عمدة القاري شرح صحيح البخاري

49 - (بابُ دُخُول النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ أعْلَى مَكَّةَ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان دُخُول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة حِين قدمهَا يَوْم الْفَتْح، وَعَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة يَوْم الْفَتْح وذقنه على رَحْله متخشعاً رَوَاهُ الْحَاكِم.

4289 - وَقَالَ اللَّيْثُ حدَّثني يُونُسُ قَالَ أخْبَرَني نافِعٌ عنْ عبْدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقْبَلَ يَوْمَ الفَتْحِ مِنْ أعْلَى مَكَّةَ عَلَى رَاحِلَتِهِ مُرْدِفاً أُسَامَةَ بنَ زَيْدٍ وَمَعَهُ بِلاَلٌ ومَعَهُ عُثْمانُ بنُ طَلْحَةَ مِنَ الحَجَبَةِ حَتَّى أناخَ فِي المَسْجِدِ فأمَرَهُ أنْ يأتِيَ بِمِفْتَاحِ البَيْتِ فَدَخَلَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَهُ أسامَةُ بنُ زَيْدٍ وبِلاَلٌ وعُثْمانُ بنُ طَلْحَةَ فَمَكَثَ فِيهِ نَهَاراً طَوِيلاً ثُمَّ خَرَجَ فاسْتَبَقَ النَّاسُ فَكانَ عبْدُ الله بنُ عُمَرَ أوَّلَ مَنْ دَخَلَ فَوَجَدَ بِلاَلاً وراءَ الْبابِ قائِماً فَسألَهُ أيْنَ صَلَّى رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأشَارَ لهُ إِلَى المَكانِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ قَالَ عبْدُ الله فَنَسِيتُ أنْ أسْألَهُ كَمْ صَلَّى مِنْ سَجْدَةٍ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَهَذَا تَعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي الْجِهَاد فِي: بَاب الردف على الْحمار، أخرجه هُنَاكَ عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن يُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله: (من الحجبة) ، جمع حَاجِب. قَوْله: (من سَجْدَة) ، أَي: من رَكْعَة.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة هَذَا تَعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي الْجِهَاد فِي بَاب الردف على الْحمار فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن يُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي إِلَى آخِره وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ قَوْله " من الحجبة " جمع حَاجِب قَوْله " من سَجْدَة " أَي من رَكْعَة
297 - (حَدثنَا الْهَيْثَم بن خَارِجَة حَدثنَا حَفْص بن ميسرَة عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه أَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أخْبرته أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دخل عَام الْفَتْح من كداء الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّة) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة والهيثم بِفَتْح الْهَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة ابْن خَارِجَة ضد الدَّاخِلَة أَبُو أَحْمد الْخُرَاسَانِي الْمروزِي سكن بَغْدَاد وَمَات بهَا سنة سبع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَحَفْص بن ميسرَة ضد الميمنة الصَّنْعَانِيّ وَلَيْسَ لَهُ حَدِيث مَوْصُول فِي البُخَارِيّ إِلَّا هَذَا الْموضع قَوْله " من كداء " بِفَتْح الْكَاف وَتَخْفِيف الدَّال الْمُهْملَة وبالمد
(تَابعه أَبُو أُسَامَة ووهيب فِي كداء) أَي تَابع حَفْص بن ميسرَة أَبُو أُسَامَة وَهُوَ حَمَّاد بن أُسَامَة ووهيب بن خَالِد فِي روايتهما عَن هِشَام بن عُرْوَة بِهَذَا الْإِسْنَاد وَقَالا فِي روايتهما دخل من كداء بِالْمدِّ وَطَرِيق أُسَامَة وَصلهَا البُخَارِيّ فِي الْحَج فِي بَاب من أَيْن يخرج من مَكَّة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن

(17/284)


مَحْمُود بن غيلَان عَن أبي أُسَامَة عَن هِشَام بن عُرْوَة إِلَى آخِره وَطَرِيق وهيب وَصله البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْبَاب الْمَذْكُور عَن مُوسَى عَن وهيب عَن هِشَام بن عُرْوَة إِلَى آخِره
298 - (حَدثنَا عبيد بن إِسْمَاعِيل حَدثنَا أَبُو أُسَامَة عَن هِشَام عَن أَبِيه دخل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَام الْفَتْح من أَعلَى مَكَّة من كداء) هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث هِشَام بن عُرْوَة وَلَكِن لم يذكر فِيهِ عَائِشَة فَهُوَ مُرْسل لِأَن عُرْوَة تَابِعِيّ -
51 - (بابُ مَنْزلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ الفَتْحِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان منزل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم فتح مَكَّة.

52 - (بابٌ)

أَي: هَذَا بَاب، كَذَا وَقع فِي الْأُصُول بِلَا تَرْجَمَة وَهُوَ كالفصل لما قبله.

4293 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا غُنْدَرٌ حَدثنَا شعْبَةُ عنْ مَنْصورٍ عنْ أبي الضُّحاى عنْ مَسْروقٍ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قالَتْ كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقُولُ فِي رُكُوعِهِ وسُجُودِهِ سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ ربّنَا وبِحِمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي. .

وَجه دُخُول هَذَا الحَدِيث هُنَا من حَيْثُ إِنَّه أوردهُ مُخْتَصرا، وَسَيَأْتِي فِي التَّفْسِير بِلَفْظ: (مَا صلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، صَلَاة بعد أَن نزلت عَلَيْهِ: {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} (الْفَتْح: 1) لَا يَقُول فِيهَا، فَذكر الحَدِيث.
والْحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة فِي: بَاب الدُّعَاء فِي الرُّكُوع فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن حَفْص بن عمر عَن شُعْبَة عَن مَنْصُور إِلَى آخِره. (وغندر) بِضَم الْغَيْن وَسُكُون النُّون، وَقد تكَرر ذكره، وَهُوَ لقب مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَأَبُو الضُّحَى مُسلم بن صبيح الْكُوفِي.
قَوْله: (وَبِحَمْدِك) أَي: نسبحك، وَالْحَال أَنا متلبسون بحَمْدك، أَو هَذَا تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} (الْفَتْح: 3) .

4293 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا غُنْدَرٌ حَدثنَا شعْبَةُ عنْ مَنْصورٍ عنْ أبي الضُّحاى عنْ مَسْروقٍ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قالَتْ كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقُولُ فِي رُكُوعِهِ وسُجُودِهِ سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ ربّنَا وبِحِمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي. .

وَجه دُخُول هَذَا الحَدِيث هُنَا من حَيْثُ إِنَّه أوردهُ مُخْتَصرا، وَسَيَأْتِي فِي التَّفْسِير بِلَفْظ: (مَا صلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، صَلَاة بعد أَن نزلت عَلَيْهِ: {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} (الْفَتْح: 1) لَا يَقُول فِيهَا، فَذكر الحَدِيث.
والْحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة فِي: بَاب الدُّعَاء فِي الرُّكُوع فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن حَفْص بن عمر عَن شُعْبَة عَن مَنْصُور إِلَى آخِره. (وغندر) بِضَم الْغَيْن وَسُكُون النُّون، وَقد تكَرر ذكره، وَهُوَ لقب مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَأَبُو الضُّحَى مُسلم بن صبيح الْكُوفِي.
قَوْله: (وَبِحَمْدِك) أَي: نسبحك، وَالْحَال أَنا متلبسون بحَمْدك، أَو هَذَا تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} (الْفَتْح: 3) .

(17/285)


4294 - حدَّثنا أبُو النُّعْمَانِ حدَّثنا أبُو عَوَانَةَ عنْ أبي بِشْرٍ عنْ سعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عَن ابْن عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ كانَ عُمَرُ يُدْخِلُني معَ أشْياخِ بَدْرٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِمَ تدْخِلُ هاذَا الفَتَى مَعَنَا ولَنا أبْناءٌ مِثْلهُ فَقال إنَّهُ مِمَّنْ قدْ عَلِمْتُمْ قَالَ فَدَعاهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ ودَاعاني مَعَهُمْ قَالَ وَمَا رُئِيتُهُ دَعاني يَوْمَئِذٍ إلاَّ لِيُرِيَهُمْ مِنِّي فَقال مَا تَقُولونَ: {إذَا جاءَ نَصْرُ الله والفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ} (الْفَتْح: 1 2) حَتى خَتَمَ السُّورَةَ فَقال بَعْضُهُمْ أمِرْنا أنْ نَحْمَدَ الله ونسْتَغْفِرَهُ إذَا نُصِرْنا وفُتِحَ عَلَيْنَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا ندْرِي وَلَمْ يَقُلْ بَعَضُهُمْ شَيْئاً فَقَالَ لي يَا ابنَ عَبَّاسٍ أكَذَاكَ تَقُولُ قُلْتُ لَا قَالَ فَما تَقُولُ فُلْتُ هُوَ أجَلُ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْلَمَهُ الله لهُ إذَا جاءَ نَصْرُ الله والفَتْحُ فَتْحُ مَكَّة فَذَاكَ عَلاَمَةُ أجَلِكَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ واسْتَغْفِرْهُ إنَّهُ كانَ تَوَّاباً قَالَ عُمرُ مَا أعْلمُ مِنْها إلاَّ مَا تَعْلَمُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة الَّتِي هِيَ قَوْله: بَاب غَزْوَة الْفَتْح، لِأَن فِيهِ ذكر الْفَتْح وَهُوَ فتح مَكَّة، والأبواب الَّتِي بعده تَابِعَة لَهُ، فَافْهَم بالتيقظ.
وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي، وَأَبُو عوَانَة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة: الوضاح الْيَشْكُرِي، وَأَبُو بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: واسْمه جَعْفَر بن أبي وحشية واسْمه إِيَاس الْيَشْكُرِي.
والْحَدِيث مضى مُخْتَصرا فِي عَلَامَات النُّبُوَّة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن عرْعرة عَن شُعْبَة عَن أبي بشر عَن سعيد بن جُبَير إِلَى آخِره.
قَوْله: (يدخلني) بِضَم الْيَاء من الإدخال. قَوْله: (مَعَ أَشْيَاخ بدر) الْأَشْيَاخ جمع شيخ، وَأَرَادَ بهم الَّذين حَضَرُوا غَزْوَة بدر. قَوْله: (قَالَ بَعضهم) أَرَادَ بِهِ: عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَلم يقل ذَلِك حسداً، وَلكنه أَرَادَ أَن يكون أَبنَاء لَهُ مثله. قَوْله: (لم تدخل؟) بِكَسْر اللَّام وَأَصله: لما، وَتدْخل من الإدخال، وَأَرَادَ بالفتى ابْن عَبَّاس. قَوْله: (وَمَا رئيته) على صِيغَة الْمَجْهُول، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ يرجع إِلَى عمر. قَوْله: (إلاَّ لِيُرِيَهُمْ) أَي: إلاَّ لِأَن يُرِيهم، بِضَم الْيَاء من الإراءة، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ يرجع إِلَى أَشْيَاخ بدر. قَوْله: (مني) أَي: بعض فضيلتي. قَوْله: (أَو لم يقل) شكّ من الرَّاوِي. قَوْله: (فَقَالَ لي: يَا ابْن عَبَّاس) أَي: قَالَ عمر بن الْخطاب، هَذَا بِحرف النداء فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره. ابْن عَبَّاس، بِدُونِ حرف النداء. قَوْله: (أكذاك) . الْهمزَة فِيهِ للاستفهام أَي: أمثل مَا قَالُوا تَقول أَنْت أَيْضا. قَوْله: (قلت: لَا أَي:) لَا أَقُول مثل مَا قَالُوا. قَوْله: (قَالَ: فَمَا تَقول) . أَي: قَالَ: فَمَا تَقول أَنْت يَا ابْن عَبَّاس؟ قَوْله: (مَا أعلم مِنْهَا) ، أَي: من هَذِه السُّورَة (إِلَّا مَا تعلم) أَنْت يَا ابْن عَبَّاس، وَفِيه فَضِيلَة بَيِّنَة لعبد الله بن عَبَّاس.

4295 - حدَّثنا سعِيدُ بنُ شُرحَبِيلَ حدَّثنا اللَّيْثُ عنِ المَقْبِرِيِّ عنْ أبي شُرَيْح العَدَوِيِّ أنَّهُ قَالَ لِ عَمْرو بنِ سعِيدٍ وهْوَ يَبْعَثُ البُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ ائْذَنْ لي أيُّها الأمِيرُ أحَدِّثكَ قَوْلاً قامَ بِهِ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الغَدَ مِنْ يَوْمِ الفَتْحِ سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعاهُ قَلْبِيَ وأبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ إنَّهُ حَمِدَ الله وأثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ إنَّ مَكَّةَ حَرَّمَها الله ولَمْ يُحَرِّمْها النَّاسُ لَا يَحِلُّ لامْرِىءٍ يُؤْمِنُ بِاللَّه وَلَا بالْيَوْمِ الآخِرِ أنْ يَسْفِكَ بهَا دَماً ولاَ يَعْضِدَ بِها شَجَراً فَإنْ أحَدٌ تَرَخَّصَ لقِتالِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيها فَقُولُوا لهُ إِن الله أذِن لِرَسُولِهِ ولَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ وإنَّما أذِنَ لِي فِيها ساعَةً مِنْ نَهارٍ وَقَدْ عادَتْ حُرْمتُها اليَوْمَ كَحُرْمَتِها بالأمْسِ وَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ فَقِيلَ لأبي شُرَيْحٍ ماذَا قَالَ لَكَ عَمْروٌ قَالَ قَالَ أَنا أعْلَمُ بِذالِكَ مِنْكَ يَا با شُرَيْحٍ إنَّ الحَرَمَ لَا يُعِيذُ عاصِياً وَلَا فارًّا بِدَمٍ وَلَا فارًّا بِخَرْبَةٍ. .

(17/286)


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (يَوْم الْفَتْح) وَسَعِيد بن شُرَحْبِيل، بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره لَام: الْكِنْدِيّ، من قدماء شُيُوخ البُخَارِيّ، وَلَيْسَ لَهُ عَنهُ فِي (الصَّحِيح) سوى هَذَا الْموضع وَآخر فِي عَلَامَات النُّبُوَّة، وكل مِنْهُمَا عِنْده لَهُ متابع عَن اللَّيْث بن سعد، والمقبري، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْقَاف وَضم الْبَاء الْمُوَحدَة. هُوَ سعيد بن أبي سعيد، وَاسم أبي سعيد كيسَان، وَكَانَ يسكن مَقْبرَة فنسب إِلَيْهَا، وَأَبُو شُرَيْح، بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره حاء مُهْملَة: واسْمه خويلد مصغر خَالِد الْعَدوي، بِفَتْح الْمُهْمَلَتَيْنِ وبالواو، قَالَ أَبُو عمر فِي كِتَابه (الِاسْتِيعَاب) أَبُو شُرَيْح الكعبي الْخُزَاعِيّ اسْمه خويلد بن عَمْرو، وَقيل: ابْن خويلد، وَقيل: كَعْب بن عَمْرو، وَقيل: هانىء بن عَمْرو، وَالْأول أصح، أسلم قبل فتح مَكَّة وَكَانَ يحمل ألوية بني كَعْب يَوْم فتح مَكَّة، توفّي بِالْمَدِينَةِ سنة ثَمَان وَسِتِّينَ، عداده فِي أهل الْحجاز.
وَقد مر الحَدِيث فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب ليبلغ الْعلم الشَّاهِد الْغَائِب، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن اللَّيْث عَن سعيد بن أبي سعيد عَن أبي شُرَيْح إِلَى آخِره، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مستقصى، وَلَكِن نذْكر بعض شَيْء لبعد الْمسَافَة.
قَوْله: (لعَمْرو بن سعيد) أَي: ابْن الْعَاصِ بن سعيد بن الْعَاصِ بن أُميَّة الْقرشِي الْأمَوِي، يعرف بالأشدق وَلَيْسَت لَهُ صُحْبَة وَلَا من التَّابِعين بِإِحْسَان، ووالده مُخْتَلف فِي صحبته، وَكَانَ أَمِير الْمَدِينَة، وغزا ابْن الزبير ثمَّ قَتله عبد الْملك بن مَرْوَان بعد أَن أَمنه وَكَانَ قَتله فِي سنة سبعين من الْهِجْرَة. قَوْله: (وَهُوَ يبْعَث الْبعُوث) وَهُوَ جمع بعث وَهُوَ الْجَيْش. قَوْله: (الْغَد) بِالنّصب على الظَّرْفِيَّة، وَهُوَ الْيَوْم الثَّانِي من فتح مَكَّة. قَوْله: (سمعته أذناي) تَأْكِيد، وَكَذَا قَوْله: (ووعاه قلبِي) أَي: حفظه، وَكَذَا قَوْله: (وأبصرته عَيْنَايَ) . قَوْله: (حمد الله) بَيَان لقَوْله: تكلم. قَوْله: (وَلَا بِالْيَوْمِ الآخر) كلمة: لَا زَائِدَة لتأكيد النَّفْي. قَوْله: (وَلَا يعضد) من عضدت الشَّجَرَة بِالنّصب أعضدها بِالْكَسْرِ أَي: قطعتها. قَوْله: (فَإِن أحد ترخص) أحد مُفَسّر لقَوْله: ترخص. قَوْله: (لقِتَال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: لأجل قِتَاله. قَوْله: (وليبلغ) يجوز بِكَسْر اللَّام وتسكينها. قَوْله: (يَا شُرَيْح) أَصله: يَا أبي شُرَيْح، حذفت الْهمزَة للتَّخْفِيف. قَوْله: (لَا يعيذ) بِضَم الْيَاء من الإعاذة بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة، أَي: لَا يعْصم العَاصِي عَن إِقَامَة الْحَد عَلَيْهِ. قَوْله: (وَلَا فَارًّا) بتَشْديد الرَّاء أَي: ملتجئاً إِلَى الْحرم خوفًا من إِقَامَة الْحَد عَلَيْهِ، وَمَعْنَاهُ فِي الأَصْل: الهارب (وَلَا فَارًّا بخربة) بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء بعْدهَا بَاء مُوَحدَة، وَهِي السّرقَة، كَذَا ثَبت تَفْسِيرهَا فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: (وَلَا فَارًّا بخربة) يَعْنِي: السّرقَة، وَقَالَ ابْن بطال: الخربة، بِالضَّمِّ: الْفساد، وبالفتح: السّرقَة. وَقَالَ القاضيّ وَقد رَوَاهُ جَمِيع رُوَاة البُخَارِيّ غير الْأصيلِيّ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة.

4296 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ حدّثنا اللَّيْثُ عنْ يَزِيدَ بنِ أبي حَبِيبٍ عنْ عَطَاءِ بنِ أبي رباحِ عنْ جابِرِ بنِ عَبْدِ الله رَضِي الله عَنْهُمَا أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ عامَ الفَتْحِ وهْوَ بِمَكَّةَ إنَّ الله ورسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الخَمْرِ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَبَعض الحَدِيث مضى فِي أَوَاخِر الْبيُوع مُعَلّقا، وَهُوَ: وَقَالَ جَابر: حرم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بيع الْخمر، ثمَّ ذكره فِي: بَاب بيع الْميتَة والأصنام مطولا بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور بِعَيْنِه، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

53 - (بابُ مُقامِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّةَ زَمَنَ الفَتْحِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مقَام، بِضَم الْمِيم، أَي: إِقَامَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

(17/287)


4298 - حدَّثنا عَبْدَانُ أخبَرَنا عَبْدُ الله أخبرَنا عاصِمٌ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ أقامَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّةَ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْماً يُصَلِّي ركْعَتَيْنِ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وعبدان لقب عبد الله بن عُثْمَان بن جبلة الْمروزِي، وَعَاصِم هُوَ الْأَحول. والْحَدِيث مضى فِي قصر الصَّلَاة فِي أول الْبَاب، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن أبي عوَانَة عَن عَاصِم وحصين عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس، والتوفيق بَين حَدِيثي أنس وَابْن عَبَّاس هُوَ أَن حَدِيث أنس إِنَّمَا هُوَ فِي حجَّة الْوَدَاع، وَحَدِيث ابْن عَبَّاس فِي الْفَتْح، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي: بَاب الْقصر.

4299 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ حدّثنا أبُو شِهابٍ عنْ عاصِمٍ عنْ عِكْرِمَةَ عَن ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ أقَمْنا مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَفَرٍ تِسْعَ عَشْرَةَ نَقْصُرُ الصَّلاَةَ وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ ونَحْنُ نَقْصُرُ مَا بَيْنَنَا وبَيْنَ تِسْعَ عَشْرَةَ فإذَا زِدْنا أتْمَمْنا. .

هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس، وَلم يذكر فِيهِ الْمَكَان، وَأحمد بن يُونُس هُوَ أَحْمد بن عبد الله بن يُونُس التَّمِيمِي الْكُوفِي وَأَبُو شهَاب هُوَ عبد ربه بن نَافِع الْمَدَائِنِي الحناط، بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالنون، وَعَاصِم هُوَ الْأَحول. قَوْله: (وَقَالَ ابْن عَبَّاس) ، هُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور.

54 - (بابٌ)

أَي: هَذَا بَاب كَذَا وَقع فِي الْأُصُول بِغَيْر تَرْجَمَة وَلَيْسَ بموجود فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ، وَقد ذكرنَا غير مرّة أَن لفظ: بَاب إِذا وَقع بِغَيْر تَرْجَمَة يكون كالفصل لما قبله.
وَقَالَ اللَّيْثُ حدَّثني يُونُسُ عنِ ابْن شِهابٍ أَخْبرنِي عَبْدُ الله بنُ ثَعْلَبَةَ بنِ صُعَيْرٍ وكانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَدْ مَسَحَ وَجْهَهُ عامَ الْفَتْحِ.
هَذَا تَعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي (التَّارِيخ الصَّغِير) قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن صَالح حَدثنَا اللَّيْث فَذكره، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد الْأَيْلِي، وَعبد الله بن ثَعْلَبَة بن صعير، بِضَم الصَّاد وَفتح الْعين الْمُهْمَلَتَيْنِ، وثعلبة هَذَا يُقَال لَهُ ابْن أبي صعير أَيْضا ابْن عَمْرو بن زيد بن سِنَان العذري، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة وبالراء: حَلِيف بني زهرَة روى عَنهُ ابْنه عبد الله وهما صحابيان ويكنى عبد الله أَبَا مُحَمَّد، ولد قبل الْهِجْرَة بِأَرْبَع سِنِين وَتُوفِّي فِي سنة تسع وَثَمَانِينَ وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَتِسْعين سنة، وَقيل: إِنَّه ولد بعد الْهِجْرَة وَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم توفّي وَهُوَ ابْن أَربع سِنِين، وَإنَّهُ أَتَى بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمسح على رَأسه وَوَجهه زمن الْفَتْح، وَأَبوهُ ثَعْلَبَة روى عَنهُ عبد الرَّحْمَن بن كَعْب بن مَالك وَابْنه عبد الله، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لِثَعْلَبَةَ هَذَا ولابنه عبد الله صُحْبَة، روى عَنْهُمَا جَمِيعًا الزُّهْرِيّ. فَإِن قلت: أَيْن مقول قَول اللَّيْث؟ قلت: غير مَذْكُور لِأَن مَقْصُود من ذكر عبد الله بن ثَعْلَبَة بَيَان وَصفه بِالْمَسْحِ عَام الْفَتْح، وَقد ذكرنَا الْآن أَنه أَتَى بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمسح على رَأسه وَوَجهه، وَهُوَ معنى قَوْله: (وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قد مسح وَجهه عَام الْفَتْح) وَقَالَ ابْن التِّين: عبد الله هَذَا إِن كَانَ عقل ذَلِك أَو عقل عَنهُ كلمة كَانَت لَهُ صُحْبَة، وَإِن لم يعقل عَنهُ شَيْئا كَانَت لَهُ تِلْكَ فَضِيلَة، وَهُوَ من الطَّبَقَة الأولى من التَّابِعين. قلت: أغرب ابْن التِّين فِي هَذَا، وَقد ذكرُوا أَن لَهُ ولأبيه صُحْبَة.

