عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 2 - (بابُ: {إنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ
القُرْآنَ} (الْقَصَص: 58)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {إِن الَّذِي فرض
عَلَيْك الْقُرْآن لرادك إِلَى معاد} ... الْآيَة، وَلم
تثبت هَذِه التَّرْجَمَة إلاَّ لأبي ذَر. قَوْله: (فرض
عَلَيْك) ، قَالَ الثَّعْلَبِيّ: أَي: أنزلهُ، وَعَن عَطاء
بن أبي رَبَاح: فرض عَلَيْك الْعَمَل بِالْقُرْآنِ.
3774 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ مُقاتِلٍ أخبرنَا يَعْلَى
حَدثنَا سُفْيانُ العُصْفُريُّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابنِ
عَبَّاسٍ: {لَرَادُّكَ إِلَى مَعادٍ} قَالَ إِلَى مَكّةَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه تَفْسِير لَهَا.
ويعلى، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الْعين
الْمُهْملَة وبالقصر: ابْن عبيد الطنافسي، وسُفْيَان هُوَ
ابْن دِينَار الْعُصْفُرِي. بِضَم الْعين وَسُكُون الصَّاد
الْمُهْمَلَتَيْنِ وَضم الْفَاء وبالراء: الْكُوفِي
التمار، وَقد مر فِي آخر الْجَنَائِز. وَلَيْسَ لَهُ فِي
البُخَارِيّ سوى هذَيْن الْمَوْضِعَيْنِ. وَاخْتلفُوا فِي
قَوْله: (لرادك إِلَى معاد) فَعَن مُجَاهِد: مثل قَول ابْن
عَبَّاس، وَعَن القعْنبِي: معاد الرجل بَلَده لِأَنَّهُ
ينْصَرف ثمَّ يعود إِلَى بَلَده، وَعَن أبي سعيد
الْخُدْرِيّ: الْمَوْت، وَعَن الْحسن الزُّهْرِيّ: إِلَى
يَوْم الْقِيَامَة، وَعَن ابْن صَالح: إِلَى الْجنَّة.
92 - (سورَةُ العَنْكَبُوتِ)
أَي: هَذَا فِي تَفْسِير بعض سُورَة العنكبوت، وَهِي
مَكِّيَّة. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: فِيهَا اخْتِلَاف فِي
سبع عشرَة آيَة، فَذكرهَا وَقَالَ مقَاتل نزلت: {ألم
أحسِبَ النَّاس} (العنكبوت: 1 2) فِي مهجع بن عبد الله
مولى عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ، أول قَتِيل من
الْمُسلمين يَوْم بدر. رَمَاه ابْن الْحَضْرَمِيّ بِسَهْم
فَقتله، وَهُوَ أول من يدعى إِلَى الْجنَّة من شُهَدَاء
أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ السخاوي:
نزلت بعد: {ألم غلبت الرّوم} (الرّوم: 1 2) وَقبل سُورَة
المطففين، وَهِي تسع وَسِتُّونَ آيَة، وَألف وَتِسْعمِائَة
وَإِحْدَى وَثَمَانُونَ كلمة، وَأَرْبَعَة آلَاف وَمِائَة
وَخَمْسَة وَتسْعُونَ حرفا.
لم تثبت الْبَسْمَلَة إلاَّ فِي بعض النّسخ، وَأما
التَّرْجَمَة فَلم تثبت إلاَّ لأبي ذَر.
قالَ مجاهِدُ: وكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ: ضَلَلَةً
أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: {فصدهم عَن
السَّبِيل وَكَانُوا مستبصرين} (العنكبوت: 83) . قَوْله:
(ضللة) ، جمع ضال، قَالَه الْكرْمَانِي وَفِيه مَا فِيهِ،
وَالصَّوَاب: ضَلَالَة. وَكَذَا هُوَ فِي عَامَّة النّسخ،
وَفِي التَّفْسِير: مستبصرين يَعْنِي فِي الضَّلَالَة،
وَعَن قَتَادَة: مستبصرين فِي ضلالتهم معجبين بهَا، وَعَن
الْفراء: عقلاء ذَوي بصائر، وَعَن الضَّحَّاك والكلبي
وَمُقَاتِل: حسبوا أَنهم على الْحق وَالْهدى وهم على
الْبَاطِل.
وَقَالَ غيْرُهُ: الْحَيَوَانُ والْحَيُّ واحِدٌ
أَي: قَالَ غير مُجَاهِد، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) :
أَي: غير ابْن عَبَّاس، وَلَيْسَ كَذَلِك على مَا لَا
يخفى، وَلم يثبت هَذَا إلاَّ لأبي ذَر. وَفِي رِوَايَة
النَّسَفِيّ: الْحَيَوَان والحياة وَاحِد، وَأَشَارَ بِهِ
إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَإِن الدَّار الْآخِرَة لهي
الْحَيَوَان لَو كَانُوا يعلمُونَ} وَقَالَ: معنى
(الْحَيَوَان والحي وَاحِد) يَعْنِي: دَار الْآخِرَة هِيَ
الْحَيَاة أَو الْحَيّ، وَفِي التَّفْسِير: لهي
الْحَيَوَان، يَعْنِي الدَّار الْبَاقِيَة الَّتِي لَا
زَوَال لَهَا وَلَا موت فِيهَا، وَقيل: لَيْسَ فِيهَا
إلاَّ حَيَاة مستمرة دائمة خالدة لَا موت فِيهَا،
وَكَأَنَّهَا فِي ذَاتهَا نفس الْحَيَوَان، وَالْحَيَوَان
مصدر حَيّ. وَقِيَاسه: حييان، وقلبت الْيَاء الثَّانِيَة
واواً كَمَا قيل: حَيْوَة. وَبِه سمي مَا فِيهِ حَيْوَة
حَيَوَانا وَإِنَّمَا اختير لفظ: الْحَيَوَان دون
الْحَيَاة لما فِيهِ زِيَادَة معنى لَيْسَ فِي بِنَاء
الْحَيَاة، وَهُوَ مَا فِي بِنَاء فعلان من معنى
الْحَرَكَة وَالِاضْطِرَاب كالنزوان وَنَحْوه، والحياة
حَرَكَة كَمَا أَن الْمَوْت سُكُون فَلذَلِك اختير لفظ
الْحَيَوَان الْمُقْتَضى للْمُبَالَغَة.
{وليَعْلَمَنَّ الله} (العنكبوت: 3) عَلِمَ الله ذالِكَ
إنّما هِيَ بِمَنْزِلَةِ فَليَمِيزَ الله كَقَوْلِهِ:
{لِيمِيزَ الله
(19/108)
الخَبِيثَ مِنَ الطّيِّبِ} (الْأَنْفَال:
73)
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وليعلمن الله
الَّذين آمنُوا وليعلمن الْمُنَافِقين} . وَفِي
التَّفْسِير: أَي حَال الْفَرِيقَيْنِ ظَاهِرَة عِنْد الله
الَّذِي يملك الْجَزَاء، وَقَالَ الله تَعَالَى أَيْضا:
{فليعلمن الله الَّذين صدقُوا وليعلمن الْكَاذِبين} .
قَوْله: (وَإِنَّمَا هِيَ) ، أَي: إِنَّمَا لَفْظَة:
(ليعلمن الله) ، بلام التَّأْكِيد ونونه بِمَنْزِلَة
قَوْله: (فلميز الله) يَعْنِي: علم الله ذَلِك من قبل
لِأَنَّهُ فرق بَين الطَّائِفَتَيْنِ، كَمَا فِي قَوْله
تَعَالَى: {ليميز الله الْخَبيث من الطّيب} (الْأَنْفَال:
73) أَي: الْكَافِر من الْمُؤمن.
أثْقالاً مَعَ أثْقالِهِمْ أوْزَاراً مَعَ أوْزَارِهِمْ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وليحملن أثقالهم
وأثقالاً مَعَ أثقالهم} (العنكبوت: 31) وَفَسرهُ بقوله:
أوزاراً مَعَ أوزارهم، وَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة أَي:
بِسَبَب من أَضَلُّوا وصدوا عَن سَبِيل الله عز وَجل
فيحملون أوزارهم كَامِلَة يَوْم الْقِيَامَة.
03 - (سورَةُ ألم غُلِبَتِ الرُّومُ)
أَي: هَذَا فِي تَفْسِير بعض سُورَة الرّوم، وَهِي
مَكِّيَّة وفيهَا اخْتِلَاف فِي آيَتَيْنِ، قَوْله: {وَلَو
أَن مَا فِي الأَرْض من شَجَرَة أَقْلَام} (لُقْمَان: 72)
فَذكر السّديّ أَنَّهَا نزلت بِالْمَدِينَةِ، وَقَوله:
{وَإِن الله عِنْده علم السَّاعَة} (لُقْمَان: 43) وَقَالَ
السخاوي: نزلت بعد: {إِذا السَّمَاء انشقت} (الانشقاق: 1)
وَقبل العنكبوت، وَهِي سِتُّونَ آيَة، وَثَمَانمِائَة وتسع
عشرَة كلمة، وَثَلَاثَة آلَاف وَخَمْسمِائة وَأَرْبَعَة
وَثَلَاثُونَ حرفا، وَالروم إثنان: الأول: من ولد يافث بن
نوح عَلَيْهِ السَّلَام، وَهُوَ رومي بن لنطي بن يونان بن
يافث، الثَّانِي: الَّذِي رَجَعَ إِلَيْهِم الْملك من ولد
رومي بن لنطي من ولد عيص بن إِسْحَاق عَلَيْهِ السَّلَام،
غلبوا على اليونانيين فَبَطل ذكر الْأَوَّلين وَغلب
هَؤُلَاءِ على الْملك. وروى الواحدي من حَدِيث الْأَعْمَش:
عَن عَطِيَّة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، قَالَ: لما كَانَ
يَوْم بدر ظَهرت الورم على فَارس فأعجب بذلك
الْمُؤْمِنُونَ، فَنزلت {ألم غلبت الرّوم} (الرّوم: 1 2)
إِلَى أَن قَالَ: يفرح الْمُؤْمِنُونَ بِظُهُور الرّوم على
أهل فَارس.
