عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 101 - (بَاب إذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّب علَى
البِكْر)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يفعل الرجل إِذا تزوج
امْرَأَة ثَيِّبًا على امْرَأَة بكر، وَهَذِه التَّرْجَمَة
عكس التَّرْجَمَة الَّتِي قبلهَا، وَقد ذكرنَا هُنَاكَ أَن
جَوَاب: إِذا مَحْذُوف، وَهنا كَذَلِك.
4125 - حدّثنا يُوسُفُ بنُ راشدٍ حَدثنَا أبُو أسامَةَ عنْ
سُفْيانَ حَدثنَا أيُّوبُ وخالِدٌ عنْ أبي قِلاَبة عنْ
أنَسٍ قَالَ: من السُّنَّةِ إذَا تَزَوَّج الرَّجُلُ
البِكْرَ علَى الثيِّبِ أقامَ عِنْدَها سَبْعا وقَسَمَ،
وَإِذا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ علَى البِكْرِ أقامَ عِندَها
ثَلاَثا ثُمَّ قَسَمَ قَالَ أبُو قِلاَبَةَ: ولوْ شِئْتُ
لَقُلْتُ: إنَّ أنَسا رفَعَهُ إِلَى النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم.
(انْظُر الحَدِيث 3125 طرفه فِي: 4125)
(20/200)
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث السَّابِق
أخرجه عَن يُوسُف بن مُوسَى بن رَاشد نسب إِلَى جده وَهُوَ
الْقطَّان الْكُوفِي، سكن بَغْدَاد وَهُوَ من أَفْرَاده.
وَأَبُو أُسَامَة، وسُفْيَان وَهُوَ الثَّوْريّ، وَأَيوب
هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَأَبُو قلَابَة هُوَ عبد الله بن
زيد.
وَأخرج الطَّحَاوِيّ هَذَا الحَدِيث من عشر طرق صِحَاح،
ثمَّ قَالَ: فَذهب قوم إِلَى أَن الرجل إِذا تزوج الثّيّب
أَنه بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ سبَّع لَهَا وسبّع لسَائِر
نِسَائِهِ، وَإِن شَاءَ أَقَامَ عِنْدهَا ثَلَاثًا وَدَار
على بَقِيَّة نِسَائِهِ يَوْمًا يَوْمًا وَلَيْلَة لَيْلَة
قلت: أَرَادَ بالقوم إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وعامر
الشّعبِيّ ومالكا وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبا
ثَوْر وَأَبا عبيد، ثمَّ قَالَ: وَخَالفهُم فِي ذَلِك
آخَرُونَ، فَقَالُوا: إِن ثلَّث لَهَا ثلَّث لسَائِر
نِسَائِهِ كَمَا إِذا سبَّع لَهَا وسبَّع لسَائِر
نِسَائِهِ. قلت: أَرَادَ بالقوم هَؤُلَاءِ: حَمَّاد بن أبي
سُلَيْمَان وَالْحكم بن عتبَة وَأَبا حنيفَة وَأَبا يُوسُف
ومحمدا رَحِمهم الله، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِحَدِيث أم
سَلمَة أخرجه الطَّحَاوِيّ: أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهَا: (إِن شِئْت سبعت عنْدك سبعت
عِنْدهن) وَأخرجه أَحْمد فِي (مُسْنده) مطولا وَأخرجه
الطَّبَرَانِيّ بأطول مِنْهُ وَأخرجه أَبُو يعلى أَيْضا
وَالْبَيْهَقِيّ. قَالَ الطَّحَاوِيّ: فَلَمَّا قَالَ
لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن شِئْت
سبعت لَك سبعت عِنْدهن، أَي: أعدل بَينهُنَّ وَبَيْنك
فَاجْعَلْ لكل وَاحِدَة مِنْهُنَّ سبعا، كَذَلِك إِذا جعل
لَهَا ثَلَاثًا جعل لكل وَاحِدَة مِنْهُنَّ ثَلَاثًا.
وَقَالَت الشَّافِعِيَّة: حَدِيث أنس الْمَذْكُور حجَّة
على الْحَنَفِيَّة قلت: كَذَلِك حَدِيث أم سَلمَة حجَّة
على الشَّافِعِيَّة، واحتجت الْحَنَفِيَّة أَيْضا بِحَدِيث
عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: أَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقسم بَين نِسَائِهِ فيعدل
الحَدِيث رَوَاهُ الْأَرْبَعَة، وَقد مر عَن قريب،
فَظَاهره يَقْتَضِي الْمُسَاوَاة بَينهُنَّ مُطلقًا.
قَوْله: (من السّنة) قد ذكرنَا عَن قريب أَن هَذَا
اللَّفْظ يَقْتَضِي كَون الحَدِيث مَرْفُوعا وَلما ذكر
التِّرْمِذِيّ حَدِيث خَالِد الْحذاء صَححهُ ثمَّ قَالَ:
وَقد رَفعه مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن أَيُّوب عَن أبي
قلَابَة عَن أنس وَلم يرفعهُ بَعضهم. قلت: وَرَوَاهُ ابْن
مَاجَه من طَرِيق ابْن إِسْحَاق مَرْفُوعا عَن أَيُّوب عَن
أبي قلَابَة عَن أنس قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: للثيب ثَلَاث وللبكر سبع وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ
أَيْضا مَرْفُوعا كَذَلِك من طَرِيق عبد الْوَهَّاب
الثَّقَفِيّ عَن أَيُّوب عَن أبي قلَابَة عَن أنس بن مَالك
عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَذَلِكَ أخرجه
ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي (صَحِيحهمَا) مَرْفُوعا.
قَوْله: (وَقسم ثمَّ قَالَ: أَقَامَ عِنْدهَا ثَلَاثًا
ثمَّ قسم) بِالْوَاو فِي الأول وبلفظ ثمَّ فِي الثَّانِي،
وَوَقع عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأبي نعيم من طَرِيق
حَمْزَة بن عون بِلَفْظ: ثمَّ فِي الْمَوْضِعَيْنِ قَوْله:
(ثَلَاثًا) أَي ثَلَاث ليَالِي مَعَ أَيَّامهَا.
وَاخْتلف الْعلمَاء فِي الْمقَام الْمَذْكُور. هَل هُوَ من
حُقُوق الْمَرْأَة على الزَّوْج أَو من حُقُوق الزَّوْج
على سَائِر نِسَائِهِ؟ فَقَالَت طَائِفَة: هُوَ حق
الْمَرْأَة إِن شَاءَت طالبته وَإِن شَاءَت تركته، وَقَالَ
آخَرُونَ: هُوَ من حق الزَّوْج إِن شَاءَ أَقَامَ عِنْدهَا
وَإِن شَاءَ لم يقم، فَإِن أَقَامَ عِنْدهَا فَفِيهِ
الْخلاف الْمَذْكُور، وَإِن لم يقم عِنْدهَا إِلَّا
لَيْلَة دَار، وَكَذَلِكَ إِن أَقَامَ ثَلَاثًا دَار على
مَا مضى من الْخلاف الْمَذْكُور، الأول أولى لإخبار رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن ذَلِك حق الْبكر
وَالثَّيِّب، وَهل يتَخَلَّف الْعَرُوس فِي هَذِه الْمدَّة
عَن صَلَاة الْجَمَاعَة وَالْجُمُعَة؟ فروى ابْن الْقَاسِم
عَن مَالك أَنه لَا يتَخَلَّف عَنْهَا. وَقَالَ سَحْنُون
قد قَالَ بعض النَّاس: أَنه لَا يخرج لِأَن ذَلِك حق لَهَا
بِالسنةِ.
وَقَالَ عبْدُ الرَّزَّاقِ: أخْبرنا سفْيانُ عَن أيُّوبَ
وخالِد قَالَ خالِدٌ: ولوْ شِئْتُ قْلُتْ رفعَهُ إِلَى
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
أَي: قَالَ عبد الرَّزَّاق فِي الحَدِيث الْمَذْكُور
بِالْمَتْنِ الْمَذْكُور عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن
أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ وخَالِد الْحذاء كِلَاهُمَا عَن
أبي قلَابَة عَن أنس قَالَ: من السّنة إِلَى آخِره وَوَصله
مُسلم قَالَ: وحَدثني مُحَمَّد بن رَافع قَالَ: حَدثنَا
عبد الرَّزَّاق قَالَ: أخبرنَا سُفْيَان عَن أَيُّوب
وخَالِد الْحذاء عَن أبي قلَابَة عَن أنس قَالَ: من السّنة
أَن تقيم عِنْد الْبكر سبعا، قَالَ خَالِد: وَلَو سئت
لَقلت رَفعه إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَوْله: (رَفعه) أَي: رفع الحَدِيث أنس إِلَى النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم.
201 - (بابُ منْ طافَ علَى نِسَائهِ فِي غُسْلٍ واحِدٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من طَاف على نِسَائِهِ أَي:
جامعهن فِي غسل وَاحِد أَرَادَ بِهِ أَنه لم يغْتَسل لكل
جماع بِغسْل على حِدة.
5125 - حدّثنا عبْدُ الأعْلَى بنُ حَمَّادٍ حَدثنَا
يَزِيدُ بن زُرَيْعٍ حَدثنَا سَعِيدٌ عَن قَتَادَة أنَّ
أنس بنَ مالِك حدَّثَهُمْ أنَّ نَبيَّ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم كانَ يَطُوفُ علَى نِسائِهِ فِي
اللَّيْلَةِ الوَاحِدَةِ ولهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعُ نِسْوةٍ.
)
(20/201)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَعبد
الْأَعْلَى بن حَمَّاد بن نصر أَبُو يحيى أَصله بَصرِي سكن
بَغْدَاد، وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن زُرَيْع مصغر زرع.
والْحَدِيث مُضِيّ بأتم مِنْهُ فِي كتاب الْغسْل فِي بَاب
إِذا جَامع ثمَّ عَاد وَمن دَار على نِسَائِهِ فِي غسل
وَاحِد، وبسطنا الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (وَله تسع نسْوَة) وَتقدم هُنَاكَ وَكَانَ يَدُور
على نِسَائِهِ فِي السَّاعَة الْوَاحِدَة من اللَّيْل
وَالنَّهَار وَهن إِحْدَى عشرَة، وَجمع بَينهمَا بِأَن
أَزوَاجه كن تسعا فِي هَذ الْوَقْت وسريتاه مَارِيَة
وَرَيْحَانَة، على رِوَايَة من روى أَن رَيْحَانَة كَانَت
أمة، وروى بَعضهم أَنَّهَا كَانَت زَوْجَة، وَلَقَد سَمِعت
أساتذتي الْكِبَار رَحِمهم الله تَعَالَى، أَن كل نَبِي من
الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام أُعطي قُوَّة
أَرْبَعِينَ رجلا وَأعْطِي نَبينَا مُحَمَّد صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قُوَّة أَرْبَعِينَ نَبيا، فَتكون قوته على
هَذَا قُوَّة ألف رجل وسِتمِائَة رجل، فَانْظُر إِلَى ورعه
وَصَبره الْعَظِيم الَّذِي لم يُعْط أحد مثله كَيفَ اكْتفى
بِهَذَا الْمِقْدَار، وَانْظُر إِلَى سُلَيْمَان عَلَيْهِ
السَّلَام، حَيْثُ كَانَت لَهُ ألف امْرَأَة على مَا قيل،
مِنْهَا ثَلَاثمِائَة حرائر وَسَبْعمائة إِمَاء أما دَاوُد
عَلَيْهِ السَّلَام، فَكَانَت لَهُ مائَة امْرَأَة، وَمَعَ
هَذَا كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يطوي
الْأَيَّام لَا يَأْكُل ويواصل فِي الصَّوْم حَتَّى كَانَ
يشد الْحجر على بَطْنه وَيقوم بالليالي حَتَّى تتورم
قدماه، وَمَا هَذِه إِلَّا فَضَائِل خصّه الله بهَا وَجعله
أفضل خلقه وَسيد أنبيائه، صلوَات الله عَلَيْهِ
وَعَلَيْهِم أَجْمَعِينَ.
