عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 40 - (بابُ اسْتِعْمَالِ النَّبِيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم علَى أهْلِ خَيْبَرَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان اسْتِعْمَال النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم رجلا على أهل خَيْبَر بُد فتحهَا لقسمة
الثِّمَار.
حدَّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ حدَّثَنِي مالِكٌ عنْ عَبْدِ
المَجِيدِ بنِ سُهَيْلٍ عنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ عنْ
أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ وأبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله
تَعَالَى عنهُما أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
اسْتَعْمَلَ رَجُلاً علَى خَيْبَرَ فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ
جَنِيبٍ فَقَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كلُّ
تَمْرِ خَيْبرَ هكَذَا فقالَ لاَ وَالله يَا رسُولَ الله
إنَّا لَنَأخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بالصَّاعَيْنِ
بالثَّلاَثَةِ فَقَالَ لاَ تَفْعَلْ بِعِ الجَمْعَ
بالدَّرَاهِمِ ثُمَّ ابْتَعْ بالدَّرَاهِمِ جَنِيباً. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَإِسْمَاعِيل بن أبي
أويس، وَعبد الْمجِيد بن سُهَيْل بن عبد الرَّحْمَن بن
عَوْف الزُّهْرِيّ الْمدنِي. والْحَدِيث مر فِي الْبيُوع
فِي: بَاب إِذا أَرَادَ بيع تمر بِتَمْر خير مِنْهُ،
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن قُتَيْبَة عَن مَالك ...
إِلَى آخِره.
قَوْله: (رجلا) هُوَ سَواد بن غزيَّة من بني عدي بن النجار
الْأنْصَارِيّ. قَوْله: (جنيب) بِفَتْح الْجِيم وَكسر
النُّون، وَهُوَ نوع من التَّمْر الْغَرِيب، وَهُوَ أَجود
تمورهم. قَوْله: (بِالثَّلَاثَةِ) بدل من الصاعين. قَوْله:
(بِعْ الْجمع) وَهُوَ نوع رَدِيء من التَّمْر، وَقيل: هُوَ
الأخلاط مِنْهَا. قَوْله: (ثمَّ ابتع) أَي: ثمَّ اشْتَرِ،
وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى هُنَالك.
40 - (بابُ اسْتِعْمَالِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم علَى أهْلِ خَيْبَرَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان اسْتِعْمَال النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم رجلا على أهل خَيْبَر بُد فتحهَا لقسمة
الثِّمَار.
حدَّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ حدَّثَنِي مالِكٌ عنْ عَبْدِ
المَجِيدِ بنِ سُهَيْلٍ عنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ عنْ
أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ وأبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله
تَعَالَى عنهُما أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
اسْتَعْمَلَ رَجُلاً علَى خَيْبَرَ فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ
جَنِيبٍ فَقَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كلُّ
تَمْرِ خَيْبرَ هكَذَا فقالَ لاَ وَالله يَا رسُولَ الله
إنَّا لَنَأخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بالصَّاعَيْنِ
بالثَّلاَثَةِ فَقَالَ لاَ تَفْعَلْ بِعِ الجَمْعَ
بالدَّرَاهِمِ ثُمَّ ابْتَعْ بالدَّرَاهِمِ جَنِيباً. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَإِسْمَاعِيل بن أبي
أويس، وَعبد الْمجِيد بن سُهَيْل بن عبد الرَّحْمَن بن
عَوْف الزُّهْرِيّ الْمدنِي. والْحَدِيث مر فِي الْبيُوع
فِي: بَاب إِذا أَرَادَ بيع تمر بِتَمْر خير مِنْهُ،
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن قُتَيْبَة عَن مَالك ...
إِلَى آخِره.
قَوْله: (رجلا) هُوَ سَواد بن غزيَّة من بني عدي بن النجار
الْأنْصَارِيّ. قَوْله: (جنيب) بِفَتْح الْجِيم وَكسر
النُّون، وَهُوَ نوع من التَّمْر الْغَرِيب، وَهُوَ أَجود
تمورهم. قَوْله: (بِالثَّلَاثَةِ) بدل من الصاعين. قَوْله:
(بِعْ الْجمع) وَهُوَ نوع رَدِيء من التَّمْر، وَقيل: هُوَ
الأخلاط مِنْهَا. قَوْله: (ثمَّ ابتع) أَي: ثمَّ اشْتَرِ،
وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى هُنَالك.
4247 - وقَالَ عَبْدُ العَزِيزِ بنُ مُحَمَّدٍ عنْ عَبْدِ
المَجِيدِ عنْ سَعِيدٍ وأبَا هُرَيْرَةَ حدَّثَاهُ أنَّ
النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعَثَ أخَا بَنِي
عَدِيٍّ مِنَ الأنْصَارِ إلَى خَيْبرَ فأمَّرَهُ علَيْهَا.
.
عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد هُوَ الدَّرَاورْدِي، وَعبد
الْمجِيد هُوَ ابْن سُهَيْل شيخ مَالك، وَسَعِيد هُوَ ابْن
الْمسيب، وَهَذَا تَعْلِيق وَصله أَبُو عوَانَة
وَالدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق الدَّرَاورْدِي. قَوْله:
(بعث أَخا بني عدي) هُوَ سَواد بن غزيَّة الْمَذْكُور.
قَوْله: (فَأمره) بتَشْديد الْمِيم، أَي: جعله أَمِيرا
عَلَيْهَا.
وعنْ عَبْدِ المَجِيدِ عنْ أبِي صالِحٍ السَّمَّانِ عنْ
أبِي هُرَيْرَةَ وأبِي سَعيدٍ مِثْلَهُ
هَذَا مَعْطُوف على الَّذِي قبله وَهُوَ عبد الْعَزِيز
الدَّرَاورْدِي عَن عبد الْمجِيد، فِيهِ شَيْخَانِ:
أَحدهمَا: سعيد بن الْمسيب، وَالْآخر: أَبُو صَالح السمان،
واسْمه ذكْوَان.
41 - (بابُ مُعَامَلَةِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أهْلَ خَيْبَرَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مُعَاملَة النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أهل خَيْبَر الْيَهُود بِأَن أَعْطَاهَا
لَهُم أَن يزرعوها مشاطرة.
4248 - حدَّثنا مُوساى بنُ إسْمَاعِيل حدَّثَنَا
جُوَيْرِيَةُ عنْ نافِعٍ عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ قَالَ أعْطَى
(17/260)
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَيْبَرَ
اليَهُودَ أَنْ يَعْمَلُوها ويَزْرَعُوها ولَهُمْ شَطْرُ
مَا يَخْرُجُ مِنْها. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَجُوَيْرِية بن أَسمَاء
الضبعِي. والْحَدِيث مضى فِي الْمُزَارعَة بأتم مِنْهُ،
وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. (والشطر) بِالْفَتْح:
النَّصِيب، وَقد يُطلق على الْبَعْض.
41 - (بابُ الشَّاةِ الَّتي سُمَّتْ لِلنَّبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بخَيْبَرَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حَال الشَّاة الَّتِي سَموهَا
لأجل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حَال كَون
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخَيْبَر.
رَوَاهُ عُرْوَةُ عنْ عائِشَةَ عنِ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم
أَي: روى حَدِيث السم عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ حَدثنَا اللَّيْثُ
حدَّثني سَعيدٌ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عنهُ قَالَ
لمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أهدَيْتْ لِرَسُولِ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم شاةٌ فِيها سُمٌّ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَسَعِيد هُوَ ابْن أبي
سعيد المَقْبُري. والْحَدِيث قد مر فِي الْجِزْيَة فِي:
بَاب إِذا غدر الْمُشْركُونَ بِالْمُسْلِمين، فَإِنَّهُ
أخرجه هُنَاكَ بِهَذَا الْإِسْنَاد بأتم مِنْهُ، وَمر
الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى.)
41 - (بابُ الشَّاةِ الَّتي سُمَّتْ لِلنَّبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بخَيْبَرَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حَال الشَّاة الَّتِي سَموهَا
لأجل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حَال كَون
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخَيْبَر.
رَوَاهُ عُرْوَةُ عنْ عائِشَةَ عنِ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم
أَي: روى حَدِيث السم عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ حَدثنَا اللَّيْثُ
حدَّثني سَعيدٌ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عنهُ قَالَ
لمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أهدَيْتْ لِرَسُولِ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم شاةٌ فِيها سُمٌّ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَسَعِيد هُوَ ابْن أبي
سعيد المَقْبُري. والْحَدِيث قد مر فِي الْجِزْيَة فِي:
بَاب إِذا غدر الْمُشْركُونَ بِالْمُسْلِمين، فَإِنَّهُ
أخرجه هُنَاكَ بِهَذَا الْإِسْنَاد بأتم مِنْهُ، وَمر
الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى.)
42 - (بابُ غَزْوَةِ زَيْدِ بنِ حارِثَةَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان غَزْوَة زيد بن حَارِثَة،
بِالْحَاء الْمُهْملَة والثاء الْمُثَلَّثَة: مولى
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ووالد أُسَامَة بن زيد.
4250 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا يَحْيَى بنُ سَعيدٍ
حَدثنَا سُفْيانُ بنُ سَعيدٍ حَدثنَا عبدُ الله ابنُ
دِينارٍ عَن ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ
أمَّرَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُسَامَةَ
عَلَى قَوْمٍ فَطَعَنُوا فِي إمارَتِهِ فَقَالَ إنْ
تَطْعُنُوا فِي إمارَتِهِ فقدْ طعَنْتُمْ فِي إمارَةِ
أبِيهِ مِنْ قَبْلِهِ وايْمُ الله لَقَدْ كانَ خَلِيقاً
لِلإمَارَةِ وإنْ كانَ مِنْ أحَبَّ الناسِ إليَّ وإنَّ
هذَا لِمَنْ أحَبِّ النَّاسِ إلَيَّ بَعْدَهُ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أَمر رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، أُسامة على قوم) والْحَدِيث مضى فِي
المناقب فِي: بَاب مَنَاقِب زيد بن حَارِثَة، فَإِنَّهُ
أخرجه هُنَاكَ عَن خَالِد بن مخلد عَن سُلَيْمَان عَن عبد
الله بن دِينَار إِلَى آخِره، وكيفيته تَأتي فِي أَوَاخِر
الْمَغَازِي. وَقَالَ بَعضهم: وَالْغَرَض مِنْهُ قَوْله:
(فقد طعنتم فِي إِمَارَة أَبِيه) قلت: لَيْسَ هَذَا غَرَضه
إِذْ لَو كَانَ غَرَضه ذَلِك لترجم بِبَاب يُنَاسِبه،
وَبَين التَّرْجَمَة وَبَين مَا ذكره بون جدا لَا يخفى على
من يتأمله، وَيحيى بن سعيد هُوَ الْقطَّان وسُفْيَان بن
سعيد هُوَ الثَّوْريّ الْكُوفِي.
قَوْله: (أمّر) بتَشْديد الْمِيم، وروى أَبُو مُسلم
الْكَجِّي عَن أبي عَاصِم عَن يزِيد بن أبي عبيد عَن
سَلمَة بن الْأَكْوَع قَالَ: غزوت مَعَ زيد بن حَارِثَة
سبع غزوات يؤمره علينا. قلت: (أَولهَا) : فِي جُمَادَى
الْآخِرَة سنة خمس قبل نجد فِي مائَة رَاكب
(وَالثَّانيَِة) : فِي ربيع الآخر سنة سِتّ إِلَى بني
سليم. (وَالثَّالِثَة) : فِي جُمَادَى الأولى مِنْهَا فِي
مائَة وَسبعين فلقى عيرًا لقريش وأسروا أَبَا الْعَاصِ بن
الرّبيع. (وَالرَّابِعَة) : فِي جُمَادَى الْآخِرَة
مِنْهَا إِلَى بني ثَعْلَبَة. (وَالْخَامِسَة) : إِلَى
حسمى، بِضَم الْحَاء وَسُكُون السِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ
مَقْصُورا، كَذَا قَالَه بَعضهم، وَقَالَ ابْن الْأَثِير
والبكري، بِكَسْر الْحَاء، مَوضِع فِي أَرض جذام،
وَكَانُوا فِي خَمْسمِائَة إِلَى نَاس من بني جذام، بطرِيق
الشَّام، كَانُوا قطعُوا الطَّرِيق على دحْيَة وَهُوَ
رَاجع من عِنْد هِرقل. (وَالسَّادِسَة) : إِلَى وَادي
الْقرى. (وَالسَّابِعَة) : إِلَى نَاس من بني فَزَارَة،
وَكَانَ خرج قبلهَا فِي التِّجَارَة فَخرج عَلَيْهِ نَاس
من بني فَزَارَة فَأخذُوا مَا مَعَه وضربوه فجهزه النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَيْهِم فأوقع وَقتل أم قرفة،
بِكَسْر الْقَاف وَسُكُون الرَّاء بعْدهَا فَاء، وَهِي:
فَاطِمَة بنت ربيعَة بن بدر زوج مَالك بن حُذَيْفَة بن
بدر، عَم عُيَيْنَة بن حصن بن حُذَيْفَة، وَكَانَت معظمة
فيهم، فَيُقَال: ربطها فِي ذَنْب فرسين وأجراهما فتقطعت
وَأسر بنتهَا وَكَانَت جميلَة.
(17/261)
43 - (بابُ عُمْرَةِ الْقَضاءِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان عمْرَة الْقَضَاء، كَذَا هوف
فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي
وَحده بَاب غَزْوَة الْقَضَاء، وَسميت بِالْقضَاءِ
اشتقاقاً مِمَّا كتبُوا فِي كتاب الصُّلْح يَوْم
الْحُدَيْبِيَة: هَذَا مَا قاضى عَلَيْهِ، لأمن الْقَضَاء
الإصطلاحي، إِذْ لم تكن الْعمرَة الَّتِي اعتمروا بهَا فِي
السّنة الْقَابِلَة قَضَاء للَّتِي تحللوا مِنْهَا يَوْم
الصُّلْح، قَالَه الْكرْمَانِي وَفِي (الاكليل) : قَالَ
الْحَاكِم: قد تَوَاتَرَتْ الْأَخْبَار عَن أَئِمَّة
الْمَغَازِي أَنه لما دخل هِلَال ذِي الْقعدَة من سنة سبع
من الْهِجْرَة أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
أَصْحَابه أَن يعتمروا قَضَاء عمرتهم، وَأَن لَا يتَخَلَّف
مِنْهُم أحد مِمَّن شهد الْحُدَيْبِيَة، وَخرج مَعَه
أَيْضا قوم من الْمُسلمين مِمَّن لم يشْهدُوا
وَالْحُدَيْبِيَة عماراً. وَكَانَ الْمُسلمُونَ فِي هَذِه
الْعمرَة أَلفَيْنِ سوى النِّسَاء وَالصبيان. انْتهى. قلت:
وَفِيه رد على مَا قَالَه الْكرْمَانِي، وَإِنَّمَا ذكر
الْعمرَة فِي كتاب الْمَغَازِي للخصومة الَّتِي جرت بَينهم
وَبَين الْكفَّار فِي سنة التَّحَلُّل وَالسّنة
الْقَابِلَة أَيْضا وَإِن لم تكن بالمسايفة إِذْ لَا يلْزم
من إِطْلَاق الْغَزْوَة الْمُقَاتلَة بِالسُّيُوفِ،
وَتسَمى: عمْرَة الْقَضِيَّة. وَعمرَة الْقصاص، وَعمرَة
الصُّلْح. قَالَ السُّهيْلي: تَسْمِيَتهَا: عمْرَة
الْقصاص، أُولى لقَوْله تَعَالَى: {الشَّهْر الْحَرَام
بالشهر الْحَرَام والحرمات قصاص} (الْبَقَرَة: 194) .
وَكَذَا رَوَاهُ ابْن جرير بِإِسْنَاد صَحِيح عَن
مُجَاهِد، وَبِه جزم سُلَيْمَان التَّيْمِيّ فِي (مغازيه)
.
ذَكَرَهُ أنَسٌ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَي: ذكر حَدِيث عمْرَة الْقَضَاء أنس بن مَالك عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَرَوَاهُ عبد
الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس، قَالَ: لما
دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة فِي
عمْرَة الْقَضَاء مَشى عبد الله بن رَوَاحَة بَين بديه،
وَهُوَ يَقُول:
(خلوا بني الْكفَّار عَن سَبيله ... قد أنزل الرَّحْمَن
فِي تَنْزِيله
(
(بِأَن خير الْقَتْل فِي سَبيله ... نَحن قتلناكم على
تَأْوِيله)
وَأخرجه ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) بِزِيَادَة وَهِي:
(وَيذْهل الْخَلِيل عَن خَلِيله ... يَا رب إِنِّي مُؤمن
بقيله)
فَقَالَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يَا ابْن رَوَاحَة:
أَتَقول الشّعْر بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: دَعه
يَا عمر: لهَذَا أَشد عَلَيْهِم من وَقع النبل.
4251 - حدَّثني عُبَيْدُ الله بنُ مُوسَى عنْ إسْرَائِيل
عنْ أبي إسْحاقَ عنِ البَرَاءِ رَضِي الله عَنهُ قَالَ
لمَّا اعْتَمَرَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذِي
القَعْدَةِ بأبَى أهْلُ مَكَّةَ أنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ
مَكَّةَ حَتَّى قاضاهمْ عَلَى أنْ يُقيمَ بهَا ثَلاَثَةَ
أَيَّامٍ فَلَمَّا كَتَبُوا الكِتابَ كَتَبُوا هذَا مَا
قاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رسُولُ الله قالُوا لَا نُقِرُّ
بهَذا لوْ نَعْلَمُ أنَّكَ رسُولُ الله مَا مَنَعْناكَ
شَيْئاً ولَكِنْ أنْتَ مُحَمَّدُ بنُ عبدِ الله فَقَالَ
أَنا رسُولُ الله وَأَنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله ثُمَّ
قَالَ لِعَلِيّ امْخُ رسُولَ الله قَالَ عَلِيٌّ لاَ
وَالله لَا أمْحوكَ أبَداً فأخَذَ رسُولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم الكِتابَ ولَيْسَ يُحْسِنُ يَكْتُبُ
فَكَتَبَ هَذَا مَا قَاضَى مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله لاَ
يُدْخلُ مَكَّةَ السِّلاَحَ إلاَّ السَّيْفَ فِي القِرَابِ
وَأَن لَا يَخْرجَ منْ أهْلِها بأحدٍ إنْ أرادَ أنْ
يَتْبَعَهُ وأنْ لَا يمْنَعَ منْ أصْحابِهِ إنْ أرادَ أنْ
يُقِيمَ بهَا فَلمّا دَخَلَهَا ومَضيَ الأجَلُ أتوْا
عَلِيًّا فَقالُوا قُلْ لِصاحِبِكَ اخْرُجْ عَنَّا فقَدْ
مَضي الأجَلُ فَخَرَجَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فتَبعَتْهُ ابْنَةُ حَمْزَةَ تُنادِي يَا عَمِّ يَا عَمِّ
فَتَناوَلَها عليٌّ فأخَذَ بيَدِها وقالَ لِفاطِمَةَ
عَلَيْها السَّلاَمُ
(17/262)
دُونَك ابْنَةَ عَمِّكِ حَمَلتْها
فاخْتَصَمَ فِيها علِيٌّ وزَيْدٌ وجَعْفَرٌ. قَالَ عليٌّ
أَنا أخذْتُها وهْيَ بنْتُ عَمِّي وَقَالَ جعْفَرٌ ابْنَةُ
عَمِّي وخالتُها تَحْتى وَقَالَ زَيْدٌ ابْنَةُ أخِي
فقَضَى بِها النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِخَالتِها
وَقَالَ الخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأمِّ. وَقَالَ لِعَلِيّ
أنْتَ مِنِّي وَأَنا مِنْكَ وَقَالَ لِجَعْفَرٍ أشْبَهْتَ
خَلْقي وخُلُقِي وَقَالَ لِزَيْد أنْتَ أخُونا ومَوْلاَنا
وَقَالَ عليٌّ أَلا تَتَزَوَّجُ بنْتَ حَمْزَةَ قَالَ
إنّها ابْنَةُ أخِي منَ الرَّضاعَةِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبيد الله بن مُوسَى بن
باذام الْكُوفِي، وَإِسْرَائِيل هُوَ ابْن يُونُس بن أبي
إِسْحَاق، يروي عَن جده أبي إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله
السبيعِي الْكُوفِي.
والْحَدِيث قد مضى فِي الصُّلْح فِي: بَاب كَيفَ يكْتب:
هَذَا مَا صَالح فلَان بن فلَان، بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد
والمتن، وَقَالَ الْحَافِظ الْمزي: قيل: مر الحَدِيث فِي
الْحَج، وَلم أَجِدهُ فِيهِ.