4301 - حدَّثني إبْرَاهيمُ بنُ مُوسَى أخبرنَا هِشامٌ عنْ مَعْمِرٍ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ سُنَيْنٍ أبي جَمِيلَةَ قَالَ أخبرنَا ونَحْنُ مَعَ ابنِ المُسَيَّبِ قَالَ وزَعَمَ أبُو جَمِيلَةَ أنَّهُ أدْرَكَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وخَرَجَ مَعَهُ عامَ الْفَتْحِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة الَّتِي هِيَ قَوْله: بَاب غَزْوَة الْفَتْح، فِي قَوْله: (عَام الْفَتْح) وَإِبْرَاهِيم بن مُوسَى بن يزِيد الْفراء، وَأَبُو إِسْحَاق الرَّازِيّ

(17/288)


يعرف بالصغير وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا، وَهِشَام وَهُوَ ابْن يُوسُف أَبُو عبد الرَّحْمَن الصَّنْعَانِيّ الْيَمَانِيّ قاضيها، وَمعمر، بِفَتْح الميمين: ابْن رَاشد، وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم، وسنين، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح النُّون وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره نون، وَقيل: بتَشْديد الْيَاء، ويكنى بِأبي جميلَة، بِفَتْح الْجِيم الضمرِي، وَيُقَال: السّلمِيّ، ذكره ابْن مَنْدَه وَابْن حبَان وَغَيرهمَا فِي الصَّحَابَة، وَقَالَ أَبُو عمر فِي (الِاسْتِيعَاب) : قَالَ مَالك بن شهَاب: أَخْبرنِي سِنِين أَبُو جميلَة أَنه أدْرك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام الْفَتْح، وَقَالَ غَيره: وَحج مَعَه حجَّة الْوَدَاع، وَيرد بِهَذَا قَول ابْن الْمُنْذر: أَبُو جميلَة رجل مَجْهُول، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: قد قَالَه الشَّافِعِي أَيْضا وَقَالَ بَعضهم بعد قَوْله: عَن سِنِين، تقدم ذكره فِي الشَّهَادَات بِمَا يُغني عَن إِعَادَته. قلت: لم يغن ذكره فِي الشَّهَادَات عَن إِعَادَته هُنَا أصلا، لِأَن الْمَذْكُور فِي الشَّهَادَات فِي: بَاب إِذا زكى رجل رجلا كَفاهُ، وَقَالَ أَبُو جميلَة: وجدت مَنْبُوذًا فَلَمَّا رأى عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: عَسى الغوير بؤساً، كَأَنَّهُ يتهمني، فَقَالَ: عريفي أَنه رجل صَالح، قَالَ: كَذَاك إذهب وعلينا نَفَقَته. انْتهى، فَمن أَيْن حَال أبي جميلَة من هَذَا حَتَّى يكون ذكره هُنَاكَ مغنياً عَن ذكره هَهُنَا؟
قَوْله: (قَالَ: أخبرنَا وَنحن مَعَ ابْن الْمسيب) أَي: قَالَ الزُّهْرِيّ: أخبرنَا أَبُو جميلَة وَالْحَال نَحن مَعَ ابْن الْمسيب، والمخبر بِهِ غير مَذْكُور. قَوْله: (قَالَ: وَزعم) أَي: قَالَ الزُّهْرِيّ: وَزعم، أَي: قَالَ أَبُو جميلَة إِنَّه إِلَى آخِره، وَجُمْهُور الْأُصُولِيِّينَ أَن الْعدْل المعاصر للرسول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَالَ: أَنا صَحَابِيّ، يصدق فِيهِ ظَاهرا.

4302 - حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ حدّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عنْ أيُّوبَ عنْ أبي قلاَبَةَ عنْ عَمْرو بنِ سَلَمَةَ قَالَ قَالَ لي أبُو قِلاَبَةَ ألاَ تَلْقَاهُ فتَسألَهُ قَالَ فلَقِيتُهُ فسألْتُهُ فَقال كنَّا بِما مَمَرِّ النّاسِ كانَ يَمُرُّ بِنا الرُّكْبانُ فنَسألُهُمْ مَا لِلنّاسِ مَا هاذا الرجُلُ فيَقُولونَ يَزْعمُ أنَّ الله أرْسَلَهُ أوْحَى إلَيْهِ أوْ أوْحَى الله بكَذَا فكُنْتُ أحْفَظُ ذَلِكَ الكَلاَمَ وكأنَّما يُغَرَّى فِي صَدْرِي وكانَتِ العَرَبُ تَلومُ بإسْلاَمِهِمِ الفَتْحَ فَيَقُولُونَ اتْرُكُوهُ وقَوْمَهُ فإنَّهُ إنْ ظَهَرَ عَلَيْهِم فَهْوَ نَبِيٌّ صَادِقٌ فَلَمّا كانَتْ وقْعَةُ أهْلِ الفَتْحِ بادَرَ كلُّ قومٍ بإسْلاَمِهِمْ وَبَدَرَ أبي قَوْمِي بإسْلاَمِهِمْ فَلَمّا قَدِمَ قَالَ جِئْتُكُمْ وَالله مِنْ عِنْدِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حقًّا فَقال صَلُّوا صَلاَةَ كَذا وَصَلُّوا كَذا فِي حِينِ كَذا فإذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فلْيُؤَذِّنْ أحَدُكُمْ ولْيَؤُّمَّكُمْ أكْثَرُكُمْ قُرْآناً فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أحَدٌ أكْثَرَ قُرْآيناً مِنِّي لِمَا كُنْتُ أتَلَقَّى منَ الرُّكْبانِ فَقَدمُوني بَيْنَ أيْدِيهِمْ وَأَنا ابْنُ سِتِّ أوْ سبْعِ سِنِينَ وكانَتْ عَليَّ بُرْدَةٌ كُنْتُ إِذا سَجَدْتُ تَقَلَّصَتْ عَنِّي فَقَالَتِ امْرَأةٌ منَ الحَيِّ أَلا تُغَطُّوا عَنَّا اسْتَ قارِئِكُمْ فاشتَرَوْا فَقَطَعُوا قَمِيصاً فَمَا فَرِحْتُ بِشَيْءٍ فرَحِي بذالِكَ القَمِيص.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله (بِإِسْلَامِهِمْ الْفَتْح) وَفِي قَوْله: (وقْعَة أهل الْفَتْح) وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ وَأَبُو قلَابَة، بِكَسْر الْقَاف: اسْمه عبد الله بن زيد الْجرْمِي، وَعَمْرو بن سَلمَة، بِكَسْر اللَّام ابْن قيس الْجرْمِي، يكنى أَبَا يزِيد، قَالَ أَبُو عمر: أدْرك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ يؤم قومه على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد قيل: إِنَّه قدم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَعَ أَبِيه. وَلم يخْتَلف فِي قدوم أَبِيه على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نزل عَمْرو بن سَلمَة الْبَصْرَة، وَيُقَال: مُخْتَلف فِي صُحْبَة عَمْرو وَمَاله فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث، وَكَذَا أَبوهُ لَكِن وَقع ذكر عَمْرو بن سَلمَة فِي حَدِيث مَالك بن الْحُوَيْرِث فِي صفة الصَّلَاة.
قَوْله: (قَالَ لي أَبُو قلَابَة) أَي: قَالَ أَيُّوب: قَالَ لي أَبُو قلَابَة: (لَا تَلقاهُ) أَي: لَا تلقى عَمْرو بن سَلمَة؟ قَوْله: (فَقَالَ:) أَي: عَمْرو ابْن سَلمَة. (كُنَّا بِمَاء) أَرَادَ بِهِ الْمنزل الَّذِي ينزل عَلَيْهِ النَّاس. قَوْله: (ممر النَّاس) بِالْجَرِّ صفة. لماء، وَهُوَ بتَشْديد الرَّاء إسم مَوضِع الْمُرُور، وَيجوز فِيهِ الرّفْع على تَقْدِير: هُوَ ممر النَّاس. قَوْله: (الركْبَان) جمع رَاكب الْإِبِل خَاصَّة، ثمَّ اتَّسع فِيهِ فَأطلق على من ركب دَابَّة. قَوْله: (مَا للنَّاس؟ مَا للنَّاس؟) كَذَا هُوَ مُكَرر مرَّتَيْنِ. قَوْله: (مَا هَذَا الرجل؟) أَي: يسْأَلُون عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعَن حَال الْعَرَب

(17/289)


مَعَه. قَوْله: (أَو أوحى الله بِكَذَا) شكّ من الروي، يُرِيد بِهِ حِكَايَة مَا كَانُوا يخبرونهم بِهِ مِمَّا سَمِعُوهُ من الْقُرْآن. وَفِي (الْمُسْتَخْرج) لأبي نعيم: فَيَقُولُونَ نَبِي يزْعم أَن الله أرْسلهُ، وَأَن الله أوحى إِلَيْهِ كَذَا وَكَذَا، فَجعلت أحفظ ذَلِك الْكَلَام، وَرِوَايَة أبي دَاوُد: وَكنت غُلَاما حَافِظًا فَحفِظت من ذَلِك قُرْآنًا كثيرا. قَوْله: (ذَلِك الْكَلَام) ويروي: ذَاك الْكَلَام. قَوْله: (فَكَأَنَّمَا) ويروى: وكأنما. قَوْله: (يغري) ، بِضَم الْيَاء وَفتح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء: من التغرية وَهُوَ الإلصاق بالغراء، وَرجح القَاضِي عِيَاض هَذِه الرِّوَايَة، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: يقر، بِضَم الْيَاء وَفتح الْقَاف وَتَشْديد الرَّاء: من الْقُرَّاء، وَفِي رِوَايَة عَنهُ بِزِيَادَة ألف مَقْصُورا من التقرية، أَي: يجمع، وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: يقْرَأ بِالْهَمْزَةِ: من الْقِرَاءَة. قَوْله: (تلوم) بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَفتح اللَّام وَتَشْديد الْوَاو: وَأَصله تتلوم، فحذفت إِحْدَى التَّاءَيْنِ وَمَعْنَاهُ: تنْتَظر قَوْله: (الْفَتْح) أَي: فتح مَكَّة. قَوْله: (وَقَومه) ، مَنْصُوب على الْمَعِيَّة. قَوْله: (بَادر) ، أَي: أسْرع، وَكَذَا قَوْله: (بدر) ، يُقَال: بدرت إِلَى شَيْء وبادرت أَي: أسرعت. قَوْله: (فَلَمَّا قدم) أَي: أَبوهُ من عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَوله هَذَا يشْعر بِأَنَّهُ مَا وَفد مَعَ أَبِيه، وَلَكِن لَا يمْنَع أَن يكون وَفد بعد ذَلِك. قَوْله: فنظروا أَي: إِلَى من كَانَ أَكثر قُرْآنًا. قَوْله: (بردة) وَهِي الشملة المخططة، وَقيل: كسَاء أسود مربع فِيهِ صفر تلبسه الْأَعْرَاب، وَجَمعهَا: برد. قَوْله: (تقلصت) أَي: انجمعت وانضمت، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: تكشفت عني، وَفِي رِوَايَة لَهُ: فَكنت أؤمهم فِي بردة مَوْصُولَة فِيهَا فتق، فَكنت إِذا سجدت خرجت أستي. قَوْله: (لَا تغطوا) بِحَذْف النُّون، كَذَا قَالَ ابْن التِّين، وَفِي الأَصْل: لَا تغطون، لعدم الْمُوجب لحذف النُّون، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: فَقَالَت امْرَأَة من النِّسَاء: داروا عَنَّا عَورَة قارئكم. قَوْله: (فاشتروا) مفعولة مَحْذُوف أَي: فاشتروا ثوبا، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: فاشتروا لي قَمِيصًا عمانياً، وَهُوَ بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم، نِسْبَة إِلَى عمان من الْبَحْرين.

4303 - حدَّثني عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مالِكٍ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ اللَّيْثُ حدّثني يُونُسُ عنِ ابنِ شِهابٍ أخْبَرَنِي عُرْوَةُ ابنُ الزُّبَيْرِ أنَّ عائِشَةَ قَالَتْ كانَ عُتْبَةُ بنُ أبي وقَّاسٍ عَهِدَ إِلَى أخِيهِ سَعْدٍ أنْ يَقْبِضَ ابنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ وَقَالَ عُتْبَةُ إنَّهُ ابْنِي فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّةَ فِي الفَتْحِ أخَذَ سَعْدُ بنُ أبي وَقَّاصٍ ابنَ وليدَةِ زَمْعَةَ فأقْبَلَ بِهِ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأقْبَلَ مَعَهُ عَبْدُ بنُ زَمْعَةَ فَقَالَ سَعْدُ بنُ أبي وقَّاصٍ هاذَا ابنُ أخِي عَهِدَ إلَيَّ أنَّهُ ابْنُهُ قَالَ عَبْدُ بنُ زَمْعَةَ رَسُولَ الله هاذَا أخِي هاذَا ابنُ ولِيدَةِ زَمْعَةَ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَنَظَرَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى ابْن ولِيدَةِ زَمْعَةَ فإذَا أشْبَهُ النَّاس بِعُتْبَةَ بنِ أبي وقَّاصٍ فَقَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ لَكَ هُوَ أخُوكَ يَا عَبْدُ بنَ زَمْعَةَ مِنْ أجْلِ أنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ وَقَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ لِما رَأى مِنْ شَبَهِ عُتْبَةَ بنِ أبي وَقَّاصٍ. قَالَ ابنُ شِهابٍ قالتْ عائِشَةُ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الوَلَدُ لِلْفِرَاش وللْعاهِرِ الحَجَرُ وَقَالَ ابنُ شهابٍ وَكَانَ أبُو هُرَيْرَةَ يَصِيحُ بِذالِكَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَلَمَّا قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة فِي الْفَتْح) والْحَدِيث مضى فِي الْبيُوع فِي: بَاب تَفْسِير الشُّبُهَات، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن يحيى بن قزعة عَن مَالك، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (عتبَة) بِضَم الْعين وَسُكُون التَّاء من فَوق. قَوْله: (وليدة زَمعَة) الوليدة: الْأمة، وَزَمعَة بالزاي وَالْمِيم وَالْعين الْمُهْملَة المفتوحات، وَقيل بِسُكُون الْمِيم. قَوْله: (للعاهر الْحجر) أَي: وللزاني الخيبة والحرمان من الْوَلَد. قَوْله: (ابْن شهَاب. قَالَت عَائِشَة) مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور. قَوْله: (يصبح بذلك) أَي: بقوله: (الْوَلَد للْفراش وللعاهر وَالْحجر) وَرِوَايَة ابْن شهَاب عَن أبي هُرَيْرَة مُرْسلَة، وروى مُسلم من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْوَلَد للْفراش وللعاهر الْحجر.

(17/290)


4304 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ مُقاتِلٍ أخبرنَا عَبْدُ الله أخبرنَا يُونُسُ عنِ الزُّهِرِيِّ قَالَ أخْبرَني عُروةُ بنُ الزُّبَيْرِ أنَّ امْرَأةً سَرَقَتْ فِي عَهِدِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَةِ الفَتْحِ فَفَزِعَ قَوْمُها إِلَى أُسامَةَ بنِ زَيْدٍ يَسْتَشْفِعُونَهُ قَالَ عُرْوَةُ فَلَمَّا كَلَّمَه أُسَامَةُ فِيها تَلَوَّنَ وجْهُ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَال أتُكَلِّمُني فِي حَدّ منْ حُدُودِ الله قَالَ أُسَامَةُ اسْتَغْفِرْ لي يَا رسولَ الله فَلعا كانَ العَشِيُّ قامَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَطِيباً فأثْنَى عَلَى الله بِما هُوَ أهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أمَّا بَعْدُ فإنَّمَا أهْلَكَ النَّاسَ قَبْلَكُمْ أنَّهُمْ كانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمِ الشريفُ تَرَكُوهُ وإذَا سَرَقَ فِيهِمِ الضَّعِيفُ أقامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لوْ أنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا ثُمَّ أمَرَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِتِلْكَ المَرْأَةِ فَقُطِعَتْ يَدُها فَحَسُنَتْ تَوْبَتُها بَعْدَ ذالِكَ وَتَزَوَّجَتْ قَالَتْ عائِشَةُ فَكانَتْ تَأتي بعْدَ ذَلِكَ فأرْفَعُ حاجتَها إلَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فِي غَزْوَة الْفَتْح) وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك. والْحَدِيث قد مضى فِي الشَّهَادَات فِي: بَاب شَهَادَة الْقَاذِف فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِسْمَاعِيل إِلَى آخِره.
قَوْله: (أَن امْرَأَة) هِيَ فَاطِمَة المخزومية. قَوْله: (فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: فِي زَمَانه، هَذِه صُورَة الْإِرْسَال، وَلَكِن فِي آخِره مَا يَقْتَضِي أَنه عَن عَائِشَة، وَهُوَ قَوْله فِي آخِره: قَالَت عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا. قَوْله: (فَفَزعَ) أَي: التجأ قَومهَا إِلَى أُسَامَة بن زيد بن حَارِثَة مولى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يُقَال: فزعت إِلَيْهِ، بِكَسْر الزَّاي فأفزعني: أَي لجأت إِلَيْهِ فأغاثني، وفزعت عَنهُ أَي: كشفت عَنهُ الْفَزع، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى إِذا فزع عَن قُلُوبهم} (سبإ: 23) .

4305 - حدَّثنا عَمْرُو بن خالِدٍ حدَّثنا زُهَيْرٌ حدَّثنا عاصِمٌ عنْ أبي عُثْمانَ قَالَ حَدثنِي مُجاشِعٌ قَالَ أتَيْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأخي بعْدَ الفَتْحِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ الله جِئْتُكَ بأخِي لِتُبَايِعَهُ عَلَى الْهِجْرَةِ قَالَ ذَهبَ أهْلُ الْهِجْرَةِ بِمَا فِيها فقُلْتُ عَلى أيِّ شَيْءٍ تُبايِعُهُ قَالَ أبايِعُهُ عَلَى الإسْلاَمِ والأيمانِ والجِهادِ فلَقِيتُ مَعْبَداً بَعْدُ وكانَ أكْبَرَهُما فَسَألْتُهُ فَقال صَدَقَ مُجاشِعٌ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (بعد الْفَتْح) وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن هَذِه الْقِصَّة وَقعت بعد الْفَتْح وَزُهَيْر هُوَ ابْن مُعَاوِيَة، وَعَاصِم هُوَ ابْن سُلَيْمَان، وَأَبُو عُثْمَان هُوَ عبد الرَّحْمَن بن مل النَّهْدِيّ، بِفَتْح النُّون، ومجاشع، بِضَم الْمِيم وبالجيم والشين الْمُعْجَمَة الْمَكْسُورَة وَفِي آخِره عين مُهْملَة: هُوَ ابْن مَسْعُود بن ثَعْلَبَة بن وهب السّلمِيّ، بِضَم السِّين، قتل يَوْم الْجمل قبل الِاجْتِمَاع الْأَكْبَر.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد فِي: بَاب الْبيعَة فِي الْحَرْب أَن لَا يَفروا، مُخْتَصرا.
قَوْله: (بأخي) هُوَ مجَالد بِوَزْن أَخِيه مجاشع، وَله صُحْبَة قَالَ أَبُو عمر: لَا أعلم لَهُ رِوَايَة وَكَانَ إِسْلَامه بعد إِسْلَام أَخِيه بعد الْفَتْح، وَهُوَ أَيْضا قتل يو الْجمل وكنيته أَبُو معبد كَمَا يذكرهُ فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة، وَفِي هَذَا قَالَ: فَلَقِيت معبدًا، هَكَذَا رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فَلَقِيت أَبَا معبد، كَمَا فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة، وَهُوَ الصَّوَاب. قَوْله: (ذهب أهل الْهِجْرَة بِمَا فِيهَا) يَعْنِي: أَن الْهِجْرَة قد مَضَت لأَهْلهَا، وَالْهجْرَة الممدوحة الفاضلة الَّتِي لأصحابها المزية الظَّاهِرَة إِنَّمَا كَانَت قبل الْفَتْح، فقد مَضَت لأَهْلهَا يَعْنِي: حصلت لمن وفْق لَهَا قبل الْفَتْح. قَوْله: (قَالَ: أُبَايِعهُ) أَي: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُبَايِعهُ على أَن يفعل هَذِه الْأَشْيَاء وَهِي: (الْإِسْلَام وَالْإِيمَان وَالْجهَاد) . قَوْله: (فَلَقِيت معبدًا) قد ذكرنَا الْآن اخْتِلَاف الرِّوَايَة فِيهِ. وفاعل: لقِيت، أَبُو عُثْمَان النَّهْدِيّ رَاوِي الحَدِيث، وَقد صرح بذلك مُسلم حَيْثُ قَالَ: مَضَت الْهِجْرَة لأَهْلهَا. قلت: فَبِأَي شَيْء تبايعه؟ قَالَ: على الْإِسْلَام وَالْجهَاد وَالْخَيْر. قَالَ أَبُو عُثْمَان: فَلَقِيت أَبَا معبد فَأَخْبَرته بقول مجاشع، قَالَ: وَفِي رِوَايَة لَهُ: فَلَقِيت أَخَاهُ، فَقَالَ: صدق مجاشع. قَوْله: (بعد) بِضَم الدَّال أَي: بعد سَمَاعي الحَدِيث من مجاشع. قَوْله: (وَكَانَ أكبرهما) أَي: وَكَانَ أَبُو معبد أكبر الْأَخَوَيْنِ. قَوْله:

(17/291)


(فَسَأَلته) أَي: أَبَا معبد، والسائل هُوَ أَبُو عُثْمَان أَيْضا، وَكَانَ سُؤَاله عَن حَدِيث مجاشع الَّذِي سَمعه مِنْهُ، فَقَالَ أَبُو معبد: صدق مجاشع، وَهَذَا يدل على أَن أَبَا عُثْمَان روى عَن الْأَخَوَيْنِ كليهمَا.

4308 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ أبي بَكْرٍ حَدثنَا الْفُضَيْلُ بنُ سُلَيْمانَ حدّثنا عاصِمٌ عنْ أبي عُثْمانَ النَّهْدِيِّ عنْ مُجاشِع بن مَسْعُودٍ انْطَلَقْتُ بِأبي مَعْبَدٍ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِيُبَايِعَهُ عَلَى الهِجْرَةِ قَالَ مَضَتِ الهِجْرَةُ لأهْلِها أُبَايِعُهُ عَلَى الإسْلامِ والجِهَادِ فَلَقِيتُ أَبَا مَعْبَدٍ فَسألْتُهُ فَقال صَدَقَ مُجاشِعٌ وقالَ خالِدٌ عنْ أبي عُثْمَانَ عنْ مُجاشِعٍ أنَّهُ جاءَ بأخِيهِ مُجالِدٍ.
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور عَن مُحَمَّد بن أبي بكر بن عَليّ بن عَطاء بن مقدم أَبُو عبد الله الْمَعْرُوف بالمقدمي، وَهُوَ شيخ مسلمأيضاً يروي عَن الفضيل، بِضَم الْفَاء: ابْن سُلَيْمَان النميري الْبَصْرِيّ عَن عَاصِم بن سُلَيْمَان عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ.
قَوْله: (انْطَلَقت بِأبي معبد) هُوَ مجَالد أَخُو مجاشع، وَقد ذكر هُنَا بالكنية، وَمُسلم أَيْضا مَا ذكره إلاَّ بالكنية، وَهُوَ الصَّوَاب. قَوْله: (وَقَالَ خَالِد) هُوَ الْحذاء، هَذَا تَعْلِيق وَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ من جِهَة خَالِد بن عبد الله الطَّحَّان عَن خَالِد الْحذاء عَن أبي عُثْمَان عَن مجاشع بن مَسْعُود: أَنه جَاءَ بأَخيه مجَالد بن مَسْعُود، فَقَالَ: هَذَا مجَالد يَا رَسُول الله، فَبَايعهُ على الْهِجْرَة الحَدِيث.

4309 - حدَّثني محَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا غُنْدَرٌ حَدثنَا شُعْبَةُ عنْ أبي بِشْرٍ عنْ مُجاهِدٍ لابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا إنِّي أُرِيدُ أنْ أهاجِرَ إلَى الشَّامِ قَالَ لَا هِجْرَةَ ولَكنْ جِهادٌ فانْطَلِقْ فاعْرِضْ نَفْسَكَ فإنْ وَجَدْتَ شَيْئاً رَجَعْتَ.

هَذَا ذكره هُنَا اسْتِطْرَادًا، وَقد مضى فِي أَوَائِل الْهِجْرَة سنداً ومتناً. وغندر، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون: لقب مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَأَبُو بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: واسْمه جَعْفَر بن أبي وحشية واسْمه إِيَاس. قَوْله: (فَإِن وجدت شَيْئا) أَي: من الْجِهَاد أَو من الْقُدْرَة عَلَيْهِ، فَذَاك هُوَ الْمَطْلُوب. قَوْله: (وإلاَّ أَي:) وَإِن لم تَجِد شَيْئا من ذَلِك (رجعت) .
4310 - وَقَالَ النَّضرُ أخبرَنا شُعْبَة أخْبرَنا أبُو بِشْرٍ سَمِعْتُ مُجاهِداً قُلْتُ لابنِ عُمَرَ فَقال لَا هِجْرَةَ اليَوْمَ أوْ بعدَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِثْلَهُ.
هَذَا تَعْلِيق النَّضر، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة: ابْن شُمَيْل، بِضَم الشين الْمُعْجَمَة مصغر الشمل وَوَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق أَحْمد بن مَنْصُور، وَزَاد فِي آخِره: وَلَكِن جِهَاد، فاعرض نَفسك فَإِن أصبت شَيْئا وإلاَّ فَارْجِع. قَوْله: (أَو بعد) شكّ من الرَّاوِي، قَوْله: (مثله) أَي: مثل الحَدِيث الْمَذْكُور.