301 - (بابُ دُخُولِ الرَّجُلِ علَى نِسائِهِ فِي
اليَوْمِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز دُخُول الرجل على
نِسَائِهِ فِي النَّهَار، لِأَن لكل وَاحِد من نِسَائِهِ
يَوْمًا فِي الْقسم تبعا لليلته، وَكَانَ لَا يَنْبَغِي
أَن يدْخل على وَاحِدَة فِي غير يَوْمهَا، وَلَا
عَلَيْهِنَّ جَمِيعًا فِي يَوْم، وَلَكِن جوز دُخُوله
لضَرُورَة كوضع مَتَاع وَنَحْوه، وَلَا يَنْبَغِي أَن يطول
مكثه وَلَا تجب التَّسْوِيَة فِي الْإِقَامَة نَهَارا،
وَيُقَال: لَيْسَ حَقِيقَة الْقسم بَين النِّسَاء إلاَّ
فِي اللَّيْل خَاصَّة لِأَن للرجل التَّصَرُّف نَهَاره فِي
معيشته وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي أُمُوره، فَإِذا كَانَ
دُخُول امْرَأَة فِي غير يَوْمهَا دُخُولا خَفِيفا فِي
حَاجَة بَعْضهَا فَلَا خلاف بَين الْعلمَاء فِي جَوَاز
ذَلِك، وَقَالَ مَالك: لَا يَأْتِي إِلَى وَاحِدَة من
نِسَائِهِ فِي يَوْم الْأُخْرَى إلاَّ لحَاجَة أَو
عِيَادَة، نَقله ابْن الْمَوَّاز عَنهُ، وَقَالَ غَيره:
وَأما جُلُوسه عِنْدهَا ومحادثتها تلذذا فَلَا يجوز ذَلِك
عِنْدهم فِي غير يَوْمهَا.
6125 - حدّثنا فَرْوَةُ حَدثنَا علِيُّ بنُ مُسْهِرٍ عنْ
هِشامٍ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ، رَضِي الله عَنْهَا،
قالَتْ: كانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إذَا
انْصَرَفَ منَ العَصْرِ دَخَلَ عَلى نِسائِهِ يَدْنُو مِنْ
إحْدَاهُنَّ فَدَخَلَ علَى حَفْصَةَ فاحْتَبَسَ أكْثَرَ
مَا كانَ يحْتَبِسُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي دُخُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
على نِسَائِهِ فِي الْيَوْم. وفروة، بِفَتْح الْفَاء
وَسُكُون الرَّاء: ابْن أبي المغراء الْكِنْدِيّ الْكُوفِي
مَاتَ فِي سنة خمس وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ، قَالَه
البُخَارِيّ، وَعلي بن مسْهر بِضَم الْمِيم على صِيغَة
اسْم الْفَاعِل، من الإسهار بِالْمُهْمَلَةِ وَالرَّاء،
يروي عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير
عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَهَذَا طرف
من حَدِيث طَوِيل يَأْتِي فِي كتاب الطَّلَاق فِي: بَاب
{لم تحرم مَا أحل الله لَك} (التَّحْرِيم: 1) وَقَالَ ابْن
الْمُهلب: هَذَا إِنَّمَا كَانَ يَفْعَله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم نَادرا وَلم يكن يَفْعَله أَبَد الدَّهْر،
وَإِنَّمَا كَانَ يَفْعَله لما أَبَاحَ الله تَعَالَى لَهُ
بقوله: {ترجي من تشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْك من
تشَاء} (الْأَحْزَاب: 15) فَكَانَ يذكرهن بِهَذَا الْفِعْل
فِي الغب إفضاله عَلَيْهِنَّ فِي الْعدْل بَينهُنَّ
لِئَلَّا يظنون أَن الْقِسْمَة حق لَهُنَّ عَلَيْهِ،
وَأَجَازَ مَالك أَن يَأْتِي إِلَى الْأُخْرَى فِي حَاجَة
وليضع شَأْنه إِذا كَانَ على غير ميل، وَقَالَ أَيْضا: لَا
يُقيم عِنْد إِحْدَاهمَا إلاَّ من عذر، وَقَالَ ابْن
الْمَاجشون: لَا بَأْس أَن يقف بِبَاب إِحْدَاهمَا وَيسلم
من غير أَن يدْخل وَأَن يَأْكُل مِمَّا يبْعَث إِلَيْهِ.
401 - (بَاب إذَا اسْتأذَنَ الرَّجلُ نِساءَهُ فِي أنْ
يُمَرَّضَ فِي بَيْتِ بَعْضِهِنَّ فأذِنَ لهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز اسْتِئْذَان الرجل
نِسَاءَهُ فِي أَن يمرض، على صِيغَة الْمَجْهُول من
التمريض، وَهُوَ الْقيام على الْمَرِيض وتعاهد حَاله.
قَوْله: (فَأذن) بتَشْديد النُّون لِأَنَّهُ جمع مؤنث
غيبَة من الْمَاضِي.
(20/202)
7125 - حدّثنا إسْماعِيلُ قَالَ: حدّثني
سُلَيْمانُ بنُ بِلاَلٍ قَالَ هِشامُ بنُ عُرْوَةَ:
أَخْبرنِي أبي عَن عائِشَةَ، رَضِي الله عَنْهَا: أنَّ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ يَسْألُ فِي
مَرَضِهِ الَّذِي ماتَ فِيهِ: أيْنَ أَنا غَدا؟ أيْنَ أَنا
غَدا؟ يُرِيدُ يَوْمَ عائِشَةَ فأذِنَ لهُ أزْوَجُهُ
يَكُونُ حيْثُ، فَكان فِي بَيْتِ عائِشَةَ حتَّى ماتَ
عِنْدَها. قالَتْ عائِشَةُ، فَماتَ فِي اليَوْمِ الّذِي
يَدُورُ عَليَّ فِيهِ فِي بَيْتِي، فَقَبَضَهُ الله وإنَّ
رأْسَهُ لَبَيْنَ سَحْرِي ونَحْرِي، وخالَطَ رِيقُهُ
رِيقِي.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَأذن لَهُ أَزوَاجه)
وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس. والْحَدِيث قد مضى فِي:
بَاب مرض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ووفاته، بأتم
مِنْهُ بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (أَيْن أَنا غَدا؟) مُكَرر مرَّتَيْنِ وَهُوَ
اسْتِفْهَام للاستئذان مِنْهُنَّ أَن يكون عِنْد عَائِشَة،
وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَقد يحْتَج بِهَذَا على وجوب
الْقسم عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا لَو لم يجب
لم يحْتَج إِلَى الْإِذْن. قلت: لَك يكن الاسْتِئْذَان
إلاَّ لتطييب قلوبهن ومراعات خواطرهن، وإلاَّ فَلَا وجوب
عَلَيْهِ. قَوْله: (فِي الْيَوْم) أَي: فِي يَوْم نوبتي
حِين كَانَ يَدُور فِي ذَلِك الْحساب. قَوْله: (فِيهِ)
يتَعَلَّق بقوله: يَدُور، وَقَوله: (فِي بَيْتِي)
يتَعَلَّق بقوله: (فَمَاتَ وَإِن رَأسه) الْوَاو فِيهِ
للْحَال. قَوْله: (سحرِي) بِفَتْح السِّين وَسُكُون
الْحَاء الْمُهْمَلَتَيْنِ، قَالَ الْجَوْهَرِي: هِيَ
الرئة. قَوْله: (وَنَحْرِي) بِفَتْح النُّون وَسُكُون
الْحَاء هُوَ مَوضِع القلادة. قَوْله: (وخالط رِيقه)
بِالرَّفْع فَاعل على خالط. وَقَوله: (ريقي) مَفْعُوله
أَي: خالط ريق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ريقي،
ذَلِك أَنَّهَا أخذت سواكا وسوته بأسنانها وأعطته رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فاستاك بِهِ عِنْد وَفَاته
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
501 - (بابُ حُبِّ الرَّجلِ بَعْضَ نِسائِهِ أفْضَلَ منْ
بَعْضٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر حب الرجل بعض نِسَائِهِ حبا أفضل
أَي أَزِيد حبا من حب بعض وَالْحب فِي اللُّغَة خلاف
البغض، وَفِي الِاصْطِلَاح: الْحبّ ميل الْقلب وتوجهه
إِلَى شَيْء وَذكره إِيَّاه فِي أَكثر أوقاته بِلِسَانِهِ
وَذكره بِقَلْبِه.
8125 - حدّثنا عبْدُ العَزِيزِ بنُ عبْدِ الله حَدثنَا
سُلَيْمانُ عنْ يَحْيَى عنْ عُبَيْدِ بنِ حُنَيْن سمِعَ
ابنَ عبَّاسٍ عنْ عُمَرَ، رَضِي الله عَنْهُم، دخلَ علَى
حَفصَةَ فَقَالَ: يَا بُنَيَّةُ لَا يَغُرَّنَّكِ هاذِهِ
الّتي أعْجَبَها حُسْنها حُبُّ رسولِ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، إيَّاها يُرِيدُ عائِشَةَ، فَقَصَصْتُ
علَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتَبَسَّمَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (حب رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِيَّاهَا يَعْنِي: عَائِشَة)
فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُحِبهَا أَكثر
من سَائِر نِسَائِهِ وَلَا حرج على الرجل إِذا آثر بعض
نِسَائِهِ فِي الْمحبَّة إِذا سوَّى بَينهُنَّ فِي الْقسم
والمحبة مِمَّا لَا تجلب بالاكتساب وَالْقلب لَا يملكهَا
وَلَا يُسْتَطَاع فِيهِ الْعدْل، وَرفع الله عز وَجل فِيهِ
عَن عباده الْحَرج، قَالَ الله عز وَجل: {لَا يُكَلف الله
نفسا إِلَّا وسعهَا} (الْبَقَرَة: 682) وَعبد الْعَزِيز بن
عبد الله بن يحيى العامري الأويسي الْمَدِينِيّ، وَهُوَ من
أَفْرَاده، وَسليمَان هُوَ ابْن بِلَال، وَيحيى بن سعيد
الْأنْصَارِيّ، وَعبيد بن حنين مولى زيد بن الْخطاب، وحنين
مصغر حن بِالْحَاء الْمُهْملَة.
وَهَذَا طرف من حَدِيث ابْن عَبَّاس عَن عمر، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، وَقد مر فِي: بَاب موعظة الرجل ابْنَته
وَقد مر الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (يَا بنية) كَذَا هُوَ فِي الْأُصُول، وَكَذَا
رَوَاهُ أَبُو ذَر، وروى: يَا بني، مرخما وَيفتح ياؤه
وَيضم قَوْله: (أعجبها حسنها حب رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم) ويروى: وَحب رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ الْكرْمَانِي: حب، بِدُونِ الْوَاو
إِمَّا بدل أَو عطف بِتَقْدِير حرف الْعَطف عِنْد من جوز
تَقْدِيره. قلت: هَذَا بدل الْغَلَط وَلَا يَقع هَذَا فِي
الْقُرْآن وَلَا فِي الحَدِيث الصَّحِيح الفصيح،
وَالصَّوَاب أَن يُقَال: إِن قَوْله حب، مَرْفُوع على أَنه
فَاعل: أعجب، وحسنها مَنْصُوب على التَّعْلِيل،
وَالتَّقْدِير: أعجبها حب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لأجل حسنها.
