عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 9 - (بَابٌ: {إذَا لَمْ يَنْفِقِ الرَّجُلُ
فَلِلْمَرْأَةِ أنْ تأخُذَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ مَا
يَكْفِيهَا وَوَلَدَها بِالمَعْرُوفِ} )
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا لم ينْفق الرجل فللمرأة
أَن تَأْخُذ بِغَيْر علمه مَا يكفيها وَوَلدهَا. قَوْله:
(بِالْمَعْرُوفِ) ، أَي: بِاعْتِبَار عرف النَّاس فِي
نَفَقَة مثلهَا وَنَفَقَة وَلَدهَا.
5364 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى حدَّثنا يَحْيَى
عَنْ هِشَامٍ قَالَ أخْبَرَنِي أبِي عَنْ عَائِشَةَ أنَّ
هِنْدا بِنْتَ عُتَبَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ الله! إنَّ
أبَا سُفْيَان رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا
يَكْفِينِي وَوَلَدِي إلاَّ مَا أخَذْتُ مِنْهُ، وَهُوَ
لَا يَعْلَمُ. فَقَالَ: خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ
بِالمَعْرُوفِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَيحيى هُوَ ابْن سعيد
الْقطَّان، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة بن الزبير.
وَحَدِيث عَائِشَة هَذَا قد مر عَن قريب قبل هَذَا
بِثَلَاثَة أَبْوَاب، وَمر الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (أَن هندا) ، كَذَا وَقع مصروفا، وَوَقع فِي
رِوَايَة الْمَظَالِم الْمُتَقَدّمَة غير مَصْرُوف،
(21/21)
وَقد علم أَن سَاكن الْوسط يجوز فِيهِ
الْأَمْرَانِ: الصّرْف وَتَركه، كَمَا فِي نوح ودعد
وَنَحْوهمَا.
قَوْله: (شحيح) أَي: بخيل، وَفِي الرِّوَايَة
الْمُتَقَدّمَة: رجل مسيك. قَوْله: (وَهُوَ لَا يعلم) ،
الْوَاو فِيهِ للْحَال، وَقد احْتج بِهِ من قَالَ: تلْزمهُ
نَفَقَة وَلَده وَإِن كَانَ كَبِير أورد بِأَنَّهَا
وَاقعَة عين وَلَا عُمُوم فِي الْأَفْعَال، وَلَعَلَّ
الْوَلَد فِيهِ كَانَ صَغِيرا وكبيرا زَمنا عَاجِزا عَن
الْكسْب، وَبَعض الْمَالِكِيَّة. قَالَ: تلْزمهُ إِذا
كَانَ زَمنا مُطلقًا.
وَفِيه: مَسْأَلَة الظفرة، وَقد تقدم ذكرهَا فِي
الْمَظَالِم على تَفْصِيل وَاخْتِلَاف فِيهَا. وَفِيه: أَن
وصف الْإِنْسَان بِمَا فِيهِ من النَّقْص على وَجه التظلم
مِنْهُ، والصيرورة إِلَى طلب الانتصاف من حق عَلَيْهِ
جَائِز وَلَيْسَ بغيبة لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لم يُنكر عَلَيْهَا قَوْلهَا، وَاسْتدلَّ بعض
الشَّافِعِيَّة على الْحَنَفِيَّة فِي مَنعهم الْقَضَاء
على الْغَائِب بِقصَّة هِنْد لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قضى على زَوجهَا وَهُوَ غَائِب. قَالَت
الْحَنَفِيَّة: هَذَا لَيْسَ بِصَحِيح، لِأَن هَذِه
الْقَضِيَّة كَانَت بِمَكَّة، وَكَانَ أَبُو سُفْيَان
حَاضر.
وَاخْتلف الْعلمَاء فِي مِقْدَار مَا يفْرض السُّلْطَان
للزَّوْجَة على زَوجهَا. فَقَالَ مَالك: يفْرض لَهَا بِقدر
كفايتها فِي الْيُسْر والعسر وَيعْتَبر حَالهَا من حَاله،
وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة: وَلَيْسَت مقدرَة. وَقَالَ
الشَّافِعِي: مقدرَة بِاجْتِهَاد الْحَاكِم فِيهَا. وَهِي
تعْتَبر بِحَالهِ دونهَا. فَمن كَانَ مُوسِرًا فمدان كل
يَوْم، وَإِن كَانَ متوسطا فَمد وَنصف، وَمن كَانَ مُعسرا
فَمد، فَيجب لبِنْت الْخَلِيفَة مَا يجب لبِنْت الحارس.
10 - (بَابُ: {حِفْظِ المَرْأةِ زَوْجِها فِي ذَاتِ يَدِهِ
وَالنَّفَقَةِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وجوب حفظ الْمَرْأَة زَوجهَا
فِي ذَات يَده، يَعْنِي: فِي مَاله. قَوْله: (وَالنَّفقَة)
، أَي: وَفِي النَّفَقَة. وَهُوَ من عطف الْخَاص على
الْعَام، وَوَقع فِي بعض النّسخ، وَالنَّفقَة عَلَيْهِ.
أَي: على الزَّوْج.
5365 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا سُفْيَانُ
حدَّثنا ابنُ طَاوُوسِ عَنْ أبِيهِ وَأبُو الزِّنادِ عَنِ
الأعْرَجِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أنَّ رَسُولَ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ
الإبِلَ نِسَاءُ قُرَيْشٍ، وَقَالَ الآخَرُ: صَالِحُ
نِسَاءِ قُرَيْشٍ أحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صَغرِهِ
وَأرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وأرعاه على زوج فِي
ذَات يَدَيْهِ) وَعلي بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن
الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَابْن
طَاوُوس عبد الله، وَأَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد
الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز.
والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب النِّكَاح فِي: بَاب إِلَى من
ينْكح وَأي النِّسَاء خير.
قَوْله: (وَأَبُو الزِّنَاد) ، عطف على (ابْن طَاوُوس)
وَحَاصِله أَن لِسُفْيَان فِيهِ شيخين: أَحدهمَا: ابْن
طَاوُوس، وَالْآخر: أَبُو الزِّنَاد. قَوْله: (خير نسَاء
ركبن الْإِبِل نسَاء قُرَيْش) ، حَدِيث سعيد بن الْمسيب
عَن أبي هُرَيْرَة وَفِي آخر الحَدِيث يَقُول: أَبُو
هُرَيْرَة. وَلم تركب مَرْيَم ابْنة عمرَان بَعِيرًا قطّ،
وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قد قَالَ: خير نسَاء
ركبن الْإِبِل، وَذكر صَاحب (النَّجْم الثاقب) أَن أَبَا
هُرَيْرَة فهم أَن الْبَعِير من الْإِبِل فَقَط وَلَيْسَ
كَذَلِك، بل يكون أَيْضا حمارا. قَالَ تَعَالَى: {وَلمن
جَاءَ بِهِ حمل بعير وَأَنا بِهِ زعيم} (يُوسُف: 72) قَالَ
ابْن خالويه: لم تكن إخْوَة يُوسُف ركبانا إلاَّ على
أحمرة، وَلم يكن عِنْدهم إبل، وَلم يكن حملانهم فِي
أسفارهم وَشبههَا إلاَّ على أحمرة، وَكَذَا قَالَ
مُجَاهِد: الْبَعِير هُنَا الْحمار، وَهِي لُغَة حَكَاهَا
الكواشي. قَوْله: (وَقَالَ الآخر) بِفَتْح الْخَاء (صَالح
نسَاء قُرَيْش) أَرَادَ أَن أحد الِاثْنَيْنِ من ابْن
طَاوُوس وَأَبُو الزِّنَاد الَّذِي سمع مِنْهُمَا سُفْيَان
هَذَا الحَدِيث. قَالَ: (خير نسَاء ركبن الْإِبِل) وَقَالَ
الآخر: (صَالح نسَاء قُرَيْش) وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم
عَن ابْن أبي عمر عَن سُفْيَان قَالَ أَحدهمَا: صَالح
نسَاء قُرَيْش كَذَا بالإبهام، وَلَكِن بَين فِي رِوَايَة
معمر عَن ابْن طَاوُوس عِنْد مُسلم، أَن الَّذِي زَاد لفظ:
صَالح، هُوَ ابْن طَاوُوس، وَوَقع فِي رِوَايَة
الْكشميهني: صُلَّح نسَاء قُرَيْش، بِضَم الصَّاد وَفتح
اللَّام الْمُشَدّدَة وَهُوَ صِيغَة جمع. قَوْله: (أحناهُ
على وَلَده) ، بِالْحَاء الْمُهْملَة من الحنو وَهُوَ
الْعَطف والشفقة وَهُوَ صِيغَة التَّفْضِيل من الحانية،
وَقَالَ ابْن التِّين: هِيَ الَّتِي تقيم على وَلَدهَا
فَلَا تتَزَوَّج، يُقَال: حَتَّى يحنى وحنا يحنو إِذا
أشْفق، فَإِن تزوجت الْمَرْأَة لَيست بحانية. قَوْله:
(وأرعاه) من الرِّعَايَة وَهِي الْحِفْظ أَو من الإرعاء
وَهِي الْإِبْقَاء. فَإِن قلت: كَانَ الْقيَاس أَن يُقَال:
إحناهن. قلت: الْعَرَب فِي مثله لَا يَتَكَلَّمُونَ بِهِ
إلاَّ مُفْرد أَو لَعَلَّه بِاعْتِبَار الْمَذْكُور، أَو
بِاعْتِبَار لفظ النِّسَاء.
(وَيُذْكرُ عَنْ مُعَاوِيَةَ وَابنِ عَبَّاسٍ عَنِ النبيِّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
(21/22)
ذكر مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان، وَعبد
الله بن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، بِصِيغَة
التمريض، أما الَّذِي رُوِيَ عَن مُعَاوِيَة فَأخْرجهُ
أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ من طَرِيق زيد بن أبي عتاب عَن
مُعَاوِيَة: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
فَذكر مثل رِوَايَة ابْن طَاوُوس فِي جملَة أَحَادِيث،
وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس فَأخْرجهُ أَحْمد أَيْضا من
طَرِيق شهر بن حَوْشَب: حَدثنِي ابْن عَبَّاس، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُمَا، أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
خطب امْرَأَة من قومه يُقَال لَهَا سَوْدَة وَكَانَ لَهَا
خَمْسَة صبيان أَو سِتَّة من بعل لَهَا مَاتَ، فَقَالَت
لَهُ: مَا يَمْنعنِي مِنْك أَن لَا تكون أحب الْبَريَّة
إِلَى إلاَّ أَنِّي أكرمك أَن تصفوا هَذِه الصبية عِنْد
رَأسك، فَقَالَ لَهَا: يَرْحَمك الله إِن خير نسَاء ركبن
أعجاز الْإِبِل صَالح نسَاء قُرَيْش الحَدِيث، وَقيل:
يحْتَمل أَن تكون أم هانىء الْمَذْكُورَة فِي حَدِيث أبي
هُرَيْرَة فلعلها كَانَت تلقب بسودة. قلت: الْمَشْهُور أَن
اسْمهَا فَاخِتَة. وَقيل: هِنْد وَكَانَ إسْلَامهَا يَوْم
الْفَتْح، وَلَيْسَت سَوْدَة هَذِه سَوْدَة بنت زَمعَة زوج
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم تزَوجهَا قَدِيما بِمَكَّة بعد موت
خَدِيجَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَدخل بهَا قبل
أَن يدْخل بعائشة وَمَات وَهِي فِي عصمته.
