنْ
مُخارِقٍ عنْ طارِقِ بنِ شِهَاب قَالَ سَمِعْتُ ابنَ
مسْعُودٍ يقُولُ شَهِدْتُ مِنَ المِقْدَادِ بنِ الأسْوَدِ
مَشْهَدَاً لأنْ أكُونَ أنَا صاحِبَهُ أحَبَّ إليَّ مِمَّا
عُدِلَ بهِ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وهْوَ يدْعُو علَى المُشْرِكِينَ فَقال لَا نَقُولُ كَمَا
قَالَ قَوْمُ مُوساى إذْهَبْ أنْتَ ورَبك فقَاتِلاَ
ولاكِنَّا نُقاتِلُ عنْ يَمِينِكَ وعنْ شِمالِكَ وبَيْنَ
يَدَيْكَ وخَلْفَكَ فرَأيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أشْرَقَ وجْهُهُ وسَرَّهُ يَعْني قَوْلَهُ.
(الحَدِيث 3952 طرفه فِي: 4609) .
ذكر فِي هَذَا الْبَاب حديثين: أَحدهمَا: هَذَا، وَهُوَ
فِي بَيَان مَا وَقع قبل الْوَقْعَة. وَالْآخر: حَدِيث
ابْن عَبَّاس فِيهِ بَيَان الاستغاثة، وكل مِنْهُمَا
مُتَعَلق بِمَا ذكر فِي الْآيَات الْكَرِيمَة والمطابقة
بِهَذَا الْمِقْدَار تَكْفِي. وَأَبُو نعيم الْفضل بن
دُكَيْن، وَإِسْرَائِيل هُوَ ابْن يُونُس بن أبي إِسْحَاق
السبيعِي، ومخارق، بِضَم الْمِيم وَتَخْفِيف الْخَاء
الْمُعْجَمَة وَكسر الرَّاء وَفِي آخِره قَاف: ابْن عبد
الله ابْن جَابر البَجلِيّ الأحمسي، بالمهملتين، وَيُقَال:
اسْم أَبِيه عبد الرَّحْمَن، وَيُقَال: خَليفَة، وَهُوَ
كُوفِي ثِقَة عِنْد الْجَمِيع، وَقيل: لَيْسَ لَهُ
رِوَايَة عَن غير طَارق بن شهَاب بن عبد شمس بن سَلمَة
البَجلِيّ الأحمسي الْكُوفِي، يكنى أَبَا عبد الله، رأى
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وغزا فِي خلَافَة أبي
بكر وَعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، ثَلَاثًا
وَثَلَاثِينَ أَو ثَلَاثًا وَأَرْبَعين غَزْوَة، سمع
جمَاعَة من الصَّحَابَة وَمَات سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن
أبي نعيم أَيْضا، وَعَن حمدَان بن عَمْرو، وَأخرجه
النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن أبي بكر بن النَّضر.
قَوْله: (شهِدت من الْمِقْدَاد) ، بِكَسْر الْمِيم: ابْن
الْأسود، وَفِي الْحَقِيقَة اسْم أَبِيه عَمْرو، وَالْأسود
كَانَ تبناه فَصَارَ ينْسب إِلَيْهِ. قَوْله: (لِأَن أكون
أَنا) اللَّام فِيهِ مَفْتُوحَة، وَلَفْظَة: أَنا، وَقعت
فِي رِوَايَة الْكشميهني: وعَلى هَذِه الرِّوَايَة يجوز
فِي قَوْله: (صَاحبه) الرّفْع وَالنّصب، وعَلى رِوَايَة
غَيره يتَعَيَّن النصب. قَوْله: (صَاحبه) ، أَي: صَاحب
المشهد. قَوْله: (مِمَّا عدل بِهِ) ، على صِيغَة
الْمَجْهُول، أَي: مِمَّا وزن بِهِ من شَيْء يُقَابله،
وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَي: من الثَّوَاب الَّذِي عدل
ذَلِك المشهد بِهِ، وَهَذَا فِيهِ مُبَالغَة وإلاَّ قدره
من الثَّوَاب خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَالْأولَى
أَن يُقَال: أَي من كل شَيْء يُقَابل ويوازن بِهِ من
الدنيويات. قَوْله: (وَهُوَ يَدْعُو) الْوَاو فِيهِ
للْحَال. قَوْله: (فَقَالَ) ، أَي: الْمِقْدَاد، قَوْله:
(لَا نقُول) ، بنُون الْجمع. قَوْله: (كَمَا قَالَ قوم
مُوسَى) ، أَي: كَقَوْل قوم مُوسَى لمُوسَى، عَلَيْهِ
السَّلَام، وأصل ذَلِك مَا رَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه،
حَدثنَا عَليّ بن الْحسن حَدثنَا أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ
حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ حَدثنَا حميد
عَن أنس: أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لما
سَار إِلَى بدر اسْتَشَارَ الْمُسلمين، فَأَشَارَ عَلَيْهِ
عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ثمَّ استشارهم،
(17/80)
فَقَالَ الْأنْصَارِيّ: يَا معشر
الْأَنْصَار إيَّاكُمْ يُرِيد رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِذْ لَا نقُول لَهُ كَمَا قَالَ بَنو
إِسْرَائِيل لمُوسَى: {إذهب أَنْت وَرَبك فَقَاتلا إِنَّا
هَهُنَا قَاعِدُونَ} (الْمَائِدَة: 24) . وَالَّذِي بَعثك
بِالْحَقِّ، لَو ضربت أكبادها إِلَى برك الغماد لاتبعناك
{وَرَوَاهُ أَحْمد وَالنَّسَائِيّ أَيْضا، وروى أَحْمد
بِإِسْنَادِهِ عَن طَارق بن شهَاب: أَن الْمِقْدَاد قَالَ
لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم بدر: يَا
رَسُول الله} إِنَّا لَا نقُول لَك كَمَا قَالَت بَنو
إِسْرَائِيل لمُوسَى: {إذهب أَنْت وَرَبك فَقَاتلا إِنَّا
هَهُنَا قَاعِدُونَ} (الْمَائِدَة 24) . وَلَكِن إذهب
أَنْت وَرَبك فَقَاتلا إِنَّا مَعكُمْ مُقَاتِلُونَ.
قَوْله: (أشرق وَجهه) ، من الْإِشْرَاق، أَي: استنار.
قَوْله: (وسره) يَعْنِي قَوْله، أَي: سر النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، قَول الْمِقْدَاد، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ.
3953 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله بنِ حَوْشَبٍ
حدَّثَنا عبْدُ الوَهَّابِ حدَّثنا خَالِدٌ عنْ عِكْرِمَةَ
عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ بَدْرٍ أللَّهُمَّ أنْشُدُكَ
عَهْدَكَ ووَعْدَكَ أللَّهُمَّ إنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ
فأخَذَ أبُو بَكْر بِيَدِهِ فَقال حَسْبُكَ فخَرَجَ وهْوَ
يَقُولُ {سيُهْزَمُ الْجَمْعُ ويُوَلُّونَ الدُّبُرَ}
(الْقَمَر: 45) .
قد مر وَجه ذكره، وَعبد الْوَهَّاب هُوَ ابْن عبد الْمجِيد
الثَّقَفِيّ، وخَالِد هُوَ الْحذاء، والْحَدِيث قد مضى فِي
كتاب الْجِهَاد فِي: بَاب مَا قيل فِي درع النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن
مُحَمَّد بن الْمثنى عَن عبد الْوَهَّاب عَن خَالِد ...
إِلَى آخِره.
قَوْله: (أنْشدك) بِضَم الشين أَي: أطلب مِنْك الْوَفَاء
بِمَا عهِدت ووعدت من الْغَلَبَة على الْكفَّار والنصر
للرسول وَإِظْهَار الدّين. قَوْله: (إِن شِئْت لم تعبد) ،
أَي: إِن شِئْت لَا تعبد بعد هَذَا. فبوم لسلطون على
الْمُؤمنِينَ، وَفِي حَدِيث عمر: أللهم إِن تهْلك هَذِه
الْعِصَابَة من أهل الْإِسْلَام لَا تعبد فِي الأَرْض.
