عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 84 - (بابُ ضَرْبِ الدُّفِّ فِي النِّكَاحِ
والوَلِيمَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إِبَاحَة ضرف الدُّف فِي
النِّكَاح، والأفصح فِي الدُّف ضم ادال وَقد تفتح، وَهُوَ
الَّذِي بِوَجْه وَاحِد، وَقد اخْتلف فِي الضَّرْب
بِالْوَجْهِ من الْوَجْهَيْنِ. قَوْله: (والوليمة) أَي:
ضرب الدُّف فِي الْوَلِيمَة، وَهُوَ من عطف الْعَام على
الْخَاص، قيل: يحْتَمل أَن يُرِيد وَلِيمَة النِّكَاح
خَاصَّة، وَأَن ضرب الدُّف يشرع فِي النِّكَاح عِنْد العقد
وَعند الخول مثلاٍ وَعند الْوَلِيمَة كَذَلِك، وَالْأول
أقرب.
7415 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ
حَدثنَا خالِدُ بنُ ذَكْوانَ قَالَ: قالَتِ الرُّبَيِّعُ
بِنْتُ مُعَوِّذِ بنِ غَفْرَاءَ: جاءَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، فَدَخَلَ حِينَ بُنْيَ علَيَّ، فَجَلسَ
علَى فِرَاشِس كمَجْلَسِكَ مِنِّي، فَجَعَلتْ
جُوَيْرِيَاتٌ لَنا يَضْرِبْنَ بالدُّفِّ ويَنْذُبْنَ مَنْ
قُتِلَ مِنْ آبائِي يَوْمَ بَدْرٍ إذْ قالَتْ إحْدَاهُنَّ:
وَفينَا نَبيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ، فَقَالَ: دَعي
هاذِهِ وقُولِي بالَّذِي كُنْتِ نَقُولِينَ.
(انْظُر الحَدِيث 1004) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَبشر، بِكَسْر الْبَاء
الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: ابْن الْمفضل من
التَّفْضِيل على صِيغَة اسْم الْمَفْعُول ابْن لَاحق
الْبَصْرِيّ، وخَالِد بن ذكْوَان أَبُو الْحسن الْمدنِي،
وَالربيع، بِضَم الرَّاء، مصغر الرّبيع. ضد الخريف: بنت
معوذ بِلَفْظ اسْم الْفَاعِل من التعويذ بِالْعينِ
الْمُهْملَة والذال الْمُعْجَمَة، والعفراء مؤنث الأعفر
بِالْعينِ الْمُهْملَة وَالْفَاء وَالرَّاء من العفرة،
وَهُوَ بَيَاض لَيْسَ بالناصع.
والْحَدِيث قد مر فِي الْمَغَازِي فِي بَاب مُجَرّد بعد:
بَاب شهودالملائكة بَدْرًا، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن
عَليّ عَن بشر بن الْمفضل إِلَى آخِره.
قَوْله: (حِين بني عَليّ) أَرَادَت بِهِ لَيْلَة دخل
عَلَيْهَا زَوجهَا وَبني، على صِيغَة الْمَجْهُول: وعليَّ
بتَشْديد الْيَاء. قَوْله: (كمجلسك) بِفَتْح اللَّام مصدر
ميمي أَي: كجلوسك، ويروي بِكَسْر اللَّام. قَوْله: (يندبن)
بِضَم الدَّال من النّدب وَهُوَ تعديد محَاسِن الْمَيِّت
والبكاء عَلَيْهِ. قَوْله: (من آبَائِي) وَفِي رِوَايَة
مرت فِي الْمَغَازِي: وَفِي آبائهن. قَوْله: (إِذْ قَالَت
إِحْدَاهُنَّ) أَي: إِحْدَى الجويريات، وَهُوَ جمع
جوَيْرِية مصغر جَارِيَة. قَوْله: (قَالَ: دعِي) أَي:
قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لتِلْك
الْجَارِيَة الَّتِي قَالَت: وَفينَا نَبِي يعلم ام فِي
غَد، دعِي أَي: اتركي هَذَا القَوْل، لِأَن مفاتح الْغَيْب
عِنْد الله لَا يعلمهَا إلاَّ هُوَ. قَوْله: (وَقَوْلِي
بِالَّذِي كنت تَقُولِينَ) يَعْنِي: اشتغلي بالأشعار
الَّتِي تتَعَلَّق بالمغازي والشجاعة وَنَحْوهَا.
وَفِي الحَدِيث فَوَائِد مِنْهَا: تشريف الرّبيع بِدُخُول
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهَا وجلوسه أمامها
حَيْثُ يجلس الرَّأْس، وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت:
كَيفَ صَحَّ هَذَا؟ قلت: أما أَنه جلس من وَرَاء الْحجاب
أَو كَانَ قبل نزُول آيَة الْحجاب أَو جَازَ النّظر
لحَاجَة أَو عِنْد الْأَمْن من الْفِتْنَة، وَاسْتحْسن
بَعضهم الْجَواب الْأَخير
(20/135)
قلت: كل هَذَا دوران لطلب شَيْء لَا يظفر
بِهِ، وَالْجَوَاب الصَّحِيح أَن من خَصَائِص النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم جَوَاز الْخلْوَة بالأجنبية
وَالنَّظَر إِلَيْهَا كَمَا ذكرنَا فِي قصَّة أم حرَام بنت
ملْحَان. فِي دُخُوله عَلَيْهَا، ونومه عِنْدهَا وتفليها
رَأسه وَلم يكن بَينهمَا محرمية وَلَا زوجية. وَمِنْهَا:
الضَّرْب بالدف فِي الْعرس بِحَضْرَة شَارِع الْملَّة
ومبين الْحل من الْحُرْمَة وإعلان النِّكَاح بالدف والغناء
الْمُبَاح، فرقا بَينه وَبَين مَا يسْتَتر بِهِ من السفاح.
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَحْمد بن منيع حَدثنَا
هشيم حَدثنَا أَبُو بلج عَن مُحَمَّد بن حَاطِب الجُمَحِي
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فصل
مَا بَين الْحَلَال وَالْحرَام الدُّف وَالصَّوْت،
وَقَالَ: حَدِيث حسن وَصَححهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم،
وَقَالَ ابْن طَاهِر: ألزم الدَّارَقُطْنِيّ مُسلما
إِخْرَاجه: قَالَ وَهُوَ صَحِيح، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ
وَأَبُو بلج: اسْمه يحيى بن أبي سليم وَيُقَال: ابْن سليم
أَيْضا. وَمُحَمّد بن حَاطِب قد رأى النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ غُلَام صَغِير. قلت: هَذَا أخرجه
النَّسَائِيّ عَن مُجَاهِد بن مُوسَى، وَابْن مَاجَه عَن
عَمْرو بن رَافع كِلَاهُمَا عَن هشيم وَأَبُو بلج هَذَا
بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون اللَّام وبالجيم،
وَقَالَ شيحنا زين الدّين: وَثَّقَهُ يحيى بن معِين
وَمُحَمّد بن سعد وَأَبُو حَاتِم وَالنَّسَائِيّ
وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَأما البُخَارِيّ فَقَالَ: فِيهِ
نظر، وَقَالَ شَيخنَا: أَبُو بلج هَذَا هُوَ الْكَبِير،
وَأما أَبُو بلج الصَّغِير فاسمه جَارِيَة بن بلج
الوَاسِطِيّ، وَذكر ابْن مَاكُولَا ثَالِثا وَهُوَ: أَبُو
بلج مولى عُثْمَان بن عَفَّان، رُوِيَ عَن عُثْمَان، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، وَرُوِيَ التِّرْمِذِيّ أَيْضا من
حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت:
قَالَ رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم:
أعْلنُوا هَذَا النِّكَاح واجعلوه فِي الْمَسَاجِد واضربوا
عَلَيْهِ بِالدُّفُوفِ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب،
وَأخرجه ابْن مَاجَه وَلَيْسَ فِي لَفظه: واجعلوه فِي
الْمَسَاجِد، وَقَالَ: واضربوا عَلَيْهِ بالغربال،
وَرُوِيَ النَّسَائِيّ من حَدِيث عَامر بن سعد عَن قرظة بن
كَعْب وَأبي مَسْعُود، قَالَا: رخص لنا فِي اللَّهْو عِنْد
الْعرس، وَرُوِيَ الطَّبَرَانِيّ عَن السَّائِب بن يزِيد:
لَقِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جواري يغنين
وَيَقُلْنَ: حيونا نحييكم، قَالَ: لَا تَقولُوا هَكَذَا،
وَلَكِن قُولُوا: حيانا وحياكم، فَقَالَ رجل: يَا رَسُول
الله ترخص للنَّاس فِي هَذَا {قَالَ: نعم} إِنَّه نِكَاح
لَا سفاح. وَرُوِيَ ابْن مَاجَه من حَدِيث عَائِشَة
أَنَّهَا أنكحت ذَات قربَة لَهَا من الْأَنْصَار، فَقَالَ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. أهديتم الفتاة؟ قَالُوا: نعم
قَالَ: أرسلتم مَعهَا من يُغني؟ قَالَت: قلت: لَا فَقَالَ:
إِن الْأَنْصَار قوم فيهم غزل، فَلَو بعثتم مَعهَا من
يَقُول: أَتَيْنَاكُم أَتَيْنَاكُم فحيانا وحياكم هَذَا
حَدِيث ضَعِيف، وَقَالَ أَحْمد: حَدِيث مُنكر، وَمِنْهَا:
إقبال الإِمَام والعالم إِلَى الْعرس، وَإِن كَانَ لَهو
وَلعب مُبَاح فَإِنَّهُ يُورث الألفة والانشراح، وَلَيْسَ
الِامْتِنَاع من ذَلِك من الْحيَاء الممدوح، بل فعله هُوَ
الممدوح الْمَشْرُوع. وَمِنْهَا: جَوَاز مدح الرجل فِي
وَجهه بِمَا فِيهِ، وَالْمَكْرُوه من ذَلِك مدحه بِمَا
لَيْسَ فِيهِ.