601 - (بابُ المُتَشَبِّعِ بِما لَمْ يَنَلْ وَمَا يُنْهَى
مِنِ إضْجارِ الضَّرَّةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ذمّ المتشبع بِمَا لم ينل،
وَلَفظ الْبَاب مُعرب لِأَنَّهُ أضيف إِلَى المتشبع
وَسَنذكر تَفْسِيره فِي الحَدِيث. قَوْله: (وَمَا ينْهَى)
أَي: وَفِي بَيَان مَا ينْهَى. وَكلمَة: مَا مَصْدَرِيَّة
أَي: وَفِي بَيَان النَّهْي عَن إضجار الضرة أَي إِلْحَاق
الْغم والقلق إِيَّاهَا. وَفِي (الْمغرب) :
(20/203)
الضجر قلق من غم وضيق نفس مَعَ الْكَلَام.
قَالَ الْجَوْهَرِي: ضرَّة الْمَرْأَة امْرَأَة زَوجهَا.
وَقَالَ صَاحب (الْمُحكم) : الضرتان امرأتا الرجل كل
وَاحِدَة مِنْهُمَا ضرَّة لصاحبتها وَهن الضرائر.
9125 - حدّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْب حَدثنَا حَمَّادُ بن
زَيْدٍ عَن هشامٍ عنْ فاطِمَةَ عنْ أسْماءَ عنِ النبيِّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وحَدثني مُحَمَّد بنُ المُثَنَّى حَدثنَا يَحْياى عَن
هِشامٍ حدَّثَتْنِي فاطِمَةُ عنْ أسْماءَ أنَّ امْرَأةً
قالَتْ: يَا رسولَ الله {إنَّ لِي ضَرَّةً، فَهَلْ عَليَّ
جُناحٌ إنْ تَشَبَّعْتُ مِنْ زَوْجي غَيْرَ الّذِي
يُعْطِينِي؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
المُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلاَبِسِ ثَوْبِيْ
زْورٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَقَوله: (المتشبع)
يَشْمَل شطري التَّرْجَمَة.
وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة بن الزبير، وَفَاطِمَة هِيَ
بنت الْمُنْذر بن الزبير، وَأَسْمَاء هِيَ بنت أبي بكر
الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن
نمير حَدثنَا وَكِيع وَعَبدَة عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن
عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَن امْرَأَة قَالَ:
يَا رَسُول الله} أَقُول: إِن زَوجي أَعْطَانِي مَا لم
يُعْط. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
المتشبع بِمَا لم يُعْط كلابس ثوبي زور، قَالَ
الدَّارَقُطْنِيّ فِي (الْعِلَل) : عَن هِشَام عَن أَبِيه
عَن عَائِشَة: إِنَّمَا يرويهِ هَكَذَا معمر وَالْمبَارك
بن فضَالة، وَالصَّحِيح: عَن فَاطِمَة عَن أَسمَاء.
وَإِخْرَاج مُسلم حَدِيث هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة
لَا يَصح، وَالصَّوَاب حَدِيث عَبدة ووكيع وَغَيرهمَا عَن
هِشَام عَن فَاطِمَة عَن أَسمَاء. وَلما رَوَاهُ
النَّسَائِيّ فِي (سنَنه) من حَدِيث معمر عَن هِشَام عَن
أَبِيه عَن عَائِشَة، قَالَ: هَذَا خطأ وَالصَّوَاب حَدِيث
أَسمَاء. قلت: وَمُسلم أخرجه أَيْضا من حَدِيث هِشَام عَن
فَاطِمَة عَن أَسمَاء، فَيحْتَمل أَن يكون كِلَاهُمَا
صَحِيحَيْنِ عِنْده. ثمَّ إِن البُخَارِيّ أخرج هَذَا
الحَدِيث من طَرِيقين أَحدهمَا: عَن سُلَيْمَان بن حَرْب
عَن هِشَام عَن حَمَّاد بن زيد عَن فَاطِمَة عَن أَسمَاء
عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالْآخر: عَن
مُحَمَّد بن الْمثنى عَن يحيى بن سعيد الْقطَّان عَن
هِشَام بن عُرْوَة إِلَى آخِره.
قَوْله: (إِن لي ضرَّة) وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ:
إِن لي جَارة، وَهِي الضرة أَيْضا. قَوْله: (جنَاح) أَي:
إِثْم. قَوْله: (إِن تشبعت من زَوجي) أَي: قَالَت أَسمَاء
الراوية: إِن تشبعت من زَوجي الزبير بن الْعَوام؟ كَذَا
سميت الْمَرْأَة وضرتها وَبَعْضهمْ قَالَ: لم أَقف على
تعْيين هَذِه الْمَرْأَة وَزوجهَا. قَوْله: (المتشبع)
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: المتشبع المتزين بِأَكْثَرَ مِمَّا
عِنْده يتكثر بذلك ويتزين بِالْبَاطِلِ، كَالْمَرْأَةِ
تكون لَهَا ضرَّة فتشبع عِنْدهَا بِمَا تدعيه من الحظوة
عِنْد زَوجهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا عِنْده لَهَا تُرِيدُ
بذلك غيظ صَاحبهَا وَإِدْخَال الْأَذَى عَلَيْهَا،
وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الرجل، وَقَالَ النَّوَوِيّ: المتكثر
بِمَا لَيْسَ عِنْده مَذْمُوم مثل من لبس ثوبي زور، وَقيل:
هُوَ من يلبس قَمِيصًا وَاحِدًا ويصل بكميه كمين آخَرين
فَيظْهر أَن عَلَيْهِ قميصين، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي
(الْفَائِق) : المتشبه بالشبعان وَلَيْسَ بِهِ، واستعير
للتحلي بفضيلة لم يرزقها وَشبه بلابس ثوبي زور، أَي: ذِي
زور، وَهُوَ الَّذِي يزوِّر على النَّاس بأنت يتزيا بزِي
أهل الصّلاح رِيَاء، وأضاف الثَّوْبَيْنِ إِلَيْهِ
لِأَنَّهُمَا كَانَا ملبوسين لأَجله وَهُوَ المسوغ
للإضافة، وَأَرَادَ أَن المتجلي كمن لبس ثَوْبَيْنِ من
الزُّور، وَقد ارتدى بِأَحَدِهِمَا واتزر بِالْآخرِ.
كَقَوْلِه:
(إِذا هُوَ بالمجد ارتدى وتأزّرا)
وَقَالَ الْكرْمَانِي: مَعْنَاهُ الْمظهر للشبع وَهُوَ
جَائِع كالمزور الْكَاذِب الملتبس بِالْبَاطِلِ، وَشبه
الشِّبَع بِلبْس الثَّوْب بِجَامِع أَنَّهُمَا يغشيان
الشَّخْص تَشْبِيها تَحْقِيقا أَو تخييليا، كَمَا قرر
السكاكي فِي قَوْله تَعَالَى: {فأذاقها الله لِبَاس
الْجُوع وَالْخَوْف} (النَّحْل: 211) قَالَ: وَفَائِدَة
التَّشْبِيه الْمُبَالغَة إشعارا بِأَن الْإِزَار والرداء
زور من رَأسه إِلَى قدمه أَو الْإِعْلَام بِأَن فِي التشبع
حالتين مكروهتين: فقدان مَا تشبع بِهِ، وَإِظْهَار
الْبَاطِل. وَقَالَ الْخطابِيّ: هَذَا متأول على
وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن الثَّوْب مثل، وَمَعْنَاهُ:
المتشبع بِمَا لم يُعْط صَاحب زور وَكذب، كَمَا يُقَال
للرجل إِذا وصف بِالْبَرَاءَةِ من الْعُيُوب إِنَّه طَاهِر
الثَّوْب نقي الجيب، وَنَحْوه من الْكَلَام، فالثوب فِي
ذَلِك مثل، وَالْمرَاد بِهِ نَفسه وطهارتها. وَالثَّانِي:
أَن يُرَاد بِهِ نفس الثَّوْب، قَالُوا: كَانَ فِي الْحَيّ
رجل لَهُ حَبَّة حَسَنَة، فَإِذا احتاجوا إِلَى شَهَادَة
الزُّور فَيشْهد لَهُم، فيُقبل لنبله وَحسن ثَوْبه،
وَقَالَ ابْن التِّين: مَعْنَاهُ أَن الْمَرْأَة تلبس ثوب
وَدِيعَة أَو عَارِية ليظن النَّاس أَنَّهُمَا لَهَا،
فلباسها لَا يَدُوم وتفتضح بكذبها. وَقَالَ الدَّاودِيّ:
إِنَّمَا كره ذَلِك لِأَنَّهَا تدخل
(20/204)
بَين الْمَرْأَة الْأُخْرَى وَزوجهَا
الْبغضَاء فَيصير كالسحر الَّذِي يفرق بَين الْمَرْء
وزوجه. قَوْله: (بِمَا لم يُعْط) على صِيغَة الْمَجْهُول،
وَفِي رِوَايَة معمر: بِمَا لم يُعْطه، وَفِي
التَّرْجَمَة: بِمَا لم ينل، وَقَالَ ابْن الْأَثِير:
المتشبع بِمَا لَا يملك، وَالْكل مُتَقَارب فِي الْمَعْنى.
701 - (بابُ الغَيْرَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْغيرَة، بِفَتْح الْغَيْن
الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح
الرَّاء. قَالَ صَاحب (الْمُحكم) : من غَار الرجل على
امْرَأَته وَالْمَرْأَة على بَعْلهَا يغار غيرَة وغيرا
وغارا وغيارا وَرجل غيران، وَالْجمع: غيارى وغيارى وَرجل
غيور وَالْجمع غير بِضَم الْيَاء، وَمن قَرَأَ رسل قَالَ:
غير، وَيُقَال: امْرَأَة غيرى وغيور وَالْجمع كالجمع،
والمغيار شَدِيد الْغيرَة، وَفُلَان لَا يتَغَيَّر على
أَهله أَي لَا يغار. وَقَالَ الْجَوْهَرِي نَحوه إلاَّ
أَنه لم يقل فِي المصادر غيارا وَزَاد بعد قَوْله: وَرجل
مغيار وَقوم مغايير، وَزَاد صَاحب (الْمَشَارِق) فِي اسْم
الْفَاعِل مِنْهُ رجل غائر، وَقَالَ: معنى الْغيرَة تغير
الْقلب وهيجان الْغَضَب بِسَبَب الْمُشَاركَة فِي
الِاخْتِصَاص من أحد الزَّوْجَيْنِ بِالْآخرِ وتحريمه وذبه
عَنهُ، وَقَالَ صَاحب (النِّهَايَة) الْغيرَة هِيَ الحمية
والأنفة. وَقَالَ عِيَاض: الْغيرَة مُشْتَقَّة من تغير
الْقلب وهيجان الْغَضَب بِسَبَب الْمُشَاركَة فِيمَا بِهِ
الِاخْتِصَاص، وَأَشد مَا يكون ذَلِك بَين الزَّوْجَيْنِ،
هَذَا مَحَله فِي حق الْآدَمِيّ، وَأما فِي حق الله
تَعَالَى فَيَأْتِي عَن قريب فِي حَدِيث الْبَاب.
