عمدة القاري شرح صحيح البخاري

65 - (بابٌ كَيْفَ يُدْعَى لِلْمُتَزوِّجِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَيْفيَّة الدُّعَاء للَّذي يتَزَوَّج؟ قَالَ ابْن بطال: أَرَادَ بِهَذَا الْبَاب رد قَول الْعَامَّة عِنْد الْعرس بقَوْلهمْ: بالرفاء والبنين فَإِن قلت: رُوِيَ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير من حَدِيث معَاذ بن جبل، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شهد أَمْلَاك رجل من الْأَنْصَار فَخَطب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأنكح الْأنْصَارِيّ، وَقَالَ: على الألفة وَالْخَيْر وَالْبركَة والطائر الميمون وَالسعَة فِي الرزق وَأخرجه أَبُو عمر النوقاني فِي كتاب (معاشرة الأهلين) من حَدِيث أنس، وَزَاد فِيهِ: والرفاء والبنين؟ قلت: الَّذِي أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير ضَعِيف، وَأخرجه أَيْضا فِي الْأَوْسَط بِسَنَد أَضْعَف مِنْهُ، وَفِي حَدِيث النوقاني أبان الْعَبْدي وَهُوَ ضَعِيف، وَأخرج التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا قُتَيْبَة أَنا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد عَن سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا رفأ الْإِنْسَان إِذا تزوج، قَالَ: (بَارك الله لَك وَبَارك عَلَيْك وَجمع بَيْنكُمَا فِي خير) . وَقَالَ: حَدِيث حسن صَحِيح، وَأخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا عَن قُتَيْبَة وَالنَّسَائِيّ فِي الْكَبِير وَالْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن عبد الرَّحْمَن بن عبيد، وَابْن مَاجَه عَن سُوَيْد بن سعيد. قَوْله: (إِذا رفأ) ، قَالَ شَيخنَا: هُوَ بِفَتْح الرَّاء وَتَشْديد الْفَاء مَهْمُوز، وَهُوَ الْمَشْهُور فِي الرِّوَايَة مَأْخُوذ من الالتئام والاجتماع، وَمِنْه رفو الثَّوْب، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الرفاء بِالْمدِّ الالتئام والاتفاق، يُقَال للمتزوج: بالرفاء والبنين، وَرَوَاهُ بَعضهم: رفى، مَقْصُورا بِغَيْر همزَة، وَرَوَاهُ بَعضهم: رفح، بِالْحَاء الْمُهْملَة مَوضِع الْهمزَة، وَمعنى الأول أَعنِي الْمَقْصُور القَوْل بالرفاء والاتفاق، وَمعنى الثَّانِي على أَنه رفاء بِالْهَمْزَةِ وَلكنه أبدل الْهمزَة حاء، وَأخرج النَّسَائِيّ من رِوَايَة أَشْعَث عَن الْحسن عَن عقيل بن أبي طَالب أَنه تزوج امكرأة من بني حبشم فَقَالُوا: بالرفاء والبنين، فَقَالَ: لَا تَقولُوا هَكَذَا، وَلَكِن قُولُوا، كَمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اللَّهُمَّ بَارك لَهُم وَبَارك عَلَيْهِم، وَهُوَ مُرْسل.

5515 - حدَّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ حَدثنَا حَمَّادٌ هُوَ ابنُ زَيْدٍ عنْ ثابِتٍ عنْ أنَسٍ رَضِي الله عنهُ، أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى علَى عبْدِ الرَّحْمانِ بنِ عَوْف أثَرَ صُفْرَةٍ، قَالَ: مَا هاذا؟ قَالَ: إنِّي تَزَوَّجْتُ

(20/145)


امْرَأةً علَى وزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: باركَ الله لَكَ، أوْلِمْ ولوْ بِشاةٍ..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (بَارك الله لَك) يُوضح معنى قَوْله: كَيفَ يدعى للمتزوج. وَحَدِيث أنس هَذَا مُخْتَصر من حَدِيث حميد عَن أنس الَّذِي مضى فِي الْبَاب الَّذِي قبل الْبَاب الْمُجَرّد، وَفِيه زِيَادَة على ذَلِك، وَهُوَ قَوْله: (بَارك الله لَك) وَهَذِه اللَّفْظَة ترد القَوْل: بالرفاء والبنين، لِأَنَّهُ من أَقْوَال الْجَاهِلِيَّة، وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يكره ذَلِك لموافقتهم فِيهِ، وَهَذَا هُوَ الْحِكْمَة فِي النَّهْي، وَقيل: لِأَنَّهُ لَا حمد فِيهِ وَلَا ثَنَاء، وَلَا ذكر لله عز وَجل، وَقيل: لما فِيهِ من الْإِشَارَة إِلَى بغض الْبَنَات لتخصيص الْبَنِينَ بِالذكر. قلت: فعلى هَذَا إِذا قيل: بالرفاء وَالْأَوْلَاد لَا يَنْبَغِي أَن لَا يكره. فَإِن قلت: رُوِيَ ابْن أبي شيبَة من طَرِيق عمر بن قيس الماصر قَالَ: شهِدت شريحا وَأَتَاهُ رجل من أهل الشَّام، فَقَالَ: إِنِّي تزوجت امْرَأَة، فَقَالَ: بالرفاء والبنين: قلت: هَذَا مَحْمُول على أَن شريحا لم يبلغهُ النَّهْي عَن ذَلِك.

75 - (بابُ الدُّعاءِ لِلنِّساءِ الَّلاتِي يَهْدِينَ العَرُوسَ ولِلْعَرُوسِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الدُّعَاء للنِّسَاء إِلَى آخِره. قَوْله: للنِّسَاء، رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: للنسوة. قَوْله: (يهدين) بِفَتْح الْيَاء من هديت الطَّرِيق، ويروي بِضَم الْيَاء من الإهداء، (والعروس) على وزن فعول قَالَ ابْن الْأَثِير: يُقَال للرجل عروس كَمَا يُقَال للْمَرْأَة. وَهُوَ اسْم لَهما عِنْد دُخُول أَحدهمَا بِالْآخرِ. قَوْله: (وللعروس) أَي وَالدُّعَاء أَيْضا للعروس، هَذَا ظَاهر الْمَعْنى، وَسَيَجِيءُ أَيْضا مَا قيل فِيهِ.