(17/292)


4312 - حدَّثنا إسْحاقِ بنُ يَزِيدَ حدَّثنا يَحْيَى بنُ حَمْزَةَ قَالَ حدَّثني الأوْزَاعِيُّ عنْ عَطاءِ ابْن أبي رَباحٍ قَالَ زُرْتُ عائِشَةَ مَعَ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ فَسَألَها عنِ الْهِجْرَةِ فَقَالَتْ لَا هِجْرَةَ اليَوْمَ كانَ المُؤْمِنُ يَقِرُّ أحَدَهُمْ بِدِينِهِ إِلَى الله وَإِلَى رسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مخافَة أنْ يُفْتَنَ عَلَيْهِ فأمَّا اليَوْمَ فَقَدْ أظْهَرَ الله الإسْلاَمَ فالمُؤْمِنُ يَعْبُدُ رَبَّهُ حَيْثُ شاءَ ولَكِنْ جِهادٌ ونِيَّةٌ. (انْظُر الحَدِيث 3080 وطرفه) .
هَذَا الحَدِيث مثل الحَدِيث الْمَذْكُور فِي السَّنَد، غير أَن هُنَاكَ الْأَوْزَاعِيّ عَن عَبدة عَن مُجَاهِد، وَهنا عَن عَطاء وَفِي قَوْله: (لَا هِجْرَة) غير أَن هُنَاكَ: بعد الْفَتْح، وَهنا: لَا هِجْرَة الْيَوْم، ومعناهما يؤول إِلَى معنى وَاحِد. قَول: (يفر بِدِينِهِ) أَي: بِسَبَب حفظ دينه. قَوْله: (مَخَافَة) نصب على التَّعْلِيل. قَوْله: (وَلَكِن جِهَاد) أَي: وَلَكِن الْهِجْرَة الْيَوْم جِهَاد فِي سَبِيل الله. قَوْله: (وَنِيَّة) أَي: ثَوَاب النِّيَّة فِي الْهِجْرَة.

4313 - حدَّثنا إسْحاقُ حدَّثنا أبُو عاصِمٍ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ قَالَ أخْبَرَني حَسَنُ بنُ مُسْلِمٍ عنْ مُجاهِدٍ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قامَ يَوْمَ الفَتْحِ فَقَالَ إنَّ الله حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ خَلَقَ السَّماوَاتِ والأرْضَ فَهِيَ حَرَامٌ بِحَرَامِ الله إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ لَمْ تَحِلَّ لأحَدٍ قَبْلِي وَلَا تَحِلُّ لأحَدٍ بَعْدِي ولَمْ تَحْلِلْ لِي ساعَةَ مِنَ الدَّهْرِ لَا يَنَفَّرُ صَيْدُها ولاَ يُعْضَدُ شَوْكُها ولاَ يُخْتَلَى خَلاَها ولاَ تَحِلُّ لُقَطَتُها إلاَّ لِمُنْشِدٍ فَقَالَ العبَّاسُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ إلاَّ الإذْخِرَ يَا رَسُولَ الله فإنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْهُ لِلْقَيْن والْبُيُوتِ فَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ إِلَّا الإذْخِرَ فإنَّهُ حَلاَلٌ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (يَوْم الْفَتْح) وَهُوَ مُرْسل، وَقد مضى فِي الْحَج وَالْجهَاد وَغَيرهمَا مَوْصُولا. وَإِسْحَاق هُوَ ابْن مَنْصُور وَبِه جزم أَبُو عَليّ الجياني، وَقَالَ الْحَاكِم: هُوَ إِسْحَاق بن نصر، وَأَبُو عَاصِم الضَّحَّاك بن مخلد النَّبِيل، وَهُوَ من شُيُوخ البُخَارِيّ روى عَنهُ هُنَا بالواسطة ابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز الْمَكِّيّ، وَحسن بن مُسلم بن يناق الْمَكِّيّ.
وعنِ ابنِ جُرَيْجٍ أخبَرَنِي عَبْدُ الكَرِيمِ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ بِمِثْلِ هَذَا أوْ نَحْوِ هاذَا رَواهُ أبُو هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (وَعَن ابْن جريج) مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الَّذِي قبله، أَي: رَوَاهُ أَبُو عَاصِم عَن ابْن جريج عَن عبد الْكَرِيم بن مَالك الْجَزرِي عَن عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس عَن عبد الله بن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد مضى فِي الْحَج فِي: بَاب لَا يحل الْقِتَال بِمَكَّة، عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من طَرِيق مُجَاهِد عَن طَاوس عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَوْله بِمثل هَذَا أَي: بِمثل هَذَا الحَدِيث الْمَذْكُور. قَوْله: (أَو نَحْو هَذَا) شكّ من الرَّاوِي، وَالْفرق بَين: الْمثل والنحو، أَن الْمثل مُتحد فِي الْحَقِيقَة، والنحو أَعم. وَقيل: هما مُتَرَادِفَانِ. قَوْله: (رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَقد مضى فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب كِتَابَة الْعلم، عَن أبي نعيم عَن شبيبان عَن يحيى عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة: أَن خُزَاعَة قتلوا رجلا الحَدِيث بِطُولِهِ، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مستقصًى.

55 - (بابُ قَوْلِ الله عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إذْ أعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وضاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ ولَّيْتُمْ مُدْبِرِين ثُمَّ أنْزَلَ الله سَكِينَتَهُ إِلَى قَوْلِهِ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (التَّوْبَة: 25)

أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول الله عز وَجل: {وَيَوْم حنين} إِلَى آخِره، هَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَوَقع فِي رِوَايَة غَيره إِلَى قَوْله: {ثمَّ أنزل الله سكينته} ثمَّ قَالَ: {إِلَّا غَفُور رَحِيم} وَوَقع فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: بَاب غَزْوَة حنين، وَقَول الله تَعَالَى: {وَيَوْم حنين إِذا أَعجبتكُم كثرتكم فَلم تغن عَنْكُم شَيْئا وَضَاقَتْ عَلَيْكُم الأَرْض بِمَا رَحبَتْ} إِلَى قَوْله: {غَفُور رَحِيم} قَوْله: {وَيَوْم حنين} إِلَى آخِره وَأول

(17/293)


الْآيَة: {لقد نصركم الله فِي مَوَاطِن كَثِيرَة} (التَّوْبَة: 25) وَأَرَادَ بالمواطن الْكَثِيرَة وقعات: بدر وَقُرَيْظَة وَالنضير وَالْحُدَيْبِيَة وخيبر وَفتح مَكَّة وَقَوله: {وَيَوْم حنين} ، عطف على المواطن. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: فَإِن قلت: كَيفَ عطف الزَّمَان على الْمَكَان وَهُوَ يَوْم حنين على المواطن؟ قلت: مَعْنَاهُ: وموطن يَوْم حنين، أَو فِي أَيَّام مَوَاطِن كَثِيرَة وَيَوْم حنين، وحنين وادٍ بَين مَكَّة والطائف، وَقَالَ الْبكْرِيّ: هُوَ وادٍ قريب من الطَّائِف بَينه وَبَين مَكَّة بضعَة عشر ميلًا. والأغلب عَلَيْهِ التَّذْكِير. لِأَنَّهُ اسْم مَاء، وَقيل: إِنَّه سمي بحنين بن قانية بن مهلاييل. قَوْله: (إِذْ أَعجبتكُم كثرتكم) إِمَّا بدل من: يَوْم حنين، وَالتَّقْدِير: أذكر إِذا أَعجبتكُم عِنْد الملاقاة مَعَ الْكفَّار كثرتكم فَلم تغن الْكَثْرَة عَنْكُم شَيْئا وَضَاقَتْ عَلَيْكُم الأَرْض بِمَا رَحبَتْ وَكلمَة: مَا مصدرته وَالْبَاء، بِمَعْنى: أَي: مَعَ رحبها، أَي: وسعهَا ثمَّ: (وليتم مُدبرين) أَي: منهزمين، وَقَالَ ابْن جريج عَن مُجَاهِد: هَذِه أول آيَة نزلت من سُورَة بَرَاءَة يذكر الله للْمُؤْمِنين فَضله عَلَيْهِم فِي نَصره إيَّاهُم فِي مَوَاطِن كَثِيرَة أَن ذَلِك من عِنْده لَا يعددهم وَلَا عَددهمْ ونبههم على أَن النَّصْر من عِنْده سَوَاء قل الْجمع أَو كثر، فَإِن يَوْم حنين أعجبتهم كثرتهم وَمَعَ هَذَا مَا أجدى ذَلِك عَنْهُم شَيْئا. قَوْله: (مُدبرين) إِلَّا الْقَلِيل مِنْهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ أنزل نَصره وتأييده على رَسُوله وعَلى الْمُؤمنِينَ الَّذين كَانُوا مَعَه، كَمَا سَيَجِيءُ بَيَانه، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَاعْلَم أَن وقْعَة حنين كَانَت بعد فتح مَكَّة فِي شَوَّال سنة ثَمَان من الْهِجْرَة، وَذَلِكَ لما فرغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من فتح مَكَّة وتمهدت لَهُ أمورها وَأسلم عَامَّة أَهلهَا وأطلعهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بلغَة أَن هوَازن قد جمعُوا لَهُ ليقاتلوه وأميرهم مَالك بن عون النضري، وَمَعَهُ ثَقِيف بكمالها وَبَنُو جشم وَبَنُو سعد بن بكر وأوزاع من بني هِلَال، وهم قَلِيل، وناس من بني عَمْرو بن عَامر وَعون ابْن عَامر، وَأَقْبلُوا وَمَعَهُمْ النِّسَاء والولدان وَالشَّاء وَالنعَم، وجاؤوا بقضهم وقضيضهم، فَخرج إِلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حبيشه الَّذين جاؤوا مَعَه لِلْفَتْحِ، وَهُوَ: عشرَة آلَاف من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، وقبائل الْعَرَب وَمَعَهُ الَّذين أَسْلمُوا من أهل مَكَّة وهم الطُّلَقَاء فِي أَلفَيْنِ، فَسَار بهم إِلَى الْعَدو فَالْتَقوا بوادٍ بَين مَكَّة والطائف يُقَال لَهُ: حنين، فَكَانَت فِيهِ الْوَقْعَة من أول النَّهَار فِي غلس الصُّبْح وانحدروا فِي الْوَادي وَقد كمنت فِيهِ هوَازن، فَلَمَّا توجهوا لم يشْعر الْمُسلمُونَ إلاَّ بهم قد ساوروهم ورشقوا بالنبال واصلتوا السيوف وحملوا حَملَة رجل وَاحِد، كَمَا أَمرهم ملكهم، فَعِنْدَ ذَلِك ولَّى الْمُسلمُونَ مُدبرين، كَمَا قَالَ الله تَعَالَى، وَثَبت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يومئذٍ على بغلته الشَّهْبَاء يَسُوقهَا إِلَى نَحْو الْعَدو، وَالْعَبَّاس آخذ بركابه الْأَيْمن، وَأَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب آخذ بركابه الْأَيْسَر يثقلانه لِئَلَّا يسْرع السّير وَهُوَ يُنَوّه باسمه وَيَدْعُو الْمُسلمين إِلَى الرّجْعَة، وَيَقُول: أَي عباد الله إِلَى أَنا رَسُول الله، وَيَقُول فِي تِلْكَ الْحَال.
((أَنا النَّبِي لَا كذب ... أَنا ابْن عبد الْمطلب))

وَثَبت مَعَه من أَصْحَابه قريب من مائَة، وَقيل: ثَمَانُون، مِنْهُم: أَبُو بكر وَعمر وَالْعَبَّاس وَعلي وَالْفضل بن عَبَّاس وَأَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث وأيمن ابْن أم أَيمن وَأُسَامَة بن زيد وَغَيرهم رَضِي الله عَنْهُم، ثمَّ أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَمه الْعَبَّاس، وَكَانَ جهير الصَّوْت، بِأَن يُنَادي بِأَعْلَى صَوته: يَا أَصْحَاب الشَّجَرَة، يَعْنِي: شَجَرَة بيعَة الرضْوَان، يَا أَصْحَاب سُورَة الْبَقَرَة فَجعلُوا يَقُولُونَ لبيْك يَا لبيْك، فتراجع شرذمة من النَّاس إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأَمرهمْ أَن يصدقُوا الحملة، وَأخذ قَبْضَة من التُّرَاب بعد مَا دَعَا ربه واستنصره، وَقَالَ: أللهم أنْجز لي مَا وَعَدتنِي ثمَّ رمى الْقَوْم بهَا فَمَا بقى إِنْسَان مِنْهُم إِلَّا أَصَابَهُ مِنْهَا فِي عينه وفمه مَا يشْغلهُ عَن الْقِتَال، ثمَّ انْهَزمُوا وَاتبع الْمُسلمُونَ أقفيتهم يأسرون وَيقْتلُونَ، وَمَا تراجع بَقِيَّة النَّاس إِلَّا وَالْأسَارَى مجدلة، أَي: ملقاة بَين يَدي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَفِي (مُسْند أَحْمد) من حَدِيث يعلى بن عَطاء، قَالَ: فَحَدثني أبناؤهم عَن آبَائِهِم أَنهم قَالُوا: لم يبقَ منا أحد إِلَّا امْتَلَأت عَيناهُ وفمه تُرَابا، وَسَمعنَا صلصلة بَين السَّمَاء وَالْأَرْض كإمرار الْحَدِيد على الطست الْجَدِيد. وَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق: حَدثنِي وَالِدي إِسْحَاق بن بشار عَمَّن حَدثهُ عَن جُبَير بن مطعم قَالَ: إِنَّا لمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَوْم حنين وَالنَّاس يقتلُون إِذْ نظرت إِلَى مثل النجاد الْأسود يهوي من السَّمَاء حَتَّى وَقع بَيْننَا وَبَين الْقَوْم، فَإِذا نمل منثور قد مَلأ الْوَادي، فَلم يكن إلاَّ هزيمَة الْقَوْم، فَمَا نشك أَنَّهَا الْمَلَائِكَة. وَقَالَ أَبُو معشر: ثَبت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يومئذٍ مائَة رجل: بضعَة وَثَلَاثُونَ من الْمُهَاجِرين وسائرهم من الْأَنْصَار، وسل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَيْفه ثمَّ طرح غمده، وَقَالَ

(17/294)


الرجز الْمَذْكُور، وَقَالَ لأبي سُفْيَان بن الْحَارِث: ناولني تُرَابا فَنَاوَلَهُ، وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على بغلته الْبَيْضَاء الَّتِي أهداها لَهُ فَرْوَة بن نفاثة، وَقَالَ ابْن هِشَام: قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حِينَئِذٍ لبغلته الشَّهْبَاء الْبَدِيِّ، فَوضعت بَطنهَا على الأَرْض فَأخذ حفْنَة فَضرب بهَا وُجُوه هوَازن وَعند ابْن سعد: هَذِه البغلة هِيَ دُلْدُل، وَفِي مُسلم: بغلته الشَّهْبَاء يَعْنِي: دُلْدُل الَّتِي أهداها لَهُ الْمُقَوْقس، وَيجوز أَن يكون ركبهما يومئذٍ مَعًا، وَالله أعلم.
قَوْله: (ثمَّ أنزل الله سكينته) أَي: الأمنة والطمأنينة بعد الْهَزِيمَة. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: رَحمته الَّتِي سكنوا بهَا وآمنوا. قَوْله: (وَانْزِلْ جُنُودا لم تَرَ) قَالَ ابْن عَبَّاس: يَعْنِي الْمَلَائِكَة، وَكَانُوا ثَمَانِيَة آلَاف، وَقيل: خَمْسَة آلَاف، وَقيل: سِتَّة عشر ألفا، وَكَانَ سِيمَاهُمْ عمائم حمراً قد أرخوها بَين أكتافهم. قَوْله: (وعذب الَّذين كفرُوا) أَي: بِالْقَتْلِ والهزيمة، وَقيل: بالخوف، وَقيل: بالأسر وَسبي الْأَوْلَاد، وَسبي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مِنْهُم سِتَّة آلَاف رَأس، وَمن الْإِبِل أَرْبَعَة وَعشْرين ألف بعير، وَمن الْغنم أَكثر من أَرْبَعِينَ ألفا، وَمن الْفضة أَرْبَعَة آلَاف أُوقِيَّة. قَوْله: (وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافرين) أَي: مَا ذكر من الْقَتْل والأسر جَزَاء الْكَافرين. قَوْله: (ثمَّ يَتُوب الله من بعد ذَلِك على من يَشَاء فيهديه إِلَى الْإِسْلَام وَلَا يؤاخذه بِمَا سلف مِنْهُ وَالله غَفُور رَحِيم) وَقد تَابَ الله على بَقِيَّة هوَازن وَأَسْلمُوا وَقدمُوا مُسلمين وَلَحِقُوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد قَارب مَكَّة عِنْد الْجِعِرَّانَة، وَذَلِكَ بعد الْوَقْعَة بقريب من عشْرين يَوْمًا، فَعِنْدَ ذَلِك خيّرهم بَين سَبْيهمْ وَأَمْوَالهمْ، فَاخْتَارُوا سَبْيهمْ وَقسم أَمْوَالهم بَين الْغَانِمين، وَنفل نَاسا من الطُّلَقَاء لتتألف قُلُوبهم على الْإِسْلَام فَأَعْطَاهُمْ: مائَة مائَة من الْإِبِل، وَكَانَ من جملَة من أعْطى مائَة مَالك بن عَوْف النضري فَاسْتَعْملهُ على قومه، كَمَا كَانَ، وَقَالَ أَبُو عمر: مَالك بن عَوْف بن سعد بن ربيعَة بن يَرْبُوع بن وَاثِلَة بن دهمان بن نضر بن بكر بن هوَازن النضري، انهزم يَوْم حنين كَافِرًا وَلحق بِالطَّائِف، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو أَتَانِي مُسلما لرددت إِلَيْهِ أَهله وَمَاله، فَبَلغهُ ذَلِك فلحق برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد خرج من الْجِعِرَّانَة فَأسلم وَأَعْطَاهُ من الْإِبِل كَمَا أعْطى سَائِر الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم وَهُوَ أحدهم، وَحسن إِسْلَامه فامتدحه بقصيدته الَّتِي يَقُول فِيهَا.
(مَا إِن رَأَيْت وَلَا سَمِعت بِمثلِهِ ... فِي النَّاس كلهم بِمثل مُحَمَّد)

(أوفى وَأعْطى للجزيل إِذا إحتدى ... وَمَتى يَشَاء يُخْبِرك عَمَّا فِي غَد)

(وَإِذا الكتيبة غردت أنيابها ... بالسمهري وَضرب كل مهند)

(فَكَأَنَّهُ لَيْث على أشباله ... وسط الْمِيَاه جاذر فِي مرصد)

4315 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ حَدثنَا سُفْيَانُ عنْ أبي إسْحاق قَالَ سَمِعْتُ البَرَاءَ رَضِي الله

(17/295)


عَنهُ وجاءَهُ رجُلٌ فَقَالَ يَا أَبَا عُمارَةَ أتَوَلَّيْتَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَقَالَ أمَّا أَنا أشْهَدُ عَلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنهُ لَمْ يُوَلِّ ولَكِنْ عَجِلَ سَرعَانُ القَوْمِ فَرَشَقَتْهُمْ هَوَازِنُ وَأَبُو سُفْيَانَ بنُ الحارِثِ آخِذ بِرَأْسِ بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ يَقُولُ.
أَنا النبيُّ لَا كَذِبْ أَنا ابنُ عَبْدِ المُطَّلِبْ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أتوليت يَوْم حنين) وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَأَبُو إِسْحَاق هُوَ عَمْرو بن عبد الله السبيعِي الْكُوفِي، وَقد مضى الحَدِيث فِي الْجِهَاد فِي: بَاب بغلة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْبَيْضَاء.
قَوْله: (يَا أَبَا عمَارَة) هِيَ كنية الْبَراء. قَوْله: (أتوليت؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الاستخبار. أَي: أنهزمت؟ قَوْله: (أما أَنا) إِلَى آخِره، فِيهِ جَوَاب بديع يبين فِيهِ أَولا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يولِّ أَيْضا لِأَن إخْبَاره بقوله: (وَلَكِن عجل سرعَان الْقَوْم) إِلَى آخِره يدل على أَنه ثَبت. لِأَن الْمولى لَا يقدر على إِخْبَار مَا شَاهده الْبَراء فِي هَذِه الْقَضِيَّة على هَذِه الصُّورَة فَإِن قلت: جَوَابه لَا يُطَابق سُؤال الرجل، لِأَنَّهُ سَأَلَ عَنهُ هَل توليت أم لَا؟ وَلم يسْأَل عَن حَال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قلت: لِأَنَّهُ فهم بِقَرِينَة الْحَال أَنه سَأَلَ عَن فرار الْكل، فَيدْخل فِيهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَيُؤَيِّدهُ مَا فِي الطَّرِيق الَّذِي يَأْتِي عَقِيبه: أوليتم مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ وَأجَاب بقوله: (أشهد على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه لم يول) قَوْله: (سرعَان الْقَوْم) بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَفتح الرَّاء وَيجوز بالتسكين أَيْضا، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وسرعان، بِضَم الْمُهْملَة وَكسرهَا جمع: السَّرِيع، حكى هَذَا عَن بَعضهم، وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن جمَاعَة مِنْهُم: ابْن الْأَثِير وَغَيره قد ضبطوه مثل مَا ضبطناه، وَقَالَ: سرعَان الْقَوْم أوائلهم الَّذين يُسَارِعُونَ إِلَى شَيْء ويقبلون عَلَيْهِ بِسُرْعَة، وَقَالَ الْخطابِيّ: بَعضهم يَقُول بِكَسْر السِّين، وَهُوَ خطأ. قَوْله: (فرشقتهم) ، من الرشق بالشين الْمُعْجَمَة وَالْقَاف، وَهُوَ الرَّمْي، وهوازن قَبيلَة كَبِيرَة من الْعَرَب، فِيهَا عدَّة بطُون ينسبون إِلَى هوَازن بن مَنْصُور بن عِكْرِمَة بن خصفة، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالصَّاد الْمُهْملَة وبالفاء كلهَا مَفْتُوحَة: ابْن قيس غيلَان ابْن الياس بن مُضر، وَأَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث هُوَ ابْن عبد الْمطلب بن عبد الْمطلب بن هَاشم، وَهُوَ ابْن عَم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَوْله: (آخذ) ، على وزن: فَاعل. قَوْله: (يَقُول) ، جملَة وَقعت حَالا.

4316 - حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ حدّثنا شُعْبَةُ عَنْ أبي إسْحاقَ قِيلَ لِ لْبَرَاءِ وَأَنا أسْمَعُ أوَلَّيْتُمْ مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ فَقَالَ أمَّا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلاَ كانُوا رُماةً فَقَالَ:
أَنا النَّبِي لاَ كَذِبْ أَنا ابنُ عَبْدِ المُطَّلِبْ. .

هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور عَن أبي الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ عَن شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي عَن الْبَراء بن عَازِب.
قَوْله: (كَانُوا) أَي هوَازن. قَوْله: (رُمَاة) . جمع رام وَفِيه حذف تَقْدِيره: كَانُوا رُمَاة فرشقوهم رشقاً فَانْهَزَمُوا، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
(أَنا النَّبِي لَا كذب)

فَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَن صفة النُّبُوَّة تنَافِي الْكَذِب، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنا النَّبِي وَالنَّبِيّ لَا يكذب فلست بكاذب فِيمَا أَقُول حَتَّى انْهَزمُوا، وَأَنا مُتَيَقن بنصر الله عز وَجل، وَأما انتسابه إِلَى عبد الْمطلب دون أَبِيه عبد الله فلشهرة عبد الْمطلب بَين النَّاس، بِخِلَاف عبد الله فَإِنَّهُ مَاتَ شَابًّا، وَبَقِيَّة الْكَلَام قد مرت فِي الْجِهَاد فِي الْبَاب الَّذِي ذَكرْنَاهُ عَن قريب.

4317 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدّثَنَا غُنْدَرٌ حدّثنا شُعْبَةُ عنْ أبي إسْحاقَ سَمِعَ البَرَاءَ وسألَهُ رجُلٌ مِنْ قَيْسٍ أفَرَرْتُمْ عنْ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ فَقَالَ لَكِنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَمْ يَفِرَّ كانَتْ هَوَازِنُ رُماةً وإنَّا لمَّا حَمَلْنا عَلَيْهِمْ انْكَشَفُوا فأكْبَبْنَا عَلَى الغَنَائِمِ فاسْتُقْبِلْنا بالسِّهامِ وَلَقَدْ رَأيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى بَغْلَتِهِ البَيْضَاءِ وإنَّ أَبَا سُفْيَانَ آخِذٌ بِزِمامِها وهْوَ يَقُولُ:
(أَنا النبيُّ لَا كَذِبْ) .