قَوْله: (فِي ذِي الْقعدَة) أَي: من سنة سِتّ. قَوْله:
(فَأبى) من الإباء وَهُوَ الِامْتِنَاع. قَوْله: (أَن
يَدعُوهُ) بِفَتْح الدَّال أَي: أَن يَتْرُكُوهُ. قَوْله:
(حَتَّى قاضاهم) أَي: صَالحهمْ وفاصلهم. قَوْله: (على أَن
يُقيم بهَا) أَي: بِمَكَّة (ثَلَاثَة أَيَّام) من الْعَام
الْمقبل. وَصرح بِهِ فِي حَدِيث ابْن عمر الَّذِي بعده.
قَوْله: (فَلَمَّا كتبُوا) هَكَذَا هُوَ بِصِيغَة الْجمع
عِنْد الْأَكْثَرين، ويروى: (فَلَمَّا كتب الْكتاب) ،
بِصِيغَة الْمَجْهُول من الْفِعْل الْمَاضِي الْمُفْرد.
قَوْله: (هَذَا) إِشَارَة إِلَى مَا تصور فِي الذِّهْن.
قَوْله: (مَا قاضى) فِي مَحل الرّفْع على أَنه خبر
لقَوْله: هَذَا، وَوَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني: (هَذَا
مَا قاضا) ، قيل: هَذَا غلط لِأَنَّهُ لما رأى قَوْله:
كتبُوا ظن أَن المُرَاد كتب قُرَيْش، وَلَيْسَ كَذَلِك بل
الْمُسلمُونَ هم الَّذين كتبُوا (فَإِن قلت) الْكَاتِب
كَانَ وَاحِدًا فَمَا وَجه صِيغَة الْجمع؟ (قلت) : لما
كَانَت الْكِتَابَة برأيهم أسندت إِلَيْهِم مجَازًا.
قَوْله: (لَا نقرلك بِهَذَا الْأَمر الَّذِي تدعيه) ،
وَهُوَ النُّبُوَّة وَقد تقدم فِي الصُّلْح بِلَفْظ:
(فَقَالُوا إِلَّا نقربها) أَي: بِالنُّبُوَّةِ. قَوْله:
(لَو نعلم أَنَّك رَسُول الله مَا منعناك شَيْئا) ، وَزَاد
فِي رِوَايَة يُوسُف: (ولبايعناك) ، وَفِي رِوَايَة
النَّسَائِيّ عَن أَحْمد بن سُلَيْمَان عَن عبيد الله بن
مُوسَى شيخ البُخَارِيّ فِيهِ: (مَا منعناك بَيته) ، وَفِي
رِوَايَة شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق: (لَو كنت رَسُول الله
لم نقاتلك) ، وَفِي حَدِيث أنس: لاتبعناك، وَفِي حَدِيث
الْمسور: (فَقَالَ سُهَيْل بن عمر: وَالله لَو كُنَّا نعلم
أَنَّك رَسُول الله مَا صَدَدْنَاك عَن الْبَيْت وَلَا
قَاتَلْنَاك) ، وَفِي رِوَايَة أبي الْأسود عَن عُرْوَة
فِي الْمَغَازِي: (فَقَالَ سُهَيْل: ظَلَمْنَاك إِن أقرر
نالك بهَا ومنعناك) ، وَفِي رِوَايَة عبد الله ابْن مُغفل:
(لقد ظَلَمْنَاك إِن كنت رَسُولا) . قَوْله: (امح) بِضَم
الْمِيم من محا يمحو قَوْله (رَسُول الله) بِالنّصب
لِأَنَّهُ مفعول امح وَلَكِن تَقْدِيره امح لفظ رَسُول
الله قَوْله (قَالَ عَليّ: لَا وَالله لَا أمحوك أبدا) ،
أَي: لَا أمحو إسمك أبدا، وَإِنَّمَا لم يمتثل الْأَمر
لِأَنَّهُ علم بالقرائن أَن أمره، عَلَيْهِ السَّلَام، لم
يكن متحتماً. قَوْله: (وَلَيْسَ يحسن يكْتب) ، أَي:
وَالْحَال أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ
يحسن الْكِتَابَة (هَذَا مَا قاضى) (فَإِن قلت) قَالَ الله
تَعَالَى: {الرَّسُول النَّبِي الْأُمِّي} (الْأَعْرَاف:
157) والأمي لَا يحسن الْكِتَابَة، فَكيف كتب؟ (قلت) :
فِيهِ أجوبة. (الأول) : أَن الْأُمِّي من لَا يحسن
الْكِتَابَة لَا من لَا يكْتب. (الثَّانِي) : أَن
الْإِسْنَاد فِيهِ مجازي، إِذْ هُوَ الْآمِر بهَا. وَقَالَ
السُّهيْلي: وَالْحق أَن قَوْله: فَكتب، أَي: أَمر عليا
أَن يكْتب. قلت: هُوَ بِعَيْنِه الْجَواب الثَّانِي.
(الثَّالِث) : أَنه كتب بِنَفسِهِ خرقاً للْعَادَة على
سَبِيل المعجزة، وَأنكر بعض الْمُتَأَخِّرين على أبي
مَسْعُود نِسْبَة هَذِه اللَّفْظَة أَعنِي قَوْله: (لَيْسَ
يحسن يكْتب) إِلَى تَخْرِيج البُخَارِيّ، وَقَالَ: لَيست
هَذِه اللَّفْظَة فِي البُخَارِيّ وَلَا فِي مُسلم، وَهُوَ
كَمَا قَالَ: لَيْسَ فِي مُسلم هَذَا، وَلَكِن ثبتَتْ
هَذِه اللَّفْظَة فِي البُخَارِيّ، وَكَذَلِكَ فِي
رِوَايَة النَّسَائِيّ عَن أَحْمد بن سُلَيْمَان عَن عبيد
الله بن مُوسَى مثل مَا هِيَ هُنَا سَوَاء، وَكَذَا
أخرجهَا أَحْمد عَن يحيى بن الْمثنى عَن إِسْرَائِيل.
وَلَفظه: (فَأخذ الْكتاب) ، وَلَيْسَ يحسن أَن يكْتب فَكتب
مَكَان رَسُول الله: هَذَا مَا قاضى عَلَيْهِ مُحَمَّد بن
عبد الله. قَوْله: (لَا يدْخل) بِضَم الْيَاء: من الإدخال،
وَالسِّلَاح مَنْصُوب بِهِ. قَوْله: (وَأَن لَا يخرج) ،
على صِيغَة الْمَعْلُوم. قَوْله: (فِي القراب) ، وقراب
السَّيْف جفْنه وَهُوَ وعَاء يكون فِيهِ السَّيْف بغمده.
قَوْله: فَلَمَّا دَخلهَا) ، أَي: فِي الْعَام الْمقبل.
قَوْله: (وَمضى الْأَجَل) ، أَي: ثَلَاثَة أَيَّام.
قَوْله: (قل لصاحبك: أخرج عَنَّا) ، أَرَادَ بِصَاحِب
عليٍّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
(17/263)
وَفِي رِوَايَة يُوسُف: (مر صَاحبك
فليرتحل) . قَوْله: (فتبعته ابْنة حَمْزَة) هَكَذَا
رَوَاهُ الْبَارِي مَعْطُوفًا على إِسْنَاد الْقِصَّة
الَّتِي قبله، وَكَذَا أخرجه النَّسَائِيّ عَن أَحْمد بن
سُلَيْمَان عَن عبيد الله بن مُوسَى، وَكَذَا أخرجه
الْحَاكِم فِي (الإكليل) وَادّعى الْبَيْهَقِيّ أَن فِيهِ
إدراجاً لِأَن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة رَوَاهُ عَن أبي
إِسْحَاق مفصلا فَأخْرج مُسلم والإسماعيلي الْقِصَّة
الأولى من طَرِيقه عَن أبي إِسْحَاق حَدِيث الْبَراء
فَقَط، وَأخرج الْبَيْهَقِيّ قصَّة بنت حَمْزَة من طَرِيقه
عَن ابي اسحاق من حَدِيث عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
واخرج ابو دَاوُد من طَرِيق اسماعيل بن جَعْفَر عَن
إِسْرَائِيل قصَّة بنت حَمْزَة خَاصَّة من حَدِيث عَليّ
بِلَفْظ: لما خرجنَا من مَكَّة تبعتنا بنت حَمْزَة
الحَدِيث قيل: لَا إدراج فِيهِ لِأَن الحَدِيث كَانَ عِنْد
إِسْرَائِيل وَكَذَا عِنْد عبيد الله بن مُوسَى عَنهُ
بالإسنادين جَمِيعًا، لكنه فِي الْقِصَّة الأولى من حَدِيث
الْبَراء أتم، وبالقصة الثَّانِيَة من حَدِيث عَليّ أتم،
وَاسم ابْنة حَمْزَة: عمَارَة، وفيل: فَاطِمَة، وَقيل:
أُمَامَة، وَقيل: أمة الله، وَقيل: سلمى، وَالْأول أشهر.
قَوْله: (تنادي يَا عَم) إِنَّمَا خاطبت النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، بذلك إجلالاً لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ ابْن
عَمها. أَو بِالنِّسْبَةِ إِلَى كَون حَمْزَة أَخَاهُ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، من الرضَاعَة. قَوْله: (دُونك) من
أَسمَاء الْأَفْعَال مَعْنَاهُ: خذيها، وَهِي كلمة
تسْتَعْمل فِي الإغراء بالشَّيْء. قَوْله: (جُمْلَتهَا)
بِصِيغَة الْفِعْل الْمَاضِي بتَخْفِيف الْمِيم. قيل:
أَصله: فحملتها بِالْفَاءِ وَكَأَنَّهَا سَقَطت، وَكَذَا
بِالْفَاءِ فِي رِوَايَة أبي دَاوُد. وَفِي رِوَايَة أبي
ذَر عَن السَّرخسِيّ والكشميني: حمليها بتَشْديد الْمِيم
بِصُورَة الْأَمر من التحميل، وَقد مر فِي الصُّلْح فِي
هَذَا الْموضع للكشميهني: إحمليها أكر من الإحمال، وروى
الْحَاكِم من مُرْسل الْحسن، فَقَالَ عَليّ لفاطمة، رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهَا، وَهِي فِي هودجها: إمسكيها عنْدك،
وَعند ابْن سعد من مُرْسل مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن
الباقر بِإِسْنَاد صَحِيح إِلَيْهِ: فَبَيْنَمَا بنت
حَمْزَة تَطوف فِي الرّحال إِذْ أَخذ عَليّ بِيَدِهَا
فألقاها إِلَى فَاطِمَة فِي هودجها. قَوْله: (فاختصم
فِيهَا) أَي: فِي بنت حَمْزَة عَليّ بن أبي طَالب، وَزيد
بن حَارِثَة، وجعفر أَخُو عَليّ، أَرَادَ أَن كلاَّ
مِنْهُم أَرَادَ أَن تكون ابْنة حَمْزَة عِنْده، وَكَانَت
الْخُصُومَة فِيهَا بعد قدومهم الْمَدِينَة، وَثَبت ذَلِك
فِي حَدِيث عَليّ عِنْد أَحْمد وَالْحَاكِم. فَإِن قلت:
زيد بن حَارِثَة لَيْسَ أَخا لِحَمْزَة لَا نسبا وَلَا
رضَاعًا، فَكيف اخْتصم؟ قلت: قَالَ الْكرْمَانِي: آخى
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بَينه وَبَين
حَمْزَة. انْتهى. قلت: ذكر الْحَاكِم فِي (الإكليل)
وَأَبُو سعيد فِي (شرف الْمُصْطَفى) من حَدِيث ابْن
عَبَّاس بِسَنَد صَحِيح أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، كَانَ آخى بَين حَمْزَة وَزيد بن حَارِثَة، وَأَن
عمَارَة بنت حَمْزَة كَانَت مَعَ أمهَا بِمَكَّة. قلت اسْم
أمهَا سلمى بنت عُمَيْس وَهِي مَعْدُودَة فِي الصَّحَابَة.
فَإِن قلت: كَيفَ تركت عِنْد أمهَا فِي دَار الْحَرْب؟
قلت: أما أَن أمهَا لم تكن أسلمت إلاَّ بعد هَذِه
الْقَضِيَّة، وَأما أَنَّهَا قد مَاتَت، وَرُوِيَ عَن ابْن
عَبَّاس أَن عليا قَالَ لَهُ: كَيفَ تتْرك إبنة عمك
مُقِيمَة بَين ظهراني الْمُشْركين؟ فَإِن قلت: كَيفَ
أخذوها وَفِيه مُخَالفَة لكتاب الْعَهْد؟ قلت: قد تقدم فِي
كتاب الشُّرُوط: أَن النِّسَاء الْمُؤْمِنَات لم يدخلن فِي
الْعَهْد، وَلَئِن سلمنَا كَون الشَّرْط عَاما وَلَكِن لَا
نسلم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أخرجهَا وَوَقع فِي
(مغازي سُلَيْمَان التَّيْمِيّ) أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، لما رَجَعَ إِلَى أَهله وجد بنت حَمْزَة،
فَقَالَ لَهَا: مَا أخرجك؟ قَالَت: رجل من أهلك، وَلم يكن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَمر بإخراجها.
وَفِي حَدِيث عَليّ عِنْد أبي دَاوُد: أَن زيد بن حَارِثَة
أخرجهَا من مَكَّة. قَوْله: (وخالتها تحتي) أَي: زَوْجَتي،
وَاسْمهَا: أَسمَاء بنت عُمَيْس. قَوْله: (وَالْخَالَة
بِمَنْزِلَة الْأُم) أَي فِي الحنو والشفقة وَإِقَامَة حث
الصَّغِير، وَقَالَ بَعضهم: لَا حجَّة فِيهِ لمن زعم أَن
الْخَالَة تَرث لِأَن الْأُم تَرث. قلت: هِيَ من ذَوي
الْأَرْحَام، قَالَ الله تَعَالَى: {وألو الْأَرْحَام
بَعضهم أولى بِبَعْض فِي كتاب الله} (الْأَنْفَال: 75)
وعَلى هَذَا كَانَت الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُم، حَتَّى روى أَن عمر، رَضِي الله عَنهُ، قضى فِي
عَم لأم وَخَالَة، أعْطى الْعم الثُّلثَيْنِ وَالْخَالَة
الثُّلُث، والْحَدِيث لَا يُنَافِي تَوْرِيث الْخَالَة، بل
ظَاهره يدل عَلَيْهِ من حَيْثُ الْعُمُوم. قَوْله:
(وَقَالَ لعَلي) أَي: وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، لعَلي بن أبي طَالب: أَنْت مني وَأَنا مِنْك. أَي:
فِي النّسَب والصهر والسابقة والمحبة وَغير ذَلِك، وَلم
يرد مَحْض الْقَرَابَة، وإلاَّ فجعفر شَرِيكه فِيهَا.
قَوْله: (وَقَالَ لجَعْفَر: أشبهت خلقي وَخلقِي) . بِفَتْح
الْخَاء فِي الأول وَضمّهَا فِي الثَّانِي (أما الأول) :
فَالْمُرَاد بِهِ الصُّورَة، فقد شَاركهُ فِيهَا جمَاعَة
مِمَّن رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قيل: هم
عشرَة أنفس غير فَاطِمَة، وَقيل: أَكثر من عشرَة مِنْهُم:
إِبْرَاهِيم ولد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعبد
الله وَعون ولدا جَعْفَر، وَإِبْرَاهِيم بن الْحسن بن
الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب، وَيحيى بن الْقَاسِم بن
مُحَمَّد بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن
بن عَليّ، وَالقَاسِم بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل بن
أبي
(17/264)
طَالب، وَمِنْهُم: عَليّ بن عباد بن
رِفَاعَة الرِّفَاعِي، شيخ بصرى من أَتبَاع التَّابِعين.
(وَأما الثَّانِي) أَعنِي شبهه فِي الْخلق فمخصوص
بِجَعْفَر، وَهَذِه منقبة عَظِيمَة لَهُ قَالَ الله
تَعَالَى: {وَإنَّك لعلى خلق عَظِيم} (الْقَلَم: 4) .
قَوْله: (وَقَالَ لزيد: أَنْت أخونا) يَعْنِي فِي
الْإِيمَان، (ومولانا) يَعْنِي من جِهَة أَنه أعْتقهُ،
وَهُوَ الْمولى الْأَسْفَل، وَقد طيب رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، خواطر الْجَمِيع لكل أحد بِمَا يُنَاسِبه.
قَوْله: (وَقَالَ عَليّ) رَضِي الله عَنهُ. وَهُوَ
مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور أَولا. قَوْله:
(إِنَّهَا) أَي: بنت حَمْزَة (إبنة أخي من الرضَاعَة)
وَذَلِكَ أَن ثوبية، بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَفتح
الْوَاو وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الْبَاء
الْمُوَحدَة: مولاة أبي لَهب، أرضعت رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وَحَمْزَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي (تَجْرِيد الصَّحَابَة) إِن ثويبة
أسلمت.
4252 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ حَدثنَا سُرَيْجٌ
حَدثنَا فُلَيْحٌ ح قَالَ وحدَّثَني مُحَمَّدُ بنُ
الحسَيْنِ بنِ إبرَاهِيمَ قَالَ حدَّثني أبي حدَّثنا
فُلَيْحُ بنُ سُلَيْمَانَ عَن نافِعٍ عَن ابنِ عُمَرَ
رَضِي الله عنهُما أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم خَرَجَ مُعْتَمِراً فَحالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ
بَيْنَهُ وبَيْنَ البَيْتِ فنَحَرَ هَدْيه وحَلَقَ رأسَهُ
بالحُدَيْبِيةِ وقاضاهُمْ عَلَى أنْ يَعْتَمِرَ العامَ
المُقْبِلَ ولاَ يَحْمِلَ سِلاَحاً عَلَيْهِمْ إلاَّ
سُيُوفاً وَلَا يُقِيمَ بِها إلاَّ مَا أحَبُّوا فاعتَمَرَ
منَ العامِ المُقْبِلِ فدَخَلَهَا كمَا كانَ صالَحَهُمْ
فَلَمَّا أنْ أقامَ بهَا ثَلاثاً أمَرُوهُ أَنْ يَخْرُج
فَخَرَجَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهُ فِي عمْرَة
الْقَضَاء. وَأخرجه من طَرِيقين: (الأول) : عَن مُحَمَّد
بن رَافع بن أبي زيد النَّيْسَابُورِي وَهُوَ شيخ مُسلم
أَيْضا هَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ عَن
البُخَارِيّ مُحَمَّد بن رَافع، وَوَقع لبَعض رُوَاة
الْفربرِي: حَدثنِي مُحَمَّد هُوَ ابْن رَافع، وَهُوَ يروي
عَن سُرَيج، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفِي آخِره جِيم:
ابْن النُّعْمَان أبي الْحُسَيْن الْبَغْدَادِيّ
الْجَوْهَرِي، وَهُوَ شيخ البُخَارِيّ أَيْضا روى عَنهُ
بِوَاسِطَة، وروى عَن مُحَمَّد غير مَنْسُوب فِي الْحَج،
مَاتَ سنة سبع عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ يروي عَن فليح،
بِضَم الْفَاء وَفتح اللَّام وَفِي آخِره حاء مُهْملَة
ابْن سُلَيْمَان بن أبي الْمُغيرَة، وَكَانَ اسْمه عبد
الْملك ولقبه فليح فغلب على اسْمه، وَهُوَ يروي عَن نَافِع
مولى ابْن عمر عَن عبد الله بن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُمَا، وَهَذَا الطَّرِيق بِعَيْنِه سنداً
ومتناً مضى فِي كتاب الصُّلْح فِي: بَاب الصُّلْح مَعَ
الْمُشْركين. (الطَّرِيق الثَّانِي) عَن مُحَمَّد بن
الْحُسَيْن بن إِبْرَاهِيم الْمَعْرُوف بِابْن أشكاب
الْبَغْدَادِيّ، يروي عَن أَبِيه الْحُسَيْن بن
إِبْرَاهِيم الْخُرَاسَانِي، سكن بَغْدَاد وَطلب الحَدِيث
وَلزِمَ أَبَا يُوسُف وَقد أدْركهُ البُخَارِيّ، فَإِنَّهُ
مَاتَ سنة سِتّ عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وَلَيْسَ لَهُ وَلَا
لِأَبِيهِ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الْموضع. وَهُوَ
يرْوى عَن فليح عَن نَافِع عَن ابْن عمر.
قَوْله: (خرج مُعْتَمِرًا) يَعْنِي: بِالْحُدَيْبِية.
قَوْله: (إِلَّا سيوفاً) يَعْنِي: فِي قرابها. قَوْله:
(إِلَّا مَا أَحبُّوا) هُوَ مُجمل بيّنه فِي حَدِيث
الْبَراء أَنهم اتَّفقُوا على ثَلَاثَة أَيَّام. قَوْله:
(فَلَمَّا أَن أَقَامَ بهَا) أَي:: فَلَمَّا أَقَامَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة ثَلَاثًا أَي:
ثَلَاثَة أَيَّام. وَقَالَ ابْن التِّين. قَوْله:
(ثَلَاثًا) يُخَالف قَوْله: إلاَّ مَا أَحبُّوا ورد
عَلَيْهِ بِأَن محبتهم لما كَانَت ثَلَاثَة أَيَّام أفْصح
بهَا الرَّاوِي بقوله: ثَلَاثًا، مَعَ الْبَيَان فِي
حَدِيث الْبَراء كَمَا ذكرنَا.