6515 - حدَّثنا فَرْوَةَ حَدثنَا عَليٌّ بنُ مُسْهِرٍ عنْ هِشامٍ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ، رضيَ الله عَنْهَا: تَزَوَّجَنِي النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فأتَتْنِي أُمِّي فأدْخَلَتْنِي الدَّارَ فإِذَا نِسْوَةٌ منَ الأنْصارِ فِي البَيْتِ فَقُلْنَ: علَى الخَيْرِ والبَرَكةِ، وعلَى خَيْرٍ طائرٍ..
قيل: ظَاهر الحَدِيث مُخَالف للتَّرْجَمَة لِأَن النسْوَة فِي الحَدِيث هن الداعيات، وَفِي التَّرْجَمَة: هن الْمَدْعُو لَهُنَّ، وَأجَاب صَاحب التَّوْضِيح بقوله: لَعَلَّه أَرَادَ صفة دعائهن للعروس، لِأَنَّهُ قَالَ: (فَقُلْنَ على الْخَيْر) إِلَى آخِره. قلت: نقل هَذَا عَن ابْن التِّين وَلَيْسَ بِشَيْء لِأَن ظَاهر اللَّفْظ يُخَالِفهُ وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْأُم هِيَ الهادية للعروس المجهزة لأمرها فهن دعون لَهَا وَلمن مَعهَا، وللعروس حَيْثُ (قُلْنَ: على الْخَيْر) ، أَي: جئتن عَلَيْهِ أَو قدمتن، وَنَحْو هَذَا. فَإِن قلت: لِمَ لَا تكون اللَّام للنسوة للاختصاص. يَعْنِي: الدُّعَاء الْمُخْتَص بالنسوة والهاديات للْغَيْر؟ قلت: يلْزم الْمُخَالفَة بَين اللامين اللَّام الَّتِي فِي الْعَرُوس لِأَنَّهَا بِمَعْنى الْمَدْعُو لَهَا، وَالَّتِي فِي النسْوَة لِأَنَّهَا بِمَعْنى الداعية، وَفِي جَوَاز مثله خلاف. انْتهى كَلَامه. وَنقل بَعضهم كَلَام الْكرْمَانِي هَذَا برمتِهِ مَعَ تَغْيِير عِبَارَته، ثمَّ قَالَ: وَالْجَوَاب الأول أحسن مَا يُوَجه بِهِ التَّرْجَمَة، ثمَّ قَالَ: وَحَاصِله أَن مُرَاد البُخَارِيّ بالنسوة من يهدي الْعَرُوس سَوَاء كن قَلِيلا أَو كثيرا وَأَن من حضر ذَلِك يَدْعُو لمن أحضر الْعَرُوس، وَلم يرد الدُّعَاء للنسوة الحاضرات فِي الْبَيْت قبل أَن يَأْتِي الْعَرُوس، وَيحْتَمل أَن تكون اللَّام بِمَعْنى الْبَاء على حذف، أَي: الْمُخْتَص بالنسوة وَيحْتَمل أَن يكون بِمَعْنى: من، أَي: الدُّعَاء الصَّادِر من النسْوَة. انْتهى كَلَامه. قلت: هَذَا كُله تعسفات فِي تصرفهم، وَأكْثر كَلَامهم خَارج عَن القانون، فالترجمة مَوْضُوعَة على الصِّحَّة وَبَينهَا وَبَين الحَدِيث مُطَابقَة لِأَن الْألف وَاللَّام فِي قَوْله: بَاب الدُّعَاء، بدل من الْمُضَاف إِلَيْهِ فتقديره: بَاب دُعَاء النسْوَة الداعيات للنسوة اللَّاتِي يهدين الْعَرُوس، فَالْمُرَاد بالنسوة الداعيات هِيَ النسْوَة من الْأَنْصَار اللَّاتِي كن فِي بَيت النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، قبل مَجِيء الْعَرُوس، وَالْمرَاد بالنسوة الهاديات هِيَ أم عَائِشَة وَمن مَعهَا من النِّسَاء، لِأَن الْعَادة أَن أم الْعَرُوس إِذا أَتَت بالعروس إِلَى بَيت زَوجهَا يكون مَعهَا نسَاء قليلات كن أَو كثيرات، فَأم عَائِشَة وَمن مَعهَا والعروس هن مدعُو لَهُنَّ، والنسوة من الْأَنْصَار اللَّاتِي كن فِي الْبَيْت هن الداعيات، لقَوْله فِيهِ: (فَقُلْنَ: على الْخَيْر) إِلَى آخِره. وَقَول بَعضهم: يحْتَمل أَن يكون اللَّام بِمَعْنى الْبَاء أَو بِمَعْنى من غير صَحِيح، لأَنهم ذكرُوا أَن اللَّام الجارة تَأتي لاثْنَيْنِ وَعشْرين معنى. وَلَيْسَ فِيهَا مجيئها بِمَعْنى الْبَاء وَلَا بِمَعْنى من، نعم ذكرُوا أَنَّهَا تَجِيء بِمَعْنى: عَن ونسبوه لِابْنِ الْحَاجِب، ورد عَلَيْهِ ابْن مَالك وَغَيره.
ثمَّ الْكَلَام فِي الحَدِيث، فَنَقُول: فَرْوَة، بِفَتْح

(20/146)


الْفَاء وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْوَاو: ابْن أبي المغراء، بِفَتْح الْمِيم وَإِسْكَان الْغَيْن الْمُعْجَمَة وبالراء وبالمد: أَبُو الْقَاسِم الْكِنْدِيّ الْكُوفِي، مَاتَ سنة خمس وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ، وَعلي بن مسْهر بِضَم الْمِيم على وزن اسْم الْفَاعِل من الإسهار أَبُو الْحسن الْقرشِي الْكُوفِي، تولى قَضَاء نواحي الْموصل، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
وَهَذَا مُخْتَصر من حَدِيث مطول مضى بِتَمَامِهِ بِهَذَا السَّنَد بِعَيْنِه فِي: بَاب تَزْوِيج عَائِشَة، قيل أَبْوَاب الْهِجْرَة إِلَى الْمَدِينَة.
قَوْله: (فأتتني أُمِّي) وَهِي أم رُومَان بنت عَامر بن عُوَيْمِر بن عبد شمس. قَوْله: (فَإِذا نسْوَة) قد ذكرنَا أَن كلمة: إِذا، للمفاجأة، ونسوة، بِكَسْر النُّون وَبِفَتْحِهَا أَيْضا جمع نسَاء تَقْدِيره: نسْوَة كائنة من نسَاء الْأَنْصَار. قَوْله: (فَقُلْنَ: على الْخَيْر) قد مر تَفْسِيره عَن قريب قَوْله: (وعَلى خير طَائِر) كِنَايَة عَن الفأل، وطائر الْإِنْسَان عمله الَّذِي قلدوه، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: طَائِر الْإِنْسَان مَا حصل لَهُ فِي علم الله عز وَجل مِمَّا قدر لَهُ، وَقيل: الطَّائِر الْحَظ.