94 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: { (4) وَآتوا النِّسَاء
صدقاتهن نحلة} (النِّسَاء: 4) وكَثْرَةِ المَهْرِ وأدْنَى
مَا يَجُوزُ مِنَ الصَّدَاقِ وقَوْلهِ تَعَالَى: { (4)
وَآتَيْتُم إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا
مِنْهُ شَيْئا} (النِّسَاء: 02) وقَوْلهِ جَلَّ ذِكْرُهُ {
(2) أَو تفرضوا لَهُنَّ} (الْبَقَرَة: 632)
وَقَالَ سَهْلٌ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
ولوْ خاتَما مِنْ حَدِيدٍ.
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يدل عَلَيْهِ قَوْله الله:
{وَآتوا النِّسَاء صدقاتهن نحلة} (النِّسَاء: 4) أَي:
أعْطوا النِّسَاء مهورهن وَكَأن البُخَارِيّ أَشَارَ
بِهَذَا وَبِمَا ذكر بعده أَن الْمهْر لَا يقدر أَقَله،
وَسَيَجِيءُ الْكَلَام فِيهِ مفصلا. وَالصَّدقَات جمع
صَدَقَة بِفَتْح الصَّاد وَضم الدَّال. وَهُوَ مهر
الْمَرْأَة، وقرىء: صدقاتهن، بِفَتْح الصَّاد وَسُكُون
الدَّال وصدقاتهن بِضَم الصَّاد وَسُكُون الدَّال وصدقاتهن
بِضَم الصَّاد وَضم الدَّال قَوْله: {نحلة} (النِّسَاء: 4)
مَنْصُوب على الْمصدر لِأَن النحلة والإيتاء بِمَعْنى
الْإِعْطَاء؛ وَالتَّقْدِير: نحلوهن مهورهن نحلة، وَيجوز
أَن يكون مَنْصُوبًا على الْحَال من المخاطبين أَي: آتوهن
مهورهن ناحلين طيبي النُّفُوس بالإعطاء، وَيجوز أَن يكون
حَالا من الصَّدقَات، وَيكون معنى: نحلة، مِلَّة يُقَال:
نحلة الْإِسْلَام خير النَّحْل، وَيكون التَّقْدِير: وآتو
النِّسَاء صدقاتهن منحولة معطاة، وَيجوز أَن يكون
مَنْصُوبًا على التَّعْلِيل أَي: آتوهن صدقاتهن للنحلة
والديانة. قَوْله: (وَكَثْرَة الْمهْر) بِالْجَرِّ عطفا
على: قَول الله تَعَالَى، أَي: فِي بَيَان كَثْرَة
الْمهْر، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى جَوَاز كَثْرَة الْمهْر
فلأجل ذَلِك ذكر قَوْله تَعَالَى: {وَآتَيْتُم
(20/136)
إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} (النِّسَاء: 02)
وَالْقِنْطَار المَال الْعَظِيم من قنطرت الشَّيْء إِذا
رفعته، وَمِنْه القنطرة.
قَالَه الزَّمَخْشَرِيّ: وَاخْتلفُوا فِيهِ: هَل هُوَ
مَحْدُود أم لَا؟ فَقَالَ أَبُو عبيد: هُوَ وزن لَا يحد،
وَقيل: هُوَ مَحْدُود، ثمَّ اخْتلفُوا فِيهِ، فَقيل: هُوَ
ألف وَمِائَتَا أُوقِيَّة، رَوَاهُ أبي بن كَعْب عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبِه قَالَ معَاذ بن
جبل وَابْن عمر، وَقيل: إثنا عشر ألف أُوقِيَّة، رَوَاهُ
أَبُو هُرَيْرَة، وَقيل: ألف وَمِائَتَا دِينَار، رَوَاهُ
ابْن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس، وَقيل: سَبْعُونَ ألف
دِينَار، وَرُوِيَ عَن ابْن عمر وَمُجاهد، وَقيل:
ثَلَاثُونَ ألف دِرْهَم أَو مائَة رَطْل من الذَّهَب،
وَقيل: سَبْعَة آلَاف دِينَار، وَقيل: ثَمَانِيَة آلَاف
دِينَار، وَقيل: ألف مِثْقَال ذهب أَو فضَّة، وَقيل: ملْء
مسك ثَوْر ذَهَبا، وكل ذَلِك تحكّم، إلاَّ مَا رُوِيَ عَن
خبر، وَعَن ابْن عَبَّاس فِي هَذِه الْآيَة: وَإِن كرهت
امْرَأَتك وَأَرَدْت أَن تطلقها وتتزوج غَيرهَا فَلَا
تَأْخُذ مِنْهَا شَيْئا من مهرهَا وَلَو كَانَ قِنْطَارًا
من الذَّهَب.
قَوْله: {أَو تفرضوا لَهُنَّ} (الْبَقَرَة: 632) وَزَاد
أَبُو ذَر: فَرِيضَة. قَوْله: وَقَالَ سهل بن سعد فِي
حَدِيث الواهبة نَفسهَا: وَلَو خَاتمًا من حَدِيد، وَقد
مضى حَدِيث سهل مرَارًا عديدة، وَذكر هُنَا طرفا مِنْهُ،
وَأَشَارَ بِهِ البُخَارِيّ أَيْضا إِلَى أَن الْمهْر لَا
يقدر بِشَيْء.
وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي أَكثر الصَدَاق وَأقله. فَزعم
الْمُهلب أَنه لَا حدَّ لأكثره قَوْله تَعَالَى:
{وَآتَيْتُم إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} (النِّسَاء: 02)
وَذكر عبد الرَّزَّاق عَن قيس بن الرّبيع عَن أبي حُصَيْن
عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ، قَالَ عمر بن الْخطاب،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: لَا تغَالوا فِي صدقَات
النِّسَاء، فَقَالَت امْرَأَة: لَيْسَ ذَلِك يَا عمر، إِن
الله عز وَجل قَالَ: {وَآتَيْتُم إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا}
(النِّسَاء: 02) فَقَالَ: إِن امْرَأَة خَاصَمت عمر
فَخَصمته، وَذكر أَبُو الْفرج الْأمَوِي وَغَيره: أَن عمر
صدق أم كُلْثُوم ابْنة عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُم، أَرْبَعِينَ ألفا، وَأَن الْحسن بن
عَليّ تزوج امْرَأَة فَأرْسل إِلَيْهَا مائَة جَارِيَة
وَمِائَة ألف دِرْهَم، وَتزَوج معصب بن الزبير عَائِشَة
بنت طَلْحَة فَأرْسل إِلَيْهَا ألف دِرْهَم، فَقيل فِي
ذَلِك:
(بضع الفتاة بِأَلف ألف كاملٍ ... وتبيت سَادَات الجيوش
شياعا)
وأصدق النَّجَاشِيّ أم حَبِيبَة، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهَا، عَن سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فِيمَا ذكرهه أَبُو دَاوُد أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم وَكتب
بذلك إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ
الْحَرْبِيّ: وَقيل: أصدقهَا أَرْبَعمِائَة دِينَار،
وَقيل: مِائَتي دِينَار. وَفِي مُسلم: قَالَت عَائِشَة:
كَانَ صدَاق رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ
وَسلم، ثِنْتَيْ عشرَة أُوقِيَّة ونشا فَذَلِك خَمْسمِائَة
دِرْهَم. وَقَالَ الْحَرْبِيّ: أصدق صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم سَوْدَة بَيْتا وَرثهُ، وَعَائِشَة على مَتَاع بَيت
قِيمَته خَمْسُونَ درهما، رَوَاهُ عَطِيَّة عَن أبي سعيد،
وأصدق زَيْنَب بنت خُزَيْمَة ثِنْتَيْ عشرَة أُوقِيَّة
ونشا، وَأم سَلمَة على مَتَاع قِيمَته عشرَة دَرَاهِم،
وَقيل: كَانَ جرتين ورحى ووسادة حشوها لِيف، وَعند أبي
الشَّيْخ: عَليّ جرار خضر ورحى يَد، وَعند التِّرْمِذِيّ:
على أَرْبَعمِائَة دِرْهَم، وَفِي مُسلم: لما قَالَ
الْأنْصَارِيّ وَقد تزوج: بكم تَزَوَّجتهَا؟ قَالَ: على
أَربع أَوَاقٍ، فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أَربع
أَوَاقٍ؟ كأنكم تنحتون الْفضة من عرض هَذَا الْجَبَل) .
وَعند ابْن حبَان عَن أبي هُرَيْرَة: كَانَ صداقنا إِذْ
كَانَ فِينَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عشرَة
أَوَاقٍ، زَاد أَبُو الشَّيْخ فِي كتاب النِّكَاح، فطبق
يَده. وَذَاكَ أَرْبَعمِائَة دِرْهَم. وَعَن عدي بن
حَاتِم: سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو
صدَاق بَنَاته أَرْبَعمِائَة دِرْهَم، وَبِسَنَد لَا بَأْس
بِهِ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زوج ربيعَة
بن كَعْب الْأَسْلَمِيّ امْرَأَة من الْأَنْصَار على وزن
نواة من ذهب، وَرُوِيَ عَن أنس: قيمَة النواة خَمْسَة
دءاهم. وَفِي رِوَايَة: ثَلَاثَة دَرَاهِم وَثلث دِرْهَم،
وَإِلَيْهِ ذهب أَحْمد بن حَنْبَل، وَعَن بعض
الْمَالِكِيَّة: النواة ربع دِينَار. وَقَالَ أَبُو
عُبَيْدَة: لم يكن هُنَاكَ ذهب إِنَّمَا هِيَ خَمْسَة
دَرَاهِم تسمى نواة كَمَا تسمى الْأَرْبَعُونَ أُوقِيَّة،
وَبِسَنَد جيد عَن أبي الشَّيْخ عَن جَابر: إِن كُنَّا
لننكح الْمَرْأَة على الحفنة أَو الحفنتين من الدَّقِيق،
وَلما ذكره المرزباني استغربه، وَعند الْبَيْهَقِيّ: قَالَ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَو أَن رجلا تزوج امْرَأَة على
ملْء كَفه من طَعَام لَكَانَ ذَلِك صَدَاقا) . وَفِي لفظ
قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من أعْطى فِي صدَاق
امْرَأَة ملْء الحفنة سويقا أَو تَمرا فقد اسْتحلَّ) .
