عمدة القاري شرح صحيح البخاري

111 - (بابٌ لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بامْرَأةٍ إلاْ ذُو محْرَمِ والدُّخُولُ عَلى المُغِيبَةِ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: لَا يخلون رجل بِامْرَأَة ... الخ. وَهَذِه التَّرْجَمَة مُشْتَمِلَة على حكمين: أَحدهمَا: عدم جَوَاز اختلاء الرجل بِامْرَأَة أَجْنَبِيَّة. وَالثَّانِي: عدم جَوَاز الدُّخُول على المغيبة، فَحَدِيث الْبَاب يدل على الحكم الأول، وَالْحكم الثَّانِي لَيْسَ فِيهِ صَرِيحًا، وَإِنَّمَا يُؤْخَذ بطرِيق الاستنباط. قَوْله: (إِلَّا ذُو محرم) وَهُوَ من لَا يحل لَهُ نِكَاحهَا من الْأَقَارِب كَالْأَبِ والإبن وَالْأَخ وَالْعم وَمن يجْرِي مجراهم قَوْله: (وَالدُّخُول) بِالْجَرِّ وَالرَّفْع، قَالَ بَعضهم: وَلم يبين وجههما. قلت: أما الْجَرّ فللعطف عَليّ بِامْرَأَة، على تَقْدِير: وَلَا بِالدُّخُولِ على المغيبة، وَأما الرّفْع فعلى أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف وَتَقْدِيره: وَكَذَا الدُّخُول على المغيبة، وَهُوَ بِضَم الْمِيم وَكسر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة، وَهِي الَّتِي غَابَ عَنْهَا زَوجهَا، يُقَال: أغابت الْمَرْأَة إِذا غَابَ زَوجهَا فَهِيَ مغيبة، وَتجمع على: مغيبات، وَقد روى التِّرْمِذِيّ حَدِيث نصر بن عَليّ: حَدثنَا عِيسَى بن يُونُس عَن مجَالد عَن الشّعبِيّ عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تلجوا على المغيبات، فَإِن الشَّيْطَان يجْرِي من أحدكُم مجْرى الدَّم ... الحَدِيث. وَقَالَ: هَذَا حَدِيث غَرِيب من هَذَا الْوَجْه، وَقد تكلم بَعضهم فِي مجَالد بن سعيد من قبل حفظه.

2325 - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعيدٍ حدَّثنا لَ يْثٌ بن يَزِيدَ بن أبِي حَبِيبٍ عنْ أبِي الْخَيْرِ عنْ عُقْبَةَ بنِ عامِرٍ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: إيَّاكُمْ والدُّخُولَ علَى النِّساء، فَقَالَ رجُلٌ مِنَ الأنْصار: يَا رسُولَ الله! أفرأيْتَ الحَمْوَ؟ قَالَ: الحَمْوُ المَوْتُ.
مطابقته للشطر الأول من التَّرْجَمَة كَمَا ذَكرْنَاهُ. وَلَيْث هُوَ ابْن سعد، وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن أبي حبيب الْمصْرِيّ، وَاسم أبي حبيب سُوَيْد، أعْتقهُ امْرَأَة مولاة لبني حسان بن عَامر بن لؤَي الْقرشِي، وَأم يزِيد مولاة لنجيب، وَأَبُو الْخَيْر ضد الشَّرّ اسْمه مرْثَد، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الرَّاء وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وبالدال الْمُهْملَة ابْن عبد الله الْيَزنِي الْمصْرِيّ، وَعقبَة بن عَامِرًا لجهني، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الاسْتِئْذَان عَن قُتَيْبَة وَغَيره وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي النِّكَاح عَن قُتَيْبَة، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي عشرَة النِّسَاء عَن قُتَيْبَة فَهَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة اشْتَركُوا فِي إِخْرَاجه عَن قُتَيْبَة، وَمُسلم أخرجه عَن غَيره أَيْضا.
قَوْله: (عَن عقبَة) وَفِي رِوَايَة أبي نعيم سَمِعت عقبَة. قَوْله: (إيَّاكُمْ وَالدُّخُول) بِالنّصب على التحذير، وَإِيَّاكُم مفعول بِفعل مُضْمر تَقْدِيره: اتَّقوا أَنفسكُم أَن تدْخلُوا على النِّسَاء، ويتضمن منع مُجَرّد الدُّخُول منع الْخلْوَة بهَا بِالطَّرِيقِ الأولى. قَوْله: (أَفَرَأَيْت الحمو) بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْمِيم وبالواو يَعْنِي: أَخْبرنِي عَن دُخُول الحمو؟ فَأجَاب صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (الحمو الْمَوْت) . وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: يُقَال الحمو أَب الزَّوْج، كَأَنَّهُ كره لَهُ أَن يَخْلُو بهَا، وَفِي رِوَايَة ابْن وهب عِنْد مُسلم: وَسمعت اللَّيْث يَقُول: الحمو أَخُو الزَّوْج وَمَا أشبهه من أقَارِب الزَّوْج ابْن الْعم وَنَحْوه، وَقَالَ النَّوَوِيّ: المُرَاد من الحمو فِي الحَدِيث أقَارِب الزَّوْج غير آبَائِهِ وأبنائه لأَنهم محارم للزَّوْجَة يجوز لَهُم الْخلْوَة بهَا، وَلَا يوصفون بِالْمَوْتِ. قَالَ: وَإِنَّمَا المُرَاد: الْأَخ وَابْن الْأَخ وَالْعم وَابْن الْعم وَابْن الْأُخْت وَنَحْوهم مِمَّن يحل لَهَا تزوجيه لَو لم تكن متزوجة، وَجَرت الْعَادة بالتساهل فِيهِ، فيخلو الْأَخ بِامْرَأَة أَخِيه فشبهه بِالْمَوْتِ. وَقَالَ القَاضِي: الْخلْوَة بالأحماء مؤدية إِلَى الْهَلَاك فِي