قَوْله: (حَسبك) أَي: يَكْفِيك من القَوْل فَاتْرُكْهُ،
وَقَالَ الْخطابِيّ لَا يتَوَهَّم أَن أَبَا بكر كَانَ
أوثق بوعد ربه من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي
تِلْكَ الْحَالة، لِأَنَّهُ لَا يجوز ذَلِك قطعا، بل كَانَ
الْحَامِل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على ذَلِك
الشَّفَقَة على أَصْحَابه وتقويتهم، إِذْ كَانَ ذَلِك أول
مشْهد شهدوه من لِقَاء الْعَدو، فابتهل فِي الدُّعَاء
ليسكنهم إِذْ كَانُوا يعلمُونَ أَن وسيلته مَقْبُولَة
ودعاءه مستجاب، فَلَمَّا قَالَ لَهُ أَبُو بكر، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، مقَالَته كف عَن الدُّعَاء إِذْ علم أَنه
أستجيب دعاؤه بِمَا وجده أَبُو بكر فِي نَفسه من الْقُوَّة
والطمأنينة حَتَّى قَالَ لَهُ ذَلِك القَوْل، وَلِهَذَا
قَالَ بعده: {سَيهْزمُ الْجمع وَيُوَلُّونَ الدبر}
(الْقَمَر: 45) . فَإِن قلت: هَل وَقع مثل هَذَا فِي يَوْم
غير يَوْم بدر؟ قلت: روى أَبُو نعيم من حَدِيث أنس أَنه
قَالَ يَوْم أحد: أللهم إِنَّك إِن تشأ لَا تعبد فِي
الأَرْض، وَالله أعلم.
5 - (بابٌ)
قد مر غير مرّة أَن لفظ: بَاب، إِذا وَقع مُجَردا يكون
كالفصل لما قبله وَهَذَا هَكَذَا وَقع بِغَيْر تَرْجَمَة
عِنْد الْجَمِيع، وَوَقع فِي نُسْخَة صَاحب (التَّوْضِيح)
: بَاب فضل من شهد بَدْرًا، وَهَذَا غير صَوَاب، لِأَن
هَذِه التَّرْجَمَة بِعَينهَا ستأتي فِيمَا بعد، إِن شَاءَ
الله تَعَالَى.
3954 - حدَّثني إبْرَاهِيمُ بنُ مُوساى أخبرَنَا هِشَامٌ
أنَّ ابنَ جُرَيْجٍ أخْبرَهُمْ قَالَ أخبرَنِي عَبْدُ
الكَرِيمِ أنَّهُ سَمِعَ مِقْسَماً مَوْلَى عَبْدِ الله
بنِ الحَارِثِ يُحَدَّثُ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ أنَّهُ
سَمِعَهُ يقُولُ لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ
المُؤْمِنِينَ عنْ بَدْرٍ والْخَارِجُونَ إلاى بَدْرٍ.
(الحَدِيث 3954 طرفه فِي: 4595) .
مطابقته لما قبله من حَيْثُ إِن فِيهِ بَيَان أَنه: لَا
مُسَاوَاة بَين من حضر غَزْوَة بدر وَبَين من غَابَ
عَنْهَا، وَإِبْرَاهِيم بن مُوسَى هُوَ أَبُو إِسْحَاق
الْفراء الْمَعْرُوف بالصغير، وَهِشَام هُوَ ابْن يُوسُف،
وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج.
وَعبد الْكَرِيم هُوَ ابْن مَالك الْجَزرِي أَبُو أُميَّة،
مقسم بِكَسْر الْمِيم أَبُو الْقَاسِم مولى ابْن عَبَّاس،
وَهُوَ فِي الأَصْل مولى عبد الله ابْن الْحَارِث
الْهَاشِمِي، وَإِنَّمَا قيل لَهُ: مولى ابْن عَبَّاس،
لشدَّة ملازمته لَهُ، وَمَا لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ
هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد.
والْحَدِيث
(17/81)
أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير
عَن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى وَعَن إِسْحَاق عَن عبد
الرَّزَّاق، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن
الْحسن بن مُحَمَّد الزَّعْفَرَانِي، وَقَالَ: حسن غَرِيب.
6 - (بابُ عِدَّةِ أصْحابِ بَدْرٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان عدد أَصْحَاب غَزْوَة بدر
الَّذين شهدُوا الْوَقْعَة وَمن ألحق بهم.