{بِسم الله الرحمان الرَّحِيم}
لم تثبت الْبَسْمَلَة وَلَفظ سُورَة إلاَّ لأبي ذَر.
قَالَ مُجاهِدٌ يُحْبَرُونَ: يُنَعَّمُونَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فَأَما الَّذين
آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات فهم فِي رَوْضَة يُحبرون}
(الرّوم: 51) وَفسّر: (يحبرون) بقوله: (ينعمون) . وَهَذَا
التَّعْلِيق رَوَاهُ الْحَنْظَلِي عَن حجاج: حَدثنَا
شَبابَة حَدثنَا وَرْقَاء عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد،
وَعَن ابْن عَبَّاس: يكرمون، وَقيل: السماع فِي الْجنَّة.
فَلاَ يَرْبُو عِنْدَ الله مَنْ أعْطَى عَطِيَّةٍ
يَبْتَغِي أفْضَلَ مِنْهُ فَلاَ أجْرَ لَهُ فِيها
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَمَا آتيتم من
رَبًّا ليربو فِي أَمْوَال النَّاس فَلَا يَرْبُو عِنْد
الله} (الرّوم: 93) وَهَذَا قد اخْتلف فِي مَعْنَاهُ،
فَقَالَ سعيد بن جُبَير وَمُجاهد وطاووس وَقَتَادَة
وَالضَّحَّاك: هُوَ الرجل يُعْطي الرجل الْعَطِيَّة
وَيهْدِي إِلَيْهِ الْهَدِيَّة ليَأْخُذ أَكثر مِنْهَا،
فَهَذَا رَبًّا حَلَال لَيْسَ فِيهِ أجر وَلَا وزر فَهَذَا
للنَّاس عَامَّة، وَفِي حق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، حرَام عَلَيْهِ أَن يُعْطي شَيْئا فَيَأْخُذ أَكثر
مِنْهُ، لقَوْله تَعَالَى: {وَلَا تمنن تستكثر} (المدثر:
6) . وَقَالَ الشّعبِيّ: هُوَ الرجل يلتزق بِالرجلِ فيحمله
ويخدمه ويسافر مَعَه فَيحمل لَهُ ربح مَاله ليجزيه،
وَإِنَّمَا أعطَاهُ التمَاس عونه وَلم يرد وَجه الله
تَعَالَى، وَقَالَ إِبْرَاهِيم: هَذَا فِي الْجَاهِلِيَّة،
كَانَ يُعْطي الرجل قرَابَته المَال يكثر بِهِ مَاله.
قَوْله: (من أعْطى عَطِيَّة)
إِلَى آخِره، تَفْسِير قَوْله: (فَلَا يَرْبُو) . قَوْله:
(يَبْتَغِي) ، أَي: يطْلب أفضل مِنْهُ أَي أَكثر. قَوْله:
(فَلَا أجر لَهُ فِيهَا) ، أَي: فِي هَذِه الْعَطِيَّة،
وَلَا وزر عَلَيْهِ.
يَمْهَدُونَ: يُسَوُّونَ المَضاجِع
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَمن عمل صَالحا
فلأنفسهم يمهدون} (الرّوم: 44) وَفسّر: (يمهدون) ، بقوله:
(يسوون الْمضَاجِع) وَكَذَا رَوَاهُ الْفرْيَابِيّ من
طَرِيق ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد، أَي: يوطؤون مقار
أنفسهم فِي الْقُبُور أَو فِي الْجنَّة.
الوَدْقُ: المَطَرُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فترى الودق يخرج من
خلاله} (الرّوم: 84) وَفسّر: (الودق) (بالمطر) وَكَذَا
فسره مُجَاهِد فِيمَا روى عَنهُ ابْن أبي نجيح.
قَالَ ابنُ عَبّاسٍ: {هَلْ لَكُمْ مِمَّا مَلَكَتْ
أيْمانُكُمْ} (الرّوم: 82) فِي الآلهَةِ وفِيهِ
تَخاوفُونَهُمْ أنْ يَرِثُوكُمْ كَمَا يَرِثُ بَعْضُكُمْ
بَعْضاً
أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: {ضرب لكم
مثلا من أَنفسكُم هَل لكم مِمَّا ملكت أَيْمَانكُم من
شُرَكَاء فبمَا رزقنا كم فَأنْتم فِيهِ سَوَاء تخافونهم} .
قَوْله: (فِي الْآلهَة) ، أَي: نزل هَذَا فِي حق الْآلهَة.
قَوْله: (وَفِيه) ، أَي: وَفِي حق الله، وَهَذَا على
سَبِيل الْمثل، أَي: هَل ترْضونَ لأنفسكم أَن يشارككم بعض
عبيدكم فِيمَا رزقناكم تَكُونُونَ أَنْتُم وهم فِيهِ
سَوَاء من غير تَفْرِقَة بَيْنكُم وَبَين عبيدكم
(19/109)
تخافونهم أَن يَرث بَعضهم بَعْضكُم أَو أَن
يستبدوا بِتَصَرُّف دونكم كَمَا يخَاف بعض الْأَحْرَار
بَعْضًا. فَإِذا لم ترضوا ذَلِك لأنفسكم فَكيف ترْضونَ لرب
الأرباب أَن تجْعَلُوا بعض عباده شَرِيكا لَهُ؟
يَصَّدَّعُونَ يَتَفَرَّقُونَ فاصْدَعْ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {يومئذٍ يصدعون}
(الرّوم: 34) وَفَسرهُ بقوله: (يتفرقون) ، وَكَذَا فسره
أَبُو عُبَيْدَة، وَقيل: هُوَ بِمَعْنى قَوْله: {يومئذٍ
يصدر النَّاس أشتاتاً} (الزلزلة: 6) ، وَقيل: هُوَ تفَاوت
الْمنَازل. وَفِي التَّفْسِير: يصدعون يتفرقون فريق فِي
الْجنَّة وفريق فِي السعير، ويصدعون أَصله: يتصدعون، قلبت
التَّاء صاداً وأدغمت الصَّاد فِي الصَّاد. قَوْله:
(فَاصْدَعْ) أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله عز وَجل:
{فَاصْدَعْ بِمَا تُؤمر} (الْحجر: 49) أَي: أفرق وأمضه،
قَالَه أَبُو عُبَيْدَة، وأصل الصدع الشق فِي الشَّيْء.
وَقَالَ غَيْرُهُ: ضُعْفٌ وضَعْفٌ، لُغَتانِ
أَي: قَالَ غير ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا، فِي
قَوْله تَعَالَى: {الله الَّذِي خَلقكُم من ضعف} (الرّوم:
45)
الْآيَة، الأول بِفَتْح الضَّاد، وَالثَّانِي بِالضَّمِّ،
وقرىء بهما. فالجمهور بِالضَّمِّ. وَقَرَأَ عَاصِم
وَحَمْزَة بِالْفَتْح، وَقَالَ الْخَلِيل: الضعْف
بِالضَّمِّ مَا كَانَ فِي الْجَسَد، وبالفتح مَا كَانَ فِي
الْعقل.
وَقَالَ مُجاهِدٌ: السُّوآي الإساءَةُ جَزَاءُ المُسيئِينَ
أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: {ثمَّ كَانَ
عَاقِبَة الَّذين أساؤوا السوآي أَن كذبُوا بآيَات الله}
(الرّوم: 01) وَفسّر: (السوآي) (بالإساءة) وَاخْتلف فِي
ضبط الْإِسَاءَة، فَقيل: بِكَسْر الْهمزَة وَالْمدّ، وَجوز
ابْن التِّين فتح أَوله ممدوداً ومقصوراً، وَقَالَ
النَّسَفِيّ: السوآي تَأْنِيث الأسوء، وَهُوَ الأقبح،
كَمَا أَن الْحسنى تَأْنِيث الْأَحْسَن.