(20/213)


الدّين. وَقيل: مَعْنَاهُ، احْذَرُوا الحمو كَمَا يحذر الْمَوْت، فَهَذَا فِي أَب الزَّوْج فَكيف فِي غَيره؟ وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: هِيَ كلمة تَقُولهَا الْعَرَب كَمَا يُقَال الْأسد الْمَوْت، أَي لقاؤه مثل الْمَوْت، وكما يُقَال: السُّلْطَان نَار، وَيُقَال: مَعْنَاهُ فليمت وَلَا يفعل ذَلِك، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: مَعْنَاهُ أَنه يُفْضِي إِلَى موت الدّين أَو إِلَى مَوتهَا بِطَلَاقِهَا عِنْد غيرَة الزَّوْج، أَو برجمها إِن زنت مَعَه.
وَفِي (مجمع الغرائب) : يحْتَمل أَن يُرَاد بِالْحَدِيثِ أَن الْمَرْأَة إِذا خلت فَهِيَ مَحل الآفة فَلَا يُؤمن عَلَيْهَا أحد فَلْيَكُن حموها الْمَوْت، أَي: لَا يجوز أَن يدْخل عَلَيْهَا أحد إلاَّ الْمَوْت، كَمَا قَالَ الآخر: والقبر صهر ضَامِن، وَهَذَا مُتَّجه لَائِق بِكَمَال الْغيرَة وَالْحمية، والحمو مُفْرد الأحماء، قَالَ الْأَصْمَعِي: الأحماء من قبل الزَّوْج، والأختان من قبل الْمَرْأَة، والأصهاري يجمع الْفَرِيقَيْنِ. وَفِي (الإفصاح) لِابْنِ بزِي: عَن الْأَصْمَعِي: الأحماء من قبل الْمَرْأَة، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: حاء الحمو هُنَا مهموزا والمهموز أحد لغاته، وَيُقَال فِيهِ: حمو، بواو مَضْمُومَة متحركة كدلو، وَحمى مَقْصُور كعصا، قَالَ: وَالْأَشْهر فِيهِ أَنه من الْأَسْمَاء السِّتَّة المعتلة المضافة الَّتِي تعرب فِي حَال إضافتها إِلَى غير يَاء الْمُتَكَلّم بِالْوَاو رفْعَة وبالألف نصبا وبالياء خفضا، وَيكون على قَول الْأَصْمَعِي إِنَّه مَهْمُوز مثل كمء وَإِعْرَابه بالحركات كَسَائِر الْأَسْمَاء الصَّحِيحَة، وَمن قصره لَا يدْخلهُ سوى التَّنْوِين فِي الرع وَالنّصب والجر إِذا لم يضف، وَحكى عِيَاض: هَذَا حمؤك، بِإِسْكَان الْمِيم وهمزة مَرْفُوعَة، وحم كأب.

3325 - حدّثنا عَليُّ بنُ عَبْدِ الله حَدثنَا سُفْيانُ حَدثنَا عَمْرٌ وعنْ أبي مَعْبَدٍ عَن ابنِ عَبَّاسٍ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بامرَأةٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، فقامَ رجُلٌ مِنَ الأنْصارِ فَقَالَ: يَا رسولَ الله! امْرَأتِي خَرَجَتْ حاجَّةً واكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وكَذَا، قَالَ: إرْجِعْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأتكَ.
)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار، وَأَبُو معبد، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وبالدال الْمُهْملَة واسْمه نَافِذ، بالنُّون وَالْفَاء وبالذال الْمُعْجَمَة: مولى ابْن عَبَّاس.
والْحَدِيث مضى بأتم مِنْهُ فِي كتاب الْحَج فِي: بَاب حج النِّسَاء فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي النُّعْمَان عَن حَمَّاد بن زيد عَن عَمْرو عَن أبي معبد ... الخ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
وَفِيه: إِبَاحَة الرُّجُوع عَن الْجِهَاد إِلَى إحجاج امْرَأَته، لِأَن سترهَا وصيانتها فرض عَلَيْهِ، وَالْجهَاد فِي ذَلِك الْوَقْت كَانَ يقوم بِهِ غَيره، فَلذَلِك أمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يحجّ مَعهَا إِذا لم يكن مَعهَا محرم يحجّ مَعهَا، وَهَذَا صَرِيح فِي أَن الْحَج لَا يجب على الْمَرْأَة عِنْد الِاسْتِطَاعَة إِلَّا بزوجها أَو بِمحرم مَعهَا. وَالله أَعم.

211 - (بابُ مَا يَجُوزُ أنْ يَخْلُوَ الرَّجُلُ بالمَرْأةِ عِندَ النَّاسِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يجوز أَن يَخْلُو الرجل بِالْمَرْأَةِ، حَاصِلَة أَن الرجل الْأمين لَيْسَ عَلَيْهِ بَأْس إِذا خلا بِامْرَأَة فِي نَاحيَة من النَّاس لما تسأله عَن بواطن أمرهَا فِي دينهَا وَغير ذَلِك من أمورها، وَلَيْسَ المُرَاد من قَوْله: (أَن يَخْلُو الرجل) أَن يغيب عَن أبصار النَّاس، فَلذَلِك قَيده بقوله: (عِنْد النَّاس) وَإِنَّمَا يَخْلُو بهَا حَيْثُ لَا يسمع الَّذِي بالحضرة كَلَامهَا وَلَا شكواها إِلَيْهِ. فَإِن قلت لَيْسَ فِي حَدِيث الْبَاب أَنه خلا بهَا عِنْد النَّاس قلت: قَول أنس فِي الحَدِيث فَخَلا بهَا، يدل على أَنه كَانَ مَعَ النَّاس فَتنحّى بهَا نَاحيَة لِأَن أنسا الَّذِي هُوَ رَاوِي الحَدِيث كَانَ هُنَاكَ، وَجَاء فِي بعض طرقه أَنه كَانَ مَعهَا صبي أَيْضا، فصح أَنه كَانَ عِنْد النَّاس، وَلَا سِيمَا. أَنهم سمعُوا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنْتُم أحب النَّاس إِلَيّ، يُرِيد بهم الْأَنْصَار، وهم قوم الْمَرْأَة.

