عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 14 - (بابٌ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا
جَعَلْنا القِبْلَةَ الَّتي كُنْتَ علَيْها إِلَّا
لِنَعْلَمَ منْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ
عَلَى عَقِبَيْهِ وإنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إلاَّ عَلَى
الَّذِينَ هَدَى الله وَمَا كانَ الله لِيُضِيعَ
إيمَانَكُمْ إنَّ الله بالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ} )
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا
جعلنَا الْقبْلَة الَّتِي كنت عَلَيْهَا إلاَّ لنعلم من
يتبع الرَّسُول} إِلَى هُنَا رِوَايَة أبي ذَر وَفِي
رِوَايَة غَيره إِلَى آخر الْآيَة الَّتِي ذَكرنَاهَا.
قَوْله: (وَمَا جعلنَا الْقبْلَة الَّتِي كنت عَلَيْهَا)
يَعْنِي: وَمَا جعلنَا الْقبْلَة الَّتِي تحب أَن تستقبلها
الْجِهَة الَّتِي كنت عَلَيْهَا أَولا بِمَكَّة وَمَا
رددناك إِلَيْهَا إلاَّ امتحاناً للنَّاس وابتلاءً لنعلم
الثَّابِت على الْإِسْلَام الصَّادِق فِيهِ مِمَّن هُوَ
على حرف يَنْكص على عَقِبَيْهِ لقلقه فيرتد. قَوْله:
(وَإِن كَانَت) ، كلمة: إِن المخففة الَّتِي تلزمها
اللَّام الفارقة، وَالضَّمِير فِي: كَانَت، يرجع إِلَى
التحويلة أَو إِلَى الْقبْلَة. قَوْله: (لكبيرة) ، أَي:
لثقيلة شاقة {إلاَّ على الَّذين هدى الله} وهم التائبون
الصادقون فِي اتِّبَاع الرَّسُول. قَوْله: (وَمَا كَانَ
الله لِيُضيع إيمَانكُمْ) أَي: ثباتكم على الْإِيمَان،
وَعَن ابْن عَبَّاس: وَمَا كَانَ الله لِيُضيع إيمَانكُمْ
أَي: بالقبلة
(18/95)
الأولى، وتصديقكم نَبِيكُم باتباعه إِلَى
الْقبْلَة الْأُخْرَى، أَي: ليعطيكم أجرهما جَمِيعًا.
4488 - ح دَّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا يَحْيَى عنْ سُفْيانَ
عنْ عبْدِ الله بنِ دِينارٍ عنِ ابْن عُمَرَ رَضِي الله
عَنْهُمَا بَيْنا النَّاسُ يُصَلُّونَ الصُّبْحَ فِي
مَسْجِدِ قُباءٍ إذْ جاءَ فَقَالَ أنْزَلَ الله عَلَى
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُرْآناً أنْ
يَسْتَقْبِلَ الكَعْبَةَ فاسْتَقْبَلُوها فَتوجَّهُوا إلَى
الكَعْبَةِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (أنزل الله على
النَّبِي قُرْآنًا أَن يسْتَقْبل الْقبْلَة) وَيحيى هُوَ
ابْن سعيد الْقطَّان، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ.
والْحَدِيث مضى فِي أَوَائِل الصَّلَاة فِي: بَاب مَا
جَاءَ فِي الْقبْلَة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله
بن يُوسُف عَن مَالك عَن عبد الله بن دِينَار عَن عبد الله
بن عمر الحَدِيث.
15 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ
وجْهِكَ فِي السَّماءِ} إِلَى {عمَّا تَعْلَمُونَ}
(الْبَقَرَة: 144)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قَوْله: (قد نرى) إِلَى آخِره،
وَالْمَذْكُور على هَذَا الْوَجْه رِوَايَة كَرِيمَة.
وَفِي رِوَايَة غَيرهَا: إِلَى قَوْله: (فِي السَّمَاء) .
4489 - ح دَّثنا عليُّ بنُ عبْدِ الله حَدثنَا مُعْتَمِرٌ
عنْ أبِيهِ عنْ أنَسٍ رَضِي الله عنهُ قَالَ لَمْ يبقَ
مِمَّنْ صلَّى القِبْلَتَيْنِ غيْرِي.
مطابقته لِلْآيَةِ تُؤْخَذ من قَوْله: مِمَّن صلى
الْقبْلَتَيْنِ، لِأَن الْآيَة مُشْتَمِلَة على أَمر
الْقبْلَتَيْنِ، وَعلي بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن
الْمَدِينِيّ، ومعتمر على وزن إسم فَاعل من الاعتمار ابْن
سُلَيْمَان بن طرخان.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن
إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم.
قَوْله: (مِمَّن صلى الْقبْلَتَيْنِ) يَعْنِي: الصَّلَاة
إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَإِلَى الْكَعْبَة، وَقَالَ أنس:
ذَلِك فِي آخر عمره، وَلَعَلَّ مُرَاده: أَنه آخر من مَاتَ
بِالْبَصْرَةِ، مِمَّن صلى إِلَى الْقبْلَتَيْنِ، وهم
الْمُهَاجِرُونَ الْأَولونَ وَالسَّابِقُونَ، وَقد ثَبت
لجَماعَة مِمَّن سكن الْبَوَادِي من الصَّحَابَة تأخرهم
عَن أنس.