267 - (حَدثنَا مُحَمَّد بن كثير حَدثنَا سُفْيَان حَدثنَا
مَنْصُور وَالْأَعْمَش عَن أبي الضُّحَى عَن مَسْرُوق
قَالَ بَيْنَمَا رجل يحدث فِي كِنْدَة فَقَالَ يَجِيء
دُخان يَوْم الْقِيَامَة فَيَأْخُذ بأسماع الْمُنَافِقين
وأبصارهم يَأْخُذ الْمُؤمن كَهَيئَةِ الزُّكَام ففزعنا
فَأتيت ابْن مَسْعُود وَكَانَ مُتكئا فَغَضب فَجَلَسَ
فَقَالَ من علم فَلْيقل وَمن لم يعلم فَلْيقل الله أعلم
فَإِن من الْعلم أَن تَقول لما لَا تعلم لَا أعلم فَإِن
الله قَالَ لنَبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
قل مَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ من أجر وَمَا أَنا من المتكلفين
وَإِن قُريْشًا أبطؤا عَن الْإِسْلَام فَدَعَا عَلَيْهِم
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ
اللَّهُمَّ أَعنِي عَلَيْهِم بِسبع كسبع يُوسُف فَأَخَذتهم
سنة حَتَّى هَلَكُوا فِيهَا وأكلوا الْميتَة وَالْعِظَام
وَيرى الرجل مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض كَهَيئَةِ
الدُّخان فَجَاءَهُ أَبُو سُفْيَان فَقَالَ يَا مُحَمَّد
جِئْت تَأْمُرنَا بصلَة الرَّحِم وَإِن قَوْمك قد هَلَكُوا
فَادع الله فَقَرَأَ {فَارْتَقِبْ يَوْم تَأتي السَّمَاء
بِدُخَان مُبين} إِلَى قَوْله {عائدون} أفيكشف عَنْهُم
عَذَاب الْآخِرَة إِذا جَاءَ ثمَّ عَادوا إِلَى كفرهم
فَذَلِك قَوْله تَعَالَى {يَوْم نبطش البطشة الْكُبْرَى}
يَوْم بدر ولزاما يَوْم بدر) هَذَا الحَدِيث بِعَين هَذَا
الْإِسْنَاد قد مر فِي كتاب الاسْتِسْقَاء فِي بَاب إِذا
استشفع الْمُشْركُونَ بِالْمُسْلِمين عِنْد الْقَحْط
وَلَكِن فِي متنهما بعض تفَاوت بِالزِّيَادَةِ
وَالنُّقْصَان وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ وَمَنْصُور هُوَ
ابْن الْمُعْتَمِر وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان وَأَبُو
الضُّحَى مُسلم بن صبيح الْكُوفِي الْعَطَّار ومسروق هُوَ
ابْن الأجدع روى الحَدِيث عَن عبد الله بن مَسْعُود وَقد
مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ قَوْله " فِي كِنْدَة "
بِكَسْر الْكَاف وَسُكُون النُّون قَالَ الْكرْمَانِي
مَوضِع بِالْكُوفَةِ قلت يحْتَمل أَن يكون حَدِيث الرجل
بَين قوم هم من كِنْدَة الْقَبِيلَة قَوْله " فَأتيت ابْن
مَسْعُود فِيهِ حذف " أَي فَأتيت ابْن مَسْعُود وأخبرته
بِخَبَر الرجل وَكَانَت مُتكئا فَغَضب من ذَلِك فَجَلَسَ
قَوْله " فَإِن من الْعلم أَن يَقُول لما لَا يعلم لَا
أعلم " وَقَالَ الْكرْمَانِي كَيفَ يكون لَا أعلم من
الْعلم قلت تَمْيِيز الْمَعْلُوم من الْمَجْهُول نوع من
الْعلم وَهُوَ الْمُنَاسب لما قيل لَا أَدْرِي نصف الْعلم
وَأما مُنَاسبَة الْآيَة فَلِأَن القَوْل فِيمَا لَا يعلم
قسم
(19/110)
من التَّكَلُّف قَوْله " سنة بِفَتْح
السِّين " أَي قحط قَوْله البطشة الْكُبْرَى إِلَى آخِره
أُرِيد بالبطشة الْقَتْل يَوْم بدر وباللزام الْأسر فِيهِ
أَيْضا -
(بابُ: {لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله} (الرّوم: 03)
لِدِينِ الله. {خَلْقُ الأولِينَ} (الشُّعَرَاء: 731)
دِينُ الأوَّلِينَ والفِطْرَةُ الإسْلاَمُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {لَا تَبْدِيل لخلق
الله} وَلَيْسَ فِي كثير من النّسخ لفظ: بَاب. قَوْله:
(لدين الله) ، تَفْسِير: الْخلق الله، وَكَذَا روى
الطَّبَرِيّ عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فِي قَوْله: {لَا
تَبْدِيل لخلق الله} قَالَ: لدين الله، وَفِي التَّفْسِير
أَي: لدين الله، أَي: لَا يَصح ذَلِك وَلَا يَنْبَغِي أَن
يفعل، ظَاهره نفي وَمَعْنَاهَا نهي، هَذَا قَول أَكثر
الْعلمَاء، وَعَن عِكْرِمَة وَمُجاهد: لَا تَغْيِير لخلق
الله تَعَالَى من الْبَهَائِم بالخصا وَنَحْوهَا. قَوْله:
{خلق الْأَوَّلين دين الْأَوَّلين} ، أَشَارَ بِهِ إِلَى
أَن معنى قَوْله تَعَالَى: {إِن هَذَا إلاَّ خلق
الْأَوَّلين} يَعْنِي: دين الْأَوَّلين، وَهَكَذَا رُوِيَ
عَن ابْن عَبَّاس، أخرجه ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ
بن أبي طَلْحَة عَنهُ. قَوْله: (والفطرة الْإِسْلَام) ،
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فطْرَة الله الَّتِي
فطر النَّاس عَلَيْهَا لَا تَبْدِيل لخلق الله ذَلِك
الدّين الْقيم وَلَكِن أَكثر النَّاس لَا يعلمُونَ}
(الرّوم: 03) . وَفسّر الْفطْرَة بِالْإِسْلَامِ، وَهُوَ
قَول عِكْرِمَة، وَقيل: الْفطْرَة هُنَا هِيَ الْفقر
والفاقة، وفطرة الله نصب على الْمصدر، أَي: فطر فطْرَة،
وَقيل: نصب على الإغراء، وَالدّين الْقيم أَي
الْمُسْتَقيم.
5774 - حدَّثنا عَبْدَانُ أخبرنَا عَبْدُ الله أخْبَرَنا
يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أخبَرَنِي أبُو سَلَمَةَ
بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ أنَّ أَبَا هُرَيْرَة رَضِي الله
عنهُ قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا
مِنْ مَوْلُودٍ إلايُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ فأبَوَاهُ
يُهَوِّدَانِهِ أوْ يُنَصِّرَانِهِ أوْ يُمَجِّسانِهِ
كَمَا تُنْتَجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَة جَمعاءَ هَلْ
تُحِسُّونَ فِيها مِنْ جَدْعاءَ ثُمَّ يَقُولُ: {فِطْرَةَ
الله الَّتي فَطَرع الناسَ عَلَيْها لاَ تَبْدِيلَ
لِخَلْقِ الله ذالِكَ الدِّينُ القَيِّمُ} ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وعبدان هُوَ عبد الله بن
عُثْمَان الْمروزِي وعبدان لقبه، وَعبد الله هُوَ ابْن
الْمُبَارك الْمروزِي، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد،
وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب، وَأَبُو
سَلمَة هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَالْمَشْهُور
أَن هَذِه الكنية هِيَ اسْمه، والْحَدِيث مضى فِي كتاب
الْجَنَائِز فِي: بَاب إِذا أسلم الصَّبِي فَمَاتَ، بِعَين
هَذَا الْإِسْنَاد والمتن، وَمضى الْكَلَام فِيهِ
مُسْتَوفى.
قَوْله: (كَمَا تنْتج الْبَهِيمَة) ، على صِيغَة
الْمَجْهُول، (وبهيمة) مفعول ثَان لَهُ، (وجمعاء) تَامَّة
الْأَعْضَاء غير نَاقِصَة الْأَطْرَاف، والجدعاء الَّتِي
قطعت أذنها أَو أنفها. قَوْله: (فَأَبَوَاهُ) ، أَي: أَبُو
الْمَوْلُود. قَوْله: (ثمَّ يَقُول) أَي: أَبُو هُرَيْرَة.
13 - (سُورَةُ لُقْمانَ)
أَي: هَذَا فِي تَفْسِير بعض سُورَة لُقْمَان، وَهِي
مَكِّيَّة وفيهَا اخْتِلَاف فِي آيَتَيْنِ قَوْله: {وَلَو
أَن مَا فِي الأَرْض من شَجَرَة أَقْلَام} (لُقْمَان: 72)
، فَذكر السّديّ أَنَّهَا نزلت بِالْمَدِينَةِ، وَقَوله:
{إِن الله عِنْده علم السَّاعَة} (لُقْمَان: 43) نزلت فِي
رجل من محَارب بِالْمَدِينَةِ، وَقَالَ ابْن النَّقِيب:
قَالَ ابْن عَبَّاس: هِيَ مَكِّيَّة إِلَّا ثَلَاث آيَات
نَزَلْنَ بِالْمَدِينَةِ، وَعَن الْحسن: إلاَّ آيَة
وَاحِدَة، وَهِي قَوْله عز وَجل: {الَّذين يُقِيمُونَ
الصَّلَاة وَيُؤْتونَ الزَّكَاة} (النَّمْل: 32، لُقْمَان:
4) لِأَن الصَّلَاة وَالزَّكَاة مدنيتان، وَهِي أَربع
وَثَلَاثُونَ آيَة وَخَمْسمِائة وثمان وَأَرْبَعُونَ كلمة،
وَأَلْفَانِ وَمِائَة وَعشرَة أحرف.
ولقمان بن باعور بن ناخر بن تارخ وَهُوَ آزر أَبُو
إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، أَو قَالَ
السُّهيْلي: لُقْمَان بن عنقابن سرون عَاشَ ألف سنة.