3956 - وحدَّثني مَحْمُودٌ حدَّثنا وَهْبٌ عنْ أبِي
إسْحَاقَ عنِ البَرَاءِ قَالَ اسْتُصْغِرْتُ أنَا وابنُ
عُمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ وكانَ الْمُهَاجِرُونَ يَوْمَ بَدْرٍ
نَيِّفاً على سِتِّينَ والأنصَارُ نَيِّفَاً وأرْبَعِينَ
ومِائَتَيْنِ. (انْظُر الحَدِيث 3955) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأَبُو إِسْحَاق عَمْرو
بن عبد الله السبيعِي، والبراء هُوَ ابْن عَازِب
الْأنْصَارِيّ، ومحمود هُوَ ابْن غيلَان، ووهب هُوَ ابْن
جرير.
قَوْله: (استصغرت) ، على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله:
(يَوْم بدر) ، يَعْنِي يَوْم عرض النَّاس يَوْم بدر،
وَاعْترض عِيَاض وَابْن التِّين بِأَن هَذَا يردهُ قَول
ابْن عمر: استصغرت يَوْم أحد، ورد عَلَيْهِمَا بِأَنَّهُ
لَا مُنَافَاة بَين الإخبارين، فَيحمل على أَنه استصغر
يَوْم بدر ثمَّ استصغر يَوْم أحد، بل جَاءَ ذَلِك صَرِيحًا
عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، نَفسه وَأَنه
عرض يَوْم بدر وَهُوَ ابْن ثَلَاث عشرَة سنة فاستصغر،
وَعرض يَوْم أحد وَهُوَ ابْن أَربع عشرَة سنة فاستصغر،
يُقَال: استصغره أَي: عده صَغِيرا. قَوْله: (نيفاً) ،
بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف، يُقَال: عشرَة ونيف، وكل
مَا زَاد على العقد فَهُوَ نَيف حَتَّى يبلغ العقد
الثَّانِي، ونيف فلَان على السّبْعين أَي زَاد عَلَيْهَا،
وَقيل: النيف كالبضع بَين الثَّلَاث إِلَى التسع، وَقيل:
من الْوَاحِد إِلَى الثَّلَاث، والبضع مَا بَين الثَّلَاث
وَالتسع، قيل: مَا دون نصف العقد أَي مَا دون الْخَمْسَة،
وَقيل: مَا دون الْعشْرَة، وَقَالَ قَتَادَة: أَكثر من
ثَلَاثَة إِلَى عشرَة، وَقيل: مَا بَين ثَلَاثَة
وَخَمْسَة، ذكره أَبُو عبيد. قَوْله: (نيفاً على سِتِّينَ)
مَنْصُوب لِأَنَّهُ خبر: كَانَ، وَيجوز فِي: نيفاً،
الثَّانِي النصب وَالرَّفْع، أما النصب فعلى تَقْدِير،
وَكَانَ الْأَنْصَار نيفاً، وَقَوله: (وَأَرْبَعين) عطف
عَلَيْهِ، وَقَوله: (وَمِائَتَيْنِ) عطف على أَرْبَعِينَ،
وَأما الرّفْع فعلى أَنه خبر لقَوْله: (وَالْأَنْصَار)
لكَونه مُبْتَدأ، أَو يقْرَأ على هَذَا: وَأَرْبَعُونَ
ومائتان، لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ معطوفان على الْمَرْفُوع.
وَاخْتلفُوا فِي عدد من حضر يَوْم بدر لِلْقِتَالِ،
فَقَالَ ابْن إِسْحَاق: كَانَ جَمِيعهم ثَلَاثمِائَة رجل
وَأَرْبَعَة عشر رجلا، من الْمُهَاجِرين ثَلَاثَة
وَثَمَانُونَ، وَمن الْأَوْس أحد وَسِتُّونَ رجلا، وَمن
الْخَزْرَج مائَة وَسَبْعُونَ رجلا مِنْهُم رَسُول الله،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهَذَا مُخَالف لما ذكره
البُخَارِيّ فِي حَدِيث الْبَاب، وَوَقع فِي رِوَايَة
مُسلم من حَدِيث ابْن عَبَّاس عَن عمر بن الْخطاب، رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهُم، قَالَ: لما كَانَ يَوْم بدر نظر
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمُشْركين
وهم ألف وَأَصْحَابه ثَلَاثمِائَة وَتِسْعَة عشر ...