وَقَالَ ورَّادٌ عنِ المُغَيرَةِ: قَالَ سَعْدُ بنُ
عُبَادَةَ: لوْ رأيْتُ رجُلاً مَعَ امْرَأتِي لَضَرَبْتُهُ
بالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحِ، فَقَالَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: أتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟ لأَنا
أغْيَرُ مِنْهُ! وَالله أغْيَرُ مِنِّي.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. ووراد، بِفَتْح الْوَاو
وَالرَّاء الْمُشَدّدَة وبالدال الْمُهْملَة: اسْم لمولى
الْمُغيرَة بن شُعْبَة وكاتبه، وَسعد بن عبَادَة، بِضَم
الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْبَاب الْمُوَحدَة: ابْن
دليم الخزرجي السَّاعِدِيّ نقيب بني سَاعِدَة قيل: شهد
بَدْرًا وَنزل الشَّام فَأَقَامَ بحوران إِلَى أَن مَاتَ
سنة خمس عشرَة، وَقيل: قَبره بالمنيحة، فِرْيَة من قرى
غوطة دمشق.
وَوصل البُخَارِيّ هَذَا الْمُعَلق الَّذِي ذكره هُنَا
مُخْتَصرا فِي كتاب الْحُدُود: عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل
عَن أبي عوَانَة عَن عبد الْملك بن عُمَيْر عَن دَاوُد.
وَأخرجه مُسلم من حَدِيث سُلَيْمَان بن بِلَال عَن سُهَيْل
عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة.
قَوْله: (غير مصفح) بِضَم الْمِيم وَسُكُون الصَّاد
الْمُهْملَة وَفتح الْفَاء وَكسرهَا أَي: غير ضَارب بعرضه
بل بحده، تَأْكِيدًا لبَيَان ضربه بِهِ لقَتله. قَالَ
عِيَاض: فَمن فَتحه جعله وَصفا للسيف وَحَالا مِنْهُ، وَمن
كَسره جعله وَصفا للضارب وَحَالا مِنْهُ. يُقَال: أصفحت
بِالسَّيْفِ فَأَنا مصفح وَالسيف مصفح بِهِ إِذا ضربت
بعرضه، وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: أصفحت بِالسَّيْفِ إِذا
ضربت بعرضه، وَقَالَ ابْن التِّين: مصفح، بتَشْديد الْفَاء
فِي سَائِر الْأُمَّهَات، وللسيف صفحتان وهما وجهاه
العريضان، وَله حدان، فَالَّذِي يضْرب بِالْحَدِّ يقْصد
الْقَتْل، وَالَّذِي يضرف بالصفح يقْصد التَّأْدِيب.
وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم: غير مصفح عَنهُ، قَالَ بَعضهم:
هَذِه يتَرَجَّح فِيهَا كسر الْفَاء وَيجوز الْفَتْح
أَيْضا على الْبناء للْمَجْهُول. قلت: قَوْله: على الْبناء
للْمَجْهُول غلط فَاحش، وَالصَّوَاب أَن يُقَال: على
الْبناء للْمَفْعُول، وَقد يفرق بَينهمَا من لَهُ أدنى
مسكة من علم التصريف. قَوْله: (أتعجبون) ؟ الْهمزَة فِيهِ
للاستفهام يجوز أَن يكون على سَبِيل الاستخبار، وَيجوز أَن
يكون على سَبِيل الانكار، يَعْنِي: لَا تعجبوا من غيرَة
سعد وَأَنا أغير مِنْهُ، أَي من سعد، وَاللَّام فِي
قَوْله: (لأَنا) للتَّأْكِيد، وأكده بِاللَّامِ
وَبِالْجُمْلَةِ الإسمية. قَوْله: (وَالله أغير مني) قد
ذكرنَا الْآن معنى غيرَة العَبْد، وَأما معنى غيرَة الله
تَعَالَى فالزجر عَن الْفَوَاحِش وَالتَّحْرِيم لَهَا
وَالْمَنْع مِنْهَا، لِأَن الغيور هُوَ الَّذِي يزْجر
عَمَّا يغار عَلَيْهِ، وَقد بَين ذَلِك بقوله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: وَمن غيرته حرم الْفَوَاحِش، أَي: زجر
عَنْهَا وَمنع مِنْهَا. وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
غيرَة الله أَن لَا يَأْتِي الْمُؤمن مَا حرم الله
عَلَيْهِ.
وَمعنى الحَدِيث سعد: أَنا أزْجر عَن الْمَحَارِم مِنْهُ،
وَالله أزْجر مني وَاسْتدلَّ ابْن الْمَوَّاز من
الْمَالِكِيَّة بِحَدِيث سعد هَذَا أَنه إِن وَقع ذَلِك
ذهب دم الْمَقْتُول هدرا، وَسَيَأْتِي الْكَلَام فِيهِ
فِي: بَاب الْحُدُود. وَقيل: الْغيرَة محمودة ومذمومة،
وَقد جَاءَت التَّفْرِقَة بَينهمَا فِي حَدِيث جَابر بن
عتِيك وَعقبَة بن عَامر، فَحَدِيث جَابر بن عتبيك رَوَاهُ
أَحْمد فِي (مُسْنده) ، وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ
وَابْن حبَان فِي (صَحِيحه) من رِوَايَة يحيى بن أبي كثير
عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم عَن ابْن جَابر بن عتِيك
الْأنْصَارِيّ عَن جَابر بن عتِيك: أَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن من الْغيرَة مَا يُحِبهُ
الله، وَمِنْهَا مَا يبغضه
(20/205)
الله، وَإِن من الْخُيَلَاء مَا يُحِبهُ
الله وَمِنْهَا مَا ببغض الله، فَأَما الْغيرَة الَّتِي
يُحِبهَا الله فالغيرة فِي الرِّيبَة، وَأما الْغيرَة
الَّتِي يبغضها الله فالغيرة فِي غير الرِّيبَة. وَابْن
جَابر بن عتِيك هَذَا قَالَ الْمزي فِي (التَّهْذِيب)
لَعَلَّه عبد الرَّحْمَن؟ قَالَ شَيخنَا: لَيْسَ هُوَ عبد
الرَّحْمَن، وَإِنَّمَا هُوَ أَبُو سُفْيَان بن جَابر بن
عتِيك لم يسم، وَقد بَين ذَلِك ابْن حبَان فِي (صَحِيحه)
وَذكره فِي الثِّقَات، وَحَدِيث عقبَة بن عَامر، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، رَوَاهُ أَحْمد فِي (مُسْنده) قَالَ:
حَدثنَا عبد الرَّزَّاق حَدثنَا معمر عَن يحيى بن أبي كثير
عَن زيد بن سَلام عَن عبد الله بن زيد الْأَزْرَق عَن
عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: (غيرتان إِحْدَاهمَا يُحِبهَا الله
عز وَجل وَالْأُخْرَى يبغضها الله عز وَجل: الْغيرَة فِي
الرِّيبَة يُحِبهَا، والغيرة فِي غَيرهَا يبغضها الله ...
.) الحَدِيث. وَقَالَ شَيخنَا: لَكِن ذَلِك يخْتَلف
باخْتلَاف الْأَشْخَاص، فَرب رجل شَدِيد التخيل فيظن مَا
لَيْسَ بريبة رِيبَة، وَرب رجل متساهل فِي ذَلِك فَيحمل
الرِّيبَة على محمل يحسن بِهِ ظَنّه.
0225 - حدّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ حَدثنَا أبي حَدثنَا
الأعْمَشُ عنْ شقِيقٍ عنْ عبْدِ الله بن مَسْعُودٍ عنِ
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا مِنْ أحَدٍ
أغْيَرَ مِنَ الله مِنْ أجْلِ ذالِكَ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ،
وَمَا أحَدٌ أحَبَّ إلَيْهِ المَدْحُ مِنَ الله.
)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَحَفْص هُوَ ابْن غياث
وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان، وشقيق هُوَ ابْن سَلمَة،
وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّوْحِيد
بِهَذَا السَّنَد. وَأخرجه مُسلم فِي التَّوْبَة عَن
عُثْمَان ب أبي شيبَة وَغَيره وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي
التَّفْسِير عَن أبي كريب وَغَيره.
قَوْله: (مَا من أحد) كلمة: من زَائِدَة وزيادتها فِي
النَّفْي لَا خلاف فِيهِ، وَالْخلاف فِي زيادتها فِي
الْإِثْبَات. قَوْله: (أغير) أفعل التَّفْضِيل، وَقد مر
معنى الْغيرَة فِي حق الله عز وَجل وَيجوز فِي أغير
الرّفْع وَالنّصب بتاء على اللغتين الحجازية والتميمة فِي
كلمة مَا قَوْله: (من أجل ذَلِك) أَي: من أجل أَن الله
أغير من كل أحد (حرم الْفَوَاحِش) وَهُوَ جمع فَاحِشَة
وَهِي كل خصْلَة قبيحة من الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال،
وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الْفُحْش والفاحشة وَالْفَوَاحِش
فِي الحَدِيث كل مَا يشْتَد قبحه من الذُّنُوب والمعاصي،
وَكَثِيرًا مَا ترد الْفَاحِشَة بِمَعْنى الزِّنَا.
قَوْله: (مَا أحد) بِالرَّفْع لِأَنَّهُ اسْم: مَا
وَقَوله: (أحب) بِالنّصب خَبَرهَا إِن جَعلتهَا حجازية،
وترفعه على أَنه خبر لأحد إِن كَانَت تميمية. وَقَوله:
(الْمَدْح) مَرْفُوع لِأَنَّهُ فَاعل أحب. وَقَالَ
الْكرْمَانِي: وَهُوَ مثل مَسْأَلَة الْكحل، ويروى
بِالرَّفْع على إِلْغَاء عمل: مَا قيل: وَلَا يجوز أَن
يرفع أحب على أَنه خبر للمدح أَو مُبْتَدأ والمدح خَبره،
لِأَنَّك تكون حيئنذ تفرق بَين الصِّلَة والموصول بالْخبر
لِأَن من الله، صلَة أحب، وَتَمَامه: فَلَا تفرق بَين
تَمام الْمُبْتَدَأ وصلته بالْخبر الَّذِي هُوَ الْمَدْح
وَحَقِيقَة قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
وَمَا أحد أحب إِلَيْهِ الْمَدْح من الله، إِنَّه مصلحَة
للعباد لأَنهم يثنون عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
فيثيبهم فينتفعون، وَالله سُبْحَانَهُ غَنِي عَن
الْعَالمين لَا يَنْفَعهُ مدحهم وَلَا يضرّهُ تَركهم
ذَلِك.
وَفِيه: تَنْبِيه على فضل الثَّنَاء عَلَيْهِ وتسبيحه
وتهليله وتحميده وتكبيره وَسَائِر الْأَذْكَار.
1225 - حدّثنا عبْدُ الله بنُ مَسْلَمَة عنْ مالِكٍ عنْ
هِشامٍ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ، رَضِي الله عَنْهَا، أنَّ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يَا أُمَّةَ
مُحَمَّد {مَا أحَدٌ أغْيَرَ مِنَ الله أنْ يَرَى عبْدَهُ
أوْ أمَّتَهُ تَزْنِي، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ} لوْ
تَعْلَمونَ مَا أعْلَمْ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً
ولَبَكَيْتُمْ كَثِيرا.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَهَذَا حَدِيث مُخْتَصر من
حَدِيث الْكُسُوف.
وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا فِي النعوت عَن قُتَيْبَة
وَعَن مُحَمَّد بن سَلمَة.