4325 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارِ غُنْدَرٌ حَدثنَا شُعْبَةُ عنْ هِشامٍ قَالَ: سَمِعْتُ أنَسَ بنَ مَالك، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: جاءَتِ امْرَأةٌ منَ الأنْصارِ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخَلاَ بِها، فَقَالَ: وَالله إنَّكُنَّ لأحَبُّ النَّاسِ إلَيَّ.
(انْظُر الحَدِيث 6873 وطرفه)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَخَلا بهَا) . وغندر قد تكَرر ذكره وَهُوَ لقب مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَهِشَام هُوَ ابْن زيد بن أنس بن مَالك يروي عَن جده أنس.
والْحَدِيث مضى فِي فضل الْأَنْصَار عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم عَن بهز بن أَسد عَن شُعْبَة عَن هِشَام بن زيد،

(20/214)


وَلَيْسَ فِيهِ: (فَخَلا بهَا) وَمَعَهَا صبي لَهَا، وَفِيه: إِنَّكُم أحب النَّاس إِلَيّ، مرَّتَيْنِ.
وَأخرجه فِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور من طَرِيق وهب بن جرير عَن شُعْبَة لفظ ثَلَاث مَرَّات، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
وَفِيه: أَن مُفَاوَضَة الْمَرْأَة الْأَجْنَبِيَّة سرا لَا يقْدَح فِي الدّين عِنْد أَمن الْفِتْنَة. وَفِيه: سَعَة حلم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتواضعه وَصَبره على قَضَاء حوائج الصَّغِير وَالْكَبِير. وَفِيه: منقبة عَظِيمَة للْأَنْصَار. وَفِيه: تَعْلِيم الْأمة وَكَيْفِيَّة الْخلْوَة بِالْمَرْأَةِ.

311 - (بَاب مَا يُنْهَى مِنْ دُخُول المُتَشَبِّهينَ بالنِّساءِ علَى المَرْأةِ.)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا ينْهَى، وَكلمَة: مَا، مَصْدَرِيَّة أَي: فِي بَيَان النَّهْي من دُخُول الرِّجَال الَّذين يتشبهون بِالنسَاء فِي أخلاقهن. قَوْله: (على الْمَرْأَة) ، يتَعَلَّق بقوله: من دُخُول.

5325 - حدّثنا عثْمانُ بنُ أبي شَيْبَةَ حَدثنَا عَبْدَةُ عنْ هِشامِ بنِ عُرْوَةَ عَن أبِيهِ عنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أمِّ سَلَمَةَ عنْ أمِّ سَلَمَةَ، أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ عِنْدَها. وَفِي البَيْتِ مُخَنَّثٌ، فَقَالَ المُخَنَّثُ لأخي أُمِّ سلمَةَ عبْدِ لله بنِ أبي أُمَيَّةَ: إنْ فَتَحَ الله لَكُمُ الطَّائِفَ غَدا أدُلكَ علَى ابْنَةِ غَيْلاَنَ فَإنَّها تُقْبِلُ بأرْبَعٍ وتُدْبِرُ بِثَمانٍ، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يَدْخُلَنَّ هَذَا عَلَيْكُمْ.
)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث. وَعُثْمَان بن أبي شيبَة أَخُو أبي بكر بن أبي شيبَة، وَاسم أبي شيبَة إِبْرَاهِيم بن عُثْمَان، وَعُثْمَان شيخ البُخَارِيّ هُوَ مُحَمَّد بن أبي شيبَة وَاسم أَخِيه أبي بكر عبد الله، وَكِلَاهُمَا من شُيُوخ البُخَارِيّ وَمُسلم، وَعَبدَة ضد الْحرَّة ابْن سُلَيْمَان، وَزَيْنَب بنت أم سَلمَة هِنْد بنت أبي أُميَّة، وَزَيْنَب ربيبة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ولدت بِأَرْض الْحَبَشَة وَكَانَ اسْمهَا برة فسماها النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، زَيْنَب وأبوها أَبُو سَلمَة عبد الله بن عبد الْأسد.
والْحَدِيث مضى فِي الْمَغَازِي فِي: بَاب غَزْوَة الطَّائِف، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن الْحميدِي عَن سُفْيَان عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن زَيْنَب بنت أبي سَلمَة عَن أمهَا أم سَلمَة. الخ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (حَدثنَا عُثْمَان) ، ويروى: حَدثنِي. قَوْله: (عَن زَيْنَب ابْنة أم سَلمَة عَن أم سَلمَة) وَفِي رِوَايَة سُفْيَان عَن هِشَام بن عُرْوَة فِي غَزْوَة الطَّائِف: عَن أمهَا أم سَلمَة، وروى حَمَّاد بن سَلمَة عَن هِشَام، فَقَالَ: عَن أَبِيه عَن عَمْرو بن أبي سَلمَة، وَقَالَ معمر: عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة، وَرَوَاهُ معمر أَيْضا عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة، وأرسله مَالك فَلم يذكر فَوق عُرْوَة أحدا، أخرجه النَّسَائِيّ قَوْله: (وَفِي الْبَيْت) ، أَي: الْبَيْت الَّذِي هِيَ فِيهِ قَوْله: (مخنث) ، بِفَتْح النُّون وَكسرهَا وَهُوَ الَّذِي يشبه النِّسَاء فِي أخلاقهن، وَهُوَ على نَوْعَيْنِ: من خلق كَذَلِك فَلَا ذمّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ مَعْذُور، وَلِهَذَا لم يُنكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَولا دُخُوله عَلَيْهِنَّ، وَمن يتَكَلَّف ذَلِك وَهُوَ المذموم، وَاسم هَذَا المخنث: هيت، بِكَسْر الْهَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالتاء الْمُثَنَّاة من فَوق على الْأَصَح، وَذكر ابْن إِسْحَاق فِي الْمَغَازِي أَن اسْم المخنث فِي حَدِيث الْبَاب: ماتع، بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق، وَقيل: بالنُّون، وَحكى أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ فِي كَون ماتع لقب هيت أَو بِالْعَكْسِ أَو أَنَّهُمَا اثْنَان خلافًا، وَجزم الْوَاقِدِيّ بالتعدد فَإِنَّهُ قَالَ: كَانَ هيت مولى عبد الله بن أبي أُميَّة، وَكَانَ ماتع مولى فَاخِتَة، وَذكر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نفاهما إِلَى الْحمى، وَذكر الْمَاوَرْدِيّ فِي (الصَّحَابَة) من طَرِيق إِبْرَاهِيم بن مهَاجر عَن أبي بكر بن حَفْص أَن عَائِشَة قَالَت لمخنث كَانَ بِالْمَدِينَةِ يُقَال لَهُ: أَنه، بِفَتْح الْهمزَة وَتَشْديد النُّون: أَلا تدلنا على امْرَأَة نخطبها على عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر؟ قَالَ: بلَى، فوصف امْرَأَة تقبل بِأَرْبَع وتدبر بثمان، فَسَمعهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: يَا أَنه أخرج من الْمَدِينَة إِلَى حَمْرَاء الْأسد وَليكن بهَا مَنْزِلك، وَقَالَ ابْن حبيب: المخنث هُوَ الْمُؤَنَّث من الرِّجَال وَإِن لم يعرف مِنْهُ فَاحِشَة، مَأْخُوذَة من التكسر فِي الشَّيْء وَغَيره، وَأخرج أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قد أَتَى بمخنث قد خضب يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ، فَقيل: يَا رَسُول الله إِن هَذَا يتشبه بِالنسَاء، فنفاه إِلَى النقيع بالنُّون ثمَّ الْقَاف. قَوْله: (فَقَالَ المخنث لأخي أم سَلمَة) وَقد وَقع فِي مُرْسل ابْن الْمُنْكَدر أَنه قَالَ ذَلِك لعبد الرَّحْمَن بن أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، فَيحمل على تعدد القَوْل لكل مِنْهُمَا لأخي عَائِشَة، ولأخي أم سَلمَة، وَالْعجب أَنه لم يقدر أَن الْمَرْأَة الموصوفة حصلت لوَاحِد مِنْهُمَا، لِأَن الطَّائِف لم يفتح حيئنذ، وَقتل عبد الله بن أبي أُميَّة فِي حَال الْحصار قلت: عبد الله بن

