عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 10 - (بَاب: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وإذْ
يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ
وإسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّكَ أنْتَ
السَّمِيعُ العَلِيمُ} (الْبَقَرَة: 127)
أَي: أذكر إِذْ يرفع أَي: حِين يرفع إِبْرَاهِيم، وَهِي
حِكَايَة حَال مَاضِيَة، وَالْقَوَاعِد جمع قَاعِدَة وَهِي
الأساس وَالْأَصْل لما فَوْقه، وَقَالَ الْفراء:
الْقَوَاعِد أساس الْبَيْت، وَقَالَ الطَّبَرِيّ:
اخْتلفُوا فِي الْقَوَاعِد الَّتِي رَفعهَا إِبْرَاهِيم
وَإِسْمَاعِيل، صلوَات الله عَلَيْهِمَا، أَهما حدثاها أم
كَانَت قبلهمَا؟ ثمَّ روى بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس
رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَت قَوَاعِد الْبَيْت،
قيل ذَلِك، وَمن طَرِيق عَطاء قَالَ: قَالَ آدم عَلَيْهِ
السَّلَام: أَي رب، لَا أسمع أصوات الْمَلَائِكَة، قَالَ:
ابْن لي بَيْتا ثمَّ أخفف بِهِ كَمَا رَأَيْت
الْمَلَائِكَة تَحت بَيْتِي الَّذِي فِي السَّمَاء، فَزعم
النَّاس أَنه بناه من خَمْسَة أجبل حَتَّى بناه
إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام، بعد وَقَالَ
الزَّمَخْشَرِيّ: معنى رفع الْقَوَاعِد: رَفعهَا
بِالْبِنَاءِ. قَوْله: (رَبنَا) ، أَي: يَقُولَانِ:
رَبنَا، يَعْنِي: يرفعانها حَال كَونهمَا قائلين: رَبنَا.
قَوْله: (إِنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم) أَي: لدعائنا،
الْعَلِيم أَي: بضمائرنا ونياتنا.
القَوَاعِدُ أساسُهُ واحِدَتُها قاعِدَةٌ والقَوَاعِدُ
مِنَ النِّساءِ واحدُها قاعِدٌ
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى الْفرق بَين الْقَوَاعِد الَّتِي
هِيَ جمع قَاعِدَة الْبناء، وَبَين جمع الْقَوَاعِد
الَّتِي هِيَ جمع قَاعد من النِّسَاء بِلَا تَاء، حَاصله
أَن لفظ الْقَوَاعِد مُشْتَرك بَين قَوَاعِد الأساس وقواعد
النِّسَاء، وَالْفرق فِي مفرديهما أَن الْقَاعِدَة بتاء
التَّأْنِيث الأساس، وبدونها الْمَرْأَة الَّتِي قعدت عَن
الْحيض، وَذَلِكَ لتخصيصهن بذلك فِي هَذِه الْحَالة وَفِي
غير هَذَا الْحَال بِالتَّاءِ أَيْضا، وَذَلِكَ من
الْقعُود خلاف الْقيام، فَافْهَم.
4484 - ح دَّثنا إسْماعِيلُ قَالَ حدّثني مالِكٌ عنِ ابنِ
شِهابٍ عنْ سالِمِ بنِ عبْدِ الله أنَّ عَبْدَ الله ابنَ
مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكْرٍ أخْبَرَ عبْدِ الله بنَ عُمَرَ
عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا زَوْجِ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ ألَمْ تَرَى أنَّ قَوْمكِ بَنُوا الكَعْبَةَ
واقتَصَرُوا عنْ قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ فَقُلْتُ يَا رسولَ
الله ألاَ تَرُدُّها عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيم قَالَ
لَوْلاَ حِدْثانُ قَوْمِكِ بالْكُفرِ فَقَالَ عَبْدُ الله
بنُ عُمَرَ لَئِنْ كانَتْ عائِشَةُ سَمِعَتْ هاذَا مِنْ
رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أُرَى رسولَ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَرَكَ اسْتِلاَمَ الرُّكْنَيْنِ
اللَّذَيْنِ يَلِيانِ الحِجْرَ إِلَّا أنَّ البَيتَ لَمْ
يُتَمَّمْ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ. .
مطابقته لِلْآيَةِ فِي قَوْله: (واقتصروا عَن قَوَاعِد
إِبْرَاهِيم) وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس، وَعبد
الله بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ،
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْحَج فِي: بَاب فضل مَكَّة
وبنيانها وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (حدثان) ، بِكَسْر الْحَاء وَسُكُون الدَّال
الْمُهْمَلَتَيْنِ وبالثاء الْمُثَلَّثَة: مصدر حدث يحدث
حدوثاً وحدثاناً، وَجَوَاب: لَوْلَا، مَحْذُوف تَقْدِيره:
لَوْلَا قرب عهد قَوْمك ثَابت لرددتها. قَوْله: (الْحجر)
بِكَسْر الْحَاء، وَذَلِكَ لِأَن سِتَّة أَذْرع مِنْهُ
كَانَت من الْبَيْت، فالركنان اللَّذَان فِيهِ لم يَكُونَا
على الأساس الأول. قَوْله: (لم يتمم) ويروى: لم يتم.