قَوْله: (أَو أمته تَزني) ، هَكَذَا وَقع فِي صَلَاة
الْكُسُوف فِي: بَاب الصَّدَقَة فِي الْكُسُوف: (يَا أمة
مُحَمَّد! وَالله مَا من أحد أغير من الله أَن يَزْنِي
عَبده أَو تَزني أمته) قَالَ بَعضهم: الَّذِي يظْهر أَنه
من سبق الْقَلَم هُنَا، أَو لَعَلَّ لَفظه تَزني سَقَطت
هُنَا غَلطا من الأَصْل فأخرها النَّاسِخ عَن محلهَا. قلت:
لَا يحْتَاج هُنَا إِلَى نِسْبَة هَذَا إِلَى الْغَلَط
وَتصرف الناسح بِغَيْر وَجه فَإِن قَوْله: (تَزني) يجوز
فِيهِ التَّذْكِير والتأنيث، فالتذكير بِالنّظرِ إِلَى
أَنه خبر عَن العَبْد فِي الأَصْل، والتأنيث بِالنّظرِ
إِلَى أَنه خبر عَن الْأمة. قَوْله: (مَا أعلم) أَي: من
شُؤْم الزِّنَا ووخامة عاقبته، أَو مَا أعلم من أَحْوَال
الْآخِرَة وأهوالها.
(20/206)
2225 - حدّثنا مُوسى بنُ إسْماعِيلَ
حَدثنَا هَمَّامٌ عنْ يَحْيَى عنْ أبي سَلَمَةَ أنَّ
عُرْوَةَ بنَ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ عنُ أُمَّةِ أسْماءَ
أنَّها سَمِعَتْ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَقُولُ: لاَ شَيْءَ أغْيَرُ مِنَ الله؛ وعنْ يَحْيَى أنَّ
أَبَا سلَمَةَ حدَّثَهُ أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَهَمَّام هُوَ ابْن يحيى
بن دِينَار الْبَصْرِيّ، وَيحيى هُوَ ابْن أبي كثير،
وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَأَسْمَاء
هِيَ بنت أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
وَأخرجه مُسلم فِي التَّوْبَة حَدثنَا مُحَمَّد بن أبي بكر
الْمقدمِي قَالَ: حَدثنَا بشر بن الْمفضل عَن همام عَن
يحيى بن أبي كثير عَن أبي سَلمَة عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (لَا شَيْء أغير من الله)
قَوْله: (وَعَن يحيى) هُوَ مَعْطُوف على السَّنَد الَّذِي
قبله تَقْدِيره: حَدثنَا مُوسَى عَن همام عَن يحيى أَن
أَبَا سَلمَة حَدثهُ، وَأَن أَبَا هُرَيْرَة حَدثهُ أَنه
سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يسْبق هُنَا
الْمَتْن. وَأخرجه مُسلم: حَدثنَا عمر والناقد عَن
إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن عَلَيْهِ عَن حجاج بن أبي
عُثْمَان، قَالَ: قَالَ يحيى: وحَدثني أَبُو سَلمَة عَن
أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: إِن الله يغار وَإِن الْمُؤمن يغار، وغيرة الله أَن
يَأْتِي الْمُؤمن مَا حرم الله عَلَيْهِ. قَوْله: (لَا
شَيْء أغير من الله) يقْرَأ بِرَفْع الرَّاء ونصبها، فَمن
نصب جعله نعتا لشَيْء على إعرابه لِأَن شَيْئا مَنْصُوب،
وَمن رفع جعله نعتا لشَيْء قبل دُخُول لَا عَلَيْهِ
كَقَوْلِه تَعَالَى: {مالكم من إِلَه غَيره} (الْأَعْرَاف:
95 56) وَيجوز رفع شَيْء مثل: {لَا لَغْو فِيهِ} (الطّور:
32) .
3225 - حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ حَدثنَا شَيْبَانُ عنْ
يَحْيَى عنْ أبي سلَمَةَ أنَّهُ سَمعَ أَبَا هُرَيْرَةَ
رَضِي الله عنهُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أنّهُ قَالَ: إنَّ الله يَغارُ وغَيْرةُ الله أنْ يأتِيَ
المُؤْمِنَ مَا حَرَّمَ الله.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَأَبُو نعيم، بِضَم
النُّون: الْفضل بن دُكَيْن، وشيبان هُوَ النَّحْوِيّ.
قَوْله: (أَن يَأْتِي) قَالَ الغساني: فِي جَمِيع النّسخ:
أَن لَا يَأْتِي، وَالصَّوَاب أَن يَأْتِي. قَالَ
الْكرْمَانِي: لَا شكّ أَنه لَيْسَ مَعْنَاهُ أَن غيرَة
الله هُوَ نفس الْإِتْيَان أَو عَدمه، فَلَا بُد من
تَقْدِير نَحْو أَن لَا يَأْتِي أَي: غيرَة الله على
النَّهْي عَن الْإِتْيَان، أَو على عدم إتْيَان الْمُؤمن
بِهِ، وَهُوَ الْمُوَافق لما تقدم حَيْثُ قَالَ: وَمن
ذَلِك حرم الْفَوَاحِش، فَيكون مَا فِي النّسخ صَوَابا،
ثمَّ نقُول: إِن كَانَ الْمَعْنى لَا يَصح مَعَ لَا
فَذَلِك قرينَة لكَونهَا زَائِدَة نَحْو: {مَا مَنعك أَن
لَا تسْجد} (الْأَعْرَاف: 21) قَالَ الطَّيِّبِيّ: هُوَ
مُبْتَدأ وَخبر بِتَقْدِير اللَّام أَي: غيرَة الله
ثَابِتَة لأجل أَن لَا يَأْتِي.
4225 - حدّثنا مَحْمُودٌ حَدثنَا أبُو أسامَةَ حَدثنَا
هشامٌ قَالَ: أخْبَرَني أبي عنْ أسْماءَ بِنْتِ أبِي
بَكْرٍ، رَضِي الله عَنْهُمَا، قالَتْ: تَزَوَّجَنِي
الزُّبَيْرُ ومالُه فِي الأرْضِ مِنْ مالٍ ولاَ مَمْلُوكٍ
وَلَا شيْءٍ غَيْرَ ناضِجٍ وغيْرَ فَرَسِهِ، فَكنْت
أعْلِفُ فَرَسَهُ وأسْتَقِي المَاءَ وأخْرِزُ غَرْبَهُ
وأعْجِنُ ولَمْ أكُنْ أُحْسِنُ أخْبِزُ، وكانَ يخْبِزُ
جارَاتٌ لِي مِنَ الأنْصَارِ، وكُنَّ نِسْوَةَ صِدْقٍ،
وكُنْتُ أنْقُلُ النَّوى مِنْ أرْضِ الزُّبَيْرِ الّتي
أقْطَعَهُ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على رأسِي،
وهْيَ مِنِّي علَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ فَجِئْتُ يَوْما
والنَّوَى علَى رَأسِي فَلَقِيتُ رسولَ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم ومَعَهُ نَفَرٌ مِنَ الأنْصَارِ فَدَعانِي
ثُمَّ قَالَ: إخْ إخْ لِيَحْمِلَنِي خَلْفَهُ،
فاسْتَحْيَيْتُ أنْ أسِيرَ مَعَ الرِّجالِ، وذَكَرْتُ
الزُّبَيْر وغَيْرَتَهُ وكانَ أغْيَرَ النَّاسِ، فَعَرَفَ
رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنِّي قَدِ
اسْتَحْيَيْتُ فَمَضَى، فَجِئْتُ الزبَيْرَ فَقْلُتُ:
لَقِيَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وعلَى
رأسِي النَّوَى ومَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أصْحابِهِ فأناحَ
لأرْكَبَ فاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ وعَرَفْتُ غَيْرَتَكَ.
فَقَالَ: وَالله لَحَمْلُكِ النَّوَى كانَ أشَدَّ عَليَّ
مِنْ ركُوبِكِ مَعَهُ. قالَتْ: حتَّى أرسَلَ إلَيّ
(20/207)
َ أبُو بَكْرٍ بَعْدَ ذالِكَ بِخادِمٍ
يَكْفِيني سِياسَةَ الفَرَسِ فَكَأَنَّمَا أعْتَقَنِي.
(انْظُر الحَدِيث 1513)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَذكرت الزبير وغيرته)
وَفِي قَوْله: (وَعرفت غيرتك) .
ومحمود هُوَ ابْن غيلَان بالغين الْمُعْجَمَة الْمروزِي
وَأَبُو أُسَامَة هُوَ حَمَّاد بن أُسَامَة، وَهِشَام هُوَ
ابْن عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي الْخمس مُقْتَصرا على
قصَّة النَّوَى. وَأخرجه مُسلم فِي النِّكَاح عَن إِسْحَاق
بن إِبْرَاهِيم وَفِي الاسْتِئْذَان عَن أبي كريب. وَأخرجه
النَّسَائِيّ فِي عشرَة النِّسَاء عَن مُحَمَّد بن عبد
الله بن الْمُبَارك المَخْزُومِي.
قَوْله: (الزبير) هُوَ ابْن الْعَوام. قَوْله: (من مَال)
وَالْمَال فِي الأَصْل مَا يملك من الذَّهَب وَالْفِضَّة.
ثمَّ أطلق على كل مَا يقتنى وَيملك من الْأَعْيَان،
وَأكْثر مَا يُطلق المَال عِنْد الْعَرَب على الْإِبِل
لِأَنَّهَا كَانَت أَكثر أَمْوَالهم، وَالظَّاهِر أَن
المُرَاد بِالْمَالِ هُنَا الْإِبِل لِأَنَّهَا أعز
أَمْوَال الْعَرَب. قَوْله: (وَلَا مَمْلُوك) عطف خَاص على
عَام، وَالْمرَاد بِهِ العبيد وَالْإِمَاء. قَوْله: (وَلَا
شَيْء) عطف عَام على خَاص وَهُوَ يَشْمَل كل مَا يتَمَلَّك
ويتمول، لَكِن أَرَادَت إِخْرَاج مَا لَا بُد مِنْهُ من
مسكن وملبس ومطعم وَنَحْوهَا من الضروريات، وَلِهَذَا
استثنت مِنْهُ الناضح وَهُوَ الْجمل الَّذِي يَسْتَقِي
عَلَيْهِ. فَإِن قلت: الأَرْض الَّتِي أقطع رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، للزبير رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ من أعز الْأَمْوَال وأفخرها. قلت: لم تكن مَمْلُوكَة
لَهُ وَلَا يملك رقبَتهَا، وَإِنَّمَا ملك مَنْفَعَتهَا
فَلذَلِك لم تستثنها أَسمَاء، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: (فَكنت أعلف فرسه) وَزَاد مُسلم فِي رِوَايَة أبي
كريب عَن أبي أُسَامَة: وأكفيه مؤونته وأسوسه وأدق
النَّوَى وأرضخه وأعلفه، وَلمُسلم أَيْضا من طَرِيق ابْن
أبي مليكَة عَن أَسمَاء: كنت أخدم الزبير خدمَة الْبَيْت،
وَكَانَ لَهُ فرس وَكنت أسوسه فَلم يكن فِي خدمته شَيْء
أَشد عَليّ من سياسة الْفرس، كنت أحتش لَهُ فأقوم
عَلَيْهِ. قَوْله: (وأستقي المَاء) وَفِي رِوَايَة
السَّرخسِيّ: وأسقي، بِغَيْر التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق
وَهُوَ على حذف الْمَفْعُول أَي: وأسقي الْفرس أَو الناضح
المَاء وأستقي الَّذِي هُوَ من بَاب الافتعال أشمل وَأكْثر
فَائِدَة. قَوْله: (وأخرز) بخاء مُعْجمَة وَرَاء ثمَّ زَاي
من الخرز وَهُوَ الْخياطَة فِي الْجُلُود وَنَحْوهَا.
قَوْله: (غربه) بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون
الرَّاء وبالباء الْمُوَحدَة وَهُوَ الْوَلَد الْكَبِير.