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: رَوَاهُ ابْن جريج فَقَالَ فِيهِ:
كُنَّا نستمتع بالقبضة، وَابْن جريج أحفظ، وَفِي كتاب أبي
دَاوُد: عَن يزِيد عَن مُوسَى عَن مُسلم بن رُومَان عَن
أبي الزبير عَن جَابر، يرفعهُ: (من أعْطى فِي صدَاق
امْرَأَة ملْء كفيه سويقا أَو تَمرا فقد اسْتحلَّ) .
وَقَالَ ابْن الْقطَّان: ومُوسَى لَا يعرف. وَقَالَ أَبُو
مُحَمَّد: لَا يعول عَلَيْهِ، وَرُوِيَ التِّرْمِذِيّ من
حَدِيث عبد الله بن عَامر بن ربيعَة عَن أَبِيه أَن
امْرَأَة من بني فَزَارَة تزوجت على نَعْلَيْنِ، فَقَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أرضيت من نَفسك
وَمَالك بنعلين؟ قَالَت: نعم. فَأَجَازَهُ) . وَرُوِيَ
الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه
وَالطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه: عَن مُحَمَّد بن عبد
الرَّحْمَن السَّلمَانِي عَن أَبِيه عَن ابْن عمر: أَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(20/137)
قَالَ: (أَدّوا العلائق. قَالُوا: يَا
رَسُول الله {مَا العلائق؟ قَالَ: مَا تراضي عَلَيْهِ
الأهلون وَلَو قَضِيبًا من أَرَاك) . قلت: هُوَ مَعْلُول
بِمُحَمد بن عبد الرَّحْمَن السَّلمَانِي، قَالَ ابْن
الْقطَّان: قَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ
ابْن الْقَاسِم: لَو تزَوجهَا بِدِرْهَمَيْنِ ثمَّ طَلقهَا
قبل الدُّخُول لم يرجع إلاَّ بدرهم، وَعَن الثَّوْريّ:
إِذا تراضوا على دِرْهَم فِي الْمهْر فَهُوَ جَائِز،
وَرُوِيَ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن
عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: النِّكَاح جَائِز على
جوزة إِذا هِيَ رضيت، وَذهب ابْن حزم إِلَى جَوَازه بِكُل
مَاله نصف قل أَو أَكثر، وَلَو أَنه حَبَّة بر أَو حَبَّة
شعيرَة وشبههما، وَسُئِلَ ربيعَة عَمَّا يجوز من
النِّكَاح، فَقَالَ: دِرْهَم قيل: فَأَقل؟ قَالَ: وَنصف.
قيل: فَأَقل، قَالَ: حَبَّة حِنْطَة أَو قَبْضَة حِنْطَة.
وَقَالَ الشَّافِعِي: سَأَلت الدَّرَاورْدِي: هَل قَالَ
أحد بِالْمَدِينَةِ: لَا يكون صدَاق أقل من ربع دِينَار؟
فَقَالَ: لَا وَالله مَا عملت أحدا قَالَه قبل مَالك.
قَالَ الدَّرَاورْدِي: أَخذه عَن أبي حنيفَة يَعْنِي فِي
اعْتِبَار مَا يقطع بِهِ الْيَد، قَالَ الشَّافِعِي:
رُوِيَ بعض أَصْحَاب أبي حنيفَة فِي ذَلِك عَن عَليّ فَلَا
يثبت مثله لَو لم يُخَالِفهُ غَيره أَنه لَا يكون مهْرا
أقل من عشرَة دَرَاهِم. قلت: قَالَ أَصْحَابنَا: أقل
الْمهْر عشرَة دَرَاهِم سَوَاء كَانَت مَضْرُوبَة أَو
غَيرهَا حَتَّى يجوز وزن عشرَة تبرا وَإِن كَانَت قِيمَته
أقل بِخِلَاف السّرقَة لما رُوِيَ الدَّارَقُطْنِيّ من
حَدِيث جَابر بن عبد الله، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا تنْكِحُوا النِّسَاء إلاَّ
للأكفاء وَلَا يزوجهن إِلَّا الْأَوْلِيَاء وَلَا مهر دون
عشرَة دَرَاهِم) . فَإِن قلت: فِيهِ مُبشر بن عبيد
مَتْرُوك الحَدِيث أَحَادِيثه لَا يُتَابع عَلَيْهَا،
قَالَه الدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي
الْمعرفَة: عَن أَحْمد بن حَنْبَل أَنه قَالَ: أَحَادِيث
بشر بن عبيد مَوْضُوعَة كذب قلت: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من
طرق، والضعيف إِذا رُوِيَ من طَرِيق يصير حسنا فيحتج بِهِ،
ذكره النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب، وَعَن عَليّ، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ أَنه قَالَ: أقل مَا يَسْتَحِيل بِهِ
الْمَرْأَة عشرَة دَرَاهِم، ذكره الْبَيْهَقِيّ أَبُو عمر
بن عبد الْبر.
8415 - حدَّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ حَدثنَا شُعْبَةُ
عنْ عبْدِ العَزِيزِ بنِ صُهيْبٍ عنْ أنسٍ أنَّ عبْدِ
الرَّحْمانِ بنَ عَوْفٍ تَزَوَّج امرَأةً عَلى وزْنِ
نَواةٍ فَرَأي النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَشاشَةَ
العُرْسِ، فَسألَهُ، فَقَالَ: إنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأةً
عَلى وزْنِ نَوَاةٍ..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لما سمع من عبد الرَّحْمَن مَا قَالَه سكت،
فَيدل على أَن المهرة غير مُقَدّر، وَأَنه على التَّرَاضِي
بَين الزَّوْجَيْنِ، والنواة زنة خَمْسَة دَرَاهِم.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي النِّكَاح عَن إِسْحَاق بن
إِبْرَاهِيم وَمُحَمّد بن قدامَة.
قَوْله: (بشاشة الْعرس) ، وَهِي الْفَرح الَّذِي حصل
مِنْهُ، وبشاشة اللِّقَاء الْفَرح بِالْمَرْءِ والانبساط
إِلَيْهِ والأنس بِهِ، ويروي: فَرَأى النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا يشبه الْعرس. قَالَ ابْن قرقول:
كَذَا فِي كتاب الْأصيلِيّ والقابسي والنسفي وَبَعض رُوَاة
البُخَارِيّ وَهُوَ تَصْحِيف، وَصَوَابه: بشاشة الْعرس،
كالأبى ذَر وَابْن السكن، ويروي الْعَرُوس، وَفِي رِوَايَة
مُسلم: قَالَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف: رَآنِي رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعلي بشاشة الْعرس، وَفِي
رِوَايَة لَهُ عَن أنس بن مَالك: أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم رأى على عبد الرَّحْمَن أثر صفرَة،
فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: يَا رَسُول الله} تزوجت
امْرَأَة على وزن نواة من ذهب. قَالَ: (فَبَارك الله لَك
أَو لم وَلَو بِشَاة) .
وعنْ قَتادَةَ عنْ أنَسٍ أَن عبْدَ الرَّحْمانِ بنَ عَوْفٍ
تَزَوجَ امْرأعةً علَى وزْنِ نَوَاةٍ منْ ذَهَبٍ
هُوَ عطوف على قَوْله: عَن عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب،
وَهِي رِوَايَة شُعْبَة عَنْهُمَا، فبيَّن أَن عبد
الْعَزِيز بن صُهَيْب أطلق عَن أنس النواة، وَقَتَادَة
زَاد أَنَّهَا من ذهب، وَيحْتَمل أَن يكون قَوْله: وَعَن
قَتَادَة مُعَلّقا.
05 - (بابُ التَّزْويجِ علَى القُرْآنِ وبِغَيْرِ صداقٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التَّزْوِيج على تَعْلِيم
الْقُرْآن، وَالتَّزْوِيج بِغَيْر صدَاق أَي: بِغَيْر ذكر
صدَاق مَالِي.
9415 - حدَّثنا عَلِيٌّ بنُ عبْدِ الله حَدثنَا سُفْيانُ
سَمِعْتُ أَبَا حازِمٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ سَهْلَ بن سَعْدٍ
السَّاعِدِيَّ يَقُولُ: إنِّي لَفِي القَوْمِ عِنْدَ رسولِ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذْ قامتِ امْرَأةٌ
فقالتْ: يَا رسولَ الله! إِنَّهَا قَدْ وهَبْتَ
(20/138)
نَفْسَها لَكَ فَرَ فِيهَا رأيَكَ. فلَمْ
يُجِبْها شَيْئا، ثُمَّ قامَتْ فقالَتْ: يَا رسولَ الله
{إنَّها قَدْ وهَبَتْ نَفْسَهَا لَكَ فَرَ فِيها رَأْيَكَ،
فَلمْ قامتِ الثالِثَةَ فقالَتْ: إِنَّهَا قدْ وهَبَتْ
نَفْسَها لَكَ فَرَ فِيها رأيَكَ. فقامَ رجُلٌ فَقَالَ:
يَا رسولُ الله} أنْكِحْنِيها. قَالَ: هَلْ عِنْدكَ مِنْ
شَيْء؟ قَالَ: لَا. قَالَ: إذْهَبْفاطْلُبْ ولوْ خاتَما
مِنْ حَدِيدٍ، فَذَهَبَ فَطَلَبَ ثُمَّ جاءَ فَقَالَ: مَا
وجَدْتُ شَيْئا وَلَا خاتَما مِنْ حَدِيدٍ، فَقَالَ: هَلْ
مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ شَيْءٌ؟ قَالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا
وسورةُ كَذَا. قَالَ: إذْهَبْ فَقَدْ أنْكَحْتُكَها بِما
معَكَ مِنَ القُرْآنِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فَإِن فِيهِ التَّزْوِيج
على الْقُرْآن من غير ذكر صدَاق. وَعلي بن عبد الله بن
الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَأَبُو حَازِم
سَلمَة بن دِينَار. والْحَدِيث قد مر بطرق كَثِيرَة ومتون
مُخْتَلفَة وَقد ذكرنَا أَن الشَّافِعِي ذهب إِلَى هَذِه
الْأَحَادِيث وَإِلَى أَن آخذ الْأجر على تَعْلِيم
الْقُرْآن جَائِز. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه
وَمَالك وَاللَّيْث والمزني. لَا يكون تَعْلِيم الْقُرْآن
مهْرا، زَاد أَبُو حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
وَأَصْحَابه: فَإِن تزوج على ذَلِك فَالنِّكَاح جَائِز،
وَهُوَ فِي حكم من لم يسم لَهَا مهْرا فلهَا مهر مثلهَا
إِن دخل بهَا، وَإِن لم يدْخل بهَا فلهَا الْمُتْعَة.
وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: قَوْله: أنكحتكها أَو زوجتكها أَو
أملكتكها بِمَا مَعَك من الْقُرْآن خَاص بسيدنا رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يجوز لغيره، لِأَن الله
تَعَالَى أَبَاحَ لَهُ ملك الْبضْع بِغَيْر صدَاق، وَلم
يَجْعَل ذَلِك لغيره، بقوله: خَالِصَة لَك من دون
الْمُؤمنِينَ، فَكَانَ لَهُ خصّه الله تَعَالَى أَن ملَّك
غَيره مَا كَانَ لَهُ ملكه صدَاق، وَيكون ذَلِك خَاصّا
بِهِ. وَقَالَ اللَّيْث: لَا يجوز لأحد أَن يتَزَوَّج
بِالْقُرْآنِ، وَالدَّلِيل على صِحَة ذَلِك أَنَّهَا
قَالَت: قد وهبت لَك نَفسِي، فَقَامَ رجل فَقَالَ: إِن لم
تكن حَاجَة لَك بهَا حَاجَة فزوجنيها، وَلم يذكر فِي
الحَدِيث أَن سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
شاورها فِي نَفسهَا، وَلَا أَنَّهَا قَالَت: زَوجنِي
مِنْهُ، فَدلَّ على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ
لَهُ أَن يَهَبهَا بِالْهبةِ الَّتِي جَازَ لَهُ
نِكَاحهَا. فَإِن قلت: يحْتَمل أَنه صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم سَأَلَهَا أَن يُزَوّجهَا مِنْهُ وَلم ينْقل؟ قلت:
يحْتَمل أَن يكون جعل لَهَا مهْرا غير السُّور وَلم ينْقل،
لَيْسَ أَحدهمَا أولى من الآخر. فَإِن قلت: قد رُوِيَ أَنه
استأذنها وَأَنه قَالَ: لَهُ عوضهَا إِذا زوقك الله. قلت:
قد ذكرنَا خصوصيته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا يحْتَاج
إِلَى شَيْء آخر. وَقَالَ أَبُو عمر: أجمع عُلَمَاء
الْمُسلمين على أَنه لَا يجوز لأحد أَن يطَأ فرجا وهب لَهُ
دون رقبته، وَأَنه لَا يجوز وَطْء فِي نِكَاح بِغَيْر
صدَاق مُسَمّى دينا أَو نَقْدا، وَأَن الْمُفَوض إِلَيْهِ
لَا يدْخل حَتَّى يُسَمِّي صَدَاقا مُسَمّى. انْتهى
وَيحْتَمل أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زَوجهَا بِمَا
مَعَه من الْقُرْآن لِحُرْمَتِهِ، وعَلى وَجه التَّعْظِيم
لِلْقُرْآنِ وَأَهله لَا على أَنه مهر، وَيحْتَمل أَن
يُرِيد بقوله: (وَلَو خَاتمًا من حَدِيد) تَعْجِيل شَيْء
يقدمهُ من الصَدَاق وَإِن كَانَ قَلِيلا، فَيدل على ذَلِك
أَنه كَانَ يجوز أَن يُزَوجهُ على مهر فِي ذمَّته، وَقَالَ
ابْن الْعَرَبِيّ: ذكر خَاتم الْحَدِيد كَانَ قبل النَّهْي
عَنهُ بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّه حلية أهل
النَّار، فنسخ النَّهْي جَوَازه وَطَلَبه لَهُ. قَالَ بعض
الْمَالِكِيَّة: لَعَلَّ الْخَاتم كَانَ يُسَاوِي ربع
دِينَار فَصَاعِدا لقلَّة الصناع يَوْمئِذٍ عِنْدهم. قلت:
للحنفي أَيْضا أَن يَقُول: لَعَلَّه كَانَ يُسَاوِي عشرَة
فَمَا فَوْقهَا.
قَوْله: (إِذْ قَامَت امْرَأَة) كلمة: إِذْ للمفاجأة، وَقد
مر الْكَلَام فِيهِ لِأَن هَذَا الحَدِيث قد ذكر إِلَى
هُنَا فِي كتاب النِّكَاح ثَمَان مَرَّات مطولا وَلَا
مُخْتَصرا. قَوْله: (فَقَالَت: يَا رَسُول الله! إِنَّهَا
قد وهبت نَفسهَا) فِيهِ الْتِفَات. وَكَذَا فِي رِوَايَة
حَمَّاد بن زيد، لَكِن قَالَ: إِنَّهَا وهبت نَفسهَا لله
وَلِرَسُولِهِ، وَوَقع فِي رِوَايَة مَالك: إِنِّي وهبت
نَفسِي لَك، هَذَا على مَا يَقْتَضِيهِ سِيَاق الْكَلَام.
قَوْله: (فَرَ) الْفَاء للْعَطْف و: ر، وَحدهَا أَمر من:
رأى يرأى على وزن: ف، لِأَن عين الْفِعْل ولامه محذوفان،
لِأَن أَصله: أرأى، على وزن: افْعَل، حذفت لَام الْفِعْل
للجزم لِأَن الْأَمر مجزوم ثمَّ نقلت حَرَكَة الْهمزَة
إِلَى الرَّاء للتَّخْفِيف فاستغنيت عَن همزَة الْوَصْل
فحذفت فَبَقيَ: ر، على وزن: ف، وَقَالَ الْكرْمَانِي:
ويروى بِهَمْزَة بعد الرَّاء. قلت: الْقَاعِدَة فِي مثل
هَذَا الْبَاب نَحْو: ر، و: ق، و: ع، وَغَيرهَا أَن
يلْحقهَا هَذِه السكت، فَيُقَال: ره، وقه، وعه. لِأَن
الِابْتِدَاء بِكَلِمَة الْوُقُوف عَلَيْهَا وَهِي حرف
وَاحِد فِيهِ بعض تعسر واستثقال، وَبَقِيَّة الْكَلَام
فِيهِ قد مرت بالتكرار.
15 - (بابُ المَهْرِ بالعُرُوضِ وخاتَم مِنْ حَدِيدٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْمهْر الَّذِي يَجْعَل
بالعروض، بِضَم الْعين جمع عرض بِفَتْح أَوله وَسُكُون
ثَانِيه، وَهُوَ مَا يُقَابل النَّقْد، وَقيل:
(20/139)
هُوَ مَتَاع لَا نقد فِيهِ، وَالْعرض
بِالضَّمِّ النَّاحِيَة وبالكسر مَوضِع الْمَدْح والذم من
الْإِنْسَان. قَوْله: وَخَاتم من حَدِيد، من عطف الْخَاص
على الْعَام، والترجمة مَأْخُوذَة من حَدِيث الْبَاب:
الْخَاتم، بالتنصيص وَالْعرُوض بالإلحاق.
0515 - حدَّثنا يَحْيى احدثنا وكيعٌ عنْ سُفْيانَ عنْ أبِي
حازِمٍ عنْ سَهْلِ بنِ سَعْد: أنَّ النبيَّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لِرَجُلِ: تَزَوَّجْ ولَوْ بِخاتَمِ
مِنْ حَدِيدٍ..
هَذَا الطَّرِيق إِلَى هُنَا هُوَ الطَّرِيق التَّاسِع
الَّذِي ذكره فِي حَدِيث سهل. وَيحيى، إِمَّا ابْن جَعْفَر
البيكندي البُخَارِيّ، وَإِمَّا ابم مُوسَى بن عبد ربه
الْبَلْخِي الَّذِي يُقَال لَهُ: خت. وسُفْيَان هُوَ
الثَّوْريّ، وَأَبُو حَازِم سَلمَة بن دِينَار.
وَأخرجه مُخْتَصرا من الحَدِيث الَّذِي سبق فِي الْبَاب
قبله، وَمر الْكَلَام فِيهِ غير مرّة.
25 - (بابُ الشُروطِ فِي النِّكاحِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الشُّرُوط الَّتِي تشْتَرط فِي
عقد النِّكَاح، وَهِي على أَنْوَاع: مِنْهَا: مَا يجب
الْوَفَاء بِهِ كحسن الشعرة. وَمِنْهَا: مَا لَا يلْزم
كسؤال طَلَاق أُخْتهَا. وَمِنْهَا: هُوَ مُخْتَلف فِيهِ
مثل أَن لَا يتَزَوَّج عَلَيْهَا.
وَقَالَ عُمَرُ: مَقاطِعُ الحُقُوقِ عِنْدَ الشُّروطِ
هَذَا التَّعْلِيق قد مر فِي كتاب الشُّرُوط فِي: بَاب مَا
لَا يجوز من الشُّرُوط فِي النِّكَاح، وَفِيه زِيَادَة
وَهِي قَوْله: وَلَك مَا شرطت وَأخرج هَذَا التَّعْلِيق
أَبُو عبيد عَن ابْن عُيَيْنَة عَن يزِيد بن يزِيد بن
جَابر عَن إِسْمَاعِيل بن عبد الله عَن عبد الرَّحْمَن بن
غنم قَالَ: شهِدت عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قضى فِي
رجل شَرط لامْرَأَته دارها، فَقَالَ: لَهَا شَرطهَا.
فَقَالَ رجل: إِذا يطلقهَا؟ فَقَالَ: إِن مقاطع الْحُقُوق
عِنْد الشُّرُوط، والمقاطع جمع مقطع، أَرَادَ أَن
الْمَوَاضِع الَّتِي تقطع الْحُقُوق فِيهَا عِنْد وجود
الشُّرُوط، وَأَرَادَ بِهِ الشُّرُوط الْوَاجِبَة
فَإِنَّهَا يجب الْوَفَاء بهَا.