16 - (بابُ: {ولِئنْ أتَيْتَ الَّذِينَ أوتُوا الكِتابَ
بِكُلِّ آيَةٍ مَا تبِعُوا قِبْلَتَكَ} إِلَى قَوْلِهِ:
{إنَّكَ إِذا لَمِنَ الظَّلِمِينَ} (الْبَقَرَة: 145)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَوْله تَعَالَى: {وَلَئِن أتيت}
إِلَى آخِره، وَهَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة أبي ذَر،
يَعْنِي: إِلَى قَوْله: {مَا تبعوا قبلتك} الْآيَة وَفِي
رِوَايَة غَيره إِلَى: {لمن الظَّالِمين} يَعْنِي:
الْمَذْكُور فِيهِ. قَوْله: (وَلَئِن أتيت) ، جَوَاب للقسم
الْمَحْذُوف، قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: قلت: لِأَن اللَّام
تَوْطِئَة للقسم. قَوْله: (بِكُل آيَة) أَي: بِكُل برهَان.
قَوْله: (مَا تبعوا قبلتك) يَعْنِي: لم يُؤمنُوا بهَا،
ثمَّ حسم مَادَّة أطماعهم فِي رُجُوعه صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، إِلَى قبلتهم بقوله: {وَلَئِن اتبعت أهواءهم}
الْآيَة، الْخطاب للرسول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَالْمرَاد الْأمة.
4490 - ح دَّثنا خالدُ بنُ مَخْلَدٍ حَدثنَا سُلَيْمانُ
حدّثني عبْدُ الله بنُ دِينارٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله
عَنْهُمَا بَيْنَما النَّاسُ فِي الصُّبْحِ بقُباءٍ
جاءَهُمْ رجُلٌ فَقَالَ إنَّ رسُولَ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَدْ أنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ
وقدْ أُمِرَ أنْ يَسْتَقْبِلَ الكَعْبَةَ ألاَ
فاسْتَقْبِلُوها وكانَ وجْهُ النَّاسِ إِلَى الشَّامِ
فاسْتَدَارُوا بِوُجُوهِهِمْ إلَى الكَعْبَةِ. .
مطابقته لِلْآيَةِ تَتَأَتى بالتعسف يوضحها من يمعن النّظر
فِيهِ. وخَالِد بن مخلد، بِفَتْح الْمِيم: البَجلِيّ
الْكُوفِي، وَسليمَان هُوَ ابْن بِلَال. والْحَدِيث مرعن
قريب. إِلَّا كلمة تحضيض وحث. قَوْله: (فاستقبلوها) أَمر
للْجَمَاعَة.
(18/96)
17 - (بابُ: {الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتاب يَعْرِفُونَهُ
كَما يَعْرِفون أبْناءَهُمْ وإنَّ فَريقاً مِنهُمْ
لَيَكْتُمُونَ الحَقَّ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَلاَ تكُونَنَّ
منَ المُمْتَرِين} (الْبَقَرَة: 146)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: {الَّذين آتَيْنَاهُم} إِلَى
آخِره. وَهَذَا هَكَذَا رِوَايَة غير أبي ذَر، وَرِوَايَة
أبي ذَر هَكَذَا: بَاب {الَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب
يعرفونه كَمَا يعْرفُونَ أَبْنَاءَهُم} إِلَى هُنَا فَحسب.
قَوْله: (يعرفونه) أَي: يعْرفُونَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم (كَمَا يعْرفُونَ أَبْنَاءَهُم) بِحَيْثُ
لَا يشْتَبه عَلَيْهِم أبناؤهم وَأَبْنَاء غَيرهم،
وَإِنَّمَا اخْتصَّ الْأَبْنَاء لِأَن الذُّكُور أشهر
وَأعرف وهم لصحبة الْآبَاء ألزم. قَالَ الواحدي: نزلت فِي
مؤمني أهل الْكتاب مثل عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه،
كَانُوا يعْرفُونَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَصفته فِي كِتَابهمْ كَمَا يعْرفُونَ أَوْلَادهم إِذا
رَأَوْهُمْ، وَقَالَ ابْن سَلام: لأَنا كنت أَشد معرفَة
برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مني يَا بني،
فَقَالَ لَهُ عمر رَضِي الله عَنهُ: كَيفَ ذَاك؟ قَالَ:
لِأَنِّي أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله حَقًا يَقِينا
وَأَنا لَا أشهد بذلك لِابْني لِأَنِّي أَدْرِي مَا أحدثت
النِّسَاء. فَقَالَ لَهُ عمر: وفقك الله. قَوْله: (وَإِن
فريقاً مِنْهُم) ، يَعْنِي: من عُلَمَائهمْ (ليكتمون) أَي:
صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واستقبال
الْكَعْبَة. قَوْله: (الْحق من رَبك) أَي: الْحق الَّذِي
مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَرَأَ عَليّ:
الْحق، بِالنّصب على الإغراء. قَوْله: (من الممترين) ،
أَي: الشاكين فِي كتمانهم الْحق مَعَ علمهمْ وَفِي أَنه من
رَبك، وَقيل: الْخطاب للرسول، وَالْمرَاد الْأمة.
4491 - ح دَّثنا يَحْيَى بنُ قَزَعَةَ حدّثنا مالِكٌ عنْ
عَبْدِ الله بنِ دِينارٍ عَن ابنِ عُمَرَ قَالَ بَيْنا
الناسُ بِقُباءٍ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ إذْ جاءَهُمْ آتٍ
فَقَالَ إنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَدْ
أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ وقَدْ أُمرَ أنْ
يَسْتَقْبِلَ الكَعْبَةَ فاسْتَقْبِلُوها وكانَتْ
وُجُوهُهُمْ إلَى الشَّأْمِ فاسْتَدَارُوا إلَى
الكَعْبَةِ. .
مطابقته لِلْآيَةِ مثل مَا ذكرنَا فِي الحَدِيث السَّابِق.
والْحَدِيث قد مضى الْآن وَقد رَوَاهُ هُنَا من وَجه آخر. |