85 - (بابُ منْ أحَبَّ البِناءَ قَبْلَ الغَزْوِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من أحب الْبناء أَي: الدُّخُول على امْرَأَته وَلم يدْخل بهَا، يُقَال: فلَان بني عَليّ أَهله أَي: زفها، وَالْأَصْل فِيهِ أَن الدَّاخِل بأَهْله يضْرب عَلَيْهَا قبَّة لَيْلَة الدُّخُول، فَقيل لكل دَاخل بأَهْله: بَان. قَوْله: (قبل الْغَزْو) يَعْنِي: إِذا حضر الْجِهَاد وَكَانَ قد تزوج امْرَأَة وَلم يدْخل عَلَيْهَا وَأحب أَن يدْخل عَلَيْهَا قبل الْغَزْو ليَكُون فكره مجتمعا.

7515 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ العلاءِ حَدثنَا عبْدُ الله بنُ المُبارَكِ عنْ مَعْمَرِ عنْ هَمَّامٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ، رَضِي الله عَنهُ، عنِ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: غَزَا نَبي منَ الأنْبِياءِ فَقَالَ لِقَوْمِهِ: لَا يَتْبَعْنِي رَجُلٌ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأةٍ وهْوَ يُرِيدُ أنْ يَبْنِيَ بِها ولَمْ يَبْنِ بِها.
(انْظُر الحَدِيث 4213) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن كَلَام هَذَا النَّبِي يشْعر بِأَن الْبناء يَنْبَغِي أَن يكون قبل حُضُوره الْغَزْو وَلما ذكرنَا من الْمَعْنى، وَلَيْسَ ذَلِك يَقْتَضِي الْوُجُوب.
وَابْن الْمُبَارك هُوَ عبد الله بن الْمُبَارك المروز، وَمعمر بِفَتْح الميمين هُوَ ابْن رَاشد، وهما على وزن فعال بِالتَّشْدِيدِ هُوَ ابْن مُنَبّه.
والْحَدِيث قد مر فِي الْجِهَاد فِي: بَاب من اخْتَار الْغَزْو على الْبناء، فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة وَذكر أَيْضا: بَاب من غزا وَهُوَ حَدِيث عهد بعرسه، فِيهِ جَابر مَعَه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَذكر فِي الْخمس فِي: بَاب قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أحلّت لكم الْغَنَائِم. وَقَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْعَلَاء إِلَى آخِره مطولا، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَالَ الْكرْمَانِي: ذكر فِي بعض النّسخ تَمام الحَدِيث؟ قلت: الَّذِي فِي النّسخ الْمُعْتَبرَة هَذَا الْمِقْدَار الَّذِي ذكره مُخْتَصرا. قَوْله: (غزا نَبِي) قيل: هُوَ يُوشَع، وَقيل: دَاوُد، عَلَيْهِ السَّلَام.

95 - (بابُ مَنْ بني بامْرَأةٍ وهْيَ بِنْتُ تِسْعٍ سِنينَ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من بني إِلَى آخر. قيل: لَا فَائِدَة فِي هَذِه التَّرْجَمَة. قلت: بلَى فِيهَا فَائِدَة وَهِي بَيَان أَن من تزوج صَغِيرَة يَنْبَغِي أَن لَا يَبْنِي إلاَّ وَقد تمّ عمرها تسع سِنِين، لِأَن النَّبِي الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، بني بعائشة وعمرها تسع سِنِين، وَهُوَ الْأَصَح وَإِن كَانَ عِنْد الْفُقَهَاء الِاعْتِبَار للطاقة، فَإِن لم تطلق لَا يبْنى بهَا وَلَو كَانَ عمر تسع سِنِين، وَإِن أطاقت بِأَن كَانَت عبلة وعمرها ثَمَان سِنِين يَبْنِي بهَا.

8515 - حدَّثنا قَبِيصةُ بنُ عُقْبَةَ حَدثنَا سُفْيانُ عنْ هِشامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ عُرْوَةَ: تَزَوَّجَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عائِشَةَ وهْيَ ابْنَةُ ستٍّ، وبَنى بِها وَهِي ابْنَةُ تِسْعٍ، ومَكَثَتْ عِنْدَهُ تِسْعا..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ وَعُرْوَة تَابِعِيّ. والْحَدِيث مُرْسل، والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي: بَاب إنكاح الرجل وَلَده الصغار، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن يُوسُف عَن سُفْيَان إِلَى آخِره.

06 - (بابُ البِناءِ فِي السفَرِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان دُخُول الرجل على امْرَأَته فِي حَالَة السّفر، وَفِي بعض النّسخ: بَاب بِنَاء الْعَرُوس فِي السّفر.

9515 - حدَّثنا محَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ أخْبرَنا إسْماعِيلُ بنُ جعْفَرٍ عنْ حُمَيْدٍ عنْ أنَسٍ قَالَ: أَقَامَ النبيّ

(20/147)


ُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَ خَيْبَرَ والمَدِينَةِ ثلاَثا يُبْنَى علَيْهِ بِصَفِيَّةَ بنتِ حُيَيٍّ، فدَعَوْتُ المُسْلِمينَ إِلَى وليمَتِهِ فَما كانَ فِيها منْ خُزِ وَلَا لَحْمٍ، أمرَ بالأنطاعِ فأُلْقِيَ فِيها منَ التَّمْرِ والأقِطِ والسمْنِ، فكانَتْ ولَيمَتَهُ. فَقَالَ المُسْلَمُونَ: إحْدَى أُمَّهاتِ المُؤْمِنينَ أوْ مِمَّا ملَكَتْ يَمِينُهُ؟ فقالُوا: إنْ حجبَها فهْي مِنْ أمهاتِ المُؤْمِنينَ، وإنْ لَمْ يحْجُبْها فهْيَ مِمَّا ملَكَتْ يَمِينُهُ، فَلمّا ارْتخَلَ خَلْفَهُ ومَدَّ الحِجابِ بيْنَها وبَيْنَ النّاس..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهُوَ بِنَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على صَفِيَّة، وَهُوَ فِي السّفر بَين خَيْبَر وَالْمَدينَة.
وَقد مر الحَدِيث فِي غَزْوَة خَيْبَر من وُجُوه، وَفِي النِّكَاح أَيْضا فِي: بَاب اتِّخَاذ السراري، فَإِنَّهُ أخرجه فِيهِ عَن قُتَيْبَة عَن إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر إِلَى آخِره نَحوه، وَمر الْكَلَام فِيهِ، وراجع إِلَيْهِ والمسافة قريبَة.

16 - (بابُ البِناءِ بالنَّهارِ بغَيْرِ مَرْكَبٍ وَلَا نِيرانٍ)

أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز دُخُول الرجل على امْرَأَته بِالنَّهَارِ، وَلَا يخْتَص بِاللَّيْلِ. قَوْله: (بِغَيْر مركب) أَي: بِغَيْر ركُوب نَاس للإعلان، ويروي: بِغَيْرِهِ موكب بِالْوَاو وَبدل الرَّاء وَهُوَ الْقَوْم الرّكُوب على الْإِبِل المزينة. قَوْله: (وَلَا نيران) أَي: وَلَا نيران توقد بَين يَدي الْعَرُوس، وَحَاصِله أَن زِيَادَة الإعلان بركوب الْقَوْم بَين يَدي الْعَرُوس أَو بإيقاد النيرَان مَكْرُوه، وَقد رُوِيَ سعيد بن مَنْصُور من طَرِيق عُرْوَة بن رُوَيْم أَن عبد الله بن قرظ الثمالِي، وَكَانَ عَامل عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، على حمص، فمرت بِهِ عروس وهم يوقدون النيرَان بَين يَديهَا، فضربهم بدرته حَتَّى تفَرقُوا عَن عروسهم، ثمَّ خطب فَقَالَ: إِن عروسكم أوقدوا النيرَان وتشبهوا بالكفرة، وَالله مطفىء نارهم.