هَذَا طَرِيق آخر قد مضى فِي الْجِهَاد فِي: بَاب من قاد دَابَّة غَيره فِي الْحَرْب، وَأخرجه هُنَا عَن مُحَمَّد بن بشار، بِالْبَاء الْمُوَحدَة

(17/296)


وَتَشْديد الشين الْمُعْجَمَة: عَن غنْدر، بالغين الْمُعْجَمَة، وَهُوَ لقب مُحَمَّد بن جَعْفَر.
قَوْله: (لم يفر) يجوز فِي الْقِرَاءَة الْفَتْح وَالْكَسْر وَيجوز فِيهِ لَك الْإِدْغَام. قَوْله: (وَإِنَّا بِكَسْر الْهمزَة) . قَوْله: (انكشفوا) أَي: انْهَزمُوا. قَوْله: (فاكببنا) أَي: وقعنا على الْغَنَائِم وَهُوَ فعل لَازم يُقَال: كببته فأكب، وأكب الرجل يكب على عمل يعمله إِذا لزمَه، وَجَاء أكببنا بفك الْإِدْغَام لتعذره. قَوْله: (فَاسْتقْبلنَا) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (أَنا النَّبِي لَا كذب) .
هَذَا الْمِقْدَار قد ذكر فِي هَذِه الرِّوَايَة، وَفِي رِوَايَة ذكر الشّطْر الثَّانِي:
(أَنا ابْن عبد الْمطلب)

كَمَا فِي الرِّوَايَة السَّابِقَة.
قَالَ إسْرَائِيلُ وَزُهَيْرٌ نَزَلَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ بَغْلَتِهِ
قَوْله: إِسْرَائِيل، هُوَ ابْن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي، وَزُهَيْر هُوَ ابْن مُعَاوِيَة الْجعْفِيّ، وَهَذَا تَعْلِيق مَعْنَاهُ: رويا هَذَا الحَدِيث عَن أبي إِسْحَاق عَن الْبَراء، فَقَالَا فِي آخِره: نزل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بغلته، أما تَعْلِيق إِسْرَائِيل فقد وَصله البُخَارِيّ فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بَاب من قَالَ: خُذْهَا وَأَنا ابْن فلَان، وَأما تَعْلِيق زُهَيْر فوصله أَيْضا فِي: بَاب من صف أَصْحَابه عِنْد الْهَزِيمَة وركوب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم البغلة فِي الْحَرْب يدل على غَايَة الثَّبَات، ونزوله أثبت من ذَلِك.

4319 - حدَّثنا سَعِيدُ بنُ عُفَيْرٍ قَالَ حدّثني لَ يْثٌ حدّثني عُقَيْل عَن ابْن شِهابٍ حَ وحدَّثني عُقَيْل عَن ابْن شِهابٍ حَ وحدَّثني إسْحاقُ حدّثنا يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ حَدثنَا ابنُ أخي ابْن شِهابٍ قَالَ مُحَمَّدُ بنُ شِهابٍ وزَعَمَ عُرْوَةُ بنُ الزّبَيْرِ أنَّ مَرْوَان والمسْوَرَ بنَ مَخْرَمَةَ أخبَرَاهُ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قامَ حِينَ جاءَهُ وفْدُ هَوَازِن مُسْلِمِينَ فَسألوهُ أنْ يَرُدَّ إلَيْهِمْ أمْوَالَهُمْ وسَبْيَهُمْ فَقَال لَهُمْ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعِي مَنْ تَرَوْنَ وأحَبُّ الحَدِيثِ إليَّ أصْدَقُهُ فاخْتارُوا إحْدَى الطَّائفَتَيْنِ إمَّا السَّبْيَ وإمّا المَالَ وقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِكُمْ وكانَ أنْظَرَهُمْ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ منَ الطَّائِفِ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَيْرُ رَادّ إلَيْهِمْ إلاَّ إحْدَى الطائِفَتَيْنِ قالُوا فإنَّا نَخْتارُ سَبْيَنا فَقام رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي المُسْلِمِينَ فأثْنَى عَلَى الله بِما هُوَ أهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أمَّا بعْدُ فإِنَّ إخْوَانَكُمْ قَدْ جاؤُونا تائِبِينَ وإنِّي قَدْ رَأيْتُ أنْ أرُدَّ إلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ فَمنْ أحَبَّ مِنْكُمْ أنْ يُطَيِّبَ ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ ومَنْ أحَبَّ مِنْكُمْ أنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيهُ إيَّاهُ مِنْ أوَّل مَا يُفِيءُ الله عَلَيْنا فَلْيَفْعَلْ فَقال النَّاسُ قَدْ طَيَّبْنا ذَلِكَ يَا رسُولَ الله فَقال رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّا لَا نَدْري مَنْ أذِنَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يأذَنْ فارْجعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إلَيْنا عُرَفاؤُكُمْ أمْرَكُمْ فرَجَعَ النَّاسُ فَكلَّمَهُمْ عُرَفاؤُهُمْ ثُمَّ رَجَعُوا إلَى رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأخبَرُوهُ أنَّهُمْ قَدْ طَيَّبُوا وأذِنُوا هاذَا الَّذِي بَلَغَنِي عنْ سَبْيِ هَوازِنَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن مَجِيء وَفد هوَازن إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ فِي إِثْر غَزْوَة حنين.
وَأخرجه من طَرِيقين: أَحدهمَا: عَن سعيد بن عفير، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْفَاء وبالراء: عَن لَيْث بن سعد وَيجوز فِيهِ الْألف وَاللَّام وتركهما عَن عقيل، بِضَم الْعين: ابْن خَالِد الْأَيْلِي عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب. وَالْآخر: عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور الْمروزِي عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم ابْن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن أخي الزُّهْرِيّ الخ.
والْحَدِيث قد مضى فِي الْخمس فِي: بَاب وَمن الدَّلِيل على أَن الْخمس لنوائب الْمُسلمين، بِعَيْنِه سنداً أَو متْنا مثل الطَّرِيق الأولى، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، ومضي فِي أول الشُّرُوط فِي صلح الْحُدَيْبِيَة أَن الزُّهْرِيّ رَوَاهُ عَن عُرْوَة عَن الْمسور، ومروان عَن أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدلَّ على أَنه

(17/297)


فِي بَقِيَّة الْمَوَاضِع حَيْثُ لَا يذكر عَن أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه مُرْسل لِأَن الْمسور يصغر عَن إِدْرَاك الْقَضِيَّة، ومروان أَصْغَر مِنْهُ.
قَوْله: (قَالَ مُحَمَّد بن شهَاب) ، هُوَ الزُّهْرِيّ. قَوْله: (وَزعم عُرْوَة) ، قيل: هَذَا مَعْطُوف على قصَّة صلح الْحُدَيْبِيَة، فَلْينْظر فِيهِ. قَوْله: (حِين جَاءَهُ وَفد هوَازن) فِيهِ اخْتِصَار بَينه مُوسَى بن عقبَة فِي (الْمَغَازِي) مطولا، وَلَفظه: (ثمَّ انْصَرف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الطَّائِف فِي شَوَّال إِلَى الْجِعِرَّانَة، وَبهَا سبي هوَازن، وقدمت عَلَيْهِ وُفُود هوَازن مُسلمين فهم تِسْعَة عشر نَفرا من أَشْرَافهم، فأسلموا وَبَايَعُوا ثمَّ من بعده، يَعْنِي: مَا فِي رِوَايَة البُخَارِيّ. وَهُوَ قَوْله: (فَسَأَلُوهُ أَن يرد إِلَيْهِم) إِلَخ. قَوْله: (وَمعنى من ترَوْنَ) يَعْنِي: من الصَّحَابَة قَوْله: (أجدى الطَّائِفَتَيْنِ) ، الطَّائِفَة الْقطعَة من الشَّيْء، وَالْمرَاد: أحد الْأَمريْنِ. قَوْله: (وَقد كنت اسْتَأْنَيْت بكم) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: اسْتَأْنَيْت لكم، أَي: انتظرت، أَي: أخرت قسم السَّبي لتحضروا، وَقد أبطأتم وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ترك السَّبي بِغَيْر قسْمَة وَتوجه إِلَى الطَّائِف فحاصرها، كَمَا سَيَأْتِي، ثمَّ رَجَعَ عَنْهَا إِلَى الْجِعِرَّانَة، ثمَّ قسم الْغَنَائِم هُنَاكَ، فجَاء وَفد هوَازن بعد ذَلِك. قَوْله: (وَكَانَ أنظرهم) أَي: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انتظرهم بضع عشرَة لَيْلَة. قَوْله: (حِين قفل) أَي: رَجَعَ. قَوْله: (أَن يطيب) بِضَم الْيَاء من التطييب، أَي: يُعْطِيهِ عَن طيب نفس مِنْهُ بِغَيْر عوض. قَوْله: (على حَظه) أَي: على نصِيبه. قَوْله: (حَتَّى نُعْطِيه) ، بنُون الْمُتَكَلّم مَعَ الْغَيْر، قَوْله: (أول مَا يفِيء الله) ، أَي: من أول مَا يحصل لنا من الْفَيْء. قَوْله: (عُرَفَاؤُكُمْ) جمع عريف وَهُوَ النَّقِيب. قَوْله: (هَذَا الَّذِي بَلغنِي قَول الزُّهْرِيّ) ، يَعْنِي هَذَا الَّذِي بَلغنِي عَن سبي هوَازن.

322 - (حَدثنَا أَبُو النُّعْمَان حَدثنَا حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب عَن نَافِع أَن عمر قَالَ يَا رَسُول الله ح وحَدثني مُحَمَّد بن مقَاتل أخبرنَا عبد الله أخبرنَا معمر عَن أَيُّوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ لما قَفَلْنَا من حنين سَأَلَ عمر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن نذر كَانَ نَذره فِي الْجَاهِلِيَّة اعْتِكَاف فَأمره النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بوفائه) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله لما قَفَلْنَا من حنين وَأخرجه من طَرِيقين ورجالهما قد ذكرُوا غير مرّة وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك وَالطَّرِيق الأول مُرْسل مُخْتَصر وَقد سَاق بَقِيَّته فِي فرض الْخمس بِلَفْظ أَن عمر قَالَ لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنَّه كَانَ على اعْتِكَاف يَوْم فِي الْجَاهِلِيَّة فَأمره أَن يَفِي بِهِ وَالثَّانِي مضى فِي الِاعْتِكَاف فِي بَاب من لم ير عَلَيْهِ صوما إِذا اعْتكف وَفِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ وَقيل قد عَابَ الْإِسْمَاعِيلِيّ على البُخَارِيّ جَمعهمَا لِأَن قَوْله لما قَفَلْنَا من حنين لم يَقع فِي رِوَايَة حَمَّاد بن زيد يَعْنِي فِي الرِّوَايَة الْمُرْسلَة وَأجِيب بِأَن البُخَارِيّ نظر إِلَى أصل الحَدِيث لَا إِلَى أصل النَّقْص وَالزِّيَادَة فِي أَلْفَاظ الروَاة وَإِنَّمَا أورد طَرِيق حَمَّاد بن زيد الْمُرْسل للْإِشَارَة إِلَى أَن رِوَايَة حَمَّاد بن زيد مرجوحة لِأَن جمَاعَة من أَصْحَاب شَيْخه أَيُّوب خالفوه فِيهِ فوصلوه بل بعض أَصْحَاب حَمَّاد بن زيد رَوَاهُ عَنهُ مَوْصُولا
(وَقَالَ بَعضهم حَمَّاد عَن أَيُّوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر) أَرَادَ بِالْبَعْضِ أَحْمد بن عَبدة الضَّبِّيّ وَحَمَّاد هُوَ ابْن زيد لِأَن حَمَّاد بن سَلمَة يذكر عَقِيبه بِمَا يُخَالف سِيَاقه وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ فَقَالَ أَخْبرنِي الْقَاسِم هُوَ ابْن زَكَرِيَّا حَدثنَا أَحْمد بن عَبدة حَدثنَا حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ كَانَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ نذر اعْتِكَاف لَيْلَة فِي الْجَاهِلِيَّة فَسَأَلَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأمره أَن يَفِي بِهِ
(وَرَوَاهُ جرير بن حَازِم وَحَمَّاد بن سَلمَة عَن أَيُّوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -) أَي روى الحَدِيث الْمَذْكُور جرير بن حَازِم الخ يَعْنِي رَوَاهُ هَؤُلَاءِ مَوْصُولا أما تَعْلِيق جرير فوصله مُسلم وَغَيره من رِوَايَة ابْن وهب عَن جرير بن حَازِم أَن أَيُّوب حَدثهُ أَن نَافِعًا حَدثهُ أَن عبد الله بن عمر حَدثهُ أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ سَأَلَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ بالجعرانة بعد أَن رَجَعَ من الطَّائِف فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي نذرت فِي الْجَاهِلِيَّة أَن أعتكف يَوْمًا فِي الْمَسْجِد الْحَرَام فَكيف ترى قَالَ اذْهَبْ فاعتكف وَأما تَعْلِيق حَمَّاد بن

(17/298)


سَلمَة فوصله مُسلم أَيْضا من طَرِيق حجاج بن منهال حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة عَن أَيُّوب مَقْرُونا بِرِوَايَة مُحَمَّد بن إِسْحَق كِلَاهُمَا عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
4321 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسفَ أخبرَنا مالِكٌ عنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ عنْ عُمَرَ بنِ كَثيرِ بنِ أفْلحَ عنْ أبي مُحَمَّدٍ مَوْلَى قَتَادَةَ عنْ أبي قَتادَةَ قَالَ خَرَجْنا معَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عامَ حُنَيْنٍ فلَمَّا الْتقَيْنا كانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جوْلَةٌ فَرَأيْتُ رجُلاً منَ المُشْرِكِينَ قَدْ عَلاَ رجُلاً مِنَ المُسْلِمِينَ فَضَرَبْتُهُ مِنْ ورَائِهِ عَلَى جَبْلِ عاتِقِهِ بالسَّيْفِ فقَطَعْتُ الدِّرْعَ وأقْبَلَ عَلَيَّ فضَمَّني ضَمَّةً وجَدْتُ مِنْها رِيحَ المَوْتِ ثُمَّ أدْرَكَهُ المَوْتُ فأرْسَلَني فَلَحِقْتُ عُمَرَ فقُلْتُ مَا بالُ النَّاسِ قَالَ أمْرُ الله عَزَّ وجَلَّ ثُمَّ رجَعُوا وجَلَسَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ فَقُلْتُ مَنْ يَشْهدُ ثُمَّ جلَسْتُ قَالَ ثُمَّ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِثْلَهُ فَقُمْتُ فَقُلْتُ مَنْ يَشْهَدُ لي ثُمَّ جَلَسْتُ قَالَ ثُمَّ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِثْلَهُ فقُمْتُ فَقَالَ مَا لَكَ يَا أَبَا قَتادَةَ فأخْبَرْتُهُ فَقَالَ رجُلٌ صَدقَ وسَلبُهُ عِنْدِي فأرْضِهِ مِنِّي فَقَالَ أبُو بَكْرٍ لاَ هَا الله إِذا لاَ يَعْمِدُ إِلَى أسَدٍ مِنْ أُسْدِ الله يُقاتِلُ عَن الله ورسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيُعْطِيكَ سَلَبَهُ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَدْقَ فأعْطِهِ فأعْطانِيهِ فابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفاً فِي بَني سَلِمَةَ فإنَّهُ لأوَّلُ مالٍ تأثَّلْتُهُ فِي الإسْلاَمِ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى بن سعيد هُوَ الْأنْصَارِيّ قَاضِي الْمَدِينَة، وَعمر بن كثير ضد الْقَلِيل ابْن أَفْلح الْمدنِي مولى أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ وَغَيره من التَّابِعين الصغار، وَلَكِن ذكره ابْن حبَان فِي أَتبَاع التَّابِعين وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث بِهَذَا الْإِسْنَاد، وحرف يحيى بن يحيى الأندلسي فِي رِوَايَته فَقَالَ: عَمْرو بن كثير، بِفَتْح الْعين وَالصَّوَاب: عمر، بِضَم الْعين، وَأَبُو مُحَمَّد اسْمه نَافِع بن عَبَّاس مَعْرُوف باسمه وكنيته وَهُوَ مولى أبي قَتَادَة، وَيُقَال: مولى عقيلة بنت طلق، وَيُقَال: عبلة بنت طلق، وَأَبُو قَتَادَة اسْمه الْحَارِث بن ربعي، وَقيل: غَيره.
والْحَدِيث مضى فِي الْخمس فِي: بَاب من لم يُخَمّس الأسلاب فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن مسلمة عَن مَالك إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (جَوْلَة) ، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْوَاو، أَي: تقدم وَتَأَخر، وَفِي الْعبارَة لطف حَيْثُ لم يقل: هزيمَة، وَهَذِه الجولة كَانَت فِي بعض الْمُسلمين لَا فِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن حواليه. قَوْله: (قد علا رجلا) أَي: ظهر على قَتله. قَوْله: (على حَبل عَاتِقه) . العاتق: مَوضِع الرِّدَاء من الْمنْكب، وَالْحَبل العصب. قَوْله: (بِالسَّيْفِ) ، ويروى بِسيف، بِدُونِ الْألف وَاللَّام. قَوْله: (فَقطعت الدرْع) أَي: اللّبْس الَّذِي كَانَ لابسه. قَوْله: (وجدت مِنْهَا) أَي: من تِلْكَ الضمة (ريح الْمَوْت) أَي: من شدتها. قَوْله: (فأرسلني) ، أَي: أطلقني. قَوْله: (فلحقت عمر رَضِي الله عَنهُ) ، فِيهِ حذف تَقْدِيره: فَانْهَزَمَ الْمُسلمُونَ وانهزمت مَعَهم، فلحقت عمر. قَوْله: (مَا بَال النَّاس؟) أَي: مَا حَالهم؟ قَوْله: (قَالَ أَمر الله) ، أَي: قَالَ عمر: حكم الله تَعَالَى وَمَا قضا بِهِ، وارتفاعه على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: مَحْذُوف، أَي: هَذَا الَّذِي أَصَابَهُم أَمر الله. قَوْله: (ثمَّ رجعُوا) أَي: ثمَّ تراجعوا، وَهَكَذَا فِي الرِّوَايَة الْآتِيَة، وَكَيْفِيَّة رجوعهم قد تقدّمت عَن قريب قَوْله: (من قتل قَتِيلا) أَي: مشرفاً على الْقَتْل، فَهُوَ مجَاز بِاعْتِبَار المَال قَالَ الْكرْمَانِي: وَيحْتَمل أَن يكون حَقِيقَة بِأَن يُرَاد بالقتيل الْقَتِيل بِهَذَا الْقَتْل لَا بقتل سَابق، كَمَا قَالَ المتكلمون فِي جَوَاب المغالطة الْمَشْهُورَة، وَهُوَ أَن إِيجَاد الْمَعْدُوم محَال لِأَن الإيجاد إِمَّا حَال الْعَدَم، فَهُوَ جمع بَين النقيضين، وَإِمَّا حَال الْوُجُود. وَهُوَ تَحْصِيل للحاصل أَن إِيجَاد الْمَوْجُود بِهَذَا الْوُجُود لَا بِوُجُود مُتَقَدم. قَوْله: (فأرضه مني) هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره. فأرضه مِنْهُ. قَوْله: (فَقَالَ أَبُو بكر) أَي: الصّديق، رَضِي الله عَنهُ قَوْله: (لَا هَا الله) كلمة: هَا، للتّنْبِيه، وَقد يقسم

(17/299)


بهَا يُقَال: لَا هَا الله مَا فعلت أَي: لَا وَالله، وَقَالَ ابْن مَالك: فِيهِ شَاهد على جَوَاز الِاسْتِغْنَاء عَن وَاو الْقسم بِحرف التَّنْبِيه. قَالَ: وَلَا يكون ذَلِك إلاَّ مَعَ الله، أَي: لم يسمع: لَا هَا الرَّحْمَن، كَمَا سمع لَا والرحمن وَحكى ابْن التِّين عَن الدَّاودِيّ أَنه روى رفع: الله، وَالْمعْنَى: يَأْبَى الله، وَقيل: إِن ثبتَتْ الرِّوَايَة بِالرَّفْع فَيكون هَا، للتّنْبِيه وَالله، مُبْتَدأ. وَقَوله: (لَا يعمد) خَبره، وَفِيه تَأمل. قَوْله: (إِذا) ، بِكَسْر الْهمزَة وبالذال الْمُعْجَمَة المنونة، وَقَالَ الْخطابِيّ: هَكَذَا نرويه، وَإِنَّمَا هُوَ فِي كَلَامهم أَي: العربَ لَا هَا الله، يَعْنِي بِدُونِ الْهمزَة فِي أَوله، وَالْهَاء فِيهِ بِمَنْزِلَة الْوَاو، وَالْمعْنَى: لَا وَالله لَا يكون ذَا وَقَالَ عِيَاض فِي (الْمَشَارِق) : عَن إِسْمَاعِيل القَاضِي أَن الْمَازِني قَالَ: قَول الروَاة: لَا هَا الله إِذا، خطأ، وَالصَّوَاب: لَا هَا الله ذَا يَمِيني وقسمي، وَقَالَ أَبُو زيد لَيْسَ فِي كَلَامهم: لَا هَا الله إِذا، وَإِنَّمَا هُوَ: لَا هَا الله ذَا، وَذَا صلَة فِي الْكَلَام، والمعني: لَا وَالله هَذَا مَا أقسم بِهِ وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: ثَبت فِي الرِّوَايَة: لَا هَا الله إِذا، فَحَمله بعض النَّحْوِيين على أَنه من تَعْبِير بعض الروَاة لِأَن الْعَرَب لَا تسْتَعْمل: لَا هَا الله، بِدُونِ ذَا، وَإِن سلم اسْتِعْمَاله بِدُونِ ذَا فَلَيْسَ هَذَا مَوضِع إِذا لِأَنَّهَا حرف جَزَاء، وَمُقْتَضى الْجَزَاء أَن لَا يذكر إِلَّا فِي قَوْله: (لَا يعمد) ، بل كَانَ يَقُول: إِذا يعمد إِلَى أَسد ليَصِح جَوَابا لطَالب السَّلب انْتهى وَقد أَطَالَ بَعضهم الْكَلَام فِي هَذَا جدا، مختلطاً بعضه بِبَعْض من غير تَرْتِيب، فالناظر فِيهِ إِن كَانَ لَهُ يَد يشمئز خاطره من ذَلِك وإلاَّ فَلَا يفهم شَيْئا أصلا، وَالَّذِي يُقَال بِمَا يجدي النَّاظر أَنه إِن كَانَ إِذا، على مَا هُوَ الْمَوْجُود فِي الْأُصُول يكون مَعْنَاهُ حينئذٍ وَإِن كَانَ ذَا بِدُونِ الْهمزَة، فوجهه مَا تقدم فَلَا يحْتَاج إِلَى الإطالة الْغَيْر الطائلة قَوْله: (لَا يعمد) ، أَي: لَا يقْصد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى رجل كَأَنَّهُ أَسد فِي الشجَاعَة يُقَاتل عَن دين الله وَرَسُوله، فَيَأْخُذ حَظه ويعطيكه بِغَيْر طيبَة من نَفسه، وَقَالَ الْكرْمَانِي: ويعمد، بالغيبة والتكلم وَوَقع فِي (مُسْند أَحْمد) أَن الَّذِي خَاطب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بذلك عمر، وَلَفظه فِيهِ: فَقَالَ عمر: وَالله لَا يفيئها الله على أَسد ويعطيكها، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: صدق عمر. قلت: صَاحب الْقِصَّة أَبُو قَتَادَة فَهُوَ اتقن لما وَقع فِيهَا من غَيره، وَقيل: يحْتَمل الْجمع بِأَن يكون عمر أَيْضا قَالَ ذَلِك تَقْوِيَة لأبي بكر رَضِي الله عَنهُ. قَوْله: (فابتعت بِهِ) ، أَي: اشْتريت بذلك السَّلب وَقَالَ الْوَاقِدِيّ بَاعه الحاطب بن أبي بلتعة بِسبع أَوَاقٍ. قَوْله: (مخرفاً) ، بِفَتْح الْمِيم وَالرَّاء بَينهمَا خاء مُعْجمَة، قيل: يجوز فِيهِ كسر الْخَاء وَهُوَ الْبُسْتَان، وَسمي بذلك لِأَنَّهُ يخْتَرف مِنْهُ التَّمْر أَي: يجني، وَذكر الْوَاقِدِيّ أَن هَذَا الْبُسْتَان كَانَ يُقَال لَهُ: الودنيين، والمخرف، بِكَسْر الْمِيم إسم الْآلَة الَّتِي يجتني بهَا. قَوْله: (فِي بني سَلمَة) بِكَسْر اللَّام: بطن من الْأَنْصَار وهم ثوم أبي قَتَادَة. قَوْله: (تأثلته) ، بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق وَفتح الْهمزَة وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَضم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق أَي: اتخذته أصل المَال واقتنيته، وأثلة كل شَيْء: أَصله.
4322 - وَقَالَ اللَّيْثُ حدَّثني يحْيَى بنُ سَعِيدٍ عنْ عُمَرَ بن كَثِيرِ بن أفْلَحَ عنْ أبي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أبي قتَادَةَ أنَّ أَبَا قتادَةَ قَالَ لمَّا كانَ يَوْمَ حُنَيْنٍ نَظَرْتُ إِلَى رجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ يُقاتِلُ رَجُلاً مِنَ المُشْرِكِينَ وآخَرُ مِنَ المُشْرِكِينَ يَخْتِلُهُ مِنْ ورَائِهِ مِنْ ورَائِهِ لِيَقْتُلَهُ فأسْرَعْتُ إِلَى الَّذِي يَخْتِلُهُ فرَفَعَ يَدهُ لِيَضْرِبَنِي وأضْرِبُ يدَهُ فقَطَعْتُها ثُمَّ أخَذَنِي فَضَمَّني ضَمًّا شَدِيداً حَتَّى تَخَوَّفْتُ ثُمَّ تَرَكَ فَتَحَلَّلَ ودَفَعْتُهُ ثُمَّ قتَلْتُهُ وانْهَزَمَ المُسْلِمُونَ وانهَزَمْتُ معَهُمْ فإِذَا بِعُمَرَ بن الخَطَّابِ فِي النَّاسِ فقُلْتُ لَهُ مَا شأنُ النَّاسِ قَالَ أمْرُ الله ثُمَّ تَرَاجَعَ النَّاسُ إِلَى رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقال رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منْ أقامَ بيِّنَةً عَلَى قَتِيلٍ قَتَلَهُ فَلَهُ سَلَبُهُ فَقُمْتُ لألْتَمِسَ بَيِّنَةً عَلَى قَتِيلي فَلَمْ أرَ أَحَداً يَشْهَدُ لي فَجَلَسْتُ ثُمَّ بَدَا لِي فَذَكَرْتُ أمْرَهُ لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقال رَجُلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ سِلاَحُ هَذَا القَتِيلِ الَّذِي يَذْكُرُ عِنْدِي فأرْضِهِ منهُ فَقال أبُو بَكْرٍ كَلاَّ لَا يُعْطِهِ أُصَيْبِغَ منْ قُرَيْشٍ وَيَدَعَ أسَداً مِنْ أُسْدِ الله يُقاتِلَ عنِ الله ورسولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فَقامَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأدَّاهُ إليَّ فاشْتَرَيْتُ مِنْهُ خِرَافاً فَكانَ أوَّلَ مالٍ تَاثَّلْتُهُ فِي الإِسْلاَمِ. .