الحَدِيث، وَقَالَ ابْن سعد: خرج رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهَا فِي ثَلَاثمِائَة رجل وَخَمْسَة
نفر، كَانَ الْمُهَاجِرُونَ مِنْهُم أَرْبَعَة وَسبعين
وسائرهم من الْأَنْصَار وَثَمَانِية تخلفوا لعِلَّة ضرب
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بسهامهم وأجرهم،
وهم: عُثْمَان بن عَفَّان تخلف على امْرَأَته رقية،
وَطَلْحَة بن عبيد الله، وَسَعِيد بن زيد بعثهما، عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام، يتجسسان خبر العير، وَأَبُو
لبَابَة خَلفه على الْمَدِينَة، وَعَاصِم بن عدي خَلفه على
أهل الْعَالِيَة، والْحَارث ابْن حَاطِب رده من الروحاء
إِلَى بني عَمْرو بن عَوْف لشَيْء بلغه عَنْهُم، والْحَارث
بن الصمَّة، كسر بِالرَّوْحَاءِ، وخوات بن جُبَير، كسر
أَيْضا فَهَؤُلَاءِ ثَمَانِيَة لَا اخْتِلَاف فيهم عندنَا.
وَفِي (الإكليل) : كَانُوا ثَلَاثمِائَة رجل وَخَمْسَة عشر
رجلا، كَمَا خرج طالوت. وَفِي (الْأَوَائِل) العسكري: حضر
بَدْرًا ثَلَاثَة وَثَمَانُونَ مهاجرياً وَأحد وَسِتُّونَ
أويسياً وَمِائَة وَسَبْعُونَ خزرجياً، وَعند ابْن عقبَة:
وَسِتَّة عشر، وَعند الْبَزَّار من حَدِيث أبي مُوسَى:
ثَلَاثمِائَة وَسَبْعَة عشر، وَوَقع فِي رِوَايَة زُهَيْر
وَإِسْرَائِيل وسُفْيَان، على مَا يَجِيء عَن قريب فِي
هَذَا الْبَاب: كَانُوا ثَلَاثمِائَة وَبضْعَة عشر. فَإِن
قلت: مَا وَجه هَذَا الِاخْتِلَاف؟ قلت: الَّذين شهدُوا
مِنْهُم فِي الْحَقِيقَة ثَلَاثمِائَة وَخَمْسَة أَو
سِتَّة، نَص على السِّتَّة ابْن جرير من حَدِيث ابْن
عَبَّاس، وَنَصّ على الْخَمْسَة ابْن سعد، وَالَّذِي زَاد
على هَذَا ضم إِلَيْهِم من استصغر وَلم يُؤذن لَهُ فِي
الْقِتَال يَوْمئِذٍ: كالبراء وَابْن عمر، وَكَذَلِكَ أنس،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقد روى أَحْمد بِسَنَد
صَحِيح عَنهُ أَنه سُئِلَ:
(17/82)
هَل شهِدت بَدْرًا؟ فَقَالَ: وَأَيْنَ أغيب
عَن بدر؟ وَكَأَنَّهُ كَانَ فِي خدمَة النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، كَمَا ثَبت عَنهُ أَنه خدمه عشر سِنِين،
وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَن ابْتِدَاء خدمته لَهُ حِين قدوم
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة،
فَكَأَنَّهُ خرج مَعَه إِلَى بدر أَو خرج مَعَ عَمه زوج
أمه أبي طَلْحَة، وَكَذَلِكَ جَابر ابْن عبد الله، فقد روى
أَبُو دَاوُد بِإِسْنَاد صَحِيح، عَنهُ أَنه قَالَ: كنت
أمنح المَاء لِأَصْحَابِي يَوْم بدر، وَذكر بَعضهم سعد بن
مَالك السَّاعِدِيّ وَالِد سهل وَأَنه مَاتَ فِي
الطَّرِيق، وَاخْتلف فِي سعد بن عبَادَة هَل شَهِدَهَا أَو
رد لحَاجَة؟ فَإِذا وَقع التَّحْرِير فِي هَذَا يظْهر وَجه
الِاخْتِلَاف فِي الْعدَد.
3957 - حدَّثنا عَمْرُو بنُ خالِدٍ حدَّثنا زُهَيْرٌ
حدَّثنا أبُو إسْحَاقَ قَالَ سَمِعْت البَرَاءَ رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ يقُولُ حدَّثنِي أصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرَاً أنَّهُمْ
كانُوا عِدَّةَ أصْحَابِ طالُوتَ الَّذِينَ جازُوا معَهُ
النَّهْرَ بِضْعَةَ عشَرَ وثَلاثَمِائَةٍ قَالَ البَرَاءُ
لَا وَالله مَا جاوزَ معَهُ النَّهْرَ إلاَّ مُؤْمِنٌ.