وَاخْتلف الْعلمَاء فِي الرجل يتَزَوَّج الْمَرْأَة
وَيشْتَرط لَهَا أَن لَا يُخرجهَا من دارها أَو لَا يتزوجا
عَلَيْهَا أَو لَا يتسرى أَو نَحْو ذَلِك من الشُّرُوط
الْمُبَاحَة على قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا: أَنه يلْزمه
الْوَفَاء بذلك، ذكر عبد الرَّزَّاق وَابْن عبد الْمُنْذر
عَن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن رجلا
شَرط لزوجته أَن لَا يُخرجهَا، فَقَالَ عمر: لَهَا
شَرطهَا. ثمَّ ذكرا عَنهُ مَا ذكره البُخَارِيّ، وَقَالَ
عَمْرو بن الْعَاصِ: أرى أَن يَفِي لَهَا شُرُوطهَا،
وَرُوِيَ مثلهَا عَن طَاوُوس وَجَابِر بن زيد، وَهُوَ قَول
الْأَوْزَاعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق، وَحَكَاهُ ابْن التِّين
عَن ابْن مَسْعُود وَالزهْرِيّ، وَاسْتَحْسنهُ بعض
الْمُتَأَخِّرين. وَالثَّانِي: أَن يُؤمر الزَّوْج بتقوى
الله وَالْوَفَاء بِالشُّرُوطِ وَلَا يحكم عَلَيْهِ بذلك
حكما، فَإِن أَبى إلاَّ الْخُرُوج لَهَا كَانَ أَحَق
النَّاس بأَهْله إِلَيْهِ ذهب عَطاء وَالشعْبِيّ وَسَعِيد
بن الْمسيب وَالنَّخَعِيّ وَالْحسن وَابْن سِيرِين
وَرَبِيعَة وَأَبُو الزِّنَاد وَقَتَادَة، وَهُوَ قَول
مَالك وَأبي حنيفَة وَاللَّيْث وَالثَّوْري
وَالشَّافِعِيّ، وَقَالَ عَطاء: إِذا شرطت أَنَّك لَا
تنْكح وَلَا تتسري وَلَا تذْهب وَلَا تخرج بهَا، بهَا بَطل
الشَّرْط إِذا نَكَحَهَا. فَإِن قلت: رُوِيَ ابْن وهب عَن
اللَّيْث عَن عَمْرو بن الْحَارِث عَن كثير بن فرقد عَن
ابْن السباق: أَن رجلا تزوج امْرَأَة على عهد عمر، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، فَشرط لَهَا أَن لَا يُخرجهَا من
دارها. فَوضع عَنهُ عمر بن الْخطاب الشَّرْط، وَقَالَ:
الْمَرْأَة مَعَ زَوجهَا. زَاد أَبُو عبيد: وَلم يلْزمهَا
الشَّرْط، وَعَن عَليّ مثله، وَقَالَ: شَرط الله قبل
شروطهم. قلت: قَالَ أَبُو عبيد: تضادت الرِّوَايَة عَن
عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَاخْتلف فِيهِ التابعون
فَمن بعدهمْ، فَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: نَأْخُذ بالْقَوْل
الأول ونرى أَن لَهَا شَرطهَا. وَقَالَ اللَّيْث بالْقَوْل
الآخر وَوَافَقَهُ مَالك وسُفْيَان بن سعيد.
وَقَالَ المِسْوَرُ بنُ مَخْرَمَةَ: سَمِعْتُ النبيَّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم ذَكَرَ صِهْرَا لهُ فأثْنَى علَيْهِ
فِي مُصاهَرَتِهِ فأحْسَنَ، قَالَ: حدّثني فَصَدَقَنِي
ووَعَدَنِي فَوَقانِي
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أثنى على صهره لأجل وفائه بِمَا شَرط لَهُ.
والمسور، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة:
ابْن مخرمَة، بِفَتْح الميمين وَسُكُون الْخَاء
الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء: ابْن نَوْفَل الْقرشِي
الزُّهْرِيّ أَبُو عبد الرَّحْمَن، ولد بِمَكَّة بعد
الْهِجْرَة بِسنتَيْنِ وَقدم بِهِ الْمَدِينَة فِي عقب ذِي
الْحجَّة سنة ثَمَان، وَقبض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وعمره ثَمَان سِنِين، وَسمع من النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَحفظ
(20/140)
عَنهُ وَبَقِي فِي الْمَدِينَة إِلَى أَن
قتل عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ثمَّ انحدر
إِلَى مَكَّة فَلم يزل بهَا حَتَّى قدم الْحصين بن نمير
مَكَّة لقِتَال ابْن الزبير وحاصر مَكَّة، وَفِي محاصرته
أهل مَكَّة أَصَابَهُ حجر من حِجَارَة المنجنيق وَهُوَ
يُصَلِّي فِي الْحجر، فَقتله، وَذَلِكَ فِي ربيع الأول سنة
أَربع وَسِتِّينَ، وَصلى عَلَيْهِ ابْن الزبير بالحجون.
وَمر هَذَا التَّعْلِيق فِي المناقب فِي: بَاب ذكر
أَصْهَار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُم أَبُو
الْعَاصِ بن الرّبيع، وَأخرجه هُنَاكَ مطولا عَن أبي
الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ. وَمر الْكَلَام
فِيهِ.
قَوْله: (ذكر صهرا لَهُ) هُوَ أَبُو الْعَاصِ بن الرّبيع
بن عبد الْعُزَّى بن عبد شمس بن عبد منَاف بن قصى الْقرشِي
العبشمي صهر رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ
وَسلم، زوج ابْنَته زَيْنَب أكبر بَنَاته، وَاخْتلف فِي
اسْمه فَقيل: لَقِيط، وَقيل: مهشم، وَقيل: هشيم:
وَالْأَكْثَر: لَقِيط، وَأمه هَالة بنت خويلد بن أَسد
أُخْت خَدِيجَة لأَبِيهَا وَأمّهَا، وَكَانَ أَبُو
الْعَاصِ فِيمَن شهد بَدْرًا مَعَ كفار قُرَيْش وَأسر
يَوْم بدر مَعَ من أسر، فَلَمَّا بعث أهل مَكَّة فِي فدَاء
أساراهم قدم فِي فدائه أَخُوهُ عَمْرو بن الرّبيع بِمَال
دَفعته زَيْنَب بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
وقصته مَشْهُورَة، وَكَانَ مواخيا لرَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مصافيا، وَكَانَ أَبى أَن يُطلق زَيْنَب
إِذْ مَشى إِلَيْهِ مشركو قُرَيْش فِي ذَلِك فَشكر رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مصاهرته وَأثْنى عَلَيْهِ
بذلك خيرا، وَهَاجَرت زَيْنَب مسلمة وَتركته على شركَة،
ثمَّ بعد ذَلِك جرى عَلَيْهِ مَا جرى حَتَّى أسلم بعد
قدومه على النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، ورد
رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، ابْنَته
إِلَيْهِ. وَاخْتلف: هَل ردهَا بعقدجديد أَو على عقده
الأول؟ وَتُوفِّي فِي ذِي الْحجَّة سنة اثْنَي عشرَة.
قَوْله: (فَأحْسن) أَي: فِي الثَّنَاء عَلَيْهِ. قَوْله:
(فصدقني) من صدق الحَدِيث بتَخْفِيف الدَّال، وَيُقَال
أَيْضا: صدق فِي الحَدِيث، من الصدْق خلاف الْكَذِب،
وصدقني بتَشْديد الدَّال الَّذِي يصدقك فِي حَدِيثك.
قَوْله: (فوفاني) من وفى الشَّيْء وأوفى ووفّى
بِالتَّشْدِيدِ بِمَعْنى،، ووفى الشَّيْء إِذا تمّ، وأصل
الْوَفَاء التَّمام، ويروي: فوفى لي.
1515 - حدَّثنا أَبُو الولِيد هِشامُ بنُ عبْدِ المَلِك
حَدثنَا لَ يْثٌ عنْ يَزِيدَ بنِ أبي حبِيب عنْ أبي
الخَيْر عنْ عُقْبَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: أحَقُّ ماأ وفَيْتُمْ مِنَ الشُّرُوطِ أنْ تُوفُوا
بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الفُرُوجَ.
(انْظُر الحَدِيث 1272) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من مَعْنَاهُ وَهُوَ وُقُوع
الشَّرْط فِي النِّكَاح.
وَلَيْث هُوَ اللَّيْث بن سعد، وَفِي أَكثر النّسخ
اللَّيْث، بِالْألف وَاللَّام، وَيزِيد بن أبي حبيب أبي
رَجَاء الْمصْرِيّ، وَاسم أبي حبيب سُوَيْد، وَأَبُو
الْخَيْر مرْثَد عبد الله الْيَزنِي، وَعقبَة بن عَامر
الْجُهَنِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الشُّرُوط فِي: بَاب الشُّرُوط
فِي الْمهْر عِنْد عقدَة النِّكَاح، فَإِنَّهُ أخرجه
هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن اللَّيْث إِلَى آخِره،
وَمر الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (أَحَق مَا أوفيتم من الشُّرُوط) أَحَق، مُبْتَدأ
مُضَاف وَخَبره قَوْله: (أَن توفوا) و: أَن مَصْدَرِيَّة
أَي: بِأَن توفوا أَي: بإيفاء مَا استحللتم أَي بِالشّرطِ.