(17/300)


هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور وَهُوَ مُعَلّق وَصله البُخَارِيّ فِي الْأَحْكَام عَن قُتَيْبَة عَن اللَّيْث وَيحيى بن سعد هُوَ الْأنْصَارِيّ.
قَوْله: (يختله) ، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالتَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق: أَي يخدعه. قَوْله: (حَتَّى تخوفت) أَي: الْهَلَاك، وَهُوَ مفعول قد حذف. قَوْله: (بدالي) أَي: ظهر لي قَوْله: (الَّذِي يذكر) ، أَي: أَبُو قَتَادَة، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: الَّذِي ذكره. قَوْله: (كلا) كلمة ردع. قَوْله: (لَا يُعْطه) ، أَي: لَا يُعْطي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سلَاح الرجل الَّذِي هُوَ سلبه. قَوْله: (أصيبغ) بِضَم الْهمزَة وَفتح الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة بعْدهَا الْغَيْن الْمُعْجَمَة: وَهُوَ نوع من الطير ضَعِيف شبهه بِهِ لعَجزه وَهُوَ أَنه، وَقيل: شبهه بالصبغاء، وَهُوَ نبت مَعْرُوف، وَقيل: نبت ضَعِيف كالثمام إِذا طلع من الأَرْض يكون أول مَا يَلِي الشَّمْس مِنْهُ أصفر، هَذَا الضَّبْط رِوَايَة الْقَابِسِيّ، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: بالضاد الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة، وعَلى رِوَايَته هُوَ تَصْغِير: الضبع، على غير قِيَاس، كَأَنَّهُ لما عظم أَبَا قَتَادَة بِأَنَّهُ أَسد صغر خَصمه وَشبهه بالضبع لضعف افتراسه وَمَا يُوصف بِهِ من الْعَجز، وَقَالَ ابْن مَالك: أضيبع، بالضاد الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة تَصْغِير: أضبع ويكنى بِهِ عَن الضَّعِيف. قَوْله: (ويدع) ، أَي: يتْرك وَهُوَ بِالنّصب، وَقَالَ الْكرْمَانِي: ويدع، بِالرَّفْع والجر نَحْو: لَا تَأْكُل السّمك وتشرب اللَّبن.

(بَاب غَزْوَة أَوْطَاس)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان غَزْوَة أَوْطَاس قَالَ عِيَاض هُوَ وَاد فِي ديار هوَازن وَهُوَ مَوضِع حَرْب حنين وَهُوَ من وطست الشَّيْء وطسا إِذا كددته وأثرت فِيهِ والوطيس نقرة فِي حجر توقد حوله النَّار فيطبخ بِهِ اللَّحْم والوطيس التَّنور
324 - (حَدثنَا مُحَمَّد بن الْعَلَاء حَدثنَا أَبُو أُسَامَة عَن بريد بن عبد الله عَن أبي بردة عَن أبي مُوسَى رَضِي الله عَنهُ قَالَ لما فرغ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من حنين بعث أَبَا عَامر على جَيش إِلَى أَوْطَاس فلقي دُرَيْد بن الصمَّة فَقتل دُرَيْد وَهزمَ الله أَصْحَابه قَالَ أَبُو مُوسَى وبعثني مَعَ أبي عَامر فَرمي أَبُو عَامر فِي ركبته رَمَاه جشمي بِسَهْم فأثبته فِي ركبته فانتهيت إِلَيْهِ فَقلت يَا عَم من رماك فَأَشَارَ إِلَى أبي مُوسَى فَقَالَ ذَاك قاتلي الَّذِي رماني فقصدت لَهُ فلحقته فَلَمَّا رَآنِي ولى فاتبعته وَجعلت أَقُول لَهُ أَلا تَسْتَحي أَلا تثبت فَكف فاختلفنا ضربتين بِالسَّيْفِ فَقتلته ثمَّ قلت لأبي عَامر قتل الله صَاحبك قَالَ فانزع هَذَا السهْم فنزعته فنزا مِنْهُ المَاء قَالَ يَا ابْن أخي أقرىء النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - السَّلَام وَقل لَهُ اسْتغْفر لي واستخلفني أَبُو عَامر على النَّاس فَمَكثَ يَسِيرا ثمَّ مَاتَ فَرَجَعت فَدخلت على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي بَيته على سَرِير مرمل وَعَلِيهِ فرَاش قد أثر رمال السرير بظهره وجنبيه فَأَخْبَرته بخبرنا وَخبر أبي عَامر وَقَالَ قل لَهُ اسْتغْفر لي فَدَعَا بِمَاء فَتَوَضَّأ ثمَّ رفع يَدَيْهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِر لِعبيد أبي عَامر وَرَأَيْت بَيَاض إبطَيْهِ ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْم الْقِيَامَة فَوق كثير من خلقك من النَّاس فَقلت ولي فَاسْتَغْفر فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِر لعبد الله بن قيس ذَنبه وَأدْخلهُ يَوْم الْقِيَامَة مدخلًا كَرِيمًا قَالَ أَبُو بردة إِحْدَاهمَا لأبي عَامر وَالْأُخْرَى لأبي مُوسَى) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة وبريد بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء وَكَذَا أَبُو بردة واسْمه عَامر وَأَبُو مُوسَى اسْمه عبد الله بن قيس وبريد هُنَا يروي عَن جده أبي بردة وَهُوَ يروي عَن أَبِيه أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد مقطعا وَفِي الدَّعْوَات يَأْتِي وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل قَوْله بعث أَبَا عَامر واسْمه عبيد بن سليم بن حضار الْأَشْعَرِيّ وَهُوَ

(17/301)


عَم أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَقَالَ ابْن إِسْحَاق هُوَ ابْن عَمه وَالْأول أشهر قَوْله على جَيش أَي أَمِيرا عَلَيْهِم وَذَلِكَ أَن هوَازن بعد الْهَزِيمَة اجْتمع بَعضهم فِي أَوْطَاس فَأَرَادَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - استئصالهم فَبَعثه إِلَيْهِم قَوْله " فلقي دُرَيْد بن الصمَّة " دُرَيْد بِضَم الدَّال مصغر الدرد بالمهملتين وَالرَّاء والصمة بِكَسْر الصَّاد الْمُهْملَة وَتَشْديد الْمِيم ابْن بكر بن عَلْقَمَة وَيُقَال ابْن الْحَارِث بن عَلْقَمَة الْجُشَمِي بِضَم الْجِيم وَفتح الشين الْمُعْجَمَة من بني جشم بن مُعَاوِيَة بن بكر بن هوَازن والصمة لقب لِأَبِيهِ واسْمه الْحَارِث ودريد شَاعِر مَشْهُور قَوْله " فَقتل دُرَيْد " على صِيغَة الْمَجْهُول وَاخْتلف فِي قَاتله فَعَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق قَتله ربيعَة بن رفيع بِضَم الرَّاء وَفتح الْفَاء وبالعين الْمُهْملَة ابْن وهبان بن ثَعْلَبَة بن ربيعَة السّلمِيّ وَكَانَ يُقَال لَهُ ابْن الذعنة بِمُعْجَمَة ومهملة وَيُقَال بِالْعَكْسِ وَهِي أمه وَقَالَ ابْن هِشَام يُقَال اسْمه عبد بن قبيع بن أهبان وَيُقَال لَهُ أَيْضا ابْن الدغنة وَلَيْسَ هُوَ ابْن الدغنة الْمَذْكُور فِي قصَّة أبي بكر فِي الْهِجْرَة وروى الْبَزَّار فِي مُسْند أنس بِإِسْنَاد حسن مَا يشْعر بِأَن قَاتل دُرَيْد بن الصمَّة هُوَ الزبير بن الْعَوام وَلَفظه لما انهزم الْمُشْركُونَ انحاز دُرَيْد بن الصمَّة فِي سِتّمائَة نفس على أكمة فَرَأَوْا كَتِيبَة فَقَالَ خلوهم فخلوهم فَقَالَ هَذِه قضاعة وَلَا بَأْس عَلَيْكُم ثمَّ رَأَوْا كَتِيبَة مثل ذَلِك فَقَالُوا هَذِه سليم ثمَّ رَأَوْا فَارِسًا وَحده فَقَالَ خلوه لي فَقَالُوا معتجر بعمامة سَوْدَاء فَقَالَ هَذَا الزبير بن الْعَوام وَهُوَ قاتلكم ومخرجكم من مَكَانكُمْ هَذَا قَالَ فَالْتَفت الزبير فَقَالَ علام هَؤُلَاءِ هَهُنَا فَمضى إِلَيْهِم وَتَبعهُ جمَاعَة فَقتلُوا مِنْهُم ثَلَاثمِائَة وحز رَأس دُرَيْد بن الصمَّة فَجعله بَين يَدَيْهِ وَكَانَ دُرَيْد لما قتل ابْن عشْرين وَيُقَال ابْن سِتِّينَ وَمِائَة قَوْله قَالَ أَبُو مُوسَى وبعثني أَي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَعَ أبي عَامر أَي إِلَى من التجأ إِلَى أَوْطَاس قَوْله " فَرمي " على صِيغَة الْمَجْهُول قَوْله " جشمي " أَي رجل جشمي يَعْنِي من بني جشم بِضَم الْجِيم وَفتح الشين الْمُعْجَمَة وَاخْتلف فِي اسْم هَذَا الْجُشَمِي فَقَالَ ابْن إِسْحَق زَعَمُوا أَن سَلمَة بن دُرَيْد بن الصمَّة هُوَ الَّذِي رمى أَبَا عَامر بِسَهْم فَأصَاب ركبته فَقتله وَأخذ الرَّايَة أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ فَقَاتلهُمْ فَفتح الله عَلَيْهِ وَقَالَ ابْن هِشَام حَدثنِي من أَثِق بِهِ أَن الَّذِي رمى أَبَا عَامر أَخَوان من بني جشم وهما أوفى والْعَلَاء ابْنا الْحَارِث فَأصَاب أَحدهمَا ركبته وقتلهما أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وروى الطَّبَرِيّ فِي الْأَوْسَط من وَجه آخر عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ بِإِسْنَاد حسن لما هزم الله الْمُشْركين يَوْم حنين بعث رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على خيل الْمطلب أَبَا عَامر الْأَشْعَرِيّ وَأَنا مَعَه فَقتل ابْن دُرَيْد أَبَا عَامر فعدلت إِلَيْهِ فَقتلته وَأخذت اللِّوَاء الحَدِيث فَهَذَا يُؤَيّد مَا ذكره ابْن إِسْحَق قَوْله " ولى " أَي أدبر قَوْله " فَأَتْبَعته " ضبط بِقطع الْألف وَصَوَابه بوصلها وَتَشْديد التَّاء لِأَن مَعْنَاهُ سرت فِي أَثَره وَمعنى أتبعته بِقطع الْألف لحقته وَالْمرَاد هُنَا سرت فِي أَثَره قَوْله فَكف أَي توقف وكف نَفسه يتَعَدَّى وَلَا يتَعَدَّى قَوْله " فنزا مِنْهُ المَاء " أَي انصب من مَوضِع السهْم وَقَالَ الْكرْمَانِي فنزا أَي وثب قلت لَيْسَ كَذَلِك وَالصَّوَاب مَا ذَكرْنَاهُ قَوْله يَا ابْن أخي هَذَا يرد قَول ابْن إِسْحَق أَنه ابْن عَمه قَوْله مرمل بِضَم الْمِيم وَفتح الرَّاء وَتَشْديد الْمِيم أَي مَعْمُول بالرمال وَهِي حبال الْحَصِير الَّتِي يظفر بهَا الأسرة قَوْله وَعَلِيهِ فرَاش قَالَ ابْن التِّين وَأنْكرهُ الشَّيْخ أَبُو الْحسن وَقَالَ الصَّوَاب مَا عَلَيْهِ فرَاش فَسَقَطت مَا قيل لَا يلْزم من كَونه رقد على غير فرَاش أَن لَا يكون على سَرِيره دَائِما فرَاش قَوْله فَوق كثير من خلقك أَي فِي الْمرتبَة وَفِي رِوَايَة ابْن عَائِذ فِي الْأَكْثَرين يَوْم الْقِيَامَة من النَّاس قَالَ الْكرْمَانِي تَعْمِيم بعد تَخْصِيص قلت بَيَان لقَوْله " من خلقك " لِأَن الْخلق أَعم من أَن يكون من النَّاس وَغَيرهم قَوْله " قَالَ أَبُو بردة " مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور قَوْله " إِحْدَاهمَا " أَي الدعوتين -
4321 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسفَ أخبرَنا مالِكٌ عنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ عنْ عُمَرَ بنِ كَثيرِ بنِ أفْلحَ عنْ أبي مُحَمَّدٍ مَوْلَى قَتَادَةَ عنْ أبي قَتادَةَ قَالَ خَرَجْنا معَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عامَ حُنَيْنٍ فلَمَّا الْتقَيْنا كانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جوْلَةٌ فَرَأيْتُ رجُلاً منَ المُشْرِكِينَ قَدْ عَلاَ رجُلاً مِنَ المُسْلِمِينَ فَضَرَبْتُهُ مِنْ ورَائِهِ عَلَى جَبْلِ عاتِقِهِ بالسَّيْفِ فقَطَعْتُ الدِّرْعَ وأقْبَلَ عَلَيَّ فضَمَّني ضَمَّةً وجَدْتُ مِنْها رِيحَ المَوْتِ ثُمَّ أدْرَكَهُ المَوْتُ فأرْسَلَني فَلَحِقْتُ عُمَرَ فقُلْتُ مَا بالُ النَّاسِ قَالَ أمْرُ الله عَزَّ وجَلَّ ثُمَّ رجَعُوا وجَلَسَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ فَقُلْتُ مَنْ يَشْهدُ ثُمَّ جلَسْتُ قَالَ ثُمَّ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِثْلَهُ فَقُمْتُ فَقُلْتُ مَنْ يَشْهَدُ لي ثُمَّ جَلَسْتُ قَالَ ثُمَّ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِثْلَهُ فقُمْتُ فَقَالَ مَا لَكَ يَا أَبَا قَتادَةَ فأخْبَرْتُهُ فَقَالَ رجُلٌ صَدقَ وسَلبُهُ عِنْدِي فأرْضِهِ مِنِّي فَقَالَ أبُو بَكْرٍ لاَ هَا الله إِذا لاَ يَعْمِدُ إِلَى أسَدٍ مِنْ أُسْدِ الله يُقاتِلُ عَن الله ورسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيُعْطِيكَ سَلَبَهُ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَدْقَ فأعْطِهِ فأعْطانِيهِ فابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفاً فِي بَني سَلِمَةَ فإنَّهُ لأوَّلُ مالٍ تأثَّلْتُهُ فِي الإسْلاَمِ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى بن سعيد هُوَ الْأنْصَارِيّ قَاضِي الْمَدِينَة، وَعمر بن كثير ضد الْقَلِيل ابْن أَفْلح الْمدنِي مولى أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ وَغَيره من التَّابِعين الصغار، وَلَكِن ذكره ابْن حبَان فِي أَتبَاع التَّابِعين وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث بِهَذَا الْإِسْنَاد، وحرف يحيى بن يحيى الأندلسي فِي رِوَايَته فَقَالَ: عَمْرو بن كثير، بِفَتْح الْعين وَالصَّوَاب: عمر، بِضَم الْعين، وَأَبُو مُحَمَّد اسْمه نَافِع بن عَبَّاس مَعْرُوف باسمه وكنيته وَهُوَ مولى أبي قَتَادَة، وَيُقَال: مولى عقيلة بنت طلق، وَيُقَال: عبلة بنت طلق، وَأَبُو قَتَادَة اسْمه الْحَارِث بن ربعي، وَقيل: غَيره.
والْحَدِيث مضى فِي الْخمس فِي: بَاب من لم يُخَمّس الأسلاب فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن مسلمة عَن مَالك إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (جَوْلَة) ، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْوَاو، أَي: تقدم وَتَأَخر، وَفِي الْعبارَة لطف حَيْثُ لم يقل: هزيمَة، وَهَذِه الجولة كَانَت فِي بعض الْمُسلمين لَا فِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن حواليه. قَوْله: (قد علا رجلا) أَي: ظهر على قَتله. قَوْله: (على حَبل عَاتِقه) . العاتق: مَوضِع الرِّدَاء من الْمنْكب، وَالْحَبل العصب. قَوْله: (بِالسَّيْفِ) ، ويروى بِسيف، بِدُونِ الْألف وَاللَّام. قَوْله: (فَقطعت الدرْع) أَي: اللّبْس الَّذِي كَانَ لابسه. قَوْله: (وجدت مِنْهَا) أَي: من تِلْكَ الضمة (ريح الْمَوْت) أَي: من شدتها. قَوْله: (فأرسلني) ، أَي: أطلقني. قَوْله: (فلحقت عمر رَضِي الله عَنهُ) ، فِيهِ حذف تَقْدِيره: فَانْهَزَمَ الْمُسلمُونَ وانهزمت مَعَهم، فلحقت عمر. قَوْله: (مَا بَال النَّاس؟) أَي: مَا حَالهم؟ قَوْله: (قَالَ أَمر الله) ، أَي: قَالَ عمر: حكم الله تَعَالَى وَمَا قضا بِهِ، وارتفاعه على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: مَحْذُوف، أَي: هَذَا الَّذِي أَصَابَهُم أَمر الله. قَوْله: (ثمَّ رجعُوا) أَي: ثمَّ تراجعوا، وَهَكَذَا فِي الرِّوَايَة الْآتِيَة، وَكَيْفِيَّة رجوعهم قد تقدّمت عَن قريب قَوْله: (من قتل قَتِيلا) أَي: مشرفاً على الْقَتْل، فَهُوَ مجَاز بِاعْتِبَار المَال قَالَ الْكرْمَانِي: وَيحْتَمل أَن يكون حَقِيقَة بِأَن يُرَاد بالقتيل الْقَتِيل بِهَذَا الْقَتْل لَا بقتل سَابق، كَمَا قَالَ المتكلمون فِي جَوَاب المغالطة الْمَشْهُورَة، وَهُوَ أَن إِيجَاد الْمَعْدُوم محَال لِأَن الإيجاد إِمَّا حَال الْعَدَم، فَهُوَ جمع بَين النقيضين، وَإِمَّا حَال الْوُجُود. وَهُوَ تَحْصِيل للحاصل أَن إِيجَاد الْمَوْجُود بِهَذَا الْوُجُود لَا بِوُجُود مُتَقَدم. قَوْله: (فأرضه مني) هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره. فأرضه مِنْهُ. قَوْله: (فَقَالَ أَبُو بكر) أَي: الصّديق، رَضِي الله عَنهُ قَوْله: (لَا هَا الله) كلمة: هَا، للتّنْبِيه، وَقد يقسم بهَا يُقَال: لَا هَا الله مَا فعلت أَي: لَا وَالله، وَقَالَ ابْن مَالك: فِيهِ شَاهد على جَوَاز الِاسْتِغْنَاء عَن وَاو الْقسم بِحرف التَّنْبِيه. قَالَ: وَلَا يكون ذَلِك إلاَّ مَعَ الله، أَي: لم يسمع: لَا هَا الرَّحْمَن، كَمَا سمع لَا والرحمن وَحكى ابْن التِّين عَن الدَّاودِيّ أَنه روى رفع: الله، وَالْمعْنَى: يَأْبَى الله، وَقيل: إِن ثبتَتْ الرِّوَايَة بِالرَّفْع فَيكون هَا، للتّنْبِيه وَالله، مُبْتَدأ. وَقَوله: (لَا يعمد) خَبره، وَفِيه تَأمل. قَوْله: (إِذا) ، بِكَسْر الْهمزَة وبالذال الْمُعْجَمَة المنونة، وَقَالَ الْخطابِيّ: هَكَذَا نرويه، وَإِنَّمَا هُوَ فِي كَلَامهم أَي: العربَ لَا هَا الله، يَعْنِي بِدُونِ الْهمزَة فِي أَوله، وَالْهَاء فِيهِ بِمَنْزِلَة الْوَاو، وَالْمعْنَى: لَا وَالله لَا يكون ذَا وَقَالَ عِيَاض فِي (الْمَشَارِق) : عَن إِسْمَاعِيل القَاضِي أَن الْمَازِني قَالَ: قَول الروَاة: لَا هَا الله إِذا، خطأ، وَالصَّوَاب: لَا هَا الله ذَا يَمِيني وقسمي، وَقَالَ أَبُو زيد لَيْسَ فِي كَلَامهم: لَا هَا الله إِذا، وَإِنَّمَا هُوَ: لَا هَا الله ذَا، وَذَا صلَة فِي الْكَلَام، والمعني: لَا وَالله هَذَا مَا أقسم بِهِ وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: ثَبت فِي الرِّوَايَة: لَا هَا الله إِذا، فَحَمله بعض النَّحْوِيين على أَنه من تَعْبِير بعض الروَاة لِأَن الْعَرَب لَا تسْتَعْمل: لَا هَا الله، بِدُونِ ذَا، وَإِن سلم اسْتِعْمَاله بِدُونِ ذَا فَلَيْسَ هَذَا مَوضِع إِذا لِأَنَّهَا حرف جَزَاء، وَمُقْتَضى الْجَزَاء أَن لَا يذكر إِلَّا فِي قَوْله: (لَا يعمد) ، بل كَانَ يَقُول: إِذا يعمد إِلَى أَسد ليَصِح جَوَابا لطَالب السَّلب انْتهى وَقد أَطَالَ بَعضهم الْكَلَام فِي هَذَا جدا، مختلطاً بعضه بِبَعْض من غير تَرْتِيب، فالناظر فِيهِ إِن كَانَ لَهُ يَد يشمئز خاطره من ذَلِك وإلاَّ فَلَا يفهم شَيْئا أصلا، وَالَّذِي يُقَال بِمَا يجدي النَّاظر أَنه إِن كَانَ إِذا، على مَا هُوَ الْمَوْجُود فِي الْأُصُول يكون مَعْنَاهُ حينئذٍ وَإِن كَانَ ذَا بِدُونِ الْهمزَة، فوجهه مَا تقدم فَلَا يحْتَاج إِلَى الإطالة الْغَيْر الطائلة قَوْله: (لَا يعمد) ، أَي: لَا يقْصد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى رجل كَأَنَّهُ أَسد فِي الشجَاعَة يُقَاتل عَن دين الله وَرَسُوله، فَيَأْخُذ حَظه ويعطيكه بِغَيْر طيبَة من نَفسه، وَقَالَ الْكرْمَانِي: ويعمد، بالغيبة والتكلم وَوَقع فِي (مُسْند أَحْمد) أَن الَّذِي خَاطب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بذلك عمر، وَلَفظه فِيهِ: فَقَالَ عمر: وَالله لَا يفيئها الله على أَسد ويعطيكها، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: صدق عمر. قلت: صَاحب الْقِصَّة أَبُو قَتَادَة فَهُوَ اتقن لما وَقع فِيهَا من غَيره، وَقيل: يحْتَمل الْجمع بِأَن يكون عمر أَيْضا قَالَ ذَلِك تَقْوِيَة لأبي بكر رَضِي الله عَنهُ. قَوْله: (فابتعت بِهِ) ، أَي: اشْتريت بذلك السَّلب وَقَالَ الْوَاقِدِيّ بَاعه الحاطب بن أبي بلتعة بِسبع أَوَاقٍ. قَوْله: (مخرفاً) ، بِفَتْح الْمِيم وَالرَّاء بَينهمَا خاء مُعْجمَة، قيل: يجوز فِيهِ كسر الْخَاء وَهُوَ الْبُسْتَان، وَسمي بذلك لِأَنَّهُ يخْتَرف مِنْهُ التَّمْر أَي: يجني، وَذكر الْوَاقِدِيّ أَن هَذَا الْبُسْتَان كَانَ يُقَال لَهُ: الودنيين، والمخرف، بِكَسْر الْمِيم إسم الْآلَة الَّتِي يجتني بهَا. قَوْله: (فِي بني سَلمَة) بِكَسْر اللَّام: بطن من الْأَنْصَار وهم ثوم أبي قَتَادَة. قَوْله: (تأثلته) ، بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق وَفتح الْهمزَة وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَضم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق أَي: اتخذته أصل المَال واقتنيته، وأثلة كل شَيْء: أَصله.
4322 - وَقَالَ اللَّيْثُ حدَّثني يحْيَى بنُ سَعِيدٍ عنْ عُمَرَ بن كَثِيرِ بن أفْلَحَ عنْ أبي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أبي قتَادَةَ أنَّ أَبَا قتادَةَ قَالَ لمَّا كانَ يَوْمَ حُنَيْنٍ نَظَرْتُ إِلَى رجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ يُقاتِلُ رَجُلاً مِنَ المُشْرِكِينَ وآخَرُ مِنَ المُشْرِكِينَ يَخْتِلُهُ مِنْ ورَائِهِ مِنْ ورَائِهِ لِيَقْتُلَهُ فأسْرَعْتُ إِلَى الَّذِي يَخْتِلُهُ فرَفَعَ يَدهُ لِيَضْرِبَنِي وأضْرِبُ يدَهُ فقَطَعْتُها ثُمَّ أخَذَنِي فَضَمَّني ضَمًّا شَدِيداً حَتَّى تَخَوَّفْتُ ثُمَّ تَرَكَ فَتَحَلَّلَ ودَفَعْتُهُ ثُمَّ قتَلْتُهُ وانْهَزَمَ المُسْلِمُونَ وانهَزَمْتُ معَهُمْ فإِذَا بِعُمَرَ بن الخَطَّابِ فِي النَّاسِ فقُلْتُ لَهُ مَا شأنُ النَّاسِ قَالَ أمْرُ الله ثُمَّ تَرَاجَعَ النَّاسُ إِلَى رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقال رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منْ أقامَ بيِّنَةً عَلَى قَتِيلٍ قَتَلَهُ فَلَهُ سَلَبُهُ فَقُمْتُ لألْتَمِسَ بَيِّنَةً عَلَى قَتِيلي فَلَمْ أرَ أَحَداً يَشْهَدُ لي فَجَلَسْتُ ثُمَّ بَدَا لِي فَذَكَرْتُ أمْرَهُ لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقال رَجُلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ سِلاَحُ هَذَا القَتِيلِ الَّذِي يَذْكُرُ عِنْدِي فأرْضِهِ منهُ فَقال أبُو بَكْرٍ كَلاَّ لَا يُعْطِهِ أُصَيْبِغَ منْ قُرَيْشٍ وَيَدَعَ أسَداً مِنْ أُسْدِ الله يُقاتِلَ عنِ الله ورسولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فَقامَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأدَّاهُ إليَّ فاشْتَرَيْتُ مِنْهُ خِرَافاً فَكانَ أوَّلَ مالٍ تَاثَّلْتُهُ فِي الإِسْلاَمِ. .

هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور وَهُوَ مُعَلّق وَصله البُخَارِيّ فِي الْأَحْكَام عَن قُتَيْبَة عَن اللَّيْث وَيحيى بن سعد هُوَ الْأنْصَارِيّ.
قَوْله: (يختله) ، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالتَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق: أَي يخدعه. قَوْله: (حَتَّى تخوفت) أَي: الْهَلَاك، وَهُوَ مفعول قد حذف. قَوْله: (بدالي) أَي: ظهر لي قَوْله: (الَّذِي يذكر) ، أَي: أَبُو قَتَادَة، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: الَّذِي ذكره. قَوْله: (كلا) كلمة ردع. قَوْله: (لَا يُعْطه) ، أَي: لَا يُعْطي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سلَاح الرجل الَّذِي هُوَ سلبه. قَوْله: (أصيبغ) بِضَم الْهمزَة وَفتح الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة بعْدهَا الْغَيْن الْمُعْجَمَة: وَهُوَ نوع من الطير ضَعِيف شبهه بِهِ لعَجزه وَهُوَ أَنه، وَقيل: شبهه بالصبغاء، وَهُوَ نبت مَعْرُوف، وَقيل: نبت ضَعِيف كالثمام إِذا طلع من الأَرْض يكون أول مَا يَلِي الشَّمْس مِنْهُ أصفر، هَذَا الضَّبْط رِوَايَة الْقَابِسِيّ، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: بالضاد الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة، وعَلى رِوَايَته هُوَ تَصْغِير: الضبع، على غير قِيَاس، كَأَنَّهُ لما عظم أَبَا قَتَادَة بِأَنَّهُ أَسد صغر خَصمه وَشبهه بالضبع لضعف افتراسه وَمَا يُوصف بِهِ من الْعَجز، وَقَالَ ابْن مَالك: أضيبع، بالضاد الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة تَصْغِير: أضبع ويكنى بِهِ عَن الضَّعِيف. قَوْله: (ويدع) ، أَي: يتْرك وَهُوَ بِالنّصب، وَقَالَ الْكرْمَانِي: ويدع، بِالرَّفْع والجر نَحْو: لَا تَأْكُل السّمك وتشرب اللَّبن.

56 - (بابُ غَزْوةٍ أوْطاسٍ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان غَزْوَة أَوْطَاس، قَالَ عِيَاض: هُوَ وَاد فِي ديار هوَازن وَهُوَ مَوضِع حَرْب حنين، وَهُوَ من وطست الشَّيْء موطساً إِذا كددته وأثرت فِيهِ، والوطيس: نقرة فِي حجر توقد حوله النَّار فيطبخ بِهِ اللَّحْم، والوطيس: التَّنور.

57 - (بابُ غَزْوَةِ الطَّائِفِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان غَزْوَة الطَّائِف، وَهُوَ بلد كَبِير مَشْهُور كثير الأعناب والنخيل على ثَلَاث مراحل أَو اثْنَتَيْنِ من مَكَّة من جِهَة الْمشرق، وأصل تَسْمِيَته بِالطَّائِف أَن هشاماً ذكر أَن رجلا من الصدف يُقَال لَهُ: لدمون بن عبيد بن مَالك قتل ابْن عَم لَهُ يُقَال لَهُ عمر بحضرموت ثمَّ هرب، وَرَأى مَسْعُود بن معتب الثَّقَفِيّ يعرج وَمَعَهُ مَال كثير وَكَانَ تَاجِرًا. فَقَالَ: أحالفكم لتزوجوني، وأزوجكم وأبني عَلَيْكُم طوفاً مثل الْحَائِط لَا يصل إِلَيْكُم أحد من الْعَرَب؟ فَبنى بذلك المَال طوفاً عَلَيْهِم، فَسُمي بِهِ الطَّائِف. وَحكى السُّهيْلي: أَن الْجنَّة الَّتِي ذكرهَا الله تَعَالَى فِي قَوْله: {فَطَافَ عَلَيْهَا طائف من رَبك وهم نائمون} (الْقَلَم: 19) هِيَ: الطَّائِف

(17/302)


اقتلعها جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، من موضعهَا فَأَصْبَحت كالصريم وَهُوَ اللَّيْل، ثمَّ سَار بهَا إِلَى مَكَّة شرفها الله تَعَالَى فَطَافَ بهَا حول الْبَيْت ثمَّ أنزلهَا حَيْثُ الطَّائِف الْيَوْم، فَسمى بهَا وَكَانَت تِلْكَ الْجنَّة بضوران على فَرسَخ من صنعاء وَمن ثمَّ كَانَ المَاء وَالشَّجر بِالطَّائِف دون مَا حوله من الأَرْض وَكَانَت قصَّة هَذِه الْجنَّة بعد عِيسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بِيَسِير.
فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمانٍ قالهُ مُوسى بنُ عُقْبَةَ
أَي: كَانَت غَزْوَة الطَّائِف فِي شَوَّال سنة ثَمَان، قَالَه مُوسَى بن عقبَة بِالْقَافِ صَاحب (الْمَغَازِي) وعَلى قَول الْجُمْهُور من أهل الْمَغَازِي.

4324 - حدَّثنا الحُمَيْديُّ سَمِعَ سُفْيَانَ حدّثنا هِشامٌ عنْ أَبِيه عنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أبي سَلَمَةَ عنْ أُمِّها أُمِّ سَلَمَة رَضِي الله عَنْهَا دَخَلَ عَلَيَّ النّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعِنْدِي مُحَنَّثٌ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ لِعَبْدِ الله بنِ أبي أمَيَّة يَا عَبْدِ الله أرأيْت إنْ فَتَحَ الله عَلَيْكُمُ الطَّائِفَ غَداً فَعَلَيْكَ بابْنةِ غَيْلاَنَ فإنَّها تُقْبِلُ بأرْبَعٍ وتُدْبِرُ بِثَمَانٍ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاَ يَدْخُلَنَّ هاؤُلاَءِ عَلَيْكُنَّ.
وَجه ذكر هَذَا الحَدِيث هُوَ أَن فِيهِ ذكر فتح الطَّائِف، والْحميدِي هُوَ عبد الله بن الزبير نسب إِلَى أحد أجداده، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة بن الزبير، وَزَيْنَب ابْنة أبي سَلمَة عبد الله بن عبد الْأسد المَخْزُومِي وَكَانَ اسْمهَا برة فسماها النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، زَيْنَب، وَاسم أمهَا أم سَلمَة هِنْد بنت أبي أُميَّة المخزومية زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي هَذَا الْإِسْنَاد، لَطِيفَة: هِشَام عَن أَبِيه وهما تابعيان وَزَيْنَب وَأمّهَا وهما صحابيتان.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن مَحْمُود بن غيلَان هُنَا وَفِي النِّكَاح أَيْضا عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة وَفِي اللبَاس عَن أبي غَسَّان مَالك بن إِسْمَاعِيل. وَأخرجه مُسلم فِي الاسْتِئْذَان عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي عشرَة النِّسَاء عَن مُحَمَّد بن آدم وَغَيره. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي النِّكَاح وَفِي الْحُدُود عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.
قَوْله: (مخنث) قَالَ النَّوَوِيّ: بِكَسْر النُّون وَفتحهَا وَالْكَسْر أفْصح وَالْفَتْح أشهر وَهُوَ الَّذِي خلقه خلق النِّسَاء، سمي بِهِ لانكسار كَلَامه وَلينه، يُقَال: خنثت الشَّيْء فتخنث أَي: عطفته فتعطف. قَوْله: (يَا عبد الله) هُوَ أَخُو أم سَلمَة راوية الحَدِيث، وَكَانَ إِسْلَامه مَعَ أبي سُفْيَان بن الْحَارِث فِي غَزْوَة الْفَتْح وَاسْتشْهدَ بِالطَّائِف أَصَابَهُ سهم فَمَاتَ مِنْهُ. قَوْله: (أَرَأَيْت؟) أَي: أَخْبرنِي. قَوْله: (فَعَلَيْك) ، أَي: إلزم ابْنة غيلَان، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالنون وَاسم ابْنَته: بادية ضد الْحَاضِرَة وَقيل: بادنة، بالنُّون بعد الدَّال وَقَالَ أَبُو نعيم: أسلمت وَسَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن الِاسْتِحَاضَة، وَأَبُو غيلَان بن سَلمَة بن معتب بن مَالك بن كَعْب بن عَمْرو بن سعد بن عَوْف بن قيس، وَهُوَ ثقفي أسلم بعد فتح الطَّائِف وَلم يُهَاجر وَهُوَ أحد من قَالَ: {لَوْلَا أنزل هَذَا الْقُرْآن على رجل من القريتين عَظِيم} (الزخرف: 31) وَكَانَ أَبيض طوَالًا جَعدًا فخماً جميلاً، وَلما وَفد على كسْرَى وَاسْتحْسن عقله، قَالَ لَهُ كسْرَى: مَا غذاؤك؟ قَالَ: الْبر. قَالَ كسْرَى: هَذَا الْعقل من الْبر لَا من اللَّبن وَالتَّمْر، وَذكر الْمبرد أَن كسْرَى قَالَ هَذَا لهوزة بن عَليّ، قَالَ السُّهيْلي: وَالصَّحِيح عِنْد الْإِخْبَار بَين أَنه قَالَه لغيلان، وَكَذَا قَالَه أَبُو الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ، وَأم غيلَان سبيعة بنت عبد شمس، وَكَانَ شَاعِرًا محسناً توفّي فِي آخر خلَافَة عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ. قَوْله: (فَإِنَّهَا تقبل بِأَرْبَع وتدبر بثمان) قَالَ: بثمان، وَلم يقل: بِثمَانِيَة، لِأَنَّهُ أَرَادَ الْأَطْرَاف وَهِي مذكرة لِأَنَّهُ لم يذكرهَا، وَكَذَلِكَ بِأَرْبَع وَلم يقل: بأَرْبعَة، لِأَن العكن واحدتها عكنة وَهُوَ من التَّأْنِيث الْمَعْنَوِيّ، يُقَال: أَربع على تَأْنِيث الْعدَد. وَقَالَ الْخطابِيّ، يُرِيد أَربع عُكَن فِي الْبَطن من قدامها، فَإِذا أَقبلت رؤيت موَاضعهَا شاخصة منكسرة الغضون وَأَرَادَ بالثمان أَطْرَاف هَذِه العكن من وَرَائِهَا عِنْد مُنْقَطع الجنبين. قلت: حَاصله أَن السمينة يحصل لَهَا فِي بَطنهَا أَربع عُكَن وَيرى من الوراء لكل عكنة طرفان، وَقَالَ الْخطابِيّ: وَهَذَا إِنَّمَا كَانَ يُؤذن لَهُ على أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَنه من جملَة غير أولى إِلَّا ربة من الرِّجَال فَلم يرَ بَأْسا بِهِ، وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ، إِنَّه قَالَ: تَغْدُو وتدبر بمثان، مَعَ ثغر كالأقحوان إِن قعدت تثنت وَإِن تَكَلَّمت تغنت، بَين رِجْلَيْهَا مثل الْإِنَاء المكفوف، وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسمع، فَقَالَ: لقد غلغلت النّظر إِلَيْهَا يَا عَدو الله، ثمَّ أجلاه عَن الْمَدِينَة إِلَى الْحمى، فَلَمَّا فتح الطَّائِف

(17/303)


تزَوجهَا عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَولدت لَهُ نزيهة. وَلما قبض صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبي أَن يردهُ الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَلما ولي عمر رَضِي الله عَنهُ. قيل لَهُ: إِنَّه قد ضعف وَكبر فَاحْتَاجَ، فَأذن لَهُ أَن يدْخل كل جُمُعَة فَيسْأَل النَّاس وَيرد إِلَى مَكَانَهُ. وَفِي (صَحِيح ابْن حبَان) : عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: دخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهيت ينعَت امْرَأَة من يهود، فَأخْرجهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ بِالْبَيْدَاءِ يدْخل كل جُمُعَة يستطعم. وَفِي (مُسْند سعد بن أبي وَقاص) إِنَّه خطب امْرَأَة بِمَكَّة وَهُوَ مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: لَيْسَ عِنْدِي من يَرَاهَا وَلَا من يُخْبِرنِي عَنْهَا، فَقَالَ: هيت: أَنا أنعتها إِذا أَقبلت أَقبلت بست، وَإِذا أَدْبَرت أَدْبَرت بِأَرْبَع، وَكَانَ يدْخل على سَوْدَة، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا أرَاهُ إلاَّ مُنْكرا فَمَنعه، وَلما قدم الْمَدِينَة نَفَاهُ، وَلأبي دَاوُد من حَدِيث أبي هُرَيْرَة: أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مخنث قد خضب يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ، فَقيل: يَا رَسُول الله هَذَا يتشبه بِالنسَاء، فنفاه إِلَى البقيع فَقيل: أَلا تقتله؟ فَقَالَ: إِنِّي نهيت عَن قتل الْمُصَلِّين.
قَالَ ابْن عُيَيْنَة وَقَالَ ابنُ جُرَيْجٍ المُخَنَّثُ هِيتٌ
أَي: قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَعبد الْملك بن عبد الْعَزِيز ابْن جريج: اسْم المخنث الْمَذْكُور فِي الحَدِيث: بِكَسْر الْهَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخر تَاء مثناة من فَوق، وَقيل: بِفَتْح الْهَاء، وَوجد هَكَذَا بِخَط بعض الْفُضَلَاء الْمُتَقَدِّمين، وَقيل: هنب، بنُون سَاكِنة بعد هَاء مَكْسُورَة، وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة، وَقَالَ ابْن درسْتوَيْه: هَذَا هُوَ الصَّوَاب، وَمَا سواهُ تَصْحِيف. قَالَ: والهنب الأحمق، وَقيل: اسْمه ماتع، بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق ذكره أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ فِي الصَّحَابَة، حَيْثُ قَالَ: هيت ماتع وَهُوَ مولى عبد الله بن أبي أُميَّة الْمَذْكُور مَعَه، وَعند أبي مُوسَى: نفى أَبُو بكر ماتعاً إِلَى فدك وَلَيْسَ بهَا أحد يومئذٍ من الْمُسلمين، وَكَانَ فِي الْمَدِينَة مخنث آخر اسْمه: الْهدم، بِكَسْر الْهَاء وَسُكُون الدَّال وَفِي الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث وَاثِلَة بن الْأَسْقَع: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أخرج الْحر، وَأخرج عمر رَضِي الله عَنهُ، فلَانا وَفُلَانًا، وَكَانَ هَؤُلَاءِ على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ فيهم لين فِي القَوْل وخضاب فِي الْأَيْدِي والأرجل وَلَا يرْمونَ بِفَاحِشَة، وَرُبمَا لعب بَعضهم بالكرج وَفِي مَرَاسِيل أبي دَاوُد أَن عمر رَضِي الله عَنهُ، رأى لاعباً بالكرج فَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي رَأَيْت هَذَا يلْعَب بِهِ على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لنفيتك من الْمَدِينَة. قلت: الكرج، بِضَم الْكَاف وَتَشْديد الرَّاء الْمَفْتُوحَة وَفِي آخِره جِيم مُعرب: كرة.

4325 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدّثنا سُفْيانُ عنْ عَمْروٍ عنْ أبي العَبَّاسِ الشَّاعِرِ الأعْمَى عنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْروٍ قَالَ لما حاصَرَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الطَّائِفَ فَلَمْ يَنَلْ مِنْهُمْ شَيْئاً قَالَ إنَّا قافِلُونَ إنْ شاءَ الله فَثَقُلَ عَلَيْهِمْ وقالُوا نَذْهَبُ وَلَا نَفْتَحُهُ وَقَالَ مَرَّةً فَقَالَ اغْدُوا عَلَى الْقِتَالِ فَغَدَوْا فأصابَهُمْ جِرَاحٌ فَقَالَ إنَّا قافِلُونَ غَداً إنْ شاءَ الله فأعْجَبَهُمْ فَضَحِكَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ سُفْيانُ مرَّةً فَتَبَسَّمَ قَالَ قَالَ الحمَيْدِيُّ حَدثنَا سُفْيانُ الخَبَرَ كُلَّهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار، وَأَبُو الْعَبَّاس الشَّاعِر اسْمه السَّائِب بن فروخ الْمَكِّيّ الْأَعْمَى، وَعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، هَكَذَا وَقع عَمْرو، بِالْوَاو وَفِي رِوَايَة الْكشميهني والنسفي والأصيلي وقرىء على ابْني زيد الْمروزِي فَرده بِضَم الْعين الْمُهْملَة، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: الصَّوَاب عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ، وَكَذَلِكَ عِنْد ابْن الْمَدِينِيّ والْحميدِي وَغَيرهمَا، من حفاظ أَصْحَاب ابْن عُيَيْنَة عبد الله بن الْخطاب، وَقد بَالغ الْحميدِي فِي (مُسْنده) فِي رِوَايَته عَن ابْن عُيَيْنَة فِي الحَدِيث عبد الله بن عمر بن الْخطاب، وَكَذَلِكَ أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي (الدَّلَائِل) عَن عبد الله بن عمر بن الْخطاب وَأخرجه بن أبي شيبَة عَن ابْن عُيَيْنَة، فَقَالَ عبد الله بن عَمْرو يَعْنِي: بِالْوَاو وَكَذَا رَوَاهُ عَنهُ مُسلم، وَكَذَا روى عَن يحيى بن معِين، وَهَذَا كَمَا رَأَيْت فِيهِ اخْتِلَاف شَدِيد، وَلَكِن غير ضار.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الأدي عَن قُتَيْبَة. وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَغَيره، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْمَوْضِعَيْنِ من السّير عَن عبد الْجَبَّار بن الْعَلَاء.
قَوْله:

(17/304)


(لما حاصر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الطَّائِف) كَانَت مُدَّة المحاصرة ثَمَانِيَة عشر يَوْمًا، ذكره ابْن سعد، وَيُقَال: خَمْسَة عشر يَوْمًا، وَقَالَ ابْن هِشَام: سَبْعَة عشر يَوْمًا، وَعَن مَكْحُول: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نصب المنجنيق على أهل الطَّائِف أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَفِي (الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ) لأبي نعيم الْحداد حِصَار الطَّائِف كَانَ أَرْبَعِينَ لَيْلَة، وروى يُونُس عَن ابْن إِسْحَاق: ثَلَاثِينَ لَيْلَة أَو قَرِيبا من ذَلِك، وَفِي (السّير) لِسُلَيْمَان بن طرخانٍ أبي الْمُعْتَمِر: حَاصَرَهُمْ شهرا. وَعند الزُّهْرِيّ وَابْن حبَان: بضع عشرَة لَيْلَة، وَصَححهُ ابْن حزم، وَعَن الرّبيع بن سَالم: عشْرين يَوْمًا. قَوْله: (إِنَّا قافلون) أَي: رَاجِعُون إِلَى الْمَدِينَة قَوْله: (فثقل عَلَيْهِم) ، يَعْنِي: قَوْله: (إِنَّا قافلون) ، وَبَين سَبَب ذَلِك بقَوْلهمْ: نَذْهَب وَلَا نفتحه؟ فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أغدو على الْقِتَال) ، يَعْنِي يرَوا أول النَّهَار لأجل الْقِتَال. قَوْله: (فَأَصَابَهُمْ جراح) ، أَي: من السِّهَام وَالْحِجَارَة وسكك الْحَدِيد المحماة. قَوْله: (فَأَعْجَبَهُمْ) أَي: قَوْله: (إِنَّا قافلون غَدا، إِن شَاءَ الله) ، لأَنهم كَانُوا تألموا مِنْهُم، فَلَمَّا سمعُوا من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، القفول فرحوا، فَلذَلِك ضحك صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (وَقَالَ سُفْيَان) ، أَي: ابْن عُيَيْنَة الرَّاوِي (مرّة: فَتَبَسَّمَ) وَهَذَا ترديد مِنْهُ. قَوْله: (قَالَ الْحميدِي حَدثنَا سُفْيَان الْخَبَر كُله) ، بِالنّصب أَي: أخبرنَا سُفْيَان بِجَمِيعِ الحَدِيث بِلَفْظ: أخبرنَا وَأَخْبرنِي لَا بِغَيْرِهِ مثل العنعنة، وَوَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني: بالْخبر كُله.