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث الْبَراء أخرجه عَن عَمْرو بن
خَالِد الْحَرَّانِي عَن زُهَيْر بن مُعَاوِيَة عَن أبي
إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (أَصْحَاب طالوت) هُوَ ابْن قشن بن أقبيل بن
صَادِق بن يحوم بن يحورث بن أفيح بن ناحور بن بنيامين بن
يَعْقُوب بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ السَّلَام،
وَاسم طالوت بالعبرانية: شاول، وَكَانَ دباغاً يعْمل
الْأدم. قَالَه وهب، وَقَالَ عِكْرِمَة وَالسُّديّ: كَانَ
سقاءً يسْقِي على حمَار لَهُ من النّيل فضلّ حمارُه، فَخرج
فِي طلبه، وَقد ذكر الله تَعَالَى قصَّته فِي الْقُرْآن
فِي سُورَة الْبَقَرَة، وملخصها: أَن الله عز وَجل بعث
إِلَى بني إِسْرَائِيل نَبيا، يُقَال لَهُ أشمويل من
ذُرِّيَّة هَارُون، عَلَيْهِ السَّلَام، وَكَانَ قد غلب
عَلَيْهِم جالوت ملك العمالقة، وَكَانُوا يسكنون سَاحل
بَحر الرّوم بَين مصر وفلسطين، وَطلب بَنو إِسْرَائِيل من
أشمويل أَن يَجْعَل عَلَيْهِم ملكاٌ يُقَاتل جالوت،
فَسَأَلَ الله فأمَّر عَلَيْهِم طالوت. وَذَلِكَ أَن
أشمويل حِين سَأَلَ الله ذَلِك أَتَى بعصا وَقرن فِيهِ دهن
الْقُدس، وَقيل لَهُ: إِن الَّذِي يكون لكم ملكا يكون طوله
طول هَذَا الْعَصَا، وَإِذا دخل عَلَيْك ينشف هَذَا
الدّهن، فاتفق أَن طالوت حِين خرج فِي طلب حِمَاره دخل
عَلَيْهِ، فَرَآهُ فقاسه فجَاء طول الْعَصَا ونشف الدّهن
الَّذِي فِي الْقرن، وَلما رأى أشمويل ذَلِك قَالَ لَهُ:
أَنْت ملك بني إِسْرَائِيل، وَأخْبرهمْ بذلك. وَقَالَ الله
تَعَالَى: {وَقَالَ لَهُم نَبِيّهم إِن الله قد بعث لكم
طالوت ملكا} (الْبَقَرَة: 247) . وقصته طَوِيلَة، فآخر
الْأَمر اجْتمع عِنْده ثَمَانُون ألفا، فَقَالَ لَهُم
طالوت بِأَمْر أشمويل: {إِن الله مبتليكم بنهر}
(الْبَقَرَة: 249) . ليرى طاعتكم، وَهُوَ نهر الْأُرْدُن،
وَقَالَ ابْن كثير: هُوَ النَّهر الْمُسَمّى بالشريعة
{فَمن شرب مِنْهُ فَلَيْسَ مني وَمن لم يطعمهُ فَإِنَّهُ
مني} (الْبَقَرَة: 249) . يَعْنِي من أهل ديني وطاعتي
{فَشَرِبُوا مِنْهُ إلاَّ قَلِيلا} (الْبَقَرَة: 249) .