(20/215)


أبي أُميَّة بن الْمُغيرَة بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم أَخُو أم سَلمَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأمه عَاتِكَة بنت عبد الْمطلب بن هَاشم، وَكَانَ شَدِيدا على الْمُسلمين مُخَالفا مبغضا وَهُوَ الَّذِي {قَالَ لن نؤمن لَك حَتَّى تفجر لنا من الأَرْض ينبوعا} (الْإِسْرَاء: 09) {وَيكون ذَلِك بَيت من زخرف} (الْإِسْرَاء: 39) الْآيَة، وَكَانَ شَدِيد الْعَدَاوَة لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ أَنه خرج مُهَاجرا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلَقِيَهُ بِالطَّرِيقِ بَين السقيا وَالْعَرج وَهُوَ يُرِيد مَكَّة عَام الْفَتْح، فَتَلقاهُ فَأَعْرض عَنهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرّة بعد مرّة، فَدخل إِلَى أُخْته وسألها أَن تشفع فشفعت لَهُ أُخْته أم سَلمَة وَهِي أُخْته لِأَبِيهِ فشفعها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ. وَأسلم وَحسن إِسْلَامه وَشهد مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتح مَكَّة مُسلما، وَشهد حنينا والطائف وَرمي يَوْم الطَّائِف بِسَهْم فَقتله وَمَات يَوْمئِذٍ، وَقَالَ أَبُو عمر بن عبد الْبر: وَزعم مُسلم بن الْحجَّاج أَن عُرْوَة بن الزبير روى عَنهُ أَنه: رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَيت أم سَلمَة فِي ثوب وَاحِد ملتحفا بِهِ مُخَالفا بَين طَرفَيْهِ، وَذَلِكَ غلط، وَإِنَّمَا الَّذِي روى عَنهُ عُرْوَة بن عبد الله بن أبي أُميَّة. قَوْله: (إِن فتح الله لكم الطَّائِف غَدا) . وَوَقع فِي رِوَايَة أبي أُسَامَة عَن هِشَام فِي أَوله وَهُوَ محاصر الطَّائِف يَوْمئِذٍ. قَوْله: (فَعَلَيْك) كلمة إغراء مَعْنَاهُ احرص على تَحْصِيلهَا والزمها. قَوْله: (على ابْنة غيلَان) ، وَفِي رِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة: لَو قد فتحت لكم الطَّائِف لقد أريتك بادية بنت غيلَان، وَهِي بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الدَّال الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف ضد الْحَاضِرَة وَعَلِيهِ الْجُمْهُور. وَقيل بالنُّون مَوضِع الْبَاء الْمُوَحدَة، وغيلان بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف: ابْن مسلمة بن معتب، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة ابْن مَالك بن كَعْب بن عَمْرو بن سعد بن عَوْف بن قسي وَهُوَ ثَقِيف وَأمه سبيعة بنت عبد شمس، أسلم بعد فتح الطَّائِف، وَلم يُهَاجر وَكَانَ أحد وُجُوه ثَقِيف ومقدميهم وَكَانَ شَاعِرًا محسنا، وَتُوفِّي فِي آخر خلَافَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهُوَ الَّذِي أسلم وَتَحْته عشر نسْوَة، فَأمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يخْتَار أَرْبَعَة. قَوْله: (تقبل بأَرْبعَة وتدبر بثمان) أَي أَن لَهَا أَربع عُكَن لسمنها تقبل بِهن من كل نَاحيَة ثِنْتَانِ وَلكُل وَاحِدَة طرفان، فَإِذا أَدْبَرت صَارَت الأطرف ثَمَانِيَة أَي السمينة لَهَا فِي بَطنهَا عُكَن أَربع وَترى من وَرَائِهَا لكل عكنة طرفان قلت: العكنة بِالضَّمِّ الطي الَّذِي فِي الْبَطن من السّمن، وَقَالَ ابْن حبيب: عَن مَالك فِي معنى قَوْله: (تقبل بِأَرْبَع وتدبر بثمان) أَن أعكانها يَنْعَطِف بَعْضهَا على بعض وَهِي فِي بَطنهَا أَربع طرائق وتبلغ أطرافها إِلَى حاضرتها فِي كل جَانب أَربع ولإرادة العكن ذكر الْأَرْبَع والثمان وَإِلَّا فَلَو أَرَادَ الْأَطْرَاف لقَالَ: ثَمَانِيَة. قَوْله: (لَا يدخلن هَذَا عَلَيْكُم) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: عليكن، وَهِي رِوَايَة مُسلم. وَقَالَ الْمُهلب: إِنَّمَا حجبه عَن الدُّخُول إِلَى النِّسَاء لما سَمعه يصف الْمَرْأَة بِهَذِهِ الصّفة الَّتِي تهيج قُلُوب الرِّجَال، فَمَنعه لِئَلَّا يصف الْأزْوَاج للنَّاس فَيسْقط معنى الْحجاب. انْتهى. وَيُقَال: إِنَّمَا كَانَ يدْخل عَلَيْهِنَّ لِأَنَّهُنَّ يعتقدنه من غير أولي الإربة، فَلَمَّا وصف هَذَا الْوَصْف دلّ على أَنه من أولى الإربة، فَاسْتحقَّ الْمَنْع لدفع فَسَاده، وَغير أولي الإربة هُوَ الأبله الْعنين الَّذِي لَا يفْطن بمحاسن النِّسَاء وَلَا إرب لَهُ فِيهِنَّ، والأرب بِالْكَسْرِ الْحَاجة.