4327 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا غُنْدَرٌ حَدثنَا شُعْبَةُ عنْ عاصِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عُثْمانَ قَالَ سَمِعْتُ سَعْداً وهْوَ أوَّلُ مَنْ رَمى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ الله وَأَبا بَكْرَةَ وكانَ تَسَوَّرَ حِصْنَ الطَّائفِ فِي أُناسٍ فَجاء إلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَا سَمِعْنا النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقُولُ مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أبِيهِ وهْوَ يَعْلَمُ فالجَنَّةُ عليهِ حَرَامٌ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَكَانَ) أَي: أَبُو بكرَة (تسور حصن الطَّائِفَة) وَلم يَقع هَذَا إلاَّ فِي وَقت حِصَار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وغندر قد مر غير مرّة وَهُوَ مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَعَاصِم هُوَ ابْن سُلَيْمَان، وَأَبُو عُثْمَان هُوَ عبد الرَّحْمَن النَّهْدِيّ، بالنُّون، وَسعد هُوَ ابْن أبي وَقاص أحد الْعشْرَة المبشرة، وَأَبُو بكرَة اسْمه نفيع، بِضَم النُّون وَفتح الْفَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره عين مُهْملَة: ابْن مسروح، وَيُقَال: نفيع بن كلدة، وَكَانَ من عبيد الْحَارِث بن كلدة بن عَمْرو الثَّقَفِيّ غلبت عَلَيْهِ كنيته، وَاسم أمه سميَّة أمة لِلْحَارِثِ بن كلدة، وَهِي أم زِيَاد بن أبي سُفْيَان، وتدلى أَبُو بكرَة من حصن الطَّائِف ببكرة وَنزل إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فكناه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَبَا بكرَة، وَسكن الْبَصْرَة وَمَات بهَا فِي سنة إِحْدَى وَخمسين، وَكَانَ مِمَّن اعتزل يَوْم الْجمل لم يُقَاتل مَعَ وَاحِد من الْفَرِيقَيْنِ، وَكَانَ من فضلاء الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
قَوْله: (وَكَانَ تسور حصن الطَّائِف) لِأَنَّهُ أسلم وَهُوَ فِي الْحصن وَعجز عَن الْخُرُوج مِنْهُ إلاّ بِهَذَا الطَّرِيق، وتسور الْحَائِط أَي: تسلقه. قَوْله: (فِي أنَاس) ، يَعْنِي من عبيد أهل الطَّائِف، وَذكر فِي الطَّبَقَات بضعَة عشر رجلا مِنْهُم: المنبعث عبد عُثْمَان بن عَامر بن معتب، وَكَانَ اسْمه المضطجع، فبدل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْمه، وَمِنْهُم: الْأَزْرَق عبد الْحَارِث بن كلدة المتطبب وَزوج سميَّة مولاة الْحَارِث وَأم زِيَاد، ثمَّ حَالف بني أُميَّة لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَفعه إِلَى خَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ ليعلمه الْإِسْلَام، وَمِنْهُم: وردان كَانَ لعبد الله بن ربيعَة وَهُوَ جد الْفُرَات بن زيد بن وردان، وَمِنْهُم: يحنس النبال كَانَ لِابْنِ مَالك الثَّقَفِيّ، وَمِنْهُم: إِبْرَاهِيم بن جَابر كَانَ لخرشة الثَّقَفِيّ، وَمِنْهُم: بشار كَانَ لعُثْمَان بن عبد الله، وَمِنْهُم: نَافِع مولى الْحَارِث بن كلدة، وَمِنْهُم: نَافِع مولى غيلَان بن سَلمَة الثَّقَفِيّ، وَهَؤُلَاء الَّذين وجدنَا أساميهم لَيْسَ إلاَّ وَجعل سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَاء هَؤُلَاءِ العبيد لساداتهم حِين أَسْلمُوا. قَوْله: (من ادّعى إِلَى غير أَبِيه) ، أَي: من انتسب إِلَى غير أَبِيه (فالجنة عَلَيْهِ حرَام) إِمَّا على سَبِيل التَّغْلِيظ، وَإِمَّا أَنه إِذا اسْتحلَّ ذَلِك.
وَقَالَ هِشَامٌ وأخبرَنا مَعْمَرٌ عنْ عاصِمِ عنْ أبي العالِيَةِ أوْ أبي عُثْمانَ النَّهْدِيِّ قَالَ سَمِعْتُ سعْداً وَأَبا بكرَةَ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ عاصِمٌ قُلْتُ لَقَدْ شَهِدَ عِنْدَكَ رَجُلاَنِ

(17/305)


حسْبُكَ بِهِما قَالَ أجَلْ أمَّا أحَدُهُما فأوَّلُ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبيلِ الله وأمّا الآخَرُ فنزَلَ إِلَيّ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثالِثَ ثَلاَثَةٍ وعِشْرِينَ مِنَ الطَّائِفِ.
هِشَام هُوَ ابْن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ، وَعَاصِم قد مر الْآن، وَأَبُو الْعَالِيَة رفيع مصغر رفع ضد الْخَفْض ابْن مهْرَان الريَاحي الْبَصْرِيّ، أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَأسلم بعد موت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسنتَيْنِ.
قَوْله: (أَو أبي عُثْمَان) ، شكّ من الرَّاوِي، وَهُوَ مر عَن قريب. قَوْله: (عنْدك) ، خطاب لأبي الْعَالِيَة أَو لأبي عُثْمَان، وَالَّذِي يُخَاطب هُوَ عَاصِم. قَوْله: (رجلَانِ) ، أَرَادَ بهما سَعْدا وَأَبا بكرَة. قَوْله: (حَسبك بهما) ، أَي: كافيك بِهَذَيْنِ الْإِثْنَيْنِ فِي الشَّهَادَة. قَوْله: (وَأما الآخر) فَهُوَ: أَبُو بكرَة. قَوْله: (ثَالِث ثَلَاثَة وَعشْرين من الطَّائِفَة) . أَرَادَ أَن الَّذين نزلُوا من أهل الطَّائِف راغبين فِي الْإِسْلَام ثَلَاثَة وَعِشْرُونَ، وَأَبُو بكرَة مِنْهُم. وَأَرَادَ البُخَارِيّ بِهَذِهِ الرِّوَايَة بَيَان عدد من أبهم فِي الرِّوَايَة السَّابِقَة لِأَنَّهُ قَالَ فِيهَا: فِي أنَاس، وَهُوَ مُبْهَم من حَيْثُ الْعدَد، وَبَينه فِي هَذِه الرِّوَايَة فَإِن قلت: قد زعم مُوسَى بن عقبَة فِي مغازيه أَنه لم ينزل من سور الطَّائِف غير أبي بكرَة، وَتَبعهُ الْحَاكِم فِي ذَلِك (قلت الَّذِي فِي الصَّحِيح) يرد عَلَيْهِ، ووفق بَعضهم بَين الْقَوْلَيْنِ بِأَن أَبَا بكرَة نزل وَحده أَولا ثمَّ نزل الْبَاقُونَ بعد، وَالله أعلم.

4328 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ العَلاَءِ حدَّثنا أبُو أُسامَةَ عنْ بُرَيْدِ بن عبْدِ الله عنْ أبي بُرْدَةَ عنْ أبي مُوسَى رَضِي الله عَنهُ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهْوَ نازِلٌ بالجِعْرَانَةِ بَيْنَ مَكَّةَ والمَدِينَةِ ومَعَهُ بلالٌ فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْرَابِيٌّ فَقال أَلا تُنْجِزُ لي مَا وَعَدْتَني فَقَالَ لهُ أبْشرْ فَقال قدْ أكْثَرْتَ عليَّ منْ أبْشِرْ فأقْبَلَ عَلَى أبي مُوساى وبِلاَل كَهَيْئَةِ الغَضْبانِ فَقال رَدَّ البُشْرَى فاقْبَلاَ أنْتُما قَالَا قبِلنا ثُمَّ دَعا بِقَدَحٍ فِيهِ ماءٌ فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ فِيهِ ومَجَّ فِيهِ ثُمَّ قَالَ اشْرَبا منْهُ وأفْرِغا عَلَى وُجُوهِكُما وَنُحُورِكُما وأبْشِرَا فأخَذَا القَدَحَ فَفَعَلاَ فَنَادَتْ أُمُّ سَلَمَةَ مِنْ ورَاءِ السِّتْرِ أنْ أفْضِلاَ لأُمِّكُما فأفْضَلاَ لَهَا مِنْه طائِفَةَ. (انْظُر الحَدِيث 188 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهُ من متعلقات غَزْوَة حنين. وَأَبُو أُسَامَة هُوَ حَمَّاد بن أُسَامَة، وبريد وَأَبُو بردة كِلَاهُمَا بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة، وبريد بن عبد الله يروي عَن جده أبي بردة عَامر عَن أبي مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ.
وَهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه قد مضى بِبَعْض الحَدِيث فِي الطَّهَارَة فِي: بَاب الْوضُوء وَالْغسْل فِي المخضب والقدح. وَأخرجه مُسلم فِي فَضَائِل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (بالجعرانة) ، بِكَسْر الْجِيم، سُكُون الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الرَّاء وَقد تكسر الْعين وتشدد الرَّاء، وَقد مضى تَفْسِيره غير مرّة. قَوْله: (بَين مَكَّة وَالْمَدينَة) ، قَالَ عِيَاض: هِيَ بَين الطَّائِف وَمَكَّة وَإِلَى مَكَّة أقرب، وَقَالَ الْفَاكِهَانِيّ: بَينهَا وَبَين مَكَّة بريد، وَقَالَ الْبَاجِيّ: ثَمَانِيَة عشر ميلًا وَقد أنكر الدَّاودِيّ قَوْله: إِن الْجِعِرَّانَة بَين مَكَّة وَالْمَدينَة، وَقَالَ: إِنَّمَا هِيَ بَين مَكَّة والطائف، وَبِه جزم النَّوَوِيّ. قَوْله: (ألاَ تنجز لي؟) : أَي: أَلا توفّي لي مَا وَعَدتنِي؟ وَهَذَا الْوَعْد الَّذِي ذكره يحْتَمل أَن يكون وَعدا خَاصّا لهَذَا الْأَعرَابِي، وَيحْتَمل أَن يكون من الْوَعْد الْعَام الَّذِي وعد أَن يقسم غَنَائِم حنين بالجعرانة بعد رُجُوعه من الطَّائِف، وَكَانَ طلبه التَّعْجِيل بِنَصِيبِهِ مِنْهَا. قَوْله: (أبشر) ، بِهَمْزَة قطع يَعْنِي: أبشر أَيهَا الْأَعرَابِي بِقرب الْقِسْمَة أَو الثَّوَاب الجزيل على الصَّبْر. قَوْله: (فنادت أم سَلمَة) ، وَهِي زرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أم الْمُؤمنِينَ، فَلهَذَا قَالَت: (لأمكما) قَوْله: (فأفضلا) ، من الإفضال. قَوْله: (طَائِفَة) ، أَي: بَقِيَّة.

329 - (حَدثنَا يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا إِسْمَاعِيل حَدثنَا ابْن جريج قَالَ أَخْبرنِي عَطاء أَن صَفْوَان بن يعلى بن أُميَّة أخبرهُ أَن يعلى كَانَ يَقُول لَيْتَني أرى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -

(17/306)


حِين ينزل عَلَيْهِ قَالَ فَبينا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالجعرانة وَعَلِيهِ ثوب قد أظل بِهِ مَعَه فِيهِ نَاس من أَصْحَابه إِذْ جَاءَهُ أَعْرَابِي عَلَيْهِ جُبَّة متضمخ بِطيب فَقَالَ يَا رَسُول الله كَيفَ ترى فِي رجل أحرم بِعُمْرَة فِي جُبَّة بعد مَا تضمخ بالطيب فَأَشَارَ عمر إِلَى يعلى بِيَدِهِ أَن تعال فجَاء يعلى فَأدْخل رَأسه فَإِذا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - محمر الْوَجْه يغط كَذَلِك سَاعَة ثمَّ سري عَنهُ فَقَالَ أَيْن الَّذين يسألني عَن الْعمرَة آنِفا فالتمس الرجل فَأتي بِهِ فَقَالَ أما الطّيب الَّذِي بك فاغسله ثَلَاث مَرَّات وَأما الْجُبَّة فانزعها ثمَّ اصْنَع فِي عمرتك كَمَا تصنع فِي حجك) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " بالجعرانة " وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم الْمَعْرُوف بِابْن علية وَابْن جريج عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج الْمَكِّيّ وَعَطَاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح ويعلى بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة ابْن أُميَّة وَيُقَال منية وَهِي أمه أُخْت عتبَة بن غَزوَان وَأَبوهُ أَيْضا أُميَّة بن أبي عُبَيْدَة بن همام بن الْحَارِث قَالَ أَبُو عمر ينْسب حينا إِلَى أمه وحينا إِلَى أَبِيه قتل بصفين مَعَ عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ بعد أَن كَانَ مَعَ عَائِشَة فِي وقْعَة الْجمل روى هَذَا الحَدِيث عَنهُ ابْنه صَفْوَان وروى عَنهُ عَطاء فِي مَوَاضِع والْحَدِيث مضى فِي أَوَائِل الْحَج فِي بَاب غسل الخلوق وَأَيْضًا مضى فِي بَاب يفعل فِي الْعمرَة مَا يفعل فِي الْحَج فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي نعيم عَن همام عَن عَطاء قَوْله " حِين ينزل عَلَيْهِ " أَي الْوَحْي قَوْله " متضمخ " بِالرَّفْع صفة أَعْرَابِي بعد صفة أَو هُوَ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي هُوَ متضمخ أَي متلطخ قَوْله " يغط " يُقَال غط أَي هدر فِي الشقشقة وغطيط النَّائِم غَيره قَوْله " ثمَّ سرى عَنهُ " أَي انْكَشَفَ وَقد مر شَرحه مُسْتَوفى فِي بَاب غسل الخلوق -
4330 - حدَّثنا مُوساى بنُ إسْماعِيلَ حَدثنَا وُهَيْبٌ حَدثنَا عَمْرُو بنُ يَحْيَى عنْ عَبَّادِ بنِ تَمِيمٍ عنْ عَبْدِ الله بن زَيْدٍ بنِ عاصِمٍ قَالَ لمَّا أفاءَ الله عَلَى رسولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ قَسَمَ فِي النَّاسِ فِي المُؤَلَّفَةِ قُلُوبِهُمْ ولَمْ يُعْطِ الأنْصارَ شَيْئاً فَكأنَّهُمْ وجَدُوا إذْ لَمْ يُصِبْهُمْ مَا أصابَ النَّاسَ فَخَطَبَهُمْ فَقال يَا معْشَرَ الأنْصارِ ألَمْ أجِدْكُمْ ضُلاَّلاً فَهَدَاكُم الله بِي وكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فألَّفَكُمْ الله بِي وعالَةً فأغْناكُمُ الله بِي كُلَّما قَالَ شَيْئاً قالُوا الله ورَسولُهُ أمَنُّ قَالَ مَا يمنعكم أَن تجيبوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كلما قَالَ شَيْئا قَالُوا الله وَرَسُوله أَمن قَالَ لَوْ شئْتُمْ قُلْتُمْ جِئْتَنا كَذَا وكَذَا أتَرْضَوْن أنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بالشَّاةِ والبَعِيرِ وتَذْهَبُونَ بالنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلَى رِحَالِكُمْ لَوْلاَ الهِجْرَةُ لكُنْتُ امْرَءاً منَ الأنْصارِ ولَوْ سَلَكَ النَّاسُ وادِياً أَو شِعْباً لَسَلَكْتُ وادِيَ الأنْصارِ وشِعْبَها: الأنْصارُ شِعارٌ والنَّاسُ دِثَارٌ إنَّكُمْ ستَلْقَونَ بعْدِي أثْرَةً فاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْني عَلَى الحَوْضِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (يَوْم حنين) ووهيب مصغر وهب ابْن خَالِد الْبَصْرِيّ، وَعَمْرو بن يحيى بن عمَارَة الْأنْصَارِيّ الْمدنِي، وَعباد، بتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن تَمِيم بن زيد بن عَاصِم الْأنْصَارِيّ الْمَازِني، سمع عَمه عبد الله بن زيد بن عَاصِم بن كَعْب بن عَمْرو الْأنْصَارِيّ الْمَازِني الْمدنِي، لَهُ ولأبويه ولأخيه حبيب صُحْبَة، وَهُوَ الَّذِي حكى وضوء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَأخرج البُخَارِيّ فِي التَّمَنِّي بعض هَذَا الحَدِيث. وَأخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن شُرَيْح بن يُونُس.
قَوْله: (لما أَفَاء الله على رَسُوله) أَي: لما أعطَاهُ غَنَائِم الَّذين قَاتلهم يَوْم حنين، وأصل الْفَيْء الرُّجُوع، وَمِنْه سمى الظل بعد الزَّوَال فَيْئا لِأَنَّهُ يرجع من جَانب إِلَى جَانب، وَمِنْه سميت أَمْوَال الْكفَّار فَيْئا لِأَنَّهَا كَانَت فِي الأَصْل للْمُؤْمِنين، لِأَن الْإِيمَان هُوَ أصل وَالْكفْر طَار عَلَيْهِ، وَلَكنهُمْ غلبوا عَلَيْهَا

(17/307)


بِالتَّعَدِّي فَإِذا غنمها الْمُسلمُونَ فَكَأَنَّهَا رجعت إِلَيْهِم. قَوْله: (قسم) ، مَفْعُوله مَحْذُوف أَي: قسم الْغَنَائِم فِي النَّاس. قَوْله: (فِي الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم) بدل: الْبَعْض من الْكل، وَالْمرَاد بالمؤلفة قُلُوبهم هُنَا نَاس حديثو الْعَهْد بِالْإِسْلَامِ أَعْطَاهُم تأليفاً لقُلُوبِهِمْ، وسرد أَصْحَاب السّير أَسْمَاءَهُم مَا ينيف على الْأَرْبَعين، مِنْهُم: أَبُو سُفْيَان وابناه مُعَاوِيَة وَيزِيد. قَوْله: (وجدوا) أَي: حزنوا، يُقَال: وجد فِي الْحزن وجدا، بِفَتْح الْوَاو، وَوجد فِي المَال وُجداً بِالضَّمِّ ووَجداً بِالْفَتْح ووِجداً بِالْكَسْرِ وَجدّة أَي: اسْتغنى، ووجده مَطْلُوبه يجده وجودا، وَوجد ضالته وجداناً، وَوجد عَلَيْهِ فِي الْغَضَب موجدة ووجداناً أَيْضا، حَكَاهَا بَعضهم، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر، فكأنهم وجدٌ بِضَمَّتَيْنِ جمع: الْوَاجِد، ويروى بِضَم الْوَاو وَسُكُون الْجِيم، وَحَاصِل رِوَايَة أبي ذَر: فكأنهم وجد إِذْ لم يصبهم مَا أصَاب النَّاس، أَو كَأَنَّهُمْ وجدوا إِذْ لم يصبهم مَا أصَاب النَّاس، أوردهُ على الشَّك والتكرار، وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: مَا فَائِدَة التّكْرَار؟ قلت: إِذا كَانَ الأول إسماً وَالثَّانِي فعلا فَهُوَ ظَاهر، أَو أَحدهمَا من الْحزن وَالثَّانِي من الْغَضَب، أَو هُوَ شكّ من الرَّاوِي، وَوَقع للكشميهني وَحده: وجدوا فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَكَذَا وَقع فِي أصل النَّسَفِيّ، وَفِي رِوَايَة مُسلم، وَقَالَ عِيَاض: وَقع فِي نُسْخَة من الثَّانِي إِن لم يصبهم، يَعْنِي بِفَتْح الْهمزَة وبالنون قَالَ: وعَلى هَذَا تظهر فَائِدَة التّكْرَار. قَوْله: (فخطبهم) زَاد مُسلم: فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ قَوْله: (ضلالا) بِضَم الضَّاد وَتَشْديد اللَّام جمع ضال. وَالْمرَاد هُنَا: ضَلَالَة الشّرك وبالهداية الْإِيمَان. قَوْله: (وَعَالَة) جمع العائل وَهُوَ الْفَقِير. قَوْله: (كلما قَالَ شَيْئا أَي:) كلما قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من ذَلِك شَيْئا، قَالُوا: (أَي الْأَنْصَار. قَوْله: (الله وَرَسُوله وَرَسُوله أَمن) بِفَتْح الْهمزَة وَالْمِيم وَتَشْديد النُّون، وَهُوَ أفعل التَّفْضِيل من: الْمَنّ، ويوضحه حَدِيث أبي سعيد. فَقَالُوا: مَاذَا نجيبك يَا رَسُول الله؟ لله وَلِرَسُولِهِ الْمَنّ وَالْفضل. قَوْله: (قَالَ: كلما قَالَ شَيْئا) فِي الْمرة الثَّانِيَة تكْرَار من الرَّاوِي للْأولِ. قَوْله: (قَالَ: لَو شِئْتُم) أَي: قَالَ رَسُول الله: لَو شِئْتُم (قُلْتُمْ جئتنا) ، بِفَتْح التَّاء للخطاب، قَوْله: (كَذَا وَكَذَا) ، كِنَايَة عَمَّا يُقَال: جئتنا مُكَذبا فَصَدَّقْنَاك، ومخذولاً فَنَصَرْنَاك، وطريداً فَآوَيْنَاك، وعائلاً فوا سيناك، وَصرح بذلك فِي حَدِيث أبي سعيد، وروى أَحْمد من حَدِيث ابْن أبي عدي عَن حميد عَن أنس بِلَفْظ: أَفلا تَقولُونَ: جئتنا خَائفًا فآمناك، وطريداً فَآوَيْنَاك، ومخذولاً فَنَصَرْنَاك؟ قَالُوا: بل الْمَنّ علينا لله وَلِرَسُولِهِ، انْتهى وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تواضعاً مِنْهُ وإنصافاً، وإلاَّ فَفِي الْحَقِيقَة الْحجَّة الْبَالِغَة والْمنَّة الظَّاهِرَة فِي جَمِيع ذَلِك لَهُ عَلَيْهِم، فَإِنَّهُ لَوْلَا هجرته إِلَيْهِم وسكناه عِنْدهم لما كَانَ بنيهم وَبَين غَيرهم فرق، نبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على ذَلِك بقوله: (أَتَرْضَوْنَ) الخ ويروى: أَلا ترْضونَ؟ فَفِيهِ تَنْبِيه لَهُم على مَا غفلوا عَنهُ من عَظِيم مَا اختصوا بِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا اخْتصَّ بِهِ غَيرهم من عرض الدُّنْيَا الفانية. قَوْله: (بِالشَّاة وَالْبَعِير) ، كل مِنْهُمَا إسم جنس، فالشاة تقع على الذّكر وَالْأُنْثَى وَالْبَعِير على الْجمل والناقة، وَفِي رِوَايَة الزُّهْرِيّ: أَتَرْضَوْنَ أَن يذهب النَّاس بالأموال؟ وَفِي رِوَايَة أبي التياح: بالدنيا؟ قَوْله: (إِلَى رحالكُمْ) أَي: إِلَى بُيُوتكُمْ ومنازلكم، وَهُوَ جمع رَحل بِالْحَاء الْمُهْملَة. قَوْله: (لَوْلَا الْهِجْرَة) أَي: لَوْلَا وجود الْهِجْرَة. قَالَ الْخطابِيّ: أَرَادَ بِهَذَا الْكَلَام تألف الْأَنْصَار وتطيب قُلُوبهم وَالثنَاء عَلَيْهِم فِي دينهم حَتَّى رَضِي أَن يكون وَاحِدًا مِنْهُم لَوْلَا مَا يمنعهُ من الْهِجْرَة لَا يجوز تبديلها، وَنسبَة الْإِنْسَان على وُجُوه الولادية: كالقرشية، والبلادية كالكوفية، والإعتقادية: كالسنية، والصناعية: كالصيرفية، وَلَا شكّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يرد بِهِ الِانْتِقَال عَن نسب آبَائِهِ إِذْ ذَاك مُمْتَنع قطعا، وَكَيف وَأَنه أفضل مِنْهُم نسبا وَأكْرمهمْ أصلا؟ وَأما الاعتقادي فَلَا مَوضِع فِيهِ للانتقال إِذا كَانَ دينه وَدينهمْ وَاحِدًا فَلم يبْق إلاَّ القسمان الأخيران الْجَنَائِز فيهمَا الِانْتِقَال، وَكَانَت الْمَدِينَة دَارا للْأَنْصَار وَالْهجْرَة إِلَيْهَا أمرا وَاجِبا، أَي: لَوْلَا أَن النِّسْبَة الهجرية لَا يسعني تَركهَا لانتقلت عَن هَذَا الإسم إِلَيْكُم ولانتسبت إِلَى داركم. قَالَ الْخطابِيّ: وَفِيه وَجه آخر، وَهُوَ أَن الْعَرَب كَانَت تعظم شَأْن الخؤولة وتكاد تلحقها بالعمومة وَكَانَت أم عبد الْمطلب امْرَأَة من بني النجار، فقد يكون صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ذهب هَذَا الْمَذْهَب إِن كَانَ أَرَادَ نِسْبَة الْولادَة. قَوْله: (وَلَو سلك النَّاس وَاديا أَو شعبًا) . بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَهُوَ إسم لما انفرج بَين جبلين، وَقيل: الطَّرِيق فِي الْجَبَل، وَقَالَ الْخطابِيّ: لما كَانَت الْعَادة أَن الْمَرْء يكون فِي نُزُوله وارتحاله مَعَ قومه، وَأَرْض الْحجاز كَثِيرَة الأودية والشعاب، فَإِذا تَفَرَّقت فِي السّفر الطّرق سلك كل قوم مِنْهُم وَاديا وشعباً، فَأَرَادَ أَنه مَعَ الْأَنْصَار. قَالَ: وَيحْتَمل أَن يُرِيد بالوادي الْمَذْهَب، كَمَا يُقَال: فلَان فِي وادٍ وَأَنا فِي وادٍ. قَوْله: (شعار) بِكَسْر الشَّيْخ الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة الْخَفِيفَة، وَهُوَ الثَّوْب الَّذِي يَلِي الْجلد من الْجَسَد و (الدثار) ، وبكسر

(17/308)


الدَّال الْمُهْملَة وبالثاء الْمُثَلَّثَة الْخَفِيفَة، وَهُوَ الَّذِي فَوق الشعار، وَهُوَ كِنَايَة عَن فرط قربهم مِنْهُ، وَأَرَادَ أَنهم بطانته وخاصته وَأَنَّهُمْ ألصق بِهِ وَأقرب إِلَيْهِ من غَيرهم، قَوْله: (آثرة) بِضَم الْهمزَة وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة وبفتحتين، وَهُوَ إسم من آثر يُؤثر إيثاراً إِذا أعْطى. قَالَ ابْن الْأَثِير: أَرَادَ أَنه يُؤثر عَلَيْكُم فيفضل غَيْركُمْ من نصِيبه من الْفَيْء، ويروى إثرة، بِكَسْر أَوله مَعَ الإسكان أَي: الِانْفِرَاد بالشَّيْء الْمُشْتَرك دون من يُشَارِكهُ فِيهِ. قَوْله: (على الْحَوْض) ، أَي: يَوْم الْقِيَامَة، وَفِي رِوَايَة الزُّهْرِيّ: حَتَّى تلقوا الله وَرَسُوله فَإِنِّي على الْحَوْض، أَي: اصْبِرُوا حَتَّى تَمُوتُوا فَإِنَّكُم ستجدوني عِنْد الْحَوْض، فَيحصل لكم الانتصاف مِمَّن ظلمكم، وَالثَّوَاب الجزيل على الصَّبْر.