0615 - حدَّثنا فَرْوَةُ بنُ أبي المَغْرَاءُ حدَّثنا عليٌّ بنُ مُسْهرٍ عنْ هِشَامٍ عنْ أبيهِ عنَ عائِشَةَ، رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ: تزوَّجَني النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأتتني أُمِّي فأدْخَلَتْنِي الدَّار، فلَمْ يَرُعْني إلاّ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ضُحىً..
هَذَا الحَدِيث بِهَذَا السندبعينه قد مضى قبله بِثَلَاثَة أَبْوَاب، غير أَن ذَاك مُرْسل وَهَذَا مُسْند وَأَن فِي ذَاك الزِّيَادَة وَهِي قَوْله: (فإذانسوة من الإنصار) إِلَخ، وَهنا الزِّيَادَة هِيَ قَوْله: (فَلم يرعني إلاَّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضحى) ، فلأجل هَذِه اللَّفْظَة عقد التَّرْجَمَة الْمَذْكُورَة، غير أَنه ذكر فِيهَا: بِغَيْر مركب وَلَا نيران، وَلم يذكر لأَجلهَا شَيْئا.
قَوْله: (فَلم يرعني) أَي: فَلم يفجأني وَلم يخوفني. قَوْله: (ضحى) بِالضَّمِّ وَالْقصر فَوق الضحوة، وَهُوَ ارْتِفَاع أول النَّهَار، وَمعنى: ضحى، أَي: وَقت الضُّحَى أَرَادَت أَن دُخُوله عَلَيْهَا كَانَ وَقت الضُّحَى، فَلذَلِك عقد التَّرْجَمَة كَمَا ذكرنَا.

26 - (بابُ الأنْماطِ ونحْوِها لِلنِّساءِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز اتِّخَاذ الأنماط وَنَحْوهَا للنِّسَاء، وَفِي تَرْجَمَة مُسلم: بَاب جَوَاز اتِّخَاذ الأنماط، وَالْأَنْمَاط بِفَتْح الْهمزَة جمع نمط بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ ظهارة الْفراش، وَقيل ظهر الْفراش وَقيل: ضرب من الْبسط لَهُ خمل رَقِيق. وَقَالَ النَّوَوِيّ: يَجْعَل على الهودج، وَقد يَجْعَل سترا. قلت: النمط يَأْتِي بِمَعْنى الطَّرِيق من الطرائق وَالضَّرْب من الضروب، يُقَال: لَيْسَ هَذَا من ذَلِك النمط أَي: من ذَلِك الضَّرْب، وَفِي حَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: خير هَذِه الْأمة النمط الْأَوْسَط، ويروي: الْوسط، كره على الغلو وَالتَّقْصِير فِي الدّين، والنمط الْجَمَاعَة من النَّاس أَمرهم وَاحِد. قَوْله: (وَنَحْوهَا) ، مثل الكلل والأستار والفرش.

1615 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سعِيدٍ حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِر عنْ جَابرِ بنه عبْدِ الله، رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَلِ اتّخَذْتُمْ أنْماطا؟ قُلْتُ: يَا رسولَ الله! وأتَّى لَنا أنْماطٌ؟ قَالَ: إنَّها سَتَكُونُ.
(انْظُر الحَدِيث 1363) .

(20/148)


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَقد مر هَذَا الحَدِيث فِي عَلَامَات النُّبُوَّة عَن عمر وَابْن عَبَّاس عَن ابْن مهْدي عَن جَابر، إِلَخ وَلَفظه: (هَل لكم من أنماط؟) وسُفْيَان فِيهِ هُوَ الثَّوْريّ.
قَوْله: (وأنى لنا) بِفَتْح الْهمزَة وَتَشْديد النُّون أَي: وَمن أَيْن لنا الأنماط، قَوْله: سَتَكُون، أَي الأنماط، وَهِي تَامَّة بِمَعْنى ستوجد. وَفِيه إخْبَاره بهَا وَهِي معْجزَة ظَاهِرَة لِأَنَّهَا كَانَت كَمَا أخبر، وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَفِيه: جَوَاز اتِّخَاذ الأنماط إِذا لم تكن من حَرِير. قلت: أما جَوَاز اتخاذها فَيُؤْخَذ من قَوْله: (إِنَّهَا سَتَكُون) وَفِي حَدِيث مُسلم بعد قَوْله: (إِنَّهَا سَتَكُون) ، قَالَ جَابر: وَعند امْرَأَتي نمط فَأَنا أَقُول: نحيه، وَتقول: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِنَّهَا سَتَكُون) . وَفِي حَدِيث عَائِشَة ذكره مُسلم فِي: بَاب الصُّور، قَالَت: فَأخذت نمطا فنشرته على الْبَاب. وَأما عدم اسْتِعْمَالهَا من الْحَرِير فبأحاديث أخر. وَفِي التَّوْضِيح، وَفِيه: اتِّخَاذ شورة الْبيُوت للنِّسَاء. وَفِيه: دَلِيل أَن الشورة للْمَرْأَة دون الزَّوْج، وَأَنَّهَا عَلَيْهَا فِي الْمَعْرُوف من أَمر النَّاس الْقَدِيم، وَإِنَّمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لجَابِر لِأَن أَبَاهُ ترك تسع بَنَات، فَقَامَ عَلَيْهِنَّ جَابر وشورهن وزوجهن، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

36 - (بابُ النِّسْوَةِ الّلاتِي يُهْدِينَ المَرْأةَ إِلَى زَوْجِها)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَمر النسْوَة اللَّاتِي يهدين بِضَم الْيَاء من الإهداء. قَوْله: (اللَّاتِي) هُوَ فِي رِوَايَة الْكشميهني بصغة الْجمع، وَفِي رِوَايَة غَيره بِصِيغَة الْإِفْرَاد، وَالْأولَى أولى، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر بعد قَوْله: (إِلَى زَوجهَا) : ودعائهن بِالْبركَةِ، وَلَيْسَ فِي حَدِيث الْبَاب الْإِشَارَة إِلَيْهِ فَلَا مَحل لذكره. وَقَالَ بَعضهم: لَعَلَّه أَشَارَ إِلَى مَا ورد فِي بعض طرق حَدِيث عَائِشَة، رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ فِي كتاب النِّكَاح من طَرِيق بهية عَن عَائِشَة: أَنَّهَا زوجت يتيمة كَانَت فِي حجرها رجلا من الْأَنْصَار، قَالَت: وَكنت فِيمَن أهداها إِلَى زَوجهَا، فَلَمَّا رَجعْنَا قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَا قُلْتُمْ يَا عَائِشَة؟ قَالَت: قلت: سلمنَا ودعونا الله بِالْبركَةِ ثمَّ انصرفنا) . قلت: هَذَا بعيد جدا لأَنا لَا نسلم أَنه وقف على هَذَا الحَدِيث، وَلَئِن سلمنَا فَكيف يضع تَرْجَمَة بِعقد بَاب وَلَيْسَ فِيهِ حَدِيث مُطَابق لَهَا.