وهم ثَلَاثمِائَة وَبضْعَة عشر كَمَا ذكر فِي حَدِيث
الْبَاب، وَكَانَ فيهم دَاوُد، عَلَيْهِ السَّلَام،
فَلَمَّا وَقعت الْمُقَاتلَة بَين طالوت وجالوت عِنْد قصر
أم حَكِيم بِقرب مرج الصفر بحوران من نواحي دمشق، قتل
دَاوُد جالوت كَمَا أخبر الله فِي كِتَابه الْعَزِيز،
وَمَا أشمويل بعد إنكسار جالوت وَكَانَ عمره اثْنَيْنِ
وَخمسين سنة، ثمَّ إِن طالوت اشْتغل بالغزو حَتَّى قتل
هُوَ وَأَوْلَاده جَمِيعًا، وَكَانَت مُدَّة ملكه
أَرْبَعِينَ سنة، وَكَانَ أحلم النَّاس وأعلمهم وأطولهم،
فَلذَلِك سمي: طالوت، وَقيل: أُوحِي إِلَيْهِ ونبيء، ذكره
الزَّمَخْشَرِيّ، وَالله أعلم. ثمَّ افْتَرَقت أَسْبَاط
بني إِسْرَائِيل فَملك سبط يهوذا، دَاوُد عَلَيْهِ
السَّلَام، ابْن إيشا، قَوْله: (جازوا) مَعَه النَّهر
بِالْجِيم وَالزَّاي وَهُوَ رِوَايَة الْكشميهني بِغَيْر
ألف فِي أَوله، وَفِي رِوَايَة غَيره، وأجازوا، بِالْألف
وَفِي رِوَايَة إِسْرَائِيل: جاوزوا، من الْمُجَاوزَة
وَالْكل بِمَعْنى التَّعْدِيَة، وَقد مر تَفْسِير النَّهر
وَتَفْسِير بضعَة أَيْضا عَن قريب. قَوْله: (لَا وَالله)
كلمة: لَا، إِمَّا النَّفْي كَلَام تقدم بَينهم فِيمَا
يتَعَلَّق بِالْمَسْأَلَة، وَإِمَّا زَائِدَة لتأكيد معنى
عدم الْمُجَاوزَة.
3958 - حدَّثنا عبْدُ الله بنُ رَجاءٍ حدَّثنا إسْرَائِيلُ
عنْ أبِي إسْحَاقَ عنِ البَرَاءِ قَالَ كُنَّا أصْحَابَ
مُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتَحَدَّثَ أنَّ
عِدَّةَ أصْحَابِ بَدْرٍ علَى عِدَّةِ أصْحَابِ طالُوتَ
الَّذِينَ جاوَزُوا معَهُ النَّهْرَ ولَمْ يُجَاوِزْ
مَعَهُ إلاَّ مُؤْمِنٌ بِضْعَةَ عَشَرَ وثَلاثَمِائَةٍ. .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث الْبَراء أخرجه عَن عبد الله
بن رَجَاء ضد الْخَوْف الْبَصْرِيّ عَن إِسْرَائِيل بن
يُونُس عَن جده
(17/83)
أبي إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله. قَوْله: ((أَصْحَاب
مُحَمَّد) بِالرَّفْع مُبْتَدأ، و (نتحدث) مَعَ فَاعله
خَبره، وَالْجُمْلَة فِي مَحل النصب خبر كَانَ. قَوْله:
(أَصْحَاب بدر) أَي: أَصْحَاب غَزْوَة بدر. قَوْله: (على
عدَّة أَصْحَاب طالوت) خبر: إِن، وَكلمَة: على، بِمَعْنى
الاستعلاء الْمَعْنَوِيّ، وَفِي الْحَقِيقَة تُؤدِّي معنى
التَّشْبِيه وَلَا تخفى المشابهة بَين القضيتين من وُجُوه
لَا تخفى.
3959 - حدَّثني عبْدُ الله بنُ أبِي شَيْبَةَ حدَّثنا
يَحْيَى عَن سُفْيَانَ عنْ أبِي إسحَاقَ عنِ البَرَاءِ ح
وحدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ أخْبرَنَا سُفْيَانُ عنْ
أبِي إسْحَاقَ عنِ البَرَاءِ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
قَالَ كُنَّا نتَحَدَّثُ أنَّ أصْحَابَ بَدْرٍ
ثَلاثُمِائَةٍ وبِضْعَةَ عشَرَ بِعِدَّةِ أصْحَابِ طالُوتَ
الَّذِينَ جاوَزُوا معَهُ النَّهْرَ وَمَا جاوَزَ معَهُ
إلاَّ مُؤمِنٌ. .
هَذَانِ طَرِيقَانِ آخرَانِ فِي حَدِيث الْبَراء:
أَحدهمَا: عَن عبد الله وَهُوَ عبد الله بن مُحَمَّد بن
أبي شيبَة واسْمه إِبْرَاهِيم وكنية عبد الله أَبُو بكر
الْعَبْسِي الْكُوفِي أَخُو عُثْمَان بن أبي شيبَة عَن
يحيى بن سعيد الْقطَّان الْأَحول الْبَصْرِيّ عَن سُفْيَان
الثَّوْريّ عَن أبي إِسْحَاق عَن الْبَراء، وَأخرجه ابْن
مَاجَه فِي الْجِهَاد عَن بنْدَار عَن أبي عَامر الْعَقدي.