411 - (بابُ نَظَر المرْأةِ إِلَى الحَبَشِ وغَيْرِهِمْ مِنْ غَيْرِ رَيبَةٍ.)

أَي: هَذَا بَاب فِي جَوَاز نظر الْمَرْأَة إِلَى الْحَبَشَة وَغَيرهم من غير رِيبَة. أَي: من غير تُهْمَة، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن عِنْده جَوَاز نظر الْمَرْأَة إِلَى الْأَجْنَبِيّ دون نظر الْأَجْنَبِيّ إِلَيْهَا، وَإِنَّمَا ذكر الْحَبَشَة، وَإِن كَانَ الحكم فِي غَيرهم كَذَلِك، لأجل مَا ورد فِي حَدِيث الْبَاب على مَا يَأْتِي. وَأَرَادَ البُخَارِيّ بِهِ الرَّد لحَدِيث ابْن شهَاب عَن نَبهَان مولى أم سَلمَة أَنَّهَا قَالَت: كنت أَنا ومَيْمُونَة جالستين عِنْد على مَا يَأْتِي. وَأَرَادَ البُخَارِيّ بِهِ الرَّد لحَدِيث ابْن شهَاب عَن نَبهَان مولى أم سَلمَة أَنَّهَا قَالَت: كنت أَنا ومَيْمُونَة جالستين عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَاسْتَأْذن عَلَيْهِ ابْن أم مَكْتُوم، فَقَالَ: احتجبا مِنْهُ، فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله: أَلَيْسَ أعمى لَا يُبصرنَا وَلَا يعرفنا؟ فَقَالَ: أفعمياوان أَنْتُمَا؟ ألستما تبصرانه؟ أخرجه الْأَرْبَعَة. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن صَحِيح. وَكَذَا صَححهُ ابْن حبَان فَإِن قلت مَا وَجه رد حدث نَبهَان وَهُوَ حَدِيث صَححهُ الْأَئِمَّة بِإِسْنَاد قوي؟ قلت: قَالَ ابْن بطال: حَدِيث عَائِشَة، أَعنِي: حَدِيث الْبَاب أصح من حَدِيث نَبهَان، لِأَن نَبهَان لَيْسَ بِمَعْرُوف بِنَقْل الْعلم. وَلَا يروي إلاَّ حديثين هَذَا، وَالْمكَاتب إِذا كَانَ مَعَه مَا يُؤَدِّي احْتَجَبت عَنهُ سيدته، فَلَا يعْمل بِحَدِيث نَبهَان لمعارضته الْأَحَادِيث الثَّابِتَة. فَإِن قلت: قد عرف نَبهَان بِنَقْل الْعلم جمَاعَة مِنْهُم ابْن حبَان

(20/216)