11 - (بابٌ: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّه وَمَا أُنْزِل
إِلَيْنا} (الْبَقَرَة: 136)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: {قُولُوا آمنا بِاللَّه وَمَا
أنزل إِلَيْنَا} وَلم يثبت لفظ: بَاب إلاّ فِي رِوَايَة
أبي ذَر. قَوْله: (قُولُوا) ، خطاب للْمُؤْمِنين، قَالَه
الزَّمَخْشَرِيّ، وَيجوز أَن يكون خطابا للْكَافِرِينَ.
4485 - ح دَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا عُثْمانُ
بنُ عُمَرَ أخْبَرَنا عَلِيُّ بنُ المُبارَك عنْ يَحْيَى
بنِ أبي كَثِيرٍ عنْ أبي سلمَةَ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي
الله عَنهُ. قَالَ: كانَ أهلُ الكِتابِ يَقْرَؤُونَ
التَّوْرَاةَ بالعِبْرَانِيَّةِ
(18/93)
ويفسِّرُونَها بالعرَبِيَّةِ لأهْلِ
الإسْلاَمِ فَقَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لاَ تُصَدِّقُوا أهْلَ الْكِتَابِ ولاَ تُكَذِّبُوهُمْ
{وقُولُوا آمنّا بِاللَّه وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنا}
(الْبَقَرَة: 136) الْآيَة.
مطابقته لِلْآيَةِ فِي قَوْله: {قُولُوا آمنا بِاللَّه
وَمَا أنزل إِلَيْنَا وَمَا أنزل إِلَى إِبْرَاهِيم} إِلَى
قَوْله: {وَنحن لَهُ مُسلمُونَ} . والْحَدِيث ذكره
البُخَارِيّ أَيْضا فِي الِاعْتِصَام وَفِي التَّوْحِيد
عَن مُحَمَّد بن بشار أَيْضا. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي
التَّفْسِير أَيْضا عَن مُحَمَّد بن الْمثنى.
قَوْله: (كَانَ أهل الْكتاب) ، أَي: من الْيَهُود. قَوْله:
(لَا تصدقوا) ، إِلَى آخِره، يَعْنِي: إِذا كَانَ مَا
يخبرونكم بِهِ مُحْتملا لِئَلَّا يكون فِي نفس الْأَمر
صدقا فتكذبوه، أَو كذبا فتصدقوه فتقعوا فِي الْحَرج، وَلم
يرد النَّهْي عَن تكذيبهم فِيمَا ورد شرعنا بِخِلَافِهِ،
وَلَا عَن تصديقهم فِيمَا ورد شرعنا بوفاقه. وَقَالَ
الْخطابِيّ: هَذَا الحَدِيث أصل فِي وجوب التَّوَقُّف
عَمَّا يشكل من الْأُمُور فَلَا يقْضِي عَلَيْهِ بِصِحَّة
أَو بطلَان وَلَا بتحليل وَتَحْرِيم، وَقد أمرنَا أَن نؤمن
بالكتب الْمنزلَة على الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام،
إلاَّ أَنه لَا سَبِيل لنا إِلَى أَن نعلم صَحِيح مَا
يحكونه عَن تِلْكَ الْكتب من سقيمه، فنتوقف فَلَا نصدقهم
لِئَلَّا نَكُون شُرَكَاء مَعَهم فِيمَا حرفوه مِنْهُ،
وَلَا نكذبهم فَلَعَلَّهُ يكون صَحِيحا فنكون منكرين لما
أمرنَا أَن نؤمن بِهِ، وعَلى هَذَا كَانَ يتَوَقَّف السّلف
عَن بعض مَا أشكل عَلَيْهِم وتعليقهم القَوْل فِيهِ كَمَا
سُئِلَ عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ، عَن الْجمع بَين
الْأُخْتَيْنِ فِي ملك الْيَمين، فَقَالَ: أَحَلَّتْهُمَا
آيَة وحرمتهما آيَة، وكما سُئِلَ ابْن عمر عَن رجل نذر أَن
يَصُوم كل اثْنَيْنِ، فَوَافَقَ ذَلِك الْيَوْم يَوْم عيد،
فَقَالَ: أَمر الله بِالْوَفَاءِ بِالنذرِ وَنهى النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن صَوْم يَوْم الْعِيد،
فَهَذَا مَذْهَب من يسْلك طَرِيق الْوَرع وَإِن كَانَ
غَيرهم قد اجتهدوا واعتبروا الْأُصُول فرجحوا أحد المذهبين
على الآخر، وكل على مَا ينويه من الْخَيْر ويؤمه من
الصّلاح مشكور.