وَالطَّرِيق الثَّانِي: عَن مُحَمَّد بن كثير الْعَبْدي
الْبَصْرِيّ عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن أبي إِسْحَاق.
7 - (بابُ دُعاءِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَى
كُفَّارِ قُرَيْشٍ شَيْبَةَ وعُتْبَةَ والوَلِيدِ وأبِي
جَهْلِ بنِ هِشامٍ وهَلاَكِهِمْ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان دُعَاء النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم على كفار قُرَيْش، وَهَذِه التَّرْجَمَة
ثبتَتْ لأكْثر الروَاة وَسَقَطت فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن
الْمُسْتَمْلِي والكشميهني.
قَوْله: (شيبَة) ، هُوَ ابْن ربيعَة بن عبد شمس بن عبد
منَاف، وَقَالَ بَعضهم: شيبَة بن ربيعَة بِالْجَرِّ
وبالفتح على الْبَدَلِيَّة، وَكَذَا عتبَة. قلت: من لَهُ
مساس بِالْعَرَبِيَّةِ لَا يعرف كَذَا، بل شيبَة لَا
ينْصَرف للعلمية والتأنيث، فَيكون مَفْتُوحًا فِي مَحل
الْجَرّ، وَهُوَ وَمَا بعده عطف بَيَان لكفار قُرَيْش، و:
عتبَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون التَّاء
الْمُثَنَّاة من فَوق: ابْن ربيعَة الْمَذْكُور، والوليد،
بِفَتْح الْوَاو: وَهُوَ ابْن عتبَة الْمَذْكُور، وَأَبُو
جهل اسْمه عَمْرو بن هِشَام بن الْمُغيرَة بن عبد الله بن
عمر بن مَخْزُوم، وَكَانَ يكنى أَبَا الحكم فكناه رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَبَا جهل. قَوْله:
(وهلاكهم) بِالْجَرِّ، أَي: وَفِي بَيَان هلاكهم، فَقبل
الله دعاءه وَكلهمْ قتلوا يَوْم بدر، أما شيبَة فَقتله
حَمْزَة بن عبد الْمطلب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَأما
عتبَة فَقتله عبيد بن الْحَارِث بن الْمطلب، وَقَالَ ابْن
هِشَام: اشْترك فِيهِ هُوَ وَحَمْزَة وَعلي، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُم، وَأما الْوَلِيد فَقتله عَليّ بن أبي
طَالب، وَأما أَبُو جهل فَقتله معَاذ بن عَمْرو بن جموح
ومعاذ بن عفراء وَعبد الله بن مَسْعُود، وَقد جز رَأسه
وأتى بِهِ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
3960 - حدَّثني عَمْرُو بنُ خالِدٍ حدَّثنا زُهَيْرٌ
حدَّثنا أبُو إسْحَاقَ عنْ عَمْرِو بنِ مَيْمُونٍ عنْ
عَبْدِ الله بنِ مسْعُودٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ
اسْتَقْبَلَ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الْكَعْبَةَ فدَعَا علَى نفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ علَى
شَيْبَةَ بنِ رَبِيعَةَ وعُتْبَةَ بنِ رَبِيعَةَ
والوَلِيدِ بنِ عُتْبَةَ وأبِي جَهْلِ بنِ هِشَامٍ
فأشْهَدُ بِاللَّه لقَدْ رأيْتُهُمْ صَرْعَى قَدْ
غَيَّرَتْهُمْ الشَّمْسُ وكانَ يَوْمَاً حارَاً. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، والْحَدِيث قد مر فِي كتاب
الْوضُوء فِي: بَاب إِذا ألْقى على الْمصلى قذر، وَفِي
كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب الْمَرْأَة تطرح على الْمصلى
شَيْئا من الْأَذَى، بأتم مِنْهُ وأطول. قَوْله: (صرعى) ،
جمع: صريع، أَي: مطروحين بَين الْقَتْلَى فِي المصارع
الَّتِي عينهَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل
الْقِتَال. |