وَالْحَاكِم إِذْ صححا حَدِيثه وَأَبُو عَليّ الطوسي وَحسنه، وروى عَنهُ ابْن شهَاب وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن مولى طَلْحَة، وَذكره ابْن حبَان فِي (الثِّقَات) وَمن يعرفهُ الزُّهْرِيّ ويصفه بِأَنَّهُ مكَاتب أم سَلمَة وَلم يُخرجهُ حد لَا ترد رِوَايَته، وَأما الْمُعَارضَة فَلَا نقُول بهَا بل نقُول: إِن عَائِشَة إِذْ ذَاك كَانَت صَغِيرَة فَلَا خرج عَلَيْهَا فِي النّظر إِلَيْهِم، أَو نقُول: إِنَّه رخص فِي الأعياد مَا لَا يرخص فِي غَيرهَا أَو نقُول: حَدِيث نَبهَان نَاسخ لحَدِيث عَائِشَة، أَو نقُول: إِن زَوْجَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد خصصن بِمَا لم يخصص بِهِ غَيْرهنَّ لعظم حرمتهن، أَو نقُول: إِن الْحَبَشَة كَانُوا صبيانا لَيْسُوا بالغين. قلت: الْأَوْجه أَن يُقَال بِالْجمعِ بَين الْحَدِيثين لاحْتِمَال تقدم الواقعية، أَو أَن يكون فِي حَدِيث نَبهَان شَيْء يمْنَع النِّسَاء من رُؤْيَته، لكَون ابْن أم مَكْتُوم أعمى، فَلَعَلَّهُ كَانَ مِنْهُ شَيْء ينْكَشف وَلَا يشْعر بِهِ، وَيُؤَيّد قَول من قَالَ بِالْجَوَازِ اسْتِمْرَار الْعَمَل على جَوَاز خُرُوج النِّسَاء إِلَى الْمَسَاجِد والأسواق والأسفار منتقبات لِئَلَّا يراهن الرِّجَال، وَلم يُؤمر الرِّجَال قطّ بالانتقاب لِئَلَّا تراهم النِّسَاء، فَدلَّ على مُغَايرَة الحكم بَين الطَّائِفَتَيْنِ.

6325 - حدّثنا إسْحاقُ بنُ إبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِيُّ عنْ عِيسَى عنِ الأوْزَاعِيِّ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ، رَضِي الله عَنْهَا، قَالَت: رأيْتُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَسْتُرُني برِدَائِهِ وَأَنا أنْظُرُ إِلَى الحَبَشَةِ يَلْعَبُونَ فِي المَسْجِدِ حتَّى أكُونَ أَنا الّذي أسْأمُ، فاقْدُرُوا قَدْرَ الجارِيَةِ الحَدِيثَةِ السِّنِّ الحَريصَةِ عَلى اللَّهْوِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة والحنظلي هُوَ إِسْحَاق الْمَعْرُوف بِابْن رَاهَوَيْه، وَعِيسَى هُوَ ابْن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي، وَالْأَوْزَاعِيّ عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو، وَالزهْرِيّ مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب، وَعُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام.
والْحَدِيث مر بأتم مِنْهُ فِي أَبْوَاب الْعِيدَيْنِ فِي: بَاب الحراب والدرق يَوْم الْعِيد، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (فِي الْمَسْجِد) أَي: فِي مَسْجِد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (أَنا الَّذِي أسأم) كَذَا وَقع فِي الْأُصُول، وَذكر ابْن التِّين: أَنا الَّذِي، ثمَّ قَالَ: وَصَوَابه: أَنا الَّتِي قَوْله: (أسأم) ، أَي أمل من السَّآمَة وَهِي الملالة. قَوْله: (فاقدروا قدر الْجَارِيَة) من قدرت الْأَمر كَذَا إِذا نظرت فِيهِ ودبرته، ورادت بِهِ أَنَّهَا وَكَانَت صَغِيرَة دون الْبلُوغ، قَالَه النَّوَوِيّ، وَيرد عَلَيْهِ أَن فِي بعض طرق الحَدِيث أَن ذَلِك كَانَ بعد قدوم وَفد الْحَبَشَة، وَأَن قدومهم كَانَ سنة سبع، ولعائشة يَوْمئِذٍ سِتّ عشرَة سنة، فَكَانَت بَالِغَة، وَكَانَ ذَلِك بعد الْحجاب.
وَفِي (التَّلْوِيح) : فِي الحَدِيث: جَوَاز نظر النِّسَاء إِلَى اللَّهْو واللعب لَا سِيمَا حَدِيثَة السن فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد عذرها، أَي: عَائِشَة، لحداثة سنّهَا، وَيُعَكر عَلَيْهِ مَا ذَكرْنَاهُ الْآن. قَالَ: وَفِيه: أَنه لَا بَأْس بِنَظَر الْمَرْأَة إِلَى الرجل من غير رِيبَة، أَلا ترى مَا اتّفق عَلَيْهِ الْعلمَاء من الشَّهَادَة عَلَيْهَا أَن ذَلِك لَا يكون إلاَّ بِالنّظرِ إِلَى وَجههَا؟ وَمَعْلُوم أَنَّهَا تنظر إِلَيْهِ حِينَئِذٍ كَمَا ينظر الرجل إِلَيْهَا، وَالله أعلم.

511 - (بابُ خُرُوجِ النِّساءِ لِحَوَائِجِهِنَّ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز خُرُوج النِّسَاء لأجل حوائجهن، وَهُوَ جمع حَاجَة. وَقَالَ الدَّاودِيّ: جمع الْحَاجة حاجات وَجمع الْجمع حَاج، وَلَا يُقَال: حوائج، وَقَالَ ابْن التِّين: وَالَّذِي ذكر أهل اللُّغَة أَن جمع حَاجَة حوائج، وَقَول الدَّاودِيّ غير صَحِيح، وَفِي (الْمُنْتَهى) : الْحَاجة فِيهَا لُغَات: حَاجَة وحوجاء وحائجة، فَجمع السَّلامَة: حاجات، وَجمع التكسير: حَاج، مثل رَاحَة وَرَاح، وَجمع حوجاء حواج، مثل: صحراء وصحار، وَيجمع على حوج أَيْضا نَحْو عوجاء وعوج، وَجمع الْحَاجة حوائج مثل حائجة وحوائج، وَكَانَ الْأَصْمَعِي يُنكره، وَيَقُول: هُوَ مولد، وَإِنَّمَا أنكرهُ لِخُرُوجِهِ عَن الْقيَاس فِي جمع حَاجَة، وإلاَّ فَهُوَ كثير فِي الْكَلَام، قَالَ الشَّاعِر:
(نَهَار الْمَرْء أمثل حِين يقْضِي ... حَوَائِجه من اللَّيْل الطَّوِيل)