4253 - حدَّثني عُثْمانُ بنُ أبي شَيْبَةَ حدَّثنا جَرِيرٌ
عنْ مَنْصُورٍ عنْ مجاهِدٍ قَالَ دَخلْتُ أَنا وعُرْوَةُ
بنُ الزُّبَيْرِ المَسْجِدَ فإذَا عبْدُ الله بنُ عُمَرَ
رَضِي الله عَنْهُمَا جالِسٌ إِلَى حُجْرةِ عائِشَةَ ثُمَّ
قَالَ كَمِ اعْتَمَرَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ أرْبَعاً إحْدَاهُمَّ فِي رَجَبٍ. . ثمَّ سَمِعْنا
اسْتَنانَ عائِشَةَ قَالَ عرْوَةُ يَا أمَّ المُؤمنينَ
ألاَ تَسْمَعِينَ مَا يقُولُ أبُو عبْدِ الرَّحْمانِ إنَّ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اعْتَمَرَ أرْبَعَ
عُمَرٍ إحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ فَقَالَتْ مَا اعْتَمَرَ
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عُمْرَةً إلاَّ وهْوَ
شاهِدُهُ وَمَا اعْتَمَرَ فِي رجَبٍ قَطُّ. .
(17/265)
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله:
(أَرْبعا) لِأَن إِحْدَاهُنَّ عمْرَة الْقَضَاء والْحَدِيث
مضى بأتم مِنْهُ فِي الْحَج فِي: بَاب كم اعْتَمر النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن
قُتَيْبَة بن سعيد عَن جرير بن عبد الحميد عَن مَنْصُور بن
الْمُعْتَمِر عَن مُجَاهِد إِلَى آخِره.
قَوْله: (استنان عَائِشَة) من اسْتنَّ الرجل إِذا استاك.
قَوْله: (أَلا تسمعين؟) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ألم
تسمعي؟ قَالَ الْكرْمَانِي: ويروى: ألم تسمعين؟ وَهُوَ على
لُغَة من لَا يُوجب الْجَزْم بأدواته. قَوْله: (أَبُو عبد
الرَّحْمَن) هُوَ كنية عبد الله بن عمر. قَوْله: (ألاَّ
وَهُوَ شَاهده) أَي: إلاَّ وَالْحَال أَن عبد الله بن عمر
شَاهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. أَي: حَاضر
عِنْده. قَوْله: (وَمَا اعْتَمر فِي رَجَب قطّ) هَذَا رد
لقَوْل ابْن عمر لما قَالَه فِي هَذَا الحَدِيث: أَربع
إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَب أَي: أَربع عمر إِحْدَاهُنَّ فِي
شهر رَجَب، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي: بَاب كم اعْتَمر
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
4255 - حدَّثنا عليُّ بنُ عبْدِ الله حَدثنَا سُفْيانُ عنْ
إسْماعِيلَ بنِ أبي خالِدٍ سَمِعَ ابنَ أبي أوْفَى يقُولُ
لمَّا اعْتَمَرَ رَسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
سَتَرْناهُ منْ غِلْمانِ المُشْرِكِينَ ومِنْهُمْ أنْ
يُؤْذُوا رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: لما اعْتَمر رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن المُرَاد مِنْهُ عمْرَة
الْقَضَاء، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَابْن أبي أوفى
هُوَ عبد الله بن أبي أوفى.
والْحَدِيث مضى فِي غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة فَإِنَّهُ
أخرجه هُنَاكَ عَن ابْن نمير عَن يعلى عَن إِسْمَاعِيل عَن
عبد الله بن أبي أوفى، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (عَن إِسْمَاعِيل) وَفِي رِوَايَة الْحميدِي:
حَدثنَا إِسْمَاعِيل قَوْله: (وَمِنْهُم) أَي: وَمن
الْمُشْركين. قَوْله: (أَن يؤذوا) أَي: خشيَة أَن يؤذوه.
وَقَالَ ابْن أبي عمر عَن سُفْيَان بِلَفْظ: لما قدم
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة وَطَاف
بِالْبَيْتِ فِي عمْرَة الْقَضِيَّة كُنَّا نستره من
السُّفَهَاء وَالصبيان مَخَافَة أَن يؤذوه. وَفِي لفظ
الْإِسْمَاعِيلِيّ: كُنَّا نستره من صبيان أهل مَكَّة لَا
يؤذونه.
4256 - حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ حدَّثنا حَمَّادٌ
هُوَ ابنُ زَيْدٍ عنْ أيُّوبَ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ
عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَدِمَ
رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأصْحابُهُ فَقَال
المُشْرِكونَ إنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ وَفْدٌ وهَنَهُمْ
حُمَّى يَثْرِبَ وأمَرَهُمُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أنْ يَرْمُلُوا الأشْواطَ الثَّلاَثَةَ وأنْ
يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ ولَمْ يَمْنَعْهُ أنْ
يأمُرَهُمْ أنْ يَرْمُلُوا الأشْوَاطَ كُلَّها إلاَّ
الإبْقاءُ عَلَيْهِمْ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (قدم رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه) أَي: مَكَّة لأجل
عمْرَة الْقَضَاء. والْحَدِيث قد مر فِي الْحَج فِي: بَاب
كَيفَ كَانَ بَدْء الرمل، بِعَيْنِه سنداً ومتناً. وَمر
الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (وَفد) ، بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الْفَاء أَي:
ثوم، وَوَقع فِي رِوَايَة ابْن السكن. وَقد بِالْقَافِ،
فالواو للْعَطْف وَقد بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الدَّال
للتحقيق، وَقَالَ بَعضهم: إِنَّه خطأ وَلم يبين وَجه
الْخَطَأ: هَل هُوَ من حَيْثُ الرِّوَايَة أَو من حَيْثُ
الْمَعْنى؟ وَلَا خطأ أصلا من حَيْثُ الْمَعْنى، فَإِن
قَالَ: الْخَطَأ من حَيْثُ الرِّوَايَة فَعَلَيهِ
الْبَيَان. قَوْله: (وهنهم) ، أَي: أضعفهم، ويروى: وهنتهم
بتأنيث الْفِعْل، ويروي: أوهنتهم، بِزِيَادَة الْألف فِي
أَوله. قَوْله: (يقرب) هُوَ إسم الْمَدِينَة، كانف ي
الْجَاهِلِيَّة. قَالَ ابْن عَبَّاس: ذكرهَا بِاعْتِبَار
مَا كَانَ. قَوْله: (إلاَّ الْإِبْقَاء) ، بِكَسْر
الْهمزَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وبالقاف، أَي:
الرِّفْق بهم والشفقة عَلَيْهِم، وَالْمعْنَى: لم يمنعهُ
أَن يَأْمُرهُم بالرمل فِي جَمِيع الأطواق إلاَّ الرِّفْق
بهم. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: يجوز الْإِبْقَاء بِالرَّفْع
على أَنه فَاعل، لم يمنعهُ، أَي: النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وَبِالنَّصبِ على وَجه التَّعْلِيل أَي:
لأجل الْإِبْقَاء. وَالْمعْنَى: لم يمْنَع النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، من أمره إيَّاهُم بالرمل فِي كل
الطوفات إلاَّ الْأَجَل إبقائهم فِي الرِّفْق شَفَقَة
عَلَيْهِم، وَقَالَ بَعضهم فِي وَجه النصب: يكون فِي:
يمنعهُ، ضمير عَائِد على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، وَهُوَ فَاعله. قلت: هَذَا لَيْسَ بِصَحِيح،
وَلَيْسَ فِي: يمنعهُ، ضمير مستتر، وَإِنَّمَا الضَّمِير
البارز فِيهِ يرجع إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، وفاعل يمْنَع هُوَ قَوْله: (أَن يَأْمُرهُم) أَي:
بِأَن يَأْمُرهُم. وَكلمَة أَن، مَصْدَرِيَّة.
وَالتَّقْدِير: هُوَ الَّذِي ذَكرْنَاهُ الْآن.
وزَادَ ابنُ سُلَمَة عنْ أَيُّوبَ عنْ سَعِيد بنِ جُبَيْرٍ
عنِ ابنِ عبَّاسٍ قَالَ لمَّا قَدِمَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ
(17/266)
وَسلم لعامِهِ الذِي اسْتَأْمنَ قَالَ
ارْمُلُوا لِيَرَى المُشْرِكُونَ قُوَّتَهُمْ
والمُشْرِكُونَ منْ قِبَلِ قُعَيْقعانَ.
هَذَا تَعْلِيق، وَابْن سَلمَة هُوَ حَمَّاد بن سَلمَة
وَقد شَارك حَمَّاد بن زيد فِي رِوَايَته لَهُ عَن
أَيُّوب، وَزَاد عَلَيْهِ تعْيين مَكَان الْمُشْركين
وَهُوَ جبل قعيقعان، مُقَابل لأبي قبيس، وَهُوَ بِضَم
الْقَاف الأولى وَكسر الثَّانِيَة وَفتح الْعَينَيْنِ
الْمُهْمَلَتَيْنِ وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَوصل
هَذَا التَّعْلِيق الْإِسْمَاعِيلِيّ نَحوه، وَزَاد فِي
آخِره: فَلَمَّا رملوا قَالَ الْمُشْركُونَ: مَا وهنتهم.
قَوْله: (لعامه الَّذِي استأمن) وَهُوَ عَام
الْحُدَيْبِيَة. قَوْله: (ليرى الْمُشْركُونَ) جملَة من
الْفِعْل وَالْفَاعِل، ويروى ليرى الْمُشْركين. بِضَم
الْيَاء أَي ليرى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
قُوَّة الْمُسلمين. قَوْله: (من قبل) أَي: من جِهَة جبل
قعيقعان، وَكَانُوا مشرفين من عَلَيْهِ.
4257 - حدَّثني مُحَمَّدٌ عنْ سُفْيانَ بن عُيَيْنَةَ عنْ
عَمْروٍ عنْ عَطاءٍ عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا
قَالَ إنَّما سعَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بالْبَيْتِ وبَيْنَ الصَّفا والمَرْوَةِ لِيُرِيَ
المُشْرِكِينَ قُوَّتَهُ. .
هَذَا وَجه آخر عَن ابْن عَبَّاس أخرجه عَن مُحَمَّد هُوَ
ابْن سَلام عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دين
ار عَن عَطاء بن أبي رَبَاح عَن ابْن عَبَّاس قَوْله:
(إِنَّمَا سعى) أَي: رمل وَمَعْنَاهُ: هرول. قَوْله:
(ليرى) ، أَي: لِأَن يرى من الإراءة أَي: لأجل إراءتَه
إيَّاهُم قوته يَعْنِي: بِأَنَّهُ قوي لم يُؤثر فِيهِ
الْحمى وَلَا غَيرهَا.
4258 - حدَّثنا مُوساى بنُ إسْماعِيل حدّثنا وُهَيْبٌ
حَدثنَا أيُّوبُ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي
الله عَنْهُمَا قَالَ تَزَوَّجَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم مَيْمُونَةَ وهْوَ مُحَرّمٌ وبَنى بِها وهوَ حَلاَلٌ
وماقتْ بِسَرِفَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن تزَوجه صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، مَيْمُونَة كَانَ فِي عمْرَة الْقُضَاة،
ووهيب مصغر وهبَ ابْن خَالِد الْبَصْرِيّ والْحَدِيث قد مر
فِي الْحَج فِي: بَاب ترويج الْمحرم، من غير الطَّرِيق
الْمَذْكُور فَإِنَّهُ أخرجه عَن أبي الْمُغيرَة عَن
الْأَوْزَاعِيّ عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، تزوج مَيْمُونَة وَهُوَ محرم،
وَلَيْسَ فِيهِ، وَبنى بهَا إِلَى آخِره، وَقد مر
الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. (وسرف) ، بِفَتْح السِّين
الْمُهْملَة وَكسر الرَّاء وبالفاء، قَالَ الْكرْمَانِي:
مَوضِع بَين الْحَرَمَيْنِ. قلت: على سِتَّة أَمْيَال من
مَكَّة.
4259 - قَالَ أبُو عبْدِ الله وزَادَ بنُ إسْحاقَ حدّثني
ابنُ أبي نَجِيحٍ وأبانُ بنُ صالحٍ عنْ عَطاءٍ ومُجاهِدٍ
عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ تَزَوَّج النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مَيْمُونَةَ فِي عمْرَةِ القَضاءِ. .
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، وَلَيْسَ هَذَا
فِي كثير من النّسخ، وَابْن إِسْحَاق هُوَ مُحَمَّد بن
إِسْحَاق صَاحب (السِّيرَة) وَابْن أبي نجيح هُوَ عبد الله
بن أبي نجيح، بِفَتْح النُّون وَكسر الْجِيم وَفِي آخِره
حاء مُهْملَة واسْمه: يسَار. وَهَذَا تَعْلِيق وَصله ابْن
إِسْحَاق فِي (السِّيرَة) ومَيْمُونَة هِيَ بنت الْحَارِث،
وَكَانَ الَّذِي زوجه إِيَّاهَا الْعَبَّاس، وَكَانَت قبله
تَحت أبي رهم بن عبد الْعزي، وَقيل: تَحت أَخِيه حويطب،
وَقيل: سَخْبَرَة بن أبي رهم، وَأمّهَا هِنْد بنت عَوْف
الْهِلَالِيَّة.
4258 - حدَّثنا مُوساى بنُ إسْماعِيل حدّثنا وُهَيْبٌ
حَدثنَا أيُّوبُ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي
الله عَنْهُمَا قَالَ تَزَوَّجَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم مَيْمُونَةَ وهْوَ مُحَرّمٌ وبَنى بِها وهوَ حَلاَلٌ
وماقتْ بِسَرِفَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن تزَوجه صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، مَيْمُونَة كَانَ فِي عمْرَة الْقُضَاة،
ووهيب مصغر وهبَ ابْن خَالِد الْبَصْرِيّ والْحَدِيث قد مر
فِي الْحَج فِي: بَاب ترويج الْمحرم، من غير الطَّرِيق
الْمَذْكُور فَإِنَّهُ أخرجه عَن أبي الْمُغيرَة عَن
الْأَوْزَاعِيّ عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، تزوج مَيْمُونَة وَهُوَ محرم،
وَلَيْسَ فِيهِ، وَبنى بهَا إِلَى آخِره، وَقد مر
الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. (وسرف) ، بِفَتْح السِّين
الْمُهْملَة وَكسر الرَّاء وبالفاء، قَالَ الْكرْمَانِي:
مَوضِع بَين الْحَرَمَيْنِ. قلت: على سِتَّة أَمْيَال من
مَكَّة.
4259 - قَالَ أبُو عبْدِ الله وزَادَ بنُ إسْحاقَ حدّثني
ابنُ أبي نَجِيحٍ وأبانُ بنُ صالحٍ عنْ عَطاءٍ ومُجاهِدٍ
عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ تَزَوَّج النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مَيْمُونَةَ فِي عمْرَةِ القَضاءِ. .
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، وَلَيْسَ هَذَا
فِي كثير من النّسخ، وَابْن إِسْحَاق هُوَ مُحَمَّد بن
إِسْحَاق صَاحب (السِّيرَة) وَابْن أبي نجيح هُوَ عبد الله
بن أبي نجيح، بِفَتْح النُّون وَكسر الْجِيم وَفِي آخِره
حاء مُهْملَة واسْمه: يسَار. وَهَذَا تَعْلِيق وَصله ابْن
إِسْحَاق فِي (السِّيرَة) ومَيْمُونَة هِيَ بنت الْحَارِث،
وَكَانَ الَّذِي زوجه إِيَّاهَا الْعَبَّاس، وَكَانَت قبله
تَحت أبي رهم بن عبد الْعزي، وَقيل: تَحت أَخِيه حويطب،
وَقيل: سَخْبَرَة بن أبي رهم، وَأمّهَا هِنْد بنت عَوْف
الْهِلَالِيَّة.
44 - (بابُ غَزْوَةِ مُوتةَ مِنْ أرْضِ الشَّامِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان غَزْوَة موتَة بِضَم الْمِيم
وَسُكُون الْوَاو بِغَيْر همزَة عِنْد أَكثر الروَاة،
وَبِه قَالَ الْمبرد، وَقَالَ ثَعْلَب، والجوهري وَابْن
فَارس. بِالْهَمْزَةِ الساكنة بعد الْمِيم، وَحكى صَاحب
(الواعي) الْوَجْهَيْنِ، وَقَالَ: أَبُو الْعَبَّاس
مُحَمَّد بن يزِيد، لَا يهمز مَوته. قَوْله: (بِأَرْض
الشَّام) . صفة لمَوْته. أَي: كائنة بِأَرْض الشَّام،
قَالَ ابْن إِسْحَاق: وَهِي بِالْقربِ من أَرض البلقاء،
وَقَالَ الْكرْمَانِي: هِيَ على مرحلَتَيْنِ من بَيت
الْمُقَدّس، وَالسَّبَب فِيهَا أَن شُرَحْبِيل بن عَمْرو
الغساني، وَهُوَ من أُمَرَاء قَيْصر على الشَّام، قتل
رَسُولا أرْسلهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى
صَاحب بصرى، وإسم الرَّسُول: الْحَارِث بن عُمَيْر، وَلم
يقتل لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَسُول غَيره،
فَجهز لَهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عسكراً فِي
ثَلَاثَة آلَاف وَأمر عَلَيْهِم زيد بن حَارِثَة، فَقَالَ:
إِن أُصِيب فجعفر، وَإِن أُصِيب فعبد الله
(17/267)
ابْن رَوَاحَة فتجهزوا وعسكروا بالجرف،
وأوصاهم أَن يَأْتُوا مقتل الْحَارِث بن عُمَيْر، وَأَن
يَدعُوهُم من هُنَاكَ إِلَى الْإِسْلَام فَإِن أجابوا
وَإِلَّا فقاتلوهم، وَخرج مشيعاً لَهُم حَتَّى بلغ ثنية
الْوَدَاع، وَلما بلغ الْعَدو مَسِيرهمْ جمعُوا لَهُم
أَكثر من مائَة ألف، وبلغهم أَن هِرقل قد نزل مآب من أَرض
البلقاء فِي مائَة ألف من بهرا، وَوَائِل وَبكر ولخم
وجذام. فَقَاتلهُمْ الْمُسلمُونَ وَقَاتل الْأُمَرَاء على
أَرجُلهم، فَقتل زيد طَعنا بِالرِّمَاحِ، ثمَّ أَخذ
اللِّوَاء جَعْفَر فَنزل عَن فرس لَهُ شقراء فعرقبها
فَكَانَت أول فرس عرقب فِي الْإِسْلَام، فقاتل حَتَّى قتل،
ضربه رجل من الرّوم فَقَطعه نِصْفَيْنِ، فَوجدَ فِي أحد
نصفه بضعَة وَثَلَاثُونَ جرحا، ثمَّ أَخذه عبد الله فقاتل
حَتَّى قتل، فَاصْطَلَحَ النَّاس على خَالِد بن الْوَلِيد،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَأخذ اللِّوَاء وانكشف
النَّاس، فَكَانَت الْهَزِيمَة على الْمُسلمين، وتبعهم
الْمُشْركُونَ، فَقتل من قتل من الْمُسلمين وَرفعت الأَرْض
لسيدنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلَمَّا
أَخذ خَالِد اللِّوَاء قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الْآن حمي الْوَطِيس، وَجعل خَالِد مقدمته ساقة وساقته
مُقَدّمَة وميمنته ميسرَة وميسرته ميمنة، فَأنْكر الرّوم
ذَلِك، وَقَالُوا: قد جَاءَهُم مدد فرعبوا وانكشفوا
منهزمين، فَقتلُوا مِنْهُم مقتلة لم يَقْتُلهَا قوم، وغنم
الْمُسلمُونَ بعض أَمْتعَة الْمُشْركين وَفِي
(الدَّلَائِل) للبيهقي وَلما أَخذ خَالِد للواء قَالَ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه سيف من سيوفك، فَأَنت تنصره،
فَمن يومئذٍ سمي خَالِد سيف الله وَذكر فِي (مغازي) أبي
الْأسود عَن عُرْوَة بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم الْجَيْش إِلَى مُؤْتَة فِي جُمَادَى من سنة ثَمَان،
وَكَذَا قَالَ ابْن إِسْحَاق ومُوسَى بن عقبَة وَغَيرهمَا
من أهل الْمَغَازِي، لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِك إلاَّ
مَا ذكر خَليفَة فِي (تَارِيخه) أَنَّهَا كَانَت سنة سبع.