4331 - حدَّثني عبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حَدثنَا هِشَامٌ أخبرَنا مَعْمَرٌ عَن الزُّهْرِيِّ قَالَ أخبرَني أنسُ بنُ مالِكٍ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ ناسٌ مِنَ الأنْصارِ حِينَ أفاءَ الله عَلَى رسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أفاءَ منْ أمْوَالِ هَوازنَ فَطَفِقَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُعْطي رِجالاً المائَةَ منَ الإِبِلِ فَقالُوا يَغْفِرُ الله لرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُعْطي قُرَيْشاً وَيَتْرُكُنا وسُيُوفُنا تَقْطُرُ مِنْ دِمائِهِمْ قَالَ أنَسٌ فَحدِّثَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَقالَتِهِمْ فأرْسَلَ إِلَى الأنْصارِ فَجَمَعَهُمْ فِي قُبةٍ مِنْ أدَمٍ ولَمْ يَدْعُ مَعَهُمْ غَيْرَهُمْ فَلَمَّا اجْتَمَعُوا قامَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ فَقَالَ فُقَهَاءُ الأنصارِ أمَّا رُؤَساؤُنا يَا رسُولَ الله فَلَمْ يَقُولُوا شَيْئاً وأمَّا ناسٌ مِنَّا حدِيثَةٌ أسْنانُهُمْ فَقَالُوا يَغْفِرُ الله لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُعْطى قُرَيْشاً ويَتْرُكُنا وسُيُوفُنا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فإِنِّي أُعْطِي رِجالاً حدِيثي عَهْدٍ بِكُفْرٍ أتألَّفُهُمْ أما تَرْضَوْنَ أنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بالأمْوَالِ وتَذْهَبُونَ بالنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلَى رِحالِكُمْ فَوَالله لَمَا تَنْقَلِبُونَ بِهِ خَيْرٌ مِمَّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ قالُوا يَا رسُولَ الله قَدْ رَضِينا فَقَالَ لَهُمُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَتَجدُونَ أُثْرَةً شَدِيدَةً فاصبِرُوا حَتَّى تَلْقُوا الله ورسُولَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإنِّي عَلَى الحَوْض قَالَ أنسٌ فَلَمْ يَصْبِرُوا. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (من أَمْوَال هوَازن) . وَهِشَام هُوَ ابْن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ.
قَوْله: (فَطَفِقَ) ، من أَفعَال المقاربة، من الْأَفْعَال الَّتِي وضعت للدلالة على الشُّرُوع فِيهِ، وَخَبره يكون جملَة وَهُوَ هُنَا، قَوْله: (يُعْطي) . قَوْله: (الْمِائَة) ، مَنْصُوب بقوله: (يُعْطي) . قَوْله: (وسيوفنا تقطر) من بَاب الْقلب. قَوْله: (فَحدث) ، على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: أخبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمقالتهم، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ: إِن الَّذِي أخبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمقالتهم سعد بن عبَادَة. قَوْله: (من آدم) ، بِفتْحَتَيْنِ جمع أَدِيم، وَهُوَ الْجلد الَّذِي تمّ دباغه، وَقَالَ السيرافي: لم يجمع فعيل على فعل إلاَّ أَدِيم وأدم، وأفيق وَافق، وقضيم وقضم، والقضم الصَّحِيفَة وَهُوَ بِالْقَافِ وَالضَّاد الْمُعْجَمَة. قَوْله: (غَيرهم) أَي: غير الْأَنْصَار قَوْله: (قَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، أَي: قَامَ خَطِيبًا. قَوْله: (رؤساؤنا) ، جمع الرئيس ويروى: ريسانا، بِكَسْر الرَّاء بعْدهَا الْيَاء آخر الْحُرُوف. قَوْله: (حَدِيثي عهد) أَصله: حديثين. عهد فَلَمَّا أضيف إِلَى الْعَهْد سَقَطت النُّون. قَوْله: (لما تنقلبون) ، أَي: للَّذي تنقلبون بِهِ، وَهُوَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير مِمَّا يَنْقَلِب هَؤُلَاءِ بالأموال، وَاللَّام فِي: لما، بِالْفَتْح لِأَنَّهُ كَلَام التَّأْكِيد، وَكلمَة: مَا، مَوْصُولَة مُبْتَدأ، وَخَبره قَوْله: (خير) . قَوْله: (أَثَرَة شَدِيدَة) ، وَجه الشدَّة أَنهم يستأثرون عَلَيْهِم بِمَا لَهُم، فِيهِ اشْتِرَاك فِي الِاسْتِحْقَاق.

4332 - حدَّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ حدّثنا شُعْبَةُ عَنْ أبي التَيَّاحِ عنْ أنَسٍ قَالَ لمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ قَسَمَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَنَائِمَ بَيْنَ قُرَيْشٍ فَغَضِبَتِ الأنْصارُ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(17/309)


أما تَرْضَوْنَ أنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بالدُّنْيا وتذْهَبُونَ بِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالُوا بَلَى قَالَ لوْ سَلَكَ النَّاسُ وادِياً أوْ شِعْباً لَسَلَكْتُ واديَ الأنْصارِ أوْ شِعْبَهُمْ. .

هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أنس. وَأَبُو التياح فِيهِ بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، واسْمه يزِيد بن حميد، قَوْله: (بَين قُرَيْش) هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني والأصيلي، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: (غَنَائِم فِي قُرَيْش) ، وَوَقع للقابسي: (غَنَائِم قُرَيْش) . وَالْمرَاد بالغنائم: غَنَائِم هوَازن لِأَنَّهُ لم يكن عِنْد فتح مَكَّة غَنَائِم حَتَّى تقسم. قَوْله: (وَادي الْأَنْصَار) هُوَ الْمَكَان المنخفض، وَقيل: الَّذِي فِيهِ مَاء، وَلَكِن أَرَادَ بِهِ هُنَا: بلدهم.

4333 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا أزْهَرُ عنِ ابنِ عَوْن أنْبأنا هِشامُ بنُ زَيْدِ بنِ أنسٍ عنْ أنسٍ رَضِي الله عَنهُ قَالَ لمَّا كانَ يَوْمُ حنَيْنٍ التَقَى هَوَازِنُ ومَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَشَرَةُ آلاَفٍ والطُّلَقاءُ فأدْبَرُوا قَالَ يَا مَعْشَرَ الأنْصارِ قالُوا لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ الله وسَعْدَيْكَ لَبَّيْكَ نَحْنُ بَيْنَ يَدَيْكَ فَنَزَلَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَنا عبْدُ الله ورسُولُهُ فانهَزَمَ المُشْرِكون فَأعْطَى الطلَقاءَ والمُهاجِرِينَ ولَمْ يُعْطِ الأنْصارَ شَيْئاً فقالُوا فَدَعاهُمْ فأدْخَلَهُمْ فِي قُبَّةٍ فَقَالَ أما تَرْضَوْنَ أنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بالشَّاةِ والبَعِيرِ وتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لوْ سَلَكَ النَّاسُ وادِياً وَسَلَكَتِ الأنْصارُ شَعْباً لاخْتَرْتُ شِعْبَ الأنْصارِ. .

هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أنس عَن عَليّ بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ عَن أَزْهَر بن سعد السمان الْبَصْرِيّ عَن عبد الله ابْن عون عَن هِشَام بن زيد بن أنس عَن جده أنس بن مَالك.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن أبي مُوسَى وَإِبْرَاهِيم ابْن مُحَمَّد بن عرْعرة.
قَوْله: (التقى هوَازن) أَي: التقى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هوَازن، وَالْوَاو فِي: (وَمَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، للْحَال، (والطلقاء) هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، عشرَة آلَاف، والطلقاء بِحرف الْوَاو الَّتِي للْعَطْف، ويروى: عشرَة آلَاف من الطُّلَقَاء، وَلَيْسَ بصواب لِأَن الطُّلَقَاء لم يبلغُوا هَذَا الْقدر وَلَا عشر عشره، وَقد تكلّف بَعضهم بِأَن الْوَاو فِيهِ مقدرَة عِنْد من جوز تَقْدِير حذف الْعَطف، وَفِيه نظر لَا يخفى، والطلقاء جمع: طليق، وَهُوَ الْأَسير الَّذِي أطلق عَنهُ الْأسر وخلى سَبيله، وَيُرَاد بهم أهل مَكَّة فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أطلق عَنْهُم، وَقَالَ لَهُم: أَقُول لكم مَا قَالَ يُوسُف: {لَا تَثْرِيب عَلَيْكُم الْيَوْم} (يُوسُف: 92) قَوْله: (فَقَالُوا:) ، أَي: تكلمُوا فِي منع الْعَطاء عَنْهُم.

4334 - ح دَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا غُنْدَرٌ حَدثنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ قَتادَةَ عنْ أنسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله عَنهُ قَالَ جَمَعَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَاسا مِنَ الأنْصارِ فَقَالَ إنَّ قُرَيْشاً حَدِيثُ عَهْدٍ بِجاهِلِيَّةٍ ومُصِيبَةٍ وإنِّي أرَدْتُ أنْ أجْبُرَهُمْ وأتألَّفَهُمْ أما تَرْضَوْنَ أنْ يَرْجِعَ النَّاسُ بالدُّنْيا وتَرْجِعُونَ بِرَسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بُيُوتِكُمْ قَالُوا بَلَى قَالَ لوْ سَلَكَ النَّاسُ وادِياً وَسَلَكَتِ الأنْصارُ شِعْباً لَسَلَكْتُ وادِيَ الأنْصارِ أوْ شِعْبَ الأنْصارِ. .

هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أنس عَن مُحَمَّد بن بشار وَهُوَ بنْدَار عَن غنْدر وَهُوَ مُحَمَّد بن جَعْفَر إِلَى آخِره.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الزَّكَاة عَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن بنْدَار بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزَّكَاة عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم.
قَوْله: (حَدِيث عهد) ، كَذَا وَقع بِالْإِفْرَادِ فِي (الصَّحِيحَيْنِ) وَالْأَصْل أَن يُقَال: حديثو عهد، كَذَا قَالَ الدمياطي، وَكتبه بِخَطِّهِ، وَعند الْإِسْمَاعِيلِيّ: (أَن قُريْشًا كَانُوا قريب عهد) . قَوْله: (ومصيبة) ، من نَحْو قتل أقاربهم وَفتح بِلَادهمْ. قَوْله: (إِن أجبرهم) بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْجِيم وبالباء الْمُوَحدَة وبالراء من: الْجَبْر ضد الْكسر هَكَذَا رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة السَّرخسِيّ وَالْمُسْتَمْلِي بِضَم أَوله وَكسر الْجِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالزاي من: الْجَائِزَة.

(17/310)


4335 - حدَّثنا قبِيصَةُ حدّثنا سُفْيانُ عنِ الأعْمَشِ عنْ أبي وائِلٍ عنْ عبْدِ الله قَالَ لمَّا قَسَمَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قِسْمَةَ حُنَيْنٍ قَالَ رجُلٌ مِنَ الأنْصارِ مَا أرَادَ بِها وجْهَ الله فأتيْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأخبَرْتُهُ فَتَغَيَّرَ وجْهُهُ ثُمَّ قَالَ رَحْمَةُ الله عَلَى مُوسَى لَقَدْ أُوذِيَ بأكْثَرَ مِنْ هاذَا فَصَبَرَ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (قسْمَة حنين) ، وَقبيصَة بن عقبَة، وسُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الزَّكَاة.
قَوْله: (قَالَ رجل من الْأَنْصَار) ، قَالَ الْوَاقِدِيّ: هُوَ معتب ابْن قُشَيْر من بني عَمْرو بن عَوْف، وَكَانَ من الْمُنَافِقين. وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) لم أر أحدا قَالَ: إِنَّه من الْأَنْصَار إلاَّ مَا وَقع هُنَا وَجزم بِأَنَّهُ حرقوص بن زُهَيْر السَّعْدِيّ وَلم يصب فِي ذَلِك، فَإِن قصَّة حرقوص غير هَذِه، على مَا يَأْتِي عَن قريب من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ. قَوْله: (مَا أَرَادَ بهَا) أَي: بِهَذِهِ الْقِسْمَة، وَفِي رِوَايَة مَنْصُور: مَا أُرِيد بهَا، على يَعْنِي: على صِيغَة الْمَجْهُول على مَا يَأْتِي الْآن. قَوْله: (فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته) ، ويروي: فَقلت: لأخبرن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

4336 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سعِيدٍ حدَّثنا جَرِيرٌ عنْ مَنصُورٍ عنْ أبي وائِلٍ عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله عنهُ قَالَ لما كانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ آثَرَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَاسا أعْطَى الأقْرَعَ مائَةً منَ الإبلِ وأعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذالِكَ وأعْطَى نَاسا فَقال رَجُلٌ مَا أُرِيدَ بِهاذِهِ القِسْمةِ وجْهُ الله فَقُلْت لأُخْبِرَنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ رحِمَ الله مُوساى قَدْ أُوذِيَ بأكْثَرَ مِنْ هاذا فَصَبَرَ. .

هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود، وَقد مضى فِي الْخمس فِي: بَاب مَا كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يُعْطي الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة عَن جرير عَن مَنْصُور عَن أبي وَائِل عَن عبد الله إِلَيّ آخِره.
قَوْله: (آثر) ، أَي: اخْتصَّ. قَوْله: (أعْطى) ، بَيَان للجملة السَّابِقَة. (والأقرع) هُوَ ابْن حَابِس بن عقال بن مُحَمَّد بن سُفْيَان بن مجاشع التَّمِيمِي، وَيُقَال: كَانَ اسْمه فراس، والأقرع لقبه (وعيينة) بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف الأولى وَسُكُون الثَّانِي وبالنون: ابْن حصن ابْن حُذَيْفَة بن بدر الْفَزارِيّ. قَوْله: (مثل ذَلِك) ، أَي: مثل مَا أعْطى للأقرع. قَوْله: (وَأعْطى نَاسا) أَي: نَاسا آخَرين، وَفِي الحَدِيث الَّذِي مضى فِي الْخمس: وَأعْطى نَاسا من أَشْرَاف الْعَرَب فآثرهم يومئذٍ فِي الْقِسْمَة.

337 - (حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار حَدثنَا معَاذ بن معَاذ حَدثنَا ابْن عون عَن هِشَام بن زيد بن أنس بن مَالك عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ لما كَانَ يَوْم حنين أَقبلت هوَازن وغَطَفَان وَغَيرهم بنعمهم وذراريهم وَمَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عشرَة آلَاف وَمن الطُّلَقَاء فأدبروا عَنهُ حَتَّى بَقِي وَحده فَنَادَى يَوْمئِذٍ نداءين لم يخلط بَينهمَا الْتفت عَن يَمِينه فَقَالَ يَا معشر الْأَنْصَار قَالُوا لبيْك يَا رَسُول الله أبشر نَحن مَعَك ثمَّ الْتفت عَن يسَاره فَقَالَ يَا معشر الْأَنْصَار قَالُوا لبيْك يَا رَسُول الله أبشر نَحن مَعَك وَهُوَ على بغلة بَيْضَاء فَنزل فَقَالَ أَنا عبد الله وَرَسُوله فَانْهَزَمَ الْمُشْركُونَ فَأصَاب يَوْمئِذٍ غَنَائِم كَثِيرَة فقسم فِي الْمُهَاجِرين والطلقاء وَلم يُعْط الْأَنْصَار شَيْئا فَقَالَت الْأَنْصَار إِذا كَانَت شَدِيدَة فَنحْن ندعى وَيُعْطى الْغَنِيمَة غَيرنَا فَبَلغهُ ذَلِك فَجَمعهُمْ فِي قبَّة فَقَالَ يَا معشر الْأَنْصَار مَا حَدِيث بَلغنِي عَنْكُم فَسَكَتُوا فَقَالَ يَا معشر الْأَنْصَار أَلا ترْضونَ أَن يذهب النَّاس بالدنيا وَتَذْهَبُونَ برَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تحوزونه إِلَى بُيُوتكُمْ قَالُوا بلَى فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَو سلك النَّاس

(17/311)


وَاديا وسلكت الْأَنْصَار شعبًا لأخذت شعب الْأَنْصَار فَقَالَ هِشَام يَا با حَمْزَة وَأَنت شَاهد ذَاك قَالَ وَأَيْنَ أغيب عَنهُ) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَكَانَ الْوَجْه أَن يقدم حَدِيث أنس هَذَا على حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود الَّذِي سبق لتوالي طرق حَدِيث أنس قيل الظَّاهِر أَنه من تَغْيِير الروَاة عَن الْفربرِي فَإِن طَرِيق أنس هَذَا سقط من رُوَاة النَّسَفِيّ فَلَعَلَّ البُخَارِيّ ألحقهُ فَكَتبهُ مُؤَخرا عَن مَكَانَهُ وَقد أخرج هَذَا مُحَمَّد عَن ابْن بشار عَن معَاذ بن نصر التَّمِيمِي قَاضِي الْبَصْرَة عَن عبد الله بن عون إِلَى آخِره وَأخرج ذَاك الطَّرِيق عَن عَليّ بن عبد الله عَن الزُّهْرِيّ عَن عبد الله بن عون إِلَى آخِره قَوْله " بنعمهم " بِفَتْح النُّون وَالْعين وَهِي الشَّاة وَالْبَعِير قَوْله وذراريهم بتَشْديد الْيَاء وتخفيفها وَكَانَت عَادَتهم إِذا أَرَادوا الثَّبَات فِي الْقِتَال استصحبوا الأهالي وثقلهم مَعَهم إِلَى مَوضِع الْقِتَال قَوْله " وَمن الطُّلَقَاء " ويروى من الطُّلَقَاء وَلَيْسَ بصواب وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب قَوْله " شَدِيدَة " يَعْنِي قَضِيَّة شَدِيدَة مثل حَرْب قَوْله " فَنحْن ندعى " على صِيغَة الْمَجْهُول أَي نطلب قَوْله وَيُعْطى أَي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله " فَبَلغهُ ذَلِك " أَي فَبلغ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ذَلِك أَي مَا قَالُوهُ ويروى ذَاك بِدُونِ اللَّام قَوْله " تحوزونه " بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي يُقَال حازه يحوزه إِذا قَبضه وَملكه واستبد بِهِ ويروى تجيرونه بِالْجِيم وَالرَّاء قَالَه الْكرْمَانِي وَفَسرهُ بقوله تنقذونه فَلْينْظر فِي ذَلِك قَوْله " فَقَالَ هِشَام " هُوَ هِشَام بن زيد الرَّاوِي وَهُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور قَوْله " يَا با حَمْزَة " أَصله يَا أبي حَمْزَة فحذفت الْألف للتَّخْفِيف وَأَبُو حَمْزَة كنية أنس بن مَالك قَوْله شَاهد ذَاك كَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره شَاهد ذَلِك بِاللَّامِ فِيهِ قَوْله " وَأَيْنَ أغيب عَنهُ " اسْتِفْهَام إنكاري حَاصِل الْمَعْنى يَا هِشَام لَا تظن أَن أنسا يغيب عَن ذَلِك -
58 - (بابُ السَّرِيَّةِ الَّتي قِبَلَ نَجْدٍ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان السّريَّة الَّتِي كَانَت قبل نجد، أَي: جِهَته، وَقبل، بككسر الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة، و: النجد، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْجِيم وَهُوَ ككل مَا ارْتَفع من تهَامَة إِلَى أَرض الْعرَاق، والسرية، طَائِفَة من الْجَيْش يبلغ أقصاها أَرْبَعمِائَة تنبعث إِلَى الْعَدو وَتجمع على: سَرَايَا، سموا بذلك لأَنهم يكونُونَ خُلَاصَة الْعَسْكَر وخيارهم وَالشَّيْء السّري أَي: النفيس، وَقيل: سموا بذلك لأَنهم ينفذون سرا وخفية وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ، لِأَن لَام السِّرّ: رَاء، وَهَذِه: يَاء، وَكَانَت هَذِه السّريَّة قبل توجه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لفتح مَكَّة. وَهَكَذَا ذكرهَا أهل الْمَغَازِي وَالْبُخَارِيّ ذكرهَا بعد غَزْوَة الطَّائِف، وَقَالَ ابْن سعد: كَانَت فِي شعْبَان سنة ثَمَان، وَذكر غَيره أَنَّهَا كَانَت قبل مُؤْتَة، ومؤتة كَانَت فِي جمادي من السّنة الْمَذْكُورَة، وَقَالَ ابْن سعد: وَكَانَ أَمِيرهمْ أَبَا قَتَادَة أوصله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أَرض محَارب بِنَجْد وَمَعَهُ خَمْسَة عشر رجلا فغنموا مِائَتي بعير وَألْفي شَاة وَسبوا سَبَايَا كَثِيرَة، وَكَانَت غيبتهم خمس عشرَة لَيْلَة، فَجمعُوا الْغَنَائِم فأخرجوا الْخمس فعزلوه، وقسموا مَا بَقِي على السّريَّة. وَقَالَ ابْن لاتين: وَرُوِيَ أَنهم كَانُوا عشرَة، وَأَنَّهُمْ غنموا مائَة وَخمسين بَعِيرًا، وَأَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَخذ الثُّلثَيْنِ مِنْهَا. قَالَ: وَلَو كَانَ النَّفْل من خمس الْخمس لم يعمهم ذَلِك.

(17/312)