وَيُقَال: مَا فِي صَدره حوجاء وَلَا لوجاء وَلَا شكّ وَلَا مرية بِمَعْنى وَاحِد، وَيُقَال: لَيْسَ فِي أَمرك حويجاء وَلَا لويجاء، وَلَا لفُلَان عنْدك حَاجَة وَلَا حائجة وَلَا حوجاء وَلَا حواشية بالشين وَالسِّين وَلَا لماسة وَلَا لبَابَة وَلَا إرب وَلَا مأربة ونواة وبهجة وأشكلة وشاكلة وشكلة وشهلاء، كُله بِمَعْنى وَاحِد.

7325 - حدّثنا فَرْوَةُ بنُ أبي المَغْرَاءِ حَدثنَا علِيُّ بنُ مُسْهِرٍ عنْ هِشامٍ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ. قالَتْ: خَرَجَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ لَيْلاً فَرَآها عُمَرُ فَعَرَفَهَا. فَقَالَ: إنّكِ وَالله يَا سَوْدَةُ مَا تَخْفَيْنَ عَلَيْنَا

(20/217)


فَرَجَععَتْ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ وهْوَ فِي حُجْرَتِي يَتَعَشَّى، وإنَّ فِي يَدِهِ لَغَرْقا فأنْزَلَ الله عَلَيْهِ فرُفِعَ عَنْهُ وهْوَ يَقُولُ: قَدْ أذِنَ الله لَكُنَّ أنْ تَخْرُجْنَ لِحَوَائِجِكُنَّ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث. وَهَذَا السَّنَد بِعَيْنِه قد مر عَن قريب فِي: بَاب دُخُول الرجل على نِسَائِهِ فِي الْيَوْم.
والْحَدِيث قد مر بأتم مِنْهُ فِي تَفْسِير سُورَة الْأَحْزَاب. وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (مَا تخفين) ، بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الْيَاء وَأَصله: تخفين، على وزن تفعلين فاستثقلت الكسرة على الْيَاء فحذفت فَاجْتمع ساكنان وهما الياءان فحذفت الْيَاء الأولى لِأَن الثَّانِيَة ضمير المخاطبة فَبَقيَ تخفين على وزن تفعين. قَوْله: (لعرقا) ، اللَّام فِيهِ مَفْتُوحَة، والعرق بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الرَّاء وبالقاف وَهُوَ الْعظم الَّذِي أَخذ لحْمَة. قَوْله: (فَأنْزل الله عَلَيْهِ) ، ويروي: فَأنْزل عَلَيْهِ بِصِيغَة الْمَجْهُول، وَفِي الرِّوَايَة الْمُتَقَدّمَة: فَأوحى الله إِلَيْهِ.
وَقَالَ ابْن بطال: فِي هَذَا الحَدِيث دَلِيل على أَن النِّسَاء يخْرجن لكل مَا أُبِيح لَهُنَّ الْخُرُوج فِيهِ من زِيَارَة الْآبَاء والأمهات وَذَوي الْمَحَارِم وَغير ذَلِك مِمَّا تمس الْحَاجة إِلَيْهِ، وَذَلِكَ فِي حكم خروجهن إِلَى الْمَسَاجِد. وَفِيه: خُرُوج الْمَرْأَة بِغَيْر إِذن زَوجهَا إِلَى الْمَكَان الْمُعْتَاد للْإِذْن الْعَام فِيهِ. وَفِيه: منقبة عَظِيمَة لعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَفِيه: تَنْبِيه أهل الْفضل على مصالحهم ونصحهم.

611 - (بابُ اسْتِئْذَانِ المَرْأةِ زَوْجَهَا فِي الخُرُوجِ إِلَى المَسْجِدِ وغَيْرِهِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان اسْتِئْذَان الْمَرْأَة أَي: طلب الْإِذْن من زَوجهَا لأجل الْخُرُوج إِلَى الْمَسْجِد. قَوْله: (وَغَيره) أَي: غير الْمَسْجِد مِمَّا لَهَا فِيهِ حَاجَة ضَرُورِيَّة شَرْعِيَّة.

8325 - حدّثنا عَلِيُّ بنُ عبدِ الله حَدثنَا سُفْيانُ حَدثنَا الزُّهْرِيُّ عنْ سالِمٍ عنْ أبِيهِ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إذَا اسْتأْذَنَتِ امْرَأةُ أحَدِكُمْ إِلَى المَسْجِدِ فَلاَ يَمْنَعْها.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي الْمَسْجِد، فِي غير الْمَسْجِد بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ، وَالشّرط فِي الْجَوَاز فيهمَا الْأَمْن من الْفِتْنَة.
وعَلى ابْن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ. وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة يروي عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ وَهُوَ يرْوى عَن سَالم بن عبد الله عَن أَبِيه عبد الله بن عمر بن الْخطاب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَمضى الحَدِيث فِي أَوَاخِر كتاب الصَّلَاة فِي بَاب خُرُوج النَّسَائِيّ إِلَى الْمَسَاجِد بِاللَّيْلِ والغلس.

711 - (بابُ مَا يَحِلُّ مِنَ الدُّخُولِ والنظَرِ إِلَى النِّسا فِي الرِّضاعِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يحل من الدُّخُول على النِّسَاء وَالنَّظَر إلَيْهِنَّ فِي وجود الرَّضَاع بَين الدَّاخِل والمدخول إِلَيْهَا لِأَن وجود الرَّضَاع يُبِيح ذَلِك.