وَأدْركَ دَاوُد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَأخذ
عَنهُ الْعلم، وَكَانَ يُفْتِي قبل مبعث دَاوُد عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَلَمَّا بعث دَاوُد قطع الْفتيا،
وَقيل: كَانَ تلميذاً لِأَلف نَبِي، وَعند ابْن أبي حَاتِم
عَن مُجَاهِد: كَانَ عبدا أسود عَظِيم الشفتين مشقق
الْقَدَمَيْنِ، وَعَن ابْن عَبَّاس: كَانَ عبدا حَبَشِيًّا
بخاراً، وَقَالَ سعيد بن الْمسيب: كَانَ من سودان مصر ذُو
مشافر، أعطَاهُ الله الْحِكْمَة وَمنعه النُّبُوَّة، وَعَن
جَابر بن عبد الله: كَانَ قَصِيرا أفطس من النُّبُوَّة،
وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: لم يكن نَبيا فِي قَول أَكثر
النَّاس وَكَانَ رجلا صَالحا، وَعَن ابْن الْمسيب: كَانَ
خياطاً، وَعَن الزّجاج: كَانَ نجاداً بِالدَّال
الْمُهْملَة، كَذَا هُوَ بِخَط جمَاعَة من الْأَئِمَّة،
وَقيل: رَاعيا، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: كَانَ يحكم
وَيَقْضِي فِي بني إِسْرَائِيل، وزمانه مَا بَين عِيسَى
وَمُحَمّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعند الحوتي عَن
عِكْرِمَة: كَانَ نَبيا، وَهُوَ قد تفرد بِهَذَا
(19/111)
القَوْل، وَقَالَ وهب بن مُنَبّه: كَانَ
ابْن أُخْت أَيُّوب، وَقَالَ مقَاتل: ابْن خَالَة أَيُّوب،
وَاسم ابْنه: أنعم، وَكَانَ كَافِرًا فَمَا زَالَ حَتَّى
أسلم، وَقيل: مشْكم، وَقيل: ماثان، وَقيل: ثاران.
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}
لم تثبت الْبَسْمَلَة وَلَفظ سُورَة إلاَّ لأبي ذَر، وَلم
تثبت الْبَسْمَلَة فَقَط للنسفي.
لاَ تُشْرِكْ بِاللَّه إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ
أَولهَا هُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذ قَالَ لُقْمَان
لِابْنِهِ وَهُوَ يعظه يَا بني لَا تشرك بِاللَّه إِن
الشّرك لظلم عَظِيم} (لُقْمَان: 31) أَي: أذكر إِذْ قَالَ
لُقْمَان. قَوْله: (وَهُوَ يعظه) جملَة حَالية. قَوْله:
(لَا تشرك بِاللَّه) أَي: مَعَ الله. قَوْله: (لظلم) ،
الظُّلم وضع الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه، والمشرك ينْسب
نعْمَة الله إِلَى غَيره لِأَن الله هُوَ الرَّزَّاق
والمحيي والمميت.
6774 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ بنُ سَعِيدٍ
حدَّثنا جَرِيرٌ عَنِ الأعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ
عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ
لَمَّا نَزَلَتْ هاذِهِ الآيَةُ: {الَّذِينَ آمَنُوا
وَلَمْ يَلْبُسُوا إيمانُهُمْ بِظُلْمٍ} (الْأَنْعَام: 28)
. شَقَّ ذالِكَ عَلَى أصْحابِ رسولِ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وقالُوا أَيّنَا لَمْ يَلْبسْ إيمانَهُ
بِظُلْمٍ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إنَّهُ لَيْس بِذَاكَ ألاَ تَسْمَعُ إِلَى قَوْلِ لُقْمانَ
لإبْنِهِ: {إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَجَرِير، بِالْجِيم: هُوَ
ابْن عبد الحميد يروي عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن
إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ عَن عَلْقَمَة بن قيس النَّخعِيّ
عَن عبد الله بن مَسْعُود. والْحَدِيث مضى فِي كتاب
الْإِيمَان فِي: بَاب ظلم دون ظلم، وَقَالَ الْكرْمَانِي:
سبق الحَدِيث مُسْتَوفى فِي: بَاب سُؤال جِبْرِيل عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا سبق
فِي الْبَاب الَّذِي ذَكرْنَاهُ. قَوْله: (لَيْسَ بِذَاكَ)
ويروى: لَيْسَ بذلك.
(بابُ: إِن الله عِنْده علم السَّاعَة {لُقْمَان: 43} )
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {إِن الله عِنْده
علم السَّاعَة} ... الْآيَة، نزلت فِي الْوَارِث بن عمر من
أهل الْبَادِيَة، أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يسْأَله عَن السَّاعَة ووقتها، وَقَالَ: أَرْضنَا أجدبت
فَمَتَى ينزل الْغَيْث؟ وَقد تركت امْرَأَتي حُبْلَى
فَمَتَى تَلد؟ وَقد علمت أَيْن ولدت، فَبِأَي أَرض أَمُوت
فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة.
7774 - حدَّثني إسْحاقُ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ أبي حَيَّانَ
عَنْ أبي زُرْعَةَ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عنهُ
أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يَوْماً
بارِزاً لِلنَّاسِ إذْ أتاهُ رجُلٌ يَمْشِي فَقَالَ يَا
رسولَ الله مَا الإيمانُ قَالَ الإيمانُ أنْ تُؤْمنَ
بِاللَّه وَمَلاَئِكَتِهِ ورسُلِهِ ولِقائِهِ وتُؤْمِنَ
بالبَعْثِ الآخِرِ قَالَ يَا رسولَ الله مَا إلاَّ
الإسْلاَمُ أنْ تَعْبُدَ الله ولاَ تُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً
وتُقِيمَ الصَّلاَةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكاةَ المَفْرِوضَةَ
وتَصُومَ رَمَضانَ قَالَ رسولَ الله مَا الإحْسانُ قَالَ
الإحْسانُ أنْ تَعْبُدَ الله كأنَّكَ تَرَاهُ فإِنْ لَمْ
تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّهُ يَرَاكَ قَالَ يَا رسولَ الله
مَتَى السَّاعَةُ قَالَ مَا المَسْؤُولُ عَنْها بأعْلَمَ
مِنَ السَّائِلِ ولاكِنْ سأُحَدِّثُكَ عَنْ أشْرَاطِها
إذَا ولَدَتِ المَرْأةُ رَبَّتَها فَذَاكَ مِنْ أشْرَاطِها
وَإِذا كانَ الحُفاةُ العُرَاةُ رؤُوسَ النّاس فَذَاكَ
مِنْ أشْرَاطِها فِي خَمْسٍ لاَ يَعْلَمُهُنَّ إلاَّ الله
إنَّ الله عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ويُنَزِّلُ الغَيْثَ
ويَعْلَمُ مَا فِي الأرْحامِ ثُمَّ انْصَرَفَ الرَّجُلُ
فَقَالَ رُدُّوا عَلَيَّ فأخَذُوا لِيَرُدوا فَلَمْ
يَرَوْا شَيْئاً فَقَالَ هاذَا جِبْرِيلُ جاءَ لِيُعَلِّمَ
النَّاسَ دِينَهُمْ.
(انْظُر الحَدِيث 05) .
(19/112)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْحَاق
هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم وَهُوَ الْمَعْرُوف بِابْن
رَاهَوَيْه، وَجَرِير هُوَ ابْن عبد الحميد، وَأَبُو
حَيَّان، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء
آخر الْحُرُوف: وأسمه يحيى بن سعيد الْكُوفِي، وَأَبُو
زرْعَة اسْمه هرم بن عَمْرو بن جرير البَجلِيّ. والْحَدِيث
مضى فِي كتاب الْإِيمَان فِي: بَاب سُؤال جِبْرِيل
النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَمضى الْكَلَام
فِيهِ هُنَاكَ مطولا مُسْتَوفى.
8774 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ سُلَيْمانَ قَالَ حدّثني ابنُ
وهْبٍ قَالَ حدّثني عُمرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زَيْدِ ابنِ
عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ أنَّ أباهُ حَدَّثَهُ أنَّ عَبْدَ
الله بنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النبيُّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَفاتِيحُ الغَيْبِ خَمْسٌ ثُمَّ
قَرَأ: {إنَّ الله عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} (لُقْمَان:
43) ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى بن سُلَيْمَان
أَبُو سعيد الْجعْفِيّ الْكُوفِي، نزل مصر وَسمع عبد الله
بن وهب الْمصْرِيّ، يروي عَن عمر بن مُحَمَّد الخ، هَكَذَا
قَالَ ابْن وهب وَخَالفهُ أَبُو عَاصِم، فَقَالَ: عَن عمر
بن مُحَمَّد بن زيد عَن سَالم عَن ابْن عمر، أخرجه
الْإِسْمَاعِيلِيّ، فَإِن كَانَ مَحْفُوظًا احْتمل أَن
يكون لعمر بن مُحَمَّد فِيهِ شَيْخَانِ: أَبوهُ وَعم
أَبِيه. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (مَفَاتِيح الْغَيْب) ويروى: مفاتح الْغَيْب،
وَهَكَذَا وَقع هُنَا مُخْتَصرا، وَمضى هَذَا أَيْضا فِي
تَفْسِير سُورَة الرَّعْد وَفِي الاسْتِسْقَاء من طَرِيق
عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر، وَفِي تَفْسِير
الْأَنْعَام من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه
بِلَفْظ: مفاتح الْغَيْب خمس، وَرَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه
من طَرِيق عبد الله بن سَلمَة عَن ابْن مَسْعُود نَحوه،
وروى أَحْمد وَالْبَزَّار وَصَححهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم
من حَدِيث بُرَيْدَة رَفعه، قَالَ: خمس لَا يعلمهُنَّ
إلاَّ الله ... الحَدِيث.
23 - (سورَةُ السَّجْدَةِ)
أَي: هَذَا فِي تَفْسِير بعض سُورَة تَنْزِيل السَّجْدَة،
وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: سُورَة السَّجْدَة، وَقَالَ
مقَاتل: مَكِّيَّة وفيهَا من الْمدنِي: {تَتَجَافَى
جنُوبهم عَن الْمضَاجِع} (السَّجْدَة: 61) الْآيَة.
فَإِنَّهَا نزلت فِي الْأَنْصَار، وَقَالَ السخاوي: نزلت
بعد: {قد أَفْلح} (الْمُؤْمِنُونَ: 1) وَقبل الطّور، وَهِي
ألف وَخَمْسمِائة وَثَمَانِية عشر حرفا، وثلاثمائة
وَثَمَانُونَ كلمة، وَثَلَاثُونَ آيَة.