قَوْله: (الْفروج) بِالنّصب مفعول: استحللتم، وَفِي
رِوَايَة مُسلم: إِن أَحَق الشُّرُوط أَن يُوفي بِهِ) ،
وَحَاصِل الْمَعْنى: أَحَق الشُّرُوط بِالْوَفَاءِ شُرُوط
النِّكَاح، لِأَن امْرَأَة أحوط وبابه أضيق. وَفِي
التَّوْضِيح: معنى أَحَق الشُّرُوط إِلَى آخِره، يحْتَمل
أَن يكون مَعْنَاهُ الْمَشْهُور الَّذِي أجمع أهل الْعلم
عَلَيْهِ، على أَن على الزَّوْج الْوَفَاء بهَا يحْتَمل
أَن يكون مَا شَرط على الناكح فِي عقدَة النِّكَاح مِمَّا
أَمر الله تَعَالَى بِهِ من إِمْسَاكه بِمَعْرُوف أَو
تَسْرِيح بِإِحْسَان، فَإِذا احْتمل الحَدِيث مَعَاني
كَانَ مَا وَافق الْكتاب وَالسّنة أولى، وَقد أبطل
الشَّارِع كل شَرط لَيْسَ فِي كتاب الله. وَقَالَ شَيخنَا
زين الدّين، رَحمَه الله: قَوْله: أَحَق الشُّرُوط، هَل
المُرَاد بِهِ أَحَق الْحُقُوق اللَّازِمَة أَو هُوَ من
بَاب الأولويه؟ قَالَ صَاحب الْإِكْمَال: أَحَق هُنَا
بِمَعْنى أولى لَا بِمَعْنى الْإِلْزَام عِنْد كَافَّة
الْعلمَاء. قَالَ: وَحمله بَعضهم على الْوُجُوب، وَقَالَ
ابْن بطال: فَإِن كَانَ فِي هَذِه الشُّرُوط مَا لَيْسَ
بِطَلَاق أَو عتق وَجب ذَلِك عَلَيْهِ وَلَزِمَه عِنْد
مَالك والكوفيين، عِنْد كل من يرى الطَّلَاق قبل النِّكَاح
بِشَرْط الطَّلَاق لَازِما، وَكَذَلِكَ الْعتْق، وَهُوَ
قَول عَطاء وَالنَّخَعِيّ وَالْجُمْهُور. قَالَ
النَّخعِيّ: كل شَرط فِي النِّكَاح فَالنِّكَاح يهدمه
إلاَّ الطَّلَاق وَلَا يلْزمه شَيْء من هَذِه الْأَيْمَان
عِنْد الشَّافِعِي لِأَنَّهُ لَا يرى الطَّلَاق قبل
النِّكَاح لَازِما وَلَا الْعتْق قبل الْملك، وَاسْتدلَّ
بِهِ بَعضهم على أَنه إِذا شَرط الْوَلِيّ لنَفسِهِ شَيْئا
غير الصَدَاق أَنه يجب على الزَّوْج الْقيام بِهِ،
لِأَنَّهُ من الشُّرُوط الَّتِي اسْتحلَّ بِهِ فرج
الْمَنْكُوحَة.
لَكِن اخْتلف الْعلمَاء: هَل يكون ذَلِك للْوَلِيّ أَو
للْمَرْأَة؟ فَذهب عَطاء وَطَاوُس وَالزهْرِيّ إِلَى أَنه
للْمَرْأَة، وَبِه قضى عمر بن عبد الْعَزِيز، وَهُوَ قَول
الثَّوْريّ وَأبي عبيد. وَذهب عَليّ بن الْحسن ومسروق
(20/141)
إِلَى أَنه للْوَلِيّ. وَقَالَ عِكْرِمَة:
إِن كَانَ الَّذِي هُوَ ينْكح فَهُوَ لَهُ، وَخص بَعضهم
ذَلِك بِالْأَبِ، حَكَاهُ صَاحب الْمُفْهم فَقَالَ: وَقيل:
هَذَا مَقْصُور على الْأَب خَاصَّة لتبسطه فِي مَال
الْوَلَد، وَذهب سعيد بن الْمسيب وَعُرْوَة بن الزبير
إِلَى التَّفْرِقَة بَين أَن يشْتَرط ذَلِك قبل عقدَة
النِّكَاح أَو بعْدهَا، فَقَالَا: أَيّمَا امْرَأَة نكحت
على صدَاق أَو عدَّة لأَهْلهَا، فَإِن كَانَ قبل عصمَة
النِّكَاح فَهُوَ لَهَا، وَمَا كَانَ من حباء أَهلهَا
فَهُوَ لَهُم. وَقَالَ مَالك: إِن كَانَ هَذَا
الِاشْتِرَاط فِي حَال العقد فَهُوَ للْمَرْأَة، وَإِن
كَانَ بعده فَهُوَ لمن وهب لَهُ، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي،
فِي الْقَدِيم، وَنَصّ عَلَيْهِ الْإِمْلَاء، وَقَالَ فِي
كتاب الصَدَاق: الصَدَاق فَاسد، وَلها مهر مثلهَا. وَهَذَا
الَّذِي صَححهُ أَصْحَاب الشَّافِعِي.
وَقَالَ الرَّافِعِيّ: الظَّاهِر من الْخلاف القَوْل
بِالْفَسَادِ وَوُجُوب مهر الْمثل، وَقَالَ النَّوَوِيّ:
إِنَّه الْمَذْهَب.
35 - (بابُ الشُّرُوطِ الَّتِي لاَ تَحِلُّ فِي النِّكاحِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الشُّرُوط الَّتِي لَا يحل
لَهَا اشْتِرَاطهَا فِي النِّكَاح.
وَقَالَ ابنُ مَسْعودٍ: لاَ تَشْتَرِطَ المَرْأةُ طَلاَقَ
أُخْتِها
أَي: قَالَ عبد الله بن مَسْعُود: لَا تشْتَرط الْمَرْأَة
طَلَاق أُخْتهَا، وَهَذَا مَوْقُوف عَلَيْهِ أوردهُ
مُعَلّقا، وَوَقع بِهَذَا اللَّفْظ مَرْفُوعا فِي بعض طرق
حَدِيث أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله:
(لَا تشْتَرط الْمَرْأَة) وَفِي حَدِيث الْبَاب: لَا يحل
لامْرَأَة تسْأَل طَلَاق أُخْتهَا، وَقَالَ النَّوَوِيّ:
معنى هَذَا الحَدِيث نهى الْمَرْأَة الْأَجْنَبِيَّة أَن
تسْأَل رجلا طَلَاق زَوجته ليُطَلِّقهَا ويتزوج بهَا.
قَوْله: (أُخْتهَا) ، قَالَ النَّوَوِيّ: المُرَاد بأختها
غَيرهَا سَوَاء كَانَت أُخْتهَا من النّسَب أَو الرَّضَاع
أَو الدّين، وَيلْحق بذلك الْكَافِرَة فِي الحكم وَإِن لم
تكن أُخْتا فِي الدّين إِمَّا لِأَن المُرَاد الْغَالِب
أَو أَنَّهَا أُخْتهَا فِي الْجِنْس الْآدَمِيّ. وَقَالَ
أَبُو عمر: الْأُخْت هُنَا الضرة، فَقَالَ: الْفِقْه فِيهِ
أَنه لَا يَنْبَغِي أَن تسْأَل الْمَرْأَة زَوجهَا أَن
يُطلق ضَرَّتهَا لتنفرد. قيل: هَذَا يُمكن فِي الرِّوَايَة
الَّتِي وَقعت: لَا تسْأَل الْمَرْأَة طَلَاق أُخْتهَا،
وَأما الرِّوَايَة الَّتِي فِيهَا لفظ الشَّرْط فظاهرها
أَنَّهَا فِي الْأَجْنَبِيَّة، وَالْمرَاد بالأخت هُنَا
الْأُخْت فِي الدّين، يُوضح هَذَا مَا رَوَاهُ ابْن حبَان
من طَرِيق أبي كثير عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: (لَا
تسْأَل الْمَرْأَة طَلَاق أُخْتهَا لتستفرغ صحفتها فَإِن
الْمسلمَة أُخْت المسملة.
2515 - حدَّثنا عُبَيْدُ الله بنُ مُوسَى عنْ زَكَرِيَّاءَ
هُو ابنُ أبي زَائِدَةَ عنْ سَعْدٍ بنِ إبْرَاهِيمَ عنْ
أبي سلَمَةَ عنْ أبي هُرَيْرَةَ، رَضِي الله عَنهُ عنِ
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: لَا يَحِلُّ
لامْرَأةٍ تَسْألُ طَلاَقَ أُخْتِها لَتَسْتَفحرِغَ
صَحْفَتَها، فإنَّما لَها مَا قُدِّرَ لَهَا..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (لَا يحل لامْرَأَة
تسْأَل طَلَاق أُخْتهَا) .
وَعبيد الله بن مُوسَى بن باذام الْعَبْسِي الْكُوفِي،
وَاسم أبي زَائِدَة خَالِد وَقيل: هُبَيْرَة، وَسعد بن
إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَأَبُو سَلمَة بن
عبد الرَّحْمَن. والْحَدِيث من أَفْرَاده من هَذَا
الْوَجْه.
قَوْله: (لَا يحل) ، ظَاهره التَّحْرِيم لكنه مَحْمُول على
مَا إِذا لم يكن هُنَاكَ سَبَب يجوز ذَلِك: كريبة فِي
الْمَرْأَة لَا يَنْبَغِي مَعهَا أَن تستمر فِي عصمَة
الزَّوْج، وَيكون ذَلِك ذَلِك على سَبِيل النَّصِيحَة
المحصنة أَو لضَرَر يحصل لَهَا من الزَّوْج، أَو للزَّوْج
مِنْهَا، أَو يكون سؤالها ذَلِك بعوض وَللزَّوْج رَغْبَة
فِي ذَلِك فَيكون كالخلع مَعَ الْأَجْنَبِيّ، إِلَى غير
ذَلِك من الْمَقَاصِد الْمُخْتَلفَة. وَقَالَ ابْن حبيب:
حمل الْعلمَاء هَذَا النَّهْي على النّدب، فَلَو فعل ذَلِك
لم يَنْفَسِخ النِّكَاح، وَاعْترض عَلَيْهِ ابْن بطال
بِأَن نفي الْحل تَحْرِيم صَرِيح، وَلَكِن لَا يلْزم
مِنْهُ فسخ النِّكَاح وَإِنَّمَا فِيهِ التَّغْلِيظ على
الْمَرْأَة أَن تسْأَل طَلَاق الْأُخْرَى، ولترض، بِمَا
قسم الله لَهَا، وَفِي رِوَايَة أبي نعيم فِي
الْمُسْتَخْرج من طَرِيق ابْن الْجُنَيْد عَن عبيد الله بن
مُوسَى شيخ البُخَارِيّ الْمَذْكُور بِلَفْظ: (لَا يصلح
لامْرَأَة أَن تشْتَرط طَلَاق أُخْتهَا لتكتفىء إناءها) .
وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ وَلَفظه: (لَا يَنْبَغِي) بدل لَا
يصلح، وَقَالَ لتكفأ. وَلَفظ التِّرْمِذِيّ: لَا تسْأَل
الْمَرْأَة طَلَاق أُخْتهَا لتكتفىء بِمَا فِي إناءها.