قَوْله: (وَلم أكن أحسن) بِضَم الْهمزَة و (أخبز) بِفَتْح
الْهمزَة وَالْمعْنَى: وَلم أحسن أَن أخبز الْخبز قَوْله:
(وَكَانَ تخبز جارات لي) وَهُوَ جمع جَارة، فِي رِوَايَة
مُسلم: وَكَانَ يخبز لي. قَوْله: (وَكن) أَي: الجارات
(نسْوَة صدق) بِالْإِضَافَة وَالصّفة، والصدق بِمَعْنى
الصّلاح والجودة أَرَادَت كن نسَاء صالحات فِي حسن
الْعشْرَة وَالْوَفَاء بالعهد ورعاية حق الْجوَار. قَوْله:
(وَكنت أنقل النَّوَى من أَرض الزبير) وَكَانَت هَذِه
الأَرْض مِمَّا أَفَاء الله تَعَالَى على رَسُوله من
أَمْوَال بني النَّضِير وَكَانَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، أقطعه إِيَّاهَا وَكَانَ ذَلِك فِي
أَوَائِل قدوم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الْمَدِينَة. قَوْله: (وَهِي مني) أَي: الأَرْض
الْمَذْكُورَة من مَكَان سكناي (على ثُلثي فَرسَخ) والفرسخ
ثَلَاثَة أَمْيَال كل ميل أَرْبَعَة آلَاف خطْوَة. قَوْله:
(والنوى) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (إخ إخ)
بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وَهِي
كلمة تقال عِنْد إناخة الْبَعِير، وَقَالَ
الزَّمَخْشَرِيّ: نخ، مُشَدّدَة ومخففة صَوت إناخته، وهخ
واخ مثله. قَوْله: (ليحملني خَلفه) أَرَادَت بِهِ
الارتداف، وَإِنَّمَا عرض عَلَيْهَا الرّكُوب لِأَنَّهَا
ذَات محرم مِنْهُ، لِأَن عَائِشَة عِنْده، صلى الله
تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، وَهِي أُخْتهَا أَو كَانَ ذَلِك
قبل الْحجاب كَمَا فعل بِأم صبية الجهنية. قَوْله:
(فَاسْتَحْيَيْت) ، بياءين على الأَصْل، لِأَن الأَصْل
حَيّ وَفِي لُغَة: استحيت، بياء وَاحِدَة، يُقَال: اسْتَحى
واستحيى. قَوْله: (قَالَ: وَالله لحملك النَّوَى) أَي:
قَالَ الزبير لأسماء: وَالله لحملك النَّوَى، اللَّام
فِيهِ للتَّأْكِيد، وحملك مصدر مُضَاف إِلَى فَاعله،
والنوى مَفْعُوله (كَانَ أَشد عَليّ) خبر الْمُبْتَدَأ
أَعنِي: قَوْله: (لحملك) فَإِنَّهُ مُبْتَدأ. قَوْله:
(كَانَ أَشد عليَّ من ركوبك مَعَه) كَذَا فِي رِوَايَة
الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة السَّرخسِيّ: كَانَ أَشد
عَلَيْك وَلَيْسَ هَذِه اللَّفْظَة. وَفِي رِوَايَة مُسلم،
وَوجه قَول الزبير هَذَا أَنه لَا عَار فِي الرّكُوب مَعَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخِلَاف حمل النَّوَى
فَإِنَّهُ يتَوَهَّم مِنْهُ النَّاس خسة النَّفس ودناءة
الهمة، وَقلة التَّمْيِيز، وَأما عدم الْعَار فِي الرّكُوب
مَعَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا ذكرنَا عَن قريب،
وَأما وَجه صبره على ذَلِك وسكوت زَوجهَا وأبيها على ذَلِك
فلكونها مشغولين بِالْجِهَادِ وَغَيره، وَكَانَا لَا
يتفرغان للْقِيَام بِأُمُور الْبَيْت ولضيق مَا بأيديهما
عَن اسْتِخْدَام من يقوم بذلك. قَوْله: (حَتَّى أرسل
إِلَيّ) بتَشْديد الْيَاء، (وَأَبُو بكر) فَاعل أرسل.
قَوْله: (بخادم يَكْفِينِي) إِلَى آخِره، وَفِي رِوَايَة
لِابْنِ أبي مليكَة عِنْد مُسلم: جَاءَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم سبي فَأعْطَاهُ خَادِمًا، والتوفيق
بَينهمَا بِأَن السَّبي لما جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أعْطى أَبَا بكر مِنْهُ خَادِمًا ليرسله
إِلَى بنته أَسمَاء، فَصدق
(20/208)
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ
الْمُعْطِي وَلَكِن وصل إِلَيْهَا بِوَاسِطَة. فَافْهَم.
وَاسْتدلَّ قوم بِهَذِهِ الْقِصَّة، مِنْهُم أَبُو ثَوْر،
على أَن على الْمَرْأَة الْقيام بِجَمِيعِ مَا يحْتَاج
إِلَيْهِ زَوجهَا من الْخدمَة وَالْجُمْهُور أجابوا عَن
هَذَا بِأَنَّهَا كَانَت متطوعة بذلك وَلم يكن لَازِما.
5225 - حدّثنا عَلِيٌّ حَدثنَا ابنُ عُلَيَّةَ عنْ
حُمِيْدٍ عنْ أنَسٍ قَالَ: كَانَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، عِنْدَ بَعْضِ نِسائِهِ، فأرْسَلَتْ
إحْدَى أُمَّهاتِ المُؤْمِنِينَ بصَحْفَةٍ فِيها طَعامٌ،
فَضَرَبتِ الّتي النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي
بَيْتِها يَدَ الخادِمِ فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةِ
فانْفَلَقَتْ فَجَمَعَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
فِلَقَ الصَّحْفَة ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيها الطَّعَامَ
الَّذِي كانَ فِي الصَّحْفَةِ، ويَقُولُ: غارَتْ
أُمُّكُمْ، ثُمَّ حَبَسَ الخادِمَ حتَّى أُتيَ بصَحْفَةٍ
مِنْ عِنْدِ الَّتي هُوَ فِي بَيْتِها، فَدفَعَ
الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الّتِي كُسِرَتْ
صَحْفَتُها وأمَّكَ المَكْسُورَة فِي بَيْتِ الّتِي
كُسِرَتْ فِيهِ.
(انْظُر الحَدِيث 1842)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (غارت أمكُم) وَعلي هُوَ
ابْن الْمَدِينِيّ، وَابْن علية، بِضَم الْعين الْمُهْملَة
وَفتح اللَّام وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف: هُوَ
إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الْأَسدي الْبَصْرِيّ،
وَعَلِيهِ اسْم أمة كَانَت مولاة لبني أَسد، وَحميد هُوَ
ابْن أبي حميد الطَّوِيل أَبُو عُبَيْدَة الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (عِنْد بعض نِسَائِهِ) هِيَ عَائِشَة رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهَا. قَوْله: (إِحْدَى أُمَّهَات
الْمُؤمنِينَ) هِيَ زَيْنَب بنت جحش، وَقَالَ
الْكرْمَانِي: هِيَ صَفِيَّة، وَقيل؛ زَيْنَب، وَقيل: أم
سَلمَة. قَوْله: (بصحفة) هِيَ إِنَاء كالقصعة المبسوطة
وَنَحْوهَا وَيجمع على صحاف. قَوْله: (فلق الصحفة) بِكَسْر
الْفَاء وَفتح اللَّام جمع فلقَة وَهِي الْقطعَة. قَوْله:
(غارت أمكُم) الْخطاب للحاضرين وَالْمرَاد بِالْأُمِّ هِيَ
الضاربة. وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : غارت أمكُم يُرِيد
سارة لما غارت على هَاجر حَتَّى أخرج إِبْرَاهِيم
إِسْمَاعِيل، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، طفْلا
مَعَ أمه إِلَى وَاد غير ذِي زرع. ثمَّ قَالَ: أَو يُرِيد
كاسرة الصحفة وَهُوَ الْأَظْهر. قَوْله: (فَدفع الصحفة
الصَّحِيحَة) إِلَى آخِره. وَقَالَ الْكرْمَانِي:
الْقَصعَة لَيْسَ من الْمِثْلِيَّات بل هِيَ من المتقومات.
ثمَّ أجَاب بقوله: كَانَت القصعتان لرَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَلهُ التَّصَرُّف بِمَا شَاءَ فيهمَا.
قَالُوا: وَفِي الحَدِيث: إِشَارَة إِلَى عدم مُؤَاخذَة
الْغيرَة بِمَا يصدر مِنْهَا لِأَنَّهَا فِي تِلْكَ
الْحَالة يكون عقلهَا محجوبا بِشدَّة الْغَضَب الَّذِي
أثارته الْغيرَة، وَقد أخرج أَبُو يعلى بِسَنَد لَا بَأْس
بِهِ عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا مَرْفُوعا
أَن الْغيرَة لَا تبصر أَسْفَل الْوَادي من أَعْلَاهُ.
وَعَن ابْن مَسْعُود رَفعه: إِن الله كتب الْغيرَة على
النِّسَاء، فَمن صَبر مِنْهُنَّ كَانَ لَهُ أجر شَهِيد،
رَوَاهُ الْبَزَّار بِرِجَال ثِقَات.
6225 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ أبي بَكْرٍ المُقَدَّميُّ
حَدثنَا معْتَمِرٌ عنْ عُبَيْدِ الله عنْ مُحَمَّدِ بنِ
المُنكَدِرِ عنْ جابِرِ بنِ عبْد الله عَنْهُمَا، عَن
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: دَخَلْتُ
الجَنَّة أَو: أتَيْتُ الجَنةَ فأبْصَرْتُ قَصْرا.
فَقُلْتُ: لِمَنْ هاذَا؟ قالُوا: لِعُمَرَ بنِ الخَطَّاب،
فأرَدْتُ أَن أدْخُلَهُ فلَمْ يَمْنَعَنِي إلاّ عِلْمِي
بِغَيْرَتِكَ قَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: يَا رسولَ
الله! بِأبي أنْتَ وأُمِّي يَا نَبِيَّ الله أوَ علَيْكَ
أغَارُ.
(انْظُر الحَدِيث 9763)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَمُحَمّد بن أبي بكر
الْمقدمِي، بِفَتْح الدَّال الْمُشَدّدَة على صِيغَة اسْم
الْمَفْعُول من التَّقْدِيم، ومعتمر هُوَ ابْن سُلَيْمَان،
وَعبيد الله هُوَ ابْن عمر الْعمريّ.
والْحَدِيث معضى مطولا فِي مَنَاقِب عمر، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ. وَمضى شَرحه هُنَاكَ.
قَوْله: (بِأبي) ، الْبَاء مُتَعَلق بِمَحْذُوف تَقْدِيره
أَنْت مفدى بِأبي وَأمي.
وَفِيه: منقبة عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَفِيه: أَن
الْجنَّة مخلوقة.
7225 - حدّثنا عبْدَانُ أخبرنَا عبْدُ الله عنْ يُونُسَ
عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أخْبرنِي ابنُ المُسَيَّبِ عنْ
أبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: بَيْما نَحْنُ عِنْدَ رسولِ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، جُلُوسٌ فَقَالَ رَسُول الله
(20/209)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بَيْنَمَا أَنا
نائِمٌ رَأيْتَنِي فِي الجَنَّة فإذَا امْرَأةٌ تَتَوَضّأُ
إِلَى جانِبِ قِصْرٍ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ قالُوا:
هَذَا لِعُمَرَ فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ، فَوَلّيْتُ
مْدّبِرا فَبَكَى عُمرَ وهْوَ فِي المجْلِسِ. ثُمَّ قَالَ:
أوَ عَلَيْك يَا رسولَ الله أغارُ؟
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وعبدان لقب عبد الله بن
عُثْمَان بن جبلة الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن
الْمُبَارك الْمروزِي، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد
الْأَيْلِي.