سَقَطت الْبَسْمَلَة فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ.
وَقَالَ مُجاهِدٌ: مَهِينٍ ضَعِيفٍ: نُطْفَةَ الرَّجُلِ
أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: {ثمَّ جعل
نَسْله من سلالة من مَاء مهين} (السَّجْدَة: 48) أَي:
ضَعِيف، ثمَّ قَالَ: المَاء المهين نُطْفَة الرجل،
وَرَوَاهُ عَنهُ ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق ابْن أبي نجيح.
ضَلَلْنا هَلَكنا
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَقَالُوا إئذا
ضللنا فِي الأَرْض} (السَّجْدَة: 01) وَفَسرهُ بقوله:
(هلكنا) ، وَكَذَا رَوَاهُ الْفرْيَابِيّ عَن مُجَاهِد من
طَرِيق ابْن أبي نجيح، وَقَالَ غَيره: صرنا تُرَابا،
وَهُوَ رَاجع إِلَى قَول مُجَاهِد لِأَنَّهُ يُقَال: أضلّ
الْمَيِّت إِذا دفن، وأضللته إِذا دَفَنته.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ الجُرُزُ الَّتِي لاَ تَمْطَرُ
إلاَّ مَطَراً لاَ يُغْنِي عَنْهَا شَيْئاً
أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: {أولم يرَوا
أَنا نسوق المَاء إِلَى الأَرْض الجرز فنخرج بِهِ ذرعاً}
(السَّجْدَة: 72) ، وَفسّر: (الجرز) بقوله: (الَّتِي لَا
تمطر) الخ. وَقيل: هِيَ أَرض غَلِيظَة يابسة لَا نبت
فِيهَا، وَأَصله من قَوْلهم: نَاقَة جرز إِذا كَانَت
تَأْكُل كل شَيْء تَجدهُ، وَرجل جروز إِذا كَانَ أكولاً،
وَسيف جرز أَي: قَاطع.
يَهْدِ يُبَيِّنُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {أولم يهدلهم كم
أهلكنا من قبلهم من الْقُرُون} (السَّجْدَة: 62) وَفسّر:
(يهدي) بقوله: (يبين) ، وَعَن ابْن عَبَّاس: أولم يبين
لَهُم، رَوَاهُ عَنهُ الطَّبَرِيّ من طَرِيق عَليّ بن أبي
طَلْحَة.
1 - (بابُ: {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ
مِنْ قُرَّةِ أعْيُنٍ} (السَّجْدَة: 71)
وَفِي بعض النّسخ: بَاب قَوْله: {فَلَا تعلم نفس} قَوْله:
(مَا أُخْفِي) ، قَرَأَ حَمْزَة سَاكِنة الْيَاء أَي: أَنا
أُخْفِي، على أَنه للمتكلم، وَهُوَ الله سُبْحَانَهُ،
وَالْبَاقُونَ مَفْتُوحَة الْيَاء على الْبناء
للْمَفْعُول، وَقَرَأَ الْأَعْمَش: مَا اخفيت لَهُم، على
صِيغَة الْمُتَكَلّم من الْمَاضِي، وَقَرَأَ ابْن
(19/113)
مَسْعُود: تخفى، بنُون الْمُتَكَلّم
للتعظيم، وَقَرَأَ مُحَمَّد بن كَعْب بِفَتْح أَوله وَفتح
الْفَاء على الْبناء للْفَاعِل وَهُوَ الله، وَقَرَأَ
أَبُو هُرَيْرَة وَابْن مَسْعُود وَأَبُو الدردار: قَرَأت
أعين وقرة عين من أقرّ الله عينه أَي: أعطَاهُ حَتَّى يقر
فَلَا يطمح إِلَى من هُوَ فَوْقه.
9774 - حدَّثنا عَلِيّ بن عَبْدِ الله حَدثنَا سُفْيانُ
عَنْ أبي الزِّنادِ عَنِ الأعْرَجِ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ
رَضِي الله عنهُ عَنْ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ قَالَ الله تَباركَ وَتَعَالَى: {أعْدَدْتُ
لِعِبادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رأتْ ولاَ أُذُنٌ
سَمِعَتْ ولاَ خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ} قَالَ أبُو
هُرَيْرَةَ اقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ
مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أعْيُنٍ} (السَّجْدَة:
71) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَعلي بن عبد الله هُوَ
الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن
عُيَيْنَة، وَأَبُو الزِّنَاد، بِكَسْر الزَّاي وَتَخْفِيف
النُّون: هُوَ عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج هُوَ عبد
الرَّحْمَن بن هُرْمُز، وَمضى الحَدِيث فِي صفة الْجنَّة.
قَوْله: (وَلَا خطر على قلب بشر) زَاد ابْن مَسْعُود فِي
حَدِيثه: وَلَا يُعلمهُ ملك مقرب وَلَا نَبِي مُرْسل.
وحدَّثنا سُفْيانُ حَدثنَا أبُو الزّنادِ عنِ الأعْرجِ
عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ الله
مِثْلَهُ قِيلَ لِسُفْيانَ رِوايَةً قَالَ فأيُّ شَيْءٍ
وَقَالَ أبُو مُعاوِيَةَ عَنِ الأعْمَشِ عَنْ أبي صالِحٍ
قَرَأ أبُو هُرَيْرَةَ قُرَّاتِ.
قَوْله: (وَحدثنَا سُفْيَان) ، مَوْصُول بِمَا قبله،
تَقْدِيره: حَدثنَا عَليّ أخبرنَا سُفْيَان، وَفِي بعض
النّسخ: قَالَ عَليّ: وَحدثنَا سُفْيَان. قَوْله: (مثله)
أَي: مثل مَا فِي الحَدِيث. قَوْله: (قيل لِسُفْيَان
رِوَايَة) . أَي: تروي رِوَايَة عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أم تَقول عَن اجتهادك؟ قَالَ: فَأَي شَيْء
أَي؟ فَأَي شَيْء كَانَ لَوْلَا الرِّوَايَة؟ قَوْله:
(قَالَ أَبُو مُعَاوِيَة) مُحَمَّد بن حَازِم الضَّرِير
عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن أبي صَالح ذكْوَان السمان
... إِلَى آخِره، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله أَبُو عبيد
الْقَاسِم بن سَلام فِي كتاب: (فَضَائِل الْقُرْآن) لَهُ
عَن أبي مُعَاوِيَة بِهَذَا الْإِسْنَاد مثله سَوَاء.
0874 - حدَّثني إسْحاقُ بنُ نَصْرٍ حَدثنَا أبُو أُسامَةَ
عَنْ الأعْمَشِ حَدثنَا أبُو صالِحٍ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ
رَضِي الله عنهُ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَقُولُ الله تَعَالَى: {أعْدَدْتُ لِعِبادِي
الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رأتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ
وَلَا خطرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ} . ذُخْراً بَلْهَ مَا
أُطْلِعْتُمْ عَلَيْهِ ثُمَّ قَرَأ: {فَلاَ تَعْلَمُ
نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أعْيُنٍ جَزَاءً
بِما كانُوا يَعْمَلُونَ} .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن إِسْحَاق
بن نصر، هُوَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن نصر البُخَارِيّ،
وَالْبُخَارِيّ تَارَة ينْسبهُ إِلَى أَبِيه، وَتارَة
إِلَى جده، يروي عَن أبي أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة عَن
سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن أبي صَالح ذكْوَان إِلَى آخِره،
وَهُوَ من أَفْرَاده. قَوْله: قَوْله: (ذخْرا) ، مَنْصُوب
مُتَعَلق (بأعددت) أَي: أَعدَدْت ذَلِك لَهُم مذخوراً.
قَوْله: (بله) ، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون
اللَّام وَفتح الْهَاء: مَعْنَاهُ دع الَّذِي أطلعْتُم
عَلَيْهِ، وَقيل: مَعْنَاهُ: سوى، أَي: سوى مَا أطلعْتُم
عَلَيْهِ الَّذِي ذكره الله فِي الْقُرْآن، وَقَالَ
الْخطابِيّ: كَأَنَّهُ يُرِيد بِهِ: دع مَا أطلعْتُم
عَلَيْهِ، وَأَنه سهل يسير فِي جنب مَا ادخرته لَهُم،
وَيُقَال أَيْضا بِمَعْنى: أجل، وَحكى اللَّيْث أَنه
يُقَال بِمَعْنى فضل كَأَنَّهُ يَقُول: هَذَا الَّذِي
غيبته عَنْكُم فضل مَا أطلعْتُم عَلَيْهِ مِنْهَا، وَقَالَ
الصغاني: اتّفق جَمِيع نسخ الصَّحِيح على: من بله،
وَالصَّوَاب إِسْقَاط كلمة: من مِنْهُ وَاعْترض عَلَيْهِ
بِأَنَّهُ لَا يتَعَيَّن إِسْقَاط من إلاّ إِذا فسرت
بِمَعْنى: دع، وَأما إِذا فسرت بِمَعْنى: من أجل، أَو: من
غير، أَو: سوى، فَلَا. وَقَالَ ابْن مَالك: الْمَعْرُوف من
بله إسم فعل بِمَعْنى: أترك، ناصب لما يَلِيهِ بِمَعْنى
المفعولية، واستعماله مصدرا بِمَعْنى التّرْك مُضَافا
إِلَى مَا يَلِيهِ، والفتحة فِي الأولى بنائية وَفِي
الثَّانِيَة إعرابية، وَهُوَ مصدر مهمل الْفِعْل مَمْنُوع
الصّرْف، وَقَالَ الْأَخْفَش: بله، هُنَا مصدر كَمَا
يَقُول: ضرب زيد، وندر دُخُول: من عَلَيْهِ زَائِدَة.