قَوْله: (لتكتفىء) ، من كفات الْإِنَاء إِذا أملته،
وَقَالَ الْكسَائي: أكفأت الْإِنَاء كببته وكفأته وأكفأته:
أملته قَوْله: (لتستفرغ صحفتها) أَي: لتقلب مَا فِي إنائها
وَأَصله من أفرغت الْإِنَاء إفراغا، وفرغته، إِذا قبلت مَا
فِيهِ، لَكِن هُوَ مجَاز عَمَّا كَانَ للَّتِي
(20/142)
يطلقهَا من النَّفَقَة وَالْمَعْرُوف
والمعاشرة، وَقَالَ بَعضهم: المُرَاد بالصحفة مَا كَانَ
يحصل من الزَّوْج قلت: هَذَا غلط فَاحش، وَقَالَ ابْن
الْأَثِير، فِي هَذَا الحَدِيث: الصحفة إِنَاء كالقصعة
المبسوطة وَنَحْوهَا وَجَمعهَا صحاف، وَيُقَال: الصحفة
الْقَصعَة الَّتِي تشبع الْخَمْسَة، قَالَ: وَهَذَا مثل
تُرِيدُ الاستئثار عَلَيْهَا بحظها، فَيكون كمن استفرغ
صَحْفَة غَيره وقلب مَا فِي إنائه إِلَى إِنَاء نَفسه،
وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: هَذِه اسْتِعَارَة مستملحة تمثيلية،
شبه النَّصِيب وَالْبخْت بالصحفة وحظوظها وتمتعاتها بِمَا
يوضع فِي الصحفة من الْأَطْعِمَة اللذيذة، وَشبه
الِافْتِرَاق الْمُسَبّب عَن الطَّلَاق باستفراغ الصحفة
عَن تِلْكَ الْأَطْعِمَة، ثمَّ أَدخل الْمُشبه فِي جنس
الْمُشبه بِهِ، وَاسْتعْمل فِي الْمُشبه مَا كَانَ
مُسْتَعْملا فِي الْمُشبه بِهِ من الْأَلْفَاظ. قَوْله:
(فَإِنَّمَا لَهَا) أَي: للْمَرْأَة الَّتِي تسْأَل طَلَاق
أُخْتهَا مَا قدر لَهَا فِي الْأَزَل، وَإِن سَأَلت ذَلِك
وألحت فِيهِ واشترطته فَإِنَّهُ لَا يَقع من ذَلِك إلاَّما
قدره الله تَعَالَى. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: أجَاز مَالك
والكوفيون وَالشَّافِعِيّ أَن يتَزَوَّج الْمَرْأَة على
أَن يُطلق زَوجته، فَإِن تزَوجهَا على ألف أَن يُطلق
زَوجته فَعِنْدَ الْكُوفِيّين: النِّكَاح جَائِز وَلكنه
إِن وفى بِمَا قَالَ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ غير الْألف،
وَإِن لم يوف أكمل لَهَا مثل مهرهَا. وَقَالَ ربيعَة
وَمَالك وَالثَّوْري: لَهَا مَا سمي لَهَا وَفى أَو لم
يوفِ. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَهَا مهر الْمثل وفى أَو لم
يوفِ فَإِن قلت: ظَاهر الحَدِيث التَّحْرِيم فَإِذا وَقع
فَهُوَ غير لَازم؟ .
قلت: النَّهْي فِيهِ للتغليظ عَلَيْهَا أَن لَا تسْأَل
طَلَاق أُخْتهَا، وَلَيْسَ التَّحْرِيم فِي حَقّهَا يُوجب
أَن الطَّلَاق إِذا وَقع أَن يكون غير لَازم. وَالله أعلم.
45 - (بابُ الصُّفْرَةِ لِلْمُتَزَوِّجِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز الصُّفْرَة للمتزوج،
وَهِي أَن يتخلق بِشَيْء من الزَّعْفَرَان وَنَحْوه.
ورَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ عَوْف عنِ النبيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم
أَي: رُوِيَ حَدِيث الصُّفْرَة عبد الرَّحْمَن بن عَوْف،
وَأَشَارَ بِهِ إِلَى الحَدِيث الَّذِي مُضر مَوْصُولا
مطولا فِي أول كتاب الْبيُوع، وَفِيه: جَاءَ عبد
الرَّحْمَن وَعَلِيهِ أثر صفرَة، وَقَالَ الْكرْمَانِي
فَإِن قلت: مَا فَائِدَة هَذَا القَوْل وَقد رُوِيَ
الحَدِيث مُسْندًا عَن عبد الرَّحْمَن بِمَا يدل عَلَيْهِ؟
قلت: الحَدِيث من مرويات أنس عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وَهَذَا فِيهِ عبد الرَّحْمَن عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فبينهما تفاوُتٌ.
3515 - حدَّثنا عبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ
حُمَيْدٍ الطَّويلِ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ، رضيَ الله عنهُ:
أنَّ عبدَ الرَّحْمانِ بنَ عَوْفٍ جاءَ إِلَى رسولِ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وبِهِ أثَرُ صُفْرَةٍ، فَسألَهُ
رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأخْبَرَهُ أنَّهُ
تَزَوَّجَ امْرَأةً مِنَ الأنْصارِ، قَالَ: كَمْ سُقْتَ
إلَيْها؟ قَالَ: زَنةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ. قَالَ رسُولِ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أوْلمْ وَلَو بِشاة..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَبِه أثر صفرَة)
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي النِّكَاح عَن مُحَمَّد
بن سَلمَة. قَوْله: (وَبِه أثر صفرَة) الْوَاو فِيهِ
للْحَال، وَفِي لفظ: رأى عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَبِه
ردع زعفران، أَي: ملطخ مِنْهُ، وثوب رديع أَي مصبوغ
بالزعفران، وَفِي رِوَايَة: وضر صفرَة، أَي: لطخ من طيب،
وَفِي رِوَايَة: فَرَأى عَلَيْهِ بشاشة الْعَرُوس،
وَرِوَايَة: ردع من زعفران، تدل على أَنه مِمَّا الْتَصق
بجسمه من الثِّيَاب المزعفرة الَّتِي يلبسهَا الْعَرُوس،
وَقيل: إِن من كَانَ ينْكح فِي الْإِسْلَام يلبس ثوبا
مصبوغاً بصفرة عَلامَة الْعَرُوس وَالسُّرُور، أَلا ترى
إِلَى قَوْله: وَعلي بشاشة الْعَرُوس، وَقيل: إِنَّمَا
كَانَ يلبسهَا ليعينه النَّاس على وليمته ومؤونته. وَقَالَ
ابْن عَبَّاس: أحسن الألوان كلهَا الصُّفْرَة لقَوْله
تَعَالَى: {صفراء فَاقِع لَوْنهَا تسر الناظرين}
(الْبَقَرَة: 96) فقرن السرُور بالصفر، فَكَانَ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يحب الصُّفْرَة. أَلا ترى إِلَى قَول ابْن
عَبَّاس، حِين سُئِلَ عَن صبغه بهَا، فَقَالَ: كَانَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصْبغ بالصفرة؟ فَأَنا
أصبغ بهَا وأحبها. وَنقل ابْن عبد الْبر عَن الزُّهْرِيّ:
أَن الصَّحَابَة كَانُوا يتخلقون وَلَا يرَوْنَ بِهِ
بَأْسا، وَقَالَ ابْن سُفْيَان: هَذَا جَائِز عِنْد
أَصْحَابنَا فِي الثِّيَاب دون لجسد، وَكره أَبُو حنيفَة
وَالشَّافِعِيّ وأصحابهما أَن يصْبغ الرجل ثِيَابه أَو
لحيته بالزعفران لحَدِيث أنس: نهى رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَن يتزعفر الرجل. قَوْله: (تزوج امْرَأَة
من الْأَنْصَار) ذكر الزبيز أَنَّهَا ابْنة أبي الْحسن
واسْمه أنس بن رَافع. قَوْله: (كم سقت إِلَيْهَا؟) أَي: كم
أَعْطَيْت صَدَاقهَا؟ قَوْله: (زنة نواة) ، أَي: وزن نواة،
والزنة أَصله: وزن،
(20/143)
حذفت الْوَاو مِنْهُ وَعوض عَنْهَا
التَّاء، والنواة وزن خَمْسَة دَرَاهِم، وَكلمَة: من فِي
الذَّهَب للْبَيَان. قَوْله: (أولم وَلَو بِشَاة) كلمة:
أولم، أَمر من أولم يولم والوليمة اسْم للطعام الَّذِي
يصنع عِنْد الْعرس. وَقَالَ ابْن سَيّده: هِيَ طَعَام
الْعرس والأملاك، وَقيل: هِيَ كل طَعَام يصنع لعرس غَيره.
وَقَالَ النَّوَوِيّ: هِيَ مُشْتَقَّة من الولم وَهُوَ
الْجمع لِأَن الزَّوْجَيْنِ يَجْتَمِعَانِ، وَقَالَ ابْن
الْأَعرَابِي: أَصْلهَا تَمام الشَّيْء واجتماعه
وَالْفِعْل مِنْهَا أولم، وَقَالَ أَبُو مَنْصُور: النقيعة
طَعَام الإملاك قَالَه النَّضر، قَالَ: وَرُبمَا تقعوا عَن
عدَّة من الْإِبِل، أَي: نحروه، وَقَالَ: إِذا زوج الرجل
فأطعم عيلته قُلْنَا: نقع لَهُم، وَعَن الْأَصْمَعِي:
النقيعة مَا نحر من النهب، خَاصَّة قبل الْقسم، وَقَالَ
الْأَزْهَرِي: ومأخذها عِنْدِي من النَّقْع وَهُوَ
النَّحْر أَو الْقَتْل.