12
- (بَاب: {سَيَقُولُ السفَهاءُ مِنَ النَّاسِ مَا
وَلاَّهُمْ عنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْهَا
قُلْ لله المَشْرِقُ والمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إلَى
صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (الْبَقَرَة: 142) .
وَفِي بعض النّسخ: بَاب قَوْله تَعَالَى: {سَيَقُولُ
السُّفَهَاء} وَلَكِن فِي رِوَايَة أبي ذَر إِلَى قَوْله:
{مَا ولاهم عَن قبلتهما} فَقَط، والسفهاء جمع سَفِيه.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: سَيَقُولُ السُّفَهَاء أَي: خفاف
الأحلام وهم الْيَهُود لكراهتهم التَّوَجُّه إِلَى
الْكَعْبَة وَأَنَّهُمْ لَا يرَوْنَ النّسخ، وَقيل:
المُنَافِقُونَ بحرصهم على الطعْن والاستهزاء، وَقيل:
الْمُشْركُونَ. قَالُوا: رغب عَن قبْلَة آبَائِهِ ثمَّ
رَجَعَ إِلَيْهَا وَالله ليرجعن إِلَى دينهم. قَوْله: (مَا
ولاهم) أَي: أَي شَيْء رجعهم عَن قبلتهم الَّتِي كَانُوا
عَلَيْهَا وَهُوَ بَيت الْمُقَدّس، قل يَا مُحَمَّد (لله
الْمشرق وَالْمغْرب) ، أَي: بِلَاد الشرق والغرب
وَالْأَرْض كلهَا، وَهَذَا جَوَاب لَهُم أَي الحكم
وَالتَّصَرُّف فِي الْأَمر كلمة لله {فأينما توَلّوا فثم
وَجه الله} فيأمرهم بالتوجه إِلَى أَي جِهَة شَاءَ، وَقيل:
أَرَادَ بالمشرق الْكَعْبَة لِأَن الْمُصَلِّي
بِالْمَدِينَةِ إِذا توجه إِلَى الْكَعْبَة فَهُوَ
مُتَوَجّه للمشرق، وَأَرَادَ بالمغرب بَيت الْمُقَدّس
لِأَن الْمُصَلِّي فِي الْمَدِينَة إِلَى بَيت الْمُقَدّس
مُتَوَجّه جِهَة الْمغرب.
13 - (حَدثنَا أَبُو نعيم سمع زهيرا عَن أبي إِسْحَاق عَن
الْبَراء رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى إِلَى بَيت الْمُقَدّس
سِتَّة عشر شهرا أَو سَبْعَة عشر شهرا وَكَانَ يُعجبهُ أَن
تكون قبلته قبل الْبَيْت وَأَنه صلى أَو صلاهَا صَلَاة
الْعَصْر وَصلى مَعَه قوم فَخرج رجل مِمَّن كَانَ صلى
مَعَه فَمر على أهل الْمَسْجِد وهم رَاكِعُونَ فَقَالَ
أشهد بِاللَّه لقد صليت مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قبل مَكَّة فَدَارُوا كَمَا هم قبل
الْبَيْت وَكَانَ الَّذِي مَاتَ على الْقبْلَة قبل أَن
تحول قبل الْبَيْت رجال قتلوا لم ندر مَا نقُول فيهم
فَأنْزل الله {وَمَا كَانَ الله لِيُضيع إيمَانكُمْ إِن
الله بِالنَّاسِ لرؤف رَحِيم} مطابقته لِلْآيَةِ ظَاهِرَة
وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن وَزُهَيْر تَصْغِير زهر
ابْن مُعَاوِيَة وَأَبُو إِسْحَق عَمْرو بن عبد الله
السبيعِي والبراء هُوَ ابْن عَازِب رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْإِيمَان فِي بَاب
الصَّلَاة من الْإِيمَان فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ بأتم
(18/94)
مِنْهُ عَن عَمْرو بن خَالِد عَن زُهَيْر إِلَى آخِره وَمر
الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مطولا قَوْله " أَو سَبْعَة عشر "
شكّ من الرَّاوِي قَوْله " قبل الْبَيْت " بِكَسْر الْقَاف
وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة أَي جِهَة الْكَعْبَة قَوْله "
أَو صلاهَا " شكّ من الرَّاوِي قَوْله " صَلَاة الْعَصْر "
بِالنّصب بدل من الضَّمِير الْمَنْصُوب الَّذِي فِي صلاهَا
قَوْله " رجل " قيل هُوَ عباد بن نهيك الخطمي
الْأنْصَارِيّ قَالَه أَبُو عمر فِي كتاب الِاسْتِيعَاب
وَقَالَ ابْن بشكوال هُوَ عباد بن بشر الأشْهَلِي قَوْله "
إيمَانكُمْ " أَي صَلَاتكُمْ -
13 - (بابٌ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وكَذَلِكَ جَعَلْناكُمْ