(19/114)
33 - (سورةَ الأحْزَابِ)
أَي: هَذَا فِي تَفْسِير بعض سُورَة الْأَحْزَاب، وَهِي
مَدَنِيَّة كلهَا لَا اخْتِلَاف فِيهَا، وَقَالَ السخاوي:
نزلت بعد آل عمرَان، وَقبل سُورَة الممتحنة، وَهِي خَمْسَة
آلَاف وَسَبْعمائة وَسِتَّة وَتسْعُونَ حرفا، وَألف
ومائتان وَثَمَانُونَ كلمة، وَثَلَاث وَسَبْعُونَ آيَة.
لم تثبت الْبَسْمَلَة وَلَفظ سُورَة إلاَّ لأبي ذَر،
وَسَقَطت الْبَسْمَلَة فَقَط للنسفي.
وَقَالَ مُجاهِدٌ: صَياصِيهِمْ: قُصُورِهِمْ
أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأنزل الَّذين
ظاهروهم من أهل الْكتاب من صياصيهم وَقذف فِي قُلُوبهم
الرعب} (الْأَحْزَاب: 62) ، (صياصيهم: قصورهم) وَهُوَ جمع
صيصة وَهِي مَا يحصن بِهِ، وَمِنْه قيل لقرن الثور: صيصية.
قَوْله: (وَأنزل الَّذين ظاهروهم) ، يَعْنِي الَّذين
عاونوا الْأَحْزَاب من قُرَيْش وغَطَفَان على رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْمُؤمنِينَ، وهم بَنو
قُرَيْظَة.
مَعْرُوفاً فِي الكِتابِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {إلاَّ أَن تَفعلُوا
إِلَى أوليائكم مَعْرُوفا} (الْأَحْزَاب: 6) وَأَرَادَ
(مَعْرُوفا فِي الْكتاب) . وَأُرِيد بِهِ الْقُرْآن،
وَقيل: اللَّوْح الْمَحْفُوظ، وَقيل: التَّوْرَاة وَهُوَ
قَوْله تَعَالَى: {كَانَ ذَلِك فِي الْكتاب مسطوراً}
(الإسراب: 85 والأحزاب: 6) وَهَذَا أثبت للنسفي وَحده.
1 - (بَاب: {النبيُّ أوْلَى بالمُؤْمِنِينَ مِنْ
أنْفُسِهِمْ} )
ثَبت هَذَا لأبي ذَر وَحده أَي: النَّبِي أَحَق
بِالْمُؤْمِنِينَ فِي كل شَيْء من أُمُور الدّين
وَالدُّنْيَا من أنفسهم، فَلهَذَا أطلق وَلم يُقيد.
1874 - حدَّثني إبْرَاهِيمُ بنُ المُنْذِرِ حَدثنَا
مُحَمَّدُ بنُ فُلَيْحٍ حدَّثنا أبي عَنْ هِلاَلِ بنِ
عَلِيّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ أبي عَمْرَةَ عَنْ أبي
هُرَيْرَةَ رضيَ الله عنهُ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إلاَّ وَأَنا أوْلى
النَّاسِ بِهِ فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ اقْرَؤُوا إِن
شِئْتُمْ. {النبيُّ أوْلى بالمُؤْمِنِينَ مِنْ
أنْفُسِهِمْ} فأيُّما مُؤْمنٍ تَرَك مَالا فَلْيَرِثْهُ
عَصَبَتُهُ مَنْ كانُوا فإِنْ تَرَكَ دَيْناً أوْ ضَياعاً
فَلْيَأْتَنِي وَأَنا مَوْلاهُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَمُحَمّد بن فليح يروي
عَن أَبِيه فليح بن سُلَيْمَان عَن هِلَال بن عَليّ وَهُوَ
هِلَال بن أبي مَيْمُونَة، وَيُقَال: هِلَال بن أبي
هِلَال، وَيُقَال: ابْن أُسَامَة الفِهري الْمَدِينِيّ.
والْحَدِيث مر فِي كتاب الاستقراض فِي: بَاب الصَّلَاة على
من ترك دينا.
قَوْله: (من كَانُوا) ، كلمة: من، مَوْصُولَة. وَكَانَ
تَامَّة وَفَائِدَة ذكر هَذَا الْوَصْف التَّعْمِيم
للعصبات نسبية قريبَة وبعيدة. قَوْله: (ضيَاعًا) ، بِفَتْح
الْمُعْجَمَة: الْعِيَال الضائعون الَّذين لَا شَيْء لَهُم
وَلَا قيم لَهُم وَالْمولى النَّاصِر، وَقد مر الْكَلَام
بِأَكْثَرَ مِنْهُ فِي الْبَاب الْمَذْكُور.
2 - (بابُ: {ادْعُوهُمْ لآبائِهِمْ هُوَ أقْسَطُ عِنْدَ
الله} (الْأَحْزَاب: 5) أعْدَلُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {ادعوهُمْ
لِآبَائِهِمْ} وَمعنى: أدعوهم انسبوهم لِآبَائِهِمْ
الَّذين ولدوهم.
2874 - حدَّثنا مُعَلَّى بنُ أسَدٍ حَدثنَا عَبْدُ
العَزِيزِ بنُ المُخْتارِ حدَّثنا مُوسَى بنُ عُقْبَةَ
قَالَ حدّثني سالِمٌ عَنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ رضيَ
الله عَنْهُمَا أنَّ زَيْدَ بنَ حارِثَةَ مَوْلى رسولِ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا كُنا نَدْعُوهُ إلاَّ
زَيْدَ بنَ مُحَمَّدٍ حَتَّى نَزَلَ القُرْآنُ:
{ادْعُوهُمْ لآبائِهِمْ هُوَ أقْسَطُ عِنْدَ الله} .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهُ يبين سَبَب نزُول
الْآيَة الْمَذْكُورَة، وَمعلى بِلَفْظ إسم الْمَفْعُول من
التعلية بِالْمُهْمَلَةِ، وَعبد الْعَزِيز بن الْمُخْتَار
الدّباغ الْبَصْرِيّ، ومُوسَى بن عقبَة بِالْقَافِ
الْمدنِي مولى آل الزبير بن الْعَوام.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن قُتَيْبَة
وَعَن أَحْمد بن سعيد وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي
التَّفْسِير وَفِي المناقب عَن قُتَيْبَة بِهِ. وَأخرجه
النَّسَائِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن قُتَيْبَة بِهِ
(19/115)
وَعَن الْحسن بن مُحَمَّد، وَسَيَأْتِي فِي
حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ: كَانَ من تبنى رجلا فِي
الْجَاهِلِيَّة دَعَاهُ النَّاس إِلَيْهِ وَورث مِيرَاثه
حَتَّى نزلت هَذِه الْآيَة.
3 - (بابُ: {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَخْبَهُ وَمِنْهُمْ
مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}
(الْأَحْزَاب: 32)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {فَمنهمْ} أَي: فَمن
الْمُؤمنِينَ الَّذين صدقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ
{من قضى نحبه} يَعْنِي: فرغ من نَذره ووفى بعهده،
وَيَأْتِي الْكَلَام على النحب. قَوْله: (وَمِنْهُم من
ينْتَظر) أَي: الشَّهَادَة. قَوْله: (وَمَا بدلُوا) أَي:
قَوْلهم وَعَهْدهمْ ونذرهم.
نَحْبَهُ عَهْدَهُ
النحب النّذر والنحب الْمَوْت، وَعَن مقَاتل: نحبه أَي قضى
أَجله فَقتل على الْوَفَاء، يَعْنِي حَمْزَة وَأَصْحَابه
رَضِي الله عَنْهُم، وَقيل: قضى نحبه أَي بذل جهده فِي
الْوَفَاء بعهده، من قَول الْعَرَب: نحب فلَان فِي سيره
ليله ونهاره إِذا أمد فَلم ينزل.
أقْطارِها جَوَانِبُها. الفِتْنَةَ لأتَوْها لأعْطَوْها
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {لَو دُخِلت
عَلَيْهِم من أقطارها ثمَّ سئلوا الْفِتْنَة لآتوها وَمَا
تلبثوا بهَا إلاَّ يَسِيرا} (الْأَحْزَاب: 41) وَفسّر:
(أقطارها) بقوله: (جوانبها) أَي: نَوَاحِيهَا، والأقطار
جمع قطر بِالضَّمِّ وَهُوَ: النَّاحِيَة. قَوْله: (وَلَو
دخلت) أَي: لَو دخل الْأَحْزَاب الْمَدِينَة ثمَّ أمروهم
بالشرك لأشركوا، وَهُوَ معنى قَوْله: {ثمَّ سئلوا
الْفِتْنَة} أَي: الشّرك {وَمَا تلبثوا} أَي: اجتنبوا عَن
الْإِجَابَة إِلَى الشّرك إلاَّ قَلِيلا أَي: لبثاً
يَسِيرا حَتَّى عذبُوا، قَالَه السّديّ. قَوْله: (لآتوها)
قَرَأَ ابْن كثير وَنَافِع وَابْن عَامر: لأتوها،
بِالْقصرِ أَي: لجاؤوها وفعلوها وَرَجَعُوا عَن
الْإِسْلَام وَكَفرُوا، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْمدِّ
أَي: لأعطوها.
3874 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حَدثنَا مُحَمَّدُ
بنُ عَبْدِ الله الأنْصارِيُّ قَالَ حدّثني أبي عنْ
ثُمامَةَ عَنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله عَنهُ قَالَ
نُرَى هاذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي أنَسِ بنِ النَّضْرِ
مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدّقُوا مَا عاهَدُوا الله
عَلَيْهِ.
