عمدة القاري شرح صحيح البخاري

{بِسم الله الرحمان الرَّحِيم}

(كتابُ العِدَّةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَحْكَام الْعدة، وَلَفظ: كتاب، وَقع فِي كتاب ابْن بطال وَهُوَ الصَّوَاب، وَالْعدة اسْم لمُدَّة تَتَرَبَّص بهَا الْمَرْأَة عَن الزَّوْج بعد وَفَاة زَوجهَا أَو فِرَاقه لَهَا إِمَّا بِالْولادَةِ أَو بالإقراء أَو بِالْأَشْهرِ. قلت: الْعدة مصدر من عد يعد، يُقَال: عددت الشَّيْء إِذا أحصيته، وَفِي الشَّرْع: هِيَ ترُّبص أَي انْتِظَار مُدَّة تلْزم الْمَرْأَة عِنْد زَوَال النِّكَاح أَو شبهه، وعدة الْمَرْأَة الْحرَّة للطَّلَاق أَو الْفَسْخ بِغَيْر طَلَاق مثل خِيَار الْعتْق وَالْبُلُوغ، وَملك أحد الزَّوْجَيْنِ صَاحبه، وَالرِّدَّة، وَعدم الْكَفَاءَة: ثَلَاثَة أَقراء إِن كَانَت من ذَوَات الْحيض وَكَانَ بعد الدُّخُول بهَا، وَثَلَاثَة أشهر لصِغَر أَو كبر، وللموت أَرْبَعَة أشهر وَعشرَة أَيَّام سَوَاء كَانَت الْمَرْأَة مسلمة أَو كِتَابِيَّة تَحت مُسلم، صَغِيرَة أَو كَبِيرَة قبل الدُّخُول أَو بعده، وللأمة قُرْآن فِي الطَّلَاق إِن كَانَت مِمَّن تحيض، وَإِن كَانَت مِمَّن لَا تحيض لصغرٍ أَو كبرٍ أَو كَانَت توفّي عَنْهَا زَوجهَا شهر وَنصف فِي الطَّلَاق بعد الدُّخُول، وشهران وَخَمْسَة أَيَّام فِي الْوَفَاة، وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين القنة وَأم الْوَلَد والمدبرة وَالْمُكَاتبَة ومعتقة الْبَعْض عِنْد أبي حنيفَة، وعدة الْحَامِل وَضعه أَي: وضع الْحمل سَوَاء كَانَت حرَّة أَو أمة، وَسَوَاء كَانَت الْعدة عَن طَلَاق أَو وَفَاة أَو غير ذَلِك، وعدة الفار أبعد الْأَجَليْنِ من عدَّة الْوَفَاة من عدَّة الطَّلَاق عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد، وَعند أبي يُوسُف: تَعْتَد عدَّة الْوَفَاة.

83

- (بابُ قَوْلِ الله {واللائي يئسن من الْمَحِيض من نِسَائِكُم إِن ارتبتم} ) 2.
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {واللائي} . إِلَى آخِره، وَسقط لفظ: بَاب، لأبي ذَر ولكريمة، وَثَبت للباقين، وَقَالَ الْفراء فِي (كتاب مَعَاني الْقُرْآن) : ذكرُوا أَن معَاذ بن جبل، رَضِي الله عَنهُ، سَأَلَ سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله {قد عرفنَا عدَّة الَّتِي تحيض، فَمَا عدَّة الْكَبِيرَة الَّتِي يئست؟ فَنزلت؟ {فعدتهن ثَلَاثَة أشهر} (الطَّلَاق: 4) ، فَقَامَ رجل فَقَالَ: فَمَا عدَّة الصَّغِيرَة الَّتِي لم تَحض؟ فَقَالَ {واللائي لم يحضن} بِمَنْزِلَة الْكَبِيرَة الَّتِي قد يئست عدتهَا ثَلَاثَة أشهر، فَقَامَ آخر فَقَالَ: فالحوامل يَا رَسُول الله مَا عدتهن؟ فَقَالَ: {وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} (الطَّلَاق: 4) فَإِذا وضعت الْحَامِل ذَا بَطنهَا حلت للزَّوْج وَإِن كَانَ الْمَيِّت على السرير لم يدْفن، وَذكره عبد بن حميد فِي تَفْسِيره عَن عمر بن الْخطاب نَحوه، وَعند الواحدي من حَدِيث أبي عُثْمَان عَمْرو بن سَالم قَالَ: لما نزلت عدَّة النِّسَاء فِي سُورَة الْبَقَرَة قَالَ أبي بن كَعْب: يَا رَسُول الله} إِن أُنَاسًا من أهل الْمَدِينَة يَقُولُونَ: قد بَقِي من النِّسَاء مَا لم يذكر فِيهِنَّ شَيْء ... قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: الصغار والكبار وَذَوَات الْحمل؟ فَنزلت هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة. وَفِي (تَفْسِير مقَاتل) قَالَ خَلاد الْأنْصَارِيّ:

(20/303)


يَا رَسُول الله! مَا عدَّة من لم تَحض؟ فَنزلت.
قَالَ مُجاهدٌ: إنْ لَمْ تَعْلَمُوا يَحِضْنَ أوْ لاَ يَحِضْنَ والّلائِي قَعَدْنَ عَن الحَيْضِ والّلائِي لَمْ يَحِضْنَ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أشْهُرٍ.
أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي تَفْسِير قَوْله: {إِن أرتبتم} (الطَّلَاق: 4) بقوله: (إِن لم تعلمُوا) . . الخ وَوصل هَذَا التَّعْلِيق عبد بن حميد عَن شَبابَة عَن وَرْقَاء عَن ابْن أبي نجيح عَنهُ، وَقد أجمع الْعلمَاء على أَن عدَّة الآيسة من الْمَحِيض ثَلَاثَة أشهر، وَأما أولات الْأَحْمَال. . فَقَالَ إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق: أَكثر الْعلمَاء، وَالَّذِي، مضى عَلَيْهِ الْعَمَل أَنَّهَا إِذا وضعت حملهَا فقد انْقَضتْ عدتهَا، وَخَالف فِي ذَلِك عَليّ وَابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، فَإِنَّهُمَا قَالَا: عدتهَا آخر الْأَجَليْنِ، وَرُوِيَ أَيْضا عَن سَحْنُون، وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس: الرُّجُوع عَن ذَلِك، وَيُؤَيّد ذَلِك أَن أَصْحَابه عَطاء وَعِكْرِمَة وَجَابِر بن زيد قَالُوا كَقَوْل الْجَمَاعَة، وَقَالَ حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان: لَا تخرج عَن الْعدة حَتَّى يَنْقَضِي نفَاسهَا وتغتسل مِنْهُ.

93 - (بابُ قَوْلِهِ تَعَالَى: { (65) وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} (الطَّلَاق: 4) .)

أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأولَات الْأَحْمَال} (الطَّلَاق: 4) وَقد مر بَيَانه عَن قريب، وَأولَات الْأَحْمَال الحبالى.

8135 - حدّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ حَدثنَا اللّيْثُ عنْ جَعْفَرِ بنِ ربِيعَةَ عنْ عبْد الرَّحْمانِ بنِ هُرْمُزَ الأعْرَجِ قَالَ: أَخْبرنِي أبُو سَلَمَة بنُ عبدِ الرَّحمْنِ أنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أبي سَلَمَة أخْبَرَتْهُ عنْ أُمِّها أُمِّ سَلَمَة زَوْجِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أنَّ امْرَأةً مِنْ أسْلَمَ يُقالُ لَهَا: سُبَيْعَةُ، كانَتْ تَحْتَ زَوْجِها تُوُفِّيَ عنْها وهْي حُبْلَى، فَخَطَبَها أبُو السَّنابِلِ بنُ بَعْكَكٍ، فأبَتْ أنْ تَنْكِحَهُ، فَقَالَ: وَالله مَا يَصْلُحُ أنْ تَنْكحِيهِ حتَّى تَعْتَدِّي آخِرَ الأجَلْيْنِ، فَمَكَثَتْ قَرِيباً مِنْ عَشْرِ لَيالٍ ثُمَّ جاءَتِ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أنْكِحِي.
(انْظُر الحَدِيث: 9094) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي الطَّلَاق أَيْضا عَن عبد الْملك بن شُعَيْب بن اللَّيْث بن سعد عَن أَبِيه عَن جده بِهِ.
قَوْله: (من أسلم) بِلَفْظ أفعل التَّفْضِيل نِسْبَة إِلَى أسلم بن أفصى بن حَارِثَة بن عَمْرو. قَوْله: (سبيعة) مصغر السَّبْعَة الَّتِي بعد السِّتَّة بنت الْحَارِث، وَزوجهَا سعد بن خَوْلَة من بني عَامر بن لؤَي من أنفسهم، وَقيل: هُوَ حَلِيف لَهُم، مَاتَ بِمَكَّة فِي حجَّة الْوَدَاع وَهُوَ الصَّحِيح. قَوْله: (وَهِي حُبْلَى) الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (أَبُو السنابل) جمع سنبلة، واسْمه عَمْرو، وَقيل: حَبَّة بن بعكك بن الْحجَّاج بن الْحَارِث ابْن السباق بن عبد الدَّار بن قصي الْقرشِي الْعَبدَرِي، كَانَ من مسلمة الْفَتْح، وَكَانَ شَاعِرًا وَمَات بِمَكَّة. قَوْله: (فَأَبت أَن تنكحه) أَي: فامتنعت من أَن تنكحه، وَأَن مَصْدَرِيَّة. قَوْله: (فَقَالَ) الْقَائِل هُوَ أَبُو السنابل، وَوَقع عِنْد الشَّيْخ أبي الْحسن: فَقَالَت، وَهُوَ تَحْرِيف لِأَن أَبَا السنابل خاطبها بذلك. قَوْله: (آخر الْأَجَليْنِ) يَعْنِي: وضع الْحمل وتربص أَرْبَعَة أشهر وَعشر، يَعْنِي: تعتدي بأطولها. قَوْله: (أنكحي) أمرهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالنِّكَاحِ لِأَن مدَّتهَا انْقَضتْ بِوَضْع الْحمل لقَوْله تَعَالَى: {وَأولَات الْأَحْمَال} (الطَّلَاق: 4)
الْآيَة وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَذَا أَيْضا خصص عُمُوم الْآيَة لِأَن الْآيَة وَهِي قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا} (الطَّلَاق: 4) عَامَّة فِي كل مُعْتَدَّة من طَلَاق أَو وَفَاة إِذْ جَاءَت مجملة لم يذكر فِيهَا أَنَّهَا للمطلقة خَاصَّة، وَلَا للمتوفى عَنْهَا زَوجهَا، خَاصَّة. وَالْعَمَل على حَدِيث الْبَاب بالحجاز وَالْعراق وَالشَّام، وَلَا يعلم فِيهِ مُخَالف إلاَّ مَا رُوِيَ عَن عَليّ وَابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَقد ذَكرْنَاهُ فِي آخر الْبَاب الَّذِي قبل.

9135 - حدّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ عنِ اللَّيْثِ عنْ يَزيدَ أنَّ ابنَ شِهابٍ كَتَبَ إلَيْهِ أنَّ عُبَيْدَ الله ابنَ عبْدِ الله أخْبَرَهُ عنْ أبِيهِ أنّهُ كَتَبَ إِلَى ابنِ الأرْقَمِ أَن يَسْألَ سُبَيْعَةَ الأسْلَمِيَّةَ: كَيْفَ أفْتاها النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فقالَتْ: أفْتانِي إذَا وضَعْتُ أنْ أنْكَحَ.
(انْظُر الحَدِيث: 1993) .

(20/304)


هَذَا طَرِيق آخر عَن يحيى بن بكير عَن يزِيد، وَيزِيد هَذَا من الزِّيَادَة هُوَ ابْن أبي حبيب أَبُو رَجَاء الْمصْرِيّ وَاسم أبي حبيب سُوَيْد، أَعتَقته امْرَأَة مولاة لبني حسان بن عَامر بن لؤَي الْقرشِي، وَأم يزِيد مولاة نجيب، كَذَا قَالَ أَبُو مَسْعُود فِي (أَطْرَافه) إِنَّه يزِيد بن أبي حبيب، وَصرح بِهِ أَبُو نعيم وَالطَّبَرَانِيّ وَالنَّسَائِيّ فِي رواياتهم. وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : وَأبي ذَلِك شَيخنَا أَبُو مُحَمَّد الدمياطي، فَقَالَ: يزِيد هَذَا هُوَ ابْن عبد الله بن أُسَامَة بن الْهَاد، وَخَالفهُم وَخَالف الشُّرَّاح أَيْضا. وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) وَصَاحب (التَّوْضِيح) : فَينْظر، وَقيل: هَذَا وهم مِنْهُ. قلت: الظَّاهِر أَنه وهم.
قَوْله: (كتب إِلَيْهِ) فِيهِ حجَّة فِي جَوَاز الرِّوَايَة بالمكاتبة. قَوْله: (أَن عبيد الله بن عبد الله أخبرهُ عَن أَبِيه) ، هُوَ عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود. قَوْله: (إِلَى ابْن الأرقم) هُوَ عمر بن عبد الله بن الأرقم، كَذَا فِي (صَحِيح مُسلم) مُصَرحًا بِهِ، وَلَفظه: عَن ابْن شهَاب قَالَ: حَدثنِي عبيد الله بن عتبَة بن مَسْعُود أَن أَبَاهُ كتب إِلَى عمر بن عبد الله ابْن الأرقم، وَجَمِيع الشُّرَّاح جزموا أَنه عبد الله بن الأرقم، وَالظَّاهِر أَن أول شَارِح للْبُخَارِيّ وهم فِيهِ ثمَّ تبعه كل من أَتَى بعده من الشُّرَّاح، وَأما تَرْجَمَة عبد الله فَهُوَ: عبد الله بن الأرقم بن عبد يَغُوث بن وهب بن عبد منَاف بن زهرَة، أسلم يَوْم الْفَتْح وَكتب لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ لأبي بكر ثمَّ لعمر، وَاسْتَعْملهُ عُثْمَان على بَيت المَال سِنِين، ثمَّ استعفاه فأعفاه. وَقَالَ خَليفَة بن خياط: لم يزل عبد الله بن الأرقم على بَيت المَال خلَافَة عمر كلهَا وسنتين من خلَافَة عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَقَالَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: مَا رَأَيْت أحدا أخْشَى لله مِنْهُ.

0235 - حَدثنَا يَحْيَى بن قَزَعَةَ حَدثنَا مالِكٌ عنْ هِشامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنِ المِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَةَ أنَّ سُبَيْعَةَ الأسْلَمِيَّةَ نُفِسَتْ بَعْدَ وفاةِ زوْجِها بِلَيالٍ، فَجَاءَتِ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فاستَأْذَنَتْهُ أنْ تَنْكِحَ، فأذِنَ لَهَا فَنَكَحَتْ.
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور عَن يحيى بن قزعة إِلَى آخِره.
قَوْله: (نفست) ، بِضَم النُّون وَفتحهَا وَكسر الْفَاء من النّفاس بِمَعْنى الْولادَة، وَقَالَ الْهَرَوِيّ: إِذا حَاضَت فالفتح لَا غَيره. قَوْله: (بِليَال) ، قيل: خمس وَعِشْرُونَ لَيْلَة، وَقيل: أقل من ذَلِك، وَوَقع فِي رِوَايَة الزُّهْرِيّ: (فَلم تلبث أَن وضعت) ، وَعند أَحْمد: (فَلم أمكث إلاَّ شَهْرَيْن حَتَّى وضعت) ، وَفِي الرِّوَايَة الْمَاضِيَة فِي تَفْسِير الطَّلَاق: فَوضعت بعد مَوته بِأَرْبَعِينَ لَيْلَة، وَعند النَّسَائِيّ: بِعشْرين لَيْلَة، وَعند أبي حَاتِم: بِعشْرين أَو خمس عشرَة، وَعند التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ: بِثَلَاثَة وَعشْرين يَوْمًا أَو خَمْسَة وَعشْرين يَوْمًا، وَعند ابْن مَاجَه ببضع وَعشْرين، وَالْجمع بَين هَذِه الرِّوَايَات مُتَعَذر لِاتِّحَاد الْقِصَّة، فَلَعَلَّ ذَلِك هُوَ السِّرّ فِي إِبْهَام من أبهم الْمدَّة.

04

- (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: { (2) والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بأنْفُسهِنَّ ثَلاَثَة قُرُوء} (الْبَقَرَة: 822) 2.
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {والمطلقات} . . إِلَى آخِره، وَسقط لفظ: بَاب، لأبي ذَر، وَثَبت لغيره، وَالْمرَاد بالمطلقات الْمَدْخُول بِهن من ذَوَات الإقراء. قَوْله: (يَتَرَبَّصْنَ) أَي: ينتظرن، وَهَذَا خبر بِمَعْنى الْأَمر {ثَلَاثَة قُرُوء بعد طَلَاق زَوجهَا ثمَّ تتَزَوَّج إِن شَاءَت، وَقد أخرج الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة من هَذَا الْعُمُوم الْأمة إِذا طلقت فَإِنَّهَا تَعْتَد عِنْدهم بقرأين لِأَنَّهَا على النّصْف من الْحرَّة، والقرء لَا يَتَبَعَّض فكمل لَهَا قُرْآن، وَلما رَوَاهُ ابْن جريج عَن مظَاهر بن أسلم المَخْزُومِي الْمدنِي عَن الْقَاسِم عَن عَائِشَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (طَلَاق الْأمة تَطْلِيقَتَانِ وعدتها حيضتان) ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه، قَالَ ابْن كثير: وَلَكِن ظَاهر هَذَا ضَعِيف بِالْكُلِّيَّةِ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره: الصَّحِيح أَنه من قَول الْقَاسِم بن مُحَمَّد نَفسه، وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من طَرِيق عَطِيَّة الْعَوْفِيّ عَن ابْن عمر مَرْفُوعا، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَالصَّحِيح مَا رَوَاهُ سَالم وَنَافِع عَن ابْن عمر. قَوْله: وَهَكَذَا رُوِيَ عَن عمر بن الْخطاب، قَالُوا: وَلم يعرف بَين الصَّحَابَة خلاف، وَقَالَ بعض السّلف: بل عدتهَا عدَّة الْحرَّة لعُمُوم الْآيَة، وَلِأَن هَذَا أَمر جبلي فالحرائر وَالْإِمَاء فِي ذَلِك سَوَاء، وَحكى هَذَا القَوْل أَبُو عمر عَن ابْن سِيرِين وَبَعض أهل الظَّاهِر وَضَعفه.
وَقَالَ إبْرَاهِيمُ، فِيمَنْ تَزَوَّجَ فِي العِدَّةِ فَحاضَتْ عِنْدَهُ ثَلاَثَ حِيَضٍ: بانَتْ مِنَ الأَوَّلِ

(20/305)


وَلَا تَحْتَسِبُ بِهِ لِمَنْ بَعْدَهُ.
إِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ، وَهَذِه مَسْأَلَة اجْتِمَاع العدتين، فَنَقُول أَولا: إِن الْعلمَاء مجمعون على أَن الناكح فِي الْعدة يفْسخ نِكَاحه وَيفرق بَينهمَا، فَإِذا تزوج فِي الْعدة فَحَاضَت عِنْده ثَلَاث حيض بَانَتْ من الأول لِأَنَّهَا عدتهَا مِنْهُ. قَوْله: (وَلَا تحتسب بِهِ) أَي لَا تحتسب هَذِه الْمَرْأَة بِهَذَا الْحيض لمن بعده أَي: بعد الزَّوْج الأول، بل تَعْتَد عدَّة أُخْرَى للزَّوْج الثَّانِي، هَذَا قَول إِبْرَاهِيم رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن عَبدة بن أبي سُلَيْمَان عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد عَنهُ، وروى المدنيون عَن مَالك: إِن كَانَت حَاضَت حَيْضَة أَو حيضتين من الأول أَنَّهَا تتمّ بَقِيَّة عدتهَا مِنْهُ ثمَّ تسْتَأْنف عدَّة أُخْرَى من الآخر، على مَا رُوِيَ عَن عمر بن الْخطاب وَعلي بن أبي طَالب، وَهُوَ قَول اللَّيْث وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق. وروى ابْن الْقَاسِم عَن مَالك: أَن عدَّة وَاحِدَة تكون لَهما جَمِيعًا، وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَأبي حنيفَة وَأَصْحَابه.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: تَحْتَسِبُ، وَهَذَا أحَبُّ إِلَى سُفْيانَ، يَعْنِي: قَوْلَ الزُّهِرِيِّ.
أَي: قَالَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ: تحتسب هَذَا الْحيض فَيكون عدَّة لَهما، كَمَا ذكرنَا الْآن، وَهَذَا أَي قَول الزُّهْرِيّ أحب إِلَى سُفْيَان الثَّوْريّ وَحجَّة الزُّهْرِيّ وَمن تبعه فِي هَذَا إِجْمَاعهم أَن الأول لَا ينْكِحهَا فِي بَقِيَّة الْعدة من الثَّانِي، فَدلَّ على أَنَّهَا فِي عدَّة من الثَّانِي، وَلَوْلَا ذَلِك لنكحها فِي عدتهَا مِنْهُ، وَحجَّة الْأَوَّلين أَنَّهُمَا حقان قد وجبا عَلَيْهَا لزوجين كَسَائِر الْحُقُوق لَا يدْخل أَحدهمَا فِي صَاحبه.
وَقَالَ مَعْمَرٌ: يُقالُ: أقْرَأَتِ المَرْأةُ إذَا دَنا حَيْضُها، وأقْرَأتْ إذَا دَنا طُهْرُها، ويُقالُ: مَا قَرَأَتْ بسِلًى قَطُّ: إذَا لَمْ تَجْمَعْ ولَداً فِي بَطْنِها.
معمر بِفَتْح الميمين وَسُكُون الْعين هُوَ أَبُو عُبَيْدَة بن الْمثنى مَاتَ سنة عشر وَمِائَتَيْنِ. قَوْله: (يُقَال: أَقرَأت الْمَرْأَة) غَرَضه أَن الْقُرْء يسْتَعْمل بِمَعْنى الْحيض وَالطُّهْر، يَعْنِي: هُوَ من الأضداد، وَاخْتلف الْعلمَاء فِي الْأَقْرَاء الَّتِي تجب على الْمَرْأَة إِذا طلقت، فَقَالَ الضَّحَّاك وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَالنَّخَعِيّ وَسَعِيد بن الْمسيب وعلقمة وَالْأسود وَمُجاهد وَعَطَاء وطاووس وَسَعِيد بن جُبَير وَعِكْرِمَة وَمُحَمّد بن سِيرِين وَالْحسن وَقَتَادَة وَالشعْبِيّ وَالربيع، وَمُقَاتِل بن حبَان وَالسُّديّ وَمَكْحُول وَعَطَاء الْخُرَاسَانِي: الإقراء الْحيض، وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَأحمد فِي أصح الرِّوَايَتَيْنِ وَإِسْحَق، وَهَكَذَا رُوِيَ عَن أبي بكر الصّديق وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَأبي الدَّرْدَاء وَعبادَة بن الصَّامِت وَأنس بن مَالك وَابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس ومعاذ وَأبي بن كَعْب وَأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَقَالَ سَالم وَالقَاسِم وَعُرْوَة وَسليمَان بن يسَار وَأَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن وَأَبَان ابْن عُثْمَان وَالزهْرِيّ وَبَقِيَّة الْفُقَهَاء السَّبْعَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر وَدَاوُد وَأحمد فِي رِوَايَة: الْأَقْرَاء هِيَ الْأَطْهَار، وَرُوِيَ عَن ان عَبَّاس وَزيد بن ثَابت، وَقَالَ أَبُو عمر، وَهُوَ قَول عَائِشَة وَزيد بن ثَابت وَعبد الله بن عمر: فالمطلقة عِنْدهم تحل للأزواج بِدُخُولِهَا فِي الدَّم من الْحَيْضَة الثَّالِثَة، وَسَوَاء بَقِي من الطُّهْر الَّذِي طلقت فِيهِ الْمَرْأَة يَوْم وَاحِد أَو أَكثر أَو سَاعَة وَاحِدَة فَإِنَّهَا تحتسب بِهِ الْمَرْأَة قرءاً. وَقَالَت الطَّائِفَة الأولى: الْمُطلقَة لَا تحل للأزواج حَتَّى تَغْتَسِل من الْحَيْضَة الثَّالِثَة، وَطَائِفَة أُخْرَى توقفوا فِي الْأَقْرَاء هَل هِيَ حيض أم أطهار؟ وهم: سُلَيْمَان بن يسَار وفضالة بن عبيد وَأحمد فِي رِوَايَة. قَوْله: (وَيُقَال: مَا قَرَأت بِسلًى) بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وبالقصر، وَهِي الْجلْدَة الرقيقة الَّتِي يكون فِيهَا الْوَلَد من الْمَوَاشِي، مَعْنَاهُ: لم تضم رَحمهَا على ولد. وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن الْقُرْء جَاءَ بِمَعْنى الْجمع وَالضَّم أَيْضا. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الْقُرْء بِضَم الْقَاف، وَقَالَ أَبُو زيد بِفَتْح الْقَاف، وأقرأت الْمَرْأَة إِذا اسْتَقر المَاء فِي رَحمهَا، وَقَعَدت الْمَرْأَة أَيَّام إقرائها أَي: أَيَّام حَيْضهَا. وَقَالَ أَبُو عمر: أصل الْقُرْء فِي اللُّغَة الْوَقْت وَالطُّهْر وَالْحمل وَالْجمع، وَقَالَ ثَعْلَب: القروء الْأَوْقَات والواحدة قرء، وَهُوَ الْوَقْت وَقد يكون حيضا وَيكون طهرا، وَقَالَ قطرب: تَقول الْعَرَب: مَا أَقرَأت النَّاقة سلاً قطّ، أَي: لم ترم بِهِ، وأقرأت النَّاقة قرءاً، وَذَلِكَ معاودة الْفَحْل إِيَّاهَا، وَأَن كل ضراب، وَقَالُوا أَيْضا: قَرَأت الْمَرْأَة قرءاً إِذا حَاضَت وطهرت، وقرأت أَيْضا إِذا حملت، وَقيل: هُوَ من الْأَسْمَاء الْمُشْتَركَة، وَقيل: حَقِيقَة فِي الْحيض، مجَاز فِي الطُّهْر.

(20/306)


14 - (بابُ قِصَّةِ فاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قصَّة فَاطِمَة بنت قيس، لم يذكر لفظ: بَاب، فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، ولبعضهم ذكر لفظ: بَاب، وَعَلِيهِ مَشى ابْن بطال. وَفَاطِمَة بنت قيس بن خَالِد الْأَكْبَر بن وهب بن ثَعْلَبَة بن عَمْرو بن شَيبَان بن محَارب بن فهر القرشية الفهرية أُخْت الضَّحَّاك بن قيس، يُقَال: إِنَّهَا كَانَت أكبر مِنْهُ بِعشر سِنِين، وَكَانَت من الْمُهَاجِرَات الأول، وَكَانَت ذَات جمال وعقل وَكَمَال، وَفِي بَيتهَا اجْتمعت أَصْحَاب الشورى عِنْد قتل عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وخطبوا خطبتهم المأثورة، وَقَالَ الزبير: وَكَانَت امْرَأَة بخوداً، والبخود: النبيلة، قَالَ أَبُو عمر: روى عَنْهَا الشّعبِيّ وَأَبُو سَلمَة، وَأما الضَّحَّاك بن قيس فَإِنَّهُ كَانَ من صغَار الصَّحَابَة. وَقَالَ أَبُو عمر: يُقَال: إِنَّه ولد قبل وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسبع سِنِين أَو نَحْوهَا، وينقون سَمَاعه من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ على شرطة مُعَاوِيَة ثمَّ صَار عَاملا لَهُ على الْكُوفَة بعد زِيَاد، وولاه عَلَيْهَا مُعَاوِيَة سنة ثَلَاث وَخمسين وعزله سنة سبع وَخمسين وَولى مَكَانَهُ عبد الرَّحْمَن بن أم الحكم وضمه إِلَى الشَّام، فَكَانَ مَعَه إِلَى أَن مَاتَ مُعَاوِيَة، فصلى عَلَيْهِ، وَقَامَ بخلافته حَتَّى قدم يزِيد ابْن مُعَاوِيَة، فَكَانَ مَعَه إِلَى أَن مَاتَ يزِيد، وَمَات بعده ابْنه مُعَاوِيَة بن يزِيد، ووثب مَرْوَان على بعض أهل الشَّام وبويع لَهُ فَبَايع الضَّحَّاك بن قيس أَكثر أهل الشَّام لِابْنِ الزبير وَعَاد إِلَيْهِ فَاقْتَتلُوا فَقتل الضَّحَّاك بن قيس بمرج راهط لِلنِّصْفِ من ذِي الْحجَّة سنة أَربع وَسِتِّينَ، روى عَنهُ الْحسن الْبَصْرِيّ وَتَمِيم بن طرفَة وَمُحَمّد بن سُوَيْد الفِهري وَمَيْمُون بن مهْرَان وَسماك بن حَرْب.
وَأما قصَّة فَاطِمَة بنت قيس فقد رويت من وُجُوه صِحَاح متواترة، وَقَالَ مُسلم فِي (صَحِيحه) : بَاب الْمُطلقَة ثَلَاثًا لَا نَفَقَة لَهَا، ثمَّ روى قصَّتهَا من طرق مُتعَدِّدَة فَأول مَا رُوِيَ: حَدثنَا يحيى بن يحيى قَالَ: قَرَأت على مَالك عَن عبد الله بن يزِيد مولى الْأسود ابْن سُفْيَان عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن فَاطِمَة بنت قيس أَن أَبَا عمر بن حَفْص طَلقهَا الْبَتَّةَ وَهُوَ غَائِب، فَأرْسل إِلَيْهَا وَكيله بشعير فسخطته، فَقَالَ: وَالله مَالك علينا من شَيْء، فَجَاءَت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرت ذَلِك لَهُ، فَقَالَ: لَيْسَ لَك عَلَيْهِ نَفَقَة، فَأمرهَا أَن تَعْتَد فِي بَيت أم شريك، ثمَّ قَالَ: تِلْكَ امْرَأَة يَغْشَاهَا أَصْحَابِي، اعْتدى عِنْد ابْن أم مَكْتُوم فَإِنَّهُ رجل أعمى تَضَعِينَ ثِيَابك فَإِذا حللت فاذنيني. قَالَت: فَلَمَّا حللت ذكرت لَهُ أَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَأَبا جهم خطباني، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أما أَبُو جهم فَلَا يضع عَصَاهُ عَن عَاتِقه، وَأما مُعَاوِيَة فصعلوك لَا مَال لَهُ، أنكحي أُسَامَة بن زيد فَكَرِهته ثمَّ قَالَ: أنكحي أُسَامَة فنكحته فَجعل الله فِيهِ خيرا واغتبطت. وَفِي رِوَايَة أُخْرَى لَا نَفَقَة لَك وَلَا سُكْنى، وَفِي رِوَايَة: لَا نَفَقَة لَك فانتقلي فاذهبي إِلَى ابْن أم مَكْتُوم فكوني عِنْده، وَفِي رِوَايَة أبي بكر بن أبي الجهم. قَالَ: سَمِعت فَاطِمَة بنت قيس تَقول: أرسل إِلَيّ زَوجي أَبُو عمر بن حَفْص بن الْمُغيرَة عَيَّاش بن أبي ربيعَة بطلاقي، وَأرْسل مَعَه بِخَمْسَة آصَع تمر وَخَمْسَة آصَع شعير، فَقلت: أمالي نَفَقَة إلاَّ هَذَا وَألا اعْتد فِي منزلكم؟ قَالَ: لَا. قَالَت: فشددت عَليّ ثِيَابِي وأتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: كم طَلَّقَك؟ قلت: ثَلَاثًا. قَالَ: صدق، لَيْسَ لَك نَفَقَة اعْتدى فِي بَيت ابْن عمك ابْن أم مَكْتُوم. . الحَدِيث.
وَأخرج الطَّحَاوِيّ حَدِيث فَاطِمَة بنت قيس هَذِه من سِتَّة عشر طَرِيقا كلهَا صِحَاح. مِنْهَا: مَا قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن مَيْمُون، قَالَ: حَدثنَا الْوَلِيد بن مُسلم عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن يحيى قَالَ: حَدثنَا أَبُو سَلمَة قَالَ: حَدثنِي فَاطِمَة بنت قيس أَن أَبَا عَمْرو بن حَفْص المَخْزُومِي طَلقهَا ثَلَاثًا. فَأمر لَهَا بِنَفَقَة فاستقلتها. وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعثه نَحْو الْيمن، فَانْطَلق خَالِد بن الْوَلِيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي نفر من بني مَخْزُوم إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي بَيت مَيْمُونَة فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِن أَبَا عَمْرو بن حَفْص طلق فَاطِمَة ثَلَاثًا فَهَل لَهَا من نَفَقَة؟ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَيْسَ لَهَا نَفَقَة وَلَا سُكْنى وَأرْسل إِلَيْهَا أَن تنْتَقل إِلَى أم شريك، ثمَّ أرسل إِلَيْهَا أَن أم شريك يَأْتِيهَا الْمُهَاجِرُونَ الْأَولونَ فانتقلى إِلَى ابْن أم مَكْتُوم فَإنَّك إِذا وضعت خِمَارك لم يَرك.
ثمَّ الْعلمَاء اخْتلفُوا فِي هَذَا الْبَاب فِي فصلين. الأول: أَن الْمُطلقَة ثَلَاثًا لَا تجب لَهَا النَّفَقَة وَلَا السُّكْنَى عِنْد قوم إِذا لم تكن حَامِلا، وَاحْتَجُّوا بالأحاديث الْمَذْكُورَة، وهم: الْحسن الْبَصْرِيّ وَعَمْرو بن دِينَار وطاووس وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَعِكْرِمَة وَالشعْبِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَإِبْرَاهِيم فِي رِوَايَة وَأهل الظَّاهِر، وَقَالَ قوم: لَهَا النَّفَقَة وَالسُّكْنَى حَامِلا أَو غير حَامِل، وهم حَمَّاد وَشُرَيْح وَالنَّخَعِيّ وَالثَّوْري وَابْن أبي ليلى وَابْن شبْرمَة وَالْحسن بن صَالح وَأَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد بن الْحسن وَهُوَ مَذْهَب عمر بن الْخطاب وَعبد الله بن مسعد رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا

(20/307)


وَقَالَ قوم: لَهَا السُّكْنَى بِكُل حَال وَالنَّفقَة إِذا كَانَت حَامِلا، وهم: عبد الرَّحْمَن بن مهْدي وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو عُبَيْدَة وَاحْتج أَصْحَابنَا فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ بِأَن عمر وَعَائِشَة وَأُسَامَة بن زيد ردوا حَدِيث فَاطِمَة بنت قيس وأنكروه عَلَيْهَا وَأخذُوا فِي ذَلِك بِمَا رَوَاهُ الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن الْأسود عَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه قَالَ: لَا نَدع كتاب رَبنَا وَسنة نَبينَا لقَوْل امْرَأَة وهمت أَو نسيت، وَكَانَ عمر يَجْعَل لَهَا النَّفَقَة وَالسُّكْنَى، وروى مُسلم: حَدثنَا أَبُو أَحْمد حَدثنَا عمار بن زُرَيْق عَن أبي إِسْحَاق قَالَ: كنت مَعَ الْأسود بن يزِيد جَالِسا فِي الْمَسْجِد الْأَعْظَم ومعنا الشّعبِيّ، فَحدث الشّعبِيّ حَدِيث فَاطِمَة بنت قيس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يَجْعَل لَهَا سُكْنى وَلَا نَفَقَة، ثمَّ أَخذ الْأسود كفا من حصا فَحَصَبه بِهِ، فَقَالَ: وَيلك تحدث بِمثل هَذَا؟ قَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: لَا نَتْرُك كتاب الله وَسنة نَبينَا بقول امْرَأَة لَا نَدْرِي حفظت أَو نسيت لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفقَة قَالَ الله تَعَالَى: {لَا تخرجوهن من بُيُوتهنَّ وَلَا يخْرجن إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة} (الطَّلَاق: 1) وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَلَفظه: لَا نَدْرِي أحفظت أَو لَا، وَأخرجه النَّسَائِيّ وَلَفظه: قَالَ عمر لَهَا إِن جِئْت بِشَاهِدين يَشْهَدَانِ أَنَّهُمَا سمعاه من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وإلاَّ لم نَتْرُك كتاب الله لقَوْل امْرَأَة.
الْفَصْل الثَّانِي: فِي حكم خُرُوج المبتوتة بِالطَّلَاق من بَيتهَا فِي عدتهَا، فمنعت من ذَلِك طَائِفَة، رُوِيَ ذَلِك عَن ابْن مَسْعُود وَعَائِشَة، وَبِه قَالَ سعيد بن الْمسيب وَالقَاسِم وَسَالم وَأَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن وخارجة بن زيد وَسليمَان بن يسَار، وَقَالُوا: تَعْتَد فِي بَيت زَوجهَا حَيْثُ طَلقهَا، وَحكى أَبُو عبيد هَذَا القَوْل عَن مَالك وَالثَّوْري والكوفيين، وَأَنَّهُمْ كَانُوا يرَوْنَ أَن لَا تبيت المبتوتة والمتوفى عَنْهَا زَوجهَا إلاَّ فِي بَيتهَا، وَفِيه قَول آخر: أَن المبتوتة تَعْتَد حَيْثُ شَاءَت، رُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس وَجَابِر وَعَطَاء وطاووس وَالْحسن وَعِكْرِمَة، وَكَانَ مَالك يَقُول: الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا تزور وتقيم إِلَى قدر مَا يهدأ النَّاس بعد الْعشَاء ثمَّ تنْقَلب إِلَى بَيتهَا، وَهُوَ قَول اللَّيْث وَالشَّافِعِيّ وَأحمد، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: تخرج الْمُتَوفَّى عَنْهَا نَهَارا وَلَا تبيت إلاَّ فِي بَيتهَا، وَلَا تخرج الْمُطلقَة لَيْلًا وَلَا نَهَارا. قَالَ مُحَمَّد: لَا تخرج الْمُطلقَة وَلَا الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا لَيْلًا وَلَا نَهَارا فِي الْعدة، وَقَامَ الْإِجْمَاع على أَن الرَّجْعِيَّة تسْتَحقّ السُّكْنَى وَالنَّفقَة، إِذْ حكمهَا حكم الزَّوْجَات فِي جَمِيع أمورها.
وقَوْلِهِ تَعَالَى: { (65) وَاتَّقوا الله ربكُم لَا تخرجوهن من بُيُوتهنَّ وَلَا يخْرجن إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة كبينة وَتلك حُدُود الله. وَمن يَتَعَدَّ حُدُود الله فقد ظلم نَفسه لَا تَدْرِي لَعَلَّ الله يحدث بعد ذَلِك أمرا} (الطَّلَاق: 1) { (65) أسكنوهن من حَيْثُ سكنتم من. . حَتَّى يَضعن حَملهنَّ} إِلَى قَوْله: { (65) بعد عسر يسرا} (الطَّلَاق: 6 7) [/ ح.
وَقَوله بِالْجَرِّ أَي: قَول الله تَعَالَى: {وَاتَّقوا الله} هَذَا الْمِقْدَار من الْآيَة ثَبت هُنَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ بعد قَوْله: بُيُوتهنَّ الْآيَة إِلَى قَوْله: {بعد عسر يسرا} . وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة سَاق الْآيَات كلهَا وَهِي سِتّ آيَات أَولهَا من قَوْله: {يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقْتُم النِّسَاء} (الطَّلَاق: 1) إِلَى قَوْله: {سَيجْعَلُ الله بعد عسر يسرا} (الطَّلَاق: 7) قَوْله: {وَاتَّقوا الله ربكُم} أَوله قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقْتُم النِّسَاء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا الْعدة وَاتَّقوا الله ربكُم} (الطَّلَاق: 1) أَي: خَافُوا الله ربكُم الَّذِي خَلقكُم وَلَا تخرجوهن من بُيُوتهنَّ أَي: من مساكنهن الَّتِي يسكنهَا وَهِي بيُوت الْأزْوَاج، وأضيفت إلَيْهِنَّ لاختصاصها بِهن من حَيْثُ السُّكْنَى قَوْله: (الْآيَة) يَعْنِي: اقْرَأ الْآيَة إِلَى آخرهَا، وَهِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَا يخْرجن إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة وَتلك حُدُود الله وَمن يَتَعَدَّ حُدُود الله فقد ظلم نَفسه لَا تَدْرِي لَعَلَّ الله يحدث بعد ذَلِك أمرا} قَوْله: (وَلَا يخْرجن) أَي: من مساكنهن إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة، قيل: هِيَ الزِّنَا، فيخرجن لإِقَامَة الْحَد عَلَيْهِنَّ، وَقيل: الْفَاحِشَة النُّشُوز، وَالْمعْنَى: إِلَّا أَن يطلقن على نشوزهن فيخرجن لِأَن النُّشُوز يسْقط حقهن فِي السُّكْنَى، وَقيل: إلاَّ أَن يبذون فَيحل إخراجهن لبذائهن، وَالْبذَاء بِالْبَاء الْمُوَحدَة والذال الْمُعْجَمَة وبالمد: الْفُحْش فِي الْأَقْوَال، يُقَال: فلَان بذيء اللِّسَان إِذا كَانَ أَكثر كَلَامه فَاحِشا. قَوْله: (وَتلك) أَي: الْأَحْكَام الْمَذْكُورَة (حُدُود الله وَمن يَتَعَدَّ حُدُود الله فقد ظلم نَفسه) اسْتحق عِقَاب الله. قَوْله: (لَا نَدْرِي) أَي النَّفس، وَقيل: لَا تَدْرِي أَنْت يَا مُحَمَّد، وَقيل: لَا تَدْرِي أَيهَا الْمُطلق. قَوْله: (لَعَلَّ الله يحدث بعد ذَلِك) أَي: بعد الطَّلَاق مرّة أَو مرَّتَيْنِ. (أمرا) أَي رَجْعَة مَا دَامَت فِي الْعدة، وَهنا آخر الْآيَة

(20/308)


من سُورَة الطَّلَاق. قَوْله: (أسكنوهن من حَيْثُ سكنتم) ابْتِدَاء آيَة أُخْرَى من سُورَة الطَّلَاق أَيْضا إِلَى قَوْله: {سَيجْعَلُ الله بعد عسر يسرا} قَوْله: (أسكنوهن) أَي: اسكنوا المطلقات من نِسَائِكُم. قَوْله: (من حَيْثُ سكنتم) كلمة من للتَّبْعِيض أَي: من بعض مَكَان سكناكم، وَعَن قَتَادَة: إِن لم يكن لَهُ إلاَّ بَيت وَاحِد فَإِنَّهُ يسكنهَا فِي بعض جوانبه. قَوْله: (من وجدكم) بَيَان وَتَفْسِير لقَوْله: (من حَيْثُ سكنتم) كَأَنَّهُ قيل: أسكنوهن مَكَانا من سكنكم من سعتكم وطاقتكم حَتَّى تنقضى عدتهن. قَوْله: (وَلَا تضاروهن) أَي: وَلَا تؤذوهن لتضيقوا عَلَيْهِنَّ مساكنهن فيخرجن. قَوْله: (وَإِن كن أولات حمل فانفقوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضعن حَملهنَّ) فيخرجن من الْعدة. قَوْله: (فَإِن أرضعن لكم) أَي: أَوْلَادكُم مِنْهُم فَآتُوهُنَّ أُجُورهنَّ على رضاعهن. قَوْله: (وائتمروا بَيْنكُم بِمَعْرُوف) يَعْنِي: ليقبل بَعْضكُم على بعض إِذا أمروا بِالْمَعْرُوفِ، وَقَالَ الْفراء أَي: هموا، وَقَالَ الْكسَائي: أَي شاوروا، وَقيل: فَإِن أرضعن لكم يَعْنِي هَؤُلَاءِ المطلقات إِن أرضعن لكم ولدا من غَيْرهنَّ أَو مِنْهُنَّ بعد انْقِطَاع عصمَة الزَّوْجِيَّة فَآتُوهُنَّ أُجُورهنَّ وحكمهن فِي ذَلِك حكم الآظار، وَلَا يجوز عِنْد أبي حنيفَة وَأَصْحَابه الِاسْتِئْجَار إِذا كَانَ الْوَلَد مِنْهُنَّ مَا لم تبن وَيجوز عِنْد الشَّافِعِي. قَوْله: (وَإِن تعاسرتم) يَعْنِي فِي الْإِرْضَاع فَأبى الزَّوْج أَن يعْطى الْمَرْأَة أُجْرَة رضاعها وأبت الْأُم أَن ترْضِعه فَلَيْسَ لَهُ إكراهها على إرضاعه (فسترضع لَهُ أُخْرَى) أَي فستوجد وَلَا تعوز مُرْضِعَة غير الْأُم ترْضِعه. قَوْله: (لينفق ذُو سَعَة من سعته) أَي: على قدر غناهُ، وَمن قدر عَلَيْهِ أَي وَمن ضيق عَلَيْهِ رزقه فلينفق مِمَّا آتَاهُ الله. أَي: فلينفق من ذَلِك الَّذِي أعطَاهُ الله، وَإِن كَانَ قَلِيلا لَا بكلف الله نفسا إلاَّ مَا آتاها أَي إلاَّ مَا أَعْطَاهَا من المَال. قَوْله: (سَيجْعَلُ الله بعد عسر) أَي: بعد ضيق فِي الْمَعيشَة (يسرا) أَي: سَعَة هَذَا وعد لفقراء الْأزْوَاج بِفَتْح أَبْوَاب الرزق عَلَيْهِم.
أجُورَهُنَّ مُهُورَهُنَّ.
أَشَارَ إِلَى تَفْسِير قهول: (أُجُورهنَّ) فِي قَوْله تَعَالَى: {فَمَا استمتعتم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورهنَّ} (النِّسَاء: 42) أَي: مهورهن، هَذَا فِي سُورَة النِّسَاء، وَلَا يَتَأَتَّى أَن يصرف هَذَا إِلَى قَوْله هُنَا: {فَإِن أرضعن لكم فَآتُوهُنَّ أُجُورهنَّ} (الطَّلَاق: 6) لِأَن المُرَاد من الأجور هُنَا الَّذِي هُوَ جمع أجر بِمَعْنى أُجْرَة الرَّضَاع، وَالَّذِي فِي سُورَة النِّسَاء جمع أجر بِمَعْنى الْمهْر، وَفِي ذكره نوعُ بعدٍ، وَلِهَذَا لَا يُوجد فِي بعض النّسخ.

1235 -، 2235 حدّثنا إسْماعِيل حَدثنَا مالِكٌ عنْ يَحْيَى بنِ سَعيدٍ عنِ القاسمِ بنِ مُحَمَّدٍ وسُلَيْمانَ ابنِ يسارٍ أنّه سَمِعَهْما يَذْكُرَانِ أنَّ يَحْيَى بنَ سَعِيدِ بنِ العاصِ طَلَّقَ بِنْتَ عبْدِ الرَّحْمانِ بنِ الحكَم، فانْتَقَلها عبْدُ الرَّحْمانِ، فأرْسَلَتْ عائِشَةُ أُمُّ المُؤْمِنِينَ إِلَى مَرْوَانَ، وهْوَ أمِيرُ المَدِينَةِ: اتَّقِ الله وارْدُدْها إِلَى بيْتها. قَالَ مَرْوانُ فِي حَدِيثِ سُلَيْمان: إنَّ عبْدَ الرحْمانِ بنَ الحكَمِ غَلَبَنِي.
وَقَالَ القاسِمُ ابنُ مُحَمَّدٍ: أوَ مَا بَلَغَكِ شأْنُ فاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ؟ قالَتْ: لَا يَضُرُّكَ أنْ لَا تَذْكرَ حَدِيثَ فاطِمَةَ، فَقَالَ مرْوانُ بنُ الحَكَمِ: إنْ كانَ بِكِ شَرٌّ فَحَسْبُكِ مَا بَيْنَ هاذَيْنِ مِنَ الشَّرِّ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهَا بعض شَيْء من قصَّة فَاطِمَة بنت قيس.
وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس، وَيحيى بن سعيد هُوَ الْأنْصَارِيّ: وَالقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَسليمَان بن يسَار. ضد الْيَمين مولى مَيْمُونَة، وَيحيى بن سعيد بن الْعَاصِ بن أُميَّة، وَكَانَ أَبوهُ أَمِير الْمَدِينَة لمعاوية، وَيحيى هُوَ أَخُو عَمْرو بن سعيد الْمَعْرُوف بالأشدق، وَبنت عبد الرَّحْمَن بن الحكم هِيَ بنت أخي مَرْوَان الَّذِي كَانَ أَمِير الْمَدِينَة أَيْضا لمعاوية حينئذٍ، وَولي الْخلَافَة بعد ذَلِك، وَاسْمهَا: عمْرَة.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا فِي الطَّلَاق عَن القعْنبِي عَن مَالك.
قَوْله: (أَنه) أَي: أَن يحيى بن سعيد (سمعهما) أَي: سمع الْقَاسِم ابْن مُحَمَّد وَسليمَان بن يسَار. قَوْله: (فانتقلها) أَي: نقلهَا عبد الرَّحْمَن بن الحكم أَبوهَا من مَسْكَنهَا الَّذِي طلقت فِيهِ. قَوْله: (فَأرْسلت عَائِشَة) فِيهِ حذف أَي: سَمِعت عَائِشَة بِنَقْل عبد الرَّحْمَن بن الحكم بنته من مَسْكَنهَا الَّذِي طَلقهَا فِيهِ يحيى بن سعيد فَأرْسلت إِلَى مَرْوَان بن الحكم، وَهُوَ يومئذٍ أَمِير بِالْمَدِينَةِ، تَقول لَهُ عَائِشَة: (اتقِ الله وارددها) أَي: الْمُطلقَة الْمَذْكُورَة، يَعْنِي: احكم عَلَيْهَا بِالرُّجُوعِ

(20/309)


إِلَى بَيتهَا يَعْنِي إِلَى مَسْكَنهَا الَّذِي طلقت فِيهِ. فَأجَاب مَرْوَان لعَائِشَة، فِي رِوَايَة سُلَيْمَان بن يسَار، إِن عبد الرَّحْمَن بن الحكم غلبني، يَعْنِي: لم أقدر على مَنعه عَن نقلهَا.
وَقَالَ الْقَاسِم فِي رِوَايَته: إِن مَرْوَان قَالَ لعَائِشَة: أَو مَا بلغك الْخطاب لعَائِشَة شَأْن فَاطِمَة؟ يَعْنِي: قصَّة فَاطِمَة بنت قيس؟ وَهِي أَنَّهَا لم تَعْتَد فِي بَيت زَوجهَا بل انْتَقَلت إِلَى غَيره. قَوْله: (قَالَت: لَا يَضرك) أَي: قَالَت عَائِشَة لمروان: لَا يَضرك أَن لَا تذكر حَدِيث فَاطِمَة أَرَادَت: لَا تحتج فِي تَركك نقلهَا إِلَى بَيت زَوجهَا بِحَدِيث فَاطِمَة بنت قيس، لِأَن انتقالها من بَيت زَوجهَا كَانَ لعِلَّة وَهِي أَن مَكَانهَا كَانَ وحشاً مخوفا عَلَيْهِ، وَقيل: فِيهِ عِلّة أُخْرَى وَهِي أَنَّهَا كَانَت لَسِنَةً استطالت على أحمائها. قَوْله: (فَقَالَ مَرْوَان) أَي: فِي جَوَاب عَائِشَة مُخَاطبا لَهَا: إِن كَانَ بك شرّ فِي فَاطِمَة أَو فِي مَكَانهَا عِلّة لِقَوْلِك لجَوَاز انتقالها، فحسبك. أَي فكفاك فِي جَوَاز انْتِقَال هَذِه الْمُطلقَة أَيْضا مَا بَين هذَيْن أَي: الزَّوْجَيْنِ من الشَّرّ لَو سكنت دَار زَوجهَا، وَقيل: الْخطاب لبِنْت أخي مَرْوَان الْمُطلقَة أَي: لَو كَانَ شَرّ مُلْصقًا بك فحسبك من الشَّرّ مَا بَين هذَيْن الْأَمريْنِ من الطَّلَاق والانتقال إِلَى بَيت الْأَب. وَقَالَ ابْن بطال: قَول مَرْوَان لعَائِشَة: (إِن كَانَ بك شَرّ فحسبك) يدل أَن فَاطِمَة إِنَّمَا أمرت بالتحويل إِلَى الْموضع الآخر لشر كَانَ بَينهَا وَبينهمْ. قلت: حَاصِل الْكَلَام من هَذَا كُله أَن عَائِشَة لم تعْمل بِحَدِيث فَاطِمَة بنت قيس وَكَانَت تنكر ذَلِك، وَكَذَلِكَ عمر كَانَ يُنكر ذَلِك، وَكَذَا أُسَامَة وَسَعِيد بن الْمسيب وَآخَرُونَ، عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أنكر ذَلِك بِحَضْرَة أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلم يُنكر ذَلِك عَلَيْهِ مُنكر، فَدلَّ تَركهم الْإِنْكَار فِي ذَلِك عَلَيْهِ أَن مَذْهَبهم فِيهِ كمذهبه.

3235 -، 4235 حدّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشّارٍ حدَّثنا غُنْدَرٌ حَدثنَا شُعْبَةُ عنْ عبْدِ الرَّحْمنِ بنِ القاسِمِ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ أنّها قالَتْ: مَا لِفاطِمَةَ؟ ألاَ تَتَّقِي الله؟ يَعْنِي فِي قَوْلِها: لَا سُكْنَى وَلَا نَفَقَة.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة: وغندر بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون مُحَمَّد بن جَعْفَر وَقد تكَرر ذكره.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن غنْدر.
قَوْله: (حَدثنِي مُحَمَّد بن بشار) قَالَ الْحَافِظ الْمزي: أخرج البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث عَن مُحَمَّد وَلم ينْسبهُ وَهُوَ مُحَمَّد بن بشار، وَكَذَا نسبه أَبُو مَسْعُود. قَوْله: (مَا لفاطمة؟) أَي: مَا شَأْنهَا وَمَا جرى عَلَيْهَا (أَلا تتقى الله) يَعْنِي: أَلا تخَاف الله فِي قَوْلهَا: الْمُطلقَة الْبَتَّةَ لَا نَفَقَة لَهَا وَلَا سكن على زَوجهَا، وَالْحَال أَنَّهَا تعرف قصَّتهَا يَقِينا فِي أَنَّهَا إِنَّمَا أمرت بالانتقال لعذر وَعلة كَانَت بهَا، وَقَالَ الْمُهلب: إِنْكَار عَائِشَة على فَاطِمَة فتياها بِمَا أَبَاحَ لَهَا الشَّارِع من الِانْتِقَال وَتَركه السُّكْنَى، وَلم يخبر بِالْعِلَّةِ.

5235 -، 6235 حدّثنا عَمْرُو بنُ عبَّاسٍ حَدثنَا ابنُ مَهْدِي حَدثنَا سُفْيانُ عنْ عبْدِ الرَّحمانِ بنِ القاسمِ عنْ أبِيه قَالَ: قَالَ عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ لِعائِشَةَ: أَلَمْ تَرَيْنَ إِلَى فُلاَنَةَ بِنْتِ الحَكَمِ طلَّقَها زَوْجُها البَتَّةَ فَخَرَجَتْ؟ فقالَتْ: بِئْسَ مَا صَنَعَتْ. قَالَ: أَلَمْ تَسْمِعِي فِي قَوْلِ فاطِمَةَ؟ قالَتْ: أما إنَّهُ لَيْسَ لَهَا خَيْرٌ فِي ذِكْرِ هاذَا الحَدِيثِ.
وزَاد بنُ أبي الزِّنادِ عنْ هِشامٍ عنْ أبِيهِ: عابتْ عائِشَةُ أشَدَّ الْعَيْبِ، وقالَتْ: إنَّ فاطِمَة كانَتْ فِي مَكانٍ وحْشٍ فَخِيفَ علَى ناحِيتَها، فَلِذَلِكَ أرْخَصَ لَهَا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أخرجه عَن عَمْرو بن عَبَّاس أبي عُثْمَان الْبَصْرِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عَن سُفْيَان الثَّوْريّ.
قَوْله: (عَن أَبِيه) هُوَ الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (قَالَ عُرْوَة بن الزبير) وَفِي بعض النّسخ: قَالَ عُرْوَة، بِدُونِ ذكر أَبِيه. قَوْله: (ألم تَرين) ويروى على الأَصْل: ألم ترى. قَوْله: (إِلَى فُلَانَة بنت الحكم) نَسَبهَا إِلَى جدها. وَهِي بنت عبد الرَّحْمَن بن الحكم كَمَا ذكر فِي الطَّرِيق الأول. قَوْله: (أَلْبَتَّة) همزتها للْقطع لَا للوصل وَالْمَقْصُود أَنَّهَا بَانَتْ مِنْهُ وَلم يكن طَلقهَا رَجْعِيًا. قَوْله: (فَخرجت) أَي: من مسكن الْفِرَاق. قَوْله: (بئس مَا صنعت) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: بئس صنع أَي: زَوجهَا فِي تمكينها من ذَلِك، أَو بئس مَا صنع أَبوهَا فِي موافقها. قَوْله: (قَالَ: ألم تسمعي) يحْتَمل أَن يكون فَاعل

(20/310)


قَالَ هُوَ عُرْوَة، كَذَا قَالَ بَعضهم. قلت: فَاعل قَالَ هُوَ عُرْوَة بِلَا احْتِمَال، فَلْيتَأَمَّل. قَوْله: (إِمَّا أَنه) بِفَتْح همزَة أما وَتَخْفِيف ميمها، وَهِي حرف استفتاح بِمَنْزِلَة أَلا وَكلمَة: أَن، بعْدهَا تكسر بِخِلَاف، إِمَّا، الَّتِي بِمَعْنى: حَقًا فَإِنَّهَا تفتح بعْدهَا، وَالضَّمِير فِي: أَنه، للشأن. قَوْله: (لَيْسَ لَهَا خير فِي ذكر هَذَا الحَدِيث) لِأَن الشَّخْص لَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يذكر شَيْئا عَلَيْهِ فِيهِ غَضَاضَة.
قَوْله: (وَزَاد ابْن أبي الزِّنَاد) ، أَي: زَاد عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد بالنُّون واسْمه عبد الله أَبُو مُحَمَّد الْمدنِي فِيهِ مقَال، فَقَالَ النَّسَائِيّ: لَا يحْتَج بحَديثه، وَقَالَ ابْن عدي: بعض رواياته لَا يُتَابع عَلَيْهَا، وَقَالَ يَعْقُوب بن شيبَة: ثِقَة صَدُوق وَفِي بعض حَدِيثه ضعف، وَعَن يحيى بن معِين: أثبت النَّاس فِي هِشَام بن عُرْوَة، اسْتشْهد بِهِ البُخَارِيّ فِي (صَحِيحه) وروى لَهُ فِي غَيره، وروى لَهُ مُسلم فِي مُقَدّمَة كِتَابه، وروى لَهُ الْأَرْبَعَة، وَوصل هَذِه الزِّيَادَة الْمُعَلقَة أَبُو دَاوُد عَن سُلَيْمَان بن دَاوُد: أَنبأَنَا ابْن وهب أَخْبرنِي عبد الحمن بن أبي الزِّنَاد. . فَذكره. قَوْله: (عابت عَائِشَة) ، يَعْنِي: على فَاطِمَة بنت قيس، وَقَالَت يَعْنِي: عَائِشَة. قَوْله: (وَحش) بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وبالشين الْمُعْجَمَة أَي: مَكَان خَال لَا أنيس بِهِ. قَوْله: (فَلذَلِك) أَي: فلأجل كَونهَا فِي مَكَان وَحش أرخص لَهَا بالانتقال وَقد احْتَرَقَ ابْن حزم هُنَا، فَقَالَ: هَذَا حَدِيث بَاطِل لِأَنَّهُ من رِوَايَة ابْن أبي الزِّنَاد وَهُوَ ضَعِيف جدا، ورد بِمَا ذكرنَا، وَلَا سِيمَا قَول يحيى بن معِين: هُوَ أثبت النَّاس فِي هِشَام بن عُرْوَة.
وَالْحَاصِل من هَذِه الْأَحَادِيث بَيَان رد عَائِشَة حَدِيث فَاطِمَة بنت قيس على الْوَجْه الَّذِي ذكرته من غير بَيَان الْعلَّة فِيهِ، وَأَن الْمُطلقَة المبانة لَهَا النَّفَقَة وَالسُّكْنَى. وَقَالَ صَاحب (الْهِدَايَة) : وَحَدِيث فَاطِمَة رده عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا نَدع كتاب رَبنَا وَلَا سنة نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقول امْرَأَة لَا نَدْرِي صدقت أم كذبت، حفظت أم نسيت؟ إِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: للمطلقة الثَّلَاث النَّفَقَة وَالسُّكْنَى مَا دَامَت فِي الْعدة، ورده أَيْضا زيد بن ثَابت وَأُسَامَة بن زيد وَجَابِر وَعَائِشَة رَضِي الله عَنْهُم، وَقَالَ بَعضهم: ادّعى. بعض الْحَنَفِيَّة أَن فِي بعض طرق حَدِيث عمر: للمطلقة ثَلَاثًا السُّكْنَى وَالنَّفقَة، ورده ابْن السَّمْعَانِيّ بِأَنَّهُ من قَول بعض المجازفين فَلَا تحل رِوَايَته، وَقد أنكر أَحْمد ثُبُوت ذَلِك عَن عمر أصلا وَلَعَلَّه أَرَادَ مَا ورد من طَرِيق إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ عَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لكَونه لم يلقه. انْتهى. قلت: مَا المجازف إلاَّ من ينْسب المجازفة إِلَى الْعلمَاء من غير بَيَان، فَإِن كَانَ مُسْتَنده إِنْكَار أَحْمد ثُبُوت ذَلِك عَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَلَا يفِيدهُ ذَلِك لِأَن الَّذين قَالُوا بذلك يَقُولُونَ بِثُبُوت ذَلِك عَن عمر، فالمثبت أولى من النَّافِي لِأَن مَعَه زِيَادَة علم. وَقد قَالَ الطَّحَاوِيّ، الَّذِي هُوَ إِمَام جهبذ فِي هَذَا الْفَنّ: لما جَاءَت فَاطِمَة بنت قيس فروت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ لَهَا: إِنَّمَا السُّكْنَى وَالنَّفقَة لمن كَانَت عَلَيْهَا الرّجْعَة، خَالَفت بذلك كتاب الله تَعَالَى نصا، لِأَن كتاب الله تَعَالَى قد جعل السُّكْنَى لمن لَا رَجْعَة عَلَيْهَا، وخالفت سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِأَن عمر رَضِي الله عَنهُ، وَقد روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خلاف مَا رَوَت، فَخرج الْمَعْنى الَّذِي مِنْهُ أنكر عَلَيْهَا عمر مَا أنكر خُرُوجًا صَحِيحا، وَبَطل حَدِيث فَاطِمَة فَلم يجب الْعَمَل بِهِ أصلا انْتهى. وَأَرَادَ بقوله: قد رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خلاف مَا رَوَت. قَوْله: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُول لَهَا: السُّكْنَى وَالنَّفقَة، أَي للمبتوتة، وَكَذَا روى جَابر بن عبد الله رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: الْمُطلقَة ثَلَاثًا لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفقَة، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث حَرْب بن أبي الْعَالِيَة عَن أبي الزبير عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَذكره. فَإِن قلت: قَالَ عبد الْحق فِي (أَحْكَامه) : وَحرب بن أبي الْعَالِيَة لَا يحْتَج بِهِ، ضعفه يحيى بن معِين فِي رِوَايَة الداروردي عَنهُ، وَضَعفه فِي رِوَايَة ابْن أبي خَيْثَمَة، وَالْأَشْبَه وَقفه على جَابر. انْتهى. قلت: حَدِيث حَرْب بن أبي الْعَالِيَة فِي (صَحِيح مُسلم) وَأخرج لَهُ أَيْضا الْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه) وَيَكْفِي توفيق مُسلم إِيَّاه، وروى الطَّحَاوِيّ أَيْضا من حَدِيث الشّعبِيّ عَن فَاطِمَة أَنَّهَا أخْبرت عمر بن الْخطاب بِأَن زَوجهَا طَلقهَا ثَلَاثًا، فَأَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: لَا نَفَقَة لَك وَلَا سُكْنى، فَأخْبرت بذلك النَّخعِيّ فَقَالَ: أخبر عمر ذَلِك فَقَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُول: لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفقَة. فَإِن قلت: لم يدْرك إِبْرَاهِيم عمر لِأَنَّهُ ولد بعده بِسنتَيْنِ. قلت: لَا يضر ذَلِك لِأَن مُرْسل إِبْرَاهِيم يحْتَج بِهِ، وَلَا سِيمَا على أصلنَا، فَافْهَم.

24 - (بابُ المُطَلَّقَة إذَا خُشِيَ عَلَيْها فِي مَسْكَنِ زوْجِها أنْ يُقْتَحَمَ عَليْها أوْ تبذُوَ على أهْلِها بِفاحشِةٍ)

(20/311)


أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْمَرْأَة الْمُطلقَة إِذا خشِي عَلَيْهَا فِي مسكن زَوجهَا فِي أَيَّام عدتهَا أَن يقتحم عَلَيْهَا زَوجهَا من الاقتحام وَهُوَ الهجوم على الشَّخْص من غير إِذن. قَوْله: (أَو تبذو) من الْبذاء بِالْبَاء الْمُوَحدَة والذال الْمُعْجَمَة. وَهُوَ القَوْل الْفَاحِش. وَهَذِه التَّرْجَمَة مُشْتَمِلَة على شَيْئَيْنِ: أَحدهمَا: الخشية من اقتحام زَوجهَا. وَالْآخر: بذاءة اللِّسَان، وَلم يذكر مَا يُطَابق الثَّانِي وَكَأَنَّهُ قَاس الثَّانِي على الأول، وَالْجَامِع بَينهمَا رِعَايَة الْمصلحَة وَشدَّة الْحَاجة إِلَى الِاحْتِرَاز عَنهُ، وَيُؤَيِّدهُ مَا جَاءَ عَن عَائِشَة: أخرجك هَذَا اللِّسَان، وَلم يذكر جَوَاب: إِذا على عَادَته إِمَّا أَن يقدر نَحْو: تنْتَقل أَوَّلهمْ نقلهَا إِلَى مسكن غير مسكن زَوجهَا، وَإِمَّا أَن يَكْتَفِي بِمَا يبين فِي الحَدِيث وَفِي رِوَايَة الْكشميهني على أَهله.

7235 -، 8235 حدّثني حبَّانُ أخْبرنا عبْدُ الله أخبْرنا ابنُ جُرَيْجٍ عَن ابْن شهَاب عنْ عُرْوَة: أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، أنْكَرَتْ ذالِكَ على فاطِمَة.
أخرج هَذَا الحَدِيث مُخْتَصرا عَن حبَان بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وتشديدالباء الْمُوَحدَة ابْن مُوسَى الْمروزِي عَن عبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي عَن عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة بن الزبير أَن عَائِشَة أنْكرت ذَلِك أَي: قَوْلهَا فِي سُكْنى الْمُعْتَدَّة. فَالْبُخَارِي أورد هَذَا من طَرِيق ابْن جريج عَن ابْن شهَاب مُخْتَصرا، أَو أوردهُ مُسلم من طَرِيق صَالح بن كيسَان عَن ابْن شهَاب أَن أَبَا سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أخبرهُ أَن فَاطِمَة بنت قيس أخْبرته أَنَّهَا كَانَت تَحت أبي عَمْرو بن حَفْص بن الْمُغيرَة، فَطلقهَا آخر ثَلَاث تَطْلِيقَات، فَزَعَمت أَنَّهَا جَاءَت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تستفتيه فِي خُرُوجهَا من بَيتهَا فَأمرهَا أَن تنْتَقل إِلَى ابْن أم مَكْتُوم الْأَعْمَى، فَأبى مَرْوَان أَن يصدق فِي خُرُوج الْمُطلقَة من بَيتهَا، وَقَالَ عُرْوَة: إِن عَائِشَة أنْكرت على فَاطِمَة بنت قيس.
وحدثنيه مُحَمَّد بن رَافع قَالَ: حَدثنَا حجين قَالَ: حَدثنَا اللَّيْث عَن عقيل عَن ابْن شهَاب بِهَذَا الْإِسْنَاد مثله مَعَ قَول عُرْوَة: إِن عَائِشَة أنْكرت ذَلِك على فَاطِمَة.

34 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: { (2) وَلَا يحل لَهُنَّ أَن يكتمن مَا خلق الله فِي أرحامهن} (الْبَقَرَة: 822) منَ الحَيْضِ والحَمْلِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَا يحل لَهُنَّ} أَي: للنِّسَاء {أَن يكتمن} أَي: يخفين {مَا خلق الله فِي أرحامهن} من الْحيض وَالْحمل. كَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين. قَوْله: (من الْحيض وَالْحمل) وَهُوَ تَفْسِير لما قبله، وَلَيْسَ من الْآيَة، وَكَذَا فسره ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَمُجاهد وَالشعْبِيّ وَالْحكم بن عتيبة وَالربيع بن أنس وَالضَّحَّاك وَغير وَاحِد. قَوْله: (وَالْحمل) بِالْمِيم، ويروى بِالْبَاء الْمُوَحدَة، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: مَا خلق الله فِي أرحامهن من الْوَلَد أَو من أَو من دم الْحيض، وَذَلِكَ إِذا أَرَادَت الْمَرْأَة فِرَاق زَوجهَا فكتمت حملهَا لِئَلَّا تنْتَظر لطلاقها أَن تضع، وَلِئَلَّا تشفق على الْوَلَد فَيتْرك، أَو كتمت حَيْضهَا. فَقَالَت وَهِي حَائِض قد طهرت، استعجالاً للطَّلَاق. انْتهى. وَفصل أَبُو ذَر بَين قَوْله: {فِي أرحامهن} وَبَين قَوْله: من الْحيض وَالْحمل، بدائرة إِشَارَة إِلَى أَنه أُرِيد بِهِ التَّفْسِير لَا أَنَّهَا قِرَاءَة، وَلَيْسَ فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ لَفْظَة: من فِي قَوْله: من الْحيض، وَالْمَقْصُود من الْآيَة أَن أَمر الْعدة لما دَار على الْحيض وَالطُّهْر والإطلاع على ذَلِك يَقع من جِهَة النِّسَاء غَالِبا، جعلت الْمَرْأَة مؤتمنة على ذَلِك. وَقَالَ أبي بن كَعْب: إِن من الْأَمَانَة أَن الْمَرْأَة ائتمنت على فرجهَا، وَقَالَ إِسْمَاعِيل: هَذِه الْآيَة تدل على أَن الْمَرْأَة الْمُعْتَدَّة مؤتمنة على رَحمهَا من الْحيض وَالْحمل، فَإِن قَالَت: قد حِضْت كَانَت مصدقة، وَإِن قَالَت: قد ولدت كَانَ مصدقة، إلاَّ أَن تَأتي من ذَلِك مَا يعرف من كذبهَا فِيهِ، وَكَذَلِكَ كل مؤتمن فَالْقَوْل قَوْله.

9235 - حدّثنا سليْمانُ بنُ حَرْبٍ حَدثنَا شُعْبَةُ عنِ الحَكَمِ عنْ إبرَاهِيمَ عنِ الأسْوَدِ عنْ عائِشةَ، رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ: لمَّا أَرَادَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ يَنْفِرَ إذَا صَفِيّةُ على بابِ خِبائِها كَئِيبَةً. فَقَالَ لَهَا: عَقْرَى أوْ حَلْقى، إنّكِ لحَابِسَتُنَا، أَكُنْتِ أفَضْتِ يَوْمَ النَّحْرِ؟ قالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: فانْفِرِي إِذا.
ابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ شَاهدا لتصديق النِّسَاء فِيمَا يدعينه من الْحيض، أَلا ترى أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يمْتَحن صَفِيَّة فِي قَوْلهَا وَلَا أكذبها.
وَالْحكم هُوَ ابْن عتيبة، وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ، وَالْأسود هُوَ ابْن يزِيد.
والْحَدِيث قد مر فِي الْحَج فِي بَاب التَّمَتُّع.

(20/312)


قَوْله: (أَن ينفر) أَي: من الْحَج وللحج نفر إِن النَّفر الأول هُوَ الْيَوْم الثَّانِي من أَيَّام التَّشْرِيق، والنفر الثَّانِي هُوَ الْيَوْم الثَّالِث. قَوْله: (إِذا) للمفاجأة، وَصفِيَّة هِيَ بنت حييّ أم الْمُؤمنِينَ. قَوْله: (كئيبة) أَي: حزينة. قَوْله: (عقرى) مَعْنَاهُ: عقر الله جَسدهَا وأصابها وجع فِي حلقها، وَقيل: هُوَ مصدر كدعوى، وَقيل: مصدر بِالتَّنْوِينِ وَالْألف فِي الْكِتَابَة، وَقيل: هُوَ جمع عقير، وَقَالَ الْأَصْمَعِي وَأَبُو عَمْرو يُقَال ذَلِك للْمَرْأَة إِذا كَانَت مسوفة مؤذية، وَقيل: الْعَرَب تَقول ذَلِك لمن دهمه أَمر وَهُوَ بِمَعْنى الدُّعَاء لكنه جرى على لسانهم من غير قصد إِلَيْهِ. قَوْله: (أَو حلقي) شكّ من الرَّاوِي، وروى بِالتَّنْوِينِ فِي: عقري وحلقي، بجعلهما مصدرين، هَذَا هُوَ الْمَعْرُوف فِي اللُّغَة، وَأهل الحَدِيث على ترك التَّنْوِين. قَوْله: (لحابستنا) أسْند الْحَبْس إِلَيْهَا لِأَنَّهَا كَانَت سببت توقفهم إِلَى وَقت طَهَارَتهَا عَن الْحيض. قَوْله: (أَكنت؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام. قَوْله: (أفضت) . أَي: طفت طواف الزِّيَارَة. قَوْله: (أنفري) أَي: إذهبي لِأَن طواف الْوَدَاع سَاقِط عَن الْحَائِض.

44 - (بابٌ { (2) وبعولتهن أَحَق بردهن} (الْبَقَرَة: 822) فِي العِدَّةِ وكَيْفَ يُراجِعُ المْرأةَ إذَا طَلّقها واحدِةً أوْ ثِنْتَيْنِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {وبعولتهن أَحَق بردهن} والبعولة جمع بعل وَهُوَ الزَّوْج، قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: زَوجهَا الَّذِي طَلقهَا أَحَق بردهَا مَا دَامَت فِي عدتهَا، وَهُوَ معنى قَوْله: فِي الْعدة، وَقيد بذلك لِأَن عدتهَا إِذا انْقَضتْ لَا يتبقى محلا للرجعة فَيحْتَاج فِي ذَلِك إِلَى الاسْتِئْذَان وَالْإِشْهَاد وَالْعقد الْجَدِيد بِشُرُوطِهِ. قَوْله: (فِي الْعدة) لَيْسَ من الْآيَة، وَلذَلِك فصل أَبُو ذَر بَين قَوْله: (بردهن) وَبَين قَوْله: (فِي الْعدة) بدائرة إِشَارَة إِلَى أَنه لَيْسَ من الْآيَة، وَإِشَارَة إِلَى أَن المُرَاد بأحقية الرّجْعَة من كَانَت فِي الْعدة، وَهُوَ قَول جُمْهُور الْعلمَاء. وَفِي بعض النّسخ: {وبعولتهن أَحَق بردهن فِي ذَلِك} أَي: فِي الْعدة، وَهَذَا وَاضح فَلَا يحْتَاج إِلَى ذكر شَيْء، وَفِي بعض النّسخ أَيْضا بعد قَوْله فِي الْعدة. {وَلَا تعضلوهن} وَلم يثبت هَذَا فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ، وَاخْتلفُوا فِيمَا يكون بِهِ مراجعاً، فَقَالَت طَائِفَة: إِذا جَامعهَا فقد رَاجعهَا، رُوِيَ ذَلِك عَن سعيد بن الْمسيب وَعَطَاء وطاووس وَالْأَوْزَاعِيّ، وَبِه قَالَ الثَّوْريّ وَأَبُو حنيفَة، وَقَالا أَيْضا: إِذا لمسها أَو نظر إِلَى فرجهَا بِشَهْوَة من غير قصد الرّجْعَة فَهِيَ رَجْعَة، وَيَنْبَغِي أَن يشْهد. وَقَالَ مَالك وَإِسْحَاق: إِذا وَطئهَا فِي الْعدة وَهُوَ يُرِيد الرّجْعَة وَجَهل أَن يشْهد فَهِيَ رَجْعَة، وَيَنْبَغِي للْمَرْأَة أَن تَمنعهُ الْوَطْء حَتَّى يشْهد. وَقَالَ ابْن أبي ليلى: إِذا رَاجع وَلم يشْهد صحت الرّجْعَة، وَهُوَ قَول أَصْحَابنَا أَيْضا، وَالْإِشْهَاد مُسْتَحبّ. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا تكون الرّجْعَة إلاَّ بالْكلَام، فَإِن جَامعهَا بنية الرّجْعَة فَلَا رَجْعَة وَلها عَلَيْهِ مهر الْمثل، وَاسْتشْكل لِأَنَّهَا فِي حكم الزَّوْجَات. وَقَالَ مَالك: إِذا طَلقهَا وَهِي حَائِض أَو نفسَاء أجبر على رَجعتهَا، وروى ابْن أبي شيبَة عَن جَابر بن زيد إِذا رَاجع فِي نَفسه فَلَيْسَ بِشَيْء قَوْله: (وَكَيف يُرَاجع) جُزْء آخر للتَّرْجَمَة، وَيُرَاجع على صِيغَة الْمَجْهُول، وَلم يذكر جَوَاب الْمَسْأَلَة إِمَّا بِنَاء على عَادَته اعْتِمَادًا على معرفَة النَّاظر بذلك، وَإِمَّا اكْتِفَاء بِمَا يعلم من أَحَادِيث الْبَاب.

0335 - حدّثني مُحَمَّدٌ أخبرنَا عبْدُ الوَهَّابِ حدَّثنا يُونُسُ عنِ الحَسَنِ قَالَ: زوَّجَ مَعْقِلٌ اخْتَهُ فَطَلّقها تَطْلِيقَةً.

1335 - حدّثني مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى حدَّثنا عبْدُ الأعْلَى حَدثنَا سَعِيدٌ عنْ قَتادَةَ حَدثنَا الحَسَنُ أنَّ مَعْقِلَ بنَ يَسارٍ كانَتْ أُخْتُهُ تَحْتَ رجُلٍ فَطَلّقَها، ثُمَّ خَلَى عنْها حتَّى انْقَضَتْ عدَّتُها ثُمَّ خَطَبَها، فَحَمِيَ مَعْقِلٌ مِنْ ذالِكَ أنفًا، فَقَالَ: خَلّى عَنْها وهْوَ يَقْدِرُ عَلَيْها ثُمَّ يَخْطُبُها؟ فَحال بَيْنَهُ وبَيْنَهَا، فأنْزَلَ الله تَعَالَى { (2) وَإِذا طلّقْتُم النِّسَاء فبلغن أَجلهنَّ فَلَا تعضلوهن} (الْبَقَرَة: 232)
إِلَى آخِرِ الآيَة، فَدَعاهُ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَرَأ عَلَيْهِ فَتَرَكَ الحَمِيّةَ واسْتَقادَ لأِمْرِ الله.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (ثمَّ خلَّى عَنْهَا) قَالَه الْكرْمَانِي. وَأخرج هَذَا الحَدِيث من طَرِيقين: أَحدهمَا: عَن مُحَمَّد فَذكره بِغَيْر نِسْبَة، كَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْجَمِيع، قَالَ الْكرْمَانِي: قيل: هُوَ ابْن سَلام، وَقَالَ غَيره بِالْجَزْمِ: إِنَّه ابْن سَلام عَن عبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد عَن يُونُس بن عبيد الْبَصْرِيّ عَن الْحسن الْبَصْرِيّ. الطَّرِيق الثَّانِي: عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن عبد الْأَعْلَى عَن سعيد بن أبي عرُوبَة

(20/313)


عَن قَتَادَة عَن الْحسن الْبَصْرِيّ: إِن معقل، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَكسر الْقَاف: ابْن يسَار ضد الْيَمين.
والْحَدِيث مر فِي التَّفْسِير فِي سُورَة الْبَقَرَة فِي بَاب {وَإِذا طلّقْتُم النِّسَاء} (الْبَقَرَة: 132 و 232) الْآيَة، وَفِي النِّكَاح فِي: بَاب من قَالَ: (لَا نِكَاح إلاَّ بولِي) ، وَمر الْكَلَام فِيهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ.
قَوْله: (فحمي) ، بِكَسْر الْمِيم من قَوْلهم: حميت عَن كَذَا حمية بِالتَّشْدِيدِ إِذا أنفت مِنْهُ وداخلك عَار. قَوْله: (أنفًا) ، بِفَتْح الْهمزَة وَالنُّون وبالفاء أَي: اترك الْفِعْل غيظاً وترفعاً. قَوْله: (وَهُوَ يقدر عَلَيْهَا) بِأَن يُرَاجِعهَا قبل انْقِضَاء الْعدة. قَوْله: (فَترك الحمية) . بِالتَّشْدِيدِ. قَوْله: (واستقاد) ، بِالْقَافِ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: أَي أعْطى مقادته يَعْنِي طاوع وامتثل لأمر الله، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: واستراد بالراء بدل الْقَاف من الرود وَهُوَ الطّلب أَي: طلب الزَّوْج الأول ليزوجها لأجل حكم الله بذلك، أَو أَرَادَ رُجُوعهَا إِلَى الزَّوْج الأول، وَرَضي بِهِ لحكم الله بِهِ، وَكَذَا وَقع فِي أصل الدمياطي بالراء وَفَسرهُ بقوله: لِأَن وَرجع وانقاد ... ذكره ابْن التِّين بِلَفْظ: استعاد، وَقَالَ كَذَا وَقع عِنْد الشَّيْخ أبي الْحسن، بتَشْديد الدَّال وبالألف، وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن ألف المفاعلة لَا تَجْتَمِع مَعَ سين الاستفعال، ثمَّ قَالَ: وَعند أبي ذَر: واستقاد لأمر الله، أَي: أذعن وأطاع، وَهَذَا ظَاهر.

2335 - حدّثنا قُتَيْبةُ حَدثنَا اللّيْثُ عنْ نافعِ أنَّ ابنَ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ، رَضِي الله عَنْهُمَا، طَلّقَ امْرَأةً لهُ وهْيَ حائِضٌ تَطْلِيقَةً واحِدةً، فأمَرَهُ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أنْ يُرَاجِعَها ثُمَّ يُمْسِكَها حتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ عِنْدَهُ حَيْضَةُ أُخْرَى ثُمَّ يُمْهِلَها حتّى تَطْهُرَ مِنْ حَيْضِها، فإنْ أرَادَ أنْ يُطَلِّقها فَلْيُطَلِّقْها حِينَ تَطْهُرُ مِنْ قَبْلِ أنْ يُجامِعَها. فَتِلْكَ العِدَّةُ الّتِي أمَرَ الله أنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّساءُ. وكانَ عبْدُ الله إذَا سُئِلَ عنْ ذالِكَ قَالَ لأَحَدِهِمْ: إنْ كُنْتَ طَلَّقْتَها ثلاَثاً فقدْ حَرُمَتْ عَلَيْكَ حتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غيْرَكَ.
وزَاد فِيهِ غَيْرُهُ عنِ اللَّيْثِ: حدّثني نافِعٌ، قَالَ ابنُ عُمَرَ: لوْ طَلَّقْتَ مَرَّةً أَو مَرَّتَيْنِ فإنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمَرنِي بِهاذَا.
ابقته للجزء الثَّانِي للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث مضى فِي أول كتاب الطَّلَاق، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله: (غَيره) أَي: غير قُتَيْبَة شيخ البُخَارِيّ. قَوْله: (لَو طلقت مرّة) جَزَاؤُهُ مَحْذُوف أَي: لَكَانَ خيرا.

(20/314)


45 - (بَابُ: {مُرَاجَعَةِ الحَائِضِ} )

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم مُرَاجعَة الْحَائِض الَّتِي طلقت.

5333 - حدَّثنا حَجَّاجٌ حدَّثنا يَزِيدُ بنُ إبْرَاهِيمَ حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ سِيرِينَ حدَّثني يُونُسُ بنُ جُبَيْرٍ سَأَلْتُ ابنَ عُمَرَ فَقَالَ: طَلَّقَ ابنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَسألَ عُمَرُ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمَرَهُ أنْ يُرَاجِعَها ثُمَّ يُطَلِّقَ مِنْ قُبُلِ عِدَّتِها. قُلْتُ: فَتَعْتَدُّ بِتِلْكَ التَّطْلِيقَةِ؟ قَالَ: أرَأيْتَ إنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وحجاج على وزن فعال بِالتَّشْدِيدِ هُوَ ابْن منهال بِكَسْر الْمِيم، وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن إِبْرَاهِيم التسترِي.
والْحَدِيث مر فِي أَوَائِل الطَّلَاق عَن سُلَيْمَان بن حَرْب عَن شُعْبَة عَن ابْن سِيرِين، وَمر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.
قَوْله: (سَأَلت ابْن عمر) عَمَّن يُطلق امْرَأَته وَهِي حَائِض. فَقَالَ فِي جَوَابه (طلق ابْن عمر) معبرا بِلَفْظ الْغَيْبَة عَن نَفسه. قَوْله: (فَسَأَلَ عمر) فِيهِ حذف تَقْدِيره: فَسَأَلت أبي عمر عَن ذَلِك، فَسَأَلَ عمر النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بقوله: (من قبل) بِضَم الْقَاف وَالْبَاء الْمُوَحدَة، أَي: وَقت اسْتِقْبَال الْعدة والشروع فِيهَا أَن يطلقهَا فِي الطُّهْر. قَوْله: (قلت) الْقَائِل هُوَ يُونُس بن جُبَير. قَوْله: (فَتعْتَد) على صِيغَة الْمَجْهُول الِاسْتِفْهَام مُقَدّر أَي: تعْتَبر تِلْكَ التطليقة وتحتسبها وتحكم بِوُقُوع طَلْقَة قَوْله: (قَالَ) أَي: ابْن عمر فِي الْجَواب معبرا عَن نَفسه بِلَفْظ الْغَيْبَة أَيْضا (أَرَأَيْت) أَي: أَخْبرنِي أَن ابْن عمر (إِن عجز واستحمق) فَمَا يمنعهُ أَن يكون طَلَاقا يَعْنِي: نعم تحتسب وَلَا يمْنَع احتسابها عَجزه وحماقته، وَقد مر تَحْقِيقه فِي أول الطَّلَاق.
وَقَالَ ابْن التِّين: فِيهِ دلَالَة على أَن الْأَقْرَاء الْأَطْهَار. وَفِيه: حجَّة على أبي حنيفَة فِي قَوْله الْأَقْرَاء الْحيض قلت: سُبْحَانَ الله فَمَا معنى تَخْصِيص أبي حنيفَة فِي ذَلِك وَهُوَ لم ينْفَرد بِهَذَا القَوْل؟ وَلَكِن أريحة التعصب الْبَاطِل تحملهم على ذَلِك على مَا لَا يخفى.

46 - (بَابٌ: {تُحِدُّ المُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُها أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وَعَشْرا} )

أَي: هَذَا بَاب فِيهِ تُحدُّ إِلَى آخِره. قَالَ بَعضهم: تحدَّ بِضَم أَوله وَكسر ثَانِيه من الرباعي. قلت: هَذَا لَيْسَ باصطلاح أهل الصّرْف بل يُقَال: هَذَا من الثلاثي الْمَزِيد فِيهِ من أحد، على وزن أفعل يحد إحدادا. وَقَالَ ثَعْلَب: يُقَال حدت الْمَرْأَة على زَوجهَا تحد وتحد حدادا إِذا تركت الزِّينَة فَهِيَ حاد، وَيُقَال أَيْضا: أحدت فَهِيَ مَحْدُود، وَقَالَ الْفراء: إِنَّمَا كَانَت بِغَيْر هَاء لِأَنَّهَا لَا تكون للذّكر، وَقَالَ ابْن درسْتوَيْه: الْمَعْنى أَنَّهَا منعت الزِّينَة نَفسهَا وَالطّيب بدنهَا ومنعت بذلك الخطّاب خطبتها والطمع فِيهَا، كَمَا منع حد السكين

(21/2)


وحد الدَّار مَا منعهَا. وَفِي (نَوَادِر اللحياني) بِأحد جَاءَ الحَدِيث لَا يحد، قَالَ: وَحكى الْكسَائي عَن عقيل: حدت، بِغَيْر ألف، وَفِي (شرح الدَّمِيرِيّ) روى: بِالْحَاء وبالجيم وَبِالْحَاءِ أشهر وبالجيم مَأْخُوذ من جددت الشَّيْء إِذا قطعته، فَكَأَن الْمَرْأَة انْقَطَعت عَن الزِّينَة وَمَا كَانَت عَلَيْهِ أَولا قبل ذَلِك، وَفِي (تَقْوِيم المسد) لأبي حَاتِم أبي الْأَصْمَعِي: حدت وَلم يعرف إلاَّ أحدت.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا أَرَى أنْ تَقْرَبَ الصَّبِيَّةُ المُتَوَفَّى عَنْهَا الطَّيِبَ لأنَّ عَلَيْها العِدَّةَ
أَي: قَالَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ. قَوْله: (الصبية) ، بِالرَّفْع على الفاعلية، (وَالطّيب) بِالنّصب على المفعولية، وَقَالَ الْكرْمَانِي: ويروى بِالْعَكْسِ وَهُوَ ظَاهر، وَإِنَّمَا ذكر الصبية لِأَن فِيهِ خلافًا، فَعِنْدَ أبي حنيفَة: لَا حداد عَلَيْهَا. وَقَالَ مَالك: وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأَبُو عبيد وَأَبُو ثَوْر: عَلَيْهَا الْحداد. قَوْله: (لِأَن عَلَيْهَا الْعدة) ، أَي: على الصبية، أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَنَّهَا كالبالغة فِي وجوب الْعدة.

ح دَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخْبَرَنَا مِالِكٌ عَنْ عَبْدِ الله بنِ أبِي بَكْرٍ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرو بنِ حَزْمِ عَنْ حُمَيْدِ بنِ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أبِي سَلَمَةَ أنَّها أخْبَرَتْهُ هاذِهِ الأحادِيثَ الثَلاثة.

5334 - قَ الَتْ زَيْنَبُ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حِينَ تُوُفِيَ أبُوها أبُو سُفْيَانَ بنُ حَرْبٍ فَدَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِطيِبٍ فِيهِ صُفْرَةٌ خَلُوقٌ أوْ غَيْرُهُ فَدَهَنَتْ مِنْهُ جَارِيَةً ثُمَّ مَسَّتْ بِعَارِضَيْها، ثُمَّ قَالَتْ: وَالله مَالِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ، غَيْرَ أنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُولُ: لَا يَحِلُّ لامْرَأَة تُؤْمِنُ بِالله وَاليَوْمِ الآخِرِ أنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثلاثِ لَيَال، إلاّ عَلَى زَوْجِ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وَعَشْرا.

5335 - قَ الَتْ زَيْنَبُ فَدَخَلْتُ عَلَى زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ حِينَ تُوُفِّيَ أخُوهَا فَدَعَتْ بِطِيبٍ فَمَسَّتْ مِنْهُ ثُمَّ قَالَتْ: أمَا وَالله مَالِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ، غَيْرَ أنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ عَلَى المِنْبَرِ: لَا يَحِلّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِالله وَاليَوْمِ الآخِرِ أنْ تُحدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثِ لَيالٍ إلاَّ عَلَى زَوْجٍ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وَعَشْرا.

5336 - قَ الَتْ زَيْنَبُ وَسَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ تَقُولُ: جَاءَتِ امْرَأةٌ إلَى رَسُولِ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله إِن ابْنَتِي تُوُفِّي عَنْها زَوْجُها، وَقَدْ اشْتَكَتْ عَيْنَها أفَتَكْحُلُها؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا، مَرَّتَيْنِ أوْ ثَلاثا، كلُّ ذَلِكَ يَقُولُ: لَا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إنَّما هِيَ أرْبَعَةُ أشْهُرٍ وَعَشْرا، وَقَدْ كَانَتْ إحْدَاكُنَّ فِي الجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بَالبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الحَوْلِ.

5337 - قَ الَ حُمَيْدٌ: فَقُلْتُ لِزَيْنَبَ: وَمَا تَرْمِي بِالبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الحَوْلِ؟ فَقَالَتْ زَيْنَبُ: كَانَتِ المَرْأَةُ إذَا تُوُفِّيَ عَنْها زَوْجُها دَخَلَتْ حِفْشا وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِها وَلَمْ تَمسَّ طيبا حَتَّى تَمُرَّ بِها سَنَةٌ، ثُمَّ تُؤْتِى بِدَابَّةٍ: حِمارٍ أوْ شَاةٍ أوْ طَائِر، فَتَفْتَضُّ بِهِ، فَقَلَّمَا تَفْتَضُّ بِشَيءٍ إلاَّ مَاتَ ثُمَّ تَخْرُجُ فَتُعْطِى بَعْرَةً فَتَرْمِي بِها ثُمَّ تُرَاجِعُ بَعْدُ مَا شَاءَتْ مِنْ طِيب أوْ غَيْرِهِ.

وَسُئِلَ مَالِكٌ رَحْمَةُ الله: مَا تَفْتَضُّ بِهِ؟ قَالَ: تَمْسَحُ بِهِ جِلْدَها.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَحميد بن نَافِع أَبُو أَفْلح الْأنْصَارِيّ، وَزَيْنَب بنت أبي سَلمَة بن عبد الْأسد، وَهِي بنت أم سَلمَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهِي ربيبة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَزعم ابْن التِّين أَنَّهَا لَا رِوَايَة لَهَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد أخرج لَهَا مُسلم حَدِيثهَا: كَانَ اسْمِي برة فسماني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زَيْنَب، وَأخرج لَهَا البُخَارِيّ حَدِيثا تقدم فِي أَوَائِل السِّيرَة النَّبَوِيَّة. وَقَالَ أَبُو عمر: ولدتها أمهَا بِأَرْض الْحَبَشَة وقدمت بهَا وحفظت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَت عِنْد عبد الله بن زَمعَة بن الْأسود فَولدت لَهُ وَكَانَت من أفقه نسَاء

(21/3)


زمانها.
والْحَدِيث الأول: من الْأَحَادِيث الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة وَهُوَ عَن أم حَبِيبَة. والْحَدِيث الثَّانِي: وَهُوَ عَن زَيْنَب بنت جحش. قد مضيا فِي الْجَنَائِز فِي بَاب إحداد الْمَرْأَة على غير زَوجهَا. فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِسْمَاعِيل عَن مَالك إِلَى آخِره. وَأخرج. الحَدِيث الثَّالِث: وَهُوَ عَن أم سَلمَة فِي الطِّبّ عَن مُسَدّد عَن يحيى، وَأخرجه مُسلم فِي الطَّلَاق عَن يحيى بن يحيى وَغَيره. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعني عَن مَالك بِهِ، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي النِّكَاح عَن إِسْحَاق بن مُوسَى الْأنْصَارِيّ عَن مَالك بِهِ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطَّلَاق وَفِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى وَغَيره. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الطَّلَاق عَن أبي بكر بن أبي شيبَة بِهِ.
قَوْله: (قَالَت زَيْنَب: سَمِعت أم سَلمَة) هُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وَوَقع فِي (الْمُوَطَّأ) : سَمِعت أُمِّي أم سَلمَة، وَزَاد عبد الرَّزَّاق عَن مَالك: بنت أبي أُميَّة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (جَاءَت امْرَأَة) زَاد النَّسَائِيّ من طَرِيق اللَّيْث عَن حميد بن نَافِع: جَاءَت امْرَأَة من قُرَيْش، وسماها ابْن وهب فِي موطئِهِ عَاتِكَة بنت نعيم بن عبد الله. قَوْله: (وَقد اشتكت عينهَا) قيل يجوز فِيهِ وَجْهَان ضم النُّون على الفاعلية على أَن تكون الْعين هِيَ المشتكية وَفتحهَا على أَن يكون فِي اشتكت ضمير الْفَاعِل وَهِي الْمَرْأَة، وروى: عَيناهَا، وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة مُسلم. قَوْله: (أفتكحلها) ؟ بِضَم الْحَاء. قَوْله: (لَا) أَي: لَا تكحلها، وَكَذَا فِي رِوَايَة شُعْبَة عَن حميد بن نَافِع. وَقَالَ الْكرْمَانِي: قيل: هَذَا النَّهْي لَيْسَ على وَجه التَّحْرِيم، وَلَئِن سلمنَا أَنه للتَّحْرِيم فَإِذا كَانَت الضَّرُورَة فَإِن دين الله يسر يَعْنِي: الْحُرْمَة تثبت إلاّ عِنْد شدَّة الضَّرَر والضرورة، أَو مَعْنَاهُ: لَا تكتحل بِحَيْثُ يكون فِيهِ زِينَة. وَقَالَ النَّوَوِيّ: فِيهِ: دَلِيل على تَحْرِيم الاكتحال على الحادة سَوَاء احْتَاجَت إِلَيْهِ أم لَا، ورد عَلَيْهِ الْمَنْع الْمُطلق. لِأَن الضَّرُورَة مُسْتَثْنَاة فِي الشَّرْع. وَفِي (الْمُوَطَّأ) اجعليه بِاللَّيْلِ وامسحيه بِالنَّهَارِ، وَوجه الْجمع بَينهمَا أَنَّهَا إِذا لم تحتج إِلَيْهِ لَا يحل، وَإِذا احْتَاجَت لم يجز بِالنَّهَارِ وَيجوز بِاللَّيْلِ. وَقيل: حَدِيث الْبَاب على من لم تتحق الْخَوْف على عينهَا ورد بِأَن فِي حَدِيث شُعْبَة: فحشوا على عينهَا، وَفِي رِوَايَة ابْن مَنْدَه رمدت رمدا شَدِيدا وَقد خشيت على بصرها. قَوْله: (مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا) أَي: قَالَ: لَا تكتحل مرَّتَيْنِ أَو قَالَ: لَا ثَلَاث مَرَّات. وَقيل: يجوز الإكتحال، وَلَو كَانَ فِيهِ طيب، وحملوا النَّهْي على التَّنْزِيه. وَقيل: النَّهْي مَحْمُول على كحل مَخْصُوص وَهُوَ مَا يتزين بِهِ. قَوْله: (إِنَّمَا هِيَ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا) كَذَا وَقع فِي الأَصْل. بِالنّصب على لفظ الْقُرْآن، وَيجوز بِالرَّفْع على الأَصْل، وَقيل: الْحِكْمَة فِيهِ أَن الْوَلَد يتكامل يخلقته وينفخ فِيهِ الرّوح بعد مُضِيّ مائَة وَعشْرين يَوْمًا. وَهِي زِيَادَة على أَرْبَعَة أشهر بِنُقْصَان الْأَهِلّة. فَيجْبر الْكسر إِلَى الْعدة على طَرِيق الِاحْتِيَاط، وَذكر الْعشْر مؤنثاً على إراد اللَّيَالِي وَالْمرَاد مَعَ أَيَّامهَا عِنْد الْجُمْهُور فَلَا تحل حَتَّى تدخل اللَّيْلَة الْحَادِي عشر، وَعند الْأَوْزَاعِيّ وَبَعض السّلف: تَنْقَضِي بِمَعْنى اللَّيَالِي الْعشْر بعد الْأَشْهر وَتحل فِي أول الْيَوْم الْعَاشِر.
قَوْله: (قَالَ حميد) هُوَ ابْن نَافِع رَاوِي الحَدِيث، وَهُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدّم. قَوْله: (فَقلت لِزَيْنَب) هِيَ بنت أم سَلمَة. قَوْله: (وَمَا ترمي بالبعرة) أَي: بيني لي المُرَاد بِهَذَا الْكَلَام الَّذِي خوطبت بِهِ هَذِه الْمَرْأَة. قَوْله: (فَقَالَت زَيْنَب: كَانَت الْمَرْأَة) الخ هَكَذَا وَقع غير مُسْند. قَوْله: (حفشا) بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْفَاء وبالشين الْمُعْجَمَة فسره أَبُو دَاوُد فِي رِوَايَته من طَرِيق مَالك: بِالْبَيْتِ الصَّغِير، وَعند النَّسَائِيّ من طَرِيق ابْن الْقَاسِم عَن مَالك الخفش الخص، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وبالصاد الْمُهْملَة، وَقَالَ الشَّافِعِي: الخفش الْبَيْت الذَّلِيل الشعث الْبناء، وَقيل: هُوَ شَيْء من خوص يشبه القفة تجمع فِيهِ الْمُعْتَدَّة متاعها من غزل وَنَحْوه، وَقيل: بَيت صَغِير حقير قريب السّمك. وَقيل: بَيت صَغِير ضيق لَا يكَاد يَتَّسِع للتقلب. وَقَالَ: أَبُو عبيد الحفش الدرج، وَجمعه أحفاش شبه بَيت الحادة فِي صغره بالدرج، وَقَالَ الْخطابِيّ: سمي حفشا لضيقه وانضمامه والتحفش الانضمام والاجتماع. قَوْله: (حَتَّى تمر بهَا) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: لَهَا، بِاللَّامِ. قَوْله: (ثمَّ تؤتي بِدَابَّة) بِالتَّنْوِينِ قَوْله: (حمَار) بِالْجَرِّ والتنوين على الْبِدَايَة. قَوْله: (أَو شَاة أَو طَائِر) كلمة: أَو فِيهِ للتنويع وَإِطْلَاق الدَّابَّة على مَا ذكر بطرِيق اللُّغَة لَا بطرِيق الْعرف. قَوْله: (فتفتض بِهِ) بِالْفَاءِ ثمَّ التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق ثمَّ بضاد مُعْجمَة وَقَالَ الْخطابِيّ من فضضت الشَّيْء إِذا كَسرته أَو فرقته أَي: أَنَّهَا كَانَت تكسر مَا كَانَت فِيهِ من الْحداد بِتِلْكَ الدَّابَّة وَقَالَ الْأَخْفَش: مَعْنَاهُ تنظف بِهِ، وَهُوَ مَأْخُوذ من الْفضة تَشْبِيها لَهُ بنقائها وبياضها. وَقَالَ القتبي: سَأَلت الْحِجَازِيِّينَ عَنْهَا. فَقَالُوا: بِأَن الْمُعْتَدَّة كَانَت لَا تَغْتَسِل وَلَا تمس مَاء وَلَا تقلم ظفرا وَتخرج بعد الْحول بأقبح منظر ثمَّ تفتض أَي: تكسر مَا هِيَ فِيهِ من الْعدة بطائر تمسح بِهِ قبلهَا وتنبذه، فَلَا يكَاد يعِيش وَفَسرهُ مَالك بقوله: (تفتض بِهِ) تمسح بِهِ جلدهَا كالنشرة، كَمَا يَجِيء الْآن، وَقَالَ ابْن وهب: تمسح

(21/4)


بِيَدِهَا عَلَيْهِ وعَلى ظَهره، وَقيل: مَعْنَاهُ تمسح بِهِ ثمَّ تفتض أَي: تَغْتَسِل بِالْمَاءِ العذب حَتَّى تصير بَيْضَاء نقية كالفضة، وَقَالَ الْخَلِيل: الفضض المَاء العذب يُقَال: افتضضت بِهِ أَي: اغْتَسَلت بِهِ. وَقيل: تفتض أَي تفارق مَا كَانَت عَلَيْهِ، وَذكر الْأَزْهَرِي أَن الشَّافِعِي، رَحمَه الله تَعَالَى، رَوَاهُ: تقبص، بِالْقَافِ وبالياء الْمُوَحدَة وَالصَّاد الْمُهْملَة. وَهُوَ الْأَخْذ بأطراف الْأَصَابِع، وَقِرَاءَة الْحسن: فقبضت قَبْضَة من أثر الرَّسُول، وَالْمَعْرُوف الأول. وَقَالَ الْكرْمَانِي: يحْتَمل أَن يكون الْبَاء فِي تفتض بِهِ للتعدية أَو زَائِدَة يَعْنِي: تفتض الطَّائِر بِأَن تكسر بعض أعضاءه، وَلَعَلَّ غرضهن مِنْهُ الْإِشْعَار بإهلاك مَا كن فِيهِ، وَمن الرَّمْي الِانْفِصَال مِنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ. قَوْله: (فتعطى) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (بَعرَة) بِفَتْح النُّون وسكونها. قَوْله: (فترمى بهَا) أَي: بِتِلْكَ البعرة وَفِي رِوَايَة مطرف وَابْن الْمَاجشون عَن مَالك: ترمي ببعرة من بعر الْغنم أَو الْإِبِل فترمي بهَا أمامها فَيكون ذَلِك إحلالاً لَهَا، وَفِي رِوَايَة ابْن وهب: ترمي ببعرة من بعر الْغنم من وَرَاء ظهرهَا، ثمَّ قيل: المُرَاد برمي البعرة إِشَارَة إِلَى أَنَّهَا رمت الْعدة رمي البعرة. وَقيل: إِشَارَة إِلَى أَن الْفِعْل الَّذِي فعلته من التَّرَبُّص وَالصَّبْر على الْبلَاء الَّذِي كَانَت فِيهِ لما انْقَضى، كَانَ عِنْدهَا بِمَنْزِلَة البعرة الَّتِي رمتها اسْتِخْفَافًا واستحقارا وتعظيما لحقِّ زَوجهَا وَقيل: بل ترميها على سَبِيل التفاؤل لعدم عودهَا إِلَى ذَلِك.
قَوْله: (سُئِلَ مَالك: مَا تفتض) أَي: مَا مَعْنَاهُ.

47 - (بَابُ: {الكُحْلِ لِلْحَادَّةِ} )

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم اسْتِعْمَال الْكحل للْمَرْأَة الحادة أَي: الَّتِي تحد، بِفَتْح التَّاء وَضم الْحَاء، وَأما المحدة فَمن أحدت كَمَا بَيناهُ عَن قريب، وَقَالَ ابْن التِّين الصَّوَاب الحاد بِلَا هَاء لِأَنَّهُ نبت للمؤنث كطالق: حَائِض، وَقَالَ بَعضهم: لكنه جَائِز فَلَيْسَ بخطأ. قلت: إِن كَانَ يُقَال فِي طَالِق طالقة وَفِي حَائِض حائضة يُقَال: أَيْضا حادة وَإِن كَانَ لَا يُقَال طالقة وَلَا حائضة فَلَا يُقَال حادة، وَالصَّوَاب مَعَ ابْن التِّين، وَالَّذِي ادّعى جَوَازه فِيهِ نظر لَا يخفى.

5338 - حدَّثنا آدَمُ بنُ أبِي إياسٍ حدَّثنا شُعْبَةُ حدَّثنا حُمَيْدُ بنُ نَافعٍ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةَ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّها أنَّ امْرَأةً تُوُفِّيَ زَوْجُها فَحَشُوا عَيْنَيْها. فَأتَوْا رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَاستأذَنُوهُ فِي الكُحْلِ فَقَال: لَا تَكْحُلُ، قَدْ كَانَتْ إحْدَاكُنَّ تَمْكُثُ فِي شَرِّ أحْلاسها. أَو شَرِّ بَيْتها. فَإِذا كانَ حَوْلٌ فَمَرَّ كَلْبٌ رَمَتْ بِبَعْرَةٍ، فَلا حَتَّى تَمْضِيَ أرْبَعَةُ أشْهُر وَعَشْرٌ.

5339 - وَسَمِعْتُ زَيْنَبَ ابْنَةَ أُُمِّ سَلَمَةَ تُحَدِّثُ عَنْ أُُمِّ حَبِيبَةَ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: لَا يَحِلُّ لامْرَأةٍ مُسْلِمَةٍ تُؤْمِنُ بِالله وَاليَوْمِ الآخِرِ أنْ تُحِدَّ فَوْقَ ثَلاَثَةِ أيَامٍ إلاَّ عَلَى زَوْجها أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وَعَشْرا.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَهَذَا الحَدِيث هُوَ الحَدِيث الْمَذْكُور فِيمَا قبل هَذَا الْبَاب وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (فحشوا عينيها) ويروى: على عينيها، وحشوا بِفَتْح الْحَاء وَضم الشين وَأَصله: حشيوا، بِضَم الْيَاء: استثقلت الضمة على الْيَاء فنقلت إِلَى مَا قبلهَا بعد سلب حركتها فَالتقى ساكنان الْيَاء وَالْوَاو فحذفت الْيَاء وَلم تحذف الْوَاو لِأَنَّهَا عَلامَة الْجمع فَصَارَت: حَشْو على وزن: فعو. فَافْهَم. قَوْله: (لَا تكحل) بِفَتْح التَّاء وَتَشْديد الْحَاء وَضم اللَّام، وَأَصله: لَا تتكحل، بتاءين فحذفت إِحْدَاهمَا، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: لَا تكحل، بِسُكُون الْكَاف وَضم الْحَاء وَاللَّام، ويروى: لَا تكتحل من الاكتحال من بَاب الافتعال. قَوْله: (أحلاسها) جمع حلْس بِكَسْر الْحَاء وَسُكُون اللَّام وَهُوَ الثَّوْب أَو الكساء الرَّقِيق يكون تَحت البردعة. قَوْله: (أَو شرِّ بَيتهَا) شكّ من الرَّاوِي، وَذكر وصف ثِيَابهَا وَوصف مَكَانهَا. قَوْله: (فَلَا حَتَّى تمْضِي) أَي: فَلَا تكتحل حَتَّى تمْضِي أَرْبَعَة أشهر وَعشرَة أَيَّام.
قَوْله: (وَسمعت) الْقَائِل بِهَذَا هُوَ حميد ابْن نَافِع الرَّاوِي، وَهُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدّم. قَوْله: (عَن أم حَبِيبَة) هِيَ أم الْمُؤمنِينَ بنت أبي سُفْيَان أُخْت مُعَاوِيَة، وَاسْمهَا رَملَة.
والْحَدِيث مضى فِي الْجَنَائِز بأتم مِنْهُ.
قَوْله: (وَعشرا) بِالنّصب إتباعا للفظ الْقُرْآن.

(21/5)


5340 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا بِشْرٌ حدَّثنا سَلَمَةُ بنُ عَلْقَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيرِينَ قَالَتْ أُُمُّ عَطِيَّةَ: نُهِينا أنْ نُحِدَّ أكْثَرَ مِنْ ثَلاثٍ إلاّ بِزَوْجٍ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَبشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة ابْن الْمفضل، وَأم عَطِيَّة اسْمهَا نسيبة، بِضَم النُّون وَفتح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة، بنت كَعْب. وَيُقَال: بنت الْحَارِث الْأَنْصَارِيَّة.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (نهينَا) ، بِضَم النُّون على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (إلاَّ بِزَوْج) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: إلاَّ على زوج. فَإِن قلت: رُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رخص للْمَرْأَة أَن تحد على زَوجهَا حَتَّى تَنْقَضِي عدتهَا، وعَلى أَبِيهَا سَبْعَة أَيَّام وعَلى من سواهُ ثَلَاثَة أَيَّام؟ قلت: هَذَا غير صَحِيح لما تقدم أَن أم حَبِيبَة لما توفّي أَبوهَا تطيبت بعد ثَلَاث، ولعموم الْأَحَادِيث، وَلِأَن هَذَا الحَدِيث ذكره أَبُو دَاوُد فِي كتاب (الْمَرَاسِيل) عَن عَمْرو بن شُعَيْب: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: فَذكره معضلاً. قلت: ذكر أبي دَاوُد هَذَا فِي (الْمَرَاسِيل) غير موجه إلاَّ إِن كَانَ أَرَادَ بِالْإِرْسَال الِانْقِطَاع فَيتَّجه لِأَن عمرا لَيْسَ تابعيا. وَالله أعلم.

48 - (بَابُ: {القُسْطِ لِلْحَادَّةِ عِنْدَ الطُّهْرِ} )

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان اسْتِعْمَال الْقسْط للْمَرْأَة الحادة عِنْد طهرهَا من الْحيض إِذا كَانَت مِمَّن تحيض، والقسط بِضَم الْقَاف وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وبالطاء الْمُهْملَة هُوَ عود يتبخر بِهِ، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الْقسْط ضرب من الْعود.

5341 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ حدَّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عَنْ أيُّوبَ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أُُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: كُنَّا نُنْهَى أنْ نَحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثٍ إلاّ عَلَى زَوْجٍ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وَعَشْرا، وَلا نَكْتَحِلَ وَلا نَطَّيَّبَ وَلا نَلْبَسَ ثَوْبا مَصْبُوغا إلاَّ ثَوْبَ عَصْبٍ، وَقَدْ رُخِّصَ لَنا عِنْدَ الطُّهْرِ إذَا اغْتَسَلَتْ إحْدَانَا مِنْ مَحِيْضِهَا فِي نُبْذَةٍ مِنْ كُسْتٍ أظْفَار، وَكُنَّا نُنْهَى عَنْ اتِّباعَ الجنائِزِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (من كست) لِأَنَّهُ الْقسْط فأبدلت الْكَاف من الْقَاف وَالتَّاء من الطَّاء، وَقد مر بَيَانه مستقصىً فِي كتاب الْحيض فِي: بَاب الطّيب للْمَرْأَة عِنْد غسلهَا من الْحيض، فَأَنَّهُ أخرج هَذَا الحَدِيث هُنَاكَ بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد، والمتن، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (كُنَّا نُنهى) ، على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (أَن نحد) ، بِضَم النُّون وَكسر الْحَاء. قَوْله: (إلاّ ثوب عصب) ، بِفَتْح الْعين وَسُكُون الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ وبالباء الْمُوَحدَة وَهُوَ برود الْيمن يعصب غزلها ثمَّ يصْبغ. قَوْله: (وَقد رخص) ، على بِنَاء الْمَجْهُول. قَوْله: (من محيضها) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني من حَيْضهَا. قَوْله: (فِي نبذة) ، بِضَم النُّون وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وبالذال الْمُعْجَمَة: وَهُوَ الْقَلِيل من الشَّيْء. قَوْله: (من كست أظفار) ، بِالْإِضَافَة وَيَأْتِي فِي الَّذِي بعده: من قسط، بِالْقَافِ. وَقَالَ الصَّنْعَانِيّ فِي النّسخ إظفار، وَصَوَابه: ظفار، وَهُوَ بِفَتْح الظَّاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْفَاء مَوضِع بساحل عدن. وَقَالَ التَّيْمِيّ: وَهِي بِلَفْظ أظفار، وَالصَّوَاب: ظفار، وَقَالَ النَّوَوِيّ: الْقسْط والأظفار نَوْعَانِ معروفان من البخور وليسا من مَقْصُود الطّيب وَرخّص فيهمَا لإِزَالَة الرَّائِحَة لَا للتطيب. قَوْله: (وَكُنَّا ننهي) بِضَم النُّون الأولى وَسُكُون الثَّانِيَة.
قَالَ أبُو عَبْدِ الله: القُسْطُ وَالكُسْتُ مِثْلُ الكَافُورِ وَالقافُورِ، نُبْذَةٌ: أيْ قِطْعَةٌ
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن الْكَاف تبدل من الْقَاف فَيُقَال فِي الْقسْط الكست، كَمَا يُقَال فِي الكافور قافور، وتبدل الْفَاء من الطَّاء لتقارب مخرجهما. قَوْله: (نبذة) ، أَي: قِطْعَة، أَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِير قَوْله: (فِي نبذة من كست) ، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب وَلَيْسَ هَذَا بموجود فِي غَالب النّسخ.

49 - (بَابٌ: {تَلْبَسُ الحَادَّةُ ثِيابَ العَصْبِ} )

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: (تلبس الْمَرْأَة الحادة ثِيَاب العصب) وَقد ذكرنَا عَن قريب أَن العصب بالمهملتين برود يمنية يعصب غزلها أَي: يجمع ويشد ثمَّ يصْبغ وينسخ فَيَأْتِي موشيا لبَقَاء مَا عصب مِنْهُ أَبيض لم يَأْخُذهُ صبغ، يُقَال: برد عصب وبرود عصب بِالتَّنْوِينِ

(21/6)


وَالْإِضَافَة، وَقيل: هِيَ برود مخططة، قَالَ ابْن الْأَثِير: فَيكون نهي الْمُعْتَدَّة عَمَّا صبغ بعد النسج.

5342 - حدَّثنا الفَضْلُ بنُ دُكَيْنٍ حدَّثنا عَبْدِ السَّلامِ بنُ حَرْبٍ عَنْ هِشامٍ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أُُمِّ عَطِيّةَ قَالَتْ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يَحِلُّ لامْرَأةٍ تُؤْمِنُ بِالله وَاليَوْمِ الآخِرِ أنْ تُحِدَّ فَوْقَ ثَلاثٍ إلاَّ عَلَى زَوْجٍ فَإنَّها لَا تَكْتَحِلُ وَلا تَلْبِسُ ثَوْبا مَصْبُوغا إلاَّ ثَوْبَ عَصْبٍ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (إلاَّ ثوب عصب) وَهِشَام هُوَ ابْن حسان الفردوسي بِضَم الْقَاف وَسُكُون الرَّاء، وَقَالَ بَعضهم: هُوَ هِشَام الدستوَائي وَهُوَ غلط وَالصَّحِيح أَنه هِشَام بن حسان، وَكَذَا قَالَه الْحَافِظ الْمزي، وَحَفْصَة هِيَ بنت سِيرِين أُخْت مُحَمَّد بن سِيرِين، وَأورد حَدِيث أم عَطِيَّة هَذَا هُنَا مُصَرحًا بِرَفْعِهِ، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: أَجمعُوا على أَن الحادة لَا يجوز لَهَا لبس المصبغة والمعصفرة إلاَّ مَا صبغ بِالسَّوَادِ وَقد رخص فِي السوَاد عُرْوَة بن الزبير وَمَالك وَالشَّافِعِيّ، وَكَرِهَهُ الزُّهْرِيّ، وَكَانَ عُرْوَة يَقُول: لَا تلبس من الْحمرَة إلاَّ العصب، وَقَالَ الثَّوْريّ: تتقي الْمَصْبُوغ إلاَّ ثوب عصب. وَقَالَ الزُّهْرِيّ: لَا تلبس العصب، وَهُوَ خلاف الحَدِيث، وَقَالَ الشَّافِعِي: كل صبغ فِيهِ زِينَة أَو تلميع مثل العصب والحبرة والوشي فَلَا تلبسه غليظا كَانَ أَو رَقِيقا، وَعَن مَالك: تجتنب الْحِنَّاء والصباغ إلاَّ السوَاد إِن لم يكن حَرِيرًا وَلَا تلبس الملون من الصُّوف. قَالَ فِي (الْمُدَوَّنَة) إلاَّ أَن لَا تَجِد غَيره وَلَا تلبس رَقِيقا وَلَا عصب الْيمن ووسع فِي غليظه وتلبس رَقِيق الْبيَاض وغليظ الْحَرِير والكتان والقطن. وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَيحرم حلي الذَّهَب وَالْفِضَّة. وَكَذَلِكَ اللُّؤْلُؤ وَفِي اللُّؤْلُؤ وَجه أَنه يجوز.

5343 - الأنْصَارِيُّ: حدَّثنا هِشامٌ حدَّثَتْنَا حَفْصَةُ حدَّثَتْنِي أُُمُّ عَطِيَّةَ: نَهَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا تَمَسَّ طيِبا إلاّ أدْنَى طَهْرِها إذَا طَهُرَتْ نُبْذَةً مِنْ قُسْطٍ وَأظْفَارٍ.

الْأنْصَارِيّ هُوَ مُحَمَّد بن عبد الله بن الْمثنى بن عبد الله بن أنس بن مَالك قَاضِي الْبَصْرَة شيخ البُخَارِيّ، رُوِيَ عَنهُ الْكثير بِوَاسِطَة وَبلا وَاسِطَة. وَلَعَلَّ البُخَارِيّ أَخذ هَذَا عَنهُ مذاكرة فَلهَذَا لم يرو عَنهُ بِصِيغَة التحديث وَهِشَام هُوَ ابْن حسان وَقد مر عَن قريب وَقد وَصله الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق أبي حَاتِم الرَّازِيّ عَن الْأنْصَارِيّ بِلَفْظ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى أَن تحد الْمَرْأَة فَوق ثَلَاثَة أَيَّام إلاَّ على زوج فَإِنَّهَا تحد عَلَيْهِ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا، وَلَا تلبس ثوبا مصبوغا إلاَّ ثوب عصب، وَلَا تكتحل وَلَا تمس طيبا.
قَوْله: (نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا تمس) فِيهِ حذف تَقْدِيره نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَالَ: لَا تمس طيبا. قَوْله: (إلاَّ أدنى طهرهَا) ، أَي: إلاَّ فِي أول طهرهَا، والأدنى بِمَعْنى الأول. وَقيل: بِمَعْنى عِنْد، وَهُوَ الْأَوْجه، وَقَالَ الْكرْمَانِي: ويروى إِلَى أدنى مَكَان إلاّ قَوْله: (نبذة) ، بِالنّصب بدل من قَوْله: (طيبا) وَيجوز أَن يكون مَنْصُوبًا بِفعل مُقَدّر تَقْدِيره: وتمس نبذة من قسط وأظفار، بواو الْعَطف، وَهُوَ الْأَوْجه على مَا لَا يخفى.