والْحَدِيث مضى فِي بَاب مَا جَاءَ فِي صفة الْجنَّة،
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن سعيد بن أبي مَرْيَم عَن
اللَّيْث عَن عقيل عَن ابْن شهَاب إِلَى آخر. وَأخرجه
مُسلم فِي فَضَائِل عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، عَن حَرْمَلَة بن يحيى عَن ابْن وهب عَن يُونُس
إِلَى آخِره نَحوه.
قَوْله: (جُلُوس) جمع جَالس. قَوْله: (رَأَيْتنِي) أَي:
رَأَيْت نَفسِي قَوْله: (فَإِذا) كلمة مفاجأة قَوْله:
(تتوضأ) قَالَ الْكرْمَانِي: إِمَّا من الْوضُوء وَإِمَّا
من الوضاء. قلت: الْأَوْجه أَن يكون من الْوَضَاءَة على
مَا لَا يخفى، وَذكر ابْن قُتَيْبَة فِي قَوْله: (فَإِذا
امْرَأَة تتوضأ إِلَى جَانب قصر) فَإِذا امْرَأَة شوهاء
إِلَى جَانب قصر من حَدِيث ابْن شهَاب عَن سعيد بن
الْمسيب، وَفَسرهُ، وَقَالَ: الشوهاء الْحَسَنَة الرائعة،
حَدثنِي بذلك أَبُو حَاتِم عَن أبي عُبَيْدَة، قَالَ:
وَيُقَال: فرس شوهاء، وَلَا يُقَال: فرس أشوه، وَقَالَ فِي
(الْمطَالع) : رجل أشوه وَامْرَأَة شوهاء، يَعْنِي قبيحة
قَالَ: وَيُقَال أَيْضا: الْحَسَنَة، وَهُوَ من الأضداد.
والشوهاء أَيْضا الواسعة الْفَم، وَأَيْضًا الصَّغِيرَة
الْفَم. وَقَالَ ابْن بطال: يشبه أَن تكون هَذِه
الرِّوَايَة هِيَ الصَّوَاب، وتتوضأ تَصْحِيف لِأَن الْحور
طاهرات فَلَا وضوء عَلَيْهِنَّ، فَلذَلِك كل من دخل
الْجنَّة لَا يلْزمه طَهَارَة وَلَا عبَادَة، وحروف شوهاء
يُمكن تصحيفها بحروف تتوضأ، لقرب صور بَعْضهَا من بعض.
وَقَالَ ابْن التِّين: تتوضأ، قيل: إِنَّهَا تَصْحِيف
لِأَن الْجنَّة لَا تَكْلِيف فِيهَا، وَفِيمَا قَالَه ابْن
بطال نظر لِأَن أحدا مَا ادّعى أَن عَلَيْهِنَّ الْوضُوء،
وَمن ادّعى أَن كل من دخل الْجنَّة يلْزمه طَهَارَة أَو
عبَادَة فَلم لَا يجوز أَن يصدر عَن أحد من أهل الْجنَّة
عبَادَة بِاخْتِيَارِهِ مَا شَاءَ من أَنْوَاع
الْعِبَادَة. قَالَ عز وَجل: {وَلَكِن فِيهَا مَا تشْتَهي
أَنفسكُم} (فصلت: 13) وَيرد كَلَام ابْن التِّين أَيْضا
بِمَا ذكراناه.
801 - (بابُ غَيْرَةِ النِّساءِ ووَجْدِهِنَّ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان غيرَة النِّسَاء، وَقد مر
تَفْسِيرهَا. قَوْله: (ووجدهن) بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون
الْجِيم قَالَ الْكرْمَانِي: أَي غضبهن وحزنهن، وَقَالَ
الْجَوْهَرِي: وجد عَلَيْهِ فِي الْغَصْب موجدة، وَوجد فِي
الْحزن وجدا بِالْفَتْح، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: يُقَال:
وجدت بفلانة إِذا أحببتها حبا شَدِيدا، وَلم يبين حكم
الْبَاب لاخْتِلَاف ذَلِك بختلاف الْأَحْوَال والأشخاص.
157 - (حَدثنَا عبيد بن إِسْمَاعِيل حَدثنَا أَبُو
أُسَامَة عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة رَضِي الله
عَنْهَا قَالَت قَالَ لي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنِّي لأعْلم إِذا كنت عني راضية
وَإِذا كنت عَليّ غَضبى قَالَت فَقلت من أَيْن تعرف ذَلِك
فَقَالَ أما إِذا كنت عني راضية فَإنَّك تَقُولِينَ لَا
وَرب مُحَمَّد وَإِذا كنت عَليّ غَضبى قلت لَا وَرب
إِبْرَاهِيم قَالَت قلت أجل وَالله يَا رَسُول الله مَا
أَهجر إِلَّا اسْمك) مطابقته للشطر الثَّانِي من
التَّرْجَمَة وَعبيد بن إِسْمَاعِيل الْهَبَّاري الْقرشِي
الْكُوفِي واسْمه فِي الأَصْل عبد الله وَأَبُو أُسَامَة
حَمَّاد ابْن أُسَامَة يروي عَن هِشَام عَن أَبِيه عُرْوَة
بن الزبير عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي فضل عَائِشَة عَن أبي كريب عَن
أُسَامَة قَوْله حَدثنَا عبيد وَفِي رِوَايَة أبي ذَر
حَدثنِي بِالْإِفْرَادِ قَوْله إِنِّي لأعْلم إِلَى آخِره
فِيهِ أَنه يعلم أَن الْمَرْأَة هَل هِيَ راضية على
زَوجهَا أَو غَضبى عَلَيْهَا بِحَالِهَا من فعلهَا
وَقَوْلها قَوْله وَرب إِبْرَاهِيم إِنَّمَا ذكرت
إِبْرَاهِيم دون غَيره من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم
الصَّلَاة وَالسَّلَام وَلِأَنَّهُ أولى النَّاس بِهِ
كَمَا نَص عَلَيْهِ الْقُرْآن وَفِيه دلَالَة على فطنة
عَائِشَة وَقُوَّة ذكائها قَوْله " أجل " أَي نعم قَوْله
مَا أَهجر إِلَّا اسْمك قَالَ الطَّيِّبِيّ رَحمَه الله
هَذَا الْحصْر فِي غَايَة من اللطف لِأَنَّهَا أخْبرت إِذا
كَانَت فِي غَايَة الْغَضَب الَّذِي يسلب الْعَاقِل
اخْتِيَاره لَا يغيرها عَن كَمَال الْمحبَّة
(20/210)
المستغرقة ظَاهرهَا وباطنها الممتزجة
بروحها وَإِنَّمَا عبرت عَن التّرْك بالهجران لتدل بِهِ
على أَنَّهَا تتألم من هَذَا التّرْك الَّذِي لَا
اخْتِيَار لَهَا فِيهِ قَالَ الشَّاعِر
(إِنِّي لأمنحك الصدود وإنني ... قسما إِلَيْك مَعَ الصدود
لأميل)
وَقَالَ الْمُهلب قَوْلهَا مَا أَهجر إِلَّا اسْمك يدل على
أَن الِاسْم من المخلوقين غير الْمُسَمّى وَلَو كَانَ عين
الْمُسَمّى وهجرت اسْمه لهجرته بِعَيْنِه وَيدل على ذَلِك
أَن من قَالَ أكلت اسْم الْعَسَل لَا يفهم مِنْهُ أَنه أكل
الْعَسَل وَإِذا قلت لقِيت اسْم زيد لَا يدل على أَنه
لَقِي زيدا وَإِنَّمَا الِاسْم هُوَ الْمُسَمّى فِي الله
عز وَجل وَحده لَا فِيمَا سواهُ من المخلوقين لمباينته عز
وَجل وأسمائه وَصِفَاته حكم أَسمَاء المخلوقين وصفاتهم
انْتهى وَالتَّحْقِيق فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أَن قَوْلهم
الِاسْم هُوَ الْمُسَمّى على معَان ثَلَاثَة. الأول مَا
يجْرِي مجْرى الْمجَاز وَالثَّانِي مَا يجْرِي مجْرى
الْحَقِيقَة. وَالثَّالِث مَا يجْرِي مجْرى الْمَعْنى
فَالْأول نَحْو قَوْلك رَأَيْت جملا يتَصَوَّر من هَذَا
الِاسْم فِي نفس السَّامع مَا يتَصَوَّر من الْمُسَمّى
الْوَاقِع تَحْتَهُ لَو شَاهده فَلَمَّا نَاب الِاسْم من
هَذَا الْوَجْه مناب الْمُسَمّى فِي التَّصَوُّر وَكَانَ
التَّصَوُّر فِي كل وَاحِد مِنْهُمَا شَيْئا وَاحِدًا
صَحَّ أَن يُقَال أَن الِاسْم هُوَ الْمُسَمّى على ضرب من
التَّأْوِيل وَإِن كُنَّا لَا نشك فِي أَن الْعبارَة غير
الْمعبر عَنهُ وَالثَّانِي أَكثر مَا يتَبَيَّن فِي
الْأَسْمَاء الَّتِي تشتق للمسمى من معَان مَوْجُودَة
فِيهِ قَائِمَة بِهِ كَقَوْلِنَا لمن وجدت مِنْهُ
الْحَيَاة حَيّ وَلمن وجدت مِنْهُ الْحَرَكَة متحرك فالاسم
فِي هَذَا النَّوْع لَازم للمسمى يرْتَفع بارتفاعه وَيُوجد
بِوُجُودِهِ الثَّالِث الْعَرَب تذْهب بِالِاسْمِ إِلَى
الْمَعْنى الْوَاقِع تَحت التَّسْمِيَة فَيَقُولُونَ هَذَا
مُسَمّى زيد أَي اسْم هَذَا الْمُسَمّى بِهَذِهِ
اللَّفْظَة الَّتِي هِيَ الزَّاي وَالْيَاء وَالدَّال
وَيَقُولُونَ فِي الْمَعْنى هَذَا اسْم زيد فيجعلون
الِاسْم والمسمى فِي هَذَا الْبَاب مترادفين على الْمَعْنى
الْوَاقِع تَحت التَّسْمِيَة كَمَا جعلُوا الِاسْم
وَالتَّسْمِيَة مترادفين على الْعبارَة
9225 - حدّثني أحْمَدُ بنُ أبي رَجَاء حَدثنَا النَّضْرُ
عنْ هِشامٍ، قَالَ: أَخْبرنِي أبي عنْ عائِشَةَ أَنَّهَا
قالَتْ: مَا غرْتُ علَى امْرَأةٍ لِرسُولِ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم كَما غِرْتُ علَى خدِيجَة لِكَثْرَةُ
ذِكْرِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إيَّاها
وثَنائِهِ عَلَيْها، وقَدْ أُوحِيَ إِلَى رسولِ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ يُبَشِّرَها بِبَيْتٍ لَها فِي
الجنّةِ مِنْ قَصَبٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأحمد بن أبي رَجَاء ضد
الْخَوْف وَاسم أبي رَجَاء عبد الله بن أَيُّوب
الْحَنَفِيّ الْهَرَوِيّ، وَالنضْر، بِفَتْح النُّون
وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة: هُوَ ابْن شُمَيْل،
وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن
الزبير عَن عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ.
والْحَدِيث قد مر بطرق كَثِيرَة فِي: بَاب تَزْوِيج
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَدِيجَة، وَمر
الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (من قصب) وَهُوَ أنابيب من جَوْهَر.
901 - (بابُ ذَبِّ الرَّجُلِ عنِ ابْنَتِهِ فِي الغَيْرَةِ
والإنْصاف)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ذب الرجل بِالذَّالِ
الْمُعْجَمَة، أَي: دَفعه على ابْنَته الْغيرَة، وَفِي
بَيَان الانصاف لَهَا، والإنصاف من أنصف إِذا عدل، يُقَال:
أنصفه من نَفسه وانتصفت أَنا مِنْهُ وتناصفوا أَي: أنصف
بَعضهم بَعْضًا من نَفسه.
0325 - حدّثنا قُتَيْبَةُ حدَّثنا الليْثُ عنِ ابنِ أبي
مُلَيْكَةَ عنِ المِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ:
سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ،
وهْوَ عَلى المِنْبَر: إنَّ بَنِي هِشامِ بنِ المُغَيْرَةِ
اسْتَأْذَنُوا فِي أنْ يُنْكِحُوا ابْنَتَهُمْ علِيَّ بنَ
أبي طالِبٍ، فَلَا آذَنُ، ثُمَّ لَا آذَنُ، ثُمَّ لَا
آذَنُ إلاّ أنْ يُرِيدَ ابنْ أبِي طالِبٍ أنْ يُطَلِّقَ
ابْنَتِي ويَنْكِحَ ابْنَتَهُمْ، فَإِنَّمَا هيَ بَضْعَةٌ
مِنِّي يُرِيبُنِي مَا أرَابها ويؤذِيني مَا آذَاها.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ الْإِخْبَار عَن
ذب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن ابْنَته
فَاطِمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، فِي الْغيرَة
والإنصاف لَهَا.
وَابْن أبي مليكَة وَهُوَ عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن
أبي مليكَة اسْم أبي مليكَة زُهَيْر بن عبد الله
التَّيْمِيّ الْأَحول الْمَكِّيّ القَاضِي على عهد ابْن
الزبير، والمسور كسر الْمِيم وَسُكُون السِّين
الْمُهْملَة: ابْن مخرمَة، بِفَتْح الميمين وَسُكُون
الْخَاء
(20/211)
الْمُعْجَمَة ابْن نَوْفَل الزُّهْرِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي مَنَاقِب فَاطِمَة، رَضِي الله
عَنْهَا، وَسَيَجِيءُ فِي الطَّلَاق أَيْضا. وَأخرجه
بَقِيَّة الْجَمَاعَة أَيْضا وَهنا كَذَا رَوَاهُ اللَّيْث
وَتَابعه عَمْرو بن دِينَار وَغير وَاحِد وَخَالفهُم
أَيُّوب فَقَالَ: عَن ابْن أبي مليكَة عَن عبد الله بن
الزبير أخرجه التِّرْمِذِيّ، وَقَالَ: حسن، وَذكر
الِاخْتِلَاف فِيهِ، ثمَّ قَالَ: يحْتَمل أَن يككون ابْن
أبي مليكَة حمله عَنْهُمَا.
قَوْله: (وَهُوَ على الْمِنْبَر) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال
قَوْله: (إِن بني هِشَام) ، وَقع فِي رِوَايَة مُسلم:
هَاشم بن الْمُغيرَة، وَالصَّوَاب: هِشَام. لِأَنَّهُ جد
المخطوبة. وَبَنُو هِشَام هم أعماهم بنت أبي جهل،
لِأَنَّهُ أَبُو الحكم عَمْرو بن هِشَام بن الْمُغيرَة،
وَقد أسلم أَخَوَاهُ الْحَارِث بن هِشَام وَسَلَمَة بن
هِشَام عَام الْفَتْح وَحسن إسلامهما، وَمِمَّنْ يدْخل فِي
إِطْلَاق بني هِشَام بن الْمُغيرَة عِكْرِمَة بن أبي جهل
بني هِشَام جد المخطوبة، وَقد أسلم أَيْضا وَحسن
إِسْلَامه. قَوْله: (اسْتَأْذنُوا) ، فِي رِوَايَة
الْكشميهني: اسْتَأْذنُوا فِي أَن ينكحوا ابنتهم عَليّ بن
أبي طَالب، وَجَاء أَن عليا رَضِي الله عَنهُ اسْتَأْذن
بِنَفسِهِ على مَا أخرجه الْحَاكِم بِإِسْنَادِهِ صَحِيح
إِلَى سُوَيْد بن غَفلَة، قَالَ: خطب عَليّ بنت أبي جهل
إِلَى عَمها الْحَارِث بن هِشَام، فَاسْتَشَارَ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: عَن حسبها تَسْأَلنِي؟
فَقَالَ: لَا، وَلَكِن أتأمرني بهَا، قَالَ: لَا، فَاطِمَة
بضعَة مني وَلَا أَحسب إلاَّ أَنَّهَا تحزن أَو تجزع.
فَقَالَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: لَا آتِي
شَيْئا تكرههُ. وَاسم المخطوبة جويرة أَو العوراء أَو
جميلَة. قَوْله: (لَا آذن) ، ذكر ثَلَاثَة مَرَّات
تَأْكِيدًا. قَوْله: (إلاَّ أَن يُرِيد ابْن أبي طَالب)
هُوَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَكَأَنَّهُ كره
ذَلِك من عَليّ، فَلذَلِك لم يقل عَليّ بن أبي طَالب.
وَفِي رِوَايَة الزُّهْرِيّ أَيْضا: وَإِنِّي لست أحرم
أحرم حَلَالا وَلَا أحلل حَرَامًا، وَلَكِن وَالله لَا
تَجْتَمِع بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبنت
عَدو الله أبدا. وَفِي رِوَايَة مُسلم مَكَانا وَاحِدًا
أبدا، وَفِي رِوَايَة شُعَيْب عِنْد رجل وَاحِد. قَوْله:
(بضعَة) ، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الضَّاد
الْمُعْجَمَة أَي: قِطْعَة، وَوَقع فِي رِوَايَة سُوَيْد
بن غَفلَة مُضْغَة، بِضَم الْمِيم وبالغين الْمُعْجَمَة.
قَوْله: (يريبني مَا أرابها) بِضَم الْيَاء ن أراب يريب،
وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم: يرئبني من رأب ثلاثي، يُقَال:
أرأبني فلَان إِذا رأى مني مَا يكرههُ، وَهَذَا لُغَة
هُذَيْل أَعنِي: بِزِيَادَة الْألف فِي أول ماضيه، وَزَاد
فِي رِوَايَة الزُّهْرِيّ: وَأَنا أَتَخَوَّف أَن يفتن فِي
دينهَا يَعْنِي أَنَّهَا لَا تصبر على الْغيرَة فَيَقَع
مِنْهَا فِي حق زَوجهَا فِي حَال الْغَضَب مَا لَا يَلِيق
بِحَالِهَا فِي الدّين، وَفِي رِوَايَة شُعَيْب: وَأَنا
أكره أَن يسوءها أَي: تَزْوِيج غَيرهَا عَلَيْهَا. قَوْله:
(وَيُؤْذِينِي مَا أذاها) فِي رِوَايَة أبي حَنْظَلَة:
(فَمن آذاها فقد آذَانِي) ، وَفِي حَدِيث عبد الله بن
الزبير: يُؤْذِينِي مَا آذاها وينصبني مَا أنصبها، من
النَّصب بنُون وصاد مُهْملَة وباء مُوَحدَة وَهُوَ
التَّعَب وَالْمَشَقَّة.
وَفِيه: تَحْرِيم أدنى أَذَى من يتَأَذَّى النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم بتأذيه. وَفِيه: بَقَاء الْعَار
الْحَاصِل للآباء فِي أَعْقَابهم لقَوْله: بنت عَدو الله.
وَفِيه: إكرام من ينتسب إِلَى الْخَيْر أَو الشّرف أَو
الدّيانَة.
011 - (بابٌ يَقِلُّ الرِّجالُ ويَكْثُرُ النِّساءُ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: يقل الرِّجَال وَيكثر
النِّسَاء، يَعْنِي: فِي آخر الزَّمَان.
وَقَالَ أبُو مُوسَى عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وتَرَى الرَّجُلَ الوَاحِدَ يَتْبَعُهُ أرْبَعُونَ
امْرَأةً يَلُذْنَ بِهِ مِنْ قِلّةِ الرِّجالِ وكَثْرَةِ
النِّساءِ.
أَبُو مُوسَى عبد الله قيس الْأَشْعَرِيّ، وَهَذَا
التَّعْلِيق مضى مَوْصُولا فِي كتاب الزَّكَاة فِي: بَاب
الصَّدَقَة قبل الرَّد. قَوْله: (أَرْبَعُونَ امْرَأَة) ،
هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره:
أَرْبَعُونَ نسْوَة، وَهُوَ خلاف الْقيَاس. قَوْله: (يلذن)
من لَاذَ يلوذ لوذا بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة إِذا التجأ
بِهِ وانضم واستغاث، وَذَلِكَ إِمَّا لكونهن نِسَاءَهُ
وسرايره، وَقيل: من الْبَنَات وَالْأَخَوَات وشبههن من
الْقرَابَات، وَتَكون قلَّة الرِّجَال من اشتداد الْفِتَن
وترادف المحن فيقل الرِّجَال.
1325 - حدّثنا حَفْصُ بنْ عُمَرَ الحَوْضِيُّ حَدثنَا
هِشامٌ عنْ قَتادَةَ عَن أنَسٍ، ري الله عَنهُ، قَالَ: ل
أُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثا سَمِعْتُهُ مِنْ رسولِ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يُحَدِّثُكُمْ بِهِ أحَدٌ غيْرِي،
مِعْتُ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: إنَّ
مِنْ أشْرَاطِ السَّاعَةِ أنْ يُرفَعَ العِلْمُ ويَكْثُرَ
الجَهْلُ ويَكْثُرَ الزِّنا ويَكْثُرَ شُرْبُ الخَمْرِ
ويَقِلَّ الرِّجالُ ويَكْثُرَ النِّساءُ حتَّى يَكُونَ
لِخَمْسِينَ امْرَأةً الْقَيِّمُ الوَاحِدُ.
(20/212)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والحوضي نِسْبَة إِلَى
حَوْض دَاوُد وَهِي محلّة بِبَغْدَاد، وَدَاوُد هُوَ ابْن
الْمهْدي الْمَنْصُور، وَهِشَام هُوَ الدستوَائي فِي
رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي أَحْمد
الْجِرْجَانِيّ: همام، وَقَالَ الغساني: وَالْأول
هوالمحفوظ، وَهِشَام وَهَمَّام كِلَاهُمَا من شُيُوخ حَفْص
بن عمر شيخ البُخَارِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب رفع الْعلم
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُسَدّد عَن يحيى عَن شُعْبَة
عَن قَتَادَة عَن أنس الخ نَحوه.
قَوْله: (حَتَّى يكون لخمسين امْرَأَة) ، (فَإِن قلت) فِي
الحَدِيث السَّابِق أَرْبَعُونَ؟ قلت: الْأَرْبَعُونَ
دَاخل فِي الْخمسين، وَقيل: الغدد غير مُرَاد، بل المُرَاد
الْمُبَالغَة فِي كَثْرَة النِّسَاء بِالنِّسْبَةِ إِلَى
الرِّجَال، وَقيل: الْأَرْبَعُونَ عدد من يلذن بِهِ،
وَالْخَمْسُونَ عدد من يتبعنه وَهُوَ أَعم من أَن يلذن
بِهِ. قَوْله: (الْقيم) ، أَي: الَّذِي يقوم بأمورهن
ويتولى مصالحهن، قيل: يحْتَمل بَان يكنى بِهِ عَن اتباعهن
لَهُ لطلب النِّكَاح حَلَالا أَو حَرَامًا. |