(انْظُر الحَدِيث 5082 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن التَّرْجَمَة بعض
الْآيَة الْمَذْكُورَة، وَمُحَمّد بن عبد الله بن الْمثنى
بن عبد الله بن أنس بن مَالك يروي عَن أَبِيه عبد الله بن
الْمثنى، وَهُوَ يروي عَن عَمه ثُمَامَة، بِضَم الثَّاء
الْمُثَلَّثَة وَتَخْفِيف الميمين: ابْن عبد الله بن أنس
قَاضِي الْبَصْرَة، وَهُوَ يروي عَن جده أنس بن مَالك،
وَهَذَا الحَدِيث من أَفْرَاده، وَأنس ين النَّضر، بالضاد
الْمُعْجَمَة: ابْن ضَمْضَم بن زيد بن حرَام الْأنْصَارِيّ
عَم أنس بن مَالك الْأنْصَارِيّ، قتل يَوْم أحد شَهِيدا.
4874 - حدَّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ عَنِ
الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبرنِي خارِجَةُ بنُ زَيْدِ بنِ
ثابِتٍ أنَّ زَيْدَ بنَ ثابِتٍ قَالَ لمَّا نَسَخْنا
الصُّحُفَ فِي المَصاحِفِ فَقَدْتُ آيَةَ مِنْ سُورَةِ
الأحْزَاب كُنْتُ أسْمَعُ رَسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَقْرَؤها لَمْ أجِدْها مَعَ أحَدٍ إلاَّ مَعَ
خُزَيْمَةَ الأنْصارِيِّ الَّذِي جَعَلَ رسولُ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم شَهادَتَهُ شَهادَةَ رَجُلَيْنِ.
{مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا الله
عَلَيْهِ} ..
مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مَا ذكرنَا فِي مُطَابقَة
الحَدِيث الْمَاضِي، وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع،
وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة. والْحَدِيث مر فِي كتاب
الْجِهَاد فِي: بَاب قَوْله تَعَالَى: {من الْمُؤمنِينَ
رجال صدقُوا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ} وَمر الْكَلَام
فِيهِ هُنَاكَ، وَقيل: إِن الْآيَة المفقودة الَّتِي وجدت
عِنْد خُزَيْمَة هِيَ آخر سُورَة التَّوْبَة، كَمَا تقدم.
وَأجِيب: بِأَن لَا دَلِيل على الْحصْر وَلَا مَحْذُور فِي
كَون كلتيهما مكتوبتين عِنْده دون غَيره، وَجَوَاب آخر:
أَن الأولى كَانَت عِنْد النَّقْل من العسب وَنَحْوه إِلَى
الصُّحُف، وَالثَّانيَِة عِنْد النَّقْل من الصُّحُف إِلَى
الْمُصحف.
4
- (بابُ: {يَا أيُّها النبيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ إنْ
كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الحَياةَ الدُّنْيا وزِينَتَها
(19/116)
فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ
وأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} (الْأَحْزَاب: 82)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا
النَّبِي} إِلَى آخر الْآيَة فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين،
وَفِي رِوَايَة أبي ذَر إِلَى: {أمتعكن} ... الْآيَة.
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: كَانَ نسَاء النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، يسألنه من عرُوض الدُّنْيَا وَالزِّيَادَة
فِي النَّفَقَة ويتأذى بغيرة بَعضهنَّ على بعض فهجرهن وآلى
مِنْهُنَّ شهرا وَلم يخرج إِلَى أَصْحَابه، فَنزلت آيَة
التَّخْيِير. قَوْله: (إِن كنتن تردن الحيوة الدُّنْيَا)
أَي: السعَة فِي الدُّنْيَا وَكَثْرَة الْأَمْوَال:
{وَزينتهَا فتعالين} أَي: أقبلن بإرادتكن واختياركن أمتعكن
مُتْعَة الطَّلَاق، وَالْكَلَام فِي الْمُتْعَة فِي
النَّفَقَة. قَوْله: {وأسرحكن} يَعْنِي: الطَّلَاق {سراحاً
جميلاً} من غير إِضْرَار.
وَاخْتلفُوا فِي تخييره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقيل:
إِنَّه خيرهن بَين اختيارهن الدُّنْيَا فيفارقهن
وَاخْتِيَار الْآخِرَة فيمسكهن وَلم يُخَيِّرهُنَّ فِي
الطَّلَاق، قَالَه الْحسن وَقَتَادَة، وَقيل: بل بَين
الطَّلَاق وَالْمقَام مَعَه، قالته عَائِشَة وَمُجاهد
وَالشعْبِيّ وَمُقَاتِل، وَكَانَ تَحْتَهُ يومئذٍ تسع
نسْوَة خمس من قُرَيْش: عَائِشَة بنت أبي بكر، وَحَفْصَة
بنت عمر، وَأم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان، وَسَوْدَة بنت
زَمعَة، وَأم سَلمَة بنت أبي أُميَّة وَصفِيَّة بنت حييّ
بن أَخطب الْخَيْبَرِية، ومَيْمُونَة بنت الْحَارِث
الْهِلَالِيَّة، وَزَيْنَب بنت جحش الأَسدِية،
وَجُوَيْرِية بنت الْحَارِث الْمُصْطَلِقِيَّة.
وَاخْتلفُوا فِي سَبَب التَّخْيِير، فَقيل: لِأَن الله
تَعَالَى خَيره بَين ملك الدُّنْيَا ونعيم الْآخِرَة فَأمر
أَن يُخَيّر بَين نِسَائِهِ ليكن على مثل حَاله، وَقيل:
لِأَنَّهُنَّ تَغَايَرْنَ عَلَيْهِ فآلى مِنْهُنَّ شهرا،
وَقيل: لِأَنَّهُنَّ اجْتَمعْنَ يَوْمًا فَقُلْنَ: نُرِيد
مَا تُرِيدُ النِّسَاء من الْحلِيّ حَتَّى قَالَ بَعضهنَّ:
لَو كُنَّا عِنْد غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لَكَانَ لنا شَأْن وَثيَاب وحلي، وَقيل: لِأَن كل وَاحِدَة
طلبت مِنْهُ شَيْئا فَكَانَ غير مستطيع فطلبت أم سَلمَة
معلما، ومَيْمُونَة حلَّة يَمَانِية، وَزَيْنَب ثوبا
مخططاً وَهُوَ الْبرد الْيَمَانِيّ. وَأم حَبِيبَة ثوبا
سحولياً، وَحَفْصَة ثوبا من ثِيَاب مصر، وَجُوَيْرِية
معجراً، وَسَوْدَة قطيفة خيبرية، إلاَّ عَائِشَة رَضِي
الله عَنْهَا، فَلم تطلب شَيْئا.
وَقَالَ مَعْمَرٌ التَّبَرُّجُ أنْ تُخْرِجَ مَحَاسِنَهَا
لفظ: قَالَ معمر، لم يثبت إلاَّ لأبي ذَر وَهُوَ معمر بن
الْمثنى أَبُو عُبَيْدَة. قَالَه بَعضهم، ثمَّ حط على
صَاحب (التَّلْوِيح) بإساءة أدب حَيْثُ قَالَ: وتوهم
مغلطاي وَمن قَلّدهُ أَن مُرَاد البُخَارِيّ معمر بن رَاشد
فنسب هَذَا إِلَى تَخْرِيج عبد الرَّزَّاق فِي تَفْسِيره
عَن معمر وَلَا وجود لذَلِك فِي كِتَابه. قلت: لم يقل
الشَّيْخ عَلَاء الدّين مغلطاي: معمر بن رَاشد، وَإِنَّمَا
قَالَ: هَذَا رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن معمر، وَلم يقل
أَيْضا فِي تَفْسِيره: حَتَّى يشنع عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لم
يُوجد فِي تَفْسِيره، وَعبد الرَّزَّاق لَهُ تآليف أُخْرَى
غير تَفْسِيره وَحَيْثُ أطلق معمرا يحْتَمل أحد المعمرين.
ثمَّ قَالَ: فِي قَوْله: {وَلَا تبرجن تبرج الْجَاهِلِيَّة
الأولى} (الْأَحْزَاب: 33) وَفَسرهُ بقوله: (أَن تخرج
محاسنها) وَعَن مُجَاهِد وَقَتَادَة: التبرج التَّبَخْتُر
والتكسر والتغنج.
سُنَّةَ الله اسْتَنَّها جَعَلَها
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {سنة الله فِي
الَّذين خلوا من قبل} ثمَّ قَالَ: (استنها) يَعْنِي:
جعلهَا سنة، وَفِي التَّفْسِير: سنة الله أَي: كَسنة الله،
نصب بِنَزْع الْخَافِض، وَقيل: فعل سنة الله، وَقيل: على
الإغراء أَي: اتبعُوا سنة الله. قَوْله: (فِي الَّذين
خلوا) ، أَرَادَ سنة الله فِي الْأَنْبِيَاء الماضيين أَن
لَا يُؤَاخِذكُم بِمَا أحل لكم، وَقيل: الْإِشَارَة
بِالسنةِ النِّكَاح فَإِنَّهُ من سنة الْأَنْبِيَاء،
عَلَيْهِم السَّلَام.