وَفِي الْمُخَصّص: النَّقْع طَعَام المأتم، والعذير
والعذيرة والأعذار مَا عمل من الطَّعَام لحَدث كالختان،
وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الْإِعْذَار الطَّعَام الَّذِي
يطعم فِي الْخِتَان، وَفِي الأَصْل: الْإِعْذَار
الْخِتَان، يُقَال عذرته وأعذرت فَهُوَ مَعْذُور ومعذر،
وَالْفرع طَعَام يصنع عِنْد نتاج الْإِبِل، وَالسّفر
طَعَام الْمُسَافِر، والسمعة مَا سمع بِهِ من طَعَام
وَغَيره، والعلقة والعلاق الطَّعَام يتبلغ بِهِ إِلَى وَقت
الْغذَاء، والعجالة مَا استعجل بِهِ من طَعَام، وَقيل:
هُوَ مَا يتزوده الرَّاكِب مِمَّا لَا يتعبه أكله نَحْو
التَّمْر والسويق، والركاث مَا يستعجل بِهِ الْغذَاء،
والكرزمة أكل نصف النَّهَار، والعوافة مَا يَأْكُل الْأسد
بِاللَّيْلِ، والقفي مَا يكرم بِهِ الرجل من الطَّعَام،
والعنادة مَا يرفع من المرق للْإنْسَان، والعوادة مَا
أُعِيد على الرجل من الطَّعَام بَعْدَمَا يفرغ الْقَوْم
يخْتَص بِهِ، والعقيقة يَوْم سَابِع الْمَوْلُود، والمأدبة
كل طَعَام صنع لدَعْوَة، والوضيمة قَالَ ابْن سَيّده:
طَعَام المأتم، والحذاق طَعَام حذق الصَّبِي لِلْقُرْآنِ
الْعَظِيم، يَعْنِي: يَوْم خَتمه، والخبيرة الدعْوَة على
عقيقة الْغُلَام. قَالَه العسكري، والخديقة على وزن
الهريسة طَعَام الْعَرَب، والسندخية طَعَام الْأَمْلَاك،
قَالَه ابْن دُرَيْد، والقرى طَعَام الضَّيْف، والتحفة
طَعَام الزائر وَطَعَام المتعلل قبل الْغَدَاء، والسلفة
واللهنة طَعَام المستعجل قبل إِدْرَاك الْغَدَاء، والخرسة
الطَّعَام الَّذِي تَأْكُله الْمَرْأَة النُّفَسَاء
وَحدهَا.
قَوْله: (أولم) احْتج بِهِ الظَّاهِرِيَّة وَقَالُوا فرض
على كل من تزوج أَن يولم بِمَا قل أَو كثر، وَبِه قَالَ
أَبُو سُلَيْمَان، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَهُوَ أحد قولي
الشَّافِعِي ومشهور مَذْهَب مَالك، وَقَالَ ابْن التِّين
وَهُوَ مَذْهَب أَحْمد وَفِيه نظر لِأَن ابْن قدامَة قَالَ
فِي الْمُغنِي: وَيسْتَحب لمن تزوج أَن يولم وَلَو بِشَاة
لَا خلاف بَين أهل الْعلم فِي أَن الْوَلِيمَة فِي الْعرس
سنة مَشْرُوعَة، وَلَيْسَت بواجبة فِي قَول أَكثر أهل
الْعلم، وَقَالَ بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي: هِيَ وَاجِبَة
لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بهَا عبد
الرَّحْمَن بن عَوْف، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَقَالَ
ابْن قدامَة: هُوَ طَعَام سرُور حَادث فَأشبه سَائِر
الْأَطْعِمَة، وَالْخَبَر على الِاسْتِحْبَاب لقَوْله:
(وَلَو بِشَاة) وَلَا خلاف فِي أَنَّهَا لَا تجب، وَقَالَ
عِيَاض. لَا خلاف أَنه لَا حد لقَلِيل الْوَلِيمَة وَلَا
لكثيرها، وَقَالَ الْمُهلب: فعل سيدنَا رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذِه الولائم الْمُخْتَلفَة
إِنَّمَا تجب على قدر الْيَسَار فِي ذَلِك الْوَقْت،
وَلَيْسَ فِي قَوْله لعبد الرَّحْمَن: أولم وَلَو بِشَاة
منعا لما دون ذَلِك، وَإِنَّمَا جعل الشَّاة غَايَة فِي
التقليل ليساره وغناه، وَقيل: يحْتَمل أَنه قَالَ لَهُ
ذَلِك لعسر الصَّحَابَة حِين هجرتهم، فَلَمَّا توسعوا
بِفَتْح خَيْبَر وَشبه ذَلِك أولم سيدنَا الحيس وَشبهه،
وَقد اخْتلف السّلف فِي وَقتهَا: هَل هُوَ عِنْد العقد أَو
عقيبة؟ أَو عِنْد الدُّخُول أَو عَقِيبه؟ أَو موسع من
ابْتِدَاء العقد إِلَى انْتِهَاء الدُّخُول؟ على أَقْوَال.
قَالَ النَّوَوِيّ: اخْتلفُوا، فَقَالَ عِيَاض: إِن
الْأَصَح عِنْد الْمَالِكِيَّة اسْتِحْبَابه بعد
الدُّخُول، وَعَن جمَاعَة مِنْهُم: أَنَّهَا عِنْد العقد،
وَعند ابْن حبيب: عِنْد العقد وَبعد الدُّخُول، وَقَالَ
فِي مَوضِع آخر: يجوز قبل الدُّخُول وَبعده، وَقَالَ
الْمَاوَرْدِيّ: عِنْد الدُّخُول، وَحَدِيث أنس: فَأصْبح
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عروسا بِزَيْنَب فدعي
الْقَوْم، صَرِيح أَنَّهَا بعد الدُّخُول، وَاسْتحبَّ بعض
الْمَالِكِيَّة أَن تكون عِنْد الْبناء وَيَقَع الدُّخُول
عقيبها، وَعَلِيهِ عمل النَّاس.
55 - (بابٌ)
أَي: هَذَا بَاب، وَهُوَ كالفصل لما قبله وَلَيْسَ بمعرب،
إلاَّ بعد التَّرْكِيب، وَلم يذكر لفظ: بَاب، فِي رِوَايَة
النَّسَفِيّ، وَكَذَا فِي شرح ابْن بطال.
4515 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا يَحْيَى عنْ حُمَيْدٍ
عنْ أنَسٍ قَالَ: أوْلَمَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، بِزَيْنَبَ فأوْسَعَ المُسْلمِينَ خُبْزا، فَخَرَجَ
كَما يَصْنَعُ إذَا تَزَوَّجَ، فأتَى حُجَرَ أُمَّهاتِ
المُؤْمِنينَ يَدْعُو ويَدْعُونَ لهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ
فَرَأى رَجُلَيْنِ فَرَجَعَ، لَا أدْرِي أخْبَرْتُهُ أَو
أخبر بِخُرُوجِهِما.
.
(20/144)
قيل لَا وَجه لذكر هَذَا الحَدِيث فِي بَاب الصُّفْرَة
للمتزوج. وَأجِيب بِثُبُوت لفظ: بَاب، فِي أَكثر
الرِّوَايَات، ورد بِأَن لفظ: بَاب، كَمَا ذكرنَا كالفصل
لما قبله، وَهُوَ دَاخل فِيهِ.
وَقَالَ بَعضهم: مناسبته للتَّرْجَمَة من جِهَة أَنه لم
يَقع فِي قصَّة تَزْوِيج زَيْنَب بنت جحش ذكر للصفرة،
فَكَأَنَّهُ يَقُول: الصُّفْرَة للمتزوج من الْجَائِز لَا
من الشُّرُوط لكل متزوج. انْتهى قلت: هَذَا كَلَام واهٍ
جدا لِأَن التَّرْجَمَة فِي الصُّفْرَة للمتزوج،
والْحَدِيث لَيْسَ فِيهِ ذكر الصُّفْرَة مُطلقًا، فَكيف
تقع الْمُطَابقَة؟ وَالْأَوْجه أَن يُقَال: إِن
الْمُطَابقَة من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَمر بالوليمة فِي الحَدِيث السَّابِق، وَفِي هَذَا
الحَدِيث: أولم هُوَ وَبَين أمره بِشَيْء وَفعله إِيَّاه
اتِّحَاد فَلَا مُطَابقَة أتم من هَذَا، وَقد ذكرنَا أَن
ذكر: بَاب، مُجَرّد كالفصل، وَأَنه دَاخل فِيهِ على أَن
لفظ: بَاب، سَاقِط فِي عَامَّة الرِّوَايَات.
وَيحيى هُوَ الْقطَّان. والْحَدِيث قد مضى بأتم مِنْهُ فِي
تَفْسِير سُورَة الْأَحْزَاب، وَتقدم الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (خبْزًا) بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالزَّاي، وَفِي
الرِّوَايَة الْمَاضِيَة فِي سُورَة الْأَحْزَاب: فاشبع
النَّاس خبْزًا وَلَحْمًا. قَوْله: (كَمَا يصنع) أَي: خرج
كَمَا هُوَ عَادَته إِذا تزوج بجديدة يَأْتِي الحجرات
وَيَدْعُو لَهُنَّ. قَوْله: (وَيدعونَ) أَي: أُمَّهَات
الْمُؤمنِينَ، وَهَذِه اللَّفْظَة مُشْتَركَة بَين جمع
الْمُذكر وَجمع الْمُؤَنَّث، وَالْفرق يحصل بالتقدير، فوزن
الْجمع الْمُذكر: يفعون، وَوزن الْجمع الْمُؤَنَّث: يفعلن.
قَوْله: (لَهُ) أَي: للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسلم عَلَيْهِنَّ
وَاحِدَة وَاحِدَة وَهن يرددن عَلَيْهِ، عَلَيْهِ
السَّلَام، وَيدعونَ بِالْبركَةِ وَالْخَيْر. قَوْله:
(ثمَّ انْصَرف) أَي: من حجرات أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ.
قَوْله: (فَرَأى رجلَيْنِ) يَعْنِي: من النَّاس الَّذين
حَضَرُوا الْوَلِيمَة. وَكَانُوا قد خَرجُوا من بَيت
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد أَن فرغوا من
الْأكل، وَكَانَ هَذَانِ الرّجلَانِ تأخرا فِي الْبَيْت
يتحدثان، وَذَلِكَ قبل نزُول الْحجاب، وَلما رَجَعَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بيُوت أُمَّهَات
الْمُؤمنِينَ رآهما فِي الْبَيْت فَرجع، وَقَالَ أنس: لما
رَأيا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وثبا مُسْرِعين،
فَمَا أَدْرِي أَنا أخْبرته بخروجهما من الْبَيْت، أَو
أخبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بخروجهما فَرجع
حتّى دخل الْبَيْت وأرخى الستربيني وَبَينه؟ فأنزلت آيَة
الْحجاب. وَرِوَايَات أنس الَّتِي تقدّمت فِي سُورَة
الْأَحْزَاب تفسر هَذَا الحَدِيث الَّذِي رُوِيَ عَنهُ
هَهُنَا، وَذَلِكَ أَن الْأَحَادِيث الَّتِي تروي فِي
قَضِيَّة وَاحِدَة يُفَسر بَعْضهَا بَعْضًا. |