2615 - حدَّثنا الفَضلُ بنُ يعْقُوبَ حَدثنَا مُحَمَّدُ بنُ سابِقٍ حَدثنَا إسْرَائِيلُ عنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ أبيهِ عنْ عائِشَةَ: أنّها زَفَّتِ امْرَأةً إِلَى رجُلٍ مِنَ الأنصَارِ فَقَالَ نَبِيُّ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا عائِشَةُ! مَا كانَ معكُمْ لَهْوٌ؟ فإِنَّ الأنصَارَ يُعْجِبُهُمُ اللهْوُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (زفت امْرَأَة) لِأَنَّهُ من زففت الْعَرُوس أزفها إِذا أَهْدَيْتهَا إِلَى زَوجهَا.
وَالْفضل بن يَعْقُوب الْبَغْدَادِيّ مَاتَ فِي أول جُمَادَى الأولي سنة ثَمَان وَخمسين وَمِائَتَيْنِ. قَالَه الْحَافِظ الْمُنْذِرِيّ. وَمُحَمّد بن سَابق أَبُو جَعْفَر التَّمِيمِي الْبَغْدَادِيّ الْبَزَّار أَصله فَارسي كَانَ بِالْكُوفَةِ أحد مشاريخ البُخَارِيّ رُوِيَ عَنهُ هُنَا بالواسطة وَرُوِيَ عَنهُ بِلَا وَاسِطَة فِي كتاب الْوَصَايَا فَقَط، فَقَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن سَابق أَو الْفضل بن يَعْقُوب عَنهُ، وَرُوِيَ مُسلم عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن مُحَمَّد بن سَابق، مَاتَ سنة ثَلَاث عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وَإِسْرَائِيل هُوَ ابْن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (زفت امْرَأَة) معنى: زفت مر الْآن وَقد تقدم فِي رِوَايَة أبي الشَّيْخ أَن الْمَرْأَة كَانَت يتيمة فِي حجر عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَذكر ابْن الْأَثِير أَن اسْم هَذِه الْيَتِيمَة: فارغة بنت أسعد بن زُرَارَة، وَأَن اسْم زَوجهَا نبيط بن جَابر الْأنْصَارِيّ، وَقَالَ أَبُو عمر: الفارغة بنت أبي أُمَامَة أسعد بن زُرَارَة الْأنْصَارِيّ، كَانَ أَبُو لبَابَة أوصى بهَا وبأختيها حَبِيبَة وكبشة بَنَات أبي أُمَامَة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَزَوجهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلمنبيط بن جَابر من بني مَالك بن النجار، وحبيبة تزَوجهَا سهل بن حنيف فَولدت لَهُ أَبَا أُمَامَة، وَرُوِيَ ابْن مَاجَه من حَدِيث ابْن عَبَّاس: أنكحت عَائِشَة قرَابَة لَهَا، وَرُوِيَ أَبُو الشَّيْخ من حَدِيث جَابر: أَن عَائِشَة زوجت بنت أُخْتهَا، أَو ذَات قرَابَة مِنْهَا، وَفِي أمالي الْمحَامِلِي من وَجه آخر عَن جَابر: نكح بعض أهل الْأَنْصَار بعض أهل عَائِشَة فأهدتها إِلَى قبَاء، وَالْجمع بَين هَذِه الرِّوَايَات بِالْحملِ على التَّعَدُّد. قَوْله: (مَا كَانَ مَعكُمْ لَهو؟) وَفِي رِوَايَة شريك: فَقَالَ: فَهَل بعثتم جَارِيَة تضرب بالدف وتغني؟ الحَدِيث. قَوْله: (فَإِن الْأَنْصَار يعجبهم اللَّهْو) ، فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس وَجَابِر: قوم فيهم غزل، وَفِي حَدِيث جَابر عِنْد الْمحَامِلِي: أدركيها يَا زَيْنَب، امْرَأَة كَانَت تغني بِالْمَدِينَةِ. وَفِي التَّوْضِيح: اتّفق الْعلمَاء على جَوَاز اللَّهْو فِي وَلِيمَة النِّكَاح كضرب الدُّف وَشبهه، وخصت

(20/149)


الْوَلِيمَة بذلك ليظْهر النِّكَاح وينتشر، فَتثبت حُقُوقه وحرمته، وَقَالَ مَالك: لَا بَأْس بالدف وَالْكبر فِي الْوَلِيمَة لِأَنِّي أرَاهُ خَفِيفا، وَلَا يَنْبَغِي ذَلِك فِي غير الْعرس، وَسُئِلَ مَالك عَن اللَّهْو يكون فِيهِ البوق؟ فَقَالَ: إِن كَانَ كَبِيرا مشتهرا، فَإِنِّي أكرهه، وَإِن كَانَ خَفِيفا فَلَا بَأْس بذلك، وَقَالَ إصبغ: وَلَا يجوز الْغناء فِي الْعرس وَلَا فِي غَيره إلاَّ مثل مَا يَقُول نسَاء الْأَنْصَار، أَو رجز خَفِيف. وَأخرج النَّسَائِيّ من طَرِيق عَامر بن سعد عَن قرظة بن كَعْب وَأبي مَسْعُود الأنصاريين، قَالَا: إِنَّه رخص لنا فِي اللَّهْو عِنْد الْعرس ... الحَدِيث، وَصَححهُ الْحَاكِم. قلت: الْكبر، بِفتْحَتَيْنِ الطبل ذُو الرأسين، وَقيل: الطِّبّ الَّذِي لَهُ وَجه وَأحد، والبوق بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْوَاو وَفِي آخِره قَاف: آلَة ينْفخ فِيهَا وَيجمع على بيقان وبوقان، كَذَا قَالَ فِي الْمغرب قلت الْقيَاس: أبواق، وَسُئِلَ أَبُو يُوسُف عَن الدُّف أتكرهه فِي غير الْعرس مثل الْمَرْأَة فِي منزلهَا وَالصَّبِيّ؟ قَالَ: فَلَا أكرهه، فأنما الَّذِي يَجِيء مِنْهُ اللّعب الْفَاحِش والغناء فَإِنِّي أكرهه.