11 - (بَابُ: {كِسْوَةِ المَرْأةِ بِالمَعْرُوفِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وجوب كسْوَة الْمَرْأَة على
زَوجهَا بِالْمَعْرُوفِ، أَي: الَّذِي هُوَ الْمُتَعَارف
فِي أَمْثَالهَا.
5366 - حدَّثنا حَجَّاجُ بنُ مِنْهالٍ حدَّثنا شُعْبَةُ
قَالَ: أخْبَرَنِي عَبْدُ المَلِكِ بنُ مَيْسَرَةَ. قَالَ:
سَمِعْتُ زَيْدَ بنَ وَهْبٍ عَنْ عَلِيّ، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: آتَى إلَيَّ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم حُلَّةَ سِيرَاءَ فَلَبِسْتُها فَرَأيْتُ
الغَضَبَ فِي وَجْهِهِ فَشَقَقْتُها بَيْنَ نِسَائِي.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فشققتها بَين
نسَائِي) وَوجه ذَلِك من حَيْثُ أَن الَّذِي حصل لفاطمة من
الْحلَّة قِطْعَة فرضيت اقتصادا بِحَسب الْحَال لَا
إسرافا.
والْحَدِيث مر فِي كتاب الْهِبَة فِي: بَاب هَدِيَّة مَا
يكره لبسه بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن.
قَوْله: (آتى إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ،
بِالْمدِّ يَعْنِي: أعْطى ثمَّ ضمّن أعْطى معنى أهْدى أَو
أرسل، فَلذَلِك عداهُ بإليّ بِالتَّشْدِيدِ، وَفِي بَاب
الْهِبَة. عَن عَليّ: أهْدى إِلَيّ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وَوَقع فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: بعث
إليّ وَفِي رِوَايَة أَتَى إِلَى النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بِحرف الْجَرّ، وأتى بِمَعْنى جَاءَ فعلى
هَذَا ترْتَفع حلَّة سيراء على الفاعلية وَيكون فِيهِ حذف
تَقْدِيره: فَأتى إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
حلَّة سيراء فَأَعْطَانِيهَا فلبستها. وعَلى الْوَجْه
الأول: حلَّة سيراء مَنْصُوب على المفعولية، والحلة إِزَار
ورداء، وَقَالَ: أَبُو عبيد: لَا تسمى حلَّة حَتَّى تكون
من ثَوْبَيْنِ، وسيراء بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَفتح
الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالمد، وَهُوَ برد فِيهِ خطوط صفر،
وَقيل: هِيَ مضلعة بالحرير، وَقيل: إِنَّهَا حَرِير مَحْض،
وَقَالَ الْكرْمَانِي: ضبطوا الْحلَّة بِالْإِضَافَة
وبالتنوين. قَوْله: (فشققتها بَين نسَائِي) ، أَرَادَ بِهِ
بَين فَاطِمَة وقراباته، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لم يكن
لعَلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، زَوْجَة غير فَاطِمَة،
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَلَا سَرِيَّة ويروى:
فشققتها خمرًا بَين الفواطم، وَقَالَ ابْن بطال: أجمع
الْعلمَاء على أَن للْمَرْأَة مَعَ النَّفَقَة على
الزَّوْج الْكسْوَة وجوبا على قدر الْكِفَايَة لَهَا وعَلى
قدر الْيُسْر والعسر.
12 - (بابُ: {عَوْنِ المَرْأَةِ زَوْجَها فِي وَلَدِهِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مندوبية عون الْمَرْأَة
زَوجهَا فِي أَمر وَلَده، وَسقط فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ
لفظ وَلَده.
5367 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ
عَنْ عَمْروٍ عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله، رَضِيَ الله
عَنْهُما، قَالَ: هَلَكَ أبِي وَتَرَكَ سَبْعَ بَنَاتٍ أوْ
تِسْعَ بَنَاتٍ، فَتَزَوَّجَتُ امْرَأةً ثَيْبا. فَقَالَ
لِي رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أتَزَوَّجْتَ
يَا جَابِر؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: بِكْرا أمْ
ثَيِّبا؟ قُلْتُ: بَلْ ثَيِّبا. قَالَ: فَهَلاَّ جَارِيَةً
تُلاعِبُها وَتُلاعِبُكَ وَتُضَاحِكُها وَتُضَاحِكُكَ؟
قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: إنَّ عَبْدَ الله هَلَكَ وَتَرَكَ
بَنَاتٍ، وَإنِّي كَرِهْتُ أنْ أجِيئَهُنَّ بِمِثْلِهِنَّ،
فَتَزَوَّجْتُ امْرَأةً تَقُومُ عَلَيْهِنَّ
وَتصْلِحُهُنَّ، فَقَالَ: بَارَكَ الله لَكَ أوْ قَالَ
خَيْرا.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه استنبط قيام
الْمَرْأَة على ولد زَوجهَا من قيام امْرَأَة جَابر على
أخواته وَعمر هُوَ ابْن دِينَار
(21/23)
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي
الدَّعْوَات عَن أبي النُّعْمَان وَأخرجه مُسلم فِي
النِّكَاح عَن أبي الرّبيع، وَيحيى، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ
وَالنَّسَائِيّ جَمِيعًا فِيهِ عَن قُتَيْبَة.
قَوْله: (بمثلهن) أَي: صَغِيرَة لَا تجربة لَهَا فِي
الْأُمُور. قَوْله: (أَو قَالَ: خيرا) شكّ من الرَّاوِي،
وَقَالَ ابْن بطال: عون الْمَرْأَة زَوجهَا فِي وَلَده
وَلَيْسَ بِوَاجِب عَلَيْهَا وَإِنَّمَا هُوَ من جميل
الْعشْرَة وَمن شِيمَة صالحات النِّسَاء.
13 - (بَابُ: {نَفَقَةِ المُعْسِرِ عَلَى أهْلِهِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان نَفَقَة الْمُعسر على أَهله،
أَي: على زَوجته أَو أَعم من ذَلِك.
5368 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ
بنُ سَعْدٍ حدَّثنا ابنُ شِهابٍ عَنْ حُمَيْدِ بنِ عَبْدِ
الرَّحْمانِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنهُ.
قَالَ: أَتَى النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رَجُلٌ.
فَقَالَ: هَلَكْتُ. قَالَ: وَلِمَ؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى
أهْلِي فِي رَمَضَانَ. قَالَ: فأعْتِقْ رَقَبَةً. قَالَ:
لَيْسَ عِنْدِي. قَالَ: فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ.
قَالَ: لَا أسْتَطِيعُ. قَالَ: فَأطْعِمْ سِتِّينَ
مِسْكِينا. قَالَ: لَا أجِدُ، فَأُتِيَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بِعَرَق فِيهِ تَمْرٌ. فَقَالَ: أيْنَ
السَّائِلُ؟ قَالَ: هَا أنَا ذَا. قَالَ: تَصَدَّقْ
بِهاذا. قَالَ: عَلَى أحْوَجَ مِنَّا يَا رَسُولَ الله؟
فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ مَا بَيْنَ لابَتَيْها
أهْلُ بَيْتٍ أحْوَجُ مِنَّا. فَضَحِكَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى بَدَتْ أنْيَابُهُ. قَالَ:
فَأنْتُمْ إِذا.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِثْبَات نَفَقَة الْمُعسر
على أَهله حَيْثُ قدمهَا على الْكَفَّارَة بتجويز صرف مَا
فِي الْعرق إِلَى أَهله دون كَفَّارَته.
والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الصَّوْم فِي بَابَيْنِ:
الأول: بَاب إِذا جَامع فِي رَمَضَان، وَالثَّانِي: بَاب
المجامعة فِي رَمَضَان، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (بعرق) بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وبالراء
وبالقاف وَهُوَ السلَّة المنسوجة من الخوص تسع خَمْسَة عشر
صَاعا. قَوْله: (لابتيها) أَي: لَا بتي الْمَدِينَة وهما
الحرتان اللَّتَان تكتنفان الْمَدِينَة. قَوْله: (فَأنْتم
إِذا) أَي: فَأنْتم أَحَق حِينَئِذٍ، وَفِي رِوَايَة:
فاطعم أهلك.
