عمدة القاري شرح صحيح البخاري

12 - (بَابٌ: {المُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي معىً وَاحِدٍ} )

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ الْمُؤمن يَأْكُل فِي معى وَاحِد، فَلفظ معى مَقْصُور بِكَسْر الْمِيم والتنوين، وَيجمع على: أمعاء، وَهِي المصارين وتثنيته: معيان. قَالَ أَبُو حَاتِم: أَنه مُذَكّر مَقْصُور وَلم أسمع أحدا أنث المعًى، وَقد رَوَاهُ من لَا يوثق بِهِ، وَالْهَاء فِي سَبْعَة فِي

(21/40)


الحَدِيث تدل على التَّذْكِير فِي الْوَاحِد وَلم أسمع معًى وَاحِدَة مِمَّن أَثِق بِهِ. وَحكى القَاضِي عِيَاض عَن أهل الطِّبّ والتشريح أَنهم زَعَمُوا أَن أمعاء الإنساء سَبْعَة: الْمعدة ثمَّ ثَلَاثَة أمعاء بعْدهَا مُتَّصِلَة بهَا البواب والصائم وَالرَّقِيق، وَهِي كلهَا رقاق ثمَّ ثَلَاثَة غِلَاظ: الْأَعْوَر والقولون والمستقيم، وطرفه الدبر: وَلَقَد نظم شَيخنَا زين الدّين رَحمَه الله الأمعاء السَّبْعَة ببيتين وهما:
(سَبْعَة أمعاء لكل آدَمِيّ ... معدة بوابها مَعَ صَائِم)

(ثمَّ الرَّقِيق أَعور قولون مَعَ ... الْمُسْتَقيم مَسْلَك للطاعم)

وَقيل: أَسمَاء الأمعاء السَّبْعَة: الاثنا عشر والصائم والقولون واللفائفي بالفاءين وَقيل: بالقافين وبالنون، والمستقيم والأعور، فللمؤمن يَكْفِيهِ ملْء أَحدهَا، وَالْكَافِر لَا يَكْفِيهِ إلاَّ ملْء كلهَا.

5393 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَارٍ حدَّثنا عَبْدُ الصَّمَدِ حدَّثنا شُعْبَةُ عَنِ وَاقِدٍ بنِ مُحَمَّدٍ عَنِ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابنُ عُمَرَ لَا يأكُلُ حَتَّى يُؤْتِي بِمِسْكِينٍ يَأكُلُ مَعَهُ، فَأدْخَلْتُ رَجُلاً يَأكُلُ مَعَهُ فَأكَلَ كَثِيرا فَقَالَ: يَا نَافِع لَا تُدْخِلْ هَذَا عَلَيَّ سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: المُؤْمِنُ يأكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالكَافِرُ يَأكُلُ فِي سَبْعَةِ أمْعَاءٍ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. لِأَن التَّرْجَمَة هِيَ نصف الحَدِيث، وَعبد الصَّمد هُوَ عبد الْوَارِث، وواقد بِالْقَافِ وَالدَّال الْمُهْملَة هُوَ ابْن مُحَمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْأَطْعِمَة عَن أبي بكر بن خَلاد.
قَوْله: (لَا تدخل) ، بِضَم التَّاء من الإدخال. قَوْله: (عَليّ) بتَشْديد الْيَاء. قَوْله: (الْمُؤمن يَأْكُل فِي معىً وَاحِد) وَإِنَّمَا عدى الْأكل بِكَلِمَة: فِي على معنى: أوقع الْأكل فِيهَا وَجعلهَا مَكَانا للمأكول. قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَأْكُلُون فِي بطونهم نَار} (النِّسَاء: 10) أَي: ملْء بطونهم، وَاخْتلف فِي المُرَاد بِهَذَا الحَدِيث، فَقيل: هُوَ مثل ضرب الْمُؤمن وزهده فِي الدُّنْيَا وللكافر وحرصه عَلَيْهَا. وَقيل: هُوَ تَخْصِيص لِلْمُؤمنِ على أَن يتحامى مَا يجره كَثْرَة الْأكل من الْقَسْوَة وَالنَّوْم، وَوصف الْكَافِر بِكَثْرَة الْأكل ليتجنب الْمُؤمن مَا هُوَ صفة للْكَافِرِ، كَمَا قَالَ عز وَجل: {وَالَّذين كفرُوا يتمتعون ويأكلون كَمَا تَأْكُل الْأَنْعَام} (مُحَمَّد: 12) وَهَذَا فِي الْغَالِب وَالْأَكْثَر، وإلاَّ فقد يكون فِي الْمُؤمنِينَ من يَأْكُل كثيرا بِحَسب الْعَادة أَو لعَارض، وَيكون فِي الْكفَّار من يعْتَاد قلَّة الْأكل إِمَّا المراعاة الصِّحَّة. كالأطباء أَو للتقلل كالرهبان، أَو لضعف الْمعدة، وَقيل: يُمكن أَن يُرَاد بِهِ أَن الْمُؤمن يُسَمِّي الله عز وَجل عِنْد طَعَامه فَلَا يشركهُ الشَّيْطَان، وَالْكَافِر لَا يُسَمِّي الله عِنْد طَعَامه وَقيل: المُرَاد بِالْمُؤمنِ التَّام الْإِيمَان لِأَن من حسن إِسْلَامه وكمل إيمَانه اشْتغل فكره فِيمَا يصل إِلَيْهِ من الْمَوْت وَمَا بعده، فيمنعه ذَلِك من اسْتِيفَاء شَهْوَته، وَأما الْكَافِر فَمن شَأْنه الشره، فيأكل بالنهم كَمَا تَأْكُل الْبَهِيمَة وَلَا يَأْكُل بِالْمَصْلَحَةِ لقِيَام البنية. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: سَمِعت ابْن أبي عمرَان يَقُول: قد كَانَ قوم حملُوا هَذَا الحَدِيث على الرَّغْبَة فِي الدُّنْيَا كَمَا يَقُول: (فلَان يَأْكُل الدُّنْيَا أكلا) أَي يرغب فِيهَا ويحرص عَلَيْهَا، فالمؤمن يَأْكُل فِي معًى وَاحِد لزهادته فِي الدُّنْيَا، وَالْكَافِر فِي سَبْعَة أمعاء أَي: لرغبته فِيهَا وَلم يحملوا ذَلِك على الطَّعَام. قَالُوا: وَقد رَأينَا مُؤمنا أَكثر طَعَاما من كَافِر، وَلَو تَأَول ذَلِك على الطَّعَام اسْتَحَالَ معنى الحَدِيث، وَقيل: هُوَ رجل خَاص بِعَيْنِه، وَكَانَ كَافِرًا ثمَّ أسلم، وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك، وَاخْتلفُوا فِي هَذَا الرجل. فَقيل: ثُمَامَة بن أَثَال، وَبِه جزم الْمَازرِيّ وَالنَّوَوِيّ، وَقيل: جَهْجَاه الْغِفَارِيّ، وَقيل: نَضْلَة بن عَمْرو الْغِفَارِيّ، وَقيل: أَبُو بصرة الْغِفَارِيّ، وَقيل: ابْنه بصرة بن أبي بصرة الْغِفَارِيّ، وَقيل: أَبُو غَزوَان غير مُسَمّى، وروى الطَّبَرَانِيّ، بِإِسْنَاد صَحِيح من رِوَايَة أبي عبد الرَّحْمَن الحبلي عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سبع رجال فَأخذ كل رجل من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا فَأخذ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا اسْمك قَالَ أَبُو غَزوَان، قَالَ: فَحلبَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سبع شِيَاه، فَشرب لَبنهَا كُله، فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل لَك يَا أَبَا غَزوَان أَن تسلم؟ قَالَ: نعم، فَأسلم فَمسح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَدره فَلَمَّا أصبح حلب لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَاة وَاحِدَة فَلم يتم لَبنهَا. فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَالك يَا أَبَا غَزوَان؟ فَقَالَ: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ لقد رويت. قَالَ: إِنَّك أمس كَانَ لَك سَبْعَة أمعاء وَلَيْسَ لَك الْيَوْم إلاَّ وَاحِد. قلت: أَبُو بصرة بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الصَّاد الْمُهْملَة، واسْمه حميل بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح

(21/41)


الْمِيم. قَوْله: (فِي سَبْعَة أمعاء) اخْتلف فِي المُرَاد بهَا. فَقيل: هُوَ على ظاهرهِ، وَقيل: للْمُبَالَغَة وَلَيْسَت حَقِيقَة الْعدَد مُرَادة، وَإِنَّمَا خرج مخرج الْغَالِب، وَقيل: تَخْصِيص السَّبْعَة للْمُبَالَغَة فِي التكثير كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالْبَحْر يمده من بعده سَبْعَة أبحر} (لُقْمَان: 27) قَالَ النَّوَوِيّ: الصِّفَات السَّبْعَة فِي الْكَافِر وَهِي: الْحِرْص والشره وَطول الأمل والطمع وَسُوء الطَّبْع والحسد وَحب السّمن، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: شهوات الطَّعَام سبع: شَهْوَة الطَّبْع، وشهوة النَّفس، وشهوة الْعين، وشهوة الْفَم، وشهوة الْأذن، وشهوة الْأنف، وشهوة الْجُوع، وَهِي الضرورية الَّتِي يَأْكُل بهَا الْمُؤمن وَأما الْكَافِر فيأكل بِالْجَمِيعِ.

(بَابٌ: {المُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، فِيهِ أبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم} )
إِعَادَة هَذِه التَّرْجَمَة بِعَينهَا مَعَ ذكر أبي هُرَيْرَة على وَجه التَّعْلِيق لم تثبت إلاَّ فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن السَّرخسِيّ وَحده، وَلم تقع فِي رِوَايَة أبي الْوَقْت عَن الدَّاودِيّ عَن السَّرخسِيّ، وَوَقع فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ ضم الحَدِيث الَّذِي قبله إِلَى تَرْجَمَة: طَعَام الْوَاحِد يَكْفِي الِاثْنَيْنِ، وإيراد هَذِه التَّرْجَمَة لحَدِيث ابْن عمر بِطرقِهِ، وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة بطريقيه، وَلم يذكر فِيهَا التَّعْلِيق، وَهَذَا هُوَ الْوَجْه وَلَيْسَ لإعادة التَّرْجَمَة بلفظها معنى، وَكَذَا ذكر حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي التَّرْجَمَة. ثمَّ إِيرَاده فِيهَا موصولين من وَجْهَيْن.

5393 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَارٍ حدَّثنا عَبْدُ الصَّمَدِ حدَّثنا شُعْبَةُ عَنِ وَاقِدٍ بنِ مُحَمَّدٍ عَنِ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابنُ عُمَرَ لَا يأكُلُ حَتَّى يُؤْتِي بِمِسْكِينٍ يَأكُلُ مَعَهُ، فَأدْخَلْتُ رَجُلاً يَأكُلُ مَعَهُ فَأكَلَ كَثِيرا فَقَالَ: يَا نَافِع لَا تُدْخِلْ هَذَا عَلَيَّ سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: المُؤْمِنُ يأكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالكَافِرُ يَأكُلُ فِي سَبْعَةِ أمْعَاءٍ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. لِأَن التَّرْجَمَة هِيَ نصف الحَدِيث، وَعبد الصَّمد هُوَ عبد الْوَارِث، وواقد بِالْقَافِ وَالدَّال الْمُهْملَة هُوَ ابْن مُحَمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْأَطْعِمَة عَن أبي بكر بن خَلاد.
قَوْله: (لَا تدخل) ، بِضَم التَّاء من الإدخال. قَوْله: (عَليّ) بتَشْديد الْيَاء. قَوْله: (الْمُؤمن يَأْكُل فِي معىً وَاحِد) وَإِنَّمَا عدى الْأكل بِكَلِمَة: فِي على معنى: أوقع الْأكل فِيهَا وَجعلهَا مَكَانا للمأكول. قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَأْكُلُون فِي بطونهم نَار} (النِّسَاء: 10) أَي: ملْء بطونهم، وَاخْتلف فِي المُرَاد بِهَذَا الحَدِيث، فَقيل: هُوَ مثل ضرب الْمُؤمن وزهده فِي الدُّنْيَا وللكافر وحرصه عَلَيْهَا. وَقيل: هُوَ تَخْصِيص لِلْمُؤمنِ على أَن يتحامى مَا يجره كَثْرَة الْأكل من الْقَسْوَة وَالنَّوْم، وَوصف الْكَافِر بِكَثْرَة الْأكل ليتجنب الْمُؤمن مَا هُوَ صفة للْكَافِرِ، كَمَا قَالَ عز وَجل: {وَالَّذين كفرُوا يتمتعون ويأكلون كَمَا تَأْكُل الْأَنْعَام} (مُحَمَّد: 12) وَهَذَا فِي الْغَالِب وَالْأَكْثَر، وإلاَّ فقد يكون فِي الْمُؤمنِينَ من يَأْكُل كثيرا بِحَسب الْعَادة أَو لعَارض، وَيكون فِي الْكفَّار من يعْتَاد قلَّة الْأكل إِمَّا المراعاة الصِّحَّة. كالأطباء أَو للتقلل كالرهبان، أَو لضعف الْمعدة، وَقيل: يُمكن أَن يُرَاد بِهِ أَن الْمُؤمن يُسَمِّي الله عز وَجل عِنْد طَعَامه فَلَا يشركهُ الشَّيْطَان، وَالْكَافِر لَا يُسَمِّي الله عِنْد طَعَامه وَقيل: المُرَاد بِالْمُؤمنِ التَّام الْإِيمَان لِأَن من حسن إِسْلَامه وكمل إيمَانه اشْتغل فكره فِيمَا يصل إِلَيْهِ من الْمَوْت وَمَا بعده، فيمنعه ذَلِك من اسْتِيفَاء شَهْوَته، وَأما الْكَافِر فَمن شَأْنه الشره، فيأكل بالنهم كَمَا تَأْكُل الْبَهِيمَة وَلَا يَأْكُل بِالْمَصْلَحَةِ لقِيَام البنية. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: سَمِعت ابْن أبي عمرَان يَقُول: قد كَانَ قوم حملُوا هَذَا الحَدِيث على الرَّغْبَة فِي الدُّنْيَا كَمَا يَقُول: (فلَان يَأْكُل الدُّنْيَا أكلا) أَي يرغب فِيهَا ويحرص عَلَيْهَا، فالمؤمن يَأْكُل فِي معًى وَاحِد لزهادته فِي الدُّنْيَا، وَالْكَافِر فِي سَبْعَة أمعاء أَي: لرغبته فِيهَا وَلم يحملوا ذَلِك على الطَّعَام. قَالُوا: وَقد رَأينَا مُؤمنا أَكثر طَعَاما من كَافِر، وَلَو تَأَول ذَلِك على الطَّعَام اسْتَحَالَ معنى الحَدِيث، وَقيل: هُوَ رجل خَاص بِعَيْنِه، وَكَانَ كَافِرًا ثمَّ أسلم، وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك، وَاخْتلفُوا فِي هَذَا الرجل. فَقيل: ثُمَامَة بن أَثَال، وَبِه جزم الْمَازرِيّ وَالنَّوَوِيّ، وَقيل: جَهْجَاه الْغِفَارِيّ، وَقيل: نَضْلَة بن عَمْرو الْغِفَارِيّ، وَقيل: أَبُو بصرة الْغِفَارِيّ، وَقيل: ابْنه بصرة بن أبي بصرة الْغِفَارِيّ، وَقيل: أَبُو غَزوَان غير مُسَمّى، وروى الطَّبَرَانِيّ، بِإِسْنَاد صَحِيح من رِوَايَة أبي عبد الرَّحْمَن الحبلي عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سبع رجال فَأخذ كل رجل من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا فَأخذ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا اسْمك قَالَ أَبُو غَزوَان، قَالَ: فَحلبَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سبع شِيَاه، فَشرب لَبنهَا كُله، فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل لَك يَا أَبَا غَزوَان أَن تسلم؟ قَالَ: نعم، فَأسلم فَمسح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَدره فَلَمَّا أصبح حلب لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَاة وَاحِدَة فَلم يتم لَبنهَا. فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَالك يَا أَبَا غَزوَان؟ فَقَالَ: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ لقد رويت. قَالَ: إِنَّك أمس كَانَ لَك سَبْعَة أمعاء وَلَيْسَ لَك الْيَوْم إلاَّ وَاحِد. قلت: أَبُو بصرة بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الصَّاد الْمُهْملَة، واسْمه حميل بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْمِيم. قَوْله: (فِي سَبْعَة أمعاء) اخْتلف فِي المُرَاد بهَا. فَقيل: هُوَ على ظاهرهِ، وَقيل: للْمُبَالَغَة وَلَيْسَت حَقِيقَة الْعدَد مُرَادة، وَإِنَّمَا خرج مخرج الْغَالِب، وَقيل: تَخْصِيص السَّبْعَة للْمُبَالَغَة فِي التكثير كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالْبَحْر يمده من بعده سَبْعَة أبحر} (لُقْمَان: 27) قَالَ النَّوَوِيّ: الصِّفَات السَّبْعَة فِي الْكَافِر وَهِي: الْحِرْص والشره وَطول الأمل والطمع وَسُوء الطَّبْع والحسد وَحب السّمن، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: شهوات الطَّعَام سبع: شَهْوَة الطَّبْع، وشهوة النَّفس، وشهوة الْعين، وشهوة الْفَم، وشهوة الْأذن، وشهوة الْأنف، وشهوة الْجُوع، وَهِي الضرورية الَّتِي يَأْكُل بهَا الْمُؤمن وَأما الْكَافِر فيأكل بِالْجَمِيعِ.

(بَابٌ: {المُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، فِيهِ أبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم} )
إِعَادَة هَذِه التَّرْجَمَة بِعَينهَا مَعَ ذكر أبي هُرَيْرَة على وَجه التَّعْلِيق لم تثبت إلاَّ فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن السَّرخسِيّ وَحده، وَلم تقع فِي رِوَايَة أبي الْوَقْت عَن الدَّاودِيّ عَن السَّرخسِيّ، وَوَقع فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ ضم الحَدِيث الَّذِي قبله إِلَى تَرْجَمَة: طَعَام الْوَاحِد يَكْفِي الِاثْنَيْنِ، وإيراد هَذِه التَّرْجَمَة لحَدِيث ابْن عمر بِطرقِهِ، وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة بطريقيه، وَلم يذكر فِيهَا التَّعْلِيق، وَهَذَا هُوَ الْوَجْه وَلَيْسَ لإعادة التَّرْجَمَة بلفظها معنى، وَكَذَا ذكر حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي التَّرْجَمَة. ثمَّ إِيرَاده فِيهَا موصولين من وَجْهَيْن.

5394 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ سَلامٍ أخْبرنَا عَبْدَةُ عَنْ عُبَيْدِ الله عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إنَّ المُؤْمِنَ يَأكلُ فِي مَعًى وَاحِدٍ وَإنَّ الكافِرَ أوْ المُنَافِقَ فَلا أدْرِي أيَّهُما قَالَ عُبَيْدُ الله: يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أمْعَاءٍ.
وَقَالَ ابنُ بُكَيْرٍ: حدَّثنا مَالِكٌ عَنْ نَافِعِ عَنِ ابنِ عُمَرَ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمِثْلِهِ.

وَجه الْمُطَابقَة مَوْجُود، وَعَبدَة بِفَتْح الْعين وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن سُلَيْمَان، وَعبيد الله هُوَ ابْن عمر الْعمريّ، والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (أَو الْمُنَافِق) شكّ من عَبدة، وَأَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: (فَلَا أَدْرِي أَيهمَا قَالَ عبيد الله) يَعْنِي: ابْن عمر الْعمريّ، وَرَوَاهُ مُسلم من طَرِيق يحيى الْقطَّان عَن عبيد الله بن عمر بِلَفْظ: الْكَافِر، بِغَيْر شكّ، وَكَذَا رَوَاهُ عَمْرو بن دِينَار كَمَا يَأْتِي فِي الْبَاب، وَوَقع فِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث سَمُرَة بِلَفْظ: الْمُنَافِق، بدل الْكَافِر.
قَوْله: (وَقَالَ ابْن بكير) ، هُوَ يحيى بن عبد الله بن بكير، أَبُو زَكَرِيَّا المَخْزُومِي الْمصْرِيّ روى عَنهُ البُخَارِيّ فِي بَدْء الْوَحْي وَغير مَوضِع. قَالَ الدمياطي: قَالَ ابْن يُونُس: ولد يحيى بن بكير سِتَّة أَربع وَخمسين وَمِائَة، وَمَات فِي صفر سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله أَبُو نعيم: حَدثنَا أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد حَدثنَا الْفضل بن عَيَّاش حَدثنَا يحيى بن بكير حَدثنَا مَالك فَذكره. قَوْله: (بِمثلِهِ) أَي: بِمثل أصل الحَدِيث لَا خُصُوص الشَّك الْوَاقِع فِي رِوَايَة عبيد الله بن عمر عَن نَافِع.

5395 - حدَّثنا عَلِيٌّ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا سُفْيَانُ عَنْ عَمْروٍ، قَالَ: كَانَ أبُو نَهِيكٍ رَجُلاً أكُولاً، فَقَالَ لَهُ ابنُ عُمَرَ: إنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إنَّ الكَافِرَ يَأكُلُ فِي سَبْعَةِ أمْعَاء، فَقَالَ: فَأنا أومِنُ بِالله وَرَسُولِهِ.

هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث ابْن عمر أخرجه عَليّ بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار إِلَى آخِره، والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (كَانَ أَبُو نهيك) ، بِفَتْح النُّون وَكسر الْهَاء وبالكاف، قَالَ الْكرْمَانِي: كَانَ رجلا من أهل مَكَّة. قلت: أَخذه من كَلَام الْحميدِي فَإِن فِي رِوَايَته قيل لِابْنِ عمر: أَن أَبَا نهيك رجل من أهل مَكَّة يَأْكُل أكلا كثيرا. قَوْله: (فَقَالَ) أَي: أَبُو نهيك (أَنا أومن بِاللَّه وَرَسُوله) وَمن هَذَا حمل الحَدِيث على ظَاهره كَمَا ذكرنَا.

5396 - حدَّثنا إسْمَاعِيلُ، قَالَ: حدَّثني مَالِكٌ عَنْ أبِي الزِّنادِ عَنِ الأعْرَجِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ الله عنهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يأكُلُ المُسْلِمُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالكافِرُ يَأكُلُ فِي سَبْعَةِ أمْعَاءٍ.

(21/42)


إِيرَاد هَذَا هُنَا ظَاهر. أخرجه عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس عَن مَالك عَن أبي الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان عَن عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة. والْحَدِيث من أَفْرَاده.

5397 - حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ حدَّثنا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بنِ ثَابِتٍ عَنْ أبِي حَازِمٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أنَّ رَجُلاً كَانَ يَأْكُلُ أكْلاً كَثِيرا، فأسْلَمَ فَكَانَ يَأكُلُ أكْلاً قَلِيلاً فَذُكِرَ ذالِكَ للنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إنَّ المُؤْمِنَ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالكافِرَ يأكُلُ فِي سَبْعَةِ أمْعَاءٍ.

هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة أخرجه عَن سُلَيْمَان بن حَرْب عَن شُعْبَة بن الْحجَّاج عَن عدي بن ثَابت هُوَ عدي بن أبان بن ثَابت الْأنْصَارِيّ الْكُوفِي ابْن ابْنه عبد الله بن يزِيد الخطمي، مَاتَ سنة خمس عشرَة وَمِائَة، وَكَانَ إِمَام مَسْجِد الشِّيعَة وقاضيهم بِالْكُوفَةِ، وَقد اتفقَا على الِاحْتِجَاج بِهِ، وَهُوَ يروي عَن أبي حَازِم سلمَان الْأَشْجَعِيّ، وَلَيْسَ هُوَ سَلمَة ابْن دِينَار الزَّاهِد، فَإِنَّهُ أَصْغَر من الْأَشْجَعِيّ وَلم يدْرك أَبَا هُرَيْرَة.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي الْوَلِيمَة عَن عَمْرو بن يزِيد عَن بهز عَن شُعْبَة نَحوه: جَاءَ كَافِر إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأسلم، فَجعل يَأْكُل قَلِيلا وَكَانَ قبل ذَلِك يَأْكُل كثيرا. الحَدِيث وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْأَطْعِمَة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَغَيره. وَأخرجه مُسلم عَن مُحَمَّد بن رَافع عَن إِسْحَاق بن عِيسَى عَن مَالك عَن سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَضَافَهُ ضيف وَهُوَ كَافِر فَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِشَاة فحلبت فَشرب حلابها ثمَّ أُخْرَى فَشرب، ثمَّ أُخْرَى فَشرب، حَتَّى شرب حلاب سبع شِيَاه، ثمَّ إِنَّه أصبح فَأسلم فَأمر لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِشَاة فَشرب حلابها، ثمَّ أَمر بِأُخْرَى فَلم يستتمها، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْمُؤمن يشرب فِي معًى وَاحِد وَالْكَافِر يشرب فِي سَبْعَة أمعاء.

13 - (بَابٌ: {الأكْلِ مُتَّكِئا} )

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَيفَ حكم الْأكل حَال كَونه مُتكئا، وَإِنَّمَا لم يجْزم بِحكمِهِ لِأَنَّهُ لم يَأْتِ فِيهِ نهي صَرِيح، وَقد ترْجم التِّرْمِذِيّ هَذَا الْبَاب بقوله: بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهَة الْأكل مُتكئا، ثمَّ روى حَدِيث أبي جُحَيْفَة، وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله: حمل التِّرْمِذِيّ أَحَادِيث الْأكل مُتكئا على الْكَرَاهَة كَمَا بوب عَلَيْهِ، وَهُوَ قَول الْجُمْهُور وَقد أكل غير وَاحِد من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ مُتكئا، رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) ثمَّ قَالَ: اخْتلف فِي المُرَاد بالاتكاء فِي حَالَة الْأكل؟ فَقيل: المُرَاد المتربع المتقعد كالمتهيىء للطعام انْتهى كَلَامه. وَفِي (التَّلْوِيح) المتكىء هُنَا هُوَ الْمُعْتَمد على الوطاء الَّذِي تَحْتَهُ، وكل من اسْتَوَى قَاعِدا على وطاه فَهُوَ المتكىء كَأَنَّهُ أوكى مقعدته وسدها بالقعود على الوطاء الَّذِي تَحْتَهُ. وَقيل: الاتكاء هُوَ أَن يتكىء، على أحد جانبيه، وَهُوَ فعل المتجبرين، والمتكىء أَصله الموتكىء قلبت الْوَاو تَاء وأدغمت التَّاء فِي التَّاء، وَهُوَ من معتل الْفَاء مَهْمُوز اللَّام تَقول: أتكأ على شَيْء فَهُوَ متكىء وأصل التَّاء فِي جمع مواده وَاو.

5398 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا مِسْعَرٌ عَنْ عَلِيِّ بنِ الأقْمَرِ: سَمِعْتُ أبَا جُحَيْفَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا آكُلُ مُتَّكِئا.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، ومسعر بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة ابْن كدام العامري الْكُوفِي، وَعلي بن الْأَقْمَر بن عَمْرو بن الْحَارِث بن مُعَاوِيَة الْهَمدَانِي بِسُكُون الْمِيم الوادعي الْكُوفِي، ثِقَة عِنْد الْجَمِيع وَمَا لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث وَأَبُو جُحَيْفَة بِضَم الْجِيم وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالفاء، واسْمه وهب بن عبد الله السوَائِي.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَطْعِمَة عَن مُحَمَّد بن كثير. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة وَفِي الشَّمَائِل عَن بنْدَار. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْوَلِيمَة عَن قُتَيْبَة بِهِ وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْأَطْعِمَة عَن مُحَمَّد بن عِيسَى.
قَوْله: (لَا آكل مُتكئا) أَي: حَال كوني مُتكئا. وَقَالَ الْخطابِيّ حسب الْعَامَّة أَن المتكىء هُوَ المائل على أحد شقيه، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل المتكىء هُنَا هُوَ الْمُعْتَمد على الْوَطْأَة

(21/43)


الَّذِي تَحْتَهُ، وكل من اسْتَوَى قَاعِدا على طائه فَهُوَ متكىء أَي: إِذا أكلت لم أقعد مُتَمَكنًا على الأوطئة فعل من يستكثر من الْأَطْعِمَة، ولكنني آكل الْعلقَة من الطَّعَام فَيكون قعودي مستوفرا. لَهُ وَلَفظ التِّرْمِذِيّ: أما أَنا فَلَا آكل مُتكئا، وَاسْتدلَّ بِهِ بَعضهم على أَن ترك الْأكل مُتكئا من خَصَائِصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد عده أَبُو الْعَبَّاس بن الْقَاص من خَصَائِصه. وَالظَّاهِر عدم التَّخْصِيص، وَقد روى الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تَأْكُل مُتكئا، وَرِجَال إِسْنَاده ثِقَات، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: يكره أَيْضا لِأَنَّهُ من فعل المتعظمين وَأَصله مَأْخُوذ من مُلُوك الْعَجم، وَقد أخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس وخَالِد بن الْوَلِيد وَعبيدَة السَّلمَانِي وَمُحَمّد بن سِيرِين وَعَطَاء بن يسَار وَالزهْرِيّ جَوَاز ذَلِك مُطلقًا، وَإِذا ثَبت كَونه مَكْرُوها أَو خلاف الأولى فاستحب فِي صفة الْجُلُوس للْأَكْل أَن يكون جانبا على رُكْبَتَيْهِ وَظُهُور قَدَمَيْهِ أَو ينصب الرجل الْيُمْنَى وَيجْلس على الْيُسْرَى.

5399 - حدَّثنا عُثْمَانُ بنُ أبِي شَيْبَةَ أخْبرَنا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُور عَنْ عَلِيِّ بنِ الأقْمَرِ عَنْ أبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لِرَجُلٍ عِنْدَهُ: لَا آكُلُ وَأنا مُتَكىءٌ.

هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أبي جُحَيْفَة أخرجه عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة عَن جرير بن عبد الحميد عَن مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر الْكُوفِي عَن عَليّ بن الْأَقْمَر. الخ وَالْفرق بَين قَوْله: (لَا آكل وَأَنا متكىء) وَبَين قَوْله فِي الحَدِيث الْمَاضِي: لَا آكل مُتكئا أَن اسْم الْفَاعِل يدل على الْحَدث، وَالْجُمْلَة الإسمية تدل على الثُّبُوت. فَالثَّانِي أبلغ من الأول فِي الْإِثْبَات وَأما فِي النَّفْي فبالعكس فَالْأول أبلغ، فَإِن قلت: روى أَبُو دَاوُد من حَدِيث ثَابت الْبنانِيّ عَن شُعَيْب بن عبد الله بن عَمْرو عَن أَبِيه. قَالَ: مَا رئي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْكُل مُتكئا قطّ، وروى النَّسَائِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يحدث أَن الله عز وَجل أرسل إِلَى نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ملكا من الْمَلَائِكَة مَعَ جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَقَالَ: إِن الله مخيرك بَين أَن تكون عبدا نَبيا وَبَين أَن تكون ملكا، فَقَالَ: لَا بل أكون نَبيا عبدا، فَمَا أكل بعد تِلْكَ الْكَلِمَة طَعَاما مُتكئا. وَفِي (علل عبد الرَّحْمَن) من حَدِيث عبد الله بن السَّائِب بن خباب عَن أَبِيه عَن جده. رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْكُل قديدا مُتكئا.
قلت: أما حَدِيث عبد الله بن عَمْرو فَإِنَّهُ مَحْمُول أَنه مَا رئي يَأْكُل مُتكئا بعد قَضِيَّة الْملك. وَأما حَدِيث السَّائِب عَن أَبِيه عَن جده فقد قَالَ عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه: إِن هَذَا حَدِيث بَاطِل. فَإِن قلت: كَيفَ روى ابْن عَبَّاس أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أكل بعد تِلْكَ الْكَلِمَة طَعَاما مُتكئا، وَقد روى ابْن أبي شيبَة من حَدِيث يزِيد بن زِيَاد قَالَ أَخْبرنِي من رأى ابْن عَبَّاس يَأْكُل مُتكئا؟ قلت: الَّذِي رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة ضَعِيف، وَلَو صَحَّ لكَانَتْ الْعبْرَة لما روى لَا لما رأى عِنْد الْبَعْض، وَمذهب جمَاعَة أَن الرَّاوِي إِذا خَالف رِوَايَته دلّ عِنْده على نسخ مَا رَوَاهُ.

14 - (بَابُ: {الشِّواءِ} )

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز أكل الشواء بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة من شويت اللَّحْم شيا وَالِاسْم الشواء، والقطعة مِنْهُ شواة.
وَقَوْلِ الله تَعَالَى: {فَجَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} (هود: 69) أيْ مَشْوِيٍّ
هَذَا فِي إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَهُوَ الجائي بعجل حنيذ. وقصته أَن قوم لوط، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لما أفسدوا وطغوا وبغوا دَعَا لوط ربه بِأَن ينصره عَلَيْهِم، فَأرْسل أَرْبَعَة من الْمَلَائِكَة جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل ودردائيل لإهلاكهم وَبشَارَة إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بِالْوَلَدِ فَأَقْبَلُوا مشَاة فِي صُورَة رجال مرد حسان حَتَّى نزلُوا على إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَكَانَ الضَّيْف قد حبس عَنهُ خمس عشرَة لَيْلَة حَتَّى شقّ ذَلِك عَلَيْهِ، وَكَانَ لَا يَأْكُل إلاَّ مَعَ الضَّيْف مهما أمكنه، فَلَمَّا رَآهُمْ سربهم، وَقَالَ: لَا يخْدم هَؤُلَاءِ إلاَّ أَنا فَخرج إِلَى أَهله فجَاء بعجل حنيذ، وَهُوَ المشوي بِالْحِجَارَةِ فعيل بِمَعْنى مفعول من حنذت اللَّحْم أحنذه حنذا إِذا شويته بِالْحِجَارَةِ المسخنة. وَاللَّحم حنيذ ومحنوذ. قَوْله: (أَي مشوي) ، كلمة أَي: لم تثبت إلاَّ فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ، وَفِي رِوَايَة السَّرخسِيّ: حنيذ مشوي، وَلَيْسَ فِيهِ كلمة أَي.

5400 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا هِشامُ بنُ يُوسُفَ أخْبرنا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أبِي

(21/44)


أُمَامَةَ بنِ سَهْلٍ عَنِ ابنِ عبَّاسٍ عَنْ خالِدِ بنِ الوَلِيدِ قَالَ: أُتِيَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِضَبٍّ مَشْوِيٍّ، فَأهْوَى إلَيْهِ لِيَأْكُلَ فَقِيلَ لَهُ: إنَّهُ ضَبٌّ فَأمْسَكَ يَدَهُ، فَقَالَ خَالِدٌ: أحَرَامٌ هُوَ؟ قَالَ: لَا، وَلاكِنَّهُ لَا يَكُونُ بِأرْض قَوْمِي فأجِدُنِي أعَافُهُ، فَأكَلَ خَالِدٌ وَرَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَنْظُرُ.
قَالَ مَالِكٌ عنِ ابنِ شهابٍ: بِضَبٍّ مَحْنُوذٍ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (بضب مشوي) والْحَدِيث مضى قبله بِثَلَاثَة أَبْوَاب، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (مَالك عَن ابْن شهَاب بضب محنوذ) ، هَذَا رَوَاهُ مُسلم: حَدثنَا يحيى بن يحيى قَالَ: قَرَأت على مَالك عَن ابْن شهَاب عَن أبي أُمَامَة بن سُهَيْل بن حنيف عَن عبد الله بن عَبَّاس قَالَ: دخلت أَنا وخَالِد بن الْوَلِيد مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بَيت مَيْمُونَة، فَأتي بضب محنوذ، الحَدِيث، وَقَالَ ابْن بطال، والْحَدِيث ظَاهر لما ترْجم لَهُ وَهُوَ جَوَاز أكل الشواء لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَهْوى ليَأْكُل مِنْهُ لَو كَانَ مِمَّا لَا يتقزز أكله غير الضَّب.

15 - (بَابُ: {الخَزِيرَةِ} )

قَالَ النَّضْرُ الخَزِيرَةُ مِنَ النُّخَالَةِ، وَالحَرِيرَة مِنَ اللَّبَنِ.
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ ذكر الخزيرة، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالزَّاي الْمَكْسُورَة وَالْيَاء آخر الْحُرُوف الساكنة ثمَّ الرَّاء الْمَفْتُوحَة وَهُوَ مَا يتَّخذ من الدَّقِيق على هَيْئَة العصيدة لكنه أرق مِنْهَا قَالَه الطَّبَرِيّ، وَقَالَ ابْن فَارس: دَقِيق يخلط بشحم، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الخزيرة أَن يُؤْخَذ اللَّحْم فَيقطع صغَار أَو يصب عَلَيْهِ مَاء كثير، فَإِذا نضج ذَر عَلَيْهِ الدَّقِيق، وَإِن لم يكن فِيهَا لحم فَهِيَ عصيدة. وَقيل: الخزيرة مرقة تصفى من بلالة النخالة ثمَّ تطبخ، وَقيل: هِيَ حساء من دَقِيق ودسم، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الحساء، بِالْفَتْح وَالْمدّ طبيخ يتَّخذ من دَقِيق وَمَاء ودهن، وَقد يحلَّى وَيكون رَقِيقا يحسى.
قَوْله: (قَالَ النَّضر) ، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره رَاء: هُوَ ابْن شُمَيْل، بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الْمِيم: النَّحْوِيّ اللّغَوِيّ الْمُحدث الْمَشْهُور، يكنى أَبَا الْحسن، أَصله من الْبَصْرَة ومولده بمر والروذ، خرج مَعَ أَبِيه هَارِبا إِلَى الْبَصْرَة من الْفِتْنَة سنة ثَمَان وَعشْرين وَمِائَة، وَهُوَ ابْن سِتّ سِنِين ثمَّ رَجَعَ إِلَى مرو والروذ وَسمع إِسْرَائِيل وَشعْبَة وَهِشَام بن عُرْوَة وَغَيرهم، روى عَنهُ إِسْحَاق الْحَنْظَلِي ومحمود بن غيلَان وَمُحَمّد بن مقَاتل وَآخَرُونَ. قَالَ أَبُو جَعْفَر الدَّارمِيّ: مَاتَ سنة أَربع وَمِائَتَيْنِ. قَوْله: (الخزيرة من النخالة) ، يَعْنِي: بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، (والحريرة) بِالْحَاء الْمُهْملَة (من اللَّبن) وَوَافَقَهُ على هَذَا أَبُو الهشيم لَكِن قَالَ: من الدَّقِيق، بدل: اللَّبن.

5401 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ حدَّثنا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابنِ شهابٍ قَال: أخْبَرَنِي مَحْمُودُ بنُ الرَّبِيعِ الأنْصَارِيَّ أنَّ عِتْبَانَ بنَ مَالِك، وَكَانَ مِنْ أصْحَابِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرا مِنَ الأَنْصَارِ، أنَّهُ أتَى رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! إنَّنِي أنْكَرْتُ بَصْرِي وَأنا أُصَلِّي لِقَوْمِي، فَإذَا كَانَتِ الأمْطَارُ سالَ الوَادِي الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ لَمْ أسْتَطِيعْ أنْ آتِيَ مَسْجِدَهُمْ فَأُُصَلِّيَ لَهُمْ، فَوَدِدْتُ يَا رَسُولَ الله أنَّكَ تَأْتِي فَتُصَلِّي فِي بَيْتِي فَأتَّخِذُهُ مُصَلًّى. فَقَالَ: سأفْعَلُ إنْ شَاءَ الله، قَالَ عِتْبَانُ: فَغَدا عَلَيَّ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبُو بَكْرٍ حِينَ ارْتَفَعَ النَّهَارِ، فَاسْتأْذَنَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأذِنْتُ لهُ فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى دَخَلَ البَيْتَ ثُمَّ قَالَ لِي: أيْنَ تُحِبُّ أنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ؟ فَأشَرْتُ إلَى نَاحِيَةٍ مِنَ البَيْتِ فَقَامَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَبَّرَ فَصَفَفْنا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ وَحَبَسْناهُ عَلَى خَزِيرٍ صَنَعْناهُ. فَثابَ فِي البَيْتِ رِجالٌ مِنْ أهْلِ الدَّارِ ذَوُو عَدَدٍ فَاجْتَمَعُوا فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: أيْنَ مَالِكُ ابنُ الدُّخْشُنِ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ مُنَافِقٌ لَا يُحِبُّ الله وَرَسُولَهُ. قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تَقُلْ أَلا تَرَاهُ قَالَ: لَا إلاه إلاَّ الله، يُرِيدُ بِذَلِكَ وَجْهَ الله؟ قَالَ: الله وَرَسُولُهُ أعْلَمُ. قَالَ: قُلْنا: فَإنَّا نَرَى وَجْهَهُ وَنَصِيحَتَهُ إلَى

(21/45)


المُنافِقِينَ، فَقَالَ: فَإنَّ الله حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إلاهَ إلاَّ الله يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ الله.
قَالَ ابنُ شِهابٍ: ثُمَّ سَألْتُ الحُصَيْنَ بنَ مُحَمَّدٍ الأنْصَارِيَّ: أحَدَ بَنِي سَالِمٍ وَكَانَ مِنْ سَرَاتهِمْ عَنْ حَدِيثِ مَحْمُودٍ فَصَدَّقَهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وحبسناه على خزير) .
والْحَدِيث قد مضى فِي الصَّلَاة فِي: بَاب مَسَاجِد الْبيُوت، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن سعيد بن عفير عَن اللَّيْث عَن عقيل عَن ابْن شهَاب إِلَى آخِره نَحوه، وَمضى أَيْضا مُخْتَصرا فِي: بَاب الرُّخْصَة فِي الْمَطَر وَالْعلَّة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.
قَوْله: (أَن عتْبَان) ، ويروى عَن عتْبَان، قيل: الصَّحِيح عَن قَالَ الْكرْمَانِي: أَن أَيْضا صَحِيح وَيكون أَن ثَانِيًا تَأْكِيدًا لِأَن الأول كَقَوْلِه تَعَالَى: {أيعدكم أَنكُمْ إِذا متم وكنتم تُرَابا وعظاما أَنكُمْ مخرجون} (الْمُؤْمِنُونَ: 25) قَوْله: (أنْكرت بَصرِي) ، أَي: ضعف بَصرِي أَو هُوَ عمي. قَوْله: (وحبسناه) ، أَي: منعناه عَن الرُّجُوع عَن منزلنا لأجل خزير صنعناه لَهُ ليَأْكُل وَكلمَة: على هُنَا للتَّعْلِيل كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {ولتكبروا الله على مَا هديكم} (الْبَقَرَة: 185) قَوْله: (فَثَابَ) أَي: اجْتمع قَوْله: (من أهل الدَّار) ، أَي: من أهل الْمحلة. قَوْله: (ابْن الدخشن) بِضَم الدَّال الْمُهْملَة وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وبالنون، ويروى: الدخيشن، بِالتَّصْغِيرِ، وَقَالَ أَبُو عمر: الدخشن بالنُّون ابْن مَالك بن الدخشن بن غنم بن عَوْف بن عَمْرو بن عَوْف، شهد الْعقبَة فِي قَول ابْن إِسْحَاق ومُوسَى والواقدي: وَقَالَ أَبُو مُعْتَمر: لم يشْهد، وَقَالَ أَبُو عمر: لم يخْتَلف أَنه شهد بَدْرًا وَمَا بعْدهَا من الْمشَاهد. وَكَانَ يتهم بالنفاق وَلَا يَصح عَنهُ النِّفَاق، وَقد ظهر من حسن إِسْلَامه مَا يمْنَع من اتهامه. قَوْله: (فَقَالَ بَعضهم) قيل: إِنَّه عتْبَان بن مَالك، قَوْله: (ونصيحته) أَي: إخلاصه ونقاوته.
قَوْله: (قَالَ ابْن شهَاب) هُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور. قَوْله: (الْحصين) بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الصَّاد الْمُهْملَة. مصغر حصن وَهُوَ ابْن مُحَمَّد السالمي الْأنْصَارِيّ التَّابِعِيّ، وَضَبطه الْقَابِسِيّ بضاد مُعْجمَة وَلم يُوَافقهُ أحد عَلَيْهِ، وَنقل ابْن التِّين من الشَّيْخ أبي عمر أَن قَالَ: لم يدْخل البُخَارِيّ فِي (جَامعه) الْحضير، يَعْنِي: بِالْمُهْمَلَةِ وَالضَّاد الْمُعْجَمَة وبالراء فِي آخِره، وَأدْخل الْحصين بالمهملتين وبالنون، قيل: هَذَا قُصُور مِنْهُ فَإِن أسيد بن حضير، وَإِن لم يخرج لَهُ البُخَارِيّ من رِوَايَته مَوْصُولا. وَلكنه علق عَنهُ، وَوَقع ذكره عِنْده فِي غير مَوضِع، فَلَا يَلِيق نفي إِدْخَاله فِي كِتَابه انْتهى. قلت: الْكَلَام هُنَا فِي الْحصين بالمهملتين وبالنون. لَا فِي حضير بِمُهْملَة ومعجمة وَرَاء، فَلَا حَاجَة إِلَى ذكره هَاهُنَا. قَوْله: (من سراتهم) ، سراة الْقَوْم ساداتهم وأشرافهم وَهُوَ جمع سري: وَهُوَ جمع عَزِيز أَن يجمع فعيل على فعلة، وَلَا يعرف غَيره، وَجمع السراة سراوات وأصل هَذِه الْمَادَّة من السِّرّ، وَهُوَ السخاء والمروءة. يُقَال: سرا يسرو وسرى بِالْكَسْرِ يسري سروا فيهمَا، وسرو، يسرو سراوة أَي: صَار سريا.

16 - (بَابُ: {الأقِطِ} )

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ الأقط، وَهُوَ بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الْقَاف، وَقد تسكن وَفِي آخِره طاء مُهْملَة. وَفِي (التَّوْضِيح) لأقط شَيْء يصنع من اللَّبن وَذَلِكَ أَن يُؤْخَذ اللَّبن فيطبخ، فَكلما طفا عَلَيْهِ من بَيَاض اللَّبن شَيْء جمع فِي إِنَاء، وَهُوَ من أَطْعِمَة الْعَرَب. قلت: لَيْسَ هُوَ مَخْصُوصًا بالعرب، بل فِي سَائِر الْبلدَانِ الشمالية وَالتّرْك الرحالة يعلمُونَ هَذَا. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الأقط لبن مجفف يَابِس مستحجر يطْبخ بِهِ. قلت: لَا يطْبخ بِهِ إلاَّ بعد أَن يعركوه بِالْمَاءِ السخن فِي الْأَوَانِي الخزف حَتَّى ينْحل وَيصير كاللبن ثمَّ يطبخون بِهِ مَا شاؤا من الْأَطْعِمَة الَّتِي يطبخونها بِاللَّبنِ.
وَقَالَ حُمَيْدٌ: سَمِعْتُ أنَسا: بَنَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِصَفِيَّةَ فألْقَي التَّمْرَ وَالأقِطَ وَالسَّمْنَ
حميد هُوَ ابْن أبي حميد الطَّوِيل، وَهَذَا التَّعْلِيق تقدم مَوْصُولا فِي: بَاب الْخبز المرقق.
(وَقَالَ عَمْرُو بنُ أبِي عَمْروٍ عَنْ أنَسٍ: صَنَعَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيْسا)
عَمْرو بن أبي عَمْرو، بِالْفَتْح فيهمَا مولى الْمطلب بن عبد الله المَخْزُومِي، وَهَذَا التَّعْلِيق أَيْضا قد مر فِي الْبَاب الْمَذْكُور مُعَلّقا. وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. وَالْحَبْس، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء آخر الْحُرُوف وبالسين الْمُهْملَة: وَهُوَ الْخَلْط من التَّمْر وَالسمن.

(21/46)


5402 - حدَّثنا مُسْلِمُ بنُ إبْرَاهِيمَ حدَّثنا شُعْبَةُ عَنْ أبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ الله عَنْهُما، قَالَ: أهْدَتْ خَالَتِي إلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضِبابا وأقِطا وَلَبَنا فَوُضِعَ الضَبُّ عَلَى مَائِدَتِهِ فَلَوْ كَانَ حَرَاما لَمْ يُوضَعُ وَشَرِبَ اللَّبَنَ وَأكَلَ الأقِطَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أقطا) وَأَبُو بشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره رَاء، واسْمه جَعْفَر بن أبي وحشية إِيَاس الْيَشْكُرِي الْبَصْرِيّ، وَيُقَال الوَاسِطِيّ: وَسَعِيد هُوَ ابْن جُبَير.
والْحَدِيث قد مضى فِي الْهِبَة فِي: بَاب قبُول الْهِبَة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن آدم عَن شُعْبَة إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

17 - (بَابُ: {السِّلقِ والشَّعِيرِ} )

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ السلق وَالشعِير.

5403 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ حدَّثنا يَعْقُوبُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ عَنْ أبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ. قَالَ: إنْ كُنّا لَنَفْرَحُ بِيَوْمِ الجُمْعَةِ كَانَتْ لَنَا عَجُوزٌ تأخُذُ أُصُولَ السِّلْقِ فَتَجْعَلُهُ فِي قِدْرٍ لَهَا فَتَجْعَلُ فِيهِ حَبَّاتٍ مِنْ شَعِيرٍ، إذَا صَلَيْنَا زُرْناها فَقَرَّبَتْهُ إلَيْنا، وَكُنَّا نَفْرَحُ بِيَوْمِ الْجُمْعَةِ مِنْ أجْلِ ذَلِكَ، وَمَا كُنَّا نَتَغَدَّى وَلا نقَيلُ إلاَّ بَعْدَ الجُمْعَةِ، وَالله مَا فِيهِ شَحْمٌ وَلا وَدَكٌ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالزاي اسْمه سَلمَة بن دِينَار.
والْحَدِيث مضى فِي أَوَاخِر كتاب الْجُمُعَة فِي: بَاب قَوْله عز وَجل: {فَإِذا قضيت الصَّلَاة فَانْتَشرُوا} (الْجُمُعَة: 10) وَلكنه فرقه هُنَاكَ على مَا تقف عَلَيْهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (نتغدى) ، بِالدَّال الْمُهْملَة. قَوْله: (وَلَا نقِيل) ، بِفَتْح النُّون من القيلولة وَمِنْه أَخذ بَعضهم بِجَوَاز الْجُمُعَة قبل الزَّوَال. وَالْجُمْهُور على خِلَافه، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى.

18 - (بَابُ: {النَّهْسِ وَانْتِشَالِ اللَّحْمِ} )

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان نهس اللَّحْم، وَهُوَ بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْهَاء وَفِي آخِره سين مُهْملَة أَو مُعْجمَة، وهما بِمَعْنى وَاحِد، وَبِه جزم الْأَصْمَعِي والجوهري أَيْضا، وَهُوَ الْقَبْض على اللَّحْم بالفم وإزالته من الْعظم وَغَيره، وَقيل: هَذَا تَفْسِيره بِالْمُعْجَمَةِ، وَأما بِالْمُهْمَلَةِ فَهُوَ تنَاوله بِمقدم الْفَم، وَقيل: النهس بِالْمُهْمَلَةِ الْقَبْض على اللَّحْم ونثره عِنْد أكله، وَنقل ابْن بطال عَن أهل اللُّغَة: نهس الرجل والسبع اللَّحْم نهسا قبض عَلَيْهِ ثمَّ نثر. قَوْله: (وانتشال اللَّحْم) ، بالشين المعحمة. وَهُوَ التَّنَاوُل وَالْقطع والاقتلاع يُقَال: نشلت اللَّحْم من المرق أَي: أخرجته مِنْهُ ونشلت اللَّحْم عَن الْقدر وانتشلته إِذا انتزعته مِنْهَا، وَقيل: هُوَ أَخذ اللَّحْم قبل النضج، والنشيل ذَلِك اللَّحْم.

5404 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ حدَّثنا حَمَّادٌ حدَّثنا أيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدٍ عنِ ابنِ عَبَّاس، رَضِيَ الله عَنْهُمَا، قَالَ: تَعَرَّقَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَنِيفا ثُمَّ قَامَ فَصَلى وَلَمْ يَتَوَضَّأ، وَعَنْ أيُّوبَ وَعاصِمِ عَنْ عِكْرَمَةَ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ. قَالَ: انْتَشَلَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَرْقا مِنْ قِدر، فأكَلَ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَأ.

مطابقته للجزء الثَّانِي للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَيُمكن أَن تُؤْخَذ الْمُطَابقَة للجزء الأول من قَوْله: (تعرق) من حَيْثُ حَاصِل الْمَعْنى لَا من حَيْثُ اللَّفْظ، وَذَلِكَ لِأَن معنى: تعرق كَتفًا، تنَاول اللَّحْم الَّذِي عَلَيْهِ، والنهس أَيْضا تنَاول اللَّحْم بالفم وإزالته من الْعظم كَمَا ذَكرْنَاهُ.
وَحَمَّاد هُوَ ابْن زيد، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَمُحَمّد هُوَ ابْن سِيرِين، وَقَالَ يحيى بن معِين: لم يسمع مُحَمَّد من ابْن عَبَّاس إِنَّمَا روى عَن عِكْرِمَة عَنهُ، وَقَالَ عبد الله بن أَحْمد عَن أَبِيه، لم يسمع مُحَمَّد من ابْن عَبَّاس، يَقُول فِي كلهَا: بلغت عَن ابْن عَبَّاس، وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: قَالَ شُعْبَة: أَحَادِيث مُحَمَّد عَن ابْن عَبَّاس إِنَّمَا سَمعهَا من عِكْرِمَة، لقِيه أَيَّام الْمُخْتَار بن أبي عبيد وَلم يسمع مُحَمَّد من ابْن عَبَّاس شَيْئا. قيل: مَاله فِي البُخَارِيّ غَيره عَن ابْن عَبَّاس.
وَقد أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق مُحَمَّد بن عِيسَى بن الطباع عَن

(21/47)


حَمَّاد بن زيد فَأدْخل بَين مُحَمَّد بن سِيرِين وَابْن عَبَّاس عِكْرِمَة، وَإِنَّمَا صَحَّ عِنْده لمجيئه بِالطَّرِيقِ الْأُخْرَى الثَّابِتَة فَأوردهُ على الْوَجْه الَّذِي سَمعه. قلت: غَرَض هَذَا الْقَائِل دفع من يدعى انْقِطَاع مَا أخرجه البُخَارِيّ هَاهُنَا، وَلَكِن مَا يجد بِهِ ذَلِك كَمَا يَنْبَغِي على مَا لَا يخفى.
قَوْله: (تعرق) على وزن تفعل بِالتَّشْدِيدِ أَي: أكل مَا كَانَ اللَّحْم على الْكَتف، ويوضحه مَا رَوَاهُ فِي كتاب الطَّهَارَة من حَدِيث عَطاء بن يسَار عَن عبد الله بن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أكل كتف شَاة ثمَّ صلى وَلم يتَوَضَّأ. فَإِن قلت: روى مُسلم من طَرِيق مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس: أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بهدية خبز وَلحم، فَأكل ثَلَاث لقم الحَدِيث. قلت: الظَّاهِر تعدد الْقَضِيَّة وَالله أعلم.
قَوْله: (وَعَن أَيُّوب وَعَاصِم) إِلَى آخِره. أَيُّوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ الْمَذْكُور، وَعَاصِم هُوَ ابْن سُلَيْمَان الْأَحول الْبَصْرِيّ، ذكره صَاحب (التَّوْضِيح) وَالتَّعْلِيق عَن أَيُّوب ذكره صَاحب (الْأَطْرَاف) أَن البُخَارِيّ رَوَاهُ فِي الْأَطْعِمَة عَن عبد الله بن عبد الْوَهَّاب عَن حَمَّاد عَنهُ وَعَن عَاصِم كِلَاهُمَا عَن عِكْرِمَة وَتَبعهُ على ذَلِك صَاحب (التَّوْضِيح) وَقَالَ بَعضهم. قَوْله: (وَعَن أَيُّوب) مَعْطُوف على السَّنَد الَّذِي قبله، وَأَخْطَأ من زعم أَنه مُعَلّق، وَقد أورد أَبُو نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) من طَرِيق الْفضل بن الْحَارِث عَن الحَجبي، وَهُوَ عبد الله بن عبد الْوَهَّاب شيخ البُخَارِيّ فِيهِ بالسند الْمَذْكُور، وَحَاصِله أَن الحَدِيث عِنْد حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب بِسَنَدَيْنِ على لفظين: أَحدهمَا: عَن ابْن سِيرِين بِاللَّفْظِ الأول. وَالثَّانِي: عَنهُ عَن عِكْرِمَة وَعَاصِم الْأَحول بِاللَّفْظِ الثَّانِي انْتهى. قلت: الظَّاهِر أَن هَذَا الْقَائِل هُوَ الَّذِي أَخطَأ فِي دَعْوَاهُ الِاتِّصَال لِأَن فِي مقاله رِوَايَة الحَدِيث بِسَنَدَيْنِ مُخْتَلفين بِسَنَد وَاحِد، فَلَا يتَّجه ذَلِك على مَا لَا يخفى.
قَوْله: (انتشل) قد مر تَفْسِيره الْآن.

19 - (بَابُ: {تَعَرُّقِ العَضُدِ} )

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان تعرق الْعَضُد فتفسير التعرق قد مضى، والعضد هُوَ الْعظم الَّذِي بَين الْكَتف والمرفق وَمرَاده أَخذ اللَّحْم الَّذِي على الْعَضُد ونهسه إِيَّاه.

5406 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى قَالَ: حدَّثني عُثْمَانُ بنُ عُمَرَ حدَّثنا فُلَيْحٌ حدَّثنا أبُو حَازِمٍ المَدَنِيُّ حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ أبِي قَتَادَةَ عَنْ أبِيهِ قَالَ: خَرَجْنا مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحْوَ مَكَةً.

أخرج البُخَارِيّ حَدِيث أبي قَتَادَة فِي كتاب الْحَج فِي أَرْبَعَة أَبْوَاب، وَأخرجه هُنَا فِي موضِعين: أَحدهمَا: مُخْتَصر عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن عُثْمَان بن عمر بن فَارس الْبَصْرِيّ عَن فليح بِضَم الْفَاء مصغر فلح ابْن سُلَيْمَان عَن أبي حَازِم سَلمَة بن دِينَار عَن عبد الله بن أبي قَتَادَة عَن أَبِيه أبي قَتَادَة الْحَارِث بن ربعي، وَقيل: عَمْرو بن ربعي، وَقيل: غير ذَلِك السّلمِيّ الْأنْصَارِيّ. وَالْآخر: أخرجه عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله، وَالْكل حَدِيث وَاحِد عَن أبي قَتَادَة. وَفِيه: تعرق الْعَضُد، وَهُوَ وَجه الْمُطَابقَة هُنَا بَين الحَدِيث والترجمة.

5407 - حدَّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ عَنْ أبِي حَازِمٍ عَنْ عَبْدِ الله بنِ أبِي قَتادَةَ السَّلَمِي عَنْ أبِيهِ أنَّهُ قَالَ: كُنْتُ يَوْما جَالِسا مَعَ رِجال مِنْ أصْحَابِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَنْزِلٍ فِي طَرِيقِ مَكَةَ ورَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَازِلٌ أمَامَنا وَالقَوْمُ مُحْرِمُونَ وَأنَا غَيْرُ مُحْرِمٍ فَأبْصَرُوا حِمارا وَحْشِيا وَأنا مَشْغُولٌ أخْصِفُ نَعْلِي، فَلَمْ يُؤْذِنُونِي بِهِ وَأحَبُّوا لَوْ أنِّي أبْصَرْتُهُ فَقُمْتُ إلَى الفَرَسِ فَأسْرَجْتُهُ ثُمَّ رَكِبْتُ وَنَسِيتُ السَّوْطَ وَالرُّمْحَ فَقُلْتُ لَهُمْ: نَاوِلُونِي السَّوْطَ وَالرُّمْحَ فَقَالوا: لَا وَالله لَا نُعِينُكَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فَغَضِبْتُ فَنَزَلْتُ فَأخَذْتُها ثُمَّ رَكِبْتُ فَشَدَدْتَ عَلَى الحِمارِ فَعَقَرْتُهُ، ثُمَّ جِئْتُ بِهِ وَقَدْ مَاتَ، فَوَقَعُوا فِيهِ يَأكُلُونَهُ ثُمَّ إنَّهُمْ شَكوا فِي أكْلِهِمْ إيّاهُ وَهُمْ حُرُمٌ فَرُحْنا وَخَبَأْتُ العَضُدَ مَعِي فأدْرَكْنا رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فسَألْناهُ عَنْ ذالِكَ. فَقَالَ: مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ؟ فَنَاوَلْتُهُ العَضُدَ فَأكلها حَتَّى تَعَرَّقَها وَهُوَ مُحْرِمٌ.

(21/48)


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فناولته الْعَضُد) إِلَى آخِره، وَفِي بعض النّسخ حَدثنِي بِالْإِفْرَادِ وَفِي بَعْضهَا: وحَدثني، بواو الْعَطف عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن يحيى الأويسي الْمَدِينِيّ عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن أبي كثير عَن أبي حَازِم سَلمَة بن دِينَار إِلَى آخِره.
وَأخرجه مُسلم عَن أَحْمد بن عَبدة الضَّبِّيّ عَن فُضَيْل بن سُلَيْمَان عَن أبي حَازِم عَن عبد الله بن أبي قَتَادَة، عَن أَبِيه الحَدِيث، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ فِي كتاب الْحَج فِي الْأَبْوَاب الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورَة فِيهِ.
قَوْله: (أخصف نَعْلي) ، بِكَسْر الصَّاد الْمُهْملَة أَي: أخرزه وألزق بعضه بِبَعْض. قَوْله: (فَلم يؤذنوني) أَي: فَلم يعلموني بِهِ أَي: بالصيد. قَوْله: (فوقعوا فِيهِ) أَي: فِي الصَّيْد الْمَذْكُور بعد أَن طبخوه وأصلحوه. قَوْله: (شكوا) يَعْنِي فِي كَونه حَلَالا أَو حَرَامًا. قَوْله: (حَتَّى تعرقها) أَي: حَتَّى أكل مَا عَلَيْهَا من اللَّحْم، وَقَالَ صَاحب (الْعين) تعرقت الْعظم وأعرقته وعرقته أعرقه عرقا أكلت مَا عَلَيْهِ من اللَّحْم. وَالْعراق الْعظم بِلَا لحم، فَإِن كَانَ عَلَيْهِ لحم فَهُوَ عرق. قَوْله: (وَهُوَ محرم) الْوَاو فِيهِ للْحَال.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ وحدَّثني زَيْدُ بنُ أسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ عَنْ أبِي قَتادَةَ مِثْلَهُ.
هَذَا مَعْطُوف على السَّنَد الَّذِي قبله، وَهُوَ مُحَمَّد بن جَعْفَر بن أبي كثير الْأنْصَارِيّ، وَوَقع فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: قَالَ ابْن جَعْفَر، غير مُسَمّى وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْكشميهني، قَالَ: أَبُو جَعْفَر، وَالظَّاهِر أَن الثَّلَاثَة وَاحِد، فَمنهمْ من ذكره باسم أَبِيه صَرِيحًا وَمِنْهُم من لم يُصَرح باسمه وَنسبه إِلَى أَبِيه جَعْفَر، وَمِنْهُم من ذكره بالكنية. لِأَن كثيرا من النَّاس من يتكنى باسم جده، وَلَا يبعد ذَلِك، وَالله أعلم. وروى مُسلم عَن قُتَيْبَة عَن مَالك عَن زيد بن أسلم عَن عَطاء بن يسَار عَن أبي قَتَادَة فِي حمَار الْوَحْش مثل حَدِيث أبي النَّضر، وَكَانَ قدر روى من حَدِيث أبي النَّضر عَن نَافِع مولى أبي قَتَادَة عَن أبي قَتَادَة وسَاق الحَدِيث إِلَى آخِره. ثمَّ قَالَ بعد قَوْله: مثل حَدِيث أبي النَّضر، غير أَن فِي حَدِيث زيد بن أسلم، أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: هَل مَعكُمْ من لَحْمه شَيْء؟ .

20 - (بَابُ: {قَطْعِ اللَّحْمِ بِالسِّكِّينِ} )

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز قطع اللَّحْم بالسكين. وَفِيه لُغَة وَهِي السكينَة، وَالْأول أشهر. قَالَ الْجَوْهَرِي: السكين يذكر وَيُؤَنث، وَالْغَالِب عَلَيْهِ التَّذْكِير.

5408 - حدَّثنا أبُو اليَمَانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أخْبَرَنِي جَعْفَرُ بنُ عَمْروٍ بنِ أمَيَةَ أنَّ أباهُ عَمَّرَو بنَ أمَيَّةَ أخبرهُ أنَّهُ رَأى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفٍ شاةٍ فِي يَدِهِ، فَدُعِيَ إلَى الصَّلاةِ فَألْقاها وَالسِّكِينَ الَّتِي يَحْتَزُّ بِها ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَأْ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة الْحِمصِي.
والْحَدِيث قد مر فِي كتاب الطَّهَارَة فِي: بَاب من لم يتَوَضَّأ من لحم الشَّاة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن عقيل عَن ابْن شهَاب إِلَى آخِره، وَابْن شهَاب هُوَ الزُّهْرِيّ.
قَوْله: (يحتز) ، أَي: يقطع، وَفِيه جَوَاز قطع اللَّحْم بالسكين، وَقَالَ ابْن حزم: وَقطع اللَّحْم بالسكين للْأَكْل حسن وَلَا يكره أَيْضا قطع الْخبز بالسكين إِذْ لم يَأْتِ نهي صَرِيح عَن قطع الْخبز وَغَيره بالسكين. فَإِن قلت: روى الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس وَأم سَلمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم: لَا تقطعوا الْخبز بالسكين كَمَا تقطعه الْأَعَاجِم، وَإِذا أَرَادَ أحدكُم أَن يَأْكُل اللَّحْم فَلَا يقطعهُ بالسكين وَلَكِن ليأخذه بِيَدِهِ فلينهسه بِفِيهِ، فَإِنَّهُ أهنأ وأمرأ، وروى أَبُو دَاوُد من رِوَايَة أبي معشر عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا تقطعوا اللَّحْم بالسكين فَإِنَّهُ من صَنِيع الْأَعَاجِم) ، فانهسوه فَإِنَّهُ أهنأ وأمرأ. قلت: فِي سَنَد حَدِيث الطَّبَرَانِيّ عباد بن كثير الثَّقَفِيّ وَهُوَ ضَعِيف، وَحَدِيث أبي دَاوُد قَالَ النَّسَائِيّ: أَبُو معشر لَهُ أَحَادِيث مَنَاكِير مِنْهَا هَذَا، وَقَالَ ابْن عدي: لَا يُتَابع عَلَيْهِ وَهُوَ ضَعِيف، وَاسم أبي معشر نجيح.

21 - (بَابٌ: {مَا عَابَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَعاما} )

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا عَابَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَعَاما من الْأَطْعِمَة الْمُبَاحَة وَأما الْحَرَام فَكَانَ يذمه وَيمْنَع تنَاوله وَينْهى عَنهُ، وَقيل: إِن

(21/49)


كَانَ التعييب من جِهَة الْخلقَة فَهُوَ لَا يجوز لِأَن خلقَة الله لَا تعاب، وَإِن كَانَ من جِهَة صَنْعَة الْآدَمِيّين لم يكره. قَالَ النَّوَوِيّ: من آدَاب الطَّعَام أَن لَا يعاب كَقَوْلِه: مالح قَلِيل الْملح حامض غليظ رَقِيق غير ناضج وَنَحْو ذَلِك.

5409 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ أخْبَرَنا سُفْيَانُ عَنِ الأعْمَشِ عَنْ أبِي حَازِمٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَا عَابَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَعاما قَطّ إِن اشْتَهَاهُ أكَلَهُ وَإنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَمُحَمّد بن كثير ضد الْقَلِيل وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان وَأَبُو حَازِم سلمَان الْأَشْجَعِيّ.
والْحَدِيث قد مر فِي: بَاب صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَليّ بن الْجَعْد عَن شُعْبَة عَن الْأَعْمَش إِلَى آخِره.

22 - (بَابُ: {النَّفْخِ فِي الشَّعِيرِ} )

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مُبَاشرَة النفخ فِي الشّعير بعد طحنه ليطير مِنْهُ قشوره وَلَا ينخل بالمنخل، وَقَالَ بَعضهم: فَكَأَنَّهُ نبه بِهَذِهِ التَّرْجَمَة على أَن النَّهْي عَن النفخ فِي الطَّعَام خَاص بالمطبوخ. قلت: لَا نسلم ذَلِك، بل المُرَاد أَن الشّعير إِذا طحن ينْفخ فِيهِ حَتَّى يذهب عَنهُ القشور ثمَّ يسْتَعْمل خبْزًا أَو طَعَاما أَو سويقا أَو غير ذَلِك. وَلَا ينخل بالمنخل، وَنَفس معنى الحَدِيث يدل على ذَلِك وَالَّذِي قَالَه هَذَا الْقَائِل بمعزل من ذَلِك صادر عَن عدم التَّأَمُّل.

5410 - حدَّثنا سَعِيدُ بنُ أبِي مَرْيَمَ حدَّثنا أبُو غَسَّانَ قَالَ: حدَّثَنِي أبُو حَازِمٍ أنَّهُ سَألَ سَهْلاً هَلْ رَأيْتُمْ فِي زَمَانِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النّقِيَّ؟ قَالَ: لَا. فَقُلْتُ: هَلْ كُنْتُمْ تَنْخُلونَ الشَعِيرَ؟ قَالَ: لَا وَلاكِنْ كُنّا نَنْفُخُهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (كُنَّا ننفخه) وَأَبُو غَسَّان هُوَ مُحَمَّد بن مطرف اللَّيْثِيّ، وَأَبُو حَازِم هَذَا هُوَ سَلمَة بن دِينَار لَا سلمَان الْأَشْجَعِيّ، وَكِلَاهُمَا تابعيان، وَسَهل هُوَ ابْن سعد الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (النقي) بِفَتْح النُّون وَكسر الْقَاف وَهُوَ: الْخبز الْحوَاري الْأَبْيَض، وَهُوَ الَّذِي ينخل دقيقه بعد الطَّحْن. قَوْله: (هَل كُنْتُم تنخلون الشّعير) أَي: بعد طحنه. وَقَالَ بَعضهم: فِي زمن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَظن أَنه احْتَرز عَمَّا قبل الْبعْثَة لكَونه، عَلَيْهِ السَّلَام، كَانَ مُسَافِرًا فِي تِلْكَ الْمدَّة إِلَى الشَّام تَاجِرًا وَكَانَت الشَّام إِذْ ذَاك مَعَ الرّوم وَالْخبْز النقي عِنْدهم كثير، وَكَذَا المناخل وَغَيرهَا من آلَات الترفه. فَلَا ريب أَنه رأى ذَلِك عِنْدهم فَأَما بعد الْبعْثَة فَلم يكن إلاَّ بِمَكَّة والطائف وَالْمَدينَة، وَوصل إِلَى تَبُوك وَهِي من أَطْرَاف الشَّام، وَلكنه لم يفتحها وَلَا طَالَتْ إِقَامَته بهَا انْتهى.
قلت: هَذَا الَّذِي قَالَه هَذَا الْقَائِل فِيهِ نظر من وُجُوه: الأول: فِي قَوْله: كَانَ مُسَافِرًا فِي تِلْكَ الْمدَّة تَاجِرًا، وَلم يكن تَاجِرًا لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج أَولا إِلَى نَاحيَة الشَّام مَعَ عَمه أبي طَالب وَكَانَ لَهُ من الْعُمر اثْنَتَيْ عشرَة سنة شَهْرَان وَعشرَة أَيَّام. قَالَه الْوَاقِدِيّ: وَقَالَ الطَّبَرِيّ: كَانَ لَهُ تسع سِنِين، وَالْأول أصح، وَفِيه وَقعت قصَّة بحيرى الراهب، وَخرج فِي الْمرة الثَّانِيَة فِي سنة خمس وَعشْرين من مولده مَعَ غُلَام خَدِيجَة بنت خويلد، استأجرته خَدِيجَة على أَربع بكرات وَخرج فِي مَالهَا وَلم يكن لَهُ شَيْء، وَفِي الْمَرَّتَيْنِ لم يَتَعَدَّ بَصرِي وَلم يمْكث إلاَّ قَلِيلا. الثَّانِي: أَن قَوْله: فَلَا ريب أَنه رأى ذَلِك عِنْدهم، غير مُسلم لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يخالط الرّوم هُنَاكَ وَلَا جالسهم وَلَا واكلهم فَمن أَيْن أَنه وقف على الأخباز النقية الْبَيْضَاء؟ وَمن أَيْن رأى المناخل وَنَحْوهَا حَتَّى يجْزم بذلك بقوله: وَلَا ريب أَنه رأى ذَلِك؟ الثَّالِث: أَن قَوْله فَأَما بعد الْبعْثَة إِلَى آخِره يسْتَلْزم عدم رُؤْيَته المنخل نفي سَمَاعه بالمنخل، إِذْ المنخل كَانَ مَوْجُودا عِنْدهم، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَول أبي حَازِم لسهل بن سعد هَل كُنْتُم تنخلون الشّعير؟ غَايَة مَا فِي الْبَاب أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكن رأى المنخل لعدم طلبه إِيَّاه لأجل اكتفائه بِمُجَرَّد النفخ بعد الطَّحْن سَوَاء كَانَ شَعِيرًا أَو قمحا، وَلَكِن لما كَانَ غَالب قوتهم شَعِيرًا سَأَلَ أَبُو حَازِم عَن نخل الشّعير.

23 - (بَابٌ: {مَا كَانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأصْحَابُهُ يَأْكُلُونَ} )

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي زَمَانه وَأَصْحَابه يَأْكُلُون.

5411 - حدَّثنا أبُو النِّعمانِ حدَّثنا حَمّادُ بنُ زَيْدٍ عَنْ عَبَّاسٍ الجُرَيْرِيِّ عَنْ أبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ

(21/50)


عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَسَمَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْما بَيْنَ أصْحَابِهِ تَمْرا فَأَعْطَى كلَّ إنْسَانٍ سَبْعَ تَمَرَاتٍ، فَأعْطَانِي سَبْعَ تَمَرَاتٍ إحْدَاهُنَّ حَشَفَةٌ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِنَّ تَمْرَةٌ أعْجَبُ إلَيَّ مِنْهَا شَدَّتْ فِي مَضَاغِي.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ إشعارا لبَيَان مَا كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه، يَأْكُلُون وَأَنه فِي غَالب الْأَوْقَات التَّمْر، ويقنعون باليسير من ذَلِك.
وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل الَّذِي يُقَال لَهُ عَارِم السدُوسِي الْبَصْرِيّ، وعباس بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالسِّين الْمُهْملَة ابْن فروج بِفَتْح الْفَاء وَتَشْديد الرَّاء المضمومة وبالجيم الْجريرِي بِضَم الْجِيم وَفتح الرَّاء الأولى الْبَصْرِيّ، وَهُوَ نِسْبَة إِلَى جرير بن عباد أخي الْحَارِث بن عباد بن ضبيعة بن قيس بن بكر بن وَائِل وَأَبُو عُثْمَان عبد الرَّحْمَن بن مل النَّهْدِيّ بِفَتْح النُّون نِسْبَة إِلَى نهد بن زيد بن لَيْث بن سودين ألحاف بن قضاعة.
والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الزّهْد عَن عَمْرو بن عَليّ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْوَلِيمَة عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الزّهْد عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.
قَوْله: (حَشَفَة) ، وَهُوَ أردأ التَّمْر، وَهُوَ الَّذِي لم يطب فِي النَّخْلَة وَلم يتناهى طيبه فييبس. قَوْله: (مِنْهَا) ، أَي: من الْحَشَفَة. قَوْله: (شدت) ، الضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى الْحَشَفَة. قَوْله: (فِي مضاغى) ، بِفَتْح الْمِيم عِنْد الْأصيلِيّ وَكسرهَا. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: المضاغ بِالْفَتْح الطَّعَام يمضغ وَهُوَ المضغ نَفسه، يُقَال: لقْمَة لينَة المضاغ وشديدة المضاغ أَرَادَ أَنَّهَا كَانَت قَوِيَّة عِنْد مضغها. وَطَالَ مضغه لَهَا كالعلك فَلذَلِك قَالَ: (فَلم يكن فِيهِنَّ تَمْرَة أعجب إليّ مِنْهَا) .

5412 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثنا وَهْبُ بنُ جَرِيرٍ حدَّثنا شُعْبَةُ عَنْ إسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ عَنْ سَعْدٍ قَالَ: رَأيْتُنِي سَابِعَ سَبْعَةٍ مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَالَنا طعامٌ إلاَّ وَرَقُ الْحَبْلَةِ، أوْ الْحَبُلَةِ، حَتَّى يَضَعَ أحَدُنا مَا تَضَعُ الشَّاةُ، ثُمَّ أصْبَحَتْ بَنُو أسَدٍ تُعَزِّرُنِي عَلَى الإسْلامِ، خَسِرْتُ إِذا وَضَلَّ سَعْيِي.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ إشعارا لبَيَان مَا كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه فِي قلَّة من الْعَيْش مَعَ القناعة وَالرِّضَا بِمَا قسم الله عز وَجل.
وَعبد الله بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالمسندي، وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي خَالِد، وَقيس هُوَ ابْن أبي حَازِم، وَسعد هُوَ ابْن أبي وَقاص، أحد الْعشْرَة المبشرة بِالْجنَّةِ، وَوَقع فِي (التَّوْضِيح) عَن قيس بن سعد عَن أَبِيه. كَأَنَّهُ توهمه أَنه قيس بن سعد ابْن عبَادَة، وَهُوَ غلط فَاحش، وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم عَن قيس سَمِعت سعد بن أبي وَقاص.
والْحَدِيث قد مضى فِي مَنَاقِب سعد فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَمْرو بن عون عَن خَالِد عَن عبد الله عَن إِسْمَاعِيل عَن قيس. قَالَ: سَمِعت سَعْدا إِلَى آخِره، وَفِي آخِره، وَكَانُوا وشوابه إِلَى عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالُوا: لَا يحسن يُصَلِّي، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (رَأَيْتنِي) ، أَي: رَأَيْت نَفسِي. قَوْله: (سَابِع سَبْعَة مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، أَرَادَ بِهِ أَنه كَانَ قديم الْإِسْلَام، وَأَنه سَابِع من أسلم أَولا، وَوَقع عِنْد أبي خَيْثَمَة، هَؤُلَاءِ السَّبْعَة. وهم أَبُو بكر وَعُثْمَان وَعلي وَزيد بن حَارِثَة وَالزُّبَيْر وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَسعد بن أبي وَقاص، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، قَوْله: (مَا لنا طَعَام إلاَّ ورق الحبلة) أَشَارَ بِهِ إِلَى أَنهم كَانُوا فِي ذَلِك الْوَقْت فِي قلَّة وضيق معيشة وَلم يكن طعامهم إلاَّ من ورق الحبلة، بِفَتْح الْحَاء وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَهُوَ ثَمَر السمر يشبه اللوبيا، وَقيل: ثَمَر العضاء وَهُوَ شجر لَهُ شوك كالطلح والعوسج. قَوْله: (أَو الحبلة) ، شكّ من الرَّاوِي وَهُوَ بِضَم الْحَاء وَالْبَاء مَعًا، وَلم يَقع عِنْد الْأصيلِيّ إلاَّ الأول، والحبلة بِفتْحَتَيْنِ ورق الْكَرم، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: وَرُبمَا سكن الْبَاء. قَوْله: (ثمَّ أَصبَحت بَنو أَسد) ، قيل: أَرَادَ بِهِ قَبيلَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِذْ هُوَ من بني أَسد، كَذَا نَقله الْكرْمَانِي وَهُوَ غير صَحِيح، وَلكنه مَعْذُور لِأَنَّهُ نَقله من كَلَام ابْن بطال حَيْثُ قَالَ: وَعمر بن الْخطاب من بني أَسد، وَهَذَا خلاف الْإِجْمَاع على أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، من رَهْط عدي بن كَعْب وَلَيْسوا من بني أَسد. قَوْله: (تعزرني) ، ويروى: يعزروني من التَّعْزِير بِمَعْنى التَّأْدِيب أَي: يؤدبونني على (الْإِسْلَام) ويعلمونني أَحْكَامه، وَذَلِكَ أَنهم كَانُوا وشوا بِهِ إِلَى عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، حَتَّى قَالُوا: لَا يحسن يُصَلِّي، وأصل التَّعْزِير التَّأْدِيب، وَلِهَذَا يُسمى الضَّرْب دون الْحَد التَّعْزِير. قَوْله: (خسرت إِذا) ، جَوَاب وَجَزَاء أَي: إِن كنت كَمَا قَالُوا: مُحْتَاجا إِلَى تأديبهم وتعليمهم خسرت حِينَئِذٍ

(21/51)


وضل سعيي فِيمَا تقدم.
فَإِن قلت: مَا وَجه قَول سعد: مَا لنا طَعَام إلاَّ ورق الحبلة، وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يرفع مِمَّا أَفَاء الله عَلَيْهِ من النَّضِير وفدك قوته وقوته عِيَاله لسنة؟ وَأَنه كَانَ يُعْطي الأعطية الَّتِي لَا يذكر مثلهَا عَمَّن تقدم من الْمُلُوك مَعَ كَونه بَين أَرْبَاب الْأَمْوَال الْعِظَام كَأبي بكر وَعُثْمَان وشبههما؟ وَكَذَلِكَ قَول عَائِشَة: مَا شبع آل مُحَمَّد مُنْذُ قدم الْمَدِينَة. من طَعَام الْبر ثَلَاث لَيَال حَتَّى قبض وَشبهه مِمَّا جَاءَ مثل ذَلِك؟ قلت: وَقَالَ الطَّبَرِيّ، رَحمَه الله كَانَ ذَلِك حينا بعد حِين لِأَن من كَانَ مِنْهُم ذَا مَال كَانَ مُسْتَغْرقا فِي نَوَائِب الْحُقُوق ومواساة الضيفان حَتَّى يقل كَثِيره أَو يذهب جَمِيعه، فَغير مستنكر لَهُم ضيق الْحَال الَّتِي يَحْتَاجُونَ مَعهَا إِلَى الاستسلاف وأكلهم الحبلة كَمَا قَالَ سعد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَأما قَول عَائِشَة فوجهه أَن الْبر كَانَ قَلِيلا عِنْدهم فَغير نَكِير أَن يُؤثر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهل بَلَده من الشّعير وَالتَّمْر، وَيكرهُ أَن يخص نَفسه بِمَا لَا سَبِيل للْمُسلمين إِلَيْهِ من الْغذَاء، وَهَذَا هُوَ الْأَشْبَه بأخلاقه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَأما مَا رُوِيَ من أَنه لم يشْبع من خبز الشّعير، فَإِن ذَلِك لم يكن لعوز وَلَا لضيق فِي غَالب أَحْوَاله. لِأَن الله تَعَالَى أَفَاء عَلَيْهِ قبل وَفَاته بِلَاد الْعَرَب كلهَا وَنقل إِلَيْهِ الْخراج من أَكثر بِلَاد الْعَجم، وَلَكِن بعضه لَا يثار نَوَائِب الْحق، وَبَعضه كَرَاهِيَة مِنْهُ للشبع وَكَثْرَة الْأكل. فَإِن قلت: كَيفَ جَازَ لسعد أَن يمدح نَفسه، وَمن شَأْن الْمُؤمن التَّوَاضُع؟ قلت: إِذا اضْطر الْمَرْء إِلَى التَّعْرِيف بِنَفسِهِ حسن، قَالَ الله عز وَجل حاكيا عَن يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام {إِنِّي حفيظ عليم} (يُوسُف: 55) .

5413 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدَّثنا يَعْقُوبُ عَنْ أبِي حَازِمٍ قَالَ: سَألْتُ سَهْلَ بنَ سَعْدٍ فَقُلْتُ: هَلْ أكَلَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، النَّقِيَّ؟ فَقَالَ سَهْلٌ: مَا رَأى رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّقِيَّ مِنْ حِينَ ابْتَعَثَهُ الله حَتَّى قَبَضَهُ الله. قَالَ: فَقُلْتُ: هَلْ كَانَتْ لَكُمْ فِي عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَنَاخِلُ؟ قَالَ: مَا رَأى رَسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُنْخُلاً مِنْ حِينَ ابْتَعَثَهُ الله حَتَّى قَبَضَهُ الله. قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ الشَّعِير غَيْرَ مَنْخُولٍ؟ قَالَ: كُنَّا نَطْحَنُهُ وَنَنْفُخُهُ فَيَطِيرُ مَا طَارَ وَمَا بَقِيَ ثَرَّيْناهُ فَأكَلْناهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. لِأَن فِيهِ بَيَان مَا كَانَ يَأْكُلُونَهُ. وَيَعْقُوب هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن الْقَارِي، من القارة، حَلِيف بني زهرَة وَأَبُو حَازِم، وَهُوَ سَلمَة بن دِينَار رَاوِي رِوَايَة سهل، كَمَا أَن سُلَيْمَان رَاوِي رِوَايَة أبي هُرَيْرَة.
والْحَدِيث مضى عَن قريب.
قَوْله: (مناخل) ، جمع منخل. قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ الغربال. قلت: المنخل غير الغربال. لِأَن الغربال يغربل بِهِ الْقَمْح وَالشعِير وَنَحْوهمَا، والمنخل مَا ينخل بِهِ الدَّقِيق، وَهُوَ أحد مَا جَاءَ من الأدوات على مفعل بِضَم الْمِيم. قَوْله: (ثريناه) ، بتَشْديد الرَّاء من ثريت السويق إِذا بللته بِالْمَاءِ، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى عجنه وخبزه، كَذَا قَالَه بَعضهم، وَهُوَ خلاف مَا قَالَه أهل اللُّغَة، وَلَيْسَ المُرَاد هُنَا العجن وَلَا الْخبز، وَإِنَّمَا المُرَاد أَنهم كَانُوا إِذا طحنوا الشّعير يَأْخُذُونَ دقيقه وينفخونه فيطير مِنْهُ القشور وَمَا بَقِي يرشون عَلَيْهِ المَاء ثمَّ يَأْكُلُونَهُ، وَكَذَا قَالَ ابْن الْأَثِير فِي قَوْله: (فَأتى بالسويق فَأمر بِهِ فثرى) أَي: بل بِالْمَاءِ من ثرى التُّرَاب يثريه تثرية إِذا رش عَلَيْهِ المَاء. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: ثريت السويق بللته، وثريت الْموضع تثرية إِذا رششته، وَقَالَ أَيْضا: الثرى التُّرَاب الندي.

5414 - حدَّثنا إسْحَاقُ بنُ إبْرَاهِيمَ أخبرَنا رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ حدَّثنا ابنُ أبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ المَغِيرِيِّ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ الله عَنْهُ، أنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ بَيْنَ أيْدِيهِمْ شَاةٌ مَصْلِيَةٌ. فَدَعَوْهُ فَأبَى أنْ يَأْكُلَ. قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنَ الدُّنْيَا وَلَمْ يَشْبَعْ مِنَ الخُبْزِ الشَّعِيرِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن أَبَا هُرَيْرَة استحضر حِينَئِذٍ مَا كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه فِي ضيق من الْعَيْش، فَلذَلِك ترك من الْأكل من تِلْكَ الشَّاة الَّتِي كَانَت بَين يَدي الْقَوْم، وَالْحَال أَنهم دَعوه، وَلَيْسَ هَذَا بترك الْإِجَابَة لِأَنَّهُ فِي طَعَام الْوَلِيمَة لَا فِي كل طَعَام.
وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم هُوَ ابْن رَاهَوَيْه، وَابْن أبي ذِئْب وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ذِئْب بِلَفْظ الْحَيَوَان الْمَشْهُور، وَسَعِيد هُوَ ابْن أبي سعيد وَاسم أَبِيه أبي سعيد كيسَان الْمدنِي مولى بني لَيْث، وَإِنَّمَا سمى بالمقبري لِأَنَّهُ كَانَ يسكن بِالْقربِ من

(21/52)


الْمقْبرَة. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (مصلية) ، أَي: مشوية. قَالَ بَعضهم: من الصَّلَاة بِالْكَسْرِ وَالْمدّ وَهُوَ الشي، قلت: الصَّلَاة الشواء وَلَيْسَ بالشي، يُقَال: صليت اللَّحْم أصليه صليا: شويته، وصليته بِالتَّشْدِيدِ وأصليته: أَلقيته فِي النَّار.

5415 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ أبِي الأسْوَدِ حدَّثنا مُعاذٌ حدَّثني أبِي عَنْ يُونُسَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أنَسٍ بنِ مَالِكٍ. قَالَ: مَا أكَلَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَلَى خِوانٍ وَلا فِي سكُرُّجَةٍ وَلا خُبِزَ لَهُ مُرَقّقٌ.
قُلْتُ لِقَتَادَةَ: عَلَى مَا يَأْكُلُونَ؟ قَالَ: عَلى السُّفَرِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الله بن أبي الْأسود هُوَ عبد الله بن مُحَمَّد بن أبي الْأسود، وَاسم أبي الْأسود حميد بن الْأسود أَبُو بكر بن أُخْت عبد الرَّحْمَن بن مهْدي الْبَصْرِيّ الْحَافِظ. مَاتَ سنة ثَلَاث وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ ومعاذ بِضَم الْمِيم ابْن هِشَام الدستوَائي يروي عَن أَبِيه هِشَام، وَيُونُس هُوَ ابْن أبي الْفُرَات الْقرشِي مَوْلَاهُم الْبَصْرِيّ الإسكاف. كَانَ سمع قَتَادَة، روى عَنهُ هِشَام الدستوَائي فِي الْأَطْعِمَة فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَهُوَ من أَفْرَاده.
والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْأَطْعِمَة عَن مُحَمَّد بن بشار، وَقَالَ: غَرِيب، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الرَّقَائِق عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، وَفِي الْوَلِيمَة عَن عَمْرو بن عَليّ وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْأَطْعِمَة عَن مُحَمَّد بن الْمثنى والْحَدِيث مضى فِي: بَاب الْخبز المرقق فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَليّ بن عبد الله عَن معَاذ إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

5416 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ حدَّثنا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنِ الأسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ الله عَنْها، قَالَتْ: مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُنْذُ قَدِمَ المَدِينَةَ مِنْ طَعامِ البُرِّ ثَلاثَ لَيَالٍ تِباعا حَتَّى قُبِضَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَجَرِير هُوَ ابْن عبد الحميد، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ، وَالْأسود هُوَ ابْن يزِيد النَّخعِيّ، خَال إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ.
والْحَدِيث أخرجه أَيْضا فِي الرقَاق عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة وَأخرجه مُسلم فِي أَوَاخِر الْكتاب عَن زُهَيْر بن حَرْب وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْوَلِيمَة عَن مُحَمَّد بن قدامَة. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْأَطْعِمَة عَن مُحَمَّد بن يحيى الذهلي.
قَوْله: (من طَعَام الْبر) ، من إِضَافَة الْعَام إِلَى الْخَاص أَو من بَاب الْإِضَافَة البيانية نَحْو: شجر الْأَرَاك إِن أُرِيد بِالطَّعَامِ الْبر خَاصَّة. قَوْله: (تباعا) ، بِكَسْر التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة من تابعته على كَذَا مُتَابعَة وتباعا، والتباع الْوَلَاء الْمَعْنى ثَلَاث لَيَال متتابعة مُتَوَالِيَة. قَوْله: (حَتَّى قبض) ، أَي: إِلَى أَن قبض، وعَلى إِيثَار الْجُوع وَقلة الشِّبَع مَعَ وجود السَّبِيل إِلَيْهِ مرّة وَعَدَمه أُخْرَى مضى الأخيار من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ. وروى أَسد بن مُوسَى من حَدِيث عون بن أبي جُحَيْفَة عَن أَبِيه قَالَ: أكلت ثريدة من لحم سمين فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَنا أتجشؤ. فَقَالَ: أكفف عَلَيْك من جشائك أَبَا جُحَيْفَة. فَإِن أَكثر النَّاس شبعا فِي الدُّنْيَا أطولهم جوعا يَوْم الْقِيَامَة فَمَا أكل أَبُو جُحَيْفَة بملء بَطْنه حَتَّى فَارق الدُّنْيَا. كَانَ إِذا تغدى لَا يتعشى، وَإِذا تعشى لَا يتغدى، وَرُوِيَ عَن وهب بن كيسَان عَن جَابر قَالَ: لَقِيَنِي عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَمَعِي لحم اشْتَرَيْته بدرهم، فَقَالَ عمر: مَا هَذَا؟ فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ اشْتَرَيْته للصبيان وَالنِّسَاء. فَقَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لَا يَشْتَهِي أحدكُم شَيْئا إلاَّ وَقع فِيهِ أَو لَا يطوي أحدكُم بَطْنه لجاره وَابْن عَمه أَيْن تذْهب عَنْكُم هَذِه الْآيَة. {أَذهَبْتُم طَيِّبَاتكُمْ فِي حَيَاتكُم الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بهَا} (الْأَحْقَاف: 2) وَقَالَ هشيم: عَن مَنْصُور عَن ابْن سِيرِين أَن رجلا قَالَ لِابْنِ عمر: اجْعَل جوارشنا. قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: شَيْء إِذا لضك الطَّعَام فَأَصَبْت مِنْهُ سهل عَلَيْك، قَالَ ابْن عمر: مَا شبعت مُنْذُ أَرْبَعَة أشهر، وَمَا ذَاك أَن لَا أكون لَهُ واجدا. وَلَكِن عهِدت قوما يشبعون مرّة ويجوعون مرّة. قَوْله: (إِذا لضك الطَّعَام) ، أَي: إِذا امْتَلَأت وأثقلك.

24 - (بَابُ: {التَّلْبِينَةِ} )

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التلبينة بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون اللَّام وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْبَاء آخر الْحُرُوف وبالنون، وَهِي طَعَام يتَّخذ من دَقِيق أَو نخالة وَرُبمَا يَجْعَل فِيهِ عسل، سميت بذلك لشبهها بِاللَّبنِ فِي بياضها والرقة، والنافع مِنْهَا مَا كَانَ رَقِيقا نضيجا لَا غليظا نيا وَيُقَال: التلبينة حساء من دَقِيق أَو نخالة، وَيُقَال التلبين أَيْضا لِأَنَّهُ يشبه اللَّبن فِي بياضه

(21/53)


فَإِن كَانَت ثخينة فَهِيَ الخزيرة. وَقد يَجْعَل فِيهَا الْعَسَل وَاللَّبن. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: التلبين والتلبينة حساء يعْمل من دَقِيق، وَهِي تَسْمِيَة بالمرة من التلبين مصدر لبن الْقَوْم إِذا اسقاهم اللَّبن، وَقَالَ: الحساء بِالْفَتْح وَالْمدّ طبيخ يتَّخذ من دَقِيق وَمَاء ودهن، وَقد يحلى وَيكون رَقِيقا يحسى من الحسوة. وَهِي الجرعة. وَفِي حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، بالمشنئة النافعة التلبين، وَفِي أُخْرَى بالبغيض النافع التلبينة. قلت: المشنئة بِمَعْنى البغيضة إِنَّمَا قَالَت: البغيضة لِأَن الْمَرِيض يبغضها كَمَا يبغض الْأَدْوِيَة. وَذكره ابْن قرقول فِي بَاب الْبَاء الْمُوَحدَة مَعَ الْغَيْن، قَالَ: وَعند الْمروزِي التغبض بالنُّون، قَالَ: وَلَا معنى لَهُ.

5417 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ حدَّثنا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابنِ شِهاب عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أنَّها كَانَتْ إذَا مَاتَ المَيِّتُ مِنْ أهْلِها فَاجْتَمَعَ لِذَلِكَ النِّسَاءِ ثُمَّ تَفَرَّقْنَ إلاَّ أهْلَها وَخَاصَّتَها أمَرَتْ بِبُرْمَة مِنْ تَلْبِينَةٍ فَطُبِخَتْ ثُمَّ صُنِعَ ثَرِيدٌ فَصُبَتِ التَّلْبِينَةُ عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَتْ: كُلْنَ مِنْها فَإنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: التَّلْبِينَةُ مَجَمَّةٌ لِفُؤَادِ المَرِيضِ، تَذْهَبُ بِبَعْضِ الحُزْنِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَرِجَال إِسْنَاده على هَذَا الْوَجْه مرت غير مرّة.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الطِّبّ عَن حبَان بن مُوسَى، وَأخرجه مُسلم فِي الطِّبّ أَيْضا عَن عبد الْملك بن شُعَيْب بن اللَّيْث وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن حُسَيْن بن مُحَمَّد الْجريرِي. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْوَلِيمَة عَن مُحَمَّد بن حَاتِم، وَفِي الطِّبّ عَن نصير بن الْفرج.
قَوْله: (مجمة) ، بِفَتْح الْمِيم وَالْجِيم وَفتح الْمِيم الْأُخْرَى الشَّدِيدَة أَي: مَكَان الاسْتِرَاحَة أَي: استراحة قلب الْمَرِيض، ويروى: مجمة، بِضَم الْمِيم وَكسر الْجِيم أَي: مريحة يُقَال: جم الْفرس إِذا ذهب إعياؤه، والجمام الرَّاحَة، وَقَالَ ابْن فَارس: الجمام الرَّاحَة وَضَبطه بِضَم الْمِيم على أَنه اسْم فَاعل من أجم، وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو الْحسن الَّذِي أعرف بِفَتْح الْمِيم فَهِيَ على هَذَا مفعلة من جم يجم، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: يرْوى بِفَتْح الْمِيم وَالْجِيم وبضم الْمِيم وَكسر