عمدة القاري شرح صحيح البخاري

86 - (كتابُ الطلاَقِ)

أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَحْكَام الطَّلَاق وأنواعه، وَوجه الْمُنَاسبَة بَين الْكِتَابَيْنِ ظَاهر إِذْ الطَّلَاق يعقب النِّكَاح فِي الْوُجُود، فَكَذَلِك فِي وضع الْأَحْكَام فيهمَا. وَالطَّلَاق اسْم للتطليق كالسلام اسْم للتسليم، يُقَال: طلق يُطلق تطليقا، وَطلقت بِفَتْح اللَّام تطلق طَلَاقا فَهِيَ طَالِق وطالقة أَيْضا. وَقَالَ الْأَخْفَش: لَا يُقَال: طلقت، بِالضَّمِّ وَطلقت أَيْضا بِضَم أَوله وَكسر اللَّام الثَّقِيلَة، فَإِن خففت فَهُوَ خَاص بِالْولادَةِ، والمضارع فيهمَا بِضَم اللَّام، والمصدر فِي الْولادَة: طلق، بِسُكُون اللَّام فَهِيَ طَالِق فيهمَا. وَمعنى الطَّلَاق فِي اللُّغَة: رفع الْقَيْد مُطلقًا، مَأْخُوذ من إِطْلَاق الْبَعِير وَهُوَ إرْسَاله من عقاله، وَفِي الشَّرْع: رفع قيد النِّكَاح وَيُقَال: حل عقدَة التَّزْوِيج.

1 - (بَاب وقوْلِ الله تَعَالَى: { (65) يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقْتُم النِّسَاء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا الْعدة أحصيناه حفظناه وعددناه} (الطَّلَاق: 1) أحْصَيْناهُ حَفِظْناهُ وعَدَدْناهُ.)

وَقَول الله، بِالْجَرِّ عطف على قَوْله: الطَّلَاق قَوْله: {يَا أَيهَا النَّبِي} خطاب للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِلَفْظ الْجمع تَعْظِيمًا،. أَو على إِرَادَة ضم أمته، إِلَيْهِ وَالتَّقْدِير: يَا أَيهَا النَّبِي وَأمته (إِذا طلّقْتُم النِّسَاء) أَي إِذا أردتم تطليق النِّسَاء (فطلقوهن لعدتهن) يَعْنِي: طلقوهن مستقبلات لعدتهن. كَقَوْلِك: آتِيَة لليلة بقيت من الْمحرم أَي: مُسْتَقْبلا لَهَا، وَالْمرَاد أَن يُطَلِّقهُنَّ فِي طهر لم يجامعهن فِيهِ ثمَّ يخلين حَتَّى تَنْقَضِي عدتهن، وَهَذَا أحسن الطَّلَاق وَأدْخلهُ فِي السّنة وأبعده من النَّدَم. وَقَالَ النَّسَفِيّ (فطلقوهن لعدتهن) وَهُوَ أَن يطلقهَا ثَلَاثًا من غير جماع. وَقيل: طلقوهن لطهرهن الَّذِي يحصينه من عدتهن وَلَا تطلقوهن لحيضهن الَّذِي لَا يعتدن بِهِ من قرئهن، وَهَذَا للمدخول بهَا، لِأَن من لم يدْخل بهَا لَا عدَّة عَلَيْهَا.
وَاخْتلف الْمُفَسِّرُونَ فِيمَن نزلت هَذِه الْآيَة، فَقَالَ الواحدي:

(20/225)


عَن قَتَادَة عَن أنس قَالَ: طلق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَفْصَة فَأنْزل الله عز وَجل قَوْله تَعَالَى: قَوْله: {يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقْتُم النِّسَاء} (الطَّلَاق: 1) الْآيَة. وَقيل لَهُ: رَاجعهَا فَإِنَّهَا صَوَّامَة قوامه، وَهِي من إِحْدَى أَزوَاجك ونسائك فِي الْجنَّة. وَقَالَ السّديّ: نزلت فِي عبد الله بن عمر، وَذَلِكَ أَنه طلق امْرَأَته حَائِضًا، فَأمره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُرَاجِعهَا. وَقَالَ مقَاتل: نزلت فِي عبد الله بن عمر وَعقبَة بن عَمْرو الْمَازِني، وطفيل بن الْحَارِث بن الْمطلب، وَعَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ، وَفِي (تَفْسِير ابْن عَبَّاس) : قَالَ عبد الله: وَذَلِكَ أَن عمر وَنَفَرًا مَعَه من الْمُهَاجِرين كَانُوا يطلقون بِغَيْر عدَّة ويراجعون بِغَيْر شُهُود، فَنزلت وَالطَّلَاق أبْغض الْمُبَاحَات وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن من أبْغض الْحَلَال إِلَى الله الطَّلَاق، وَقَالَ: تزوجوا وَلَا تطلقوا فَإِن الطَّلَاق يَهْتَز مِنْهُ الْعَرْش، وَقَالَ: لَا تطلقوا النِّسَاء إلاَّ من رِيبَة فَإِن الله لَا يحب الذواقين وَلَا يحب الذواقات، وَقَالَ: مَا حلف بِالطَّلَاق وَلَا اسْتحْلف بِهِ إلاَّ مُنَافِق.
وطَلاَقُ السُّنَّةِ أنح يُطَلِّقبَها طاهِرا مِنْ غَيْرِ جِماعٍ، ويُشْهِدَ شاهِدَيْنِ
أَي: الطَّلَاق السّني أَن يُطلق امْرَأَته حَالَة طَهَارَتهَا عَن الْحيض، وَلَا تكون مَوْطُوءَة فِي ذَلِك الطُّهْر وَأَن يشْهد شَاهِدين على الطَّلَاق، فمفهومه: أَنه إِن طَلقهَا فِي الْحيض أَو فِي طهر وَطئهَا فِيهِ أَو لم يشْهد يكون طَلَاقا بدعيا. وَاخْتلفُوا فِي طَلَاق السّنة، فَقَالَ مَالك: طَلَاق السّنة أَن يُطلق الرجل امْرَأَته فِي طهر لم يسمهَا فِيهِ تَطْلِيقَة وَاحِدَة ثنم يَتْرُكهَا حَتَّى تَنْقَضِي الْعدة بِرُؤْيَة أول الدَّم من الْحَيْضَة الثَّالِثَة. وَهُوَ قَول اللَّيْث وَالْأَوْزَاعِيّ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: هَذَا حسن من الطَّلَاق، وَله قَول آخر، وَهُوَ: مَا إِذا أَرَادَ أَن يطلقهَا ثَلَاثًا طَلقهَا عِنْد كل طهر طَلْقَة وَاحِدَة من غير جماع، وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَأَشْهَب، وَزعم المرغيناني أَن الطَّلَاق على ثَلَاثَة أوجه عِنْد أَصْحَاب أبي حنيفَة: حسن وَأحسن وبدعي، فَالْأَحْسَن أَن يطلقهَا وَهِي مَدْخُول بهَا تَطْلِيقَة وَاحِدَة فِي طهر لم يُجَامِعهَا فِيهِ وَيَتْرُكهَا حَتَّى تَنْقَضِي عدتهَا، وَالْحسن وَهُوَ طَلَاق السّنة وَهُوَ أَن يُطلق الْمَدْخُول بهَا ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَة أطهار، والبدعي أَن يطلقهَا ثلاقا بِكَلِمَة وَاحِدَة، أَو ثَلَاثًا فِي طهر وَاحِد، فَإِذا فعل ذَلِك وَقع الطَّلَاق وَكَانَ عَاصِيا.

1525 - حدّثنا إسْماعِيلُ بنُ عبْدِ الله قَالَ: حدّثني مالِكٌ عنْ نافِعٍ عنْ عبدِ الله بنِ عُمَر رَضِي الله عَنْهُمَا، أنَّهُ طَلَّقَ امْرَأتَهُ وهْيَ حائِضٌ علَى عَهْدِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَسَأَلَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عنْ ذَلك؟ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مُرْهُ فلْيُرَاجِعْها ثُمَّ لِيُمْسِكْها حتَّى تَطْهَرُ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهَرُ ثُمَّ إنْ شاءَ أمْسَكَ بَعْدُ، وإنْ شاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أنْ يَمَسَّ فَتِلْكَ العِدَّةُ الَّتي أمَرَ الله أَن تُطَلَّقَ لَهَا النِّساء.

إِسْمَاعِيل بن عبد الله هُوَ إِسْمَاعِيل بن أبي أويس ابْن أُخْت مَالك بن أنس.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الطَّلَاق عَن يحيى بن يحيى عَن مَالك وَأخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا عَن القعْنبِي عَن مَالك. وَأخرج النَّسَائِيّ أَيْضا فِيهِ عَن مُحَمَّد بن سَلمَة عَن ابْن الْقَاسِم.
قَوْله: (طلق امْرَأَته) وَهِي آمِنَة بنت غفار، بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْفَاء، قَالَه النَّوَوِيّ فِي (تهذيبه) وَقيل: بنت عمار، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْمِيم، وَوَقع فِي (مُسْند أَحْمد) أَن اسْمهَا نوار، وَيُمكن الْجمع بَينهمَا بِأَن يكون اسْمهَا: آمِنَة ونوار لقبها، وآمنة بِهَمْزَة مَفْتُوحَة ممدودة وَمِيم مَكْسُورَة وَنون، ونوار بنُون مَفْتُوحَة. قَوْله: (وَهِي حَائِض) ، قيل: هَذِه جملَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر، فالمطابقة بَينهمَا شَرط. وَأجِيب بِأَن الصّفة إِذا كَانَت خَاصَّة بِالنسَاء فَلَا حَاجَة إِلَيْهَا، وَفِي رِوَايَة قَاسم بن إصبغ من طَرِيق عبد الحميد بن جَعْفَر عَن نَافِع عَن ابْن عمر: أَنه طلق امْرَأَته وَهِي فِي دَمهَا حَائِض، وَعند الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق مَيْمُون بن مهْرَان عَن ابْن عمر: أَنه طلق امْرَأَته فِي حَيْضهَا وَأخرج الطَّحَاوِيّ هَذَا الحَدِيث من ثَمَان طرق صِحَاح. مِنْهَا: عَن نصر بن مَرْزُوق وَابْن أبي دَاوُد كِلَاهُمَا عَن عبد الله بن صَالح عَن اللَّيْث عَن عقيل عَن ابْن شهَاب عَن سَالم بن عبد الله عَن عبد الله بن عمر أخبرهُ: أَنه طلق امْرَأَته وَهِي حَائِض فَذكر ذَلِك عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتغيظ عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لتراجعها ثمَّ

(20/226)


ليمسكها حَتَّى تطهر ثمَّ تحيض فَتطهر، فَإِن بدا لَهُ أَن يطلقهَا فَلْيُطَلِّقهَا طَاهِرا قبل أَن يَمَسهَا، فَتلك الْعدة كَمَا أَمر الله) قَوْله: (على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي فِي زَمَنه وأيامه، كَذَا وَقع هَذَا فِي رِوَايَة مَالك، وَكَذَا وَقع عِنْد مُسلم فِي رِوَايَة أبي الزبير عَن ابْن عمر، وَأكْثر الروَاة لم يذكرُوا هَذَا لِأَن قَوْله فَسَأَلَهُ عمر عَن ذَلِك يُغني عَن هَذَا. قَوْله: (فَسَأَلَ عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك) ، أَي: عَن حكم طَلَاق ابْنه عبد الله على هَذَا الْوَجْه، وَوَقع فِي رِوَايَة ابْن أبي ذِئْب عَن نَافِع: فَأتى عمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر لَهُ ذَلِك، أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة مُسلم فِي رِوَايَة يُونُس بن عبيد عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن يُونُس بن جُبَير. قَوْله: (مره) أَي: مر عبد الله.
اخْتلفُوا فِي معنى هَذَا الْأَمر، فَقَالَ مَالك: هَذَا للْوُجُوب وَمن طلق زَوجته حَائِضًا أَو نفسَاء فَإِنَّهُ يجْبر على رَجعتهَا فسوى دم النّفاس بِدَم الْحيض، وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر، وَهُوَ قَول الْكُوفِيّين: يُؤمر برجعتها وَلَا يجْبر على ذَلِك، وحملوا الْأَمر فِي ذَلِك على النّدب ليَقَع الطَّلَاق على سنة. وَفِي (التَّوْضِيح) : وهم من قَالَ: إِن قَوْله: (مره فَلْيُرَاجِعهَا) من كَلَام ابْن عمر لَا من كَلَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِأَن صَرِيح فِيهِ وَقَول بَعضهم: إِنَّه أَمر عمر لِابْنِهِ أغرب مِنْهُ، وَهَهُنَا مَسْأَلَة أصولية، وَهِي أَن الْأَمر بِالْأَمر بالشَّيْء: هَل هُوَ أَمر بذلك الشَّيْء أم لَا، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: مره، فَأمره بِأَن يَأْمر بأَمْره حَكَاهَا ابْن الْحَاجِب، فَقَالَ: الْأَمر بِالْأَمر بالشَّيْء لَيْسَ أمرا بذلك الشَّيْء، وَقَالَ الرَّازِيّ: الْأَمر بِالْأَمر بالشي أَمر بالشَّيْء وبسطها فِي الْأُصُول.
قَوْله: (فَلْيُرَاجِعهَا) فِي رِوَايَة أَيُّوب عَن نَافِع: فَأمره أَن يُرَاجِعهَا، وَفِي رِوَايَة لمُسلم: فَرَاجعهَا عبد الله كَمَا أمره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاخْتلف فِي وجوب الرّجْعَة فَذهب إِلَيْهِ مَالك وَأحمد فِي رِوَايَة، وَالْمَشْهُور عَنهُ، وَهُوَ قَول الْجُمْهُور: إِنَّهَا مُسْتَحبَّة، وَذكر صَاحب (الْهِدَايَة) أَنَّهَا وَاجِبَة لوُرُود الْأَمر بهَا. قَوْله: {ليمسكها} أَي: ليستمر بهَا فِي عصمته حَتَّى تطهر ثمَّ تحيض ثمَّ تطهر، وَفِي رِوَايَة عبيد الله بن عمر عَن نَافِع: ثمَّ لِيَدَعْهَا حَتَّى تطهر ثمَّ تحيض حَيْضَة أُخْرَى، فَإِذا طهرت فَلْيُطَلِّقهَا، وَنَحْوه فِي رِوَايَة اللَّيْث وَأَيوب عَن نَافِع، وَكَذَا عِنْد مُسلم فِي رِوَايَة عبد الله بن دِينَار. قَوْله: (إِن شَاءَ أمسك بعد) أَي: بعد الطُّهْر من الْحيض الثَّانِي قَوْله: (قبل أَن يمس) أَي: قبل أَن يُجَامع. قَوْله: (فَتلك الْعدة الَّتِي أَمر الله تَعَالَى) أَي بقوله: {فطلقوهن لعدتهن} (الطَّلَاق: 1) وَقَالَ الْكرْمَانِي: اللَّام بِمَعْنى: فِي يَعْنِي فِي يعْنى فِي قَوْله: أَن يُطلق لَهَا النِّسَاء. قلت: لَا نسلم أَن اللَّام هَهُنَا بِمَعْنى الظّرْف لِأَن مَعَانِيهَا الَّتِي جَاءَت لَيْسَ فِيهَا مَا يدل على كَونهَا ظرفا بل اللَّام هُنَا للاستقبال كَمَا فِي قَوْلهم: تأهب للشتاء، وكما فِي قَوْلهم: لثلاث بَقينَ من الشَّهْر، أَي مُسْتَقْبلا لثلاث، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي قَوْله تَعَالَى: {فطلقوهن لعدتهن} يَعْنِي: مستقبلات لعدتهن.
ويستنبط من هَذَا الحَدِيث أَحْكَام: الأول: أَن الطَّلَاق فِي الْحيض محرم وَلكنه وَاقع، وَذكر عِيَاض عَن الْبَعْض أَنه لَا يَقع. قلت: هُوَ قَول الظَّاهِرِيَّة، وروى مثل ذَلِك عَن بعض التَّابِعين وَهُوَ شذوذ لم يعرج عَلَيْهِ أصلا. الثَّانِي: أَن الْأَمر فِيهِ بالرجعة على الْوُجُوب أم لَا؟ . وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب. الثَّالِث: يُسْتَفَاد مِنْهُ أَن طَلَاق السّنة أَن يكون فِي طهر الرَّابِع: قَوْله: (فَلْيُرَاجِعهَا) دَلِيل على أَن الطَّلَاق غير الْبَائِن لَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى رضَا الْمَرْأَة. الْخَامِس: فِيهِ دَلِيل على أَن الرّجْعَة تصح بالْقَوْل، وَلَا خلاف فِيهِ. وَأما بِالْفِعْلِ فَفِيهِ خلاف، فَأَبُو حنيفَة أثْبته، وَالشَّافِعِيّ نَفَاهُ. السَّادِس: اسْتدلَّ بِهِ أَبُو حنيفَة أَن من طلق امْرَأَته وَهِي حَائِض أَثم وَيَنْبَغِي لَهُ أَن يُرَاجِعهَا، فَإِن تَركهَا حَتَّى مَضَت الْعدة بَانَتْ مِنْهُ بِطَلَاق، وَفِي هَذَا الْموضع كَلَام كثير جدا، فَمن أَرَادَ الْوُقُوف عَلَيْهِ فَليُرَاجع إِلَى (شرحنا لمعاني الْآثَار للطحاوي) رَحمَه الله تَعَالَى.

2 - (بابٌ إذَا طُلِّقَتِ الحائِضُ يُعْتَدُّ بِذَلِكَ الطّلاَقِ)

أَي: هَذَا بَاب فِيهِ إِذا طلقت الْمَرْأَة وَهِي حَائِض يعْتَبر ذَلِك الطَّلَاق، وَعَلِيهِ أجمع أَئِمَّة الْفَتْوَى من التَّابِعين وَغَيرهم، وَقَالَت الظَّاهِرِيَّة والخوارج والرافضة لَا يَقع، وَحكى عَن ابْن علية أَيْضا.

2525 - حدّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ حَدثنَا شُعْبَةُ عنْ أنَس بنِ سِيرِينَ قَالَ: سَمِعْتُ ابنَ عْمَرَ قَالَ: طَلّقَ ابنُ عُمَرَ امْرَأتَهُ وهْيَ حائِضٌ، فَذَكَرَ عُمَرُ لِلنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: لُيَراجِعْها قُلْتُ: تُحْتَسَبُ؟ قَالَ: فَمَهْ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأنس بن سِيرِين هُوَ أَخُو مُحَمَّد بن سِيرِين.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الطَّلَاق عَن مُحَمَّد بن الْمثنى

(20/227)


وَعَن آخَرين.
قَوْله: (ليراجعها) دَلِيل على وُقُوع الطَّلَاق فِي الْحيض. قَوْله: (قلت: تحتسب) الْقَائِل أنس بن سِيرِين، وَتحْتَسب على صِيغَة الْمَجْهُول، أَي: تحتسب طَلْقَة من عدد الطلقات؟ (قَالَ: فَمه) أَي: قَالَ ابْن عمر: فِيهِ أَصله فَمَا للاستفهام وأبدل الْألف: خاء أَي، فَمَا يكون إِن لم تحتسب طَلْقَة؟ وَيحْتَمل أَن يكون كلمة: مَه، للكف والزجر أَي: انزجر عَنهُ فَإِنَّهُ لَا شكّ فِي وُقُوع الطَّلَاق. وَكَونه محسوبا فِي عدد الطلقات،.
وَقَالَ عبد الْحق: روى ابْن وهب عَن ابْن أبي ذِئْب أَن نَافِعًا أخبرهُ عَن ابْن عمر أَنه طلق امْرَأَته وَهِي حَائِض، فَسَأَلَ عمر عَن ذَلِك، فَقَالَ: مره فَلْيُرَاجِعهَا ثمَّ يمْسِكهَا ... الحَدِيث، وَفِي آخِره: وَهِي وَاحِدَة، وَكَذَلِكَ ذكره الدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: هِيَ وَاحِدَة، وَبِهَذَا رد عبد الْحق على ابْن حزم فِي قَوْله: إِنَّه لَا يحْتَسب من الطَّلَاق. قَالَ: فَهَذَا نَص فِي مَوضِع الْخلاف، وَلَيْسَ فِي مَا تقدم من الْكَلَام شَيْء يصلح أَن يعود عَلَيْهِ الضَّمِير إِلَّا الطَّلَاق الْمُتَقَدّم. وَقَالَ ابْن حزم: لَعَلَّ قَوْله: وَهِي وَاحِدَة، لَيْسَ من كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ عبد الْحق: كَيفَ هَذَا وَفِي الحَدِيث: فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ وَقَالَ ابْن حزم: أَو يكون معنى قَوْله: وَهِي وَاحِدَة أَي: وَاحِدَة أَخطَأ فِيهَا ابْن عمر أَو قَضِيَّة وَاحِدَة لَازِمَة لكل مُطلق قَالَ عبد الْحق: وَيَكْفِي فِي هَذَا التَّأْوِيل سَمَاعه، وَلَو فعل هَذَا غَيره لقام وَقعد.
وعَنْ قَتَادَةَ عنْ يُونُسَ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عُمَرَ، قَالَ: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْها قُلْتُ: تُحْتَسَبُ؟ قَالَ: أرَأيْتَ إنْ عَجَزَ واسْتَحْمَقَ؟ .
هُوَ مَعْطُوف على قَوْله: عَن أنس بن سِيرِين فَهُوَ مَوْصُول. وَيُونُس بن جُبَير، بِضَم الْجِيم وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آُر الْحُرُوف وَفِي آخِره رَاء: أَبُو غلاب، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد اللَّام وبالباء الْمُوَحدَة: الْبَاهِلِيّ الْبَصْرِيّ، مَاتَ قبل أنس وَأوصى أَن يُصَلِّي عَلَيْهِ أنس.
قَوْله: (قلت تحتسب؟) الْقَائِل يُونُس بن جُبَير، وَهِي على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (أَرَأَيْت؟) هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: أرأيته؟ وَقَالَ الْخطابِيّ: يُرِيد: (أَرَأَيْت إِن عجز واستحمق؟) أَي: أيسقط عَجزه وحمقه حكم الطَّلَاق الَّذِي أوقعه فِي الْحيض؟ وَهَذَا من الْمَحْذُوف الْجَواب الَّذِي يدل عَلَيْهِ الفحوى. وَقَالَ النَّوَوِيّ: أفيرتفع عَنهُ الطَّلَاق وَإِن عجز واستحمق؟ وَهُوَ اسْتِفْهَام إنكاري، وَتَقْدِيره: نعم، يحْتَسب وَلَا يمْنَع احتسابها لعَجزه وحماقته، وَالْقَائِل لهَذَا الْكَلَام هُوَ ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، صَاحب الْقِصَّة وبريد بِهِ نَفسه، وَإِن أعَاد: الضَّمِير بِلَفْظ الْغَيْبَة، وَقد جَاءَ فِي رِوَايَة مُسلم أَن ابْن عمر قَالَ: مَالِي لَا أَعْتَد بهَا وَإِن كنت عجزت واستحمقت؟ وَقَالَ القَاضِي: أَي: إِن عجز عَن الرّجْعَة، وَفعل فعل الأحمق. وَقَالَ الْكرْمَانِي: يحْتَمل أَن يكون كلمة ... أَن نَافِيَة أَي: مَا عجز ابْن عمر، وَمَا استحمق يَعْنِي: لَيْسَ طفْلا وَلَا مَجْنُونا حَتَّى لَا يَقع طَلَاقه وَالْعجز لَازم الطِّفْل، والحمق لَازم الْجُنُون وَهُوَ من إِطْلَاق اللَّازِم وَإِرَادَة الْمَلْزُوم، وَأَن يكون مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة، لَو صحت الرِّوَايَة بِالْفَتْح فَالْمَعْنى أظهر، وَقَالَ ابْن الخشاب: التَّاء فِي استحمق مَفْتُوحَة وَالْمعْنَى: فعل فعلا يصير بِهِ أَحمَق عَاجِزا، فَيسْقط عَنهُ عَجزه وحمقه حكم الطَّلَاق، وَهَذِه الْمَادَّة، أَعنِي: مَادَّة الاستفعال، إِشَارَة إِلَى أَنه تكلّف الْحمق بِمَا فعله من تطليق امْرَأَته، وَهِي حَائِض. قيل: قد وَقع فِي بعض الْأُصُول بِضَم التَّاء، أَعنِي على صِيغَة الْمَجْهُول، أَي أَن النَّاس استحمقوه بِمَا فعل. وَقَالَ الْمُهلب: معنى قَوْله: (إِن عجز واستحمق) يَعْنِي فِي الْمُرَاجَعَة الَّتِي أَمر بهَا عَن إِيقَاع الطَّلَاق أَو فقد عقله فَلم يكن مِنْهُ الرّجْعَة، أتبقى الْمَرْأَة معلقَة لَا ذَات بعل وَلَا مُطلقَة؟ وَقد نهى الله عز وَجل عَن ذَلِك، فَلَا بُد أَن يحْتَسب بِتِلْكَ التطليقة الَّتِي أوقعهَا على غير وَجههَا، كَمَا أَنه لَو عجز عَن فرض آخر لله تَعَالَى فَلم يقمه واستحمق فَلم يَأْتِ بِهِ مَا كَانَ يعْذر بذلك، وَسقط عَنهُ.

3525 - حدّثنا وَقَالَ أَبُو مَعْمَر: حدَّثنا عبْدُ الوَارثِ حدَّثنا أيُّوبُ عَنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عُمَرَ قَالَ: حُسِبَتْ عَلَيَّ بِتَطْلِيقَةٍ.
(انْظُر الحَدِيث 8094)
أَبُو معمر بِفَتْح الميمين عبد الله بن عَمْرو الْمنْقري الْبَصْرِيّ المقعد، كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، قَالَ أَبُو معمر: وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: حَدثنَا أَبُو معمر، وَلَيْسَ هَذَا الحَدِيث فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ أصلا، وَعبد الْوَارِث بن سعيد وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ. قَوْله: (حسبت) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (عَليّ) بتَشْديد الْيَاء الْمَفْتُوحَة. وَأخرج هَذَا الْمُعَلق أَبُو نعيم من طَرِيق عبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث عَن أَبِيه مثل مَا أخرجه البُخَارِيّ مُخْتَصرا، وَزَاد يَعْنِي: حِين طلق امْرَأَته، فَسَأَلَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ ابْن

(20/228)


حزم: حسبت عَليّ تَطْلِيقَة، لم يُصَرح فِيهِ من الَّذِي هُوَ حسبها عَلَيْهِ، وَلَا حجَّة فِي أحد دون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَأجِيب بِأَن هَذَا مثل قَول الصَّحَابِيّ: أمرنَا فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، هَكَذَا فَإِنَّهُ ينْصَرف إِلَى من لَهُ الْأَمر حِينَئِذٍ، وَهُوَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قيل: مَحل هَذَا لَا يكون فِيهِ اطلَاع صَرِيح من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على ذَلِك، وَفِي قصَّة ابْن عمر هَذِه، النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ الْآمِر بالمراجعة، فَهَذِهِ أقوى من قَول الصَّحَابِيّ: أمرنَا فِي عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِكَذَا، مَعَ أَن فِيهِ خلافًا، وَلَا يتَوَهَّم فِي ابْن عمر أَنه يفعل فِي الْقِصَّة شَيْئا بِرَأْيهِ، مَعَ أَن الدَّارَقُطْنِيّ خرّج من طَرِيق زيد بن هَارُون عَن ابْن أبي ذِئْب وَابْن إِسْحَاق جَمِيعًا عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: هِيَ وَاحِدَة.

3 - (بابُ مَنْ طَلَّقَ، وهَلْ يُوَاجِهُ الرَّجُلُ امْرَأتَهُ بالطّلاَقِ؟)

أَي: هَذَا بَاب وَهُوَ مُشْتَمل على جزأين: أَحدهمَا: قَوْله: (من طلق) وَهَذَا كَلَام لَا يُفِيد، إلاَّ بِتَقْدِير شَيْء، فَقَالَ بَعضهم: كَأَن البُخَارِيّ قصد إِثْبَات مَشْرُوعِيَّة جَوَاز الطَّلَاق، وَحمل حَدِيث: أبْغض الْحَلَال إِلَى الله الطَّلَاق، على مَا إِذا وَقع من غير سَبَب. قلت: هَذَا بعيد جدا، فَكيف قَوْله: من يُطلق، على هَذَا الْمَعْنى؟ وَلِهَذَا حذف ابْن بطال هَذَا من التَّرْجَمَة لِأَنَّهُ لم يظْهر لَهُ معنى، وعَلى تَقْدِير وجوده يُمكن أَن يُقَال: تَقْدِيره: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من طلق امْرَأَته هَل يُبَاح لَهُ ذَلِك؟ وَلم يذكر جَوَابه، وَهُوَ: نعم يُبَاح ذَلِك، لِأَن الله عز وَجل شرع الطَّلَاق كَمَا شرع النكاج. الْجُزْء الثَّانِي: وَهُوَ قَوْله: (وَهل يواجه الرجل امْرَأَته بِالطَّلَاق) وَهَذَا الِاسْتِفْهَام مَعْطُوف على الِاسْتِفْهَام الَّذِي قدرناه، وَلم يذكر جَوَابه أَيْضا، اعْتِمَادًا على مَا يفهم من حَدِيث الْبَاب.

4525 - حدّثنا الحُمَيْدِيُّ حَدثنَا الولِيدُ حَدثنَا الأوْزَاعِيُّ قَالَ: سألْتُ الزُّهْرِيَّ أيُّ أزْوَاجِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتَعَاذَتْ مِنْهُ؟ قَالَ: أخبرَني عُرْوَةُ عنْ عائِشَةَ، رَضِي الله عَنْهَا، أنَّ ابْنَةَ الجَوْن لمّا أُدْخِلَتْ علَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ودَنا مِنْها، قالَتْ: أعْوذُ بِاللَّه مِنْكَ. فَقَالَ لَها: لَقَدْ عُذْتِ بِعَظِيمٍ، الحَقِي بأهْلِكِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تؤخذه من قَوْله: (إلحقي بأهلك) لِأَنَّهُ كِنَايَة عَن الطَّلَاق، وَقد واجهها النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك، فَدلَّ على أَنه يجوز، وَلَكِن تَركه أرْفق وألطف، إلاَّ أَن احْتِيجَ إِلَى ذَلِك.
والْحميدِي هُوَ عبد الله بن الزبير بن عِيسَى مَنْسُوب إِلَى حميد أحد أجداده، والوليد هُوَ ابْن مُسلم الدِّمَشْقِي، وَالْأَوْزَاعِيّ عبد الرَّحْمَن بن عمر، وَالزهْرِيّ مُحَمَّد بن مُسلم.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي النِّكَاح أَيْضا عَن حُسَيْن بن حُرَيْث وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ أَيْضا عَن دُحَيْم.
قَوْله: (إِن ابْنة الجون) ، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْوَاو وَفِي آخِره نون: اسْمهَا أُمَيْمَة، وَقَالَ الْكرْمَانِي مصغر الْأمة قلت: مصغر الْأمة أُميَّة وَهَذِه أُمَيْمَة مصغر أمة بِضَم الْهمزَة وَتَشْديد الْمِيم وَقع فِي (كتاب الصَّحَابَة) لأبي نعيم: عَن عَائِشَة أَن عمْرَة بنت الجون تعوذت من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حِين أدخلت عَلَيْهِ، وَفِي سَنَده عبيد بن الْقَاسِم مَتْرُوك، وَقيل: اسْمهَا أَسمَاء بنت كند الْجَوْنِية، رَوَاهُ يُونُس عَن ابْن إِسْحَاق، وَقَالَ ابْن عبد الْبر: أَجمعُوا على أَنه تزوج أَسمَاء بنت النُّعْمَان بن أبي الجون بن شرَاحِيل، وَقيل: أَسمَاء بنت الْأسود بن الْحَارِث بن النُّعْمَان الكندية، وَاخْتلفُوا فِي فراقها، فَقيل: لما دخلت عَلَيْهِ دَعَاهَا فَقَالَت: تعال أَنْت، وأبت أَن تَجِيء، وَزعم بَعضهم أَنَّهَا استعاذت مِنْهُ فَطلقهَا، وَقيل بل كَانَ بهَا وضح كوضح العامرية، فَفعل بهَا كَفِعْلِهِ بهَا، وَقيل: المستعيذة امْرَأَة من بلعنبر من سبي ذَات الشقوق، بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وبالقافين أولاهما مَضْمُومَة، وَهِي اسْم منزل بطرِيق مَكَّة، وَكَانَت جميلَة فخافت نساؤه أَن تغلبهن عَلَيْهِ، فَقُلْنَ لَهَا: إِنَّه يُعجبهُ أَن تقولي أعوذ بِاللَّه مِنْك. وَقَالَ ابْن عقيل: نكح صلى الله عَلَيْهِ وَسلم امْرَأَة من كِنْدَة وَهِي الشقية، فَسَأَلته أَن يردهَا إِلَى أَهلهَا فَردهَا إِلَى أَهلهَا مَعَ أبي أسيد، فَتَزَوجهَا المُهَاجر بن أبي أُميَّة، ثمَّ خلف عَلَيْهَا قيس بن مكشوح.
وَفِي (الِاسْتِيعَاب) : تزوج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عمْرَة بنت يزِيد الْكلابِيَّة، فَبَلغهُ أَن بهَا بَيَاضًا فَطلقهَا، وَقيل: إِنَّهَا هِيَ الَّتِي تعوذت مِنْهُ. وَذكر الرشاطي أَن أَبَاهَا وصفهَا لسيدنا رَسُول الله، فَقَالَ: وَأَزِيدك أَنَّهَا لم تمرض قطّ. فَقَالَ: مَا لهَذِهِ عِنْد الله خير قطّ، فَطلقهَا وَلم يبين عَلَيْهَا. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة معمر بن الْمثنى: بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا أسيد السَّاعِدِيّ ليخطب عَلَيْهِ هِنْد بنت يزِيد بن البرصاء، فَقدم بهَا عَلَيْهِ، فَلَمَّا بنى عَلَيْهَا وَلم يكن رَآهَا رأى بهَا بَيَاضًا فَطلقهَا، وَذكر الشهرستاني: تزوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاطِمَة بنت الضَّحَّاك الْكلابِيَّة، فَلَمَّا خير نِسَاءَهُ اخْتَارَتْ قَومهَا فَكَانَت تلقط البعر

(20/229)


وَتقول: أَنا الشقية.
قَوْله: (لقد عذت) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة من العوذ وَهُوَ الالتجاء. قَوْله: (بعظيم) أَي: بِرَبّ عَظِيم. قَوْله: (إلحقي) بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون اللَّام من اللحوق، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: اخْتلفُوا فِي قَول إلحقي بأهلك وَشبهه من كنايات الطَّلَاق، فَقَالَت طَائِفَة، يَنْوِي فِي ذَلِك فَإِن أَرَادَ طَلَاقا، وَإِن لم يردهُ لم يلْزمه شَيْء، هَذَا قَول الثَّوْريّ وَأبي حنيفَة، قَالَا: إِذا نوى وَاحِدَة أَو ثَلَاثًا فَهُوَ مَا نوى، وَإِن نوى ثِنْتَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَة، وَقَالَ مَالك: إِن أَرَادَ بِهِ الطَّلَاق فَهُوَ مَا نوى وَاحِدَة أَو ثِنْتَيْنِ أَو ثَلَاثًا، وَإِن لم يرد شَيْئا فَلَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ الْحسن وَالشعْبِيّ: إِذا قَالَ: إلحقي بأهلك، أَو: لَا سَبِيل عَلَيْك أَو: الطَّرِيق لَك وَاسع إِن نوى طَلَاقا فَهِيَ وَاحِدَة وَإِلَّا فَلَيْسَ بِشَيْء.
قَالَ أبُو عبْدِ الله: روَاهُ حَجَّاجُ بنُ أبي مَنِيعٍ عنْ جَدِّهِ عنِ الزّهْرِيِّ أنَّ عُرْوَةَ أخْبَرَهُ أنَّ عائِشَةَ قالَتْ.
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه وَلَيْسَ بموجود فِي بعض النّسخ. قَوْله: (رَوَاهُ) أَي: روى الحَدِيث الْمَذْكُور حجاج ابْن أبي منيع، بِفَتْح الْمِيم وَكسر النُّون وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره عين مُهْملَة، وَهُوَ حجاج بن يُوسُف بن أبي منيع، وَاسم أبي منيع عبيد الله بن أبي زِيَاد الْوَصَّافِي بِفَتْح الْوَاو وَتَشْديد الصَّاد الْمُهْملَة وبالفاء، وَكَانَ يكون بحلب، وَلم يخرج لَهُ البُخَارِيّ إلاَّ مُعَلّقا، وَكَذَا لجده، وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ يَعْقُوب بن سُفْيَان النسوى فِي مشيخته، وَلَيْسَ فِيهِ ذكر للجونية إِنَّمَا فِيهِ: أَنَّهَا كلابية، وَقَالَ: حَدثنَا حجاج بن أبي منيع عبيد الله بن أبي زِيَاد بحلب، حَدثنَا جدي عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: تزوج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعَالِيَة بنت ظبْيَان بن عَمْرو، من بني أبي بكر بن كلاب، فَدخل بهَا فَطلقهَا، وَقَالَ حجاج: حَدثنَا جدي حَدثنَا مُحَمَّد بن مُسلم أَن عُرْوَة أخبرهُ أَن عَائِشَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت: فَدلَّ الضَّحَّاك بن سُفْيَان من بني أبي بكر بن كلاب عَلَيْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ: بيني وَبَينهَا الْحجاب يَا رَسُول الله، هَل لَك فِي أُخْت أم شبيب؟ قَالَت: وَأم شبيب امْرَأَة الضَّحَّاك.

5525 - حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا عبدُ الرَّحْمنِ بنُ غَسِيلٍ عنْ حَمْزَةَ بنِ أبي أُسَيْدٍ عنْ أبي أُسَيْدٍ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: خَرَجْنَا معَ النبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حتَّى انْطَلَقْنَا إِلَى حائَطٍ يُقالُ لهُ الشَّوْظ حتَّى انْتَهَيْنا إِلَى حائِطَيْنِ فَجَلَسْنَا بَيْنَهُما، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اجْلِسُوا هاهُنا، ودَخَلَ وقَدْ أُتِيَ بالجَوْنِيّةِ فأُنْزِلَتْ فِي بَيْتٍ فِي نَخْلٍ فِي بَيْتِ أُمَيْمَةَ بِنْتِ النُّعْمَانِ بنِ شَرَاحِيلَ وَمَعَها دايَتُها حاضِنَةٌ لَها، فَلمَّا دَخَلَ علَيْها النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: هَبِي نَفْسَكِ لي: قالَتْ: وهَلْ تَهَبُ المَلِكةُ نَفْسَها لِلسُّوقَةِ؟ قَالَ: فأهْوَى بِيَدِهِ يَضَعُ يَدَهُ عَلَيْها لَتَسْكُنَ، فَقَالَتْ أعُوذُ بِاللَّه مِنْكَ فَقَالَ: قَدْ عُذْتِ بِمعاذٍ ثُمَّ خَرَجَ علَيْنا فَقَالَ: يَا أَبَا أُسَيْد! إكسُها رازقِيَّيْنِ وألحِقْها بِأَهْلِهَا.
(انْظُر الحَدِيث 5525 طرفه فِي: 7525)
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يواجه الْجَوْنِية الْمَذْكُورَة فِي الحَدِيث بقوله الحقي بأهلك، وَإِنَّمَا قَالَ لأبي أسيد: (ألحقها بِأَهْلِهَا) . والترجمة بالاستفهام من غير تعْيين شَيْء من أَمر المواجهة وَعدمهَا، وَقد ذكرنَا أَنه يحْتَمل الْوَجْهَيْنِ، غير أَن ترك المواجهة أرْفق وألطف، وَهَهُنَا الْمُطَابقَة فِي ترك المواجهة. فَافْهَم.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: كَيفَ دلّ الحَدِيث على التَّرْجَمَة إِذْ لَا طَلَاق إِذْ لم يكن ثمَّة عقد نِكَاح، إِذا مَا وهبت نَفسهَا وَلم يكن أَيْضا بالمواجهة إِذْ قَالَ بعد الْخُرُوج: (ألحقها بِأَهْلِهَا؟) قلت: لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُزَوّج من نَفسه بِلَا إِذن الْمَرْأَة ووليها، وَكَانَ صُدُور قَوْله: (هبي بِنَفْسِك لي) مِنْهُ لاستماله خاطرها وَأما حِكَايَة المواجهة فقد ثبتَتْ فِي الحَدِيث السَّابِق بقوله: الْحق بأهلك، وَأمره أَبَا أسيد بالإلحاق بعد الْخُرُوج لَا يُنَافِيهِ، بل يعضده انْتهى. قلت: هَذَا كُله كَلَام لَا طائل تَحْتَهُ، لِأَن سُؤَاله أَولا بقوله: إِذْ لَا طَلَاق، إِلَى: وَلم يكن أَيْضا بالمواجهة، غير موجه لِأَنَّهُ كَانَ من الْمَعْلُوم قطعا أَن الَّذِي ذكره فِي الْجَواب من خَصَائِصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يَقع سُؤَاله فِي مَحَله، وَكَذَلِكَ قَوْله وَأما حِكَايَة المواجهة ... الخ غير وَاقع فِي مَحَله، لِأَن ثُبُوت المواجهة فِي الحَدِيث السَّابِق لَا يسْتَلْزم المواجهة فِي هَذَا الحَدِيث، فَكيف يثبت بِهَذَا الْكَلَام الْمُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث؟ وَمَعَ هَذَا لم يرد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي خطابه إِيَّاهَا على قَوْله: (قد عذت بمعاذ) وَلم

(20/230)


يَأْمر بالإلحاق إلاَّ لأبي أسيد، فَأَيْنَ المواجهة لَهَا بذلك؟ وَكَذَلِكَ قَوْله وَأمره أَبَا أسيد بالإلحاق بعد الْخُرُوج، لَا يُنَافِيهِ غير صَوَاب لِأَن عدم الْمُنَافَاة إِنَّمَا يكون لَو قَالَ لَهَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إلحقي بأهلك ثمَّ قَالَ لأبي أسيد: ألحقها بِأَهْلِهَا، وَلم يكتف بِمَا قَالَ هَذِه الْمقَالة حَتَّى يَقُول: بل يعضده، وَكَيف يعضده شَيْء لم يقلهُ؟ وَهَذَا عَجِيب جدا وَمِمَّا يؤكده مَا قُلْنَاهُ مَا قَالَه ابْن بطال: لَيْسَ فِي هَذَا أَنه واجهها بِالطَّلَاق، وَاعْترض عَلَيْهِ بَعضهم بِأَن ذَلِك ثَبت فِي حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أول أَحَادِيث الْبَاب، فَيحمل على أَنه قَالَ لَهَا: إلحق بأهلك، ثمَّ لما خرج إِلَى أبي أسيد قَالَ لَهُ: ألحقها بِأَهْلِهَا، فَلَا مُنَافَاة، فَالْأول قصد بِهِ الطَّلَاق، وَالثَّانِي أَرَادَ بِهِ حَقِيقَة اللَّفْظ، وَهُوَ أَن يُعِيدهَا إِلَى أَهلهَا انْتهى. قلت: يرد هَذَا الِاعْتِرَاض بِمَا رددنا بِهِ كَلَام الْكرْمَانِي، لِأَن كلاميهما من وَجه وَاحِد، وأعجب من الْكل أَن بَعضهم نقل كَلَام الْكرْمَانِي برمتِهِ بطرِيق الإدماج حَيْثُ قَالَ: وَاعْترض بَعضهم بِأَنَّهُ لم يَتَزَوَّجهَا، إِذْ لم يجر ذكر صُورَة العقد، وَسَاقه مثل مَا قَالَه الْكرْمَانِي، لَكِن بتغيير الْعبارَة، وَرَضي بِهِ حَيْثُ قَالَ فِي آخر كَلَامه: وَيُؤَيِّدهُ قَوْله فِي رِوَايَة لِابْنِ غسيل أَنه اتّفق مَعَ أَبِيهَا على مِقْدَار صَدَاقهَا، وَأَن أَبَاهَا قَالَ لَهُ: أَنَّهَا رغبت فِيك وحطت إِلَيْك، انْتهى. قلت: سُبْحَانَ الله مَا أبعد هَذَا عَن الْمَقْصُود، لِأَن الْكَلَام فِي أَمر المواجهة وَعدمهَا، وَقد ذكرنَا وَجه ذَلِك من غير تعميق فِيمَا لَا يَنْبَغِي.
ثمَّ إِن البُخَارِيّ أخرج هَذَا الحَدِيث عَن أبي نعيم وَهُوَ الْفضل بن دُكَيْن يروي عَن عبد الرَّحْمَن بن غسيل بِدُونِ الْألف وَاللَّام فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: عبد الرَّحْمَن بن الغسيل، بِالْألف وَاللَّام وَعبد الرَّحْمَن هَذَا هُوَ ابْن سُلَيْمَان بن عبد الله بن حَنْظَلَة بن أبي عَامر الْأنْصَارِيّ، وحَنْظَلَة هُوَ غسيل الْمَلَائِكَة، اسْتشْهد بِأحد وَهُوَ جنب فغسلته الْمَلَائِكَة، وقصته مَشْهُورَة وَعبد الرَّحْمَن الْمَذْكُور نسب إِلَى جد أَبِيه، وَلَعَلَّ الرِّوَايَة كَانَت ابْن غسيل الْمَلَائِكَة، فَسَقَطت لَفْظَة: الْمَلَائِكَة، وعوضت عَنْهَا الْألف وَاللَّام، وَحَمْزَة بن أبي أسيد بِضَم الْهمزَة وَفتح السِّين، يروي عَن أَبِيه أبي أيد، واسْمه مَالك بن ربيعَة بن الْبدن بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالنُّون، وَقيل: الْبَدِيِّ بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف، وَهُوَ تَصْحِيف ابْن عَامر بن عَوْف بن حَارِثَة بن عَمْرو بن الْخَزْرَج بن سَاعِدَة الْأنْصَارِيّ السَّاعِدِيّ شهد بَدْرًا وأحدا والمشاهد كلهَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمَات بِالْمَدِينَةِ سنة سِتِّينَ فِيمَا ذكره الْمَدَائِنِي، وَهُوَ آخر من مَاتَ من الْبَدْرِيِّينَ. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (إِلَى حَائِط) ، هُوَ الْبُسْتَان من النخيل إِذا كَانَ عَلَيْهِ جِدَار. قَوْله: (الشوظ) بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْوَاو فِي آخِره ظاء مُعْجمَة، وَقيل: مُهْملَة، وَهُوَ بُسْتَان فِي الْمَدِينَة مَعْرُوف. قَوْله: (وَدخل) أَي: إِلَى الْحَائِط. قَوْله: (وَقد أَتَى) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (بالجونية) نِسْبَة إِلَى الجون، قَالَ الْكرْمَانِي بِضَم الْجِيم، قلت: لَيْسَ كَذَلِك بل بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْوَاو وبالنون، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: بَنو الجون قَبيلَة من الأزد، وَقَالَ الرشاطي: الجون فِي كِنْدَة وَفِي الأزد، فَالَّذِي فِي كِنْدَة الجون وَهُوَ مُعَاوِيَة بن حجر آكل المرار، وَسَاقه إِلَى كِنْدَة، ثمَّ قَالَ: مِنْهُم أَسمَاء بنت النُّعْمَان بن الْأسود بن الْحَارِث بن شرَاحِيل بن كِنْدَة تزوج بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتعوذت مِنْهُ فَطلقهَا، وَقَالَ ابْن حبيب: والجونية امْرَأَة من كِنْدَة وَلَيْسَت بأسماء، وَالَّذِي فِي الأزد الجون بن عَوْف بن مَالك، وَقَالَ الْكرْمَانِي: اسْم الْجَوْنِية أَمَامه. قَوْله: (فِي بَيت فِي نخل فِي بَيت) كلهَا بِالتَّنْوِينِ. قَوْله: (أُمَيْمَة) بِالرَّفْع بدل عَن الْجَوْنِية أَو عطف بَيَان لَهَا وَهِي بنت النُّعْمَان بن شرَاحِيل، بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الرَّاء وَكسر الْحَاء الْمُهْملَة. قَوْله: (وَمَعَهَا دايتها) بِالدَّال الْمُهْملَة وَبعد الْألف يَاء آخر الْحُرُوف الْمَفْتُوحَة بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق قَالَ: أَي ظئرها، وَقَالَ بَعضهم: الظِّئْر الْمُرْضع، قلت: لَيْسَ كَمَا قَالَ، وَإِنَّمَا الداية هِيَ الْمَرْأَة الَّتِي تولد الْأَوْلَاد، وَهِي الْقَابِلَة، وَهُوَ لفظ مُعرب. قَوْله: (هِيَ) أَمر للمؤنث من وهب يهب وَأَصله: أوهبي حذفت الْوَاو تبعا لفعله الْمُضَارع، واستغنيت عَن الْهمزَة فَصَارَت هِيَ على وزن على قَوْله: (للسوقة) ، بِضَم السِّين الْمُهْملَة، يُقَال للْوَاحِد من الرّعية وَالْجمع، وَإِنَّمَا قيل لَهُم ذَلِك لِأَن الْملك يسوقهم فيساقون لَهُ على مُرَاده، وَأما أهل السُّوق فالواحد مِنْهُم يُسمى سوقيا وَقَالَ الْجَوْهَرِي: السوقة خلاف الْملك، وَلم تعرف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَا وَكَانَت بعد ذَلِك تسمي نَفسهَا بالشقية. قَوْله: فَأَهوى بِيَدِهِ أَي أمالها إِلَيْهَا، وَوَقع فِي رِوَايَة لِابْنِ سعد: فَأَهوى إِلَيْهَا ليقبلها. قَوْله: (فَقَالَت أعوذ بِاللَّه مِنْك) ، روى ابْن سعد عَن هِشَام بن مُحَمَّد عَن عبد الرَّحْمَن بن الغسيل بِإِسْنَاد حَدِيث الْبَاب: أَن عَائِشَة وَحَفْصَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، دخلتا عَلَيْهَا أول مَا قدمت، فمشطتاها وخضبتاها، وَقَالَت لَهَا إِحْدَاهمَا: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُعجبهُ من الْمَرْأَة إِذا

(20/231)


دخل عَلَيْهَا أَن تَقول: أعوذ بِاللَّه مِنْك. قَوْله: (قد عذت بمعاذ) بِفَتْح الْمِيم قَالَ الْكرْمَانِي: اسْم مَكَان العوذ قلت يجوز أَن يكون مصدرا ميميا بِمَعْنى العوذ والتنوين فِيهِ للتعظيم، وَفِي رِوَايَة ابْن سعد: فَقَالَ بمكه على وَجهه وَقَالَ: عذت معَاذًا، ثَلَاث مَرَّات وَفِي رِوَايَة أُخْرَى لَهُ: أَمن عَائِذ الله. قَوْله: (ثمَّ خرج) أَي: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (رازقيين) برَاء وَبعد الْألف زَاي مَكْسُورَة ثمَّ قَاف على لفظ تَثْنِيَة صفة موصوفها مَحْذُوف أَي: بثوبين رازقيين والرازقية ثِيَاب من كتَّان بيض طوال قَالَه أَبُو عُبَيْدَة، وَقيل؛ يكون فِي دَاخل بياضها زرقة، والرازقي الصفيق، وَمعنى: اكسها رازقيين: أعْطهَا ثَوْبَيْنِ من ذَلِك الْجِنْس، وَقَالَ ابْن التِّين مَتعهَا بذلك، إِمَّا وجوبا وَإِمَّا تفضلاً لقولها. قَوْله: (وألحقها) بِفَتْح الْهمزَة من الْإِلْحَاق.

6525 - وَقَالَ الحُسَيْنُ بنُ الوَلِيدِ النَّيْسابُورِيُّ: عنْ عبْدِ الرَّحْمانِ عنْ عَبَّاس بنِ سَهْلٍ عَن أبِيهِ، وَأبي أُسَيْدٍ قَالَا: تَزَوَّجَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أُمَيْمَةَ بِنْتَ شَرَاحِيلَ فَلَمَّا أُدْخِلَتْ علَيْهِ بَسَدَ يَدَهُ إلَيْهَا فَكأنَّها كَرِهَتْ ذالِكَ، فأمَرَ أَبَا أُسَيْدٍ أَن يُخْرِجَها ويَكْسُوَها ثَوْبَيْنِ رَازِقِيَّيْنِ.
(انْظُر الحَدِيث 5525)
الْحُسَيْن بن الْوَلِيد، بِفَتْح الْوَاو النَّيْسَابُورِي الْفَقِيه السخي الْوَرع وَرِوَايَة البُخَارِيّ عَنهُ معلقَة لِأَن وَفَاة الْحُسَيْن سنة ثِنْتَيْنِ وَمِائَتَيْنِ ومولد البُخَارِيّ سنة أَربع وَتِسْعين وَمِائَة، ووفاته سنة سِتّ وَخمسين وَمِائَتَيْنِ وَعبد الرَّحْمَن هُوَ ابْن الغسيل وعباس بن سهل يروي عَن أَبِيه سهل بن سعد وَأبي أسيد الْمَذْكُور، كِلَاهُمَا قَالَا: تزوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى آخِره، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله أَبُو نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) من طَرِيق أبي أَحْمد الْفراء عَن الْحُسَيْن بن الْوَلِيد.
قَوْله: (أُمَيْمَة بنت شرَاحِيل) وَهِي أُمَيْمَة بنت النُّعْمَان بن شرَاحِيل الْمَذْكُورَة فِي الحَدِيث السَّابِق، وَلَكِن هُنَا نَسَبهَا إِلَى جدها. قَوْله: (أَن يُخرجهَا) ويروى: ويجهزها ويكسوها، قَالَ ابْن المرابط: أَمر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالكسوة لَهَا تفضلاً مِنْهُ عَلَيْهَا، لِأَن ذَلِك لم يكن لَازِما لَهُ لِأَنَّهَا لم تكن زَوْجَة، وَبِهَذَا التَّبْوِيب خرجه النَّسَائِيّ، فَإِن قلت: قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: إِن بعض نِسَائِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت لَهَا: إِذا أردْت الخطوة فَقولِي لَهُ: أعوذ بِاللَّه مِنْك قلت: فِيهِ نظر لما فِي نفس الحَدِيث من أَنَّهَا لم تعرفه، وَإِنَّمَا نظر إِلَيْهَا نظر الْخَاطِب للمخطوبة. فَإِن قلت: ذكر الدَّارَقُطْنِيّ فِي (سنَنه) عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من كشف خمار امْرَأَة وَنظر إِلَيْهَا فقد وَجب الصَدَاق دخل بهَا أَو لم يدْخل قلت: هَذَا مَعَ إرْسَاله فِيهِ ابْن لَهِيعَة، وَيحمل على أَنه بعد العقد، وَذكر الْمُهلب أَن هَذِه الْكسْوَة هِيَ الْمُتْعَة الَّتِي للمطلقة الَّتِي لم يدْخل بهَا. وَقَالَ ابْن التِّين: يحْتَمل أَن يكون عقد نِكَاحهَا تفويضا فَيكون لَهَا الْمُتْعَة، أَو يكون سمى لَهَا صَدَاقا فتفضل عَلَيْهَا بذلك.

7525 - حدّثني عبْدُ الله بنُ مُحَمَّد حَدثنَا إبْرَاهِيمُ بنُ أبي الوَزِيرِ حَدثنَا عبْدُ الرَّحْمانِ عنْ حَمْزَةَ عنْ أبِيهِ وعنْ عبَّاس بنِ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ عنْ أبِيهِ بِهَذَا.
(انْظُر الحَدِيث 6525 طرفه: 7365)
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن عبد الله بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالمسندي عَن إِبْرَاهِيم بن أبي الْوَزير وَاسم أبي الْوَزير عمر بن مطرف الْحِجَازِي: نزل الْبَصْرَة وَقد أدْركهُ البُخَارِيّ، وَلم يلقه، وروى عَنهُ بِوَاسِطَة. وَذكره فِي (تَارِيخه) مَا مَاتَ فِي بضع عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الْموضع، وَهُوَ يروي عَن عبد الرَّحْمَن بن الغسيل عَن حَمْزَة بن أبي أسيد عَن أَبِيه أبي أسيد، ويروى أَيْضا عَن عَبَّاس بن سهل وَهُوَ يروي عَن أَبِيه سهل بن سعد. قَوْله: (حَدثنِي) ويروى: حَدثنَا. قَوْله: (بِهَذَا) أَي: بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور.

8525 - حدّثنا حَجَّاجُ بنُ مِنْهالٍ حَدثنَا همَّامُ بنُ يحْيَى عنْ قَتَادَةَ عنْ أبي غَلاَّبٍ يُونُسَ ابْن جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لابنِ عُمَرَ: رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأتَهُ وهْيَ حائِضٌ، فَقَالَ: تَعْرِفُ ابنَ عُمَرَ؟ إنَّ ابنَ عُمَرَ طلَّق امْرأتَهُ وهْيَ حائِضٌ، فأتَى عُمَرُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَذَكَرَ ذَلِكَ لهُ، فأمَرَهُ أَن يُرَاجِعَها، فإذَا

(20/232)


طهرت طَهُرَتْ فأرَادَ أَن يُطَلِّقَها فَلْيُطَلِّقْها. قُلْتُ: فَهَلْ عَدَّ ذالِكَ طَلاَقا؟ قَالَ: أرَأيْتَ إنْ عَجَزَ واسْتَحْمَقَ.
كَانَ وَجه إِيرَاد هَذَا الحَدِيث فِي الْبَاب الَّذِي قبله. وَلَكِن يُمكن أَن يُقَال بالتعسف إِن قَوْله: (إِن ابْن عمر طلق امْرَأَته وَهِي حَائِض) أَعم من أَنه واجهها بِالطَّلَاق أَو لَا. وَلَكِن قيل: إِنَّه واجهها لِأَنَّهُ طَلقهَا عَن شقَاق، وَفِيه نظر لَا يخفى، وَالْكَلَام فِيهِ قد مر فِي الْبَاب الَّذِي قبله.
وَهَمَّام على وزن فعال بِالتَّشْدِيدِ هُوَ ابْن يحيى بن دِينَار الْبَصْرِيّ، وَيحيى هُوَ ابْن أبي كثير، وَأَبُو غلاب بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد اللَّام وبالباء الْمُوَحدَة هُوَ كنية يُونُس بن جُبَير بِضَم الْجِيم وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره رَاء الْبَاهِلِيّ الْبَصْرِيّ.
قَوْله: (فَقَالَ: أتعرف ابْن عمر) إِنَّمَا قَالَ لَهُ ذَلِك مَعَ أَنه يعرف أَنه يعرفهُ، وَهُوَ الَّذِي يخاطبه ليقرر على اتِّبَاع السّنة، وعَلى الْقبُول من ناقلها وَإنَّهُ يلْزمه الْعَامَّة الِاقْتِدَاء بمشاهير الْعلمَاء فقرره على مَا يلْزمه من ذَلِك لَا أَنه ظن أَنه لَا يعرفهُ. قَوْله: (أَرَأَيْت) أَي: أَخْبرنِي وَلم يشْتَرط هُنَا تكْرَار الطُّهْر بِخِلَاف الحَدِيث الَّذِي سبق لِأَن التّكْرَار هُوَ الْأَوْلَوِيَّة والأفضلية وَإِلَّا فَالْوَاجِب هُوَ حُصُول الطُّهْر فَقَط.

4 - (بابُ مَنْ أجازَ طَلاَقَ الثَّلاَثِ لقَوْل الله تَعَالَى: { (2) الطَّلَاق مَرَّتَانِ فإمساك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان} (الْبَقَرَة: 922)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من أجَاز تطليق الْمَرْأَة بِالطَّلَاق الثَّلَاث دفْعَة وَاحِدَة. وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: بَاب من جوز الطَّلَاق الثَّلَاث، وَهَذَا أوجه وَاضح، وَوضع البُخَارِيّ هَذِه التَّرْجَمَة إِشَارَة إِلَى أَن من السّلف من لم يجوز وُقُوع الطَّلَاق الثَّلَاث، وَفِيه خلاف. فَذهب طَاوُوس وَمُحَمّد بن إِسْحَاق وَالْحجاج بن أَرْطَأَة وَالنَّخَعِيّ وَابْن مقَاتل والظاهرية إِلَى أَن الرجل إِذا طلق امْرَأَته ثَلَاثًا مَعًا فقد وَقعت عَلَيْهَا وَاحِدَة، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِمَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث طَاوُوس: أَن أَبَا الصَّهْبَاء قَالَ لِابْنِ عَبَّاس: الْعلم إِنَّمَا كَانَت الثَّلَاث تجْعَل وَاحِدَة على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأبي بكر، وَثَلَاثًا من إِمَارَة عمر. فَقَالَ ابْن عَبَّاس: نعم. وَأخرجه الطَّحَاوِيّ أَيْضا وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَقيل: لَا يَقع شَيْء وَمذهب جَمَاهِير الْعلمَاء من التَّابِعين وَمن بعدهمْ مِنْهُم: الْأَوْزَاعِيّ وَالنَّخَعِيّ وَالثَّوْري وَأَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَمَالك وَأَصْحَابه وَمَالك وَأَصْحَابه وَالشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه وَأحمد وَأَصْحَابه، وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر وَأَبُو عبيد وَآخَرُونَ كَثِيرُونَ، عل أَن من طلق امْرَأَته ثَلَاثًا وقعن، وَلكنه يَأْثَم، وَقَالُوا: من خَالف فِيهِ فَهُوَ شَاذ مُخَالف لأهل السّنة، وَإِنَّمَا تعلق بِهِ أهل الْبدع وَمن لَا يلْتَفت إِلَيْهِ لشذوذه عَن الْجَمَاعَة الَّتِي لَا يجوز عَلَيْهِم التواطؤ على تَحْرِيف الْكتاب وَالسّنة. وَأجَاب الطَّحَاوِيّ عَن حَدِيث ابْن عَبَّاس بِمَا ملخصه إِنَّه مَنْسُوخ، بَيَانه أَنه لما كَانَ زمن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: (يَا أَيهَا النَّاس! قد كَانَ لكم فِي الطَّلَاق أَنَاة وَإنَّهُ من تعجل أَنَاة الله فِي الطَّلَاق ألزمناه إِيَّاه) ، رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح وخاطب عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بذلك النَّاس الَّذين قد علمُوا مَا قد تقدم من ذَلِك فَفِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلم يُنكر عَلَيْهِ مِنْهُم مُنكر وَلم يَدْفَعهُ دَافع، فَكَانَ ذَلِك أكبر الْحجَج فِي نسخ مَا تقدم من ذَلِك، وَقد كَانَ فِي أَيَّام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَشْيَاء على معانٍ فَجَعلهَا أَصْحَابه من بعده على خلاف تِلْكَ الْمعَانِي، فَكَانَ ذَلِك حجَّة ناسخة لما تقدم، من ذَلِك: تدوين الدَّوَاوِين وَبيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد قد كن يبعن قبل ذَلِك، والتوقيت فِي حد الْخمر وَلم يكن فِيهِ تَوْقِيت. فَإِن قلت: مَا وَجه هَذَا النّسخ وَعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لَا ينْسَخ؟ وَكَيف يكون النّسخ بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قلت: لما خَاطب عمر الصَّحَابَة بذلك فَلم يَقع إِنْكَار صَار إِجْمَاعًا، والنسخ بِالْإِجْمَاع جوزه بعض مَشَايِخنَا بطرِيق أَن الْإِجْمَاع مُوجب علم الْيَقِين كالنص فَيجوز أَن يثبت النّسخ بِهِ، وَالْإِجْمَاع فِي كَونه حجَّة أقوى من الْخَبَر الْمَشْهُور، فَإِذا كَانَ النّسخ جَائِزا بالْخبر الْمَشْهُور فِي الزِّيَادَة على النَّص فجوازه بِالْإِجْمَاع أولى فَإِن قلت: هَذَا إِجْمَاع على النّسخ من تِلْقَاء أنفسهم فَلَا يجوز ذَلِك فِي حَقهم قلت: يحْتَمل أَن يكون ظهر لَهُم نَص أوجب النّسخ وَلم ينْقل إِلَيْنَا ذَلِك، على أَن الطَّحَاوِيّ وَقد روى أَحَادِيث عَن ابْن عَبَّاس تشهد بانتساخ مَا قَالَه من ذَلِك، مِنْهَا: مَا رَوَاهُ من حَدِيث الْأَعْمَش عَن مَالك بن الْحَارِث قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى ابْن عَبَّاس فَقَالَ: إِن عمي طلق امْرَأَته ثَلَاثًا، فَقَالَ: إِن عمك عصى الله فأثمه الله وأطاع الشَّيْطَان، فَلم يَجْعَل لَهُ مخرجا. فَقلت: فَكيف ترى فِي رجل يحلهَا لَهُ؟ فَقَالَ: من يُخَادع الله يخادعه) . وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: يشبه أَن يكون ابْن عَبَّاس ثقد علم شَيْئا ثمَّ نسخ لِأَنَّهُ لَا يروي عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا ثمَّ يُخَالِفهُ بِشَيْء

(20/233)


لَا يُعلمهُ كَانَ من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِيهِ خلاف، فَأجَاب قوم عَن حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمُتَقَدّم: إِنَّه فِي غير الْمَدْخُول بهَا، وَقَالَ الْجَصَّاص: حَدِيث ابْن عَبَّاس هَذَا مُنكر. قَوْله: (لقَوْله تَعَالَى: {الطَّلَاق مراتان} (الْبَقَرَة: 922)) إِلَى آخِره وَجه الِاسْتِدْلَال بِهِ أَن قَوْله تَعَالَى: {الطَّلَاق مَرَّتَانِ} مَعْنَاهُ: مرّة بعد مرّة، فَإِذا جَازَ الْجمع بَين ثِنْتَيْنِ جَازَ بَين الثَّلَاث، وَأحسن مِنْهُ أَن يُقَال إِن قَوْله: {أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان} (الْبَقَرَة: 922) عَام متناول لأيقاع الثَّلَاث دَفعه وَاحِدَة. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: أَنا يُونُس بن عبد الْأَعْلَى قِرَاءَة عَلَيْهِ، أَنا ابْن وهب أَخْبرنِي سُفْيَان الثَّوْريّ حَدثنِي إِسْمَاعِيل بن سميع سَمِعت أَبَا رزين يَقُول: حاء رجل إِلَى النَّبِي، فَقَالَ: يَا رَسُول الله {أرأيتت قَول الله عز وَجل: {فإمساك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان} (الْبَقَرَة: 922) أَيْن الثَّالِثَة؟ قَالَ: التسريح بِالْإِحْسَانِ، هَذَا إِسْنَاده صَحِيح وَلكنه مُرْسل، وَرَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق قيس بن الرّبيع عَن إِسْمَاعِيل بن سميع عَن أبي رزين مُرْسلا، ثمَّ قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن أَحْمد بن عبد الرَّحِيم حَدثنَا أَحْمد بن يحيى حَدثنَا عبيد الله بن جرير بن خَالِد حَدثنَا عَنْبَسَة عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن قَتَادَة عَن أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: يَا رَسُول الله} ذكر الله الطَّلَاق مرَّتَيْنِ فَأَيْنَ الثَّالِثَة؟ قَالَ: {إمْسَاك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان} .
وَقَالَ ابنُ الزّبَيْرِ فِي مَرِيضٍ طَلَّقَ: لَا أرَى أنْ تَرِثَ مَبْتُوتَتُهُ
أَي: قَالَ عبد الله بن الزبير بن الْعَوام، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. فِي مَرِيض طلق امْرَأَته أَي: طَلَاقا باتا (لَا أرى) بِفَتْح الْهمزَة (أَن تَرث مبتوتته) أَي: الَّتِي طلقت طَلَاقا باتا، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: مبتوتة، بِقطع الضَّمِير لِأَنَّهُ يعلم أَنَّهَا متبوتة هَذَا الْمُطلق. وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي قَول الرجل: أَنْت طَالِق الْبَتَّةَ، فَذكر ابْن الْمُنْذر عَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنَّهَا وَاحِدَة، وَإِن أَرَادَ ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاث، وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ. . وَقَالَت طَائِفَة: الْبَتَّةَ ثَلَاث، رُوِيَ ذَلِك عَن عَليّ وَابْن عمر وَابْن الْمسيب وَعُرْوَة وَالزهْرِيّ وَابْن أبي ليلى وَمَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَأبي عبيد، وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ أَبُو عبيد الْقَاسِم، قَالَ: حدقنا يحيى بن سعيد الْقطَّان قَالَ: حَدثنَا ابْن جريج عَن ابْن أبي مليكَة أَنه سُئِلَ ابْن الزبير عَن المبتوتة فِي الْمَرَض فَقَالَ: طلق عبد الرَّحْمَن بن عَوْف ابْنة الإصبغ الْكَلْبِيَّة فبتها ثمَّ مَاتَ وَهِي فِي عدتهَا فَورثَهَا عُثْمَان، قَالَ ابْن الزبير: وَأما أَنا فَلَا أرى أَن تَرث المبتوتة.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ تَرِثُهُ
أَي: قَالَ عَامر بن شرَاحِيل الشّعبِيّ: تَرث المبتوتة زَوجهَا فِي الصُّورَة الْمَذْكُورَة، وَهَذَا التلعيق وَصله سعيد بن مَنْصُور عَن أبي عوَانَة عَن مُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم وَالشعْبِيّ فِي رجل طلق امْرَأَته ثَلَاثًا فِي مَرضه، قَالَا: تَعْتَد عدَّة الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا وترثه مَا كَانَت فِي الْعدة، وروى ابْن أبي شيبَة بِسَنَد صَحِيح عَن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي الْمُطلق ثَلَاثًا فِي مَرضه: تَرثه مَا دَامَت فِي الْعدة وَلَا يَرِثهَا، وَورث عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أم الْبَنِينَ من عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لما احْتضرَ وَطَلقهَا، وَقَالَ إِبْرَاهِيم: تَرثه مَا دَامَت فِي الْعدة، قَالَ طَاوُوس وَعُرْوَة بن الزبير وَابْن سِيرِين وَعَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: يَقُولُونَ: كل من فر من كتاب الله رد إِلَيْهِ، وَقَالَ عِكْرِمَة: لَو لم يبْق من عدتهَا إلاَّ يَوْم وَاحِد ثمَّ مَاتَ ورثت، واستأنفت عدَّة الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا.
وَقَالَ ابنُ شُبْرُمَةَ تَزَوَّجُ إذَا انْقَضَتِ العِدَّةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أرَأيْتَ إنْ مَاتَ الزَّوْجُ الآخَرُ فَرَجَعَ عَن ذالِكَ؟
أَي: قَالَ عبد الله بن شبْرمَة، بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَضم الرَّاء: الضَّبِّيّ قَاضِي الْكُوفَة التَّابِعِيّ، يَعْنِي: قَالَ لِلشَّعْبِيِّ: تزوج أَي: هَل تتَزَوَّج هَذِه الْمَرْأَة بعد الْعدة وَقبل وَفَاة الزَّوْج الأول أم لَا؟ قَالَ: نعم أَي: قَالَ الشّعبِيّ: نعم تزوج، وأصل تزوج تتَزَوَّج وَهُوَ فعل مضارع، فحذفت مِنْهُ إِحْدَى التَّاءَيْنِ للتَّخْفِيف، كَمَا فِي قَوْله عز وَجل: {نَارا تلظى} (اللَّيْل: 41) أَصله: تتلظى. قَوْله: (قَالَ أَرَأَيْت؟) أَي: قَالَ ابْن شبْرمَة لِلشَّعْبِيِّ: أَرَأَيْت؟ أَي: أَخْبرنِي أَن الزَّوْج الآخر إِذا مَاتَ تَرث مِنْهُ أَيْضا فَيلْزم إرثها من الزَّوْجَيْنِ مَعًا فِي حَالَة وَاحِدَة. قَوْله: (فَرجع) أَي الشّعبِيّ عَن ذَلِك أَي: رَجَعَ عَمَّا قَالَه من أَنَّهَا تَرثه، مَا دَامَت فِي الْعدة، وَقد اختصر البُخَارِيّ هَذَا جدا.

9525 - حدّثنا عبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخبرنَا مالِكٌ عنِ ابنِ شِهابٍ أنّ سَهْلَ بنَ سَعْدٍ السّاعِدِيَّ أخبرَهُ أنَّ عُوَيمِرا العَجلاَنِيَّ جاءَ إِلَى عاصِمٍ بنِ عَدِيٍّ الأنْصَارِيِّ فَقَالَ لهِ: يَا عاصَمُ! أرَأيْتُ رجُلاً

(20/234)


وجَدَ مَعَ امْرَأتهِ رجُلاً أيقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ سَلْ لِي يَا عاصِمُ عنْ ذَلِكَ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَسَأَلَ عاصِمٌ عنْ ذَلِكَ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فكَرِهَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المَسائِلَ وعابَها حَتَّى كَبُرَ علَى عاصِمٍ مَا سَمِعَ منْ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فلَمّا رجَعَ عاصِمٌ إِلَى أهْلِهِ جاءَ عُوَيْمِرٌ فَقَالَ: يَا عاصِمُ {ماذَا قَالَ لَكَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَقَالَ عاصِمٌ: لَمْ تأتِني بخَيْرٍ قدْ كَرِهَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المَسْألَةَ الَّتِي سألْتُهُ عنْها. قَالَ عُوَيْمِرٌ: وَالله لَا أنْتَهِي حتّى أسألَهُ عَنْها، فأقْبَلَ عُوَيْمِرٌ حتَّى أتَى رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسْطَ النَّاس، فَقَالَ: يَا رسولَ الله أرَأيْتَ رجُلاً وجَدَ مَعَ امْرَأتِهِ رَجُلاً أيَقْتُلُهُ فتَقْتُلُونَهُ أمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَدْ أنْزَلَ الله فِيكَ وفِي صاحِبَتك، فاذْهَبْ فأتِ بِها، قَالَ سَهْلٌ: فتَلاَعَنا وَأَنا مَعَ النَّاس عنْدَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فلَمَّا فَرَغا قَالَ عُوَيْمِرٌ: كذَبْتُ علَيْها يَا رسولَ الله إنْ أمَسَكْتُها، فطلَّقَها ثَلاٍ ث قبْلَ أنْ يأمُرَهُ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ ابنُ شِهابٍ: فكانَتْ تِلْكَ سُنَّةَ المُتَلاَعِنِيْنِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فَطلقهَا) وأمضاه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم يُنكر عَلَيْهِ فَدلَّ على أَن من طلق ثَلَاثًا يَقع ثَلَاثًا.
والْحَدِيث قد مضى فِي تَفْسِير سُورَة النُّور فِي موضِعين: أَحدهمَا: مطولا عَن إِسْحَاق عَن مُحَمَّد بن يُوسُف عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن الزُّهْرِيّ. وَالْآخر: عَن سُلَيْمَان بن دَاوُد عَن أبي الرّبيع عَن فليح عَن الزُّهْرِيّ.
قَوْله: (أَرَأَيْت) أَي: أخبرنَا عَن حكمه. قَوْله: (وَكره الْمسَائِل) ، أَي: الَّتِي لَا يحْتَاج إِلَيْهَا سِيمَا مَا فِيهِ إِشَاعَة فَاحِشَة. قَوْله: (حَتَّى كبر) ، بِضَم الْبَاء أَي: عظم وشق. قَوْله: (قد أنزل الله فِيك) ، أَي: آيَة اللّعان. قَوْله: (وَتلك) أَي: التَّفْرِقَة، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى.

0625 - حدّثنا سَعِيدُ بنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدثنِي اللّيْثُ قَالَ: حدّثني عُقَيْلٌ عنِ ابنِ شِهابٍ قَالَ: أَخْبرنِي عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ أنَّ عائِشَةَ أخْبَرَتْهُ أنَّ امْرَأةَ رِفاعَةَ القُرْطِيِّ جاءَتْ إِلَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقالَتْ: يَا رسولَ الله} إنَّ رَفاعَةَ طَلَّقَنِي فبَتَّ طلاَقِي وإنِّي نَكحْتُ بَعْدَهُ عبْدَ الرَّحْمانِ بنَ الزُّبيْرِ القُرَظِيَّ، وإنّمَا معَهُ مِثْلُ الهُدْبَةِ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لعلّكِ تُرِيدِين أنْ تَرْجِعي إِلَى رِفَاعَةَ؟ لَا حَتّى يَذُوقُ عُسَيْلَتَكِ وتَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: فَبت طَلَاقي، أَي: قطع قطعا كليا فاللفظ يحْتَمل أَن يكون الثَّلَاث دفْعَة وَاحِدَة وَهُوَ مَحل التَّرْجَمَة أَو مُتَفَرِّقَة.
وَسَعِيد بن عفير هُوَ سعيد بن كثير بن عفير، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْفَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالراء: الْمصْرِيّ، وروى مُسلم عَنهُ بِوَاسِطَة.
قَوْله: (إِن امْرَأَة رِفَاعَة) ، بِكَسْر الرَّاء وَتَخْفِيف الْفَاء وَبعد الْألف عين الْمُهْملَة: ابْن سموأل، وَيُقَال: رِفَاعَة بن رِفَاعَة القرطي من بني قريظ، وَاسم الْمَرْأَة تَمِيمَة بنت وهب، وروى الطَّبَرَانِيّ فِي (مُعْجَمه الْأَوْسَط) من حَدِيث هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة. قَالَت: كَانَت امْرَأَة من قريظ يُقَال لَهَا: تَمِيمَة بنت وهب تَحت عبد الرَّحْمَن بن الزبير، فَطلقهَا فَتَزَوجهَا رِفَاعَة رجل من بني قُرَيْظَة ثمَّ فَارقهَا، فَأَرَادَتْ أَن ترجع إِلَى عبد الرَّحْمَن بن الزبير، فَقَالَت: وَالله يَا رَسُول الله مَا هُوَ مِنْهُ إلاَّ كهدبة الثَّوْب، فَقَالَ: وَالله يَا تَمِيمَة لَا ترجعين إِلَى عبد الرَّحْمَن حَتَّى يَذُوق عُسَيْلَتك رجل غَيره، وَهَذَا الْمَتْن عكس متن الصَّحِيح، وَإِنَّمَا أوردناه هُنَا لأجل بَيَان اسْم الْمَرْأَة الْمَذْكُورَة. قَوْله: (عبد الرَّحْمَن بن الزبير) بِفَتْح الزَّاي وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن باطيا الْقرظِيّ. قَوْله: (مثل الهدبة) بِضَم الْهَاء وَسُكُون الدَّال: هدبة الثَّوْب، وَهُوَ طرفه مِمَّا يَلِي طرته، وَيُقَال لَهَا: هدابة الثَّوْب. قَوْله: (لَا) أَي: لَا ترجعين. قَوْله: (عُسَيْلَتك) هِيَ كِنَايَة عَن الْجِمَاع، وَالْعَسَل رُبمَا يؤنث فِي بعض اللُّغَات فيصغر على عسيلة، وروى أَحْمد فِي (مُسْنده) حَدثنَا مَرْوَان أَنبأَنَا أَبُو عبد الْملك الْمَكِّيّ حَدثنَا عبد الله بن

(20/235)


أبي مليكَة عَن عَائِشَة قَالَ: الْعسيلَة هِيَ الْجِمَاع. وَأخرجه الدَّارَقُطْنِيّ فِي (سنَنه) ، والمكي مَجْهُول فِي (التَّلْوِيح) لفظ النِّكَاح فِي جَمِيع الْقُرْآن الْعَظِيم أُرِيد بِهِ العقد لَا الْوَطْء إِلَّا فِي قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى تنْكح زوجا غَيره} (الْبَقَرَة: 032) فَإِنَّهُ أُرِيد بِلَفْظ النِّكَاح العقد وَالْوَطْء جَمِيعًا بِدَلِيل حَدِيث الْعسيلَة، فَإِن الْعسيلَة. فَإِن الْعسيلَة هُنَا الْوَطْء وَفِيه نظر لِأَن لفظ النِّكَاح أسْند إِلَى الْمَرْأَة فَلَو أُرِيد بِهِ الْوَطْء لَكِن الْمَعْنى: حَتَّى تطَأ زوجا غَيره، وَهَذَا فَاسد، لِأَن الْمَرْأَة مَوْطُوءَة لَا واطئة وَالرجل واطىء، بل مَعْنَاهُ أَيْضا: العقد، وَوَجَب الْوَطْء بِحَدِيث الْعسيلَة فَإِنَّهُ خبر مَشْهُور يجوز بِهِ الزِّيَادَة على النَّص، وَهَذَا لَا خلاف فِيهِ إلاَّ لسَعِيد بن الْمسيب فَإِنَّهُ قَالَ: العقد الصَّحِيح كَاف، وَيحصل بِهِ التَّحْلِيل للزَّوْج الأول وَلم يُوَافقهُ على هَذَا أحد إلاَّ طَائِفَة من الْخَوَارِج، وَذكر فِي (كتاب الْقنية) لأبي الرَّجَاء مُخْتَار بن مَحْمُود الزَّاهدِيّ: إِن سعيد بن الْمسيب رَجَعَ عَن مذْهبه هَذَا فَلَو قضى بِهِ قاضٍ لَا ينفذ قَضَاؤُهُ، وَإِن أفتى بِهِ أحذ عزّر. وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: الْإِنْزَال شَرط، لَا تحل للْأولِ حَتَّى يَطَأهَا الثَّانِي وطأ فِيهِ إِنْزَال، وَزعم أَن معنى الْعسيلَة الْإِنْزَال، وَخَالفهُ سَائِر الْفُقَهَاء، فَقَالُوا: التقاء الختانين يحلهَا للزَّوْج الأول. وَهُوَ مَا يفْسد الصَّوْم وَالْحج وَيُوجب الْحَد وَالْغسْل ويحصن الزَّوْجَيْنِ ويكمل الصَدَاق. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: لَو أَتَاهَا الزَّوْج الثَّانِي وَهِي نَائِمَة أَو معنى عَلَيْهَا لَا تشعر أَنَّهَا لَا تحل للزَّوْج حَتَّى يذوقان جَمِيعًا الْعسيلَة، إِذْ غير جَائِز أَن يُسَوِّي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَينهمَا فِي ذوق الْعسيلَة وَتحل بِأَن يَذُوق أَحدهمَا.
وَقَالَ ابْن بطال: اخْتلفُوا فِي عقد نِكَاح الْمُحَلّل، فَقَالَ مَالك: لَا يحلهَا إلاَّ بِنِكَاح رَغْبَة، فَإِن قصد التَّحْلِيل لم يحلهَا، وَسَوَاء علم الزَّوْجَانِ بذلك أَو لم يعلمَا، وَيفْسخ قبل الدُّخُول وَبعده، وَهُوَ قَول اللَّيْث وسُفْيَان بن سعيد وَالْأَوْزَاعِيّ وَأحمد، وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالشَّافِعِيّ: النِّكَاح جَائِز وَله أَن يُقيم على نِكَاحه أَو لَا، وَهُوَ قَول عَطاء وَالْحكم، وَقَالَ الْقَاسِم وَسَالم وَعُرْوَة وَالشعْبِيّ: لَا بَأْس أَن يَتَزَوَّجهَا لِيحِلهَا إِذا لم يعلم بذلك الزَّوْجَانِ، وَهُوَ مأجور بذلك. وَهُوَ قَول ربيعَة وَيحيى بن سعيد، وَذهب الشَّافِعِي وَأَبُو ثَوْر إِلَى أَن نِكَاح الَّذِي يفْسد هُوَ الَّذِي يعْقد عَلَيْهِ فِي نفس عقد النِّكَاح أَنه إِنَّمَا يَتَزَوَّجهَا ليحللها ثمَّ يطلقهَا، وَمن لم يشْتَرط ذَلِك، فَهُوَ عقد صَحِيح، وروى بشر بن الْوَلِيد عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة مثله، وروى أَيْضا عَن مُحَمَّد عَن يَعْقُوب عَن أبي حنيفَة أَنه إِذا نوى الثَّانِي تحليلها للْأولِ لم يحل لَهُ ذَلِك، وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد، وروى الْحسن بن زِيَاد عَن زفر عَن أبي حنيفَة أَنه إِن شَرط عَلَيْهِ فِي نفس العقد أَنه إِنَّمَا يَتَزَوَّجهَا لِيحِلهَا للْأولِ فَإِنَّهُ نِكَاح صَحِيح ويحصنان بِهِ وَيبْطل الشَّرْط، وَله أَن يمْسِكهَا، فَإِن طَلقهَا حلت للْأولِ. وَفِي (الْقنية) إِذا أَتَاهَا الزَّوْج الثَّانِي فِي دبرهَا لَا تحل للْأولِ، وَإِن أولج إِلَى مَحل الْبكارَة حلت للْأولِ، وَالْمَوْت لَا يقوم مقَام الدُّخُول فِي حق التَّحْلِيل، وَكَذَا الْخلْوَة فَافْهَم. فَإِن قلت: روى التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ من غير وَجه عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن أبي قيس واسْمه عبد الرَّحْمَن بن ثروان الأودي عَن هُذَيْل بن شُرَحْبِيل عَن عبد الله بن مَسْعُود، قَالَ: لعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المحلِّل والمحلِّل لَهُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن صَحِيح، وَرَوَاهُ أَحْمد فِي (مُسْنده) : وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه عَن الْحَارِث عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: لعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المحلِّل والمحلَّل لَهُ، وروى التِّرْمِذِيّ عَن مجَالد عَن الشّعبِيّ عَن جَابر بن عبد الله بِنَحْوِهِ سَوَاء، وروى ابْن مَاجَه من حَدِيث اللَّيْث بن سعد قَالَ: قَالَ لي أَبُو مُصعب مشرح بن هاعان قَالَ عقبَة بن عَامر: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلا أخْبركُم بالتيس الْمُسْتَعَار؟ قَالُوا بلَى يَا رَسُول الله. قَالَ: هُوَ الْمُحَلّل، لعن الله الْمُحَلّل والمحلل لَهُ، وروى ابْن مَاجَه من حَدِيث ابْن عَبَّاس بِنَحْوِهِ سَوَاء، وروى أَحْمد وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فِي (مسانيدهم) من حَدِيث المَقْبُري عَن ابْن عَبَّاس بِنَحْوِهِ سَوَاء، وروى ابْن أبي شيبَة من رِوَايَة قبيصَة بن جَابر عَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: لَا أُوتِيَ بِمُحَلل ومحلل لَهُ إلاَّ رجمتها، وروى عبد الرَّزَّاق عَن الثَّوْريّ عَن عبد الله بن شريك العامري سَمِعت ابْن عمر يسْأَل عمر: طلق امْرَأَته ثمَّ نَدم، فَأَرَادَ رجل أَن يَتَزَوَّجهَا ليحللها لَهُ، فَقَالَ ابْن عمر: كِلَاهُمَا زانٍ وَلَو مكثا عشْرين سنة، فَهَذِهِ الْأَحَادِيث والْآثَار كلهَا تدل على كَرَاهِيَة النِّكَاح الْمَشْرُوط بِهِ التَّحْلِيل، وَظَاهره يَقْتَضِي التَّحْرِيم. قلت: لفظ الْمُحَلّل يدل على صِحَة النِّكَاح، لِأَن الْمُحَلّل هُوَ الْمُثبت للْحلّ، فَلَو كَانَ فَاسِدا لما سَمَّاهُ محللاً، وَلَا يدْخل أحد مِنْهُم تَحت اللَّعْنَة إلاَّ ءذا قصد الاستحلال وَحَدِيث على رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِيهِ شكّ أَبُو دَاوُد حَيْثُ قَالَ: لَا أرَاهُ رَفعه إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومعلول بِالْحَارِثِ، وَحَدِيث عقبَة بن عَامر قَالَ عبد الْحق: إِسْنَاده حسن، وَقَالَ

(20/236)


التِّرْمِذِيّ فِي (علله الْكُبْرَى) اللَّيْث بن سعد: مَا أرَاهُ سمع من مشرح بن هاعان، وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أَبَا زرْعَة عَن حَدِيث رَوَاهُ اللَّيْث بن سعد عَن مشرج بن هاعان على عقبَة بن عَامر فَذكره، فَقَالَ: لم يسمع اللَّيْث من مشرح وَلَا روى عَنهُ، وَأما أثر عمر الَّذِي رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة، فَقَالَ الطَّحَاوِيّ: هُوَ مَحْمُول عَن التَّشْدِيد والتغليظ كنحو مَا هم بِهِ سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يحرق على من تخلف عَن الْجَمَاعَة بُيُوتهم، وَكَذَا مَا روى عَن ابْنه عبد الله.

1625 - حدّثني مُحَمَّد بنُ بَشّارٍ حدَّثَنا يَحْيَى عنْ عُبَيْدِ الله قَالَ: حدّثني القاسِمُ بنُ مُحَمَّد عنُ عائِشَةَ أنَّ رَجُلاً امْرَأتَهُ ثَلاثا فَتَزَوَّجَتْ، فَطَلَّقَ، فَسُئِلَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أتَحِلُّ لِلأوَّلِ؟ قَالَ: لاَ حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَها كَمَا ذَاقَ الأوَّلُ.
ول الله بِالْجَرِّ عطف على قَوْله: من خيَّر نِسَاءَهُ، لِأَن مَحَله مجرور بِإِضَافَة لفظ: بَاب إِلَيْهِ، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي سُورَة الْأَحْزَاب.

2625 - حدّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ حَدثنَا أبي حَدثنَا الأعْمَشُ حَدثنَا مُسْلِمٌ عنْ مَسْرُوقٍ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ: خَيَّرَنا رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاخْتَرْنا الله ورسولَهُ، فلَمْ يَعُدَّ ذالِكَ عَلَيْنا شَيْئا.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعمر بن حَفْص يروي عَن أَبِيه حَفْص بن غياث، وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان، وَمُسلم هُوَ ابْن صبيح بِالتَّصْغِيرِ أَبُو الضُّحَى مَشْهُور بكنيته أَكثر من اسْمه، وَقَالَ بَعضهم: فِي طبقته مُسلم البطين وَهُوَ من رجال البُخَارِيّ لكنه، وَإِن روى عَنهُ الْأَعْمَش، لَا يروي عَن مَسْرُوق، وَفِي طبقتهما مُسلم بن كيسَان الْأَعْوَر وَلَيْسَ هُوَ من رجال الصَّحِيح وَلَا لَهُ رِوَايَة عَن مَسْرُوق، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَمُسلم بِلَفْظ فَاعل الْإِسْلَام. يحْتَمل أَن يكون هُوَ أَبُو الضُّحَى بن صبيح مصغر الصُّبْح وَأَن يكون مُسلم البطين بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن أبي عمرَان لِأَنَّهُمَا يرويان عَن مَسْرُوق، ويروي الْأَعْمَش عَنْهُمَا، وَلَا قدم بِهَذَا الالتباس لِأَنَّهُمَا يرويان بِشَرْط البُخَارِيّ. انْتهى قلت: ذكر فِي كتاب (رجال الصَّحِيحَيْنِ) أَن مُسلما البطين سمع مسروقا روى عَنهُ الْأَعْمَش، فَهَذَا يرد كَلَام بَعضهم الْمَذْكُور، وَلَكِن الْحَافِظ الْمزي قَالَ: مُسلم بن صبيح أَبُو الضُّحَى، عَن مَسْرُوق عَن عَائِشَة حَدِيث: خيرنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الطَّلَاق عَن يحيى بن يحيى وَغَيره. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُسَدّد. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي النِّكَاح عَن بنْدَار. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن بشر بن خلف وَفِي الطَّلَاق عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى وَغَيره. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الطَّلَاق عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.
قَوْله: (فَلم يعد) بِضَم الْعين وَتَشْديد الدَّال من الْعدَد، ويروى: فَلم يعدد، بفك الْإِدْغَام. ويروى: فَلم يعْتد، بِسُكُون الْعين وَفتح التَّاء المثتاة من فَوق وَتَشْديد الدَّال من الِاعْتِدَاد. قَوْله: (ذَلِك) إِشَارَة إِلَى التخبير الَّذِي يدل عَلَيْهِ قَوْله: (خيرنا) قَوْله: (شَيْئا) أَي: طَلَاقا. وَفِي رِوَايَة مُسلم: فَلم يعده طَلَاقا.

3625 - حدّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا يحْياى عنْ إسْماعِيلَ حَدثنَا عامِرٌ عنْ مَسْرُوق قالَ: سألتُ عائِشَة

(20/237)


عنِ الخَيْرَةِ فقالَتْ خَيَّرَنا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أفَكَانَ طَلاَقا؟ قَالَ مَسْرُوقٌ: لَا أُبالي أخَيَّرْتُها واحِدَةً أوْ مائَةً بعْدَ أنْ تَخُتَارَنِي.
(انْظُر الحَدِيث 2625)
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث عَائِشَة أخرجه عَن مُسَدّد عَن يحيى الْقطَّان بن أبي خَالِد عَن عَامر الشّعبِيّ.
قَوْله: (عَن الْخيرَة) بِكَسْر الْخَاء وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَهِي جعل الطَّلَاق بيد الْمَرْأَة. قَوْله: (أَفَكَانَ طَلَاقا) اسْتِفْهَام على سَبِيل الْإِنْكَار، أَرَادَت لم يكن طَلَاقا لِأَنَّهُنَّ اخْترْنَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي رِوَايَة أَحْمد عَن وَكِيع عَن إِسْمَاعِيل: فَهَل كَانَ طَلَاقا؟ وَكَذَا فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ عَن يحيى الْقطَّان عَن إِسْمَاعِيل قَوْله: (قَالَ مَسْرُوق) إِلَى آخِره مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور. قَوْله: (أخيَّرتها؟) أَي: امْرَأَتي، وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم، قَالَ: مَا أُبَالِي خيرت امْرَأَتي وَاحِدَة أَو مائَة أَو ألفا بعد أَن تختارني، وَلَكِن قَول مَسْرُوق هَذَا وَقع فِي رِوَايَة مُسلم قبل قَوْله: سَأَلت عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَقد روى مثل قَول مَسْرُوق عَن عمر وَعلي وَابْن مَسْعُود وَزيد بن ثَابت وَابْن عَبَّاس وَعَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَمن التَّابِعين قَول عَطاء وَسليمَان بن يسَار وَرَبِيعَة وَالزهْرِيّ. كلهم قَالُوا: إِذا اخْتَارَتْ زَوجهَا فَلَيْسَ بِشَيْء، وَهُوَ قَول أَئِمَّة الْفَتْوَى. وَإِن اخْتَارَتْ نَفسهَا؟ فَحكى التِّرْمِذِيّ عَن عَليّ أَنه وَاحِدَة بَائِنَة، وَإِن اخْتَارَتْ زَوجهَا فَوَاحِدَة رَجْعِيَّة، وَعَن زيد بن ثَابت: إِن اخْتَارَتْ نَفسهَا فَثَلَاث، وَإِن اختاررت زَوجهَا فَوَاحِدَة بَائِنَة، وَعَن عمر وَابْن مَسْعُود: إِن اخْتَارَتْ نَفسهَا فَوَاحِدَة بَائِنَة وعنهما رَجْعِيَّة، وَإِن اخْتَارَتْ زَوجهَا فَلَا شَيْء.