4261 - أخْبرنا أَحْمَدُ بنُ أبي بَكْرٍ حدّثنا مُغِيرَةُ
بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ عبْدِ اللهبنِ سَعْدٍ عنْ
نافِعٍ عنْ عبْدِ الله بن عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا
قَالَ أمَّرَ رَسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي
غَزْوةِ مَوتَةَ زَيْدَ بنَ حارِثَةَ فَقَالَ رسولُ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنْ قُتِلَ زَيْدٌ فجَعْفَرٌ
وَإِن قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ الله بنُ رَوَاحَةَ قَالَ
عبْدُ الله كُنْتُ فِيهِمْ فِي تِلْكَ الغَزْوَةِ
فالْتَمَسْنا جَعْفَرَ بنَ أبي طالِبٍ فَوَجَدْناهُ فِي
القَتْلى وَوَجَدْنا مافي جَسَدِهِ بِضْعاً وتِسْعِينَ منْ
طَعْنَةٍ ورَمْيَةٍ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأحمد بن أبي بكر اسْمه
الْقَاسِم أَبُو حَفْص الْقرشِي الزُّهْرِيّ وَهُوَ شيخ
مُسلم أَيْضا. مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سنة اثْنَتَيْنِ
وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ ابْن اثْنَتَيْنِ
وَتِسْعين سنة. ومغيرة، بِضَم الْمِيم وَكسرهَا وبالألف
وَاللَّام وبدونهما ابْن عبد الرَّحْمَن المَخْزُومِي،
وَهُوَ فِي طبقَة مُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن الخزامي،
وَهُوَ أوثق من المَخْزُومِي. وَلَيْسَ للمخزومي فِي
البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث، وَكَانَ فَقِيه أهل
الْمَدِينَة بعد مَالك وَهُوَ صَدُوق، وَعبد الله بن سعد
بن أبي هِنْد الْمدنِي، وَفِي رِوَايَة مُصعب: عبد الله
(17/268)
ابْن سعيد، بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف.
قَوْله: (أمّر) ، بتَشْديد الْمِيم من التأمير. قَوْله:
(فجعفر) ، أَي: فالأمير جَعْفَر. قَوْله: (قَالَ عبد الله)
أَي: ابْن عمر، وَهُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ
الْمَذْكُور. قَوْله: (فالتمسنا جَعْفَر بن أبي طَالب)
أَي: بعد قَتله. قَوْله: (فِي الْقَتْلَى) أَي: بَين
الْقَتْلَى كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فادخلي فِي
عبَادي} (الْفجْر: 29) أَي: بَين عبَادي. قَوْله: (بضعاً
وَتِسْعين) ، وَفِي الرِّوَايَة الْمَاضِيَة: (خمسين)
وَلَا تنَافِي بَينهمَا لِأَن الْخمسين كَانَت فِي ظَهره
وَهَذَا فِي جَمِيع جسده، وَكَانَ ذَلِك من الطعنات
والضربات، وَهَذَا من الطعنات والرميات، وَالْفرق بَينهمَا
أَن الطعنة بِالرُّمْحِ والضربة بِالسَّيْفِ والرمية
بِالسَّهْمِ مَعَ أَن التَّخْصِيص بِالْعدَدِ لَا يدل على
نفي الزَّائِد.
4262 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ واقِدٍ حَدَّثَنا حَمَّادُ بنُ
زَيْدٍ عنْ أيُّوبَ عنْ حُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ عنْ أنَسٍ رض
الله عَنهُ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَعَى
زَيْداً وجَعْفَراً وابنَ رَوَاحَةَ لِلنَّاسِ قَبْلَ أنْ
يأتِيهُمْ خَبَرُهُمْ فَقال أخَذَ الرَّايَة زَيْدٌ
فأصِيبَ ثُمَّ أخَذَ جَعْفَرٌ فأصيبَ ثُمَّ أخَذَ ابنُ
رَوَاحَةَ فأُصِيبَ وَعَيْناهُ تَذْرِفانِ حتَّى أخَذَ
الرَّايَةَ سَيْفٌ منْ سُيُوفِ الله حتَّى فَتَحَ الله
عَلَيْهِمْ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَأحمد بن وَاقد هُوَ
أَحْمد بن عبد الْملك بن وَاقد، بِالْقَافِ وَالدَّال
الْمُهْملَة: أَبُو يحيى الْحَرَّانِي، وَقد نسبه
البُخَارِيّ هُنَا إِلَى جده وَهُوَ من أَفْرَاده، وَحميد
بن هُبَيْرَة الْعَدوي الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الْجَنَائِز عَن أبي معمر وَفِي
الْجِهَاد عَن يُوسُف بن يَعْقُوب الصفار وَفِي عَلَامَات
النُّبُوَّة عَن سُلَيْمَان بن حَرْب وَفِي فضل خَالِد عَن
أَحْمد بن وَاقد أَيْضا.
قَوْله: (نعى زيدا) أَي: أخبر بقتْله. قَوْله: (ثمَّ أَخذ
جَعْفَر) أَي: الرَّايَة. قَوْله: (ثمَّ أَخذ ابْن
رَوَاحَة) وَهُوَ عبد الله ابْن رَوَاحَة. قَوْله:
(وَعَيناهُ) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله:
(تَذْرِفَانِ) ، بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وَالرَّاء
الْمَكْسُورَة أَي: تدفعان الدُّمُوع. قَوْله: (سيف من
سيوف الله) أَرَادَ بِهِ خَالِد بن الْوَلِيد، فَمن يومئذٍ
سمي خَالِد: سيف الله.
وَفِيه: جَوَاز الْإِعْلَام بِمَوْت الْمَيِّت، وَلَا يكون
ذَلِك من النعي الْمنْهِي عَنهُ. وَفِيه: جَوَاز تَعْلِيق
الْإِمَارَة بِشَرْط، وَجَوَاز تَوْلِيَة عدَّة أُمَرَاء
بالترتيب، وَاخْتلفُوا: أهل تَنْعَقِد تَوْلِيَة الثَّانِي
فِي الْحَال أم لَا؟ وَفِيه: جَوَاز التأمير بِغَيْر مؤمر،
وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: هَذَا أصل يُؤْخَذ مِنْهُ أَن على
الْمُسلمين أَن يقدموا رجلا إِذا غَابَ الإِمَام يقوم
مقَامه إِلَى أَن يحضر. وَفِيه: جَوَاز الِاجْتِهَاد فِي
حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَفِيه: علم
ظَاهر من أَعْلَام النُّبُوَّة. وَفِيه: فَضِيلَة تَامَّة
لخَالِد بن الْوَلِيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
273 - (حَدثنَا قُتَيْبَة حَدثنَا عبد الْوَهَّاب قَالَ
سَمِعت يحيى بن سعيد قَالَ أَخْبَرتنِي عمْرَة قَالَت
سَمِعت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا تَقول لما جَاءَ قتل
ابْن حَارِثَة وجعفر بن أبي طَالب وَعبد الله بن رَوَاحَة
رَضِي الله عَنْهُم جلس رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يعرف فِيهِ الْحزن قَالَت عَائِشَة
وَأَنا أطلع من صائر الْبَاب تَعْنِي من شقّ الْبَاب
فَأَتَاهُ رجل فَقَالَ أَي رَسُول الله إِن نسَاء جَعْفَر
قَالَ وَذكر بكاءهن فَأمره أَن ينهاهن قَالَ فَذهب الرجل
ثمَّ أَتَى فَقَالَ قد نَهَيْتُهُنَّ وَذكر أَنه لم يطعنه
قَالَ فَأمر أَيْضا فَذهب ثمَّ أَتَى فَقَالَ وَالله لقد
غلبننا فَزَعَمت أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ فاحث فِي أفواههن من
التُّرَاب قَالَت عَائِشَة فَقلت أرْغم الله أَنْفك
فوَاللَّه مَا أَنْت تفعل وَمَا تركت رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من العناء) مطابقته
للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَعبد الْوَهَّاب هُوَ ابْن عبد
الْمجِيد الثَّقَفِيّ وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ
وَعمرَة بنت عبد الرَّحْمَن بن سعد والْحَدِيث مضى فِي
الْجَنَائِز فِي بَاب من جلس عِنْد الْمُصِيبَة فَإِنَّهُ
أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن عبد الْوَهَّاب
إِلَى آخِره قَوْله " لما جَاءَ قتل زيد " أَي خبر قَتله
يحْتَمل أَن يكون ذَلِك على لِسَان قَاصد جَاءَ من
الْجَيْش وَيحْتَمل أَن يكون على لِسَان جِبْرِيل عَلَيْهِ
السَّلَام كَمَا دلّ عَلَيْهِ حَدِيث أنس الَّذِي قبله
قَوْله " جلس رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - " أَي فِي الْمَسْجِد وَكَذَا فِي رِوَايَة
الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق
(17/269)
الْمقدمِي عَن عبد الْوَهَّاب قَوْله "
يعرف فِيهِ الْحزن للرحمة الَّتِي فِي قلبه " وَلَا
يُنَافِي ذَلِك الرِّضَا بِالْقضَاءِ قَوْله " من صائر
الْبَاب " بالصَّاد الْمُهْملَة والهمزة بعد الْألف وَقد
فسره بقوله تَعْنِي من شقّ الْبَاب وَهَذَا التَّفْسِير
إِنَّمَا وَقع فِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ فَيكون من
الرَّاوِي وَذكر ابْن التِّين وَغَيره أَن الصَّوَاب ضير
الْبَاب بِكَسْر الضَّاد وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف
وبالراء وَقَالَ الْجَوْهَرِي الضير شقّ الْبَاب قَوْله
أَن نسَاء جَعْفَر ظَاهره يدل على أَنه كَانَت لَهُ نسَاء
وَلَكِن لم يعرف لَهُ إِلَّا امْرَأَة وَاحِدَة وَهِي
أَسمَاء بنت عُمَيْس فعلى هَذَا يكون مُرَاد الرجل
امْرَأَته وَمن انتسب إِلَيْهِ من النِّسَاء وَقَوله أَن
نسَاء جَعْفَر خَبره مَحْذُوف تَقْدِيره يبْكين كَذَا
قَالَه الْكرْمَانِي قلت فعلى هَذَا قَوْله قَالَ وَذكر
بكائهن سد مسد الْخَبَر ويروى قَالَت يَعْنِي عَائِشَة
وَالضَّمِير فِي ذكر يرجع إِلَى الرجل وعَلى رِوَايَة
قَالَ بالتذكير يكون فِيهِ إدراج من الرَّاوِي قَوْله أَن
ينهاهن قيل وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر أَن يأتيهن من
الْإِتْيَان وَالظَّاهِر أَنه محرف قَوْله " وَذكر أَنه لم
يطعنه " وَفِي رِوَايَة الْكشميهني وَذكر أَنَّهُنَّ لم
يطعنه بِضَم الْيَاء من الإطاعة قَوْله لقد غلبننا أَي فِي
عدم الإطاعة قَوْله فاحث أَمر من حثا يحثو وحثى يحثي إِذا
رمى فعلى هَذَا يجوز فِي الثَّاء فِي ثاء فاحث الضَّم
وَالْكَسْر قَوْله أرْغم الله أَنْفك أَي ألصقه بالرغام
وَهُوَ التُّرَاب وَهَذَا يسْتَعْمل فِي الْعَجز عَن
الانتصاف والانقياد على كره قَوْله فوَاللَّه مَا أَنْت
تفعل أَرَادَت لقصورك مَا تفعل مَا أمرت بِهِ وَلَا تخبر
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لقصورك
عَن ذَلِك حَتَّى يُرْسل غَيْرك قَوْله " وَمَا تركت "
رَسُول الله من العناء بِالْعينِ الْمُهْملَة وَالنُّون
وبالمد وَهُوَ التَّعَب وَوَقع فِي رِوَايَة العذري عِنْد
مُسلم من الغي بالغين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْيَاء
وَفِي رِوَايَة الطَّبَرِيّ مثله وَلَكِن بِالْعينِ
الْمُهْملَة
274 - (حَدثنِي مُحَمَّد بن أبي بكر حَدثنَا عمر بن عَليّ
عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد عَن عَامر قَالَ كَانَ ابْن
عمر إِذا حَيا ابْن جَعْفَر قَالَ السَّلَام عَلَيْك يَا
ابْن ذِي الجناحين) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَنه
يتَعَلَّق بِجَعْفَر الَّذِي اسْتشْهد بمؤتة وَمُحَمّد بن
أبي بكر هُوَ الْمقدمِي وَعمر بن عَليّ عَمه وعامر هُوَ
الشّعبِيّ قَوْله إِذا حَيا أَي إِذا سلم على ابْن جَعْفَر
وَهُوَ عبد الله وَإِنَّمَا لقب بذلك لِأَنَّهُ لما قطعت
يَدَاهُ يَوْم مُؤْتَة جعل الله لَهُ جناحين يطير بهما فِي
الْجنَّة وَعَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - رَأَيْت جعفرا يطير فِي الْجنَّة مَعَ
الْمَلَائِكَة ولقب بالطيار أَيْضا وروى الْبَيْهَقِيّ فِي
الدَّلَائِل من مُرْسل عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة أَن
جناحي جَعْفَر من ياقوت وَقَالَ السُّهيْلي جَنَاحَانِ
ليسَا كَمَا يسْبق إِلَى الْوَهم كجناحي الطَّائِر وريشه
لِأَن الصُّورَة الْآدَمِيَّة أشرف الصُّور وأكملها
وَالْمرَاد بالجناحين صفة ملكية وَقُوَّة روحانية أعطيها
جَعْفَر وَقد عبر الْقُرْآن عَن الْعَضُد بالجناح توسعا
فِي قَوْله تَعَالَى {واضمم يدك إِلَى جناحك} قلت إِذا لم
يثبت خبر فِي بَيَان كيفيتهما فنؤمن بِهِ من غير بحث عَن
حقيقتهما وَالله أعلم -
4265 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا سُفْيانُ عنْ
إسْماعيلَ عنْ قَيْس بنِ أبي حازِمِ قَالَ سَمِعْتُ خالِدَ
بنَ الوَلِيدِ يَقولُ لَقَدِ انْقَطَعَتْ فِي يَدِي يَوْمَ
مُوتَةَ تِسْعَةُ أسْيافٍ فَما بَقِيَ فِي يَدِي إلاَّ
ضَعِيفَةٌ يَمانِيَّةٌ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَأَبُو نعيم، بِضَم
النُّون: الْفضل بن دُكَيْن، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ،
وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي خَالِد الأحمسي البَجلِيّ،
وَقيس بن أبي حَازِم البَجلِيّ، وَهَؤُلَاء كلهم كوفيون.
قَوْله: (صعيفة يَمَانِية) الصعيفة: السَّيْف العريض،
واليمانية: بتَخْفِيف الْيَاء على الْأَصَح وَأَصله أَن
يقْرَأ بِالتَّشْدِيدِ لِأَنَّهَا يَاء النِّسْبَة إلاّ
أَنهم خففوها. فَقَالُوا سيف يمَان، وَأَصله يماني.
4266 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى حدّثنا يَحْيَى
عَنْ إسْمَاعيِلَ قَالَ حدّثني قَيْسٌ سَمِعْتُ خالِدٍ
ابنَ الوَلِيدِ يَقُولُ لَقَدْ دُقَّ فِي يَدِي يَوْمَ
مُوتَةَ تِسْعَةُ أسْيَافٍ وَصَبَرَتْ فِي يَدي صَعِيفَةٌ
لِي يَمَانِيَّةٌ. .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث خَالِد. وَيحيى هُوَ ابْن
سعيد الْقطَّان. قَوْله: (دق) على صِيغَة الْمَجْهُول،
أَي: تكسر قطعا قطعا. قَوْله: (وَصَبَرت) أَي: لم
تَنْقَطِع وَلم تندق.
(17/270)
4267 - حدَّثني عِمْرَانُ بنُ مَيْسَرَةَ
حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ عنْ حُصَيْنٍ عنْ عامِرٍ
عنِ النُّعْمانِ إِن بَشِيرٍ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ
اغْمِيَ عَلَى عَبْدِ الله بنِ رَوَاحَةَ فَجَعَلَتْ
أُخْتُهُ عَمْرَةُ تَبْكي واجبَلاَهْ واكَذَا واكَذَا
تُعَدَّدُ عَلَيْهِ فقالَ حِينَ أفاقَ مَا قُلْتِ شَيْئاً
إلاَّ قِيلَ لي آنْتَ كَذَلِكَ.
قيل: لَا مُطَابقَة للتَّرْجَمَة فِي ذكر هَذَا الحَدِيث
هُنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يدل على أَنه كَانَ فِي
غَزْوَة موتَة. قلت: يُمكن أَن يُوَجه ذكره هُنَا بِشَيْء
وَإِن كَانَ فِيهِ نوع تعسف، وَهُوَ أَن الْمَذْكُور فِيهِ
من جملَة مَا جرى على عبد الله بن رَوَاحَة الْمَذْكُور
فِي الْبَاب وَهُوَ الْمَوْت فِيمَا مضى وَالْمَرَض هُنَا.
وحصين، بِضَم الْحَاء هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن، وعامر
هُوَ الشّعبِيّ كَمَا مر الْآن.
قَوْله: (أُخْته عمْرَة) هِيَ: وَالِدَة النُّعْمَان بن
بشير رَاوِي الحَدِيث، وَوَقع فِي رِوَايَة هشيم عِنْد أبي
نعيم، وَفِي مُرْسل أبي عمر أَن الْجونِي عِنْد ابْن سعد:
أَنَّهَا أم عبد الله بن رَوَاحَة، قيل: هَذَا خطأ فَاحش،
وَاسم أمه كَبْشَة بنت وَاقد قَوْله: (أغمى على عبد الله)
يَعْنِي: مرض وَحصل لَهُ الْإِغْمَاء فِي مَرضه: فَلَمَّا
رَأَتْ أُخْته عمْرَة هَذِه الْحَالة بَكت وندبت، وَقَالَت
نادبة بقولِهَا (واجبلاه) بِالْجِيم وَاللَّام وَالْوَاو
فِيهِ للندبة وَهُوَ حرف نِدَاء، وَلكنه يخْتَص بالندبة
وَالْهَاء فِيهِ للسكن، وَفِي رِوَايَة هشيم عَن حُصَيْن
عِنْد أبي نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) واعضداه، وَفِي مُرْسل
الْحسن عِنْد ابْن سعد: واجبلاه واعزاه، وَفِي مُرْسل أبي
عمرَان الْجونِي عِنْده واظهراه. قَوْله: (تعدد عَلَيْهِ)
أَي: على عبد الله بن رَوَاحَة، وتعدد، بِضَم التَّاء من
التعديد، وَهُوَ ذكر أَوْصَاف الْمَيِّت ومحاسنه فِي
أثْنَاء الْبكاء. قَوْله: (فَقَالَ) أَي: عبد الله (حِين
أَفَاق) من إغمائه مُخَاطبا لأخته عمْرَة: (مَا قلت شَيْئا
إلاَّ قيل: أَنْت كَذَلِك؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على
سَبِيل الْإِنْكَار. أَي: قيل لي هَذَا الْكَلَام على
سَبِيل الْإِيذَاء والإهانة، وَفِي مُرْسل أبي عمرَان
الْجونِي: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ
عَاده، يَعْنِي: عبد الله، فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ. فَقَالَ:
اللَّهُمَّ إِن كَانَ أَجله قد حضر فيسر عَلَيْهِ وإلاَّ
فاشفه. قَالَ: فَوجدَ خفَّة، فَقَالَ: كَانَ قد رفع مرزبة
من حَدِيد، يَقُول: أَنْت كَذَا؟ فَلَو قلت: نعم لقمعني
بهَا.
4268 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ حدّثنا عَبْثَرٌ عَنْ حُصَيْنٍ
عَنِ الشَّعْبِيِّ عنِ النُّعْمانِ بنِ بَشِيرٍ قَالَ
أُغْمِيَ عَلَى عَبْدِ الله بنِ رَوَاحَةَ بِهَذَا
فَلَمَّا ماتَ لَمْ تَبْكِ عَلَيْهِ. .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث النُّعْمَان بن بشير أخرجه
عَن قُتَيْبَة بن سعيد عَن عَبْثَر، بِفَتْح الْعين
الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الثَّاء
الْمُثَلَّثَة وبالراء فِي آخِره ابْن الْقَاسِم الْكُوفِي
عَن حُصَيْن بن عبد الرَّحْمَن عَن عَامر الشّعبِيّ.
قَوْله: (بِهَذَا) أَي: بِمَا ذكر فِي الحَدِيث الْمَاضِي
من قَوْله: فَجعلت أُخْته تبْكي إِلَى آخِره. قَوْله:
(فَلَمَّا مَاتَ) أَي: عبد الله فِي غَزْوَة موتَة بلغَهَا
الْخَبَر لم تبْكي عَلَيْهِ لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قد نهاها عَن الْبكاء فامتثلت أمره صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم.