9325 - حدّثنا عبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ هِشامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عَن عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، أنّها قالَتْ: جاءَ عَمِّي مِنَ الرِّضاعَةِ فاسْتأذَنَ عَليَّ فأبَيْتُ أنْ آذَنَ لهُ حتَّى أسْألَ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فجاءَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسألْتُهُ عنْ ذَلِكَ. فَقَالَ: إنَّهُ عَمُّكِ فأْذَنِي لهُ. قالَتْ: فِقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! إنّما أرْضَعَتْنِي المَرْأةُ ولَمْ يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ. قالَتْ: فَقَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إنَّهُ عَمُّكِ فَلْيَلِجْ عَلَيْكِ. قالَتْ عائِشَةُ: وذالِكَ بَعْدَ أنْ ضُرِبَ علَيْنا الحِجابُ. قالَتْ عائِشَةُ: يَحْرُمُ مِنَ الوِلاَدَةِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي قَوْله: (إِنَّه عمك فليلج عَلَيْك) أَي: فَلْيدْخلْ من الولوج وَهُوَ الدُّخُول.
وَقد مضى الحَدِيث فِي كتاب النِّكَاح فِي: بَاب الْفَحْل بِهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه. وَقد مر الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (جَاءَ عمي) هُوَ أَفْلح، وَفَائِدَة هَذَا الْبَاب أَنه أصل فِي أَن الرَّضَاع يحرم من النِّكَاح مَا يحرم من النّسَب، وَيَنْبَغِي أَن يسْتَأْذن على الْأَقَارِب كالأجانب لِأَنَّهُ مَتى فاجأهن فِي

(20/218)


الدُّخُول يُمكن أَن يُصَادف مِنْهُنَّ عَورَة لَا يجوز لَهُ الِاطِّلَاع عَلَيْهَا، أَو أمرا يُكْرهن الْوُقُوف عَلَيْهِ، وَأما زَوجته وَأمته الْجَائِز لَهُ وَطْؤُهَا فَلَا يستأذنهما، لِأَن أَكثر مَا فِي ذَلِك أَن يصادفهما منكشفين، وَقد أُبِيح لَهُ النّظر إِلَى ذَلِك، وَالأُم وَالْأُخْت وَسَائِر ذَوَات الْمَحَارِم سَوَاء فِي الاسْتِئْذَان مِنْهُنَّ. قَوْله: (من الْولادَة) أَي: من النّسَب، وَالله أعلم.

811 - (بابٌ لَا تُباشِرُ المَرْأةُ المَرْأةَ فَتَنْعَتَها لِزَوْجِها)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: لَا تباشر، من الْمُبَاشرَة وَهِي الْمُلَامسَة فِي الثَّوْب الْوَاحِد، وَكَذَا قيد فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ. قَوْله: (فتنعتها) أَي: فتصفها من النَّعْت وَهُوَ الْوَصْف، وَهَذِه التَّرْجَمَة لفظ الحَدِيث. قَالَ الْقَابِسِيّ: هَذَا الحَدِيث من أبين مَا يحمى بِهِ الذرائع فَإِنَّهَا أَن وصفتها لزَوجهَا بِحسن خيف عَلَيْهِ الْفِتْنَة حَتَّى يكون ذَلِك سَببا لطلاق زَوجته ونكاج تيك، إِن كَانَت أَيّمَا وَإِن كَانَت ذَات بعل كَانَ ذَلِك سَببا لِبُغْض زَوجته، ونقصان منزلتها عِنْده، وَإِن وصفتها بقبح كَانَ ذَلِك غيبَة.

0425 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ حَدثنَا سُفْيانُ عنْ مَنْصُورٍ عَن أبي وائلٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تُباشر المَرأةُ المرْأةَ فَتَنْعَتَها لزَوْجِها كأنّهُ يَنْظُرُ إليْها.
(انْظُر الحَدِيث 0425 طرفه فِي: 1425)
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّهَا غيبَة، كَمَا ذكرنَا، أخرجه عَن مُحَمَّد بن يُوسُف البيكندي البُخَارِيّ عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر عَن أبي وَائِل شَقِيق بن سَلمَة ... الخ. وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : مُحَمَّد بن يُوسُف هَذَا هُوَ الْفرْيَابِيّ، وسُفْيَان هُوَ الصُّورِي يحْتَاج فِيهِ إِلَى التَّحْرِير.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي عشرَة النِّسَاء عَن إِبْرَاهِيم بن يُوسُف الْبَلْخِي، وَقد مر شَرحه الْآن.

1425 - حدّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصِ بنِ غِياثٍ حَدثنَا أبي حَدثنَا الأعْمَشُ قَالَ: حدّثني: شقِيقٌ، قَالَ: سَمِعْتُ عبْدَ الله قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تُباشِر المَرْأةَ فَتَنعَتَها لِزَوْجِا كأنّهُ يَنْظُرُ إلَيْها.
(انْظُر الحَدِيث 0425)
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث لمذكور أخرجه عَن عمر بن حَفْص عَن أَبِيه حَفْص بن غياث، بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالثاء الْمُثَلَّثَة: عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن شَقِيق هُوَ أَبُو وَائِل الْمَذْكُور وَفِي الحَدِيث السَّابِق، وروى شَقِيق عَن عبد الله بن مَسْعُود فِي الطَّرِيق الأول بالعنعنة، وَفِي هَذَا بِالسَّمَاعِ، وَقَالَ الدَّاودِيّ: إِن قَوْله فتنعتها ... الخ. من كَلَام ابْن مَسْعُود، وَقَالَ ابْن التِّين وَظَاهره أَنه من كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.