5874 - حدَّثنا أبُو اليَمَانِ أخْبَرنا شُعَيْبٌ عَنِ
الزُّهْرِيِّ قَالَ أخْبَرَنِي أبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ
الرَّحْمانِ أنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ الله تَعَالَى عَنْها
زَوْجَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخْبَرَتْهُ أنَّ
رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَاءَهَا حِينَ
أمَرَ الله أنْ يُخَبِّرَ أزْوَاجَهُ فَبَدأ بِي رَسُولُ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إنِّي ذَاكِرٌ لَكِ
أمْرا فَلا عَلَيْكِ أنْ تَسْتَعْجِلِي حَتَّى
تَسْتَأْمِرِي أبَوَيْكِ وَقَدْ عَلِمَ أنَّ أبَوَيَّ لَمْ
يَكُونَا يَأمُرَانِي بِفِراقِهِ قَالَتْ ثُمَّ قَالَ إنَّ
الله قَالَ: {يَا أيُّها النبيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ} إلَى
تَمامِ الآيَتَيْنِ فَقُلْتُ لَهُ فَفِي أيِّ هاذا
أسْتَأْمِرُ أبَوَيَّ فَإنِّي أُرِيدُ الله وَرَسُولَهُ
وَالدَّارَ الآخِرَةَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَرِجَاله قد مضوا عَن
قريب، والْحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ أَيْضا فِي
الطَّلَاق عَن أبي الْيَمَان، وَأخرجه
(19/117)
مُسلم فِي النِّكَاح عَن أبي الطَّاهِر
وحرملة وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن عبد بن
حميد، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي النِّكَاح عَن مُحَمَّد بن
يحيى وَفِي الطَّلَاق عَن يُونُس بن عبد الْأَعْلَى.
قَوْله: (فَلَا عَلَيْك) أَي: لَا بَأْس عَلَيْك فِي عدم
الاستعجال حَتَّى تَسْتَأْمِرِي حَتَّى تشاوري. قَوْله:
(فَفِي أَي هَذَا) ويروى: فَفِي أَي شَيْء.
5 - (بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ
الله وَرَسُولَهُ وَالدَّارُ الآخُرَةَ فَإنَّ الله أعَدَّ
لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أجْرا عَظِيما} (الرحمان: 92)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {وَإِن كنتن}
الْآيَة.
وَقَالَ قَتَادَةُ: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي
بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ الله وَالحِكْمَةِ}
(الْأَحْزَاب: 43) القُرْآنِ وَالسُّنَّةِ.
هَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ الْحَنْظَلِي عَن أَحْمد بن
مَنْصُور: حَدثنَا عبد الرَّزَّاق أخبرنَا معمر عَنهُ.
6874 - حدَّثنا وَقَالَ اللَّيْثُ حدَّثني يُونُسُ عنِ
ابنِ شِهاب قَالَ أخْبَرَنِي أبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ
الرَّحْمانِ أنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَتْ لَمَّا أُمِرَ رَسُولُ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم بِتَخْيِير أزْوَاجِهِ بَدَأَنِي
فَقَالَ إنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أمْرا فَلا عَلَيْكِ أنْ لَا
تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أبَوَيْكِ قَالَتْ وَقَدْ
عَلِمَ أنَّ أبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَانِي
بِفِرَاقِهِ قَالَتْ ثُمَّ قَالَ إنَّ الله جَلَّ
ثَنَاؤُهُ قَالَ: {يَا أيُّها النبيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ
إنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَها}
(الْأَحْزَاب: 82، 92) إلَى {أجْرا عَظِيما} قَالَتْ
فَقُلْتُ فَفِي أيِّ هاذا أسْتَأْمِرُ أبَوَيَّ فَإنِّي
أُرِيدُ الله وَرَسُولَهُ الدارَ الآخِرَةَ قَالَتْ ثُمَّ
فَعَلَ أزْواجُ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِثْلَ
مَا فَعَلْتُ..
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور، وَلكنه
مُعَلّق وَوَصله الذهلي عَن أبي صَالح عَن اللَّيْث.
قَوْله: (قَالَ اللَّيْث) : يجوز أَن يكون أَخذه عَن أبي
صَالح عبد الله بن صَالح كَاتب اللَّيْث فَإِن الحَدِيث
عِنْده، وَلَيْسَ هُوَ عِنْد البُخَارِيّ مِمَّن يخرج لَهُ
فِي الْأُصُول إلاَّ فِي مَوضِع وَاحِد فِي الْبيُوع صرح
بِسَمَاعِهِ مِنْهُ وَرِوَايَته عَنهُ، وَالله أعلم.
تَابَعَهُ مُوسَى بنُ أعْيَنَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ
الزُّهْرِيِّ. قَالَ: أخْبَرَنِي أبُو سَلَمَةَ
أَي: تَابع اللَّيْث مُوسَى بن أعين الْجَزرِي، بِالْجِيم
وَالزَّاي: أَبُو سعيد الْحَرَّانِي عَن معمر بن رَاشد عَن
مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن
عَائِشَة، وَوَصله النَّسَائِيّ من طَرِيق مُوسَى بن أعين،
حَدثنَا أبي فَذكره.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَأبُو سُفْيَانَ
المَعْمَرِيُّ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ
عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنها.
عبد الرَّزَّاق بن همام الْيَمَانِيّ، وَأَبُو سُفْيَان
مُحَمَّد بن حميد السكرِي المعمري: بِفَتْح الميمين نسبه
إِلَى معمر لِأَنَّهُ رَحل إِلَيْهِ وروى لَهُ مُسلم
وَالنَّسَائِيّ أَيْضا أما رِوَايَة عبد الرَّزَّاق فوصلها
مُسلم وَابْن مَاجَه من طَرِيقه، وَقَالَ بَعضهم: وَقصر من
قصر تخريجها على ابْن مَاجَه. قلت: هَذَا الَّذِي ذكره لَا
طائل تَحْتَهُ وغمز بِهِ على صَاحب (التَّلْوِيح) وَعدم
ذكره مُسلما مَعَ ابْن مَاجَه لَيْسَ بتقصير على مَا لَا
يخفى، وَأما رِوَايَة أبي سُفْيَان فأخرجها الذهلي فِي
الزهريات.
6 - (بَابٌ قَوْلُهُ: {وَتُخْفَى فِي نَفْسِكَ مَا الله
مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَالله أحَقُّ أنْ
تَخْشَاهُ} (الْأَحْزَاب: 73)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {وتخفي فِي نَفسك}
وَأول الْآيَة: {وَإِذ تَقول للَّذي أنعم الله عَلَيْهِ
وأنعمت عَلَيْهِ أمسك عَلَيْك زَوجك وَاتَّقِ الله وتخفي
فِي نَفسك} الْآيَة. نزلت فِي زَيْنَب بنت جحش كَمَا
يَأْتِي الْآن، وقصتها مَذْكُورَة فِي التَّفْسِير،
وحاصلها. أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَى ذَات يَوْم
إِلَى زيد بن حَارِثَة مَوْلَاهُ لحَاجَة فأبصر زَيْنَب
بنت جحش زَوجته قَائِمَة فِي درعها وخمار فَأَعْجَبتهُ
وَكَأَنَّهَا وَقعت فِي نَفسه، فَقَالَ: سُبْحَانَ الله
مُقَلِّب الْقُلُوب، وَانْصَرف فجَاء زيد فَذكرت لَهُ
فَفِي الْحَال ألْقى الله كراهتها فِي قلبه،
(19/118)
فَأَرَادَ فراقها، فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، فَقَالَ: إِنِّي أُرِيد أَن أُفَارِق صَاحِبَتي.
فَقَالَ لَهُ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، اتَّقِ
الله وَأمْسك عَلَيْك زَوجك، وَهُوَ معنى قَوْله تَعَالَى:
{وَإِذ تَقول} أَي: اذكر حِين تَقول: {للَّذي أنعم الله
عَلَيْهِ} يَعْنِي: بِالْإِسْلَامِ وَهُوَ زيد بن
حَارِثَة. (وأنعمت) أَنْت عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ (وتخفي فِي
نَفسك) أَن لَو فَارقهَا تَزَوَّجتهَا، وَعَن ابْن
عَبَّاس: تخفي فِي نَفسك حبها. قَوْله: (مَا الله مبديه) ،
أَي: الَّذِي الله مظهره (وتخشى النَّاس) أَي: تستحيهم،
قَالَه ابْن عَبَّاس وَالْحسن، وَقيل: تخَاف لائمة النَّاس
أَن يَقُولُوا: أَمر رجلا بِطَلَاق امْرَأَته ثمَّ
نَكَحَهَا حِين طَلقهَا، وَقَالَ ابْن عمر وَابْن مَسْعُود
وَالْحسن: مَا نزل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، آيَة أَشد عَلَيْهِ من هَذِه الْآيَة. قَوْله:
(وَالله أَحَق أَن تخشاه) ، لَيْسَ المُرَاد أَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، خشِي النَّاس وَلم يخْش الله بل
الْمَعْنى أَن الله أَحَق أَن تخشاه وَحده وَلَا تخش أحدا
مَعَه وَأَنت تخشاه وتخشى النَّاس أَيْضا، فَاجْعَلْ
الخشية لله وَحده، وَلَا يقْدَح ذَلِك فِي حَال النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِأَن العَبْد غير ملوم على مَا
يَقع فِي قلبه من مثل هَذِه الْأَشْيَاء مَا لم يقْصد
فِيهِ المأثم.
7874 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ حدَّثنا
مُعَلَّى بنُ مَنْصُورٍ عَنْ حَمَّادٍ بنِ زَيْدٍ حدَّثنا
ثَابِتٌ عَنْ أنَسٍ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ الله عَنْهُ أنَّ
هاذِهِ الآيَةَ: {وَتُخْفَى فِي نَفْسِكَ مَا الله
مُبْدِيهِ} (الْأَحْزَاب: 73) نَزَلَتْ فِي شَأْنِ
زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ وَزَيدٍ بنِ حَارِثَةَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَمُحَمّد بن عبد
الرَّحِيم أَبُو يحيى كَانَ يُقَال لَهُ صَاعِقَة.
والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن
مُحَمَّد بن عَبدة وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن
مُحَمَّد بن سُلَيْمَان لؤين لقب لَهُ. |