46 - (بابُ الهَدِيّةِ لِلْعَرُوسِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إهداء الْهَدِيَّة للعروس صَبِيحَة لَيْلَة الدُّخُول.

3615 - وَقَالَ إبْرَاهِيمُ: عنْ أبي عُثْمانَ واسْمُهُ الجَعْدُ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ قَالَ: مَرَّ بِنَا فِي مَسْجَدِ بَنْي رفاعَةَ فَسمِعْتُهُ يَقُولُ: كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إذَا مَرَّ بِجَنَباتِ أُمِّ سُلَيْمٍ دخلَ عَليْها فَسَلَّمَ علَيْها، ثُمَّ قَالَ: كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَرُوسا بِزَيْنَبَ فقالَتْ لي أمُّ سلَيْمٍ: لَوْ أهْدَيْنا لِرَسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، هَدِيَّةً؟ فَقُلْتُ لَهَا: إفْعَلِي، فَعَمَدَتْ إِلَيّ تَمْرٍ وسَمْنٍ وأقِطٍ فاتَّخَذَتْ حَيْسَةً فِي بُرْمَةٍ فأرْسلَتْ بِها مَعِي إلَيْهِ، فانْطَلقْتُ بِها إلَيْهِ فَقَالَ لي: ضَعْهَا، ثُمَّ أمَرَنِي فَقَالَ: ادْعُ لي رِجالاً سَمَّاهُمْ وادْعُ لي مَنْ لَقِيتَ، قَالَ: فَفَعَلْتُ الَّذِي أمَرَنِي فَرَجَعْتُ فإِذَا البَيْتُ غاصٌّ بأهْلِهِ، فَرأيْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وضَعَ يَدَيْهِ علَى تِلْكَ الحَيْسَةِ وتَكَلَّم بِها مَا شاءَ الله، ثُمَّ جعَلَ يَدْعُو عَشَرَةً عَشَرَةً يأكُلُونَ مِنْهُ، ويَقُولُ لهُمْ: اذْكُرُوا اسْمَ الله ولْيَأْكُلْ كلُّ رجُلٍ مِمَّا يَليهِ، قَالَ: حتَّى تَصَدَّعُوا كُلُّهُمْ عَنْها، فَخَرَجَ مِنْهُمْ مَنْ خَرَجَ وبَقِيَ نَفَرٌ يَتَحَدَّثُونَ، قَالَ: وجَعَلْتُ أغْتَمَّ، ثُمَّ خَرَجَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نحْو الحُجُرَاتِ وخَرَجْتُ فِي إثْرِهِ فَقُلْتُ: إنَّهُمْ قَدْ ذَهِبُوا فَرَجَعَ فَدَخَلَ البَيْتَ وأرْخَى السِّتْرَ وإنِّي لَفِي الحُجْرَةِ، وهْوَ يَقُولُ: { (33) يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا. تدْخلُوا بيُوت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا أَن يُؤذن لكم إِلَّا طَعَام غير ناظرين إناه، وَلَكِن إِذا دعيتم فأدخلوا فَإِذا ذعمتم فَانْتَشرُوا. وَلَا مستأنسين لحَدِيث إِن ذَلِكُم كَانَ يُؤْذِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيستحي مِنْكُم وَالله لَا يستحي من الْحق} .
قَالَ أبُو عُثْمانَ: قَالَ أنَسٌ: إنَّهُ خَدَمَ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَشْرَ سِنِينَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (لَو أهدينا) إِلَى قَوْله: (فَانْطَلَقت بهَا إِلَيْهِ) .
وَإِبْرَاهِيم هُوَ ابْن طهْمَان، بِفَتْح الطَّاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْهَاء: الْهَرَوِيّ أَبُو سعيد، سكن نيسابور ثمَّ سكن مَكَّة، مَاتَ سنة سِتِّينَ وَمِائَة، وَأَبُو عُثْمَان اسْمه الْجَعْد، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة: ابْن دِينَار الْيَشْكُرِي الْبَصْرِيّ الصَّيْرَفِي.
كَذَا ذكر البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث مُعَلّقا غير مُتَّصِل، وَوَصله مرّة بقوله: حَدثنَا الصَّلْت بن مُحَمَّد حَدثنَا حَمَّاد بن زيد عَن الْجَعْد أبي عُثْمَان وَعَن هِشَام عَن مُحَمَّد وَسنَان بن ربيعَة عَن أنس. وَأخرجه مُسلم فِي النِّكَاح عَن قُتَيْبَة عَن جَعْفَر بن سُلَيْمَان عَن الْجَعْد وَعَن غَيره. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن قُتَيْبَة بِإِسْنَادِهِ نَحوه. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي النِّكَاح والوليمة عَن قُتَيْبَة بِهِ وَفِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى، وَقَالَ صَاحب التَّلْوِيح: وَالتَّعْلِيق عَن إِبْرَاهِيم رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن أَحْمد بن حَفْص بن عبد الله عَن أَبِيه عَن إِبْرَاهِيم بن طهْمَان عَن أبي عُثْمَان بِهِ، وَقَالَ بعض من لقيناه من الشُّرَّاح: زعم أَن النَّسَائِيّ أخرجه عَن أَحْمد بن حَفْص بن عبد الله بن رَاشد عَن أَبِيه عَنهُ، وَلم أَقف على

(20/150)