14
- (بَابٌ: {وَعَلَى الوَارِثِ مِثْلُ ذالِكَ} وَهَلْ عَلَى
المَرْأَةِ مِنْهُ شَيْءٌ {وَضَرَبَ الله مَثَلاً
رَجُلَيْنٍ أحَدُهُما أبْكَمْ} إلَى قَوْلِهِ: {صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ} (الْبَقَرَة: 233)
)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {وعَلى الْوَارِث
مثل ذَلِك} وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر، {وعَلى
الْوَارِث} إِلَى قَوْله: أَحدهمَا: أبكم الْآيَة. وَلم
يَقع قَوْله: (إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم) إلاَّ فِي
رِوَايَة غَيره. قَوْله: (وعَلى الْوَارِث) ، اخْتلف
الْعلمَاء فِي تَأْوِيله. فَعَن ابْن عَبَّاس: مثل ذَلِك
أَي: فِي عدم الضرار بقريبه، وَهُوَ قَول مُجَاهِد
وَالشعْبِيّ، وَالضَّحَّاك، وَقَالَت طَائِفَة: مَا كَانَ
على الْوَارِث من أجر الرَّضَاع إِذا كَانَ الْوَلَد لَا
مَال لَهُ، وَقَالَ الْجُمْهُور: لَا غرم على أحد من
الْوَرَثَة وَلَا يلْزمه نَفَقَة ولد الْمَوْرُوث.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي المُرَاد بالوارث، فَقَالَ الْحسن
وَالنَّخَعِيّ: كل من يَرث الْأَب من الرِّجَال
وَالنِّسَاء، وَهُوَ قَول أَحْمد وَإِسْحَاق. وَقَالَ
أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه: هُوَ من كَانَ ذَا رحم محرم
للمولود دون غَيره، وَقَالَ قبيصَة بن ذُؤَيْب: هُوَ
الْمَوْلُود نَفسه، وَقَالَ: زيد بن ثَابت: إِذا خلف أما
وَعَما فعلى كل وَاحِد مِنْهُمَا إِرْضَاع الْوَلَد بِقدر
مَا يَرث، وَبِه قَالَ الثَّوْريّ. قَوْله: (وَهل على
الْمَرْأَة مِنْهُ شَيْء) ، أَي: من رضَاع الصَّبِي، وَهل
هُنَا للنَّفْي، وَأَشَارَ بِهِ البُخَارِيّ إِلَى الرَّد
على قَول الثَّوْريّ الْمَذْكُور، وَشبه مِيرَاث
الْمَرْأَة من الْوَارِث بِمَنْزِلَة الأبكم الَّذِي لَا
يقدر على النُّطْق من الْمُتَكَلّم، وَجعلهَا كلاًّ على من
يعولها. وَقَالَ ابْن بطال: وَأَشَارَ إِلَى رده بقوله
تَعَالَى: {ضرب الله مثلا} فَنزل الْمَرْأَة من الْوَارِث
بِمَنْزِلَة الأبكم من الْمُتَكَلّم. قَوْله: (إِلَى
صِرَاط مُسْتَقِيم) ، يَعْنِي: من قَوْله: {وَضرب الله
مثلا رجلَيْنِ أَحدهمَا أبكم لَا يقدر على شَيْء وَهُوَ كل
على مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يوجهه لَا يَأْتِ بِخَير هَل
يَسْتَوِي هُوَ وَمن يَأْمر بِالْعَدْلِ وَهُوَ على صِرَاط
مُسْتَقِيم} قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: قَالَ الله تَعَالَى:
مثلكُمْ فِي إشراككم بِاللَّه الْأَوْثَان مثل من سوّى
بَين عبد مَمْلُوك عَاجز عَن التَّصَرُّف وَبَين حرّ
مَالك. قد رزقه الله مَالا يتَصَرَّف فِيهِ وينفقه كَيفَ
يشار. قَوْله: (أَيّكُم) ، هُوَ الَّذِي ولد أخرس فَلَا
يَفهم وَلَا يُفهمّ وَهُوَ كلٌّ أَي: ثقل وعيال على من
يَلِي أمره. قَوْله: (أَيْنَمَا يوجهه) ، أَي: حَيْثُمَا
يُرْسِلهُ ويصرفه فِي طلب حَاجَة أَو كِفَايَة مهمٍّ (لَا
يَأْتِ بِخَير) لَا ينفع وَلَا يأتى بنجحٌ هَل يَسْتَوِي
هُوَ
(21/24)
وَمر هُوَ سليم الْحَواس نفاع ذُو كفايات
مَعَ رشد وديانة؟ فَهُوَ يَأْمر النَّاس بِالْعَدْلِ
وَالْخَيْر وَهُوَ فِي نَفسه على صِرَاط مُسْتَقِيم؟ .
5369 - حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا وُهَيْبٌ
أخْبَرنا هِشامٌ عَنْ أبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أبِي
سَلَمَةَ عَنْ أُُمِّ سَلَمَةِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله
{هَلْ لِي مِنْ أجْرٍ فِي بَنِي أبِي سَلَمَةَ أنْ
أُنْفِقَ عَلَيْهِمْ وَلَسْتُ بِتَارِكَتِهِمْ هاكَذا
وَهاكذا إنَّما هُمْ بَنيَّ؟ قَال: نَعَمْ لَكِ أجْرُ مَا
أنْفَقْتِ عَلَيْهِمْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن أم الصَّبِي كلٌّ على
أَبِيه فَلَا يجب عَلَيْهَا نَفَقَة بنيها، وَلِهَذَا لم
يَأْمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم سَلمَة
بِالْإِنْفَاقِ على بنيها، وَإِنَّمَا قَالَ: لَك أجر مَا
أنفقت عَلَيْهِم.
وهيبَ مصغر وهبَ ابْن خَالِد يروي عَن هِشَام بن عُرْوَة
عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن زَيْنَب ابْنة أبي
سَلمَة عبد الله بن عبد الْأسد المخزومية ربيبة النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، تروي عَن أمهَا أم سَلمَة هِنْد
بنت أبي أُميَّة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
والْحَدِيث هُوَ فِي: بَاب الزَّكَاة على الزَّوْج
والأيتام فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عُثْمَان بن أبي
شيبَة عَن عَبدة عَن هِشَام عَن أَبِيه الخ.
قَوْله: (أَن أنْفق) ، أَي: بِأَن أنْفق فَإِن
مَصْدَرِيَّة تَقْدِيره بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِم. قَوْله:
(وَلست بتاركتهم هَكَذَا وَهَكَذَا) ، يَعْنِي:
مُحْتَاجين. قَوْله: (إِنَّمَا هم بني) أَي: إِنَّمَا بَنو
أبي سَلمَة هم بني أَيْضا، وَأَصله: بنُون فَلَمَّا أضيف
إِلَى يَاء الْمُتَكَلّم صَار بنوي، فاجتمعت الْوَاو
وَالْيَاء وسبقت إِحْدَاهمَا بِالسُّكُونِ فأدغمت الْوَاو
فِي الْيَاء فَصَارَ بني بِضَم النُّون ثمَّ أبدلت ضمة
النُّون كسرة لأجل الْيَاء فَصَارَ: بني. قَوْله: (قَالَ:
نعم) ، أَي: قَالَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نعم
أنفقي عَلَيْهِم لَك أجر مَا أنفقت عَلَيْهِم. أَي: لَك
أجر الْإِنْفَاق عَلَيْهِم.
5370 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ حدَّثنا سُفْيَانُ
عَنْ هِشامٍ بنِ عُرْوَةَ عَنْ أبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ
رَضِيَ الله عَنها. قَالَتْ: هِنْدٌ: يَا رَسُولَ الله}
إنَّ أبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، فَهَلْ عَلَيَّ
جُناحٌ أنْ آخُذَ مِنْ مَالِهِ مَا يَكْفِينِي وَبَنِيَّ؟
قَالَ: خُذِي بِالْمَعْرُوفِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (خذي
بِالْمَعْرُوفِ) حَيْثُ لم يأمرها بِالْإِنْفَاقِ من
مَالهَا. وَإِنَّمَا قَالَ: خذي من مَال أبي سُفْيَان
بِمَا يتعارفه النَّاس بِالْإِنْفَاقِ فِي مثلك وَفِي مثل
أولادك.
والْحَدِيث قد مر عَن قريب، وسُفْيَان الرَّاوِي هُوَ ابْن
عُيَيْنَة.
قَوْله: (وَبني) ، أَي: وَمَا يَكْفِي بني، وإعلاله قد مر
الْآن.
15 - (بَابُ: {قَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
مَنْ تَرَكَ كَلاًّ أوْ ضَياعا فَإلَيَّ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قَول النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِلَى آخِره فالكَلَّ بِفَتْح الْكَاف
وَتَشْديد اللَّام بِالتَّنْوِينِ أَي: ثقلاً من دين
وَنَحْوه، وَقَالَ ابْن فَارس: الْكل الْعِيَال والثقل
والضياع بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة الْهَلَاك أَي:
الَّذِي لَا يسْتَقلّ بِنَفسِهِ وَلَو خلي وطبعه لَكَانَ
فِي معرض الْهَلَاك، قيل: الضّيَاع بِالْكَسْرِ جمع ضائع.
قَوْله: (إِلَيّ) ، بتَشْديد الْيَاء وَمَعْنَاهُ: فينتهي
ذَلِك إِلَيّ وَأَنا أتداركه، وَهُوَ بِمَعْنى: عَليّ.
أَي: فعليّ قَضَاؤُهُ وَالْقِيَام بمصالحه قَالَ
التَّيْمِيّ: فحوالة ذَلِك إليّ.
5371 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ حدَّثنا اللَّيْثُ
عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابنِ شهابٍ عَنْ أبِي سَلَمَةَ عَنْ
أبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ الله عنهُ، أنَّ رَسُولَ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ يُؤْتي بِالرَّجُلِ المُتَوفى
عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَيسألُ: هَلْ تَرَكَ لِدَيْنِهِ
فَضْلاً؟ فَإنْ حُدِّثَ أنَّهُ تَرَكَ وَفاءً صَلَّى،
وَإلاَّ قَالَ لِلْمُسْلِمينَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ،
فَلَمَّا فَتَحَ الله عَلَيْهِ الفُتُوحَ. قَالَ: أنَا
أوْلَى بِالْمُؤْمِنينَ مِنْ أنْفُسِهِمْ. فَمَنْ
تُوُفِّيَ مِنَ المُؤْمِنينَ فَترك دَيْناً فعلى قَضَاؤُهُ
وَمن ترك مَالا فلورثته.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعقيل بِضَم الْعين ابْن
خَالِد، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ،
وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
والْحَدِيث مضى فِي الْكفَالَة فِي: بَاب الدّين،
فَأَنَّهُ أخرجه هُنَاكَ بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن،
وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله:
(21/25)
(فضلا) ، أَي: مَا لَا يَفِي بِالدّينِ
فضلا من الله تَعَالَى، ويروى قضاهُ، ويروى: وَفَاء.
قَوْله: (وإلاَّ) أَي: وَإِن لم يتْرك وَفَاء. (قَالَ
للْمُسلمين: صلوا على صَاحبكُم) وامتناعه عَن الصَّلَاة
على الْمَدْيُون تحذيرا من الدّين وزجرا عَن المماطلة،
وَكَرَاهَة أَن يُوقف دعاؤه عَن الْإِجَابَة بِسَبَب مَا
عَلَيْهِ من مظلمه الْحق.
16 - (بابُ: {المَرَاضِعِ مِنَ المَوَالِياتِ
وَغَيْرِهِنَّ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَانه حكم المراضع من المواليات.
وَقَالَ ابْن التِّين: ضبط فِي رِوَايَة بِضَم الْمِيم
وَبِفَتْحِهَا فِي أُخْرَى، وَالْأول أولى لِأَنَّهُ إسم
فَاعل من والى يوالي. قلت: على قَوْله: (يكون) ، مواليات
جمع موالية وَلَيْسَ كَمَا قَالَه، بل الأولى أَن يضْبط
الْمِيم بِالْفَتْح جمع مولاة الَّتِي هِيَ الْأمة
وَلَيْسَت من الْمُوَالَاة. وَقَالَ ابْن بطال: الْأَقْرَب
أَن يُقَال: الموليات جمع مولاة والموليات جمع مولى جمع
التكسير، ثمَّ جمع جمع السَّلامَة بِالْألف وَالتَّاء
فَصَارَ: مواليات. وَقَالَ: كَانَت الْعَرَب فِي أول
أمرهَا تكره رضَاع الْإِمَاء وتحب العربيات طلبا لنجابة
الْوَلَد فَأَرَاهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَنه قد رضع من غير الْعَرَب وَأَن رضَاع الْإِمَاء لَا
يهجن.