4546 - بابُ بَعْثِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أُسَامَةَ بنَ زَيْدٍ إِلَى الحُرَقاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان بعث النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، أُسَامَة بن زيد بن حَارِثَة مولى
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَوْله: (الحرقات)
بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الرَّاء وبالقاف وَهِي
قَبيلَة من جُهَيْنَة، وَالظَّاهِر أَنه جمع حرقة، واسْمه:
جهيش بن عَامر بن ثَعْلَبَة بن مودعة بن جُهَيْنَة سمي:
الحرفة لِأَنَّهُ حرق قوما بِالنَّبلِ فَبَالغ فِي ذَلِك،
ذكره ابْن الْكَلْبِيّ، وجهينة بن زيد ابْن لَيْث بن سود
بن أسلم بِضَم اللَّام ابْن الحاف بن قضاعة، قَالَ ابْن
دُرَيْد الجهن الغلظ فِي الْوَجْه وَفِي الْجِسْم، وَبِه
سمي جُهَيْنَة وقضاعة ولد معد بن عدنان، وَقيل: هُوَ فِي
الْيمن وَهُوَ ابْن مَالك بن حمير، وَقَالَ ابْن دُرَيْد:
هُوَ من انْقَطع الرجل من أَهله إِذا انْقَطع مِنْهُم
وبُعد.
4269 - حدَّثني عَمْرُو بنُ مُحَمَّدٍ حدّثنا هُشَيْنٌ
أخبرنَا حصَيْنٌ أخْبَرَنا أبُو ظَبْيَانَ قَالَ سَمعْتُ
أسامَةَ بنَ زَيْدٍ رَضِي الله عَنْهُمَا يَقُول بعَثَنا
رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الحُرَقَةِ
فَصَبَّحْنا القَوْمَ
(17/271)
فَهَزَمْنَاهُمْ ولَحِقْتُ أَنا ورَجُلٌ
منَ الأنْصارِ رجُلاً منْهُمْ فلَمّا غَشَيْنَاهُ قَالَ
لَا إل هـ إلاَّ الله فكَفَّ الأنْصَارِيُّ فَطَعَنْتُهُ
بِرُمْحِي حتَّى قتَلْتُهُ فلَمّا قَدِمْنَا بلغَ النبيَّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقال يَا أسامَةُ أقَتَلْتَهُ
بَعْدَ أنْ قَالَ لَا إِلَه إلاَّ الله قُلْتُ كَانَ
مُتَعَوِّذاً فَما زَالَ يُكَرِّرُها حتَّى تَمَنَّيْتُ
أنِّي لَمْ أَكُنْ أسْلَمْتُ قَبْلَ ذالِكَ اليَوْمِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (بعثنَا رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم) وَلَكِن لَيْسَ فِي هَذَا وَلَا فِي
التَّرْجَمَة مَا يدل على أَن أُسَامَة كَانَ أَمِير
الْقَوْم، وَهَذِه الْغَزْوَة مَشْهُورَة عِنْد أَصْحَاب
الْمَغَازِي بغزوة غَالب اللَّيْثِيّ الْكَلْبِيّ، قَالُوا
وَفِيه نزلت: {وَلَا تقولوالمن ألْقى إِلَيْكُم السَّلَام
لست مُؤمنا} (النِّسَاء: 94) وَذكر ابْن سعد أَنه كَانَ
فِي رَمَضَان سنة سبع وَأَن الْأَمِير كَانَ غَالب بن عبد
الله اللَّيْثِيّ، أرْسلهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى
بني عَوَالٍ وَبني عبد بن ثَعْلَبَة وهم بالميفعة وَرَاء
بطن نخل بِنَاحِيَة نجد، وَبَينهَا وَبَين الْمَدِينَة
ثَمَانِيَة برد. فِي مائَة وَثَلَاثِينَ رجلا وَقَالَ
صَاحب (التَّلْوِيح) فَينْظر فِي هَذَا، هَل الْمرجع إِلَى
مَا قَالَه البُخَارِيّ أَو إِلَى مَا ذكره أهل
التَّارِيخ؟
وَعَمْرو بن مُحَمَّد بن بكير بن سَابُور النَّاقِد
الْبَغْدَادِيّ وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا، وهشيم مصغر هشم
إِبْنِ بشير الوَاسِطِيّ، وحصين مصغر حصن. ابْن عبد
الرَّحْمَن الْكُوفِي، وَأَبُو ظبْيَان، بِفَتْح الظَّاء
الْمُعْجَمَة وَكسرهَا وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة
وبالياء آخر الْحُرُوف. قَالَ النَّوَوِيّ: أهل اللُّغَة
يفتحون الظَّاء ويلحنون من يكسرها، وَأهل الحَدِيث
يكسرونها، وَكَذَا قَيده ابْن مَاكُولَا وَغَيره، واسْمه
حُصَيْن بن جُنْدُب بن عَمْرو، كُوفِي توفّي سنة تسعين.
والْحَدِيث أَخّرهُ البُخَارِيّ أَيْضا فِي الدِّيات عَن
عَمْرو بن زُرَارَة النَّيْسَابُورِي عَن هشيم. وَأخرجه
مُسلم فِي الْأَيْمَان: حَدثنَا يَعْقُوب الدَّوْرَقِي،
قَالَ: حَدثنَا هشيم، قَالَ: أخبرنَا حُصَيْن قَالَ:
حَدثنَا أَبُو ظبْيَان قَالَ: سَمِعت أُسَامَة بن زيد بن
حَارِثَة يحدث، قَالَ: بعثنَا رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى الحرقة من جُهَيْنَة فصبحنا
الْقَوْم إِلَى آخِره وَنَحْوه وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي
الْجِهَاد عَن الْحسن بن عَليّ وَعُثْمَان بن أبي شيبَة
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي السّير عَن مُحَمَّد بن آدم
وَعَن عَمْرو بن عَليّ.
قَوْله: (رجلا) هُوَ ومرداس، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون
الرَّاء وبالمهملتين: ابْن نهيك، بِفَتْح النُّون وَكسر
الْهَاء وبالكاف: الْفَزارِيّ، كَانَ يرْعَى غنما لَهُ.
قَوْله: (أقتلته؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل
الْإِنْكَار. قَوْله: (مُتَعَوِّذًا) أَي: من الْقَتْل
قَالَ الْخطابِيّ: وَيُشبه أَن أُسَامَة أول قَوْله
تَعَالَى: {فَلم يَك يَنْفَعهُمْ إِيمَانهم لما رَأَوْا
بأسنا} (غَافِر: 85) ، فَلذَلِك عزره النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، فَلم يلْزمه دِيَة وَنَحْوهَا. قَوْله:
(فَمَا زَالَ) أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
يكررها أَي: كلمة (أقتلته) بعد أَن قَالَ لَا إل هـ إلاَّ
الله؟ . قَوْله: (حَتَّى تمنيت) إِلَى آخِره، وَهُوَ
للْمُبَالَغَة لَا على الْحَقِيقَة، وَيُقَال: مَعْنَاهُ
أَنه كَانَ يتَمَنَّى إسلاماً لَا ذَنْب فِي.
280 - (حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد حَدثنَا حَاتِم عَن
يزِيد بن أبي عبيد قَالَ سَمِعت سَلمَة بن الْأَكْوَع
يَقُول غزوت مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - سبع غزوات وَخرجت فِيمَا يبْعَث من الْبعُوث
تسع غزوات مرّة علينا أَبُو بكر وَمرَّة علينا أُسَامَة)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله وَمرَّة علينا أُسَامَة
وحاتم بِالْحَاء الْمُهْملَة ابْن إِسْمَاعِيل قد مر عَن
قريب وَكَذَلِكَ يزِيد بن أبي عبيد مولى سَلمَة بن
الْأَكْوَع وَأخرجه مُسلم أَيْضا عَن قُتَيْبَة فِي
الْمَغَازِي قَوْله سبع غزوات وَهِي غزوته مَعَ النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي عمْرَة
الْحُدَيْبِيَة وخيبر وَالْحُدَيْبِيَة وَيَوْم حنين
وَيَوْم القرد وغزوة الْفَتْح وغزوة الطَّائِف وغزوة
تَبُوك وَهِي آخر الْغَزَوَات النَّبَوِيَّة قَوْله وَخرجت
فِيمَا يبْعَث من الْبعُوث وَهُوَ جمع بعث وَهُوَ الْجَيْش
سمي بِهِ لِأَنَّهُ يبْعَث ثمَّ يجمع وَأَصله من الْبَعْث
الَّذِي بِمَعْنى الْإِرْسَال قَوْله تسع غزوات مِنْهَا
سَرِيَّة أبي بكر الصّديق إِلَى بني فَزَارَة ذكره مُسلم
وسريته أَيْضا إِلَى بني كلاب ذكره ابْن سعد وَبَعثه إِلَى
الْحَج سنة تسع وَمِنْهَا سَرِيَّة أُسَامَة الَّتِي وَقع
ذكرهَا فِي الْبَاب وسريته إِلَى ابْني بِضَم الْهمزَة
وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة ثمَّ نون مَقْصُورا وَهِي من
نواحي
(17/272)
البلقاء وَذَلِكَ فِي صفر فَهَذِهِ الْخمس
الَّتِي ذكرهَا أَصْحَاب الْمَغَازِي وَلم يذكرُوا غَيرهَا
على أَن فِي بعض الرِّوَايَات لم يذكر عدد فِي الْبعُوث
قَوْله أُسَامَة هُوَ ابْن زيد بن حَارِثَة
(وَقَالَ عمر بن حَفْص بن غياث حَدثنَا أبي عَن يزِيد بن
أبي عبيد قَالَ سَمِعت سَلمَة يَقُول غزوت مَعَ النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سبع غزوات وَخرجت
فِيمَا يبْعَث من الْبَعْث تسع غزوات علينا مرّة أَبُو بكر
وَمرَّة أُسَامَة) عمر بن حَفْص من شُيُوخ البُخَارِيّ
وَرُبمَا يرْوى عَنهُ بِوَاسِطَة وَهنا ذكره مُعَلّقا
وَوَصله أَبُو نعيم فِي الْمُسْتَخْرج من طَرِيق أبي بشر
إِسْمَاعِيل بن عبد الله عَن عمر بن حَفْص بِهِ -
4272 - حدَّثنا أبُو عاصمٍ الضَّحّاكُ بنُ مَخْلَدٍ
حدَّثنا يَزِيدُ بنُ أبي عُبَيْدٍ عنْ سَلَمَةَ بنِ
الأكْوَعِ رَضِي الله عَنهُ قَالَ غَزٍ وْتُ معَ النبيِّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سبْعَ غَزَوَاتٍ وغَزَوْتُ معَ
ابنِ حارِثَةَ اسْتَعْمَلَهُ عَلَيْنَا. .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث سَلمَة بن الْأَكْوَع.
وَهَذَا هُوَ الْخَامِس عشر من ثلاثيات البُخَارِيّ.
قَوْله: (اسْتَعْملهُ) أَي: جعله أَمِيرا علينا هَكَذَا
رَوَاهُ البُخَارِيّ مُبْهما عَن شَيْخه، وَلَعَلَّ وَجه
الْإِبْهَام لمُخَالفَته بَقِيَّة رِوَايَات الْبَاب فِي
تعْيين أُسَامَة.
4273 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا حَمّادُ
بنُ مَسْعَدَةَ عنْ يَزِيدَ بنِ أبي عُبَيْدٍ عنْ سلَمَةَ
بنِ الأكْوَعِ قَالَ غَزَوْتُ معَ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم سبْعَ غَزَوَاتٍ فَذَكَرَ خَيْبَرَ
والحُدَيْبِيّةَ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ وَيَوْمَ القَرَدِ
قَالَ يَزِيدُ ونَسِيتُ بَقِيَّتَهُمْ. .
هَذَا طَرِيق آخر أخرجه عَن مُحَمَّد بن عبد الله قَالَ
الكلاباذي وَالْبرْقَانِي: هُوَ الذهلي، نسبه إِلَى جده،
وَهُوَ مُحَمَّد بن يحيى بن عبد الله بن خَالِد بن فَارس،
وَكَانَ أَبُو دَاوُد إِذا حدث عَنهُ نسب أَبَاهُ يحيى
إِلَى جده فَارس، وَلَا يذكر خَالِدا. وَقيل: إِن مُحَمَّد
بن عبد الله هَذَا هُوَ المَخْزُومِي الْبَغْدَادِيّ
الْحَافِظ، وَحَمَّاد بن مسْعدَة، بِفَتْح الْمِيم
وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْعين الْمُهْملَة
وَالدَّال التَّمِيمِي الْبَصْرِيّ، مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ
وَمِائَتَيْنِ. قَوْله: (وَيَوْم القرد) بِفَتْح الْقَاف
وَالرَّاء وبالدال الْمُهْملَة، وَهُوَ مَاء على نَحْو
يَوْم من الْمَدِينَة. قَوْله: (ونسيت بَقِيَّتهمْ) كَذَا
وَقع فِي النّسَب بِالْمِيم فِي ضمير جمع الْغَزَوَات،
وَالْأَصْل فِيهِ التَّأْنِيث، وَوَقع فِي رِوَايَة
النَّسَفِيّ كَذَلِك بِالْمِيم، وَقَالَ الْكرْمَانِي،
ونسيت بقيتها، أَي: الثَّلَاثَة الْأُخْرَى. وَهَذَا على
الصَّوَاب.
47 - (بابُ غَزْوَةِ الفَتْحِ)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان غَزْوَة فتح مَكَّة شرفها الله،
وَكَانَ سَبَب ذَلِك أَن قُريْشًا نقضوا الْعَهْد الَّذِي
وَقع بِالْحُدَيْبِية، فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فغزاهم.
وَمَا بَعَثَ بِهِ حاطِبُ بنُ أبي بَلْتَعَةَ إِلَى أهْلِ
مَكَّةَ يُخبِرُهُمْ بِغَزْوِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم
هَذَا عطف على قَوْله: غَزْوَة الْفَتْح، وَالتَّقْدِير:
وَفِي بَيَان مَا بعث بِهِ حَاطِب بن أبي بلتعة إِلَى أهل
مَكَّة يُخْبِرهُمْ بغزوة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، والمبعوث مِنْهُ الْكتاب، وَصورته: أما بعد: يَا
معشر قُرَيْش، فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
جَاءَكُم بِجَيْش كالليل، يسير كالسيل، فوَاللَّه لَو
جَاءَكُم وَحده نَصره الله عَلَيْكُم، وأنجز لَهُ وعده،
فانظروا لأنفسكم وَالسَّلَام.
4274 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدَّثنا سُفْيَانُ
عنْ عَمْروِ بن دِينارٍ قَالَ أَخْبرنِي الحَسَنُ بنُ
مُحَمَّدٍ ألَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ الله بنَ أبي رافِعٍ
يقُولُ سمِعْتُ علِيًّا رَضِي الله عنهُ يقُولُ بَعَثَني
رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(17/273)
أَنا والزُّبَيْرَ والمِقْدَادَ فَقال
انْطلِقُوا حتَّى تأتُوا رَوْضَةَ خاخِ فإنَّ بِها
ظَعِنَةً مَعَها كِتابٌ فَخُذُوا مِنْها قَالَ فانطَلَقْنا
تَعادَي بِناخَيْلُنا حتَّى أتَينَا الرَّوْضَةَ فإذَا
نَحْنُ بالظَّعِينَةِ قُلْنَا لَها أخْرِجِي الكِتَابَ
قالَتْ مَا مَعِى كِتابٌ فَقُلْنا لتخْرِجِنَّ الكِتابَ
أوْ لَتُلْقِيَنَّ الثِّيابَ قَالَ فأخْرَجَتْهُ منْ
عِقَاصِهَا فأتَيْنا بِهِ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فإِذَا فِيه منْ حاطِبِ بنِ أبي بَلْتَعَةَ إِلَى
نَاس بِمَكَّةَ منَ المُشْرِكِينَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ
أمْرِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ
رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا حاطِبُ مَا هَذَا
قَالَ يَا رسولَ الله لَا تَعْجَلْ عَليَّ إنِّي كُنْتُ
امْرَءً مُلْصَقاً فِي قُرَيْشٍ يَقُولُ كنْتُ حَلِيناً
ولَمْ أكُنْ مِنْ أنفُسِها وكانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ
المُهاجِرِينَ مَنْ لَهُمْ قَرَاباتٌ يَحْمُونَ أهْلِيهِمْ
وأمْوَالَهُمْ فأحْبَبتُ إذْ فاتَنِي ذلِكَ مِنَ النَّسَبِ
فِيهِمْ أنْ أتَّخِذَ عنْدَهُمْ يَداً يَحْمُونَ
قَرَابَتِي ولَمْ أفْعَلْهُ ارْتِدَاداً عنْ دِينِي ولاَ
رِضاً بالْكُفْرِ بَعْدَ الإسْلاَمِ فَقَالَ رسُولُ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما إنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ
فَقَالَ عُمَرُ يَا رسُولَ الله دَعْنِي أضْرِبْ عُنُقَ
هاذَا المُنافِقِ فَقَالَ إنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْراً
وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ الله اطَّلَعَ عَلَى مَنْ شَهِدَ
بَدْراً قَالَ اعْمَلُوا مَا شئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ
لَكُمْ فأنْزَلَ الله السُّورَةَ {يَا أيُّها الَّذِينَ
آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وعَدُوَّكُمْ أوْلِياءَ
تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بالمَوَدَّةِ وقدْ كَفَرُوا بِمَا
جاءَكُمْ مِنَ الحَقِّ} (الممتحنة: 1) إِلَى قَوْله:
{فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} (الممتحنة: 1) . .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وسُفْيَان هُوَ ابْن
عُيَيْنَة، وَالْحسن بن مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي طَالب،
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، يعرف أَبوهُ بِابْن
الْحَنَفِيَّة قَالَ الْوَاقِدِيّ: توفّي زمن عمر بن عبد
الْعَزِيز، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَعبيد الله بن أبي
رَافع مولى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَبُو
رَافع اسْمه أسلم.
والْحَدِيث قد مضى فِي الْجِهَاد فِي: بَاب الجاسوس، وَمضى
الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (وَالزُّبَيْر) بِالنّصب عطف على الضَّمِير
الْمَنْصُوب فِي: بَعَثَنِي، وَهُوَ الزبير بن الْعَوام.
قَوْله: (والمقداد) ، بِالنّصب أَيْضا عطفا على:
وَالزُّبَيْر، وأكد الضَّمِير الْمَنْصُوب فِي بَعَثَنِي
بِلَفْظ: أَنا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {أَن ترن أَنا
أقل مِنْك مَالا وَولدا} (الْكَهْف: 39) (فَإِن قلت) : فِي
رِوَايَة أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ عَن عَليّ رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ: بَعَثَنِي وَأَبا مرْثَد الغنوي
وَالزُّبَيْر بن الْعَوام، كَمَا تقدم فِي فضل من شهد
بَدْرًا، قلت: يحْتَمل أَن يكون هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة
مَعَ عَليّ، فَذكر أحد الراويين عَنهُ مَا لم يذكر الآخر،
وَذكر ابْن إِسْحَاق الزبير مَعَ عَليّ لَيْسَ إِلَّا
وسَاق الْخَبَر بالتثنية، قَالَ: فَخَرَجَا حَتَّى
أَدْركَاهَا فَاسْتَنْزَلَاهَا إِلَى آخِره. قَوْله:
(رَوْضَة خَاخ) بخاءين معجمتين: مَوضِع بَين مَكَّة
وَالْمَدينَة. قَوْله: (ظَعِينَة) أَي: امْرَأَة وَاسْمهَا
سارة، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: كنُود، وَفِي رِوَايَة: أم
سارة، وَجعل لَهَا حَاطِب عشرَة دَنَانِير على ذَلِك،
وَقيل: دِينَارا وَاحِدًا، وَكَانَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَمر بقتلها يَوْم الْفَتْح مَعَ هِنْد بنت
عتبَة ثمَّ استؤمن لَهَا فَأَمَّنَهَا، ثمَّ بقيت حَتَّى
أَوْطَأَهَا رجل من النَّاس فرسا فِي زمن عمر، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، فَقَتلهَا وَكَانَت مولاة لبني عبد
الْمطلب. قَوْله: (تعادي بِنَا خَيْلنَا) أَي: أسرعت بِنَا
وتعدت عَن مشيها الْمُعْتَاد. قَوْله: (أَو لتلْقين)
بِكَسْر الْيَاء وَفتحهَا. قَوْله: (من عقاصها) ، بِكَسْر
الْعين وبالقاف، وَهِي الشُّعُور المظفورة (فَإِن قلت)
تقدم فِي: بَاب، إِذا اضْطر الرجل إِلَى النّظر، أَنَّهَا
أخرجته من الحجزة؟ قلت: قَالَ الْكرْمَانِي: لَعَلَّهَا
أخرجته من الحجزة فأخفته فِي العقيصة، ثمَّ أخرجته مِنْهَا
قلت: لَا يَخْلُو هَذَا من نظر، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ
فِي الْجِهَاد. قَوْله: (يَقُول: كنت حليفاً) تَفْسِير
قَوْله: (وَكنت امْرأ مُلْصقًا فِي قُرَيْش) ، وَقَالَ
السُّهيْلي: كَانَ حَاطِب حليفاً لعبد الله بن حميد بن
زُهَيْر بن أَسد بن عبد الْعزي. قَوْله: (يدا) أَي: منَّة
وَحقا. قَوْله: (فَقَالَ: إِنَّه) أَي: فَقَالَ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن حَاطِبًا (شهد بَدْرًا) ،
أَي: غَزْوَة بدر، وحاطب، بالمهملتين: ابْن أبي بلتعة،
واسْمه: عُمَيْر بن سَلمَة بن صَعب بن عتِيك
(17/274)
وَقَالَ أَبُو عمر: حَاطِب بن أبي بلتعة
اللَّخْمِيّ من ولد لخم بن عدي فِي قَول بَعضهم، وَقيل:
كَانَ عبدا لعبد الله بن حميد الْمَذْكُور آنِفا
بِالْكِتَابَةِ، فَأدى كتابتة يَوْم الْفَتْح، مَاتَ سنة
ثَلَاثِينَ بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ ابْن اثْنَتَيْنِ
وَسِتِّينَ سنة، وَصلى عَلَيْهِ عُثْمَان، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، وَبَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، بِكِتَاب إِلَى الْمُقَوْقس صَاحب مصر والإسكندرية
فِي محرم سنة سِتّ بعد الْحُدَيْبِيَة، فَأَقَامَ عِنْده
خَمْسَة أَيَّام وَرجع بهدية مِنْهَا مَارِيَة أم
إِبْرَاهِيم وَأُخْتهَا سِيرِين، فَوَهَبَهَا لحسان بن
ثَابت، وَبغلته دُلْدُل وَحِمَاره عفير وَعسل وَثيَاب
وَغير ذَلِك من الظّرْف، وَقَالَ أَبُو عمر: أهْدى
الْمُقَوْقس لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثَلَاث
جوارٍ مِنْهُنَّ: أم إِبْرَاهِيم ابْن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأُخْرَى وَهبهَا لأبي جهم بن
حُذَيْفَة الْعَدوي، وَأُخْرَى وَهبهَا لحسان بن ثَابت،
ثمَّ بَعثه الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَيْضا
إِلَى الْمُقَوْقس فَصَالحهُمْ، فَلم يزَالُوا كَذَلِك
حَتَّى دَخلهَا عَمْرو بن الْعَاصِ فنقض الصُّلْح
وَقَاتلهمْ وافتتح مصر، وَذَلِكَ فِي سنة عشْرين، وَكَانَ
حَاطِب تَاجِرًا يَبِيع الطَّعَام، وَترك يَوْم مَاتَ
أَرْبَعَة آلَاف دِينَار ودراهم وَغير ذَلِك، وروى حَاطِب
عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه قَالَ: من
رَآنِي بعد موتِي فَكَأَنَّمَا رَآنِي فِي حَياتِي، وَمن
مَاتَ فِي أحد الْحَرَمَيْنِ يبْعَث فِي الْآمنينَ يَوْم
الْقِيَامَة. وَقَالَ أَبُو عمر: لَا أعلم لَهُ غير هَذَا
الحَدِيث، وَفِي الصَّحَابَة: حَاطِب، أَرْبَعَة سواهُ.