ذَلِك. قلت: إِن كَانَ مُرَاده بقوله: من لقيناه من الشُّرَّاح، صَاحب التَّلْوِيح فَإِنَّهُ لم يلقه لِأَنَّهُ مَاتَ فِي سنة اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَهُوَ فِي ذَلِك الْوَقْت لم يكن مولودا، وَإِن كَانَ مُرَاده صَاحب التَّوْضِيح فَهُوَ تبع فِي ذَلِك شَيْخه صَاحب التَّلْوِيح وَإِن كَانَ مُرَاده الْكرْمَانِي، وَهُوَ لم يدْخل الديار المصرية أصلا وَلَا هَذَا الْقَائِل رَحل إِلَى تِلْكَ الْبِلَاد، وَمَعَ هَذَا لم يذكر الْكرْمَانِي ذَلِك. وَقَوله: لم أَقف على ذَلِك، لَا يسْتَلْزم نفي وقُوف غَيره.
قَوْله: (قَالَ: مر بِنَا) أَي قَالَ أَبُو عُثْمَان الْجَعْد: (مر بِنَا أنس فِي مَسْجِد بني رِفَاعَة) بِكَسْر الرَّاء وَتَخْفِيف الْفَاء وبالعين الْمُهْملَة، وَبَنُو رِفَاعَة بن الْحَرْث بن بهثة بن سليم، قَبيلَة نزلُوا الْكُوفَة وَالْبَصْرَة وبنوا مَسَاجِد وَغَيرهَا، وَالْمرَاد بِمَسْجِد بني رِفَاعَة هُنَا الْمَسْجِد الَّذِي بنوه ببصرة. قَوْله: (فَسَمعته يَقُول) أَي: فَسمِعت أنسا يَقُول: قَوْله: (بجنبات أم سليم) وَهِي جمع جنبة بِالْجِيم وَالنُّون وَهِي النَّاحِيَة، وَيُقَال: يحْتَمل أَن يكون مأخوذا من الجناب وَهُوَ الفناء، فَكَأَنَّهُ يَقُول: إِذا مر بفنائها، وَأم سليم بِضَم السِّين وَهِي أم أنس بن مَالك، وَهِي بنت ملْحَان بن خَالِد. وَاخْتلف فِي اسْمهَا، فَقيل: سهلة، وَقيل: رميلة، وَقيل: رمية، وَقيل: غير ذَلِك. قَوْله: (عروسا بِزَيْنَب) وَقد مر غير مرّة أَن الْعَرُوس يَشْمَل الذّكر وَالْأُنْثَى، وَزَيْنَب بنت جحش الأَسدِية أم الْمُؤمنِينَ، تزَوجهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سنة ثَلَاث، قَالَه خَليفَة، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: سنة خمس وَكَانَت قبله عِنْد زيد بن حَارِثَة مولى رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، مَاتَت سنة عشْرين من الْهِجْرَة، وَصلى عَلَيْهَا عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (حيسة) بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره سين مُهْملَة، وَهُوَ الطَّعَام الْمُتَّخذ من التَّمْر والأقط وَالسمن، وَيدخل عوض الأقط الدَّقِيق أَو الفتيت. قَوْله: (فِي برمة) بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: البرمة الْقدر مُطلقًا، وَهِي فِي الأَصْل المتخذة من الْحجر الْمَعْرُوف بالحجاز واليمن. قَوْله: (فَأرْسلت بهَا معي إِلَيْهِ) أَي: أرْسلت أم سليم بالهدية معي إِلَى رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (فَإِذا الْبَيْت) كلمة: إِذا، للمفاجأة وَالْبَيْت مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ، (وغاص) خَبره، أَي: ممتلىء، ومادته: غين مُعْجمَة وصاد مُهْملَة، وَأَصله من: غصصت بِالْمَاءِ أغص غصصا فَأَنا غاص وغصان إِذا امْتَلَأَ حلقك بِالْمَاءِ وشرقت بِهِ. قَوْله: (حَتَّى تصدعوا) أَي: حَتَّى تفَرقُوا. قَوْله: (وَبَقِي نفر) النَّفر من الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة، وَفِي رِوَايَة أَنهم ثَلَاثَة، وَفِي أُخْرَى وَفِي التِّرْمِذِيّ: وَجلسَ طوائف يتحدثون فِي بَيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله: (أغتم) ، من الاغتمام بالغين الْمُعْجَمَة أَي: أَحْزَن من عدم خُرُوجهمْ، وَتَفْسِير الْآيَة قد مر فِي سُورَة الْأَحْزَاب. قَوْله: (غير ناظرين أناه) أَي: إِدْرَاكه ونضجه، وَفِيه التفاف، وَمَات رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ ابْن عشْرين سنة وَمَات أنس سنة ثَلَاث أَو اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين، وَقد نَيف على الْمِائَة بِزِيَادَة سنتَيْن أَو ثَلَاث.
وَفِيه فَوَائِد: الأولى: كَونه أصلا فِي هَدِيَّة الْعَرُوس. وَكَانَ الإهداء، قَدِيما فأقرها الْإِسْلَام. الثَّانِيَة: كَونهَا قَليلَة فالمودة إِذا صحت سقط التَّكَلُّف فحال أم سليم كَانَ أقل. الثَّالِثَة: اتِّخَاذ الْوَلِيمَة فِي الْعرس قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ بعد الدُّخُول، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: كَانَ دُخُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد هَذِه الْوَلِيمَة. الرَّابِعَة: دُعَاء النَّاس إِلَى الْوَلِيمَة بِغَيْر تَسْمِيَة وَلَا تكلّف وَهِي السّنة. الْخَامِسَة: فِيهِ معْجزَة عظمى دعى الْجمع الْكثير إِلَى شَيْء قَلِيل، وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم: أَنهم كَانُوا زهاء ثَلَاثمِائَة. السَّادِس: لطفه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وحياؤه الغريز حَيْثُ كَانَ يدْخل وَيخرج وَلَا يَقُول لمن كَانَ جَالِسا: أخرج. السَّابِعَة: فِيهِ الصَّبْر على أَذَى الصّديق الثَّامِنَة من سنة الْعرس إِذا فضل عِنْده طَعَام أَن يَدْعُو لَهُ من خف عَلَيْهِ من إخوانه، فَيكون زِيَادَة إعلان بِالنِّكَاحِ. التَّاسِعَة: فِيهِ التَّسْمِيَة على الْأكل. الْعَاشِرَة: السّنة الْأكل مِمَّا يَلِيهِ.

56 - (بابُ اسْتِعارَةِ الثَّيابِ لِلْعَرُوسِ وغَيْرِها)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان اسْتِعَارَة الثِّيَاب لأجل الْعَرُوس. قَوْله: (وَغَيرهَا) أَي: واستعارة غير الثِّيَاب مِمَّا يتجمل بِهِ الْعَرُوس من الْحلِيّ.

4615 - حدَّثني عُبَيْدُ بنُ إسْماعِيلَ حدَّثنا أبُو أُسامَةَ عنْ هِشامٍ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ، رَضِي الله عَنْهَا، أَنَّهَا اسْتَعارَتْ مِنْ أسْماءَ قِلاَدَةً فَهلَكَتْ، فأرْسَلَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَاسا مِنْ أصْحابِه

(20/151)


