عمدة القاري شرح صحيح البخاري

50 - (بابٌ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أزْوَاجا} إلَى قَوْلِهِ {بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرا} (الْبَقَرَة: 23)

أَي: هَذَا بَاب فِيهِ قَوْله عز وَجل: {وَالَّذين} إِلَى قَوْله: {خَيْبَر} كَذَا هَذَا الْمِقْدَار فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَرِوَايَة أبي ذَر، وسَاق فِي رِوَايَة كَرِيمَة الْآيَة بكمالها، وَقد مر تَفْسِير هَذِه الْآيَة فِي سُورَة الْبَقَرَة.

5344 - حدَّثنا إسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ أخْبَرنَا رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ حدَّثنا شِبْلٌ عَنِ ابنِ أبِي نَجيحِ عَنْ مُجَاهِدٍ {وَالَّذِينَ يَتَوَفّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أزْوَاجا} قَالَ: كَانَتْ هاذِهِ العِدَّةُ، تَعْتَدُّ عِنْدَ أهْلِ زَوْجِها وَاجِبا فَأنْزَلَ الله: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أزْواجا وَصِيَةً لأزْوَاجِهِمْ مَتاعا إلَى الحَوْلِ غَيْرَ أخْراجٍ فَإنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ} قَالَ: جَعَلَ الله لَهَا

(21/7)


تَمَامَ السَّنَةٍ سَبْعَةَ أشْهُرٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، وَصِيَةً إنْ شَاءَتْ سَكَنَتْ فِي وَصِيَّتِها، وَإنْ شَاءَت خَرَجَتْ وَهُوَ قَوْلُ الله تَعَالَى: {غَيْرَ إخْرَاجٍ فَإنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} (الْبَقَرَة: 24) فَالْعِدَّةُ كَمَا هِيَ وَاجِبٌ عَلَيْها زَعَمَ ذالِكَ عَنْ مُجاهِدٍ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وشبل بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن عباد بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة المكى يرْوى عَن عبد الله بن أبي نجيح بِفَتْح النُّون وَكسر الْجِيم وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة واسْمه يسَار ضد الْيَمين وَقضى هَذَا بِهَذَا السَّنَد والمتن فِي تَفْسِير سُورَة الْبَقَرَة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (عَن مُجَاهِد وَالَّذين) الخ أَي: عَن مُجَاهِد أَنه قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذين يتوفون} إِلَى آخِره. وَقَوله قَالَ: (كَانَت هَذِه الْعدة) توضح هَذَا الْمِقْدَار أَي: قَالَ مُجَاهِد: كَانَت هَذِه الْعدة، وَأَشَارَ بهَا إِلَى الْعدة الَّتِي تتضمنها هَذِه الْآيَة. قَوْله: (وَاجِبا) الْقيَاس وَاجِبَة بالتأنيث، وَلَكِن كَذَا وَقع فِي رِوَايَة لأبي ذَر عَن الْكشميهني، وَوَجهه إِمَّا بِاعْتِبَار الِاعْتِدَاد، وَإِمَّا بِتَقْدِير أَن يُقَال: أمرا وَاجِبا. وَإِمَّا أَن يَجْعَل الْوَاجِب اسْما لما يذم تَاركه وَيقطع النّظر عَن الوصفية، وَوَقع فِي رِوَايَة كَرِيمَة: وَاجِب، بِالرَّفْع وَوَجهه أَن يكون خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف. أَي: أَمر وَاجِب: أَو أَن يكون: كَانَت تَامَّة وَيكون قَوْله: تَعْتَد مُبْتَدأ وواجب خَبره على طَريقَة قَوْلك: تسمع بالمعيدي خير من أَن ترَاهُ، ويكن التَّقْدِير: وَأَن تَعْتَد، أَي: واعتدادها عِنْد أهل زَوجهَا وَاجِب. كَمَا يقدر فِي: تسمع. أَن تسمع، ثمَّ يَقُول: أَي: سماعك بالمعيدي خير من أَن ترَاهُ. أَي: من رُؤْيَته. قَوْله: (قَالَ: جعل الله) أَي: قَالَ مُجَاهِد: جَعَلَ الله إِلَى آخِره، وَحَاصِل كَلَام مُجَاهِد أَنه جعل على الْمُعْتَدَّة تربص أَرْبَعَة أشهر وَعشرا أوْجَبَ على أَهلهَا أَن تبقى عِنْدهم سَبْعَة أشهر وَعشْرين لَيْلَة، تَمام الْحول. وَقَالَ ابْن بطال: هَذَا قَول لم يقلهُ أحد من الْمُفَسّرين غَيره وَلَا تَابعه عَلَيْهِ أحد من الْفُقَهَاء، بل أطبقوا على أَن آيَة الْحول مَنْسُوخَة وَأَن السكني تبع للعدة، فَلَمَّا نسخ الْحول فِي الْعدة بالأربعة أشهر وَعشرا نسخت السُّكْنَى أَيْضا. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: لم يخْتَلف الْعلمَاء فِي أَن الْعدة بالحول نسخت إِلَى أَرْبَعَة أشهر وَعشرا، وَإِنَّمَا اخْتلفُوا فِي قَوْله: (غير إِخْرَاج) الْجُمْهُور على أَنه نسخ أَيْضا. قَوْله: (زعم ذَلِك عَن مُجَاهِد) أَي: قَالَ ذَلِك ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد أَن الْعدة الْوَاجِبَة أَرْبَعَة أشهر وَعشرا، وَتَمام السّنة باختيارها بِحَسب الْوَصِيَّة فَإِن شَاءَت قبلت الْوَصِيَّة وَتعْتَد إِلَى الْحول، وَإِن شَاءَت اكتفت بِالْوَاجِبِ، وَيُقَال: يحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ الْعدة إِلَى تَمام السّنة وَاجِبَة، وَأما السُّكْنَى عِنْد أهل زَوجهَا فَفِي الْأَرْبَعَة الْأَشْهر وَالْعشر وَاجِبَة، وَفِي التَّمام باختيارها، وَلَفظه: فالعدة كَمَا هِيَ وَاجِبَة عَلَيْهَا يُؤَيّد هَذَا الإحتمال، وَحَاصِله أَنه لَا يَقُول بالنسخ، وَالله أعلم.
{وَقَالَ عَطَاءٌ: قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: نَسَخَتْ هاذِهِ الآيَةُ عِدَّتَها عِنْدَ أهْلِها فَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ وَهُوَ قَوْلُ الله تَعَالَى: غَيْرَ إخْرَاجٍ}
أَي: قَالَ عَطاء بن أبي رَبَاح عَن عبد الله بن عَبَّاس إِلَى آخِره، وَقد مر فِي تَفْسِير سُورَة الْبَقَرَة.
وَقَالَ عَطَاءٌ: إنْ شَاءَتِ اعْتَدَّتْ عِنْدَ أهْلِها وَسَكَنَتْ فِي وَصِيَّتِها وَإنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ لِقَوْلِ الله: {فَلا جُناح عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أنْفُسِهِنَّ} (الْبَقَرَة: 24) قَالَ عَطَاءٌ: ثُمَّ جَاءَ المِيراثُ فَنَسَخَ السُّكْنَى فَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ وَلا سُكْنَى لَهَا.
أَي: قَالَ عَطاء الْمَذْكُور. قَوْله: (لَا سُكْنى لَهَا) ، هُوَ قَول أبي حنيفَة: إِن الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا لَا سُكْنى لَهَا، وَهُوَ أحد قولي الشَّافِعِي كَالنَّفَقَةِ، وأظهرهما الْوُجُوب، وَمذهب مَالك: إِن لَهَا السُّكْنَى إِذا كَانَت الدَّار ملكا للْمَيت.

5345 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ الله بنِ أبِي بَكْرٍ بنِ عَمْروِ بنِ حَزْمٍ حدَّثني حُمَيْدُ بنُ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أُُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُُمِّ حَبِيبَةَ ابْنَةِ أبِي سُفْيَانَ لَمَّا جَاءَها نَعِيُّ أبِيها

(21/8)


دَعَتْ بِطيب فَمَسَحَتْ ذِرَاعَيْها وَقَالَتْ: مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ، لَوْلا أنِّي سَمِعْتُ النبيَّ ت يَقُولُ: لَا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِالله وَاليَوْمِ الآخِرِ تَحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثٍ إلاَّ عَلَى زَوْجِ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وَعَشْرا.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ مَا يتَعَلَّق بالمعتدة، والترجمة فِي الْعدة، والْحَدِيث قد مر عَن قريب فِي: بَاب تحد الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا أَرْبَعَة أشهر وَعشرا. قَوْله: (يَعْنِي أَبِيهَا) ، أَي: خبر مَوته.

51 - (بَابُ: {مَهْرِ البَغِيِّ وَالنِّكاحِ الفَاسِدِ} )

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم مهر الْبَغي وَهُوَ بِفَتْح الْبَاء وَكسر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْيَاء قَالَ بَعضهم: هُوَ على وزن فعيل يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذكر والمؤنث، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَزنه فعول قلت: على الأَصْل لِأَن أَصله بغوي، على وزن فعول اجْتمعت الْوَاو وَالْيَاء وسبقت إِحْدَاهمَا بِالسُّكُونِ فأبدلت الْوَاو يَاء، وأدغمت الْيَاء فِي الْيَاء فَصَارَ: بغي، بِضَم الْغَيْن ثمَّ أبدلت الضمة كسرة لأجل الْيَاء فَصَارَ: بغي، وَأما قَول الْبَعْض: إِن وَزنه فعيل فَلَيْسَ بِصَحِيح، إِذْ لَو كَانَ كَذَلِك للزمته الْهَاء كامرأة حليمة وكريمة، واشتقاقه من الْبغاء وَهُوَ الزِّنَا. قَوْله: (وَالنِّكَاح الْفَاسِد) أَي: وَفِي حكم النِّكَاح الْفَاسِد، وأنواعه كَثِيرَة: كَالنِّكَاحِ بِلَا شُهُود، وَبلا ولي عِنْد الْبَعْض، وَنِكَاح الْمُعْتَدَّة، وَالنِّكَاح الموقت والشغار عِنْد الْبَعْض وَنَحْوهَا.
وَقَالَ الحَسَنُ: إذَا تَزَوَّج مُحَرَّمَةً وَهُوَ لَا يَشْعُرُ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَلَهَا مَا أخَذَتْ وَلَيْسَ لَهَا غَيْرُهُ ثُمَّ قَالَ بَعْدُ: لَهَا صَدَاقُها
أَي: قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: إِذا تزوج مُحرمَة، بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء أَي: امْرَأَة مُحرمَة عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: مُحرمَة بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْحَاء وَفتح الرَّاء وَالْمِيم وبالضمير، وَقَالَ الْكرْمَانِي: مُحرمَة بِلَفْظ فَاعل من الْإِحْرَام، وبلفظ مفعول التَّحْرِيم وبلفظ الْمحرم بِفَتْح الْمِيم وَالرَّاء الْمُضَاف، وَضَبطه الدمياطي بِضَم الْمِيم وَكسر الرَّاء، وَقَالَ ابْن التِّين: يُرِيد ذَات محرم. قَوْله: (وَهُوَ لَا يشْعر) ، أَي: وَالْحَال أَن الرجل لم يدر بذلك، فرق بَينهمَا. (وَلها مَا أخذت) من الرجل يَعْنِي صَدَاقهَا الْمُسَمّى (وَلَيْسَ لَهَا غَيره) وَهُوَ قَول مَالك الْمَشْهُور. قَوْله: (ثمَّ قَالَ) ، أَي: الْحسن بعد أَن قَالَ: وَلَيْسَ لَهَا غَيره (لَهَا صَدَاقهَا) يَعْنِي: صدَاق مثلهَا، وَسَائِر الْفُقَهَاء على هذَيْن الْقَوْلَيْنِ فطائفة تَقول بِصَدَاق الْمثل، وَطَائِفَة تَقول بِالْمُسَمّى، وَأما من تزوج مُحرمَة وَهُوَ عَالم بِالتَّحْرِيمِ فَقَالَ مَالك وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ: عَلَيْهِ الْحَد وَلَا صدَاق فِي ذَلِك، وَقَالَ الثَّوْريّ: وَأَبُو حنيفَة: لَا حد عَلَيْهِ وَإِن علم يُعَزّر، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يبلغ بِهِ أَرْبَعِينَ، وَتَعْلِيق الْحسن رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن عبد الْأَعْلَى عَن سعيد عَن مطر عَنهُ بِهِ.

5346 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أبِي بَكْرٍ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ عَنْ أبِي مَسْعُودٍ، رَضِيَ الله عَنهُ، قَالَ: نَهَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنْ ثَمَنِ الكَلْبِ وَحُلوَانِ الكاهِنِ وَمَهْرِ البَغِيِّ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَعلي بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَأَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث ابْن هِشَام المَخْزُومِي وَأَبُو مَسْعُود عقبَة بن عَمْرو الْأنْصَارِيّ البدري.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْبيُوع فِي: بَاب ثمن الْكَلْب فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن ابْن شهَاب عَن أبي بكر إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، أما ثمن الْكَلْب فَحَرَام عِنْد الْحسن الْبَصْرِيّ وَرَبِيعَة وَحَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَدَاوُد وَمَالك فِي رِوَايَة، وَاحْتَجُّوا بِهَذَا الحَدِيث. وَقَالَ عَطاء وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَأَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَابْن كنَانَة وَسَحْنُون من الْمَالِكِيَّة: الْكلاب الَّتِي ينْتَفع بهَا يجوز بيعهَا وتباح أثمانها، وَأَجَابُوا عَن الحَدِيث بِأَنِّي النَّهْي عَنهُ إِنَّمَا كَانَ حِين أَمر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقتل الْكلاب، وَلما أَبَاحَ الِانْتِفَاع بهَا للاصطياد وَنَحْوه، وَنهى عَن قَتلهَا نسخ النَّهْي الْمَذْكُور، وَأما حلوان الكاهن فَإِنَّهُ رشوة يَأْخُذهَا الكاهن على مَا يَأْتِي بِهِ من الْبَاطِل، وروى الطَّحَاوِيّ أَيْضا عَن أبي مَسْعُود: أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: ثَلَاث هن سحت ثمَّ ذكر مثل الحَدِيث الْمَذْكُور، وَأما مهر الْبَغي، وَهُوَ الَّذِي يعْطى على النِّكَاح الْمحرم فَحَرَام، وَقَالَ القَاضِي: لم يخْتَلف الْعلمَاء فِي تَحْرِيم أجر الْبَغي لِأَنَّهُ ثمن عَن محرم، وَقد حرم الله الزِّنَا فَلذَلِك أبطلوا أجر الْمُغنيَة والنائحة، وَأَجْمعُوا على بُطْلَانه.

(21/9)


5347 - حدَّثنا آدَمُ حدَّثنا شُعْبَةُ حدَّثنا عَوْنُ بنُ أبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أبِيهِ قَالَ: لَعَنَ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الوَاشِمَةِ وَالمُسْتَوْشِمَةَ وَآكِلَ الرِّبا وَمُوكِلَهُ، وَنَهَى عَنْ ثَمِنِ الكَلْبِ وَكَسْبِ البَغِيِّ وَلَعَنَ الْمُصَوِّرِينَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو جُحَيْفَة بِضَم الْجِيم اسْمه وهب بن عبد الله السوَائِي نزل الْكُوفَة وابتنى بهَا دَارا وَمضى الحَدِيث فِي كتاب الْبيُوع فِي بَاب: ثمن الْكَلْب، والواشمة من الوشم الْمُعْجَمَة وهوأن يغرز الْجلد بالأبرة ثمَّ يحشى بالكحل، والمستوشمة الَّتِي تسْأَل أَن يفعل بهَا ذَلِك، وَالْمُوكل الْمطعم والآكل الْآخِذ، وَإِنَّمَا سوى فِي الْإِثْم بَينهمَا وَإِن كَانَ أَحدهمَا رابحا وَالْآخر خاسرا لِأَنَّهُمَا فِي فعل الْحَرَام شريكان متعاونان.

5348 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ أخْبَرَنا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدٍ بنِ جُحَادَةَ عَنْ أبِي حَازِمٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ نَهَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنْ كَسْبِ الإمَاءِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن المُرَاد كسب الْإِمَاء هُوَ مَا يأخذنه على الزِّنَا، فَيدْخل فِي مهر الْبَغي.
والْحَدِيث مر فِي آخر الْبيُوع، وَمُحَمّد بن جحادة، بِضَم الْجِيم وَتَخْفِيف الْحَاء الْمُهْملَة، الأيامي بتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَأَبُو حَازِم، بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالزاي: سُلَيْمَان الْأَشْجَعِيّ.

52 - (بَابُ: {المَهْرِ لِلْمَدْخُولِ عَلَيْهَا وَكَيْفَ الدُّخُولُ أوْ طَلَقَها قَبْلَ الدُّخُولِ وَالمَسِيسِ} )

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْمهْر للْمَرْأَة الْمَدْخُول عَلَيْهَا. قَوْله: (وَكَيف الدُّخُول) ، عطف على مَا قبله. أَي: وَفِي بَيَان كَيْفيَّة الدُّخُول، يَعْنِي: بِمَ يثبت بَين الْعلمَاء، وَقَالَت طَائِفَة: إِذا أغلق بَابا أرْخى سترا على الْمَرْأَة فقد وَجب الصَدَاق كَامِلا وَالْعدة، رُوِيَ ذَلِك عَن عَمْرو وَعلي وَزيد بن ثَابت ومعاذ بن جبل وَابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَهُوَ قَول الْكُوفِيّين: وَاللَّيْث وَالْأَوْزَاعِيّ وَأحمد، وَقَالَت طَائِفَة: لَا يجب الْمهْر إلاَّ بالمسيس، أَي: الْجِمَاع، رُوِيَ ذَلِك عَن ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَبِه قَالَ شُرَيْح وَالشعْبِيّ، وَإِلَيْهِ ذهب الشَّافِعِي وَأَبُو ثَوْر، وَقَالَ ابْن الْمسيب: إِذا دخل بِالْمَرْأَةِ فِي بَيتهَا صدق عَلَيْهَا، وَإِن دخلت عَلَيْهِ فِي بَيته صدقت عَلَيْهِ، وَهُوَ قَول مَالك. قَوْله: (أَو طَلقهَا قبل الدُّخُول والمسيس) ، وَقَالَ ابْن بطال: تَقْدِيره أَو كَيفَ طَلقهَا، وَاكْتفى بِذكر الْفِعْل عَن ذكر الْمصدر لدلالته عَلَيْهِ انْتهى، وَإِنَّمَا ذكر اللَّفْظَيْنِ: أَعنِي: الدُّخُول والمسيس إِشَارَة إِلَى المذهبين: الِاكْتِفَاء بالخلوة والاحتياج إِلَى الْجِمَاع، وَلَفظ الْمَسِيس لم يثبت إلاَّ فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ.

53 - (بَابُ: {المِتْعَةِ لِلَّتِي لَمْ يُفْرَضْ لَهَا} )

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْمُتْعَة للمطلقة الَّتِي لم يدْخل بهَا وَلم يسم لَهَا صَدَاقا.
وَاخْتلف فِي الْمُتْعَة، فَقَالَت طَائِفَة هِيَ وَاجِبَة للمطلقة الَّتِي لم يدْخل بهَا وَلم يسم لَهَا صَدَاقا رُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر، وَهُوَ قَول عَطاء، وَالشعْبِيّ وَالنَّخَعِيّ

(21/10)


وَالزهْرِيّ، وَبِه قَالَ الْكُوفِيُّونَ: وَلَا يجمع مهر مَعَ الْمُتْعَة. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: وَبِه قَالَ شُرَيْح وَعبد الله بن مُغفل أَيْضا، وَقَالَت الْحَنَفِيَّة: فَإِن دخل بهَا ثمَّ طَلقهَا فَإِنَّهُ يمتعها وَلَا يجْبر عَلَيْهِ هُنَا، وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَابْن حَيّ وَالْأَوْزَاعِيّ، إِلَّا أَن الْأَوْزَاعِيّ قَالَ: فَإِن كَانَ أحد الزَّوْجَيْنِ مَمْلُوكا لم تجب وَقَالَ أَبُو عمر: وَقد رُوِيَ عَن الشَّافِعِي مثل قَول أبي حنيفَة وَقَالَت طَائِفَة: لكل مُطلقَة مُتْعَة مَدْخُولا بهَا كَانَت أَو غير مَدْخُول بهَا إِذا وَقع الْفِرَاق من قبله وَلم يتم إلاَّ بِهِ إلاَّ الَّتي سمى لَهَا وَطَلقهَا، قبل الدُّخُول، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَأبي ثَوْر، وَرُوِيَ عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: لكل مُطلقَة مُتْعَة، وَمثله عَن الْحسن وَسَعِيد بن جُبَير وَأبي قلَابَة. وَقَالَت طَائِفَة: الْمُتْعَة لَيست بواجبة فِي مَوضِع من الْمَوَاضِع، وَهُوَ قَول ابْن أبي ليلى وَرَبِيعَة وَمَالك وَاللَّيْث وَابْن أبي أُسَامَة.
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا جُناحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} إلَى قَوْلِهِ: {إنَّ الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرا} (الْبَقَرَة: 237)
اسْتدلَّ البُخَارِيّ بِهَذِهِ الْآيَة على وجوب الْمُتْعَة لكل مُطلقَة مُطلقًا، وَهُوَ قَول سعيد بن جُبَير وَغَيره، وَاخْتَارَهُ ابْن جرير، وَتَمام الْآيَة: {مَا لم تمَسُّوهُنَّ أَو تفرضوا لَهُنَّ فَرِيضَة ومتعوهن على الموسع قدره وعَلى المقتر قدره مَتَاعا بِالْمَعْرُوفِ حَقًا على الْمُحْسِنِينَ} قَوْله: (متعوهن) ، أَمر بإمتاعها وَهُوَ تعويضها عَمَّا فاتها بِشَيْء تعطاه من زَوجهَا بِحَسب حَاله. (على الموسع قدره وعَلى المقتر قدره) والموسع الَّذِي لَهُ سَعَة، والمقتر الضّيق الْحَال. قَوْله: (قدره) ، أَي: مِقْدَاره الَّذِي يطيقه وَهَذِه الْآيَة نزلت فِي رجل من الْأَنْصَار تزوج بِامْرَأَة من بني حنيفَة وَلم يسم لَهَا مهْرا ثمَّ طَلقهَا قبل الدُّخُول. فَقَالَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَتعهَا وَلَو بقلنسوة. وَقَالَ أَصْحَابنَا: لَا تجب الْمُتْعَة إلاَّ لهَذِهِ وَحدهَا، وتستحب لسَائِر المطلقات. قَوْله: (مَتَاعا) ، تَأْكِيد لقَوْله: (ومتعوهن) بِمَعْنى تمتيعا (بِالْمَعْرُوفِ) الَّذِي يحسن فِي الشَّرْع والمروءة. قَوْله: (حَقًا) ، صفة لمتاعا أَي: مَتَاعا وَاجِبا عَلَيْهِم أَو حق ذَلِك حَقًا على الْمُحْسِنِينَ الَّذين يحسنون إِلَى المطلقات بالتمتع.
وَقَوْلِهِ: {وَلِلْمُطَلِّقَاتِ مَتاعٌ بالمَعْرُوفِ حَقّا عَلَى المُتَقِينَ كَذالِكَ يُبَيِّنُ الله لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَكُمْ تَعْقِلْونَ (الْبَقَرَة: 241، 242) .
أَي: لقَوْله تَعَالَى: {وللمطلقات} الْآيَة. وَاسْتدلَّ البُخَارِيّ أَيْضا بِعُمُوم هَذِه الْآيَة فِي وجوب الْمُتْعَة لكل مُطلقَة مُطلقا. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: عَم المطلقات بِإِيجَاب الْمُتْعَة لَهُنَّ بَعْدَمَا أوجبهَا لوَاحِدَة مِنْهُنَّ. وَهِي الْمُطلقَة غير الْمَدْخُول بهَا. وَقَالَ: (حَقًا على الْمُتَّقِينَ) كَمَا قَالَ ثمَّة (حَقًا على الْمُحْسِنِينَ) وَالَّذِي فصل يَقُول: إِن هَذِه مَنْسُوخَة بِتِلْكَ الْآيَة وَهِي قَوْله تَعَالَى: {لَا جنَاح عَلَيْكُم إِن طلّقْتُم النِّسَاء} الْآيَة. فَإِن قلت: كَيفَ نسخت الْآيَة الْمُتَقَدّمَة الْمُتَأَخِّرَة. قلت: قد تكون الْآيَة مُتَقَدّمَة فِي التِّلَاوَة وَهِي مُتَأَخِّرَة فِي التَّنْزِيل. كَقَوْلِه: (سَيَقُولُ السُّفَهَاء) (الْبَقَرَة: 142) مَعَ قَوْله: {قد نرى تقلب وَجهك فِي السَّمَاء} (الْبَقَرَة: 144) وَقَالَ أَبُو عمر: لم يخْتَلف الْعلمَاء أَن الْمُتْعَة الْمَذْكُورَة فِي الْكتاب الْعَزِيز غير مقدرَة وَلَا محدودة وَلَا مَعْلُوم مبلغها وَلَا مُوجب قدرهَا، فَروِيَ عَن مَالك أَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف طلق امْرَأَة لَهُ فمتعها بوليدة، وَكَانَ ابْن سِيرِين يمتع بالخادم أَو النَّفَقَة أَو الْكسْوَة، ويمتع الْحسن بن عَليّ زَوجته بِعشْرَة آلَاف فَقَالَت: مَتَاع قَلِيل من حبيب مفارق، ويمتع شُرَيْح بِخَمْسِمِائَة دِرْهَم، وَالْأسود بن يزِيد بِثَلَاث مائَة، وَعُرْوَة بخادم، وَقَالَ قَتَادَة: الْمُتْعَة جِلْبَاب وَدرع وخمار، وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقَالَ: هَذَا لكل حرَّة أَو أمة أَو كِتَابِيَّة إِذا وَقع الطَّلَاق من جِهَة، وَعَن ابْن عمر: ثَلَاثُونَ درهما وَفِي رِوَايَة إِنَّه يمتع بوليدة.
{وَلَمْ يَذْكُرِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي المُلاعَنَةِ مُتْعَةً حِينَ طَلَقَها زَوْجُها}
هَذَا من كَلَام البُخَارِيّ أَرَادَ بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يذكر فِي الْأَحَادِيث الَّتِي رويت عَنهُ فِي اللّعان مُتْعَة، وَكَأَنَّهُ تمسك بِهَذَا أَن الْمُلَاعنَة لَا مُتْعَة لَهَا، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْمَفْهُوم من كَلَام البُخَارِيّ أَن لكل مُطلقَة مُتْعَة والملاعنة غير دَاخِلَة فِي جملَة المطلقات. ثمَّ قَالَ: لفظ طَلقهَا، صَرِيح فِي أَنَّهَا مُطلقَة، ثمَّ أجَاب بِأَن الْفِرَاق حَاصِل بِنَفس اللّعان حَيْثُ قَالَ: فَلَا سَبِيل لَك عَلَيْهَا، وتطليقه لم يكن بِأَمْر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بل كَانَ كلَاما زَائِدا صدر مِنْهُ تَأْكِيدًا.

(21/11)


5350 - حدَّثنا قُتَيْبَةَ بنُ سَعِيدٍ حدَّثنا سُفْيَانُ عَنْ عَمْروٍ عَنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ لِلْمُتلاعِنين: حِسابُكُما عَلَى الله أحَدُكُما كَاذِبٌ لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْها. قَالَ: يَا رَسُولَ الله {مالِي؟ قَالَ: لَا مَالَ لَكَ إنْ كُنْتَ صَدَقْتَ عَلَيْهَا. فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرُجِها. وَإنْ كُنْتَ كَذَبْتَ عَلَيْهَا فَذَاكَ أبْعَدُ، وَأبْعَدُ لَكَ مِنْها.

ذكر هَذَا الحَدِيث الَّذِي مضى عَن قريب فِي: بَاب صدَاق الْمُلَاعنَة تَأْكِيدًا لما قَالَه وَلم يذكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمُلَاعنَة مُتْعَة لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تعرض للمتعة وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار.
قَوْله: (فَذَاك أبعد) لَا بُد فِيهِ من بعد وَزِيَادَة لِأَن أفعل التَّفْضِيل يَقْتَضِي ذَلِك فالبعد هُوَ طلب اسْتِيفَاء مَا يُقَابله، وَهُوَ الْوَطْء. وَالزِّيَادَة هِيَ: ضم إيذائها بِالْقَذْفِ الْمُوجب للانتقام مِنْهُ لَا للإنعام إِلَيْهِ، والتكرار لِأَنَّهُ أسقط الْحَد الْمُوجب لتشفي الْمَقْذُوف عَن نَفسه بِاللّعانِ، وَالله أعلم.

69 - (كتابُ: {النَّفَقَاتِ وَفَضْلِ النَّفَقَةِ عَلَى الأهْلِ} )

أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَحْكَام النَّفَقَات، وَفِي بَيَان فضل النَّفَقَة على الْأَهْل، وَوَقع كَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر والنسفي، هَكَذَا كتاب النَّفَقَات، بِسم الله الرحمان الرَّحِيم: بَاب فضل النَّفَقَة على الْأَهْل، وَلَيْسَ فِي رِوَايَة أبي ذَر لفظ: بَاب.

1 - (بَابُ: {فَضْلِ النَّفَقَةِ عَلَى الأهْلِ} )

وَقَوْل الله عَزّ وَجَلّ: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُل العَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّن الله لَكُمْ الآيَات لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُون} (الْبَقَرَة: 219) فِي الدُّنيا والآخِرة
وَقَول الله بِالْجَرِّ عطف على النَّفَقَات الْمَجْرُور بِإِضَافَة لفظ الْكتاب إِلَيْهِ، كَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْجَمِيع، وَوَقع النَّسَفِيّ عِنْد قَوْله: (قل الْعَفو) سَبَب نزُول هَذِه الْآيَة مَا أخرجه ابْن أبي حَاتِم من مُرْسل يحيى بن أبي كثير بِسَنَد صَحِيح إِلَيْهِ أَنه بلغه أَن معَاذ بن جبل وثعلبة سَأَلَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَا: إِن لنا أرقاء وأهلين فَمَا ننفق من أَمْوَالنَا؟ فَنزلت قَوْله: (قل الْعَفو) ، بِالنّصب أَي: انفقوا الْعَفو، وَقَرَأَ الْحسن وَقَتَادَة وَأَبُو عَمْرو بِالرَّفْع أَي: هُوَ الْعَفو، وَمثله قَوْلهم: مَاذَا ركبت أَفرس أم بعير؟ يجوز فِيهِ الرّفْع وَالنّصب وَاخْتلفُوا فِي تَفْسِير الْعَفو فَروِيَ عَن سَالم وَالقَاسِم: الْعَفو فضل المَال بالتصدق بِهِ عَن ظهر غنى، وَعَن مُجَاهِد: هُوَ الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة. وَقَالَ الزّجاج: أَمر النَّاس أَن ينفقوا الْفضل حَتَّى فرضت الزَّكَاة. فَكَانَ أهل المكاسب يَأْخُذ من كَسبه كل يَوْم مَا يَكْفِيهِ وَيتَصَدَّق بباقيه، وَيَأْخُذ أهل الذَّهَب وَالْفِضَّة مَا ينفقونه فِي عَامهمْ وينفقون بَاقِيه وَيُقَال: الْعَفو مَا سهل، وَمِنْه: أفضل الصَّدَقَة مَا تصدق بِهِ عَن ظهر غنى. قَوْله: (لَعَلَّكُمْ تتفكرون) ، أَي: تتفكرون فتعرفون فضل الْآخِرَة على الدُّنْيَا، وَقيل: هُوَ على التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير أَي: (وَكَذَلِكَ يبين الله لكم الْآيَات) فِي أَمر الدُّنْيَا (وَالْآخِرَة لَعَلَّكُمْ تتفكرون) .
وَقَالَ الحَسَنُ: العَفوُ الفَضْلُ
أَي: قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: المُرَاد بِالْعَفو فِي قَوْله تَعَالَى: {قل الْعَفو} : الْفضل أَي: الْفَاضِل عَن حَاجته، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله عبد بن حميد عَنهُ، وَعَن الْحسن: لَا تنْفق مَالك حَتَّى تجهد فتسأل النَّاس.

5351 - حدَّثنا آدَمُ بنُ أبِي إيَاسٍ حدَّثنا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بنُ ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ يَزِيدَ الأَنْصَارِيَّ عَنْ أبِي مَسْعُودٍ الأنْصَارِيِّ. فَقُلْتُ: عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إذَا أنْفَقَ المُسْلِمُ نَفَقَةً عَلَى أهْلِهِ وَهُوَ يَحْتَسِبُها كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو مَسْعُود عقبَة بن عَمْرو الْأنْصَارِيّ البدري.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْإِيمَان فِي: بَاب مَا جَاءَ أَن الْأَعْمَال بِالنِّيَّةِ.
قَوْله: (فَقلت: عَن النَّبِي) ؟ أَي: أترويه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم} أَو تَقوله عَن اجْتِهَاد وَقَالَ بَعضهم الْقَائِل: فَقلت: هُوَ شُعْبَة بَينه الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي رِوَايَة لَهُ. قلت: لم يبين هَذَا الْقَائِل كَيفَ بَينه الْإِسْمَاعِيلِيّ. فَلم لَا يجوز أَن يكون الْقَائِل عبد الله بن يزِيد؟ بل الظَّاهِر

(21/12)


يشْعر أَنه هُوَ، وَيحْتَمل أَن يكون عدي بن ثَابت على مَا لَا يخفى. قَوْله: (على أَهله) ، قَالَ صَاحب (الْمغرب) أهل الرجل امْرَأَته وَولده وَالَّذِي فِي عِيَاله وَنَفَقَته، وَكَذَا كل أَخ أَو أُخْت أَو عَم أَو ابْن عَم أَو صبي أَجْنَبِي بقوته فِي منزله، وَعَن الْأَزْهَرِي: أهل الرجل أخص النَّاس بِهِ، وَيجمع على أهلين والأهالي على غير قِيَاس، وَيُقَال: الْأَهْل يحْتَمل أَن يَشْمَل الزَّوْجَة والأقارب، وَيحْتَمل أَن يخْتَص بِالزَّوْجَةِ وَيلْحق بِهِ من عداهُ بطرِيق الأولى لِأَن الثَّوَاب إِذا ثَبت فِيمَا هُوَ وَاجِب فثبوته فِيمَا لَيْسَ بِوَاجِب أولى. فَإِن قلت: كَيفَ يكون إطْعَام الرجل أَهله صَدَقَة وَهُوَ فرض عَلَيْهِ؟ قلت: جعل الله الصَّدَقَة فرضا وتطوعا وَيجْزِي العَبْد على ذَلِك بِحَسب قَصده، وَلَا مُنَافَاة بَين كَونهَا وَاجِبَة وَبَين تَسْمِيَتهَا صَدَقَة. وَقيل: إِنَّمَا أطلق الشَّارِع صَدَقَة على نَفَقَة الْفَرْض لِئَلَّا يَظُنُّوا أَن قيامهم بِالْوَاجِبِ لَا أجر لَهُم، وَقَالَ الْمُهلب: النَّفَقَة على الْأَهْل والعيال وَاجِبَة بِالْإِجْمَاع، وَقَالَ الطَّبَرِيّ: النَّفَقَة على الْأَوْلَاد مَا داموا صغَارًا فرض عَلَيْهِ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وأبدأ بِمن تعلو لِأَن الْوَلَد مَا دَامَ صَغِيرا فَهُوَ عِيَال. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وَاخْتلفُوا فِيمَن بلغ من الْأَبْنَاء وَلَا مَال لَهُ وَلَا كسب، فَقَالَت طَائِفَة: على الْأَب أَن ينْفق على ولد صلبه الذُّكُور حَتَّى يحتلموا وَالْبَنَات حَتَّى يزوجن، فَإِن طَلقهَا. قيل الْبناء فَهِيَ على نَفَقَتهَا، وَإِن طَلقهَا بعد الْبناء أَو مَاتَ عَنْهَا فَلَا نَفَقَة لَهَا على أَبِيهَا وَلَا نَفَقَة لولد الْوَلَد على الْجد، هَذَا قَول مَالك، وَأي: نَفَقَة الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات والأعمام والعمات والأخوال والخالات وَاجِبَة بِشَرْط الْعَجز مَعَ قيام الْحَاجة، وَأما نَفَقَة بني الْأَعْمَام وَأَوْلَاد العمات فَلَا تجب عِنْد عَامَّة الْعلمَاء. خلافًا لِابْنِ أبي ليلى. قَوْله: (وَهُوَ يحتسبها) ، أَي: يعملها حسبَة لله تَعَالَى، وَقَالَ النَّوَوِيّ: احتسبها أَي: أَرَادَ بهَا الله، وَطَرِيقه أَن يتَذَكَّر أَنه يجب عَلَيْهِ الْإِنْفَاق فينفق بنية أَدَاء مَا أَمر بِهِ.

5352 - حدَّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ: حدَّثني مَالِكٌ عَنْ أبِي الزِّنادِ عَنْ الأعْرَجِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ الله عَنهُ: أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قَالَ الله: أنفِق يَا ابْنَ آدَمَ أُنْفِقْ عَلَيْكَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس، وَأَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون هُوَ عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج هُوَ عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (أنْفق) ، بِفَتْح الْهمزَة أَمر من الْإِنْفَاق. قَوْله: (أنْفق عَلَيْك) ، بِضَم الْهمزَة بِصِيغَة الْمُضَارع جَوَاب الْأَمر، وروى مُسلم من طَرِيق همام عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: أَن الله قَالَ لي: أنْفق عَلَيْك.

5353 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ قَزْعَةَ حدَّثنا مَالِكٌ عَنْ ثَوْرِ بنِ زَيْدٍ عَنْ أبِي الغَيْثِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: السَّاعِي عَلَى الأرْمَلَةِ وَالمِسْكِينَ كَالمُجاهِد فِي سَبِيلِ الله أوْ القَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهارِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن السَّاعِي على الأرملة هُوَ الَّذِي يسْعَى لتَحْصِيل النَّفَقَة على الأرملة الَّتِي لَا زوح لَهَا وثور بالثاء الْمُثَلَّثَة، وَأَبُو الْغَيْث سَالم مولى ابْن مُطِيع الْقرشِي.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَدَب عَن القعني. وَأخرجه مُسلم أَيْضا فِي الْأَدَب عَن القعني. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْبر عَن إِسْحَاق بن مُوسَى. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزَّكَاة عَن عَمْرو بن مَنْصُور. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي التِّجَارَات عَن يَعْقُوب بن حميد.
قَوْله: (أَو الْقَائِم اللَّيْل) ، شكّ من الرَّاوِي. وَفِي رِوَايَة معن بن عِيسَى وَابْن وهب وَابْن بكير وَآخَرين عَن مَالك بِلَفْظ: أَو كَالَّذي يَصُوم النَّهَار وَيقوم اللَّيْل، وَفِي رِوَايَة ابْن مَاجَه عَن الدَّرَاورْدِي عَن ثَوْر مثله، وَلَكِن بِالْوَاو لَا بِأَو، وَيجوز فِي الْقَائِم اللَّيْل الحركات الثَّلَاثَة كَمَا فِي الْحسن الْوَجْه فِي الْوُجُوه الإعرابية، وَإِن اخْتلفَا فِي بَعْضهَا بِكَوْنِهِ حَقِيقَة أَو مجَازًا.

5354 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ أخْبَرَنا سُفْيَانُ عَنْ سَعْدٍ بنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَامِرِ بنِ سَعْدٍ عَنْ أبِيهِ رَضِيَ الله عَنهُ، قَالَ: كَانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَعُودُنِي وَأنا مَرِيضٌ بِمَكَّةَ، فَقُلْتُ: لِي مَالٌ أوصِي بِمالي كُلِّه قَال: لَا. قُلْتُ: فَالشَّطْرَ قَالَ: لَا. قُلْتُ: فَالثُلُثُ قَالَ: الثُلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، أنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أغْنِياءً خَيْرٌ مِنْ أنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَفُونَ النّاسَ فِي أيْدِيهِمْ. وَمَهْما أنْفَقْتَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ، حَتَّى اللُّقْمَةَ تَضَعُها

(21/13)


فِي فِيّ امْرَأَتِكَ، وَلَعَلَّ الله يَرْفَعُكَ يَنْتَفِعُ بِكَ نَاسٌ وَيُضَرّ بِكَ آخَرُونَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَمهما أنفقت فَهُوَ لَك صَدَقَة) ، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، قَالَه الْكرْمَانِي: وَسعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وعامر هُوَ ابْن سعد بن أبي وَقاص يروي عَن أَبِيه.
والْحَدِيث مضى فِي الْجَنَائِز فِي: بَاب رثاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن ابْن شهَاب عَن عَامر بن سعد بن أبي وَقاص عَن أَبِيه بأتم مِنْهُ.
قَوْله: (فَالشَّطْر) ، أَي: النّصْف. قَوْله: (الثُّلُث) ، الأول مَنْصُوب على الإغراء أَو على تَقْدِير: أعْط الثُّلُث، وَيجوز فِيهِ الرّفْع على تَقْدِير: الثُّلُث يَكْفِيك. (وَالثلث) الثَّانِي مُبْتَدأ وَخَبره. قَوْله: (كثير) ، بالثاء الْمُثَلَّثَة أَو بِالْبَاء الْمُوَحدَة. قَوْله: (أَن تدع) ، أَي: أَن تتْرك، وَأَن مَصْدَرِيَّة محلهَا رفع بِالِابْتِدَاءِ وَخَبره. هُوَ قَوْله: (خير) وَالتَّقْدِير: وَدعك أَي: تَركك وَرثتك أَغْنِيَاء خير من أَن تَدعهُمْ عَالَة، وَهُوَ جمع عائل وَهُوَ الْفَقِير. قَوْله: (يَتَكَفَّفُونَ النَّاس) أَي: يمدون إِلَى النَّاس أكفهم للسؤال. قَوْله: (تضعها) فِي مَحل النصب على الْحَال. قَوْله: (فِي فِي امْرَأَتك) أَي: فِي فَم امْرَأَتك، وَإِذا قصد بأبعد الْأَشْيَاء عَن الطَّاعَة وَهُوَ وضع اللُّقْمَة فِي فَم الْمَرْأَة وَجه الله تَعَالَى وَيحصل بِهِ الْأجر فَغَيره بِالطَّرِيقِ الأولى.
وَفِي الحَدِيث: معْجزَة فَإِنَّهُ انْتَعش وعاش حَتَّى فتح الْعرَاق وانتفع بِهِ أَقوام فِي دينهم ودنياهم وتضرر بِهِ الْكفَّار.

2 - (بَابُ: {وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى الأهْلِ وَالعِيالِ} )

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وجوب النَّفَقَة على الْأَهْل، أَرَادَ بِهِ الزَّوْجَة هُنَا، وَعطف عَلَيْهِ الْعِيَال من بَاب عطف الْعَام على الْخَاص. وَقد مضى الْكَلَام فِي الْأَهْل عَن قريب، وعيال الرجل من يعولهم أَي: من يقوتهم وَينْفق عَلَيْهِم، وأصل عِيَال عَوَالٍ لِأَنَّهُ من عَال عيالة وعولاً ويعالة إِذا فاتهم، قلبت الْوَاو يَاء لتحركها وانكسار مَا قبلهَا. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: وَوَاحِد الْعِيَال عيل بتَشْديد الْيَاء وَالْجمع عيائل، مثل: جيد وجياد وجيائد.

5355 - حدَّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ حدَّثنا أبِي حدَّثنا الأعْمَشُ حدَّثنا أبُو صَالِحٍ قَالَ: حدَّثني أبُو هُرَيْرَةَ، رَضِيَ الله عَنهُ قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا تَرَكَ غِنًى، وَاليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، تَقُولُ المَرْأةُ: إمَّا أنْ تُطْعِمَنِي وَإمَّا أنْ تُطَلِّقَنِي، وَيَقُولُ العَبْدُ: أطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي، وَيَقُولُ الابنُ: أطْعِمْنِي إلَى مَنْ تَدَعُنِي؟ فَقَالُوا: يَا أبَا هُرَيْرَةِ: سَمِعْتَ هاذا مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: لَا هاذا مِنْ كِيسِ أبِي هُرَيْرَةَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعمر بن حَفْص يروي عَن أَبِيه حَفْص بن غياث عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن أبي صَالح ذكْوَان السمان.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي عشرَة النِّسَاء عَن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز.
قَوْله: (غنى) يَعْنِي: مَا لم يجحف بالمعطي أَي: أَنَّهَا سهل عَلَيْهِ كَمَا فِي قَوْله: مَا كَانَ عَن ظهر غنى، وَقيل: مَعْنَاهُ مَا سَاق إِلَى الْمُعْطِي غنى، وَالْأول أوجه. قَوْله: (وَالْيَد الْعليا خير من الْيَد السُّفْلى) قد مضى فِي الزَّكَاة أَقْوَال فِيهِ وَإِن أَصَحهَا الْعليا المعطية والسفلى السائلة. قَوْله: (وابدأ بِمن تعول) أَي: ابدأ فِي الْإِنْفَاق بعيالك ثمَّ اصرف إِلَى غَيرهم. قَوْله: ((تَقول الْمَرْأَة: إِمَّا أَن تطعمني وَإِمَّا أَن تُطَلِّقنِي) وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ عَن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز عَن حَفْص بن غياث بِسَنَد حَدِيث الْبَاب: إِمَّا أَن تنْفق عليّ قَوْله: (وَيَقُول العَبْد أَطْعمنِي واستعملني) وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: وَيَقُول خادمك أَطْعمنِي وإلاَّ فبعني. قَوْله: (إِلَى من تدعني) وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ والإسماعيلي: إِلَى من تَكِلنِي. قَوْله: (من كيس أبي هُرَيْرَة) ؟ قَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) أَي: من قَوْله، وَالتَّحْقِيق فِيهِ مَا قَالَه الْكرْمَانِي: الْكيس بِكَسْر الْكَاف الْوِعَاء، وَهَذَا إِنْكَار على السَّائِلين عَنهُ، يَعْنِي: لَيْسَ هَذَا إلاَّ من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَفِيهِ نفي يُرِيد بِهِ الْإِثْبَات، وَإِثْبَات يُرِيد بِهِ النَّفْي على سَبِيل التعكيس، وَيحْتَمل أَن يكون لفظ: هَذَا، إِشَارَة إِلَى الْكَلَام الْأَخير إدراجا من أبي هُرَيْرَة، وَهُوَ: تَقول الْمَرْأَة إِلَى آخِره. فَيكون إِثْبَاتًا لَا إنكارا يَعْنِي: هَذَا الْمِقْدَار من كيسه فَهُوَ حَقِيقَة فِي النَّفْي وَالْإِثْبَات. قَالَ: وَفِي بَعْضهَا، يَعْنِي: فِي بعض الرِّوَايَات بِفَتْح الْكَاف يَعْنِي: من عقل أبي هُرَيْرَة وكياسته. قَالَ التَّيْمِيّ: أَشَارَ البُخَارِيّ إِلَى أَن بعضه من كَلَام أبي هُرَيْرَة وَهُوَ مدرج فِي الحَدِيث.
وَفِي

(21/14)


هَذَا الحَدِيث أَحْكَام
الأول: أَن حق نفس الرجل يقدم على حق غَيره. الثَّانِي: أَن نَفَقَة الْوَلَد وَالزَّوْجَة فرض بِلَا خلاف. الثَّالِث: أَن نَفَقَة الخدم وَاجِبَة أَيْضا. الرَّابِع: اسْتدلَّ بقوله: (إِمَّا أَن تطعمني وَإِمَّا أَن تُطَلِّقنِي) من قَالَ: يفرق بَين الرجل وَامْرَأَته إِذا أعْسر بِالنَّفَقَةِ واختارت فِرَاقه. قَالَ بَعضهم: وَهُوَ قَول جُمْهُور الْعلمَاء. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: يلْزمهَا الصَّبْر وتتعلق النَّفَقَة بِذِمَّتِهِ وَاسْتدلَّ الْجُمْهُور بقوله تَعَالَى: {وَلَا تمسكوهن ضِرَارًا لتعتدوا} (الْبَقَرَة: 231) وَأجَاب الْمُخَالف بِأَنَّهُ لَو كَانَ الْفِرَاق وَاجِبا لما جَازَ الْإِبْقَاء إِذا رضيت، ورد عَلَيْهِ بِأَن الِاجْتِمَاع دلّ على جَوَاز الْإِبْقَاء إِذا رضيت فَبَقيَ مَا عداهُ على عُمُوم النَّهْي، وبالقياس على الرَّقِيق وَالْحَيَوَان فَإِن من أعْسر بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ أجبر على بَيْعه. انْتهى. قلت: الَّذِي قَالَه الْكُوفِيُّونَ هُوَ قَول عَطاء بن أبي رَبَاح وَابْن شهَاب الزُّهْرِيّ وَابْن شبْرمَة وَأبي سلمَان وَعمر بن عبد الْعَزِيز هُوَ المحكي عَن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَرُوِيَ عَن عبد الْوَارِث عَن عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر. قَالَ: كتب عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِلَى أُمَرَاء الأجناد: ادعوا فلَانا وَفُلَانًا، أُنَاسًا قد انْقَطَعُوا عَن الْمَدِينَة ورحلوا عَنْهَا، إِمَّا أَن يرجِعوا إِلَى نِسَائِهِم وَإِمَّا أَن يبعثوا بِنَفَقَة إلَيْهِنَّ وَإِمَّا أَن يطلقوا ويبعثوا بِنَفَقَة مَا مضى، وَلم يتَعَرَّض إِلَى شَيْء غير ذَلِك. وَقَول هَذَا الْقَائِل: وَأجَاب الْمُخَالف: هَل أَرَادَ بِهِ أَبَا حنيفَة أم غَيره؟ فَإِن أَرَادَ بِهِ أَبَا حنيفَة فَمَا وَجه تَخْصِيصه من بَين هَؤُلَاءِ وَلَيْسَ ذَلِك إلاّ من أريحة التعصب، وَإِن أَرَادَ بِهِ غَيره مُطلقًا كَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول: وَأجَاب المخالفون، وَلَا يتم استدلالهم بقوله تَعَالَى: {وَلَا تمسكوهن ضِرَارًا لتعتدوا} لِأَن ابْن عَبَّاس وَمُجاهد ومسروقاً وَالْحسن رَاجعهَا ضِرَارًا لِئَلَّا تذْهب إِلَى غَيره ثمَّ يطلقهَا فتعتذ فَإِذا شارفت على انْقِضَاء الْعدة يُطلق ليطول عَلَيْهَا الْعدة فنهاهم الله عَن ذَلِك وتوعدهم عَلَيْهِ فَقَالَ {وَمن يفعل ذَلِك فقد ظلم نَفسه} أَي: بمخالفة أَمر الله عز وَجل، فَبَطل استدلالهم بِهَذَا وَعُمُوم النَّهْي لَيْسَ فِيمَا قَالُوا: وَإِنَّمَا هُوَ فِي الَّذِي ذكر: عَن ابْن عَبَّاس وَمن مَعَه، وَالْقِيَاس على الرَّقِيق وَالْحَيَوَان قِيَاس مَعَ الْفَارِق فَلَا يَصح بَيَانه أَن الرَّقِيق وَالْحَيَوَان أَن لَا يملكَانِ شَيْئا وَلَا يجد الرَّقِيق من يسلفه وَلَا يصبران على عدم النَّفَقَة، بِخِلَاف الزَّوْجَة فَإِنَّهَا تصبر وتستدين على ذمَّة زَوجهَا، وَلِأَن التَّفْرِيق يبطل حَقّهَا وإبقاء النِّكَاح يُؤَخر حَقّهَا إِلَى زمن الْيَسَار عِنْد فقره وَإِلَى زمن الْإِحْضَار عِنْد غيبته، وَالتَّأْخِير أَهْون من الْإِبْطَال.

5356 - حدَّثنا سَعِيدُ بنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حدَّثني اللَّيْثُ قَالَ: حدَّثني عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ خَالِدٍ ابنِ مُسافِرٍ عَنِ ابنِ شِهابٍ عَنِ ابنِ المُسَيَّبِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غَنًى، وَابْدَأ بِمَنْ تَعُولُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (مَا كَانَ عَن ظهر غنى) ، أَي: مَا كَانَ عفوا قد فشل عَن غنى، وَقيل: أَرَادَ مَا فضل عَن الْعِيَال وَالظّهْر قد يُزَاد فِي مثل هَذَا اتساعا للْكَلَام وتمكينا، كَأَن صدقته مستندة إِلَى ظهر قوي من المَال.

3 - (بَابٌ: {حَبْسٍ نَفَقَةِ الرَّجُلِ قُوتَ سَنَةٍ عَلَى أهْلِهِ، وَكَيْفَ نَفَقَاتُ العِيَالِ} )

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز حبس الرجل قوت سنة، يَعْنِي إدخاره الْقُوت لأجل أَهله يَكْفِيهِ سنة، وَكَيف شَأْن نفقات الْعِيَال والكيفية رَاجِعَة إِلَى صفة النَّفَقَات من حَيْثُ الْفَرِيضَة وَالْوُجُوب وعدمهما.

5357 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ سَلامٍ أخْبَرنا وَكيعٌ عَنِ ابنِ عُيَيْنَةَ قَالَ: قَالَ لِي مَعْمَرٌ: قَالَ لِي الثَّوْرِيُّ: هَلْ سَمِعْتَ فِي الرَّجُلِ يَجْمَعُ لأهْلِهِ قُوتَ سَنَتِهِمْ أوْ بَعْضِ السَّنَةِ؟ قَالَ مَعْمَرٌ: فَلَمْ يَحْضُرِنِي، ثُمَّ ذَكَرْتُ حَدِيثا حَدَّثَناهُ ابنُ شهابٍ الزُّهْرِيُّ عَنْ مَالِكٍ بنِ أوْسٍ عَنْ عُمَرَ، رَضِيَ الله عَنهُ، أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَبِيعُ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَيَحْبِسُ لأهْلِهِ قَوتَ سَنَتِهِمْ.

(21/15)


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَابْن عُيَيْنَة هُوَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَمعمر بِفَتْح الميمين هُوَ ابْن رَاشد، وَالثَّوْري هُوَ سُفْيَان.
والْحَدِيث من أَفْرَاده، وَقد فَاتَ ابْن عُيَيْنَة سَماع هَذَا الحَدِيث من الزُّهْرِيّ فَرَوَاهُ عَنهُ بِوَاسِطَة معمر، وَقد رَوَاهُ أَيْضا عَن عَمْرو ابْن دِينَار عَن الزُّهْرِيّ بأتم من سِيَاق معمر، وَتقدم فِي سُورَة الْحَشْر. وَأخرجه أَحْمد والْحميدِي فِي (مسنديهما) عَن سُفْيَان عَن معمر وَعَمْرو بن دِينَار جَمِيعًا عَن الزُّهْرِيّ، وَقد أخرج مُسلم رِوَايَة معمر وَحدهَا عَن يحيى بن يحيى عَن سُفْيَان عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ، لَكِن لم يسق لَفظه، وَأخرج إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فِي (مُسْنده) رِوَايَة معمر مُنْفَرِدَة عَن سُفْيَان عَنهُ عَن الزُّهْرِيّ بِلَفْظ: كَانَ ينْفق على أَهله نَفَقَة سنة من مَال بني النَّضِير، وَيحمل مَا بَقِي فِي الكراع وَالسِّلَاح.
قَوْله: (بني النَّضِير) ، بِفَتْح النُّون وَكسر الضَّاد الْمُعْجَمَة وبالراء، وهم حَيّ من يهود خَيْبَر، وَقد دخلُوا فِي الْعَرَب وهم على نسبتهم إِلَى هَارُون أخي مُوسَى، عَلَيْهِمَا السَّلَام.
قَالَ الْمُهلب: فِيهِ دَلِيل على جَوَاز إدخار الْقُوت للأهل والعيال وَأَنه لَيْسَ بحكرة، وَإِن مَا ضمه الْإِنْسَان من زرعه أَو جد من نخله وثمره وحبسه لقُوته لَا يُسمى حكرة، وَلَا خلاف فِي هَذَا بَين الْفُقَهَاء. وَقَالَ الطَّبَرِيّ: فِيهِ دَلِيل الرَّد على الصُّوفِيَّة حَيْثُ قَالُوا: الإدخار من يَوْم لغد يسيء فَاعله إِذْ لم يتوكل على ربه حق توكله، وَلَا خَفَاء بِفساد هَذَا القَوْل.

5358 - حدَّثنا سَعِيدُ بنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حدَّثني اللَّيْثُ قَالَ: حدَّثني عُقَيْلٌ عَنِ ابنِ شِهابٍ قَالَ: أخْبَرنِي مَالِكُ بنُ أوْسٍ بنِ الحَدَثَانٍ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بنُ جُبَيْرٍ بنِ مِطْعِمٍ ذَكَرَ لِي ذِكْرا مِنْ حَدِيثِهِ، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى مَالِكِ بنِ أوْسٍ فَسَألْتُهُ. فَقَالَ مَالِكٌ: انْطَلَقْتُ حَتَّى أدْخُلَ عَلَى عُمَرَ، رَضِيَ الله عَنهُ، إذْ أتاهُ حَاجِبُهُ يَرْفأُ، فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمانِ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدٍ يَسْتأذِنُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ {فَأذِنَ لَهُمْ. قَالَ: فَدَخَلُوا وَسَلَّمُوا فَجَلَسُوا. ثُمَّ لَبِثَ يَرْفَأُ قَلِيلاً فَقَالَ لِعُمَرَ: هَلْ لَكَ فِي عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأذِنَ لَهُمَا. فَلَمَّا دَخَلا سَلَّما وَجَلَسَا، فَقَالَ عَبَّاسٌ: يَا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ} اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هاذا. فَقَالَ: الرَّهْطُ عُثْمَانُ وَأصْحَابُهُ: يَا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ! اقْضِ بَيْنَهُمَا. وَأرِحْ أحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ. فَقَالَ عُمَرُ: اتَّئِدُوا أنْشُدُكُمْ بِالله الَّذِي بِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ، هَلْ تَعْلَمُونَ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: لَا نُورَثُ مَا تَرَكنا فَهُوَ صدقه يُرِيد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَفسه قَالَ الرَّهْط قد قَالَ ذَلِك فَأقبل عمر على عليّ وَعَبَّاسٍ فَقَالَ: أنْشُدُكُما بِالله هَلْ تَعُلَمانِ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ ذالِكَ؟ قَالا: قَدْ قَالَ ذالِكَ. قَالَ عُمَرُ: فَإنِّي أُحَدِّثُكُمْ عَنْ هاذا الأمْرِ: إنَّ الله كَانَ خَصَّ رَسُولَهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي هاذا المَالِ بِشَيْء لَمْ يُعْطِهِ أحَدا غَيْرَهُ. قَالَ الله: {مَا أفَاءَ الله عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ} إلَى قَوْلِهِ: {قَدِيرٌ} فَكَانَتْ هاذِهِ خَالِصَةً لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالله مَا احْتَازَها دُونَكُمْ وَلا اسْتَأْثَرَ بِها عَلَيْكُمْ، لَقَدْ أعْطاكُمُوها وَبَثَّها فِيكُمْ حَتَّى بَقِيَ مِنْها هاذا المَالُ: فَكانَ رَسُولُ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يُنْفِقُ عَلَى أهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ هاذا المَالِ ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ فَيَجَعَلَهُ مَجْعَلَ مَالِ الله فَعَمِلَ بِذالِكَ رَسُولُ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حَيَاتَهُ. أنْشُدُكُمْ بِالله هَلْ تَعْلَمُونَ ذالِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ قَالَ لِعَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ: أنْشُدُكُمَا بِالله هَلْ تَعْلَمَانِ ذالِكَ؟ قَالا: نَعَمْ. ثُمَّ تَوَفَّى الله نَبِيَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ أبُو بَكْرٍ: أنَا وَلِيُّ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَبَضَهَا أبُو بَكْرٍ يَعْمَلُ فِيهَا بِمَا عَمَلَ بِهِ فِيها رَسُولُ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأنْتُمَا حِينئذٍ. وأقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ تَزْعُمانِ أنَّ أبَا بَكْرٍ كَذا وَكَذا، وَالله

(21/16)


يَعْلَمُ أنَّهُ فِيها صَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ ثُمَّ تَوَفَّى الله أبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ: أنَا وَلِيُّ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأبِي بَكْرٍ فَقَبَضْتُها سَنَتَيْنٍ أعَمَلُ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأبُو بَكْرٍ ثُمَّ جِئْتِمَانِي وَكَلِمَتُمَانِي وَاحِدَةٌ وَأمْرُكُما جَمِيعٌ، جِئْتَنِي تَسْأَلَنِي نَصِيبَكَ مِنِ ابنِ أخِيكَ وَأتَى هاذا يَسْألُنِي نَصِيبَ امْرَأتِهِ مِنْ أبِيهَا فَقُلْتُ: إنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهُ إلَيْكُمَا عَلَى أنَّ عَلَيْكُما عَهْدَ الله وَمِيثاقَهُ لَتَعْمَلانِ فِيها بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَبِما عَمِلَ بِهِ فِيها أبُو بَكْرٍ وَبِمَا عَمِلْتُ بِهِ فِيها مُنْذُ وُلِّيتُها وَإلاَّ فَلا تُكَلِّمانِي فِيهَا. فَقُلْتُمَا ادْفَعْها إلَيْنَا بِذَلِكَ، فَدَفَعْتُها إلَيْكُما بِذالِكَ أنْشُدُكُمْ بِالله هَلْ دَفَعْتُها إلَيْهِمَا بِذالِكَ؟ فَقَالَ الرَّهْطُ: نَعَمْ. قَالَ: فَأقْبَلَ عَلى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ فَقَالَ: أنْشُدُكُمَا بِالله هَلْ دَفَعْتُها إلَيْكُمَا بِذالِكَ؟ قَالا: نَعَمْ. قَالَ: أفَتَلْتَمِسَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ ذالِكَ؟ وَالَّذِي بِإذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ لَا أقْضِي فِيهَا قَضَاءً غَيْرَ ذالِكَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ. فَإنْ عَجَزْتُمَا عَنْها فَادْفَعَاها فَأنا أكْفِيكُمَاها.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينْفق على أَهله نَفَقَة سنتها) الحَدِيث قد مضى فِي: بَاب فرض الْخمس زِيَادَة بعض الْأَلْفَاظ فِيهِ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، ولنتكلم بعض شَيْء لبعد الْمسَافَة.
قَوْله: (يرفأ) ، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الرَّاء وبالفاء مهموزا وَغير مَهْمُوز. قَوْله: (اتئدوا) ، أَمر من الاتئاد وَهُوَ التأني وَعدم العجلة. قَوْله: (أنْشدكُمْ) ، بِضَم الشين أَي: أَسأَلكُم بِاللَّه. قَوْله: (لم يُعْطه غَيره) ، لِأَن الْفَيْء كُله على اخْتِلَاف فِيهِ كَانَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (وَمَا احتازها) ، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي أَي: اجمعها لنَفسِهِ دونكم. قَوْله: (وَلَا اسْتَأْثر) أَي: لَا اسْتقْبل بهَا وَلَا تفرد بهَا. يُقَال: اسْتَأْثر فلَان بِهِ إِذا أَخذه لنَفسِهِ. قَوْله: (وبثها) ، أَي: فرقها. قَوْله: (هَذَا المَال) أَي: فدك وَنَحْوهَا. قَوْله: (نجْعَل مَال الله) أَي: مَوضِع جعل مَال الله فِيهِ، يَعْنِي: بَيت المَال. قَوْله: (وأنتما) ، مُبْتَدأ وَقَوله: (تزعمان) خَبره. قَوْله: (وَأَقْبل على عَليّ وعباس) جملَة حَالية مُعْتَرضَة. (كَذَا وَكَذَا) أَي: لَا يُعْطي ميراثنا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (وَالله يعلم أَنه) ، أَي: أَن أَبَا بكر. قَوْله: (صَادِق) ، أَي: فِي القَوْل. قَوْله: (بار) ، بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الرَّاء أَي: فِي الْعَمَل. قَوْله: (رَاشد) ، أَي: فِي الِاقْتِدَاء برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (وأمركما جَمِيع) ، أَي: مُجْتَمع أَي: لم يكن بَيْنكُمَا مُنَازعَة. قَوْله: (من ابْن أَخِيك) ، أَي: لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (امْرَأَته) أَي: فَاطِمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا. قَوْله: (من أَبِيهَا) أَي: نصِيبهَا الْكَائِن من أَبِيهَا وَهُوَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (فَقَالَ الرَّهْط) ، وهم: عُثْمَان وَعبد الرَّحْمَن وَالزُّبَيْر وَسعد. رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. قَوْله: (فَأقبل) أَي: عمر على عَليّ وعباس قَوْله: (أفتلتمسان مني) ؟ أَي: أفتطلبان مني قَضَاء أَي حكما غير ذَلِك؟ أَي: غير مَا حكمت بِهِ. وَقَالَ الْخطابِيّ هَذِه الْقِصَّة مشكلة فَإِنَّهُمَا أخذاها من عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على الشريطة واعترفا بِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ: مَا تركنَا صَدَقَة فَمَا الَّذِي بدا لَهما بعد ذَلِك حَتَّى تخاصما؟ وَالْمعْنَى فِيهَا: أَنه كَانَ يشق عَلَيْهِمَا الشّركَة فطلبا أَن يقسم بَينهمَا كل مِنْهُمَا بِالتَّدْبِيرِ وَالتَّصَرُّف فِيمَا يصير إِلَيْهِ فمنعهما عمر الْقسم لِئَلَّا يجْرِي عَلَيْهَا اسْم الْملك لِأَن الْقِسْمَة تقع فِي الْأَمْلَاك، ويتطاول الزَّمَان فيظن بِهِ الملكية.

4 - (بَابٌ وَقَالَ الله تعَالَى: {وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنٍ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أرَادَ أنْ يَتِمَّ الرَّضَاعَةَ} إلَى قَوْلِهِ: {بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (الْبَقَرَة: 233)

أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {والوالدات} إِلَى قَوْله: (بَصِير) كَذَا وَقع فِي رِوَايَة كَرِيمَة وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر والأكثرين: (والوالدات يرضعن أَوْلَادهنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلين) إِلَى قَوْله: (بَصِير) وَهَذِه التَّرْجَمَة وَقعت فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ بعد الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ قَوْله: (والوالدات يرضعن) خبر وَمَعْنَاهُ أَمر لما فِيهِ من الْإِلْزَام أَي: لترضع الوالدات أَوْلَادهنَّ يَعْنِي: الْأَوْلَاد من أَزوَاجهنَّ

(21/17)


وَهُوَ أَحَق وَلَيْسَ ذَلِك بِإِيجَاب إِذا كَانَ الْمَوْلُود لَهُ حَيا مُوسِرًا لقَوْله تَعَالَى فِي سُورَة النِّسَاء الْقصرى {فَإِن أرضعن لكم فَآتُوهُنَّ أُجُورهنَّ} (الطَّلَاق: 6) على مايأتي، وَأكْثر الْمُفَسّرين على أَن المُرَاد بالوالدات هُنَا المبتوتات فَقَط وَقَامَ الْإِجْمَاع على أَن أجر الرَّضَاع على الزَّوْج إِذا خرجت الْمُطلقَة من الْعدة. وَاخْتلفُوا فِي ذَات الزَّوْج هَل تجبر على رضَاع وَلَدهَا؟ قَالَ ابْن أبي ليلى: نعم مَا كَانَت امْرَأَته، وَهُوَ قَول مَالك وَأبي ثَوْر، وَقَالَ الثَّوْريّ والكوفيون وَالشَّافِعِيّ: لَا يلْزمهَا رضاعه وَهُوَ على الزَّوْج على كل حَال، وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: تجبر على رضاعه إلاَّ أَن يكون مثلهَا لَا يرضع فَذَلِك على الزَّوْج. قَوْله: (حَوْلَيْنِ) مُدَّة الرَّضَاع. وَقَوله: (كَامِلين) مثل قَوْله: (تِلْكَ عشرَة كَامِلَة) (الْبَقَرَة: 96) .
{وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرا} (الْأَحْقَاف: 15)
ذكر هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة إِشَارَة إِلَى قدر الْمدَّة الَّتِي يجب فِيهَا الرَّضَاع. قَوْله: (وَحمله وفصاله) ، أَي: فطامه (ثَلَاثُونَ شهرا) وَهَذَا دَلِيل على أَن أقل مُدَّة الْحمل سِتَّة أشهر لِأَن مُدَّة الرَّضَاع حولان كاملان لقَوْله تَعَالَى: {حَوْلَيْنِ كَامِلين} (الْبَقَرَة: 233) فَيبقى للْحَمْل سِتَّة أشهر رُوِيَ عَن بعجة بن عبد الله الْجُهَنِيّ، قَالَ تزوج رجل منا امْرَأَة فَولدت لسِتَّة أشهر فَأتى عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَأمر برجمها فَأَتَاهُ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَقَالَ: إِن الله عز وَجل يَقُول: {وَحمله وفصاله ثَلَاثُونَ شهرا} قَالَ: {وفصاله فِي عَاميْنِ} وَقَالَ ابْن عَبَّاس: إِذا ذهبت رضاعته فَإِنَّمَا الْحمل سِتَّة أشهر.
وَقَالَ: {وَإنْ تَعَاسَرْ تُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} إلَى قَوْلِهِ: {بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرا} .
أَشَارَ بِهَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة إِلَى مِقْدَار الْإِنْفَاق وَأَنه بِالنّظرِ لحَال الْمُنفق. قَوْله: (وَإِن تعاسرتم) ، أَي: فِي الْإِرْضَاع، فَأبى الزَّوْج أَن يُعْطي الْمَرْأَة أُجْرَة رضاعها وأبت الْأُم أَن ترْضِعه فَلَيْسَ لَهُ إكراهها على إرضاعه فسترضع لَهُ أُخْرَى فستوجد وَلَا تتعذر مُرْضِعَة غير الْأُم ترْضِعه، وَفِيه معاتبة الْأُم على المعاسرة أَي: سيجد الْأَب غير معاسرة ترْضع لَهُ وَلَده إِن عاسرته أمه. قَوْله: (لينفق ذُو سَعَة) ، أَي: ذُو مَوْجُود من سعته على قدر موجوده (وَمن قدر) أَي: وَمن ضيق عَلَيْهِ رزقه (فلينفق مِمَّا آتَاهُ الله) أَي: فلينفق من ذَلِك الَّذِي أعطَاهُ الله، وَإِن كَانَ قَلِيلا (لَا يُكَلف بِاللَّه نفسا إِلَّا مَا أَتَاهَا) أَي: أَعْطَاهَا من المَال (سَيجْعَلُ الله بعد عسر يسرا) أَي: بعد ضيق فِي الْمَعيشَة.
وَقَالَ يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ: نَهَى الله أنْ تُضارَّ وَالِدَةٌ بِوَالِدِها وَذالِكَ أنْ تَقُولَ الوَالِدَةُ لَسْتُ مِرْضِعَتَهُ وَهِيَ أمْثَلُ لَهُ غِذَاءً وَأشْفَقُ عَلَيْهِ وَأرْفَقُ بِهِ مِنْ غَيْرِها، فَلَيْسَ لَهَا أنْ تَأبَى بَعْدَ أنْ يُعْطِيهَا مِنْ نَفْسِهِ مَا جَعَلَ الله عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لِلْمَوْلُودِ لَهُ أنْ يُضارَّ بِوَالِدَتَهُ فَيَمْنَعَها أنْ تُرْضِعَهُ ضِرَارا لَهَا إلَى غَيْرِها فَلا جُناحَ عَلَيْهِمَا أنْ يَسْتَرْضِعَا عَنْ طِيْبِ نَفْسِ الوَالِدِ وَالوَالِدَةِ فَإنْ أرَادَ فِصالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِمَا بَعْدَ أنْ يَكُونَ ذالِكَ عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشاوُرٍ: فِصالُهُ فِطامُهُ.
أَي: قَالَ يُونُس بن يزِيد الْقرشِي الأبلي عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ إِلَى آخِره، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله عبد الله بن وهب فِي (جَامعه) عَن يُونُس. قَالَ: قَالَ ابْن شهَاب فَذكره إِلَى قَوْله: (وتشاور) قَوْله: (نهى الله أَن تضار وَالِدَة بِوَلَدِهَا) ، وَذَلِكَ فِي قَوْله عز وَجل: {لَا تكلّف نفس إِلَّا وسعهَا لَا تضار وَالِدَة بِوَلَدِهَا} قَالَ فِي التَّفْسِير لَا تضار وَالِدَة بِوَلَدِهَا أَي بِأَن تَدْفَعهُ عَنْهَا لتضر أَبَاهُ بتربيته وَلَكِن لَيْسَ لَهَا دَفعه، إِذا وَلدته حَتَّى تسقيه اللباء الَّذِي لَا يعِيش بِدُونِ تنَاوله غَالِبا، ثمَّ بعد هذالها دَفعه عَنْهَا إِن شَاءَت، وَلَكِن إِن كَانَت مضارة لِأَبِيهِ فَلَا يحل لَهَا ذَلِك كَمَا لَا يحل لَهُ انْتِزَاعه مِنْهَا لمُجَرّد الضرار لَهَا. قَوْله: (وَهِي أمثل لَهُ) أَي: الوالدة أفضل للصَّغِير غذَاء أَي: من حَيْثُ الْغذَاء وأشفق عَلَيْهِ من غَيرهَا وأرفق بِهِ أَي: الصَّغِير من غَيرهَا. قَوْله: (فَلَيْسَ لَهَا أَن تأبى) أَي: لَيْسَ للوالدة أَن تمْتَنع بعد أَن يُعْطِيهَا الزَّوْج من نَفسه مَا جعل الله عَلَيْهِ من النَّفَقَة. قَوْله: (ضِرَارًا لَهَا) وَفِي بعض النّسخ ضِرَارًا بهَا. وَهُوَ

(21/18)


يتَعَلَّق بقوله: (فيمنعها) أَي: منعا يَنْتَهِي إِلَى رضَاع غَيرهَا. قَوْله: (فَإِن أَرَادَ فصالاً) أَي: فَإِن أنْفق والدا الطِّفْل على فصاله قبل الْحَوْلَيْنِ ورأيا فِي ذَلِك مصلحَة لَهُ وتشاورا فِي ذَلِك واجتمعا عَلَيْهِ فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا فِي ذَلِك. فَيُؤْخَذ مِنْهُ أَن انْفِرَاد أَحدهمَا بذلك دون الآخر لَا يَكْفِي، وَلَا يجوز لوَاحِد مِنْهُمَا أَن يستبد بذلك من غير مُشَاورَة الآخر. قَوْله: (فصاله) فطامه، هَذَا تَفْسِير ابْن عَبَّاس أخرجه الطَّبَرِيّ عَنهُ، والفصال مصدر تَقول: فاصلته أفاصله مفاصلة وفصالاً إِذا فارقته من خلْطَة كَانَت بَينهمَا، وفصال الْوَلَد مَنعه من شرب اللَّبن.

5 - (بَابُ: {نَفَقَةِ المَرْأةِ إذَا غَابَ عَنْهَا زَوْجُها وَنَفَقَةِ الوَلَدِ} )

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان نَفَقَة الْمَرْأَة إِلَى آخِره.

5359 - حدَّثنا ابنُ مِقَاتِلٍ أخْبَرَنا عَبْدُ الله أخْبَرَنا يُونُسُ عَنِ ابنِ شِهابٍ أخْبَرَنِي عُرْوَةُ أنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْها. قَالَتْ: جَاءَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله إنَّ أبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مَسِيكٌ فَهَلْ عَلَيَّ حَرَجٌ أنْ أُطْعِمَ مِنَ الَّذِي لَهُ عِيالَنا؟ قَالَ: لَا، إلاّ بِالمَعْرُوفِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. فِي نَفَقَة الْوَلَد فَقَط لِأَن أَبَا سُفْيَان كَانَ حَاضرا فِي الْمَدِينَة.
وَابْن مقَاتل هُوَ مُحَمَّد بن مقَاتل الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور عَن يحيى بن بكير عَن لَيْث.
قَوْله: (هِنْد بنت عتبَة) بِضَم الْعين وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن ربيعَة عبد شمس بن عبد منَاف أم مُعَاوِيَة أسلمت عَام الْفَتْح بعد إِسْلَام زَوجهَا أبي سُفْيَان بن حَرْب فأقرهما رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على نِكَاحهمَا، وَتوفيت فِي خلَافَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي الْيَوْم الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَبُو قُحَافَة والذ أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَاسم أبي سُفْيَان صَخْر بن حَرْب بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف، مَاتَ فِي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ فِي خلَافَة عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَصلى عَلَيْهِ ابْنه مُعَاوِيَة. وَقيل: عُثْمَان، وَدفن بِالبَقِيعِ وَهُوَ ابْن ثَمَان وَثَمَانِينَ سنة. وَقيل: ابْن بضع وَتِسْعين سنة. قَوْله: (مسيك) بِفَتْح الْمِيم وَكسر السِّين الْمُهْملَة الْخَفِيفَة وبكسر الْمِيم وَتَشْديد السِّين يَعْنِي: بخيل لَا يُعْطي من مَاله شَيْئا. فَالْأول فعيل بِمَعْنى فَاعل، وَالثَّانِي صِيغَة مُبَالغَة، قَوْله: (حرج) أَي: إِثْم قَوْله: (من الَّذِي لَهُ) أَي: من الشَّيْء الَّذِي لَهُ مِمَّا يملكهُ. قَوْله: (عيالنا) مَنْصُوب بقوله: (أَن أطْعم) قَوْله: (قَالَ لَا إِلَّا بِالْمَعْرُوفِ) أَي: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تطعمي إلاَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَقيل: مَعْنَاهُ: لَا حرج عَلَيْك وَلَا تنفقي إلاَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَهُوَ الَّذِي يتعارفه النَّاس فِي النَّفَقَة على أَوْلَادهم من غير إِسْرَاف. وَقيل: مَعْنَاهُ لَا تسرفي وأنفقي بِالْمَعْرُوفِ.
وَفِيه الدّلَالَة على وجوب نَفَقَة الْوَلَد.

3560 - حدَّثنا يَحْيَى حدَّثنا عَبْدُ الرَّزَاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ قَالَ: سَمِعْتُ أبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَال: إذَا أنْفَقَتِ المَرْأةُ مِنْ كَسْبِ زَوْجِها عَنْ غَيْر أمْرِهِ فَلَهُ نِصْفُ أجْرِهِ.

قيل: لَا وَجه لإيراد هَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْبَاب، فَلَا مُطَابقَة بَينه وَبَين التَّرْجَمَة وَأجِيب: بِأَنَّهُ كَمَا كَانَ للْمَرْأَة أَن تَتَصَدَّق من مَال زَوجهَا من غير أمره بِمَا تعلم أَنه يسمح بِمثلِهِ، وَهُوَ غير وَاجِب، كَانَ لَهَا أَن تَأْخُذ من مَاله بِمَا يجب عَلَيْهِ بِالطَّرِيقِ الأولى. وَهَذَا هُوَ الْجَامِع بَين الْحَدِيثين، وَهَذَا الْقدر كافٍ فِي الْمُطَابقَة.
وَيحيى شيخ البُخَارِيّ قَالَ الْكرْمَانِي: أما يحيى بن مُوسَى الْبَلْخِي الَّذِي يُقَال لَهُ: خَتّ، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، وَأما يحيى بن جَعْفَر بن أعين البيكندي البُخَارِيّ، سمع عبد الرَّزَّاق بن همام عَن معمر بن رَاشد عَن همام بن مُنَبّه أخي وهب بن مُنَبّه. قلت: لَا يحْتَاج إِلَى التَّرَدُّد فِي يحيى فَإِن الحَدِيث مر فِي الْبيُوع فِي: بَاب قَول الله تَعَالَى: {انفقوا من طَيّبَات مَا كسبتم} (الْبَقَرَة: 26) فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن وَصرح فِيهِ بقوله: حَدثنِي يحيى بن جَعْفَر عَن عبد الرَّزَّاق إِلَى آخِره.
قَوْله: (فَلهُ نصف أجره) وَوَجهه أَن ذَلِك من الطَّعَام الَّذِي يكون فِي الْبَيْت لأجل قوتهما جَمِيعًا. وَقيل المُرَاد بِغَيْر أمره الصَّرِيح بِأَن يَكْتَفِي فِي الْإِنْفَاق بِالْعَادَةِ أَو بالقرائن فِي الْإِذْن وَالْكَلَام المستوفي فِيهِ قد مر هُنَاكَ.

(21/19)


6 - (بَابْ: {عَمَلِ المَرْأَةِ فِي بَيْتِ زَوْجِها} )

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان عمل الْمَرْأَة فِي بَيت زَوجهَا.

5361 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: حدَّثني الحَكَمُ عنِ ابنِ أبِي لَيْلَى حدَّثنا عَلِيٌّ أنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلامُ، أتَتِ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، تَشْكُو إلَيْهِ مَا تَلْقَى فِي يَدِها مِنَ الرَّحَى، وَبَلَغَها أنهُ جَاءَهُ رَقِيقٌ فَلَمْ تُصَادِفْهُ، فَذَكَرَتْ ذالِكَ لِعَائِشَةِ. قَالَ: فَلَمَّا جَاءَ أخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ. قَالَ: فَجَاءَنَا وَقَدْ أخَذْنا مَضَاجِعَنَا فَذَهَبْنا نَقُومُ فَقَالَ: عَلَى مَكَانِكُمَا فَجَاءَ فَقَعَدَ بَيْنِي وَبَيْنَها حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى بَطْنِي، فَقَالَ: أَلا أدُلُّكُما عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَألْتُما؟ إذَا أخَذْتُما مَضَاجِعَكُمَا أوْ أوَيْتُمَا إلَى فِرَاشِكُمَا فَسَبِّحا ثَلاثا وَثَلاثِينَ، وَاحْمَدا ثَلاثا وَثَلاثِينَ، وَكَبِّرَا أرْبَعا وَثَلاثِينَ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكُما مِنْ خَادِمٍ.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (تَشْكُو إِلَيْهِ مَا تلقى فِي يَدهَا من الرَّحَى) وَهَذَا يدل على أَن فَاطِمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، كَانَت تطحن، وَالَّتِي تطحن تعجن وتخبز، وَهَذَا من جملَة عمل الْمَرْأَة فِي بَيت زَوجهَا.
وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وَالْحكم بِفتْحَتَيْنِ هُوَ ابْن عتيبة مصغر عتبَة الدَّار، وَابْن أبي ليلى هُوَ عبد الرَّحْمَن، وَاسم أبي ليلى يسارْ ضد الْيَمين.
والْحَدِيث مضى فِي الْخمس عَن بدل ابْن المحبر، وَفِي فضل عليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن بنْدَار وَسَيَأْتِي فِي الدَّعْوَات عَن سُلَيْمَان بن حَرْب، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (تَشْكُو إِلَيْهِ) ، حَال قَوْله: (مَا تلقى فِي يَدهَا) من الْمحل بِالْجِيم وَهُوَ ثخانة جلد الْيَد وَظُهُور مَا يشبه الْبشر فِيهَا من الْعَمَل بالأشياء الصلبة الخشنة. قَوْله: (من الرَّحَى) أَي: من إدارة رحى الْيَد. قَوْله: (وَبَلغهَا) أَي: بلغ فَاطِمَة (أَنه جَاءَهُ رَقِيق) من السَّبي. قَوْله: (فَلم تصادفه) بِالْفَاءِ أَي: لم ترهُ حَتَّى تلتمس مِنْهُ خَادِمًا. قَوْله: (فَذكرت ذَلِك) أَي: فَذكرت فَاطِمَة مَا تشكوه لعَائِشَة، رَضِي الله عَنْهَا، قَوْله: (فَلَمَّا جَاءَ) أَي: النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، (أخْبرته) أَي: أخْبرت النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَائِشَة بِأَمْر فَاطِمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا. قَوْله: (قَالَ) أَي: قَالَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (فجاءنا) أَي: النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَوْله: (وَقد أَخذنَا) الْوَاو فِيهِ للْحَال، والمضاجع جمع مَضْجَع وَهُوَ المرقد. قَوْله: (على مَكَانكُمَا) الْقَائِل هُوَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لعَلي وَفَاطِمَة أَي: إلزماه مَكَانكُمَا وَلَا تتحركا مِنْهُ. قَوْله: (قَدَمَيْهِ) ويروى: قدمه. قَوْله: (خير) ، قيل: لَا شكّ أَن للتسبيح وَنَحْوه ثَوابًا عَظِيما، لَكِن كَيفَ يكون خيرا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مطلوبها وَهُوَ الإستخدام؟ وَأجِيب: لَعَلَّ الله تَعَالَى يُعْطي للمسبّح قُوَّة يقدر بهَا على الْخدمَة أَكثر مِمَّا يقدر الْخَادِم عَلَيْهِ، أَو يسهل الْأُمُور عَلَيْهِ بِحَيْثُ يكون فعل ذَلِك بِنَفسِهِ أسهل عَلَيْهِ من أَمر الْخَادِم بذلك، أَو أَن مَعْنَاهُ أَن نفع التَّسْبِيح فِي الْآخِرَة، ونفع الْخَادِم فِي الدُّنْيَا {وَالْآخِرَة خير وَأبقى} (الْأَعْلَى: 17) .

7 - (بَابُ: {خَادِمِ المَرْأَةِ} )

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان هَل يلْزم الزَّوْج بالخادم للْمَرْأَة.

5362 - حدَّثنا الحُمَيْدِيُّ حدَّثنا سُفْيَانُ حدَّثنا عُبَيْدُ الله بنُ أبِي يَزِيدَ سَمِعَ مُجاهِدا سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمانِ بنَ أبِي لَيْلَى يُحَدِّثُ عَنْ عَلِيِّ بنِ أبِي طَالِبٍ: أنَّ فَاطِمَةَ، عَلَيْهَا السَّلامُ، أتَتِ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، تَسْألُهُ خَادِما، فَقَالَ: أَلا أُخْبِرُكِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكِ مِنْهُ؟ تُسَبِّحِينَ الله عِنْدَ مَنَامِكِ ثَلاثا وَثَلاثِينَ، وَتَحْمَدِينَ الله ثَلاثا وَثَلاثِينَ، وَتُكَبِّرِينَ الله أرْبَعا وَثَلاثِينَ.
ثُمَّ قَالَ سُفْيَانُ: إحْدَاهُنَّ أرْبَعٌ وَثَلاثُونَ، فَمَا تَرَكْتُها بَعْدُ. قِيلَ: وَلا لَيْلَةَ صَفِّينَ؟ قَالَ: وَلا لَيْلَةَ صَفِّينَ.

هَذَا الحَدِيث هُوَ الْمَذْكُور قبله، وَلَكِن سِيَاقه أخصر، وَقَالَ الطَّبَرِيّ: يُؤْخَذ مِنْهُ أَن كل من كَانَت بهَا طَاقَة من النِّسَاء على خدمَة بَيتهَا فِي خبز أَو طحن أَو غير ذَلِك أَن ذَلِك لَا يلْزم الزَّوْج إِذا كَانَ مَعْرُوفا أَن مثلهَا يَلِي ذَلِك بِنَفسِهِ، وَوجه الْأَخْذ أَن فَاطِمَة لما سَأَلت أَبَاهَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْخَادِم لم يَأْمر زَوجهَا بِأَن يكفيها ذَلِك بإخدامها خَادِمًا، أَو اسْتِئْجَار من يقوم بذلك، أَو يتعاطى ذَلِك

(21/20)


بِنَفسِهِ وَلَو كَانَت كِفَايَة ذَلِك لعَلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لأَمره بِهِ قلت: من هَذَا يُؤْخَذ مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة. ويوضحها، لِأَن قَوْله: بَاب خَادِم الْمَرْأَة، مُبْهَم وَفَسرهُ حَدِيث الْبَاب.
وَأخرج الحَدِيث عَن الْحميدِي وَهُوَ عبد الله بن الزبير بن عِيسَى الْمَنْسُوب إِلَى حميد أحد أجداده، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَعبيد الله بن أبي يزِيد من الزِّيَادَة الْمَكِّيّ، وَحكى ابْن حبيب عَن إصبغ وَابْن الْمَاجشون عَن مَالك إِن خدمَة الْبَيْت تلْزم الْمَرْأَة وَلَو كَانَت الْمَرْأَة ذَات قدر وَشرف إِذا كَانَ الزَّوْج مُعسرا قَالَ: وَلذَلِك ألزم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاطِمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، بِالْخدمَةِ الْبَاطِنَة، وعليا بِالْخدمَةِ الظَّاهِرَة وَحكى ابْن بطال أَن بعض الشُّيُوخ قَالَ: لَا نعلم فِي شَيْء من الْآثَار أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى على فَاطِمَة بِالْخدمَةِ الْبَاطِنَة، وَإِنَّمَا جرى الْأَمر بَينهم على مَا تعارفوه من حسن الْعشْرَة وَجَمِيل الْأَخْلَاق، وَأما أَن تجبر الْمَرْأَة على شَيْء من الْخدمَة فَلَا أصل لَهُ بل الْإِجْمَاع مُنْعَقد على أَن على الزَّوْج مؤونة الزَّوْجَة كلهَا. وَنقل الطَّحَاوِيّ الْإِجْمَاع على أَنه لَيْسَ لَهُ إِخْرَاج خَادِم الْمَرْأَة من بَيته فَدلَّ على أَنه يلْزمه نَفَقَة الْخَادِم على حسب الْحَاجة، وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيّ: يفْرض لَهَا ولخادمها النَّفَقَة إِذا كَانَت مِمَّن يخْدم، وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث وَمُحَمّد بن الْحسن: يفْرض لَهَا ولخادمين إِذا كَانَت خطيرة.
قَوْله: (ثمَّ قَالَ سُفْيَان: إِحْدَاهُنَّ أَربع وَثَلَاثُونَ) ، أَرَادَ أَن سُفْيَان قَالَ أَولا على التَّعْيِين التَّكْبِير أَربع وَثَلَاثُونَ، وَقَالَ آخرا على الْإِبْهَام: إِحْدَاهُنَّ أَربع وَثَلَاثُونَ. قَوْله: (فَمَا تركتهَا بعد) ، أَي: قَالَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مَا تركت التَّسْبِيح وَالتَّكْبِير والتحميد على الْوَجْه الْمَذْكُور بعد أَن سمعته من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (قيل: وَلَا لَيْلَة صفّين) ؟ أَي: قَالَ قَائِل لعَلي: وَلَا تركت هَذِه لَيْلَة صفّين، قَالَ: وَلَا تركتهَا لَيْلَة صفّين، وَهُوَ بِكَسْر الصَّاد الْمُهْملَة وَكسر الْفَاء الْمُشَدّدَة وَسُكُون الْبَاء آخر الْحُرُوف وبالنون، وَهُوَ مَوضِع بَين الْعرَاق وَالشَّام كَانَت فِيهِ وقْعَة عَظِيمَة بَين مُعَاوِيَة وَعلي، وَهِي مَشْهُورَة، وَأَرَادَ على أَنه لم يَمْنعنِي مِنْهَا عظم تِلْكَ اللَّيْلَة، وَعظم الْأَمر الَّذِي كنت فِيهِ.

8 - (بَابُ: {خِدْمَةِ الرَّجُلِ فِي أهْلِهِ} )

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان خدمَة الرجل بِنَفسِهِ فِي أَهله.

5363 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَرْعَرَةَ حدَّثنا شُعْبَةُ عَنِ الحَكَمِ بنِ عُتَيْبَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنِ الأسْوَدِ بنِ يَزِيدَ: سألْتُ عَائِشَةَ، رَضِيَ الله عَنْهَا. مَا كَانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَصْنَعُ فِي البَيْتِ؟ قَالَتْ: كَانَ فِي مِهْنَةِ أهْلِهِ، فَإذَا سَمِعَ الأذَانَ خَرَجَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ.
والْحَدِيث مر فِي الصَّلَاة فِي: بَاب من كَانَ فِي حَاجَة أَهله فأقيمت الصَّلَاة فَخرج، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن آدم عَن شُعْبَة عَن الحكم إِلَى آخِره، والمهنة بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْهَاء الْخدمَة.
وَفِيه: أَن خدمَة الدَّار وَأَهْلهَا سنة عباد الله الصَّالِحين. وَفِيه: فَضِيلَة الْجَمَاعَة لِأَن معنى قَوْله: (خرج) أَي: إِلَى الصَّلَاة مَعَ الْجَمَاعَة.