أُمَّةً وسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ
ويَكونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدٍ} (الْبَقَرَة:)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ
جَعَلْنَاكُمْ} الْآيَة، هَذَا هَكَذَا فِي رِوَايَة أبي
ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره إِلَى قَوْله: {لرؤوف رَحِيم}
(الْبَقَرَة: 143) قَوْله: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة
وسطا) أَي: كَمَا اخترنا إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، وَأَوْلَاده وأنعمنا عَلَيْهِم بالحنيفية
جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا. وَقَالَ ابْن كثير فِي
(تَفْسِيره) : يَقُول الله تَعَالَى: إِنَّمَا حولناكم
إِلَى قبْلَة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام،
واخترناها لكم لنجعلكم خِيَار الْأُمَم لِتَكُونُوا يَوْم
الْقِيَامَة شُهَدَاء على الْأُمَم، لِأَن الْجَمِيع
معترفون لَكِن بِالْفَضْلِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ:
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ، وَمثل ذَلِك الْجعل العجيب
جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا أَي خياراً، وَيَسْتَوِي فِيهِ
الْوَاحِد وَالْجمع والمذكر والمؤنث.
4487 - ح دَّثنا يُوسُفُ بنُ راشِدٍ حَدثنَا جَرِيرٌ وأبُو
أُسامَةَ واللَّفْظِ لِ جَرِيرٍ عنِ الأعْمَشِ عنْ أبي
صالِحِ. وَقَالَ أبُو أُسامَةَ حَدثنَا أبُو صالِحٍ عنْ
أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يُدْعَى نُوحٌ يَوْمَ القِيَامَةِ
فَيَقُولُ لَبّيْكَ وسَعْدَيْكَ يَا رَبِّ فَيَقُولُ هَلْ
بَلَّغْتَ فَيَقُولُ نَعَمْ فَيُقالُ لأُمَّتِهِ هلْ
بَلَّغَكُمْ فَيَقُولون مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ
فيَقُولُ مَنْ يَشْهَدُ لَكَ فيَقُولُ مُحَمَّدٌ وأمَّتُهُ
فيَشْهَدُونَ أنّهُ قَدْ بلَّغَ ويَكُونَ الرَّسُولُ
عَلَيْكُمْ شَهِيداً فَذالِكَ قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ:
{وكَذالِكَ جَعَلْناكمْ أُمَّةٍ وسَطاً لِتكُونُوا
شُهَدَاءٍ عَلَى النَّاسِ ويَكون الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ
شَهِيداً} . والوَسَطُ العَدْلُ. (انْظُر الحَدِيث 3339
وطرفه) .
مطابقته لِلْآيَةِ ظَاهِرَة. ويوسف هُوَ ابْن مُوسَى بن
رَاشد بن بِلَال الْقطَّان الْكُوفِي، وَجَرِير هُوَ ابْن
عبد الحميد، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة،
وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وَأَبُو صَالح ذكْوَان، وَأَبُو
سعيد الْخُدْرِيّ سعد بن مَالك بن سِنَان.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم
الصَّلَاة وَالسَّلَام، فِي: بَاب قَوْله تَعَالَى:
{إِنَّا أرسلنَا نوحًا} (نوح: 1) وَمضى الْكَلَام فِيهِ
هُنَاكَ.
قَوْله: (وَالْوسط: الْعدْل) قيل، هُوَ مَرْفُوع من نفس
الْخَبَر وَلَيْسَ بمدرج من قَول بعض الروَاة كَمَا وهمه
بَعضهم. قلت: فِيهِ تَأمل، وَقَالَ ابْن جرير: الْوسط
الْعدْل وَالْخيَار، وَأَنا أرى أَن الْوسط فِي هَذَا
الْموضع هُوَ الْوسط الَّذِي بِمَعْنى الْجُزْء الَّذِي
هُوَ بَين الطَّرفَيْنِ مثل: وسط الدَّار، وَرُوِيَ أَن
الرب عز وَجل إِنَّمَا وَصفهم بذلك لتوسطهم فِي الدّين
فلاهم أهل غلو فِيهِ كالنصارى ولاهم أهل تَقْصِير فِيهِ
كاليهود، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وَقيل للخيار: وسط،
لِأَن الْأَطْرَاف يتسارع إِلَيْهَا الْخلَل والإعواز
والأوساط مَحْفُوظَة. |