ِ فِي طَلَبِها، فأدْركَتْهُمُ الصَّلاَةُ فَصَلَّوْا بِغَيْرِ وُضُوءٍ، فلَمَّا أتَوُا النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَكَوْا ذالِكَ إلَيْهِ فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ، فَقَالَ أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ: جَزَاكِ الله خَيْرا، فَوَالله مَا نَزل بك أمْرٌ قَطُّ إلاّ جَعَلَ الله لَكِ مِنْهُ مَخْرَجا وجُعلَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيه بَرَكَةٌ..
قيل لَا مُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة لِأَنَّهَا اسْتِعَارَة الثِّيَاب للعروس، واستعارة عَائِشَة من أَسمَاء قلادة وَلَيْسَت بِثَوْب، وَأجِيب بِأَنَّهُ قَالَ: وَغَيرهَا، وَهُوَ يتَنَاوَل القلادة وَغَيرهَا، كَمَا ذكرنَا الْآن، وردَّ بِأَن التَّرْجَمَة فِي اسْتِعَارَة الثِّيَاب وَغَيرهَا للعروس، وَعَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، حِين استعارتها لم تكن عروسا، وَقَالَ بَعضهم فِي وَجه الْمُطَابقَة: القلادة وَغَيرهَا من أَنْوَاع الملبوس الَّذِي يتزين بِهِ المزوج أَعم من أَن يكون عِنْد الْعرس أَو بعده. قلت: بَين مَا قَالَه وَبَين مَا يفهم من التَّرْجَمَة بُعد عَظِيم، وَالرَّدّ الَّذِي ذكرنَا رد أَيْضا لهَذَا، وَلَكِن إِذا أعدنا الضَّمِير فِي غَيرهَا: إِلَى الْعَرُوس، تتأتى الْمُطَابقَة على مَا لَا يخفى.
وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه عرو بن الزبير بن الْعَوام.
والْحَدِيث قد مر فِي كتاب التَّيَمُّم فِي: بَاب إِذا لم يجد مَاء وَلَا تُرَابا، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن زَكَرِيَّاء بن يحيى عَن عبد الله بن نمير عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة إِلَى آخِره نَحوه وَمر الْكَلَام فِيهِ قَوْله فوَاللَّه مَا نزل بك أَمر إِلَى آخِره وَهُنَاكَ هَكَذَا فوَاللَّه نزل بك أَمر تكرهينه إِلَّا جعل الله لَك وللمسلمين فِيهِ خيرا.

66 - (بابُ مَا يَقُولُ الرَّجُلُ إذَا أتَى أهْلَهُ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يَقُول الرجل إِذا أَتَى أَهله يَعْنِي إِذا أَرَادَ الْجِمَاع.

5615 - حدَّثنا سَعْدُ بنُ حَفْصٍ حَدثنَا شَيْبانُ عنْ مَنْصُورُ عنْ سالِم بن أبي الجِعْدِ عنْ كُرَيْب عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَأما لَوْ أنَّ أحَدَكُمْ يَقُولِ حِينَ يأتِي أهْلَهُ: باسْمِ الله، أللَّهُمَّ جَنِّبْنِي الشَّيْطانَ مَا رزَقْتَنا، ثُمَّ قُدِّرَ بَيْنَهُما فِي ذالِكَ أوْ قُضِيَ وَلَدٌ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطانٌ أبَدا..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَسعد بن حَفْص أَبُو مُحَمَّد الطلحي الْكُوفِي، يُقَال: لَهُ الضخم، وشيبان بن عبد الرَّحْمَن النَّحْوِيّ وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وكريب مصغر كرب مولى ابْن عَبَّاس.
وَمضى الحَدِيث فِي الطَّهَارَة فِي: بَاب التَّسْمِيَة على كل حَال. وَمضى أَيْضا فِي بَدْء الْخلق فِي: بَاب صفة إِبْلِيس وَجُنُوده، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (أما) بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف الْمِيم حرف استفتاح بِمَنْزِلَة: أَلاَ. قَوْله: (لَو أَن أحدكُم) كَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني. وَفِي رِوَايَة غَيره بِحَذْف: أَن وَفِي الَّذِي تقدم فِي: بده الْخلق، بِحَذْف أما لَو أَن أحدكُم إِذا أَتَى أَهله. قَالَ: وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد وَغَيره: لَو أَن أحدكُم إِذا أَرَادَ أَن يَأْتِي أَهله، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: أما أَن أحدكُم، أَو يَقُول: حِين يُجَامع مَعَ أَهله، وَفِي رِوَايَة لَهُ: لَو أَن أحدهم إِذا جَامع امْرَأَته ذكر الله. قَوْله: (بِسم الله اللَّهُمَّ جنبني) وَفِي رِوَايَة روح: ذكر الله قَالَ: اللَّهُمَّ جنبني، وجنبني بِالْإِفْرَادِ أَيْضا فِي: بَدْء الْخلق، وَفِي رِوَايَة همام: جنبنا بِالْجمعِ. قَوْله: (أَو قضي) كَذَا بِالشَّكِّ، وَفِي رِوَايَة سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن مَنْصُور: فَإِن قضى الله بَينهمَا ولدا، وَفِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيقه، فَإِنَّهُ إِن يقدر بَينهمَا ولد فِي ذَلِك، وَفِي رِوَايَة جرير: ثمَّ قدر أَن يكون، وَالْبَاقِي مثله: وَفِي رِوَايَة همام: ثمَّ رزقا ولدا وَالْفرق بَين الْقَضَاء وَالْقدر من حَيْثُ اللُّغَة، وَأما من حَيْثُ الِاصْطِلَاح فالقضاء هُوَ الْأَمر الْكُلِّي الإجمالي الَّذِي فِي الْأَزَل، وَالْقدر هُوَ جزئيات ذَلِك الْكُلِّي وتفاصيل ذَلِك الْمُجْمل الْوَاقِعَة فِي مَا لَا يزَال، وَفِي الْقُرْآن إِشَارَة إِلَيْهِ {وَإِن من شَيْء إِلَّا عندنَا خزائنه وَمَا ننزله إِلَّا بِقدر مَعْلُوم} (الْحجر: 12) . قَوْله: (لم يضرّهُ) بِفَتْح الرَّاء وَضمّهَا. قَوْله: (شَيْطَان) كَذَا بالتنكير، وَفِي رِوَايَة مُسلم وَأحمد لم يُسَلط عَلَيْهِ الشَّيْطَان، أَو: لم يضرّهُ الشَّيْطَان، مَعْنَاهُ: لم يُسَلط عَلَيْهِ بِحَيْثُ لم يكن لَهُ الْعَمَل الصَّالح، وَقَالَ القَاضِي: لم يحملهُ أحد على الْعُمُوم فِي جَمِيع الضَّرَر والوساوس فَقيل المُرَاد إِنَّه لَا يصرعه شَيْطَان، وَقيل: لَا يطعن فِي بَطْنه عِنْد وِلَادَته، وَفِيه نظر لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا من مَوْلُود إلاَّ يمسهُ الشَّيْطَان حِين يُولد فَيَسْتَهِل صَارِخًا من مس الشَّيْطَان غير مَرْيَم وَابْنهَا، وَقيل: لم يُسَلط عَلَيْهِ من أجل بركَة التَّسْمِيَة، بل يكون من جملَة الْعباد الَّذين قيل فيهم: {إِن عبَادي لَيْسَ لَك عَلَيْهِم سُلْطَان} (الْحجر: 24) وَقيل: لم يضر فِي بدنه، وَقيل: لم يضرّهُ بمشاركة أَبِيه فِي جماع أمه

(20/152)


كَمَا جَاءَ عَن مُجَاهِد: إِن الَّذِي يُجَامع وَلَا يُسمى يلتف الشَّيْطَان على أحليله فيجامع مَعَه.