قَالَه صَاحب (التَّوْضِيح) وَلم يذكر أَبُو عمر إلاَّ
أَرْبَعَة مِنْهُم: خَاطب بن عَمْرو بن عتِيك شهد بَدْرًا
وَلم يذكرهُ ابْن إِسْحَاق فِي الْبَدْرِيِّينَ، وحاطب بن
عَمْرو بن عبد شمس، وحاطب بن الْحَارِث مَاتَ بِأَرْض
الْحَبَشَة مُهَاجرا، وحاطب بن أبي بلتعة. قَوْله:
(فَأنْزل الله السُّورَة) إِلَى آخِره، قَالَ أَبُو عمر:
قد شهد الله لحاطب بن أبي بلتعة بِالْإِيمَان فِي قَوْله:
{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا عدوي
وَعَدُوكُمْ أَوْلِيَاء} (الممتحنة: 1) قَالَ مُجَاهِد:
هَذَا صَرِيح فِي نزُول الْآيَة فِيهِ وَفِي قوم مَعَه
كتبُوا إِلَى أهل مَكَّة يخبرونهم. قَوْله: (تلقونَ
إِلَيْهِم بالمودة) أَي: تلقونَ إِلَيْهِم النَّصِيحَة
بالمودة. قَوْله: (وَقد كفرُوا) أَي: وَالْحَال أَن أهل
مَكَّة الْمُشْركين قد كفرُوا بِمَا جَاءَكُم الرَّسُول من
الْحق وَهُوَ الْقُرْآن وَأمره. قَوْله: (يخرجُون
الرَّسُول) أَي: من مَكَّة، وَهُوَ اسْتِئْنَاف كالتفسير
لكفرهم، وَقيل: حَال من كفرُوا، أَي: يخرجُون الرَّسُول
وَإِيَّاكُم من مَكَّة لأجل إيمَانكُمْ. قَوْله: (إِن
كُنْتُم خَرجْتُمْ) الْمَعْنى: إِن كُنْتُم خَرجْتُمْ
للْجِهَاد ولطلب مرضاة الله (فَلَا تَتَّخِذُوا عدوي
وَعدكُم أَوْلِيَاء) قَوْله: (تسرون) بدل من: تلقونَ،
وَقيل: اسْتِئْنَاف. قَوْله: (وَأَنا أعلم بِمَا أخفيتم)
فَكيف يخفى عَليّ تحذيركم الْكفَّار؟ قَوْله: (وَمن
يَفْعَله مِنْكُم) أَي: وَمن يفعل الْإِسْرَار فِي هَذَا
فقد ضل أَي: فقد أَخطَأ سَوَاء السَّبِيل أَي: طَرِيق
الْحق.
48 - (بابُ غَزْوَةِ الفَتْحِ فِي رَمَضَانَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَن غَزْوَة يَوْم فتح مَكَّة
كَانَت فِي شهر رَمَضَان سنة ثَمَان من الْهِجْرَة،
وَكَانَ خُرُوجه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْمَدِينَة
يَوْم الْأَرْبَعَاء لعشر لَيَال خلون من رَمَضَان، وروى
ابْن إِسْحَاق عَن الزُّهْرِيّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم اسْتعْمل على الْمَدِينَة أبارهم الْغِفَارِيّ.
4275 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ حدَّثنا اللَّيْثُ
قَالَ حدّثني عُقَيْلٌ عنِ ابْن شِهابٍ قَالَ أَخْبرنِي
عُبَيْدُ الله بنُ عبْدِ الله بنِ عُتْبَةً أنَّ عَبَّاسٍ
أخْبَرَهُ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
غَزَا غَزْوَةَ الفَتْ فِي رَمَضَانَ قَالَ وسَمِعْتُ ابنَ
المُسَيَّبِ يَقُولُ مِثْلَ ذالِكَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث مضى فِي
الصّيام وَغَيره. قَوْله: (قَالَ: وَسمعت ابْن الْمسيب)
وَالْقَائِل هُوَ الزُّهْرِيّ، وَهُوَ مَوْصُول
بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور.
وعَنْ عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله أخبرَهُ أنَّ ابنَ
عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ صامَ رسولُ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى إذَا بَلَغَ الكَدِيدَ الماءَ
الَّذِي قُدَيْدٍ وعُسفانَ أفْطَرَ فَلَمْ يَزَلْ
مُفْطِراً حتَّى انْسَلَخَ الشَّهْرُ.
(17/275)
هَذَا مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ
الْمَذْكُور، وَقد تقدم فِي كتاب الصَّوْم فِي: بَاب إِذا
صَامَ أَيَّامًا من رَمَضَان ثمَّ سَافر، وَأخرجه عَن عبد
الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن ابْن شهَاب عَن عبيد الله
عَن ابْن عَبَّاس.
قَوْله: (الكديد) ، بِفَتْح الْكَاف وَكسر الْمُهْملَة
الأولى. قَوْله: (المَاء الَّذِي بَين قديد وَعُسْفَان)
بِالنّصب عطف بَيَان أَو بدل من الكديد، وقديد، بِضَم
الْقَاف مصغر القدو قَالَ الْبكْرِيّ: قديد قَرْيَة
جَامِعَة كَثِيرَة الْمِيَاه والبساتين وَبَين قديد
والكديد سِتَّة عشر ميلًا، والكديد أقرب إِلَى مَكَّة،
وَعُسْفَان، بِضَم الْعين وَسُكُون السِّين
الْمُهْمَلَتَيْنِ بِالْفَاءِ هُوَ مَوضِع على أَربع بُرد
من مَكَّة.
4276 - حدَّثني مَحْمُودٌ أخبرنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ
أخبرنَا مَعْمَرٌ قَالَ أَخْبرنِي الزُّهْريُّ عنْ
عُبَيْدِ الله ابنِ عَبْدِ الله عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي
الله عَنْهُمَا أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
خَرَجَ فِي رَمَضَان مِنَ المَدِينَةِ ومَعَهُ عَشَرَةُ
آلاَفٍ وَذالِكَ عَلَى رأسِ ثَمانِ سِنِين ونِصْفٍ مِنْ
مَقْدَمِهِ المَدِينَةَ فَسَارَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ
المُسْلِمِينَ إِلَى مَكَّةَ يَصُومُ وَيَصُومُونَ حَتَّى
بَلَغَ الكَدِيدَ وَهْوَ ماءٌ بَيْنَ عُسفان وقُدَيْدٍ
أفْطَرَ وأفْطَرُوا قَالَ الزُّهْرِيُّ وإنَّما يُؤْخَذُ
مِنْ أمْرِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الآخِرُ
فالآخِرُ. .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس. وَهُوَ من
مراسيله لِأَنَّهُ كَانَ من الْمُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّة.
قَالَه ابْن التِّين، ومحمود هُوَ ابْن غيلَان أَبُو
أَحْمد الْمروزِي شيخ مُسلم أَيْضا.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الصَّوْم عَن يحيى بن
يحيى وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة.
قَوْله: (وَمَعَهُ عشرَة آلَاف) أَي: من سَائِر
الْقَبَائِل. وَعند ابْن إِسْحَاق: ثمَّ خرج رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي اثْنَي عشر ألفا من
الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، وَأسلم وغفار وَمُزَيْنَة
وجهينة وسليم، ووالتوفيق بَين الرِّوَايَتَيْنِ بِأَن
الْعشْرَة آلَاف من نفس الْمَدِينَة ثمَّ تلاحق بِهِ
الألفان قَوْله: وَذَلِكَ أَي: خُرُوجه على رَأس ثَمَان
سِنِين، قيل: هَذَا وهم، وَالصَّوَاب على رَأس سبع سِنِين
وَنصف، وَإِنَّمَا وَقع الْوَهم من كَون غَزْوَة الْفَتْح
كَانَت فِي سنة ثَمَان وَمن أثْنَاء ربيع الأول إِلَى
أثْنَاء رَمَضَان نصف سنة سَوَاء، فالتحرير أَنَّهَا سبع
سِنِين وَنصف، وَقَالَ أَبُو نعيم، الْحداد فِي (جمعه بَين
الصَّحِيحَيْنِ) كَانَ الْفَتْح بعد السّنة الثَّامِنَة،
وَقَالَ مَالك: كَانَ الْفَتْح فِي تِسْعَة عشر يَوْمًا من
رَمَضَان على ثَمَان سِنِين، وَحَقِيقَة الْحساب على مَا
ذكره الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد فِي (مُخْتَصره) : أَنَّهَا
سبع سِنِين وَتِسْعَة أشهر، لِأَن الْفَتْح فِي
الثَّامِنَة من رَمَضَان، وَكَانَ مقدمه الْمَدِينَة فِي
ربيع الأول يدل عَلَيْهِ أَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
أَقَمْنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
تِسْعَة عشر يَوْمًا يقصر الصَّلَاة، وَهُوَ لم يحضر
الْفَتْح لِأَنَّهُ كَانَ من الْمُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّة.
قَوْله: (يَصُوم) حَال، أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، قَوْله: (أفطر) ، أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، (وأفطروا) أَي: الْمُسلمُونَ الَّذين كَانُوا
مَعَه. قَوْله: (قَالَ الزُّهْرِيّ: وَإِنَّمَا يُؤْخَذ)
أَي يَجْعَل الآخر اللَّاحِق نَاسِخا للْأولِ السَّابِق،
وَالصَّوْم فِي السّفر كَانَ أَولا والإفطار آخرا. وَفِي
الحَدِيث رد على جمَاعَة مِنْهُم عُبَيْدَة السَّلمَانِي
فِي قَوْله: لَيْسَ لَهُ الْفطر إِذا شهد أول رَمَضَان فِي
الْحَضَر، مستدلاً بقوله تَعَالَى: {فَمن شهد مِنْكُم
الشَّهْر فليصمه} (الْبَقَرَة: 185) وَهُوَ عِنْد
الْجَمَاعَة مَحْمُول على من شهده كُله إِذْ لَا يُقَال
لمن شهد بعض الشَّهْر: شهده كُله.
4277 - حدَّثني عَيَّاشُ بنُ الوَلِيدِ حدّثنا عبدُ
الأعْلَى حدّثنا خالِدٌ الحَذَّاءُ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ
ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ خَرَجَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فِي رَمَضَانَ إِلَى حُنَيْنٍ والنَّاسُ
مُخْتَلِفُونَ فَصائِمٌ ومُفْطِرٌ فَلَمَّا اسْتَوَى على
رَاحِلَتِهِ دَعا بإِناءٍ مِنْ لَبَنٍ أوْ ماءٍ فَوَضَعَهُ
عَلَى رَاحَتِهِ ثُمَّ نَظَرَ إِلَى النَّاسِ فَقَالَ
المُفْطِرُونَ لِلصُّوَّامِ أفْطِرُوا. .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن خُرُوجه صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِلَى حنين عقيب الْفَتْح، وَعَيَّاش،
بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر
الْحُرُوف وبالشين الْمُعْجَمَة: ابْن الْوَلِيد الرقام
الْقطَّان الْبَصْرِيّ. مَاتَ سنة سِتّ وَعشْرين
وَمِائَتَيْنِ، وَعبد الْأَعْلَى الشَّامي الْبَصْرِيّ،
وخَالِد هُوَ
(17/276)
ابْن مهْرَان الْحذاء الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ وَلَكِن فِيهِ
إِشْكَال نبه عَلَيْهِ الدمياطي، وَهُوَ أَن قَوْله: (خرج
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رَمَضَان إِلَى
حنين) وَقع كَذَا، وَلم تكن غَزْوَة حنين فِي رَمَضَان،
وَإِنَّمَا كَانَت فِي شَوَّال سنة ثَمَان، وَقَالَ ابْن
التِّين: لَعَلَّه يُرِيد آخر رَمَضَان لِأَن حنيناً
كَانَت عَام ثَمَان إِثْر فتح مَكَّة، وَفِيه نظر
لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج من الْمَدِينَة فِي
عَاشر رَمَضَان فَقدم مَكَّة فِي وَسطه وَأقَام بهَا
تِسْعَة عشر يَوْمًا كَمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيث ابْن
عَبَّاس، فَيكون خُرُوجه إِلَى حنين فِي شَوَّال. وَأجِيب:
بِأَن مُرَاده أَن ذَلِك فِي غير زمن الْفَتْح، وَكَانَ
فِي حجَّة الْوَدَاع أَو غَيرهَا، وَفِيه نظر، لِأَن
الْمَعْرُوف أَن حنيناً فِي شَوَّال عقيب الْفَتْح.
وَقَالَ الدَّاودِيّ: صَوَابه إِلَى خَيْبَر أَو مَكَّة،
لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَصدهَا فِي هَذَا
الشَّهْر، فَأَما حنين فَكَانَت بعد الْفَتْح
بِأَرْبَعِينَ لَيْلَة وَكَانَ قصد مَكَّة أَيْضا فِي
هَذَا الشَّهْر، ورد عَلَيْهِ قَوْله: إِلَى خَيْبَر،
لِأَن الْخُرُوج إِلَيْهَا لم يكن فِي رَمَضَان، وَأجَاب
الْمُحب الطَّبَرِيّ عَن الْإِشْكَال الْمَذْكُور: بِأَن
يكون المُرَاد من قَوْله: (خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فِي رَمَضَان إِلَى حنين) أَنه قصد الْخُرُوج
إِلَيْهَا وَهُوَ فِي رَمَضَان، فَذكر الْخُرُوج وَأَرَادَ
الْقَصْد بِالْخرُوجِ وَمثل هَذَا شَائِع ذائع فِي
الْكَلَام.
(وحنين) بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح النُّون وَسُكُون
الْيَاء آخر الْحُرُوف وَنون أُخْرَى: وادٍ بِمَكَّة بَينه
وَبَين مَكَّة بضعَة عشر ميلًا، وَسبب حنين أَنه لما
اجْتمع صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْخُرُوج من مَكَّة
لنصرة خُزَاعَة أَتَى الْخَبَر إِلَى هوَازن أَنه يريدهم
فَاسْتَعدوا للحرب حَتَّى أَتَوا سوق ذِي الْمجَاز، فَسَار
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أشرف على وَادي حنين مسَاء
لَيْلَة الْأَحَد، ثمَّ صَالحهمْ يَوْم الْأَحَد النّصْف
من شَوَّال. قَوْله: (وَالنَّاس مُخْتَلفُونَ) يحْتَمل
اخْتلَافهمْ فِي كَون بَعضهم صَائِمين وَبَعْضهمْ مفطرين،
وَيحْتَمل اخْتلَافهمْ فِي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أصائم أَو مفطر؟ قَوْله: فصائم أَي: بَعضهم صَائِم،
وَبَعْضهمْ مفطر. قَوْله: (بِإِنَاء من لبن أَو مَاء) شكّ
من الرَّاوِي، قَالَ الدَّاودِيّ: يحْتَمل أَن يكون دَعَا
بِهَذَا مرّة وَبِهَذَا مرّة، ورد عَلَيْهِ بِأَن الحَدِيث
وَاحِد والقصة وَاحِدَة فَلَا دَلِيل على التَّعَدُّد.
قلت: ابْن التِّين قَالَ: إِنَّه كَانَت قضيتان:
إِحْدَاهمَا فِي الْفَتْح وَالْأُخْرَى فِي حنين،
وَالصَّوَاب: أَن الرَّاوِي قد شكّ فِيهِ، وَيُؤَيِّدهُ
رِوَايَة طَاوس عَن ابْن عَبَّاس فِي آخر الْبَاب: دَعَا
بِإِنَاء من مَاء فَشرب نَهَارا. قَوْله: (فَوَضعه على
رَاحَته) ويروى: على رَاحِلَته. قَوْله: (للصوام) بِضَم
الصَّاد وَتَشْديد الْوَاو جمع صَائِم وَفِي رِوَايَة أبي
ذَر: للصَّوْم، بِدُونِ الْألف، وَهُوَ أَيْضا جمع صَائِم،
وَفِي رِوَايَة الطَّبَرِيّ فِي (تهذيبه) : فَقَالَ
المفطرون للصوام: أفطروا يَا عصاة.
وَقَالَ عَبْدُ الرَزَّاقِ أخبرنَا مَعْمَرٌ عنْ أيُّوبَ
عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا
خَرَجَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عامَ الفَتْحِ. .
أخرجه هَكَذَا مُعَلّقا مُخْتَصرا، وَوَصله أَحْمد عَن بعد
الرَّزَّاق، وبقيته: خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
عَام الْفَتْح فِي شهر رَمَضَان فصَام حَتَّى مر بغدير فِي
الطَّرِيق الحَدِيث.
وَقَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عنْ أيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ
عنِ ابنِ عبَّاسٍ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
هَذَا أَيْضا مُعَلّق، وَهَكَذَا وَقع فِي بعض نسخ أبي ذَر
عَن ابْن عَبَّاس، وَفِي رِوَايَة غَيره لَيْسَ فِيهِ عَن
ابْن عَبَّاس، وَبِه جزم الدَّارَقُطْنِيّ وَأَبُو نعيم
فِي (الْمُسْتَخْرج) وَكَذَلِكَ وَصله الْبَيْهَقِيّ من
طَرِيق سُلَيْمَان بن حَرْب أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ عَن
حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب عَن عِكْرِمَة، فَذكر الحَدِيث
بِطُولِهِ فِي فتح مَكَّة، ثمَّ قَالَ فِي آخِره، لم
يُجَاوز بِهِ أَيُّوب عَن عِكْرِمَة.
4279 - حدَّثنا عَليُّ بن عَبْدِ الله حدّثنا جَرِيرٌ عنْ
مَنْصورٍ عنْ مُجاهِدٍ عنْ طاوُسٍ عنِ ابْن عَبَّاسٍ قَالَ
سافَر رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رمضانَ
فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ عُسْفانَ ثُمَّ دَعا بإِناءٍ مِنْ
ماءٍ فَشَرِبَ نَهَاراً لِيُرِيَهُ النَّاسَ فَأفْطَرَ
حَتَّى قَدقم مَكَّةَ قَالَ وكانَ ابنُ عبَّاسٍ يَقُولُ
صامَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي السَّفَرِ
وأفْطَرَ فَمَنْ شَاءَ صامَ ومَنْ شَاءَ أفْطَرَ. .
(17/277)
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن سَفَره
فِي رَمَضَان كَانَ فِي سنة الْفَتْح والْحَدِيث أخرجه فِي
كتاب الصَّوْم فِي: بَاب من أفطر فِي السّفر ليراه
النَّاس، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُوسَى بن
إِسْمَاعِيل عَن أبي عوَانَة عَن مَنْصُور إِلَى آخِره،
وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله: (ليريه) بِضَم
الْيَاء من الإراءة، (وَالنَّاس) بِالنّصب مفعولة.
49 - (بابٌ أيْنَ رَكَزَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الرَّايَةَ يَوْمَ الفَتْحِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ فِي أَي مَكَان ركز النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رايته أَي: نصبها يَوْم فتح
مَكَّة.
288 - (حَدثنَا عبيد بن إِسْمَاعِيل حَدثنَا أَبُو
أُسَامَة عَن هِشَام عَن أَبِيه قَالَ لما صَار رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَام
الْفَتْح فَبلغ ذَلِك قُريْشًا خرج أَبُو سُفْيَان بن
حَرْب وَحَكِيم بن حزَام وَبُدَيْل بن وَرْقَاء
يَلْتَمِسُونَ الْخَبَر عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأَقْبَلُوا يَسِيرُونَ حَتَّى
أَتَوا مر الظهْرَان فَإِذا هم بنيران كَأَنَّهَا نيران
عَرَفَة فَقَالَ أَبُو سُفْيَان مَا هَذِه لكأنها نيران
عَرَفَة فَقَالَ بديل بن وَرْقَاء نيران بني عَمْرو
فَقَالَ أَبُو سُفْيَان عمر أقل من ذَلِك فَرَآهُمْ نَاس
من حرس رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- فأدركوهم فَأَخَذُوهُمْ فَأتوا بهم رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأسلم أَبُو سُفْيَان
فَلَمَّا سَار قَالَ للْعَبَّاس احْبِسْ أَبَا سُفْيَان
عِنْد حطم الْخَيل حَتَّى ينظر إِلَى الْمُسلمين فحبسه
الْعَبَّاس فَجعلت الْقَبَائِل تمر مَعَ النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تمر كَتِيبَة كَتِيبَة على
أبي سُفْيَان فمرت كَتِيبَة قَالَ يَا عَبَّاس من هَذِه
قَالَ هَذِه غفار قَالَ مَالِي وَلِغفار ثمَّ مرت
جُهَيْنَة قَالَ مثل ذَلِك ثمَّ مرت سعد بن هذيم فَقَالَ
مثل ذَلِك وَمَرَّتْ سليم فَقَالَ مثل ذَلِك حَتَّى أَقبلت
كَتِيبَة لم ير مثلهَا قَالَ من هَذِه قَالَ هَؤُلَاءِ
الْأَنْصَار عَلَيْهِم سعد بن عبَادَة مَعَه الرَّايَة
فَقَالَ سعد بن عبَادَة يَا أَبَا سُفْيَان الْيَوْم يَوْم
الملحمة الْيَوْم تستحل الْكَعْبَة فَقَالَ أَبُو سُفْيَان
يَا عَبَّاس حبذا يَوْم الذمار ثمَّ جَاءَت كَتِيبَة وَهِي
أقل الْكَتَائِب فيهم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَصْحَابه وَرَايَة النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَعَ الزبير بن
الْعَوام فَلَمَّا مر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِأبي سُفْيَان قَالَ ألم تعلم مَا
قَالَ سعد بن عبَادَة قَالَ مَا قَالَ قَالَ قَالَ كَذَا
وَكَذَا فَقَالَ كذب سعد وَلَكِن هَذَا يَوْم يعظم الله
فِيهِ الْكَعْبَة وَيَوْم تكتسي فِيهِ الْكَعْبَة قَالَ
وَأمر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
أَن تركز رايته بالحجون قَالَ عُرْوَة وَأَخْبرنِي نَافِع
بن جُبَير بن مطعم قَالَ سَمِعت الْعَبَّاس يَقُول للزبير
بن الْعَوام يَا أَبَا عبد الله هَهُنَا أَمرك رَسُول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن تركز
الرَّايَة قَالَ وَأمر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْمئِذٍ خَالِد بن الْوَلِيد أَن
يدْخل من أَعلَى مَكَّة من كداء وَدخل النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من كدى فَقتل من خيل خَالِد
يَوْمئِذٍ رجلَانِ حُبَيْش بن الْأَشْعر وكرز بن جَابر
الفِهري) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله وَأمر رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن تركز
رايته بالحجون وَعبيد بن إِسْمَاعِيل أَبُو مُحَمَّد
الْقرشِي الْكُوفِي وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة
وَهِشَام بن عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام وَهَذَا
الحَدِيث من مَرَاسِيل التَّابِعِيّ قَوْله فَبلغ ذَلِك
أَي سير النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
قَوْله " أَبُو سُفْيَان " اسْمه صَخْر بن حَرْب بن
أُميَّة بن عبد
(17/278)
شمس الْأمَوِي الْقرشِي غلبت عَلَيْهِ
كنيته وَقيل كَانَت لَهُ كنية أُخْرَى أَبُو حَنْظَلَة كني
بِابْن لَهُ يُسمى حَنْظَلَة قَتله عَليّ بن أبي طَالب
يَوْم بدر كَافِرًا وَتُوفِّي أَبُو سُفْيَان
بِالْمَدِينَةِ سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَهُوَ ابْن
ثَمَان وَثَمَانِينَ سنة وَحَكِيم بن حزَام بن خويلد ابْن
أَسد بن عبد الْعُزَّى بن قصي الْقرشِي الْأَسدي يكنى
أَبَا خَالِد وَهُوَ ابْن أخي خَدِيجَة بنت خويلد زوج
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَتُوفِّي بِالْمَدِينَةِ فِي خلَافَة مُعَاوِيَة سنة
أَربع وَخمسين وَهُوَ ابْن مائَة وَعشْرين سنة وَبُدَيْل
بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الدَّال الْمُهْملَة
وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره لَام ابْن
وَرْقَاء مؤنث الأورق ابْن عبد الْعُزَّى بن ربيعَة
الْخُزَاعِيّ من خُزَاعَة أسلم يَوْم فتح مَكَّة وَابْنه
عبد الله بن بديل قَوْله مر الظهْرَان بِفَتْح الْمِيم
وَتَشْديد الرَّاء والعامة يسكون الرَّاء وَزِيَادَة وَاو
والظهران بِفَتْح الظَّاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْهَاء
بِلَفْظ تَثْنِيَة ظهر وَهُوَ مَوضِع بِقرب مَكَّة وَقَالَ
الْبكْرِيّ بَينه وَبَين مَكَّة سِتَّة عشر ميلًا قَوْله
فَإِذا هم كلمة إِذا مفاجأة وهم يرجع إِلَى أبي سُفْيَان
وَحَكِيم وَبُدَيْل قَوْله كَأَنَّهَا نيران عَرَفَة أَي
كَأَن هَذِه النيرَان مثل النيرَان الَّتِي كَانُوا
يوقدونها وَكَانَت عَادَتهم أَنهم يشعلون نيرانا كَثِيرَة
فِي عَرَفَة وَقَالَ ابْن سعد أَنه - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما نزل مر الظهْرَان أَمر
أَصْحَابه فأوقدوا عشرَة آلَاف نَار وَلما بلغ قُريْشًا
مسيره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهم مغتمون
لما يخَافُونَ من غَزوه إيَّاهُم بعثوا أَبَا سُفْيَان
يتجسس الْأَخْبَار وَقَالُوا إِن لقِيت مُحَمَّدًا فَخذ
لنا مِنْهُ أَمَانًا فَخرج وَمَعَهُ حَكِيم بن حزَام
وَبُدَيْل فَلَمَّا رَأَوْا الْعَسْكَر أفزعهم وعَلى الحرس
تِلْكَ اللَّيْلَة عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَسمع
الْعَبَّاس صَوت أبي سُفْيَان فَقَالَ أَبَا حَنْظَلَة
فَقَالَ لبيْك قَالَ هَذَا رَسُول الله فِي عشرَة آلَاف
فَأسلم ثكلتك أمك وَقَالَ ابْن اسحق إِن أَبَا سُفْيَان
ركب مَعَ الْعَبَّاس وَرجع حَكِيم وَبُدَيْل وَقَالَ
مُوسَى بن عقبَة ذَهَبُوا كلهم مَعَ الْعَبَّاس إِلَى
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
فأسلموا وَقَالَ أَبُو معشر إِن الحرس جاؤا بِأبي سُفْيَان
إِلَى عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَقَالَ احبسوهم
حَتَّى أسأَل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فَلَمَّا أخبرهُ الْخَبَر جَاءَ الْعَبَّاس
إِلَى أبي سُفْيَان فأردفه فجَاء بِهِ إِلَى رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وجاؤا بالآخرين
وَقَالَ الطَّبَرِيّ أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - وَجه حَكِيم بن حزَام مَعَ أبي سُفْيَان بعد
إسلامهما إِلَى مَكَّة وَقَالَ من دخل دَار حَكِيم فَهُوَ
آمن وَهِي بِأَسْفَل مَكَّة وَمن دخل دَار أبي سُفْيَان
فَهُوَ آمن وَهِي بِأَعْلَى مَكَّة فَكَانَ هَذَا أَمَانًا
مِنْهُ لكل من لم يُقَاتل من أهل مَكَّة وَلِهَذَا قَالَ
جمَاعَة من أهل الْعلم مِنْهُم الشَّافِعِي أَن مَكَّة
مُؤمنَة وَلَيْسَت عنْوَة والأمان كالصلح وَرَأى أَن
أَهلهَا مالكون رباعهم قَوْله " مَا هَذِه "؟ وَكَأَنَّهُ
جَوَاب قسم مَحْذُوف أَي وَالله لكأنها نيران لَيْلَة
عَرَفَة قَوْله " نيران بني عَمْرو " يَعْنِي خُزَاعَة
وَعَمْرو هُوَ ابْن لحي قَوْله " من حرس رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " بِفَتْح الْحَاء
الْمُهْملَة وَهُوَ جمع حرسى وَقَالَ ابْن الْأَثِير الحرس
خدم السُّلْطَان المرتبون لحفظه وحراسته وَفِي مَرَاسِيل
أبي سَلمَة وَكَانَ حرس رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَفرا من الْأَنْصَار وَكَانَ عمر
بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَلَيْهِم تِلْكَ
اللَّيْلَة فجاؤا بِهِ إِلَيْهِ فَقَالُوا جئْنَاك بِنَفر
أَخَذْنَاهُم من أهل مَكَّة فَقَالَ عمر وَالله لَو
جئتموني بِأبي سُفْيَان مَا زدتم قَالُوا قد أَتَيْنَاك
بِأبي سُفْيَان قَوْله " عِنْد حطم " الْخَيل قَالَ ابْن
الْأَثِير فِي بَاب الْحَاء الْمُهْملَة وَفِي حَدِيث
الْفَتْح قَالَ للْعَبَّاس احْبِسْ أَبَا سُفْيَان عِنْد
حطم الْخَيل هَكَذَا جَاءَت فِي كتاب أبي مُوسَى وَقَالَ
حطم الْخَيل الْموضع الَّذِي حطم مِنْهُ أَي ثلم مِنْهُ
فَبَقيَ متقطعا قَالَ وَيحْتَمل أَن يُرِيد عِنْد مضيق
الْخَيل حَيْثُ يزحم بَعضهم بَعْضًا وَرَوَاهُ أَبُو نصر
الْحميدِي فِي كِتَابه بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وفسرها فِي
غَرِيبه فَقَالَ الخطم والخطمة رغن الْجَبَل وَهُوَ الْأنف
البارز مِنْهُ وَالَّذِي جَاءَ فِي كتاب البُخَارِيّ
وَهُوَ أخرج الحَدِيث فِي مَا قرأناه ورويناه فِي نسخ
كِتَابه عِنْد حطم الْخَيل هَكَذَا مضبوطا يَعْنِي
بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف
فَإِن صحت الرِّوَايَة بِهِ وَلم تكن تحريفا من الكتبة
فَيكون مَعْنَاهُ وَالله أعلم أَن يحْبسهُ فِي الْموضع
المتضايق الَّذِي يتحطم فِيهِ الْخَيل أَي يدوس بَعْضهَا
بَعْضًا فيراها جَمِيعًا وتكثر فِي عينه بمرورها فِي ذَلِك
الْموضع وَكَذَلِكَ أَرَادَ بحبسه عِنْد حطم الْجَبَل
يَعْنِي بِالْجِيم على مَا شَرحه الْحميدِي فَإِن الْأنف
البارز من الْجَبَل يضيق الْموضع الَّذِي يخرج مِنْهُ
وَقَالَ الْخطابِيّ خطم الْجَبَل بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة
وَهُوَ مَا خطم مِنْهُ أَي ثلم من عرضه فَبَقيَ متقطعا
وَكَذَا قَالَه ابْن التِّين وَقَالَ الْكرْمَانِي الخطم
المتكسر المنخرق والجبل بِالْجِيم قلت وَفِي رِوَايَة
الْقَابِسِيّ والنسفي الخطم بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة
والجبل بِالْجِيم وَالْبَاء الْمُوَحدَة وَهِي رِوَايَة
ابْن اسحق وَغَيره من أهل الْمَغَازِي وَفِي رِوَايَة
الْأَكْثَرين بِفَتْح الْخَاء من الخطم وبالخاء
الْمُعْجَمَة من الْخَيل قَوْله كَتِيبَة بِفَتْح الْكَاف
وَكسر التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَهِي الْقطعَة
المجتمعة من الْجَيْش وَأَصله من الْكتب
(17/279)
وَهُوَ الْجمع قَوْله " هَذِه " أَي هَذِه
الكتيبة غفار بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف
الْفَاء وبالراء وَهُوَ ابْن مليل بن ضَمرَة بن بكر بن عبد
مَنَاة بن كنَانَة قَوْله مَالِي وَلِغفار يَعْنِي مَا
كَانَ بيني وَبينهمْ حَرْب قَوْله " جُهَيْنَة " بِضَم
الْجِيم وَفتح الْهَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف
وَفتح النُّون وَهُوَ ابْن زيد بن لَيْث بن سود بن أسلم
بِضَم اللَّام ابْن الحاف بن قضاعة قَوْله سعد بن هذيم
بِضَم الْهَاء وَفتح الذَّال الْمُعْجَمَة وَسُكُون
الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره مِيم وَالْمَعْرُوف
فِيهَا سعد هذيم بِالْإِضَافَة وَسعد بن هذيم على الْمجَاز
وَسعد بن هذيم طوائف من الْعَرَب وهذيم الَّذِي نسب
إِلَيْهِ سعد عبد كَانَ رباه فنسب إِلَيْهِ قَوْله
وَمَرَّتْ سلم بِضَم السِّين وَفتح اللَّام وَهُوَ ابْن
مَنْصُور بن عِكْرِمَة بن حَفْصَة بن قيس غيلَان قَوْله
مَعَه الرَّايَة أَي راية الْأَنْصَار وَكَانَت راية
الْمُهَاجِرين مَعَ الزبير بن الْعَوام قَوْله يَوْم
الملحمة بِالْحَاء الْمُهْملَة أَي يَوْم حَرْب لَا يُوجد
فِيهِ مخلص وَقيل يَوْم الْقَتْل يُقَال لحم فلَان فلَانا
إِذا قَتله قَوْله حبذا يَوْم الذمار بِكَسْر الذَّال
الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْمِيم أَي يَوْم الْهَلَاك
وَقَالَ الْخطابِيّ تمنى أَبُو سُفْيَان أَن يكون لَهُ يَد
فيحمي قومه وَيدْفَع عَنْهُم وَقيل المُرَاد هَذَا يَوْم
الْغَضَب للحريم والأهل والانتصار لَهُم لمن قدر عَلَيْهِ
وَقيل المُرَاد هَذَا يَوْم يلزمك فِيهِ حفظي وحمايتي من
أَن ينالني مَكْرُوه وَقَالَ ابْن اسحق زعم بعض أهل الْعلم
أَن سَعْدا لما قَالَ الْيَوْم يَوْم الملحمة الْيَوْم
تستحل الْكَعْبَة فَسَمعَهَا رجل من الْمُهَاجِرين فَقَالَ
يَا رَسُول الله مَا آمن أَن يكون لسعد فِي قُرَيْش
فَقَالَ لعَلي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أدْركهُ فَخذ
الرَّايَة مِنْهُ فَكُن أَنْت تدخل بهَا وَقَالَ ابْن
هِشَام الرجل الْمَذْكُور هُوَ عمر رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ وَذكر الْأمَوِي فِي الْمَغَازِي أَن النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أرسل إِلَى سعد
فَأخذ الرَّايَة مِنْهُ فَدَفعهَا إِلَى ابْنه قيس وَجزم
مُوسَى بن عقبَة فِي الْمَغَازِي عَن الزُّهْرِيّ أَنه
دَفعهَا إِلَى الزبير بن الْعَوام فَإِن قلت هَذِه
ثَلَاثَة أَقْوَال فَمَا التَّوْفِيق بَينهَا قلت الْجمع
فِيهَا أَن عليا أرسل بنزعها وَأَن يدْخل بهَا ثمَّ خشى
تغير خاطر سعد فَدَفعهَا لِابْنِهِ قيس ثمَّ أَن سَعْدا
خشِي أَن يَقع من ابْنه شَيْء يُنكره النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَسَأَلَ النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يَأْخُذهَا مِنْهُ
فَحِينَئِذٍ أَخذهَا الزبير قَوْله " وَهِي أقل
الْكَتَائِب " أَي أقلهَا عددا قَالَ عِيَاض وَقع
للْجَمِيع بِالْقَافِ وَوَقع للحميدي بِالْجِيم أَي أجلهَا
قَوْله " فَقَالَ كذب سعد " أَي قَالَ النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كذب أَي أَخطَأ سعد قَوْله
قَالَ وَأمر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - الْقَائِل بذلك هُوَ عُرْوَة وَهُوَ من
بَقِيَّة الْخَبَر وَهُوَ ظَاهر الْإِرْسَال فِي الْجَمِيع
إِلَّا فِي الْقدر الَّذِي صرح عُرْوَة بِسَمَاعِهِ لَهُ
من نَافِع بن جُبَير وَأما بَاقِيه فَيحْتَمل أَن يكون
عُرْوَة تَلقاهُ عَن أَبِيه أَو عَن الْعَبَّاس فَإِنَّهُ
أدْركهُ وَهُوَ صَغِير قَوْله الْحجُون بِفَتْح الْحَاء
الْمُهْملَة وَضم الْجِيم الْخَفِيفَة هُوَ مَكَان
مَعْرُوف بِالْقربِ من مَقْبرَة مَكَّة شرفها الله
تَعَالَى قَوْله قَالَ عُرْوَة وَأَخْبرنِي نَافِع بن
جُبَير بن مطعم إِلَى قَوْله وَأمر هَذَا السِّيَاق يُوهم
أَن نَافِعًا أحضر الْمقَالة الْمَذْكُورَة يَوْم فتح
مَكَّة وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِنَّهُ لَا صُحْبَة لَهُ
وَلكنه مَحْمُول على أَنه سمع الْعَبَّاس يَقُول للزبير
ذَلِك بعد ذَلِك فِي حجَّة اجْتَمعُوا فِيهَا إِمَّا فِي
خلَافَة عمر أَو فِي خلَافَة عُثْمَان قَوْله وَأمر رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى قَوْله
من كداء بِفَتْح الْكَاف وَتَخْفِيف الدَّال وبالمد وَهُوَ
أَعلَى مَكَّة وكدى بِضَم الْكَاف وَالْقصر والتنوين قيل
هَذَا مُخَالف للأحاديث الصَّحِيحَة الْآتِيَة أَن خَالِدا
دخل من أَسْفَل مَكَّة وَدخل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من أَعْلَاهَا وَضربت لَهُ هُنَاكَ
قبَّة قَوْله حُبَيْش بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح
الْبَاء الْمُوَحدَة وبالشين وَعند ابْن اسحق خُنَيْس
بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح النُّون وبالسين
الْمُهْملَة وَكِلَاهُمَا مصغر ابْن الْأَشْعر وَهُوَ لقب
واسْمه خَالِد بن سعد بن مُنْقد بن ربيعَة بن حزم
الْخُزَاعِيّ وَهُوَ أَخُو أم معبد الَّتِي مر بهَا
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مُهَاجرا
وَاسْمهَا عَاتِكَة قَوْله وكرز بِضَم الْكَاف وَسُكُون
الرَّاء وَفِي آخِره زَاي ابْن جَابر بن حسل بِكَسْر
الْحَاء وَسُكُون السِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ ابْن الأحب
بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة
الْمُشَدّدَة ابْن حبيب الفِهري وَكَانَ من رُؤَسَاء
الْمُشْركين وَهُوَ الَّذِي أغار على سرح النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي غَزْوَة بدر
الأولى ثمَّ أسلم قَدِيما وَبَعثه النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي طلب العرنيين وَذكر
ابْن اسحق أَن هذَيْن الرجلَيْن سلكا طَرِيقا فشذا عَن
عَسْكَر خَالِد رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَقَتَلَهُمَا
الْمُشْركُونَ يَوْمئِذٍ -
(17/280)
4281 - حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ حَدثنَا
شُعْبَةُ عنْ مُعاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ قالَ سَمِعْتُ عَبْدَ
الله بنَ مُغفَّلٍ يقُولُ رأيْتُ رسولَ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ عَلَى ناقَتِهِ
وهْوَ يَقْرَأ سُورَةَ الفَتْحِ يُرَجِّعُ وَقَالَ لوْلاَ
أنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ حَوْلِي لرَجَّعْتُ كَمَا
رَجَّعَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام
بن عبد الْملك، هَكَذَا وَقع فِي الْأُصُول، وَزعم خلف
أَنه وَقع بذله: سُلَيْمَان بن حَرْب.
وَهَذَا الحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي
التَّفْسِير عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم وَفِي فَضَائِل
الْقُرْآن عَن حجاج بن منهال وَعَن آدم بن أبي إِيَاس
وَفِي التَّوْحِيد عَن أَحْمد بن أبي سُرَيج، وَأخرجه
مُسلم فِي الصَّلَاة عَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار عَن يحيى
بن حبيب وَعَن عبيد الله بن معَاذ وَعَن أبي بكر بن أبي
شيبَة. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن حَفْص بن عمر.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل عَن مَحْمُود بن
غيلَان. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن
أبي قدامَة وَغَيره.
قَوْله: (يرجع) بتَشْديد الْجِيم، من الترجيع، وَهُوَ
ترديد القاريء الْحَرْف فِي الْحلق. قَوْله: (وَقَالَ) ،
الْقَائِل هُوَ مُعَاوِيَة بن قُرَّة رَاوِي الحَدِيث.
قَوْله: (كَمَا رَجَعَ) أَي: ابْن مُغفل، وَلَفظ مُسلم عَن
مُعَاوِيَة بن قُرَّة، قَالَ: سَمِعت عبد الله بن مُغفل
هُوَ الْمُزنِيّ، قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَوْم فتح مَكَّة على نَاقَته يقْرَأ
سُورَة الْفَتْح، قَالَ: فَقَرَأَ ابْن مُغفل وَرجع فِي
قِرَاءَته، فَقَالَ مُعَاوِيَة: لَوْلَا النَّاس لأخبرتكم
ذَلِك الَّذِي ذكره ابْن مُغفل عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم.
4282 - حدَّثنا سُلَيْمانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ حَدثنَا
سعْدَانُ بنُ يَحْيَى حَدثنَا مُحَمَّدُ بنُ أبي حفْصَةَ
عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عَليِّ بنِ حُسَيْنٍ عنْ عَمْروِ بنِ
عُثْمَانَ عنْ أُسامةَ بن زَيْدٍ أنَّهُ قَالَ زَمَنَ
الفَتْحِ يَا رسولَ الله أيْنَ تَنزِلُ غَذاً قَالَ
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهَلْ تَرَكَ لَنا
عَقِيلٌ منْ مَنْزِلٍ. ثُمَّ قَالَ لَا يَرِثُ المُؤْمِنُ
الكافِرَ ولاَ يَرِثُ الْكافِرُ الْمُؤْمِنَ قِيلَ
لِلزُّهْرِيِّ ومَنْ وَرِثَ أَبَا طالِبٍ قَالَ وَرِثهُ
عَقِيلٌ وطالِبٌ قَالَ مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ أيْنَ
تَنْزِلُ غَداً فِي حَجَّتِهِ ولَمْ يَقُلْ يُونُسُ
حَجَّتِهِ ولاَ زَمَنَ الفَتْحِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (زمن الْفَتْح) وَهَذَا
إِسْنَاد نَازل لَا يَخْلُو عَن نظر.
وَرِجَاله سَبْعَة: الأول: سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن
الْمَعْرُوف بِابْن ابْنة شُرَحْبِيل بن أَيُّوب
الدِّمَشْقِي، مَاتَ سنة ثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ.
الثَّانِي: سَعْدَان بن يحيى بن صَالح، يُقَال: اسْمه سعيد
وسعدان لقبه أَبُو يحيى اللَّخْمِيّ الْكُوفِي، سكن دمشق
ليّنه الدَّارَقُطْنِيّ، وَمَاله فِي البُخَارِيّ إلاّ
هَذَا الْموضع. الثَّالِث: مُحَمَّد بن أبي حَفْصَة، وإسم
أبي حَفْصَة: ميسرَة، بَصرِي يكنى أَبَا سَلمَة صَدُوق
ضعفه النَّسَائِيّ وَمَاله فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا
الحَدِيث، وَآخر فِي الْحَج قرنه فِيهِ بِغَيْرِهِ.
الرَّابِع: مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ. الْخَامِس:
عَليّ بن حُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب، مَاتَ سنة أَربع
وَتِسْعين. السَّادِس: عَمْرو بن عُثْمَان بن عَفَّان
الْقرشِي الْأمَوِي. السَّابِع: أُسَامَة بن زيد بن
حَارِثَة مولى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَقد مضى الحَدِيث فِي كتاب الْحَج فِي: بَاب تَوْرِيث دور
مَكَّة وَبَيْعهَا وشرائها، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن
اصبغ عَن ابْن وهب عَن يُونُس عَن ابْن شهَاب عَن عَليّ بن
حُسَيْن إِلَى آخِره، وَقد مضى فِي الْجِهَاد أَيْضا عَن
مَحْمُود عَن بعد الرَّزَّاق عَن الزُّهْرِيّ، وَمضى
الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى.
قَوْله: (عقيل) بِفَتْح الْعين هُوَ ابْن أبي طَالب.
قَوْله: (وَقَالَ معمر عَن الزُّهْرِيّ) هُوَ مُتَّصِل
بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وَطَرِيق معمر بن رَاشد تقدم
مَوْصُولا فِي الْجِهَاد. قَوْله: (وَلم يقل يُونُس) هُوَ
ابْن يزِيد الْأَيْلِي، يَعْنِي: لم يقل فِي رِوَايَته
لفظ: حجَّته، وَلَا لفظ: زمن الْفَتْح، يَعْنِي سكت عَن
ذَلِك وَبَقِي الِاخْتِلَاف بَين ابْن أبي حَفْصَة وَمعمر،
وَمعمر أوثق وأتقن من مُحَمَّد بن أبي حَفْصَة.
4284 - حدَّثنا أبُو اليَمانِ حدَّثنا شُعَيْبٌ حدَّثنا
أبُو الزِّنادِ عنْ عبْدِ الرَّحْمانِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ
(17/281)
رَضِي الله عنهُ قَالَ قَالَ رسُولُ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنْزِلُنا إنْ شاءَ الله إذَا
فَتَحَ الله الخَيْفُ حَيْثُ تَقاسَمُوا عَلَى الكُفْرِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن
نَافِع وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة. وَأَبُو الزِّنَاد
بالزاي وَالنُّون واسْمه عبد الله بن ذكْوَان، وَعبد
الرَّحْمَن بن هُرْمُز الْأَعْرَج.
قَوْله: (منزلنا) مُبْتَدأ و (الْخيف) خَبره وَعكس بَعضهم
فِيهِ، والخيف، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون
الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالفاء: مَا ارْتَفع عَن غلظ
الْجَبَل وارتفع عَن مسيل المَاء. قَوْله: (حَيْثُ
تقاسموا) أَي: تحالفوا وَذَلِكَ أَنهم تحالفوا على
إِخْرَاج الرَّسُول وَبني هَاشم وَالْمطلب من مَكَّة إِلَى
الْخيف، وَكَتَبُوا بَينهم الصَّحِيفَة الْمَشْهُورَة.
4285 - حدَّثنا مُوساى بنُ إسْماعِيلَ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ
بنُ سَعْدٍ أخْبَرَنا ابنُ شِهابٍ عنْ أبي سَلَمَةَ عنْ
أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رسُولُ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِينَ أرَادَ حُنَيْناً
مَنْزِلُنا غَداً إنْ شاءَ الله بِخَيْفِ بَنِي كِنَانةَ
حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الكُفْرِ. .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن مُوسَى بن
إِسْمَاعِيل الْمَعْرُوف بالتبوذكي عَن إِبْرَاهِيم بن سعد
بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن مُحَمَّد
بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن
إِلَى آخِره.
قَوْله: (حِين أَرَادَ حنيناً) يَعْنِي: فِي غَزْوَة
الْفَتْح، وَإِنَّمَا اراد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم النُّزُول فِي ذَلِك الْموضع ليتذكر مَا كَانُوا
فِيهِ فيشكر الله تَعَالَى على مَا أنعم بِهِ عَلَيْهِ
يَوْم الْفَتْح الْعَظِيم وتمكنهم من دُخُول مَكَّة ظَاهرا
على رغم من سعى فِي إِخْرَاجه مِنْهَا، ومبالغة فِي الصفح
عَن الَّذين أساؤوا ومقابلتهم بالمن وَالْإِحْسَان.
4286 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ قَزَعَةَ حدَّثنا مالِك عنِ
ابنِ شهَاب عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله عنهُ أنَّ
النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَخَلَ مَكَّة يَوْمَ
الفَتْحِ وَعَلَى رأسِهِ المِغْفرُ فَلَمَّا نَزَعَهُ جاءَ
رجُلٌ فَقَالَ ابنُ خطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بأسْتارِ الكَعْبَةِ
فَقَالَ اقْتُلْهُ قَالَ مالِكٌ ولمْ يَكُنِ النبيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فِيما نُرَى وَالله أعْلَمُ
يَوْمَئِذٍ مُحْرِماً. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى بن قزعة، بِفَتْح
الْقَاف وَالزَّاي وَالْعين الْمُهْملَة. الْحِجَازِي من
أَفْرَاده. والْحَدِيث قد مر فِي الْحَج عَن عبد الله بن
يُوسُف عَن مَالك فِي: بَاب دُخُول الْحرم وَمَكَّة
بِغَيْر إِحْرَام، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (المغفر) ، بِكَسْر الْمِيم: زرد ينسج من الدروع
على مِقْدَار القلنسوة يلبس تَحت القلنسوة، وَفِي رِوَايَة
يحيى بن بكير عَن مَالك: (مغفر من حَدِيد) . قَوْله: (ابْن
خطل) ، هُوَ عبد الله بن خطل، بِفَتْح الْخَاء
الْمُعْجَمَة والطاء الْمُهْملَة، كَانَ أسلم وارتد وَقتل
قَتِيلا بِغَيْر حق، وَكَانَت لَهُ قينتان تُغنيَانِ بهجو
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (فَقَالَ:
اقتله) أَي: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لذَلِك الرجل (اقْتُل ابْن خطل) ، وَفِي الحَدِيث الَّذِي
مضى فِي الْحَج فَقَالَ: (اقْتُلُوهُ) ، بخطاب الْجمع،
وروى الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة شَبابَة بن سوار عَن
مَالك فِي هَذَا الحَدِيث: (من رأى مِنْكُم ابْن خطل
فليقتله) ، وَاخْتلف فِي قَاتله، وَجزم ابْن إِسْحَاق
بِأَن سعيد بن حُرَيْث وَأَبا بَرزَة الْأَسْلَمِيّ
اشْتَركَا فِي قَتله. وَعَن الْوَاقِدِيّ: أَن قَاتله شريك
بن عَبدة الْعجْلَاني، وَرجح أَنه أَبُو بَرزَة. وَفِي
(التَّوْضِيح) وَفِيه دلَالَة على أَن الْحرم لَا يعْصم من
الْقَتْل الْوَاجِب. قلت: إِنَّمَا وَقع قتل ابْن خطل فِي
السَّاعَة الَّتِي أحل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فِيهَا الْقِتَال بِمَكَّة، وَقد صرح بِأَن حرمتهَا
عَادَتْ كَمَا كَانَت فَلم يَصح الِاسْتِدْلَال بِهِ لما
ذكره، وروى أَحْمد من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه
عَن جده: أَن تِلْكَ السَّاعَة استمرت من صَبِيحَة يَوْم
الْفَتْح إِلَى الْعَصْر. قَوْله: (قَالَ مَالك) . إِلَى
آخِره وَهُوَ كَمَا قَالَ لِأَنَّهُ لم يرو أحد أَنه تحلل
يومئذٍ من إِحْرَام، وَقيل: يحْتَمل أَن يكون محرما إلاَّ
أَنه لبس المغفر للضَّرُورَة، أَو أَنه من خواصه صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، قَوْله: (فِيمَا نرى) على صِيغَة
الْمَجْهُول أَي: فِيمَا نظن. قَوْله: (محرما) نصب
لِأَنَّهُ خبر: لم يكن.
(17/282)
4287 - حدَّثنا صَدَقَةُ بنُ الفَضْلِ
أخبَرَنا ابنُ عُيَيْنَةَ عنِ ابنِ أبي نَجِيحٍ عنْ
مُجاهِدٍ عنْ أبي مَعْمَرٍ عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله
عنهُ قَالَ دَخَلَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
مَكَّةَ يَوْمَ الفَتْحِ وحَوْلَ البَيْتِ سِتُّونَ
وثَلاَثُمَائَةِ نُصُبٍ فَجَعَلَ يَطْعُنُها بِعُودٍ فِي
يَدِهِ وَيَقُولُ جاءَ الحَقُّ وزَهَقَ الباطلُ جاءَ
الحقُّ وَمَا يُبْدِىءُ الباطِلُ وَمَا يُعِيدُ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَصدقَة بن الْفضل
الْمروزِي وَابْن عُيَيْنَة سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَابْن
أبي نجيح، بِفَتْح النُّون: عبد الله وَاسم أبي نجيح
يسَار، وَأَبُو معمر، بِفَتْح الميمين عبد الله بن
سَخْبَرَة، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي كتاب الْمَظَالِم فِي:
بَاب هَل يكسر الدنان؟ فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَليّ
بن عبد الله عَن سُفْيَان عَن ابْن أبي نجيح إِلَى آخِره.
قَوْله: (نصب) ، بِضَم النُّون وَالصَّاد الْمُهْملَة:
وَهُوَ مَا ينصب لِلْعِبَادَةِ من دون الله تَعَالَى،
وَوَقع فِي رِوَايَة ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عُيَيْنَة
(صنماً) ، بدل نصب، وَيُطلق النصب وَيُرَاد بِهِ
الْحِجَارَة الَّتِي كَانُوا يذبحون عَلَيْهَا للأصنام،
والأنصاب الْأَعْلَام الَّتِي تجْعَل فِي الطَّرِيق.
قَوْله: (يطعنها) بِضَم الْعين وَفتحهَا، وَالْأول أشهر،
وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ: (فَلم
يبقَ وَثمّ استقبله إلاَّ سقط على قَفاهُ) ، مَعَ أَنَّهَا
كَانَت ثَابِتَة بِالْأَرْضِ قد شدّ لَهُم إِبْلِيس
أَقْدَامهَا بالرصاص. قَوْله: (وزهق الْبَاطِل) أَي: اضمحل
وتلاشى، يُقَال: زهقت نَفسه زهوقاً، أَي: خرجت روحه،
والزهوق بِالضَّمِّ مصدر، وبالفتح الإسم.
4288 - حدَّثني إسْحاقُ حَدثنَا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ
حدّثني أبي حَدثنَا أيُّوبُ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ
عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أنَّ رسُولَ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لمَّا قَدِمَ مَكَّةَ أبي أنْ يَدْخُلَ
البَيْتَ وفيهِ الآلِهَةُ فأمَرَ بِها فأُخرِجَتْ
فأُخْرِجَ صُورَةُ إبْرَاهِيمَ وإسْمَاعِيلَ فِي
أيْدِيهِما مِنَ الأزْلاَمِ فَقَالَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَاتَلَهُمُ الله لَقَدْ عَلِمُوا مَا
اسْتَقْسَما بِها قَط ثُمَّ دَخَلَ البَيْتَ فَكَبَّرَ فِي
نَوَاحِي البَيْتِ وخَرَجَ وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن قدومه هَذَا مَكَّة
كَانَ فِي سنة الْفَتْح. وَإِسْحَاق هُوَ ابْن مَنْصُور،
وَعبد الصَّمد هُوَ ابْن عبد الْوَارِث ابْن سعيد، وَفِي
رِوَايَة الْأصيلِيّ: لَيْسَ فِيهِ: حَدثنِي أبي، بعد
قَوْله عبد الصَّمد، قيل: لَا بُد مِنْهُ.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم
السَّلَام، فِي: بَاب قَول الله تَعَالَى: {وَاتخذ الله
إِبْرَاهِيم خَلِيلًا} (النِّسَاء: 125) فَإِنَّهُ أخرجه
هُنَاكَ عَن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى عَن هِشَام عَن معمر
عَن أَيُّوب عَن عِكْرِمَة إِلَى آخِره.
قَوْله: (أَبى) أَي: امْتنع. قَوْله: (الْآلهَة) أَي:
الْأَصْنَام الَّتِي سَمَّاهَا الْمُشْركُونَ بالآلهة.
قَوْله: (فَأمر بهَا فأخرجت) . فَإِن قلت: من كَانَ
الَّذِي أخرجهَا؟ قلت: روى أَبُو دَاوُد من حَدِيث جَابر
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر عمر بن
الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهُوَ بالبطحاء أَن
يَأْتِي الْكَعْبَة فَيَمْحُو كل صُورَة فِيهَا، فَلم
يدخلهَا حَتَّى نحيت الصُّور، وَكَانَ عمر هُوَ الَّذِي
أخرجهَا. قيل: إِنَّه محا مَا كَانَ من الصُّور مدهوناً،
وَأخرج مَا كَانَ مخروطاً. فَإِن قلت: قد تقدم فِي الْحَج
من حَدِيث أُسَامَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
دخل الْكَعْبَة فَرَأى صُورَة فَدَعَا بِمَاء فَجعل يمحوها
قلت: هُوَ مَحْمُول على محو بَقِيَّة بقيت مِنْهَا.
قَوْله: الأزلام جمع: زلم، وَهِي السِّهَام الَّتِي
كَانُوا يستقسمون بهَا الْخَيْر وَالشَّر، وَتسَمى: القداح
الْمَكْتُوب عَلَيْهَا الْأَمر وَالنَّهْي: إفعل وَلَا
تفعل، كَانَ الرجل مِنْهُم يَضَعهَا فِي وعَاء لَهُ،
وَإِذا أَرَادَ سفرا أَو زواجاً أَو أمرا مهما أَدخل يَده
فَأخْرج مِنْهَا زلماً فَإِن خرج الْأَمر مضى لشأنه، وَإِن
خرج النَّهْي كف عَنهُ وَلم يَفْعَله. قَوْله: (وَلم
يستقسما بهَا) أَي: مَا استقسم إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل،
عَلَيْهِمَا السَّلَام، بالأزلام قطّ، وَهُوَ من
الاستسقام، وَهُوَ طلب الْقسم الَّذِي قسم لَهُ وَقدر،
وَهُوَ استفعال مِنْهُ كَانُوا يَفْعَلُونَ بالأزلام مثل
مَا ذكرنَا وَقَالَ ابْن الْأَثِير: كَانَ على بَعْضهَا
مَكْتُوب: أَمرنِي رَبِّي، وعَلى الآخر: نهاني رَبِّي،
وعَلى الآخر: غفل، فَإِن خرج: أَمرنِي رَبِّي، مضى لشأنه،
وَإِن خرج: نهاني أمسك، وَإِن خرج الغفل أعَاد حَالهَا
وَضرب بهَا أُخْرَى إِلَى أَن يخرج الْأَمر أَو النَّهْي
(17/283)
قلت: الغفل، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْفَاء
وباللام: وَهُوَ الَّذِي لَا يُرْجَى خَيره وَلَا شَره.
قَوْله: (وَلم يصلِّ فِيهِ) أَي: فِي الْبَيْت، وَفِي
الحَدِيث الَّذِي يَأْتِي: صلى فِيهِ، وَقد علم أَن
رِوَايَة الْمُثبت مُقَدّمَة على رِوَايَة النَّافِي.
تابَعَهُ مَعْمَرٌ عنْ أيُّوبَ
أَي: تَابع عبدَ الصَّمد عَن أَبِيه معمرُ بن رَاشد عَن
أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ، وَوصل هَذِه الْمُتَابَعَة
أَحْمد عَن عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن أَيُّوب.
وَقَالَ وُهيْبٌ حدَّثنا أيُّوب عنْ عِكْرِمَةَ عنِ
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
هَذَا تَعْلِيق، ووهيب مصغر وهبَ ابْن خَالِد الْعجْلَاني
عَن عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى
أَنه رَوَاهُ مُرْسلا، وَالرِّوَايَة الموصولة مرجحة
لِاتِّفَاق عبد الرَّزَّاق وَمعمر على ذَلِك عَن أَيُّوب،
فَافْهَم. |