5372 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ حدَّثنا اللَّيْثُ
عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابنِ شِهابٍ أخبرَنِي عُرْوَةُ أنَّ
زَيْنَبَ ابُنَةَ أبِي سَلمَة أخْبرته أنَّ أُمَّ حَبيبةَ
زَوْجَ النَّبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت: قلت يَا
رَسُول الله أنكح أُخْتِي ابْنة أبي سُفْيَانَ. قَالَ:
وَتُحبِّينَ ذَلِكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، لَسْتُ لَكَ
بِمُخْلِيَةٍ وأحَبُّ مَنْ شَارَكَنِي فِي الخَيْرِ
أُخْتِي. فَقَالَ: إنَّ ذلِكَ لَا يَحِلُّ لِي. فَقُلْتُ:
يَا رَسُولَ الله! فَوَالله إنّا نَتَحَدَّثُ أنَّكَ
تُرِيدُ أنْ تَنْكِحَ دُرَّةَ ابْنَةَ أبِي سَلَمَةَ.
فَقَالَ: ابْنَةَ أُمِّ سَلَمَةَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ،
قَالَ: وَالله لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حَجْرِي
مَا حَلَّتْ لِي، إنَّها ابْنَةُ أخِي مِنَ الرَّضاعَةِ
أرْضَعَتْنِي وَأبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ، فَلا تَعْرِضْنَ
عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلا أخْوَاتِكُنَّ.
وَقَالَ شُعَيْبٌ عَنِ الزّهْرِيِّ: قَالَ عُرْوَةُ:
ثُوَيْبَةُ أعْتَقَها أبُو لَهَبٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: {أرضعتني وَأَبا سَلمَة
ثوبية} (النِّسَاء: 23) وَكَانَت ثوبية مولاة أبي لَهب
فأرضعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلَا يكره
رضَاع الْأمة.
والْحَدِيث قد مضى فِي النِّكَاح فِي: بَاب {وأمهاتكم
اللَّاتِي أرضعنكم} وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
وَأم حَبِيبَة اسْمهَا رَملَة بنت أبي سُفْيَان وَاسم
أُخْتهَا عزة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد
الزَّاي.
قَوْله: (بمخلية) إسم فَاعل من أخليت الْمَكَان إِذا
صادفته خَالِيا، وأخليت غَيْرِي يتَعَدَّى وَلَا
يتَعَدَّى. قَوْله: (درة) بِضَم الدَّال الْمُهْملَة
وَتَشْديد الرَّاء، وَأَرَادَ أَن درة لَا تحل لَهُ من
جِهَتَيْنِ: كَونهَا ربيبتي، وَكَونهَا بنت أخي،
وَاسْتِعْمَال: لَو هَاهُنَا كاستعماله فِي نعم العَبْد
صُهَيْب لَو لم يخف الله لم يَعْصِهِ. قَوْله: (ثوبية)
بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَفتح الْوَاو وَسُكُون
الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة:
جَارِيَة أبي لَهب عبد الْعُزَّى عَم رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وَقد أعْتقهَا حِين بَشرته بِالنَّبِيِّ،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (وَقَالَ شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ) إِلَى آخِره،
تَعْلِيق مر فِي حَدِيث مَوْصُول فِي أَوَائِل كتاب
النِّكَاح، وَأَرَادَ بِذكرِهِ هُنَا إِيضَاح أَن ثوبية
كَانَت مولاة ليطابق التَّرْجَمَة.
7 - (كتابُ: {الأَطْعِمَةِ} )
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَنْوَاع الْأَطْعِمَة
وأحكامها، وَهُوَ جمع طَعَام. قَالَ الْجَوْهَرِي:
الطَّعَام مَا يُؤْكَل وَرُبمَا خص بِالطَّعَامِ الْبر
والطعم بِالْفَتْح مَا يُؤَدِّيه ذوف الشَّيْء من حلاوة
ومرارة وَغَيرهمَا، والطعم بِالضَّمِّ الْأكل يُقَال: طعم
يطعم طعما فَهُوَ طاعم إِذا أكل أَو ذاق مثل: غنم يغنم
غنما فَهُوَ غَانِم.
وَقَوْلِ الله تَعَالَى: {كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا
رَزَقْنَاكُمْ} (الْبَقَرَة: 57، 172) وَقَوْلِهِ:
{أنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} (الْبَقَرَة:
167) وَقَوْلِهِ: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا
صَالِحا} (الْمُؤْمِنُونَ: 51)
(21/26)
وَقَول الله بِالْجَرِّ عطفا على
الْأَطْعِمَة، هَذِه من ثَلَاث آيَات الأولى: قَول
تَعَالَى: {من طَيّبَات مَا رزقناكم} (الْبَقَرَة: 172)
أَولهَا قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا كلوا
من طَيّبَات مَا رزقناكم واشكروا الله إِن كُنْتُم إِيَّاه
تَعْبدُونَ} قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: أَمر الله تَعَالَى
عباده الْمُؤمنِينَ بِالْأَكْلِ من طَيّبَات مَا رزقهم
الله تَعَالَى، وَأَن يشكروه على ذَلِك إِن كَانُوا عبيده،
وَالْأكل من الْحَلَال سَبَب لتقبل الدُّعَاء
وَالْعِبَادَة كَمَا أَن الْأكل من الْحَرَام يمْنَع قبُول
الدُّعَاء وَالْعِبَادَة. وَالثَّانيَِة: من قَوْله
تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أَنْفقُوا من
طَيّبَات مَا كسبتم} (الْبَقَرَة: 67) وَوَقع هُنَا: {كلوا
من طَيّبَات مَا كسبتم} وَهِي رِوَايَة النَّسَفِيّ وَفِي
أَكثر الرويات أَنْفقُوا على وفْق التِّلَاوَة وَقَالَ
ابْن بطال وَقع فِي النّسخ {كلوا من طَيّبَات مَا كسبتم}
وَهُوَ وهم من الْكَاتِب وَصَوَابه: {أَنْفقُوا} كَمَا فِي
الْقُرْآن. وَالثَّالِثَة: قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا
الرُّسُل كلوا من الطَّيِّبَات وَاعْمَلُوا صَالحا}
(الْمُؤْمِنُونَ: 5) المُرَاد بالطيبات: الْحَلَال.
5373 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ أخْبَرَنا سُفْيَانُ
عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أبِي وَائِلٍ عَنْ أبِي مُوسَى
الأشْعَرِيِّ رَضِيَ الله عَنْهُ عَنِ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَال: أطْعِمُوا الجَائِعَ وَعُودوا
المَرِيضَ وَفُكَوا الْعانِي.
قَالَ سُفْيَانُ: وَالعَانِي الأسِيرُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وسُفْيَان هُوَ ابْن
عُيَيْنَة، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَأَبُو
وَائِل شَقِيق بن سَلمَة، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ
عبد الله بن قيس.
والْحَدِيث مضى فِي النِّكَاح فِي: بَاب حق إِجَابَة
الْوَلِيمَة، وَلَفظه: فكوا العاني وأجيبوا الدَّاعِي
وعودوا الْمَرِيض، وَمضى أَيْضا فِي الْجِهَاد فِي: بَاب
فكاك الْأَسير، وَلَفظه: فكوا العاني، يَعْنِي: الْأَسير،
وأطعموا الجائع، وعودوا الْمَرِيض.
قَوْله: (فكوا) من فَككت الشَّيْء فانفك. قَوْله: (العاني)
من عَنَّا يعنو فَهُوَ عان، وَالْمَرْأَة عانية، وَالْجمع:
عوان، وكل من ذل واستكان فقد عَنَّا.
5374 - حدَّثنا يُوسُفُ بنُ عَيسى حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ
فُضَيْلٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ أبِي حَازِمٍ عَنْ أبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ: مَا شَبِعَ آل مُحَمَّدٍ، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، مِنْ طَعَامٍ ثَلاثَةَ أيَّامٍ حَتَّى
قُبِضَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. ويوسف بن عِيسَى أيو
يَعْقُوب الْمروزِي، وَمُحَمّد بن فُضَيْل، مصغر فضل،
بِالْمُعْجَمَةِ يروي عَن أَبِيه فُضَيْل بن غَزوَان بن
جرير، وَأَبُو الفضيل الْكُوفِي يروي عَن أبي حَازِم
سلمَان الْأَشْجَعِيّ.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (مَا شبع آل مُحَمَّد) ، آل النَّبِي، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، أَهله الأدنون وعشيرته الأقربون. قَوْله:
(ثَلَاثَة أَيَّام) ، أَي: مُتَوَالِيَات، وَفِي رِوَايَة
مُسلم: ثَلَاث لَيَال، وَيُؤْخَذ مِنْهُ أَن المُرَاد
بِالْأَيَّامِ هُنَا بلياليها كَمَا أَن المُرَاد بالليالي
هُنَاكَ بأيامها وَفِي رِوَايَة لمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ،
من طَرِيق الْأسود عَن عَائِشَة: مَا شبع من خبز شعير
يَوْمَيْنِ مُتَتَابعين. قَالَ بَعضهم: وَالَّذِي يظْهر
أَن سَبَب عدم شبعهم غَالِبا كَانَ بِسَبَب قلَّة الشَّيْء
عِنْدهم. قلت: لم يكن ذَلِك إلاَّ لإيثارهم الْغَيْر، أَو
لِأَن الشِّبَع مَذْمُوم، وأجمعت الْعَرَب كَمَا قَالَ
فُضَيْل بن عِيَاض على أَن الشِّبَع من الطَّعَام مَذْمُوم
ولوم، وَنَصّ الشَّافِعِي، رَحمَه الله تَعَالَى، على أَن
الْجُوع يذكي، وروى عَن حُذَيْفَة مَرْفُوعا: من قلَّ طعمه
صَحَّ بَطْنه وَصفا قلبه، وَمن كثر طعمه سقم بَطْنه وقسا
قلبه، وَرُوِيَ: لَا تميتوا الْقُلُوب بِكَثْرَة الطَّعَام
وَالشرَاب فَإِن الْقلب ثَمَرَة كالزرع إِذا كثر عَلَيْهِ
المَاء انْتهى، وروى الزَّمَخْشَرِيّ فِي (ربيع
الْأَبْرَار) من حَدِيث الْمِقْدَام بن معدي كرب
مَرْفُوعا: مَا مَلأ ابْن آدم وعَاء شرا من بَطْنه، فَحسب
الرجل من طَعَامه مَا أَقَامَ صلبه.
وَعَنْ أبِي حَازِمٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ: أصَابَنِي
جِهْدٌ شَدِيدٌ فَلَقِيتُ عُمَرُ بنُ الخَطَابِ
فَاسْتَقْرَأتُهُ آيَةً مِنْ كِتابِ الله، فَدَخَلَ
دَارَهُ وَفَتَحَهَا عَليَّ فَمَشَيْتُ غَيْرَ بَعِيدٍ
فَخَرَرْتُ لِوَجْهِي مِنَ الجَهْدِ وَالجُوعِ، فَإذَا
رَسُولُ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَائِمٌ عَلَى
رأسِي، فَقَال: يَا أَبا هُرَيْرَة فَقلت: لَبَيْكَ
رَسُولَ الله وَسَعْدَيْكَ، فَأخَذَ بِيَدِي فَأقَامَنِي
وَعَرَفَ الَّذِي بِي، فَانْطَلَقَ بِي إلَى رَحْلِهِ،
فَأمَرَ لِي بِعُسٍّ مِنْ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ ثُمَّ
قَالَ: عُدْ فَاشْرَبْ يَا أبَا هرٍّ، فَعُدْتُ
فَشَرِبْتُ، ثُمَّ قَالَ: عُدْ فَعُدْتُ فَشَرِبْتُ حَتَّى
اسْتَوَى بَطْنِي فَصَارَ كَالقِدْحِ، قَالَ فَلَقِيتُ
عُمَرَ، وَذَكَرْتُ لهُ الَّذِي كَانَ مِنْ أمْرِي،
وَقُلْتُ لهُ: تَوَلَّى الله تَعَالَى ذالِكَ مَنْ كَانَ
أحَقَّ بِهِ مِنْكَ
(21/27)
يَا عُمَرُ، وَالله لَقَدِ اسْتَقَرَأتُكَ
الآيَةَ وَلأنَا أقْرَأُ لَهَا مِنْكَ، قَالَ عُمَرُ:
وَالله لأنْ أكُونَ أدْخَلْتُكَ أحَبُّ إلَيَّ مِنْ أنْ
يَكُونَ لِي مِثْلُ حُمْرِ النَّعَمِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: {فَأمر لي بعس من
لبن فَشَرِبت مِنْهُ} قَوْله: (وَعَن أبي حَازِم) ،
مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدّم، وَقد أخرجه أَبُو
يعلى عَن عبد الله بن عمر بن أبان عَن مُحَمَّد بن
فُضَيْل: بِسَنَد البُخَارِيّ فِيهِ. قَوْله: (جهد) الْجهد
بِالضَّمِّ الطَّاقَة وبالفتح الْغَايَة وَالْمَشَقَّة،
وَالْمرَاد بِهِ هُنَا الْجُوع الشَّديد. قَوْله:
(فاستقرأته) أَي: سَأَلته أَن يقْرَأ عَليّ آيَة من
الْقُرْآن مُعينَة على طَرِيق الاستفادة، وَفِي كثير من
النّسخ: فاستقريته بِغَيْر همز وَهُوَ جَائِز لِأَنَّهُ
سُهَيْل قَوْله: (وَفتحهَا على) أَي: أَقْرَأَنيهَا، وَفِي
(الْحِلْية) لأبي نعيم فِي تَرْجَمَة، أبي هُرَيْرَة من
وَجه آخر عَنهُ، أَن الْآيَة الْمَذْكُورَة من آل عمرَان.
وَفِيه: أَقْرَأَنِي وَأَنا لَا أُرِيد الْقِرَاءَة.
إِنَّمَا أُرِيد الْإِطْعَام فَلم يفْطن عمر مُرَاده.
قَوْله: (فَخَرَرْت لوجهي) ويروى: على وَجْهي، أَي: سَقَطت
من خر يخر بِالضَّمِّ وَالْكَسْر إِذا سقط من علو. وَفِي
(الْحِلْية) وَكَانَ يَوْمئِذٍ صَائِما. قَوْله: (فَإِذا)
كلمة مفاجأة. قَوْله: (إِلَى رَحْله) أَي: إِلَى مَسْكَنه.
قَوْله: (بعس) بِضَم الْعين وَتَشْديد السِّين الْمُهْملَة
وَهُوَ الْقدح الْعَظِيم. قَوْله: (حَتَّى اسْتَوَى
بَطْني) أَي: حَتَّى استقام لامتلائه من اللَّبن. قَوْله:
(كالقدح) بِكَسْر الْقَاف وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة
وَهُوَ السهْم الَّذِي لَا ريش لَهُ. قَوْله: (تولى الله
تَعَالَى) من التَّوْلِيَة وَالْفَاعِل هُوَ الله وَمن
مفعول ويروى: تولى ذَلِك أَي: بَاشرهُ من إشباعي وَدفع
الْجُوع عني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله:
(ولانا) اللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد وَهُوَ مُبْتَدأ أَو
قَوْله: (واقرأ لَهَا) خَبره أَي: لِلْآيَةِ الَّتِي
فتحهَا عَلَيْهِ عمر، واقرأ أفعل التَّفْضِيل. قَالَ
بَعضهم: فِيهِ إِشْعَار بِأَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، لما قَرَأَهَا عَلَيْهِ توقف فِيهَا أَو فِي شَيْء
مِنْهَا حَتَّى سَاغَ لأبي هُرَيْرَة مَا قَالَ: وَلذَلِك
أقره عمر عَلَيْهِ قلت لَيْسَ كَذَلِك وَإِنَّمَا قَالَ
ذَلِك عتبا على عمر حَيْثُ لم يفْطن حَاله وَلم يكن قَصده
الاستقراء بل كَانَ قَصده أَن يطعمهُ شَيْئا، ويوضح هَذَا
مَا رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة أَنه قَالَ: وَالله مَا
اسْتَقر أَنه الْآيَة، وَأَنا أَقرَأ بهَا مِنْهُ إلاّ
طَمَعا فِي أَن يذهب بِي ويطعمني، وَأما قَوْله: وَلذَلِك
أقره عمر عَلَيْهِ فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنه من استحيائه
مِنْهُ حَيْثُ لم يطعمهُ سكت عَنهُ وَلم يُنكر عَلَيْهِ
وَفِي الَّذِي قَالَه هَذَا الْقَائِل نوع نقص فِي حق عمر،
على مَا لَا يخفى. قَوْله: (لِأَن أكون) اللَّام فِيهِ
مَفْتُوحَة للتَّأْكِيد. قَوْله: (أدخلتك أحب إليَّ من حمر
النعم) أَرَادَ بِهِ أَن ضيافتك كَانَت عِنْدِي أحب إليّ
من حمر النعم أَي: النعم أَي: الْحمر الْإِبِل، وَهُوَ
أشرف أَمْوَال الْعَرَب، وَلَفظ: أحب، أفعل التَّفْضِيل
بِمَعْنى الْمَفْعُول، وَهَذَا حث من عمر وحرص على فعل
الْخَيْر والمواساة.
وَفِي الحَدِيث: التَّعْرِيض بِالْمَسْأَلَة والاستحياء.
وَفِيه: ذكر الرجل مَا كَانَ أَصَابَهُ من الْجهد. وَفِيه:
إِبَاحَة الشِّبَع عِنْد الْجُوع. وَفِيه: مَا كَانَ
السّلف عَلَيْهِ من الصَّبْر على الْقلَّة وشظف الْعَيْش
وَالرِّضَا باليسير من الدُّنْيَا. وَفِيه: ستر الرجل
حِيلَة أَخِيه الْمُؤمن إِذا علم مِنْهُ حَاجَة من غير أَن
يسْأَله ذَلِك. وَفِيه: أَنه كَانَ من عَادَتهم إِذا
استقرأ أحدهم صَاحب الْقُرْآن يحملهُ إِلَى بَيته ويطعمه
مَا تيَسّر عِنْده، وَالله أعلم.
2 - (بَابُ: {التسْمِيَةِ عَلَى الطعَّامِ وَالأكْلِ
بِالْيَمِينِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التسيمة على الطَّعَام، أَي:
القَوْل باسم الله فِي ابْتِدَاء الْأكل وأصرح مَا ورد فِي
صفة التَّسْمِيَة مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيّ من طَرِيق أم كُلْثُوم عَن عَائِشَة،
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا مَرْفُوعا إِذا أكل أحدكُم
الطَّعَام فَلْيقل: بِسم الله فَإِن نسي فِي أَوله فَلْيقل
بِسم الله أَوله وَآخره، وَالْأَمر بِالتَّسْمِيَةِ عِنْد
الْأكل مَحْمُول على النّدب عِنْد الْجُمْهُور، وَحمله
بَعضهم على الْوُجُوب لظَاهِر الْأَمر، وَقَالَ
النَّوَوِيّ: اسْتِحْبَاب التَّسْمِيَة فِي ابْتِدَاء
الطَّعَام مجمع عَلَيْهِ، وَكَذَا يسْتَحبّ حمد الله فِي
آخِره. قَالَ الْعلمَاء: يسْتَحبّ أَن يجْهر بالتسيمة
لينبه غَيره فَإِن تَركهَا عَامِدًا أَو نَاسِيا أَو
جَاهِلا أَو مكْرها أَو عَاجِزا لعَارض ثمَّ تمكن فِي
أثْنَاء أكله يسْتَحبّ لَهُ أَن يُسَمِّي، وَتحصل
التَّسْمِيَة بقوله: بِسم الله فَإِن اتبعها بالرحمان
الرَّحِيم كَانَ حسنا، وَيُسمى كل وَاحِد من الآكلين.
وَقَالَ الشَّافِعِي، فَإِن سمى وَاحِد مِنْهُم حصلت
التَّسْمِيَة. قَوْله: (وَالْأكل بِالْيَمِينِ) بِالْجَرِّ
عطف على التَّسْمِيَة أَي: وَفِي بَيَان الْأكل
بِالْيَمِينِ، وَيَأْتِي عَن قريب فِي حَدِيث عمر بن أبي
سَلمَة: يَا غُلَام اسْم الله وكُلْ بيمينك وكُل مِمَّا
يليك، وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين: الْأَمر بِالْأَكْلِ
مِمَّا يَلِيهِ وَالْأكل بِالْيَمِينِ حمله أَكثر
أَصْحَابنَا على النّدب، وَبِه صرح الْغَزالِيّ
وَالنَّوَوِيّ، وَقد نَص الشَّافِعِي فِي (الْأُم) على
وُجُوبه، وَزعم الْقُرْطُبِيّ أَن الْأكل بِالْيَمِينِ
مَحْمُول على النّدب، وَلِأَنَّهُ من بَاب تشريف الْيَمين،
وَلِأَنَّهَا أقوى فِي الْأَعْمَال
(21/28)
وأسبق وَأمكن وَلِأَنَّهَا مُشْتَقَّة من
الْيمن وَالْبركَة وَفِي حَدِيث أبي دَاوُد: يَجْعَل
يَمِينه لطعامه وَشَرَابه وشماله لما سوى ذَلِك، فَإِن
احْتِيجَ إِلَى الِاسْتِعَانَة بالشمال فبحكم التّبعِيَّة،
وَذكر الْقُرْطُبِيّ أَن الْأكل مِمَّا يَلِي الْآكِل سنة
مُتَّفق عَلَيْهَا وخلافها مَكْرُوه شَدِيد الاستقباح إِذا
كَانَ الطَّعَام وَاحِدًا.
5376 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله أخْبَرَنا
سُفْيَانُ قَالَ: الوَلِيدُ بنُ كَثِيرٍ أخْبَرَنِي أنَّهُ
سَمِعَ وَهْبَ ابنَ كَيْسَانَ أنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بنَ
أبِي سَلَمَةَ يَقُولُ: كُنْتُ غُلاما فِي حَجْرِ رَسُولِ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي
الصَّحْفَةِ. فَقَالَ لِي رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: يَا غُلامُ: سَمِّ الله وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ
مِمَّا يَلِيكَ، فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ.
مطابقته للجزء الثَّانِي للتَّرْجَمَة. وَهُوَ قَوْله:
وَالْأكل بِالْيَمِينِ، وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن
الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة.
قَوْله: (قَالَ: الْوَلِيد بن كثير) بالثاء الْمُثَلَّثَة
المَخْزُومِي الْقرشِي من أهل الْمَدِينَة (أَخْبرنِي
أَنه) أَي: أَن الْوَلِيد سمع وهب بن كيسَان مولى عبد الله
بن الزبير بن الْعَوام، وَهَكَذَا وَقع أخبرنَا سُفْيَان
قَالَ: الْوَلِيد بن كثير أَخْبرنِي أَنه سمع وهب بن
كيسَان، وَآخر لَفظه: أَخْبرنِي، وَزَاد لفظ: قَالَ:
وَهَذَا التَّصَرُّف من الرَّاوِي جَائِز وَقد أخرجه
الْحميدِي فِي (مُسْند) وَأَبُو نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج)
من طَرِيقه عَن سُفْيَان. قَالَ: حَدثنَا الْوَلِيد بن
كثير إِلَى آخِره، وَعمر بن أبي سَلمَة بن عبد الْأسد بن
هِلَال ابْن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم، وَاسم أبي
سَلمَة عبد الله بن عبد الْأسد وَأمه برة بنت عبد الْمطلب
بن هَاشم وَأم عمر الْمَذْكُور هِيَ أم سَلمَة زوج
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ ربيب رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَله أَحَادِيث توجب لَهُ فضل
الصُّحْبَة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَطَالَ عمره.
قَوْله: (كنت غُلَاما) أَي: دون الْبلُوغ، يُقَال
للصَّبِيّ من حِين يُولد إِلَى أَن يبلغ غُلَام، وَقد ذكر
ابْن عبد الْبر أَنه ولد فِي السّنة الثَّانِيَة من
الْهِجْرَة بِأَرْض الْحَبَشَة وَتَبعهُ غير وَاحِد، قيل:
فِيهِ نظر بل الصَّوَاب أَنه ولد قبل ذَلِك، فقدصح فِي
حَدِيث عبد الله بن الزبير أَنه قَالَ: كنت أَنا وَعمر بن
أبي سَلمَة مَعَ النسْوَة يَوْم الخَنْدَق، وَكَانَ أكبر
مني بِسنتَيْنِ، ومولد ابْن الزبير فِي السّنة الأولى على
الصَّحِيح، فَيكون مولد عمر قبل الْهِجْرَة بِسنتَيْنِ
انْتهى. قلت: فِي نظر هَذَا الْقَائِل نظر، لِأَن ابْن عبد
الْبر ذكر: قيل: إِن عمر كَانَ يَوْم قبض رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم ابْن تسع سِنِين، ففهم. قَوْله: (فِي
حجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، ضَبطه بَعضهم
بِفَتْح الْحَاء وَسُكُون الْجِيم، أَي: فِي تَرْبِيَته
وَتَحْت نظره، وَأَنه يربيه فِي حضنه تربية الْوَلَد
وَاقْتصر عَلَيْهِ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: فِي حجره
بِفَتْح الْمُهْملَة وَكسرهَا وَهُوَ الصَّوَاب بل الأصوب
بِالْكَسْرِ على مَا تَقول، وَقَالَ عِيَاض: الْحجر يُطلق
على الحضن وعَلى الثَّوْب فَيجوز فِيهِ الْفَتْح
وَالْكَسْر، وَإِذا أُرِيد بِهِ الْحَضَانَة فبالفتح لَا
غير، وَإِن أُرِيد بِهِ الْمَنْع من التَّصَرُّف فبالفتح
فِي الْمصدر وبالكسر فِي الِاسْم لَا غير، وَفِي (الْمغرب)
حجر الْإِنْسَان بِالْفَتْح وَالْكَسْر: حضنه، وَهُوَ مَا
دون أبطه إِلَى الكشح ثمَّ قَالُوا: فلَان فِي حجر فلَان
أَي: فِي كنفه ومنعته، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وربائبكم
اللائي فِي حجوركم} (النِّسَاء: 23) قَوْله: وَكَانَت يدى
تطبيش بِالطَّاءِ الْمُهْملَة والشين الْمُعْجَمَة أَي:
تتحرك حوالي الصحفة وَلَا تقتصر على مَوضِع وَاحِد،
وَقَالَ: الطَّيِّبِيّ: وَالْأَصْل: أطيش بيَدي فأسند
الطيش إِلَى يَده مُبَالغَة، والصحفة مَا يشْبع خَمْسَة،
والقصعة مَا يشْبع عشرَة. قَوْله: (فَمَا زَالَت تِلْكَ
طعمتي بعد) أَشَارَ بقوله: (تِلْكَ) إِلَى جَمِيع مَا ذكر
من الِابْتِدَاء بِالتَّسْمِيَةِ وَالْأكل بِالْيَمِينِ
وَالْأكل مِمَّا يَلِيهِ. قَوْله: (طعمتي) بِكَسْر الطَّاء
وَهَذِه الصِّيغَة للنوع وَأَرَادَ أَن أكله كَانَ بعد
ذَلِك على هَذَا النَّوْع الْمَذْكُور الَّذِي أَشَارَ
إِلَيْهِ بقوله: تِلْكَ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: ويروى
بِضَم الطَّاء، والطعمة بِالضَّمِّ بِمَعْنى الْأكلَة،
يُقَال: طعم طعمة إِذا أكل أَكلَة. قَوْله: (بعد) ،
مَبْنِيّ على الضَّم أَي: بعد ذَلِك، فَلَمَّا حذف
الْمُضَاف إِلَيْهِ بنى على الضَّم.
وَقد ذكرنَا عَن قريب أَن الْأَمر بِالتَّسْمِيَةِ
مَحْمُول على النّدب عِنْد الْجُمْهُور، وَأما الْأكل
بِالْيَمِينِ فقد ذهب بَعضهم إِلَى أَنه وَاجِب لظَاهِر
الْأَمر ولورود الْوَعيد فِي الْأكل بالشمال فَفِي (صَحِيح
مُسلم) من حَدِيث سَلمَة بن الْأَكْوَع: أَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم رأى رجلا يَأْكُل بِشمَالِهِ.
فَقَالَ: (كل بيمينك. قَالَ: لَا أَسْتَطِيع) . فَمَا
مَنعه إلاَّ الْكبر. (فَقَالَ: لَا اسْتَطَعْت فَمَا
رَفعهَا إِلَى فِيهِ بعد) . وروى أَحْمد بِسَنَد حسن عَن
عَائِشَة رفعته: (من أكل بِشمَالِهِ أكل مَعَه
الشَّيْطَان) ، وروى مُسلم من حَدِيث جَابر عَن رَسُول
الله
(21/29)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا
تاكلوا بالشمال فَإِن الشَّيْطَان يَأْكُل بالشمال) ،
وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: معنى قَوْله: إِن الشَّيْطَان
يَأْكُل بِشمَالِهِ، أَي: يحمل أولياءه من الْإِنْس على
ذَلِك ليضاربه عباد الله الصَّالِحين، وَقَالَ بَعضهم:
فِيهِ عدُول عَن الظَّاهِر وَالْأولَى حمل الْخَبَر على
ظَاهره، وَأَن الشَّيْطَان يَأْكُل حَقِيقَة لِأَن الْعقل
لَا يحِيل ذَلِك، وَقد ثَبت الْخَبَر بِهِ فَلَا يحْتَاج
إِلَى تَأْوِيله. قلت: للنَّاس فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال:
أَحدهَا: أَن صنفا مِنْهُم يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ.
وَالثَّانِي: أَن صنفا مِنْهُ لَا يَأْكُلُون وَلَا
يشربون. وَالثَّالِث: أَن جَمِيعهم يَأْكُلُون وَلَا
يشربون. وَهَذَا قَول سَاقِط. وروى أَبُو عمر
بِإِسْنَادِهِ عَن وهب بن مُنَبّه. بقوله: وَسُئِلَ عَن
الْجِنّ مَا هم؟ وَهل يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ ويتناكحون
ويموتون. فَقَالَ: هم أَجنَاس، فَأَما خَالص الْجِنّ فهم
ريح لَا يَأْكُلُون وَلَا يشربون وَلَا يتوالدون،
وَمِنْهُم أَجنَاس يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ ويتوالدون
ويتناكحون، مِنْهُم السعالي والغول والقطرب وَغير ذَلِك،
وَالَّذين يَقُولُونَ: هم يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ
اخْتلفُوا على قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا: أَن أكلهم وشربهم
تشمم واسترواح لَا مضغ وبلع، وَهَذَا قَول لم يرد عَلَيْهِ
الدَّلِيل، وَالْآخر: أَن أكلهم وشربهم مضغ وبلع، وَهَذَا
القَوْل الَّذِي تشهد لَهُ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة.
3 - (بَابُ: {الأكْلِ مِمَّا يَلِيهِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان سنية الْأكل مِمَّا يَلِيهِ،
وَلَيْسَ فِي بعض النّسخ لفظ: بَاب.
وَقَالَ أنَسٌ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
اذْكُروا اسْمَ الله وَلْيأكُلْ كُلُّ رَجُلٍ مِمَّا
يَلِيهِ.
هَذَا تَعْلِيق أسْندهُ ابْن أبي عَاصِم فِي الْأَطْعِمَة:
لَهُ حَدثنَا هدبة حَدثنَا مبارك حَدثنَا بكر وثابت عَن
أنس بِهِ وَأَصله فِي (الصَّحِيحَيْنِ) .
5377 - حدَّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله قَالَ:
حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدٍ بنِ
عَمْروٍ ابنِ حَلْحَلَةَ الدِّيلِيِّ عَنْ وَهْبٍ بنِ
كَيْسَانَ أبِي نُعَيْمٍ عَنْ عُمَرَ بنِ أبِي سَلَمَةَ،
وَهُوَ ابنُ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النبيِّ، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: أكَلْتُ يَوْما مَعَ رَسُولِ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَعَاما، فَجَعَلْتُ آكُلُ مِنْ
نَوَاحِي الصَّحْفَةِ. فَقَالَ لِي رَسُولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: كُلْ مِمَّا يَلِيكَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهَذَا طَرِيق آخر
لحَدِيث عمر بن أبي سَلمَة الْمَذْكُور فِي الْبَاب
الَّذِي قبله.
وَأخرجه مُسلم أَيْضا من حَدِيث مُحَمَّد بن جَعْفَر
مُحَمَّد بن عَمْرو بن حلحلة عَن وهب بن كيسَان عَن عمر بن
أبي سَلمَة. قَالَ: أكلت يَوْمًا مَعَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَجعلت آخذ من لحم حول الصحفة.
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كل مِمَّا
يليك.
5378 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخْبَرَنَا
مَالِكٌ عَنْ وَهْبِ بنِ كَيْسَانَ أبِي نُعَيْمٍ قَالَ:
أُتِيَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِطَعامٍ
وَمَعَهُ رَبِيبُهُ عُمَرُ بنُ أبِي سَلَمَةَ. فَقَالَ:
سَمِّ الله وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ.
هَذَا مُرْسل، كَذَا رَوَاهُ أَصْحَاب مَالك فِي
(الْمُوَطَّأ) عَنهُ، وَقد وَصله خَالِد بن مخلد وَيحيى بن
صَالح الوحاظي، قَالَا: عَن مَالك عَن وهب بن كيسَان عَن
عمر بن أبي سَلمَة. فَإِن قلت: روى إِسْحَاق بن
إِبْرَاهِيم الحنيني فَقَالَ: عَن مَالك عَن وهب بن كيسَان
عَن جَابر؟ قلت: هَذَا مُنكر، وَإِسْحَاق ضَعِيف فَإِن
قلت: فَكيف استجاز البُخَارِيّ إِخْرَاجه وَالْمَحْفُوظ
عَن مَالك إرْسَاله؟ قلت: لما تبين بالطرفين الَّذِي قبله
صِحَة سَماع وهب بن كيسَان عَن عمر بن أبي سَلمَة تحقق
أَنه مَوْصُول فِي الأَصْل وَأَن مَالِكًا قصر
بِإِسْنَادِهِ حَيْثُ لم يُصَرح بوصله، فاستجاز إِخْرَاجه.
4 - (بَابُ: {مَنْ تَتَبَّعَ حَوَالِي القَصْعَةِ مَعَ
صَاحِبِهِ إذَا لَمْ يَعْرِفْ مِنْهُ كَرَاهِيَةً} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز من تتبع حوالي
الْقَصعَة أَي: جوانبها وَهُوَ بِفَتْح اللَّام. يُقَال:
رَأَيْت النَّاس حوله وحوليه وحواليه، وَاللَّام
مَفْتُوحَة فِي الْكل، وَلَا يجوز كسرهَا. قَوْله: (إِذا
لم يعرف مِنْهُ) ، أَي: من الَّذِي يتتبع حوالي الْقَصعَة،
أَرَادَ أَن التتبع الْمَذْكُور إِنَّمَا لَا يكره إِذا لم
يعرف مِنْهُ كَرَاهِيَة. قلت: هَذَا يُخَالف الحَدِيث
الَّذِي قبله فِي الْأَمر بِالْأَكْلِ مِمَّا يَلِيهِ؟
قلت: حمل البُخَارِيّ هُنَا الْجَوَاز على مَا إِذا علم
رضَا من يَأْكُل مَعَه. وَقَالَ بَعضهم: رمز البُخَارِيّ
بذلك إِلَى تَضْعِيف حَدِيث عكراش الَّذِي أخرجه
(21/30)
التِّرْمِذِيّ قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن
بشار حَدثنَا الْعَلَاء بن فضل بن عبد الْملك بن أبي
سَرِيَّة أَبُو الْهُذيْل، حَدثنَا عبيد الله بن عكراش عَن
أَبِيه عكراش بن ذُؤَيْب قَالَ: بَعَثَنِي بَنو مرّة بن
عبيد بصدقات أَمْوَالهم إِلَى رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، فَقدمت الْمَدِينَة فَوَجَدته جَالِسا
بَين الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار. قَالَ: ثمَّ أَخذ بيَدي
فَانْطَلق بِي إِلَى بَيت أم سَلمَة. فَقَالَ: هَل من
طَعَام؟ فأتتنا بحفنة كَثِيرَة الثَّرِيد والودك. فأقبلنا
نَأْكُل مِنْهَا، فَجعلت بيَدي فِي نَوَاحِيهَا وَأكل
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بَين يَدَيْهِ،
فَقبض بِيَدِهِ الْيُسْرَى على يَدي الْيُمْنَى، ثمَّ
قَالَ: يَا عكراش؟ كل من مَوضِع وَاحِد ثمَّ أئتنا بطبق
فِيهِ ألوان التَّمْر أَو الرطب، شكّ عبيد الله، فَجعلت
آكل من بَين يَدي، وجالت يَد رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي الطَّبَق قَالَ: يَا عكراش كل من
حَيْثُ شِئْت فَإِنَّهُ غير لون وَاحِد! الحَدِيث. ثمَّ
قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب، وَقد تفرد
الْعَلَاء بِهَذَا الحَدِيث، وَقَالَ ابْن حبَان لَهُ
صُحْبَة غير أَنِّي لست بمعتمد على إِسْنَاد خَبره،
وَقَالَ البُخَارِيّ فِي (التَّارِيخ) روى عَنهُ الْعَلَاء
بن الْمفضل وَلَا يثبت، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: مَجْهُول،
وَقَالَ ابْن حبَان: مُنكر الحَدِيث. قلت: لَيْت شعري مَا
دَلِيل هَذَا الْقَائِل على أَن البُخَارِيّ رمز هُنَا
إِلَى تَضْعِيف هَذَا الحَدِيث؟ .
5379 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ إسْحَاقَ بنِ
عَبْدِ الله بنِ أبِي طَلْحَةَ أنَّهُ سَمِعَ أنَسَ بنَ
مَالِكٍ يَقُولُ: إنَّ خَيَّاطا دَعَا رَسُولَ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، لِطعامٍ صَنَعَهُ، قَالَ أنَسٌ:
فَذَهَبْتُ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَرَأَيْتُهُ يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوَالِي
القَصْعَةِ قَالَ: فَلَمْ أزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ مِنْ
يَوْمَئِذٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث مضى فِي
الْبيُوع عَن عبد الله بن يُوسُف، وَمضى الْكَلَام فِيهِ
هُنَاكَ.
قَوْله: (الدُّبَّاء) ، بِضَم الدَّال الْمُهْملَة
وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة وبالمد، وَحكى الْقَزاز
الْقصر وَوَقع للنووي فِي (شرح الْمُهَذّب) أَنه القرع
الْيَابِس، وَمَا ذَاك إلاَّ سَهْو، وواحده دباءة ودبة
تَقْتَضِي أَن تكون الْهمزَة زَائِدَة، وَيدل عَلَيْهِ أَن
الْهَرَوِيّ أخرجه فِي بَاب دبب. وَأخرجه الْجَوْهَرِي على
أَن همزته منقلبة. قَالَ ابْن الْأَثِير: وَكَأَنَّهُ
أشبه، وَقَالَ أَيْضا: وَوزن الدُّبَّاء فعال ولامه همزَة
لِأَنَّهُ لم يعرف انقلاب لامه عَن وَاو أَو يَاء قَالَه
الزَّمَخْشَرِيّ.
5 - (بَابُ: {التَّيَمُّنِ فِي الأكْلِ وَغَيْرِهِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان سنية التَّيَمُّن فِي كل
شَيْء، فِي الْأكل وَالشرب وَغَيره.
5380 - حدَّثنا عَبْدَانُ أخْبَرنا عَبْدُ الله أخبرَنا
شُعْبَةُ عَنْ أشْعَثَ عَنْ أبِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ
عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا. قَالَتْ: كَانَ النبيُّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُحِبُّ التَّيَمُّنَ مَا
اسْتَطَاعَ فِي طُهُورِهِ وَتَنَصُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ،
وَكَانَ قَالَ بِوَاسِطٍ قَبْلَ هاذا، فِي شَأنِهِ
كُلِّهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وعبدان لقب عبد الله بن
عُثْمَان بن حبلة الْمروزِي، يروي عَن عبد الله بن
الْمُبَارك الْمروزِي عَن شُعْبَة عَن أَشْعَث، بِفَتْح
الْهمزَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الْعين
الْمُهْملَة وبالثاء الْمُثَلَّثَة، يروي عَن أَبِيه سليم
بِضَم السِّين التَّابِعِيّ الْكُوفِي.
والْحَدِيث مر فِي كتاب الْوضُوء فِي بَاب التَّيَمُّن فِي
الْوضُوء وَالْغسْل، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (وَكَانَ) ، أَي: شُعْبَة. قَالَ قبله بواسط فِي
الزَّمَان السَّابِق (فِي شَأْنه كُله) أَي: زادَ عَلَيْهِ
هَذِه الْكَلِمَة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَالَ بعض
الْمَشَايِخ: الْقَائِل بواسط هُوَ أَشْعَث، وَالله أعلم.
6 - (بَابُ: {مَنْ أكَلَ حَتَّى شَبِعَ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حَال من أكل من الطَّعَام
حَتَّى شبع.
5381 - حدَّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ: حدَّثني مَالِكٌ عَنْ
إسْحاقَ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبِي طَلْحَةَ أنَّهُ سَمِعَ
أنَسَ بنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ أبُو طَلْحَةَ: لأُمِّ
سُلَيْمٍ: لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، ضَعِيفا أعْرِفُ فِيهِ الجُوعَ فَهَلْ
عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ؟ فَأخْرَجَتْ أقْرَاصا مِنْ شَعِيرٍ
ثُمَّ أخْرَجَتْ
(21/31)
خيارا لَهَا فَلفَّتِ الخُبْزَ بِبَعْضِهِ
ثُمَّ دَسَّتْهُ تَحْتَ ثَوْبِي وَرَدَّتْنِي بِبَعْضِهِ
ثُمَّ أرْسَلَتْنِي إلَى رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، قَالَ: فَذَهَبْتُ بِهِ فَوَجَدْتُ رَسُولَ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي المَسْجِدِ وَمَعَهُ
النَّاسُ فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ لِي رَسُولُ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: آرْسَلَكَ أبُو طَلْحَةَ؟
فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: بِطَعامٍ؟ قَالَ: فَقُلْتُ:
نَعَمْ. فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
لِمَنْ مَعَهُ قَومُوا، فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ
أيْدِيهِمْ حَتَّى جِئْتُ أبَا طَلْحَةَ. فَقَالَ أبُو
طَلْحَةَ: يَا أُُمَّ سُلَيْمٍ! قَدْ جَاءَ رَسُولُ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِالنَّاسِ وَلَيْسَ عِنْدَنَا
مِنَ الطَّعامِ مَا نُطْعِمُهُمْ. فَقَالَتْ: الله
وَرَسُولهُ أعْلَمُ قَالَ: فَانْطَلَقَ أبُو طَلْحَةَ
حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
فَأقْبَلَ أبُو طَلْحَةَ ورسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، حَتَّى دَخَلا. فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: هَلُمِّي يَا أُُمَّ سُلَيْمٍ، مَا
عِنْدَكِ؟ فَأتَتْ بِذَلِكَ الخُبْزِ، فَأمَرَ بِهِ
فَفُتَّ وَعَصَرَتْ عَلَيْهِ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً لَهَا
فأدَمَتْهُ، ثُمَّ قَالَ فِيهِ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، مَا شَاءَ الله أنْ يَقُولَ، ثُمَّ قَالَ:
ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فأذِنَ لَهُمْ فَأكَلُوا حَتَّى
شَبِعُوا. ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ
لِعَشْرَةِ، فأذِنَ لَهُمْ فَأكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا
ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأذِنَ
لَهُمْ فَأكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا. ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ
أذِنَ لِعَشَرَةٍ فأكَلَ القَوْمُ كُلُّهُمْ وَشَبِعُوا
وَالقَوْمُ ثَمَانُونَ رَجُلاً.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن
أبي أويس. والْحَدِيث مضى فِي عَلَامَات النُّبُوَّة
بِطُولِهِ، وَفِي الصَّلَاة مُخْتَصرا عَن عبد الله بن
يُوسُف، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ وَأَبُو طَلْحَة
اسْمه زيد الْأنْصَارِيّ النجاري، وَأم سليم بِضَم السِّين
اسْمهَا سهلة أَو الرميصاء زَوْجَة أبي طَلْحَة أم أنس.
قَوْله: (دسست) ، من دسمت الشَّيْء فِي التُّرَاب إِذا
أخفيته فِيهِ. قَوْله: (وردتني) من التردية أَي: جعلته
رِدَاء لي. (والعكة) بِالضَّمِّ آنِية السّمن. قَوْله:
(وأدمته) من قَوْلهم: أَدَم الْخبز يأدمه الْخبز يأدمه
بِالْكَسْرِ وَهُوَ بِالْمدِّ وَالْقصر لُغَتَانِ. قَوْله:
(ائْذَنْ) أَي: بِالدُّخُولِ.
5382 - حدَّثنا مُوسَى حدَّثنا مُعْتَمِرٌ عَنْ أبِيهِ
قَالَ: وَحَدَّثَ أبُو عُثْمَانَ أيْضا عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمانِ ابنِ أبِي بَكْرٍ، رَضِيَ الله عَنْهُمَا.
قَالَ: كُنَّا مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
ثَلاثِينَ ومِائَةَ. فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: هَلْ مَعَ أحَدٍ مِنْكُمْ طَعَامٌ؟ فَإذَا مَعَ
رَجُلٍ صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ أوْ نَحْوُهُ فَعُجِنَ ثُمَّ
جَاءَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ مُشْعانٌ طَوِيلٌ بغَنَمٍ
يَسُوقُها. فَقَالَ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أبَيْعٌ أمْ عَطِيَّةٌ؟ أوْ قَالَ: هِبَةٌ؟ قَال: لَا بَلْ
بَيْعٌ. قَالَ: فَاشْتَرى مِنْهُ شَاةً فَصُنِعَتْ فَأمَرَ
نَبِيُّ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسَوَادِ البَطْنِ
يُشْوِي، وَأَيمُ الله مَا مِنَ الثَّلاثِينَ وَمائَةٍ
إلاَّ قَدْ حَزَّ لَهُ مِنْ سَوَادِ بَطْنِها إنْ كَانَ
شَاهِدا أعْطاها إيَّاهُ وَإنْ كَانَ غَائِبا خَبَأها
لَهُ، ثُمَّ جَعَلَ فِيها قَصْعَتَيْنِ فَأكلْنا
أجْمَعُونَ وَشَبِعنَا وَفَضَلَ فِي القَصْعَتَيْنِ
فَجَعَلْتُهُ عَلَى البَعِيرِ أوْ كَمَا قَالَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. ومُوسَى هُوَ ابْن
إِسْمَاعِيل الْمنْقري، ومعتمر هُوَ ابْن سُلَيْمَان يروي
عَن أَبِيه سُلَيْمَان بن طرخان التَّيْمِيّ الْبَصْرِيّ.
قَوْله: (وَحدث أَبُو عُثْمَان أَيْضا) ، أَرَادَ بِهِ أَن
سُلَيْمَان قَالَ: حَدثنِي غير أبي عُثْمَان وحَدثني أَبُو
عُثْمَان، وَهُوَ أَيْضا عبد الرَّحْمَن بن مل النَّهْدِيّ
بالنُّون، كَذَا قَالَه الْكرْمَانِي: وَقَالَ بَعضهم:
لَيْسَ ذَلِك المُرَاد إِنَّمَا أَرَادَ أَن أَبَا
عُثْمَان حَدثهُ بِحَدِيث سَابق على هَذَا ثمَّ حَدثهُ
بِهَذَا فَلذَلِك قَالَ: أَيْضا أَي: حَدثهُ بِحَدِيث بعد
حَدِيث. قلت: من تَأمل وَجه مَا قَالَه الْكرْمَانِي علم
أَنه هُوَ الْوَجْه.
والْحَدِيث مضى فِي الْبيُوع فِي: بَاب الشِّرَاء وَالْبيع
مَعَ الْمُشْركين، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي
النُّعْمَان عَن مُعْتَمر إِلَى آخِره، وَمضى أَيْضا فِي
(21/32)
الْهِبَة عَن أبي النُّعْمَان، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (مشعان) ، بِضَم الْمِيم وَقيل: بِكَسْرِهَا
وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وبالعين الْمُهْملَة وبالنون
الْمُشَدّدَة، وَهُوَ الطَّوِيل فِي الْغَايَة. وَقيل:
طَوِيل الشّعْر منتفشه ثائره. قَوْله: (أم عَطِيَّة) ،
أَي: هَدِيَّة. قَوْله: (بسواد الْبَطن) هُوَ الكبد.
قَوْله: (حز لَهُ حزة) الحز بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة
وَتَشْديد الزَّاي وَهُوَ: الْقطع.
5383 - حدَّثنا مُسْلِمٌ حدَّثنا وُهَيْبٌ حدَّثنا
مَنْصُورٌ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ الله
عَنْها: تُوُفِّيَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِينَ
شَبِعْنَا مِنْ الأسْوَدَيْنِ: التَّمْرِ وَالمَاءِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَمُسلم هُوَ ابْن
إِبْرَاهِيم الْبَصْرِيّ القصاب، ووهيب مصغر وهب ابْن
خَالِد الْبَصْرِيّ، وَمَنْصُور هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن
التَّيْمِيّ، يروي عَن أمه صَفِيَّة بنت شيبَة بن عُثْمَان
الحَجبي.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي آخر الْكتاب عَن يحيى ابْن
يحيى وَغَيره.
قَوْله: (حِين شبعنا) ظرف كالحال. مَعْنَاهُ: مَا شبعنا
قبل زمَان وَفَاته، يَعْنِي: كُنَّا متقللين من الدِّينَا
زاهدين فِيهَا، هَكَذَا فسره الْكرْمَانِي وَلَيْسَ
مَعْنَاهُ هَكَذَا، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ توفّي النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقت كوننا شُباعى من الأسودين،
وَالدَّلِيل على صِحَة مَا قُلْنَا مَا مضى فِي غَزْوَة
خَيْبَر من طَرِيق عِكْرِمَة عَن عَائِشَة. قَالَت: لما
فتحت خَيْبَر قُلْنَا: الْآن نشبع من التَّمْر، وَمن
حَدِيث ابْن عمر، قَالَ: مَا شبعنا حَتَّى فتحنا خَيْبَر،
وَظهر من هَذَا أَن ابْتِدَاء شبعهم كَانَ من فتح خَيْبَر،
وَذَلِكَ قبل مَوته بِثَلَاث سِنِين. قَوْله: (من
الأسودين) تَثْنِيَة الْأسود وهما التَّمْر وَالْمَاء،
وَهَذَا من بَاب التغليب وَإِن كَانَ المَاء شفافاً لَا
لون لَهُ وَذَلِكَ كالأبوين: للْأَب وَالأُم، والقمرين،
للشمس وَالْقَمَر، والأحمرين: للحم وَالشرَاب، وَقيل:
الذَّهَب والزعفران، والأبيضين: المَاء وَاللَّبن،
والأسمرين: للْمَاء وَالْملح. وَكَذَلِكَ قَالُوا: العمرين
لأبي بكر وَعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. فغلبوا
عمر لِأَنَّهُ أخف وَأبْعد من قَالَ: هما عمر بن الْخطاب
وَعمر بن عبد الْعَزِيز، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا،
وَيُقَال: هَذِه تَسْمِيَة الشَّيْء بِمَا يُقَارِبه لِأَن
الْأسود مِنْهُمَا التَّمْر خَاصَّة، وَقَالَ
الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: إِنَّهُم كَانُوا فِي سَعَة من
المَاء فَأجَاب بِأَن الرّيّ من المَاء لم يكن يحصل لَهُم
من دون الشِّبَع من الطَّعَام، وقرنت بَينهمَا لفقد
التَّمَتُّع بِأَحَدِهِمَا دون الآخر، وعبرت عَن
الْأَمريْنِ الشِّبَع والري بِفعل وَاحِد، كَمَا عبرت عَن
التَّمْر وَالْمَاء بِوَصْف وَاحِد، وَإِن كَانَ للْمَاء
الرّيّ لَا الشِّبَع، وَقَالَ ابْن بطال: فِي هَذِه
الْأَحَادِيث جَوَاز الشِّبَع وَإِن كَانَ تَركه
أَحْيَانًا أفضل، وَقد ورد عَن سُلَيْمَان وَأبي جُحَيْفَة
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن أَكثر
النَّاس شبعا فِي الدُّنْيَا أطولهم جوعا فِي الْآخِرَة.
وَقَالَ الطَّبَرِيّ: الشِّبَع وَإِن كَانَ مُبَاحا فَإِن
لَهُ حدا يَنْتَهِي إِلَيْهِ، وَمَا زَاد على ذَلِك سرف،
وَالْمُطلق مِنْهُ مَا أعَان الْأكل على طَاعَة ربه، وَلم
يشْغلهُ ثقله عَن أَدَاء مَا وَجب عَلَيْهِ.
وَاخْتلف فِي حد الْجُوع على رأيين: أَحدهمَا: أَن
يَشْتَهِي الْخبز وَحده، فَمَتَى طلب الأدام فَلَيْسَ
بجائع. ثَانِيهمَا: أَنه إِذا وَقع رِيقه على الأَرْض لم
يَقع عَلَيْهِ الذُّبَاب، ذكره فِي (الْإِحْيَاء) وَذكر
أَن مَرَاتِب الشِّبَع تَنْحَصِر فِي سَبْعَة: الأول: مَا
تقوم بِهِ الْحَيَاة. الثَّانِي: أَن يزِيد حَتَّى
يُصَلِّي عَن قيام ويصوم وَهَذَانِ واجبان. الثَّالِث: أَن
يزِيد حَتَّى يُقَوي على أَدَاء النَّوَافِل. الرَّابِع:
أَن يزِيد حَتَّى يقدر على التكسب، وَهَذَانِ مستحبان.
الْخَامِس: أَن يمْلَأ الثُّلُث وَهَذَا جَائِز.
السَّادِس: أَن يزِيد على ذَلِك وَبِه يثقل الْبدن وَيكثر
النّوم وَهَذَا مَكْرُوه. السَّابِع: أَن يزِيد حَتَّى
يتَضَرَّر وَهِي البطنة الْمنْهِي عَنْهَا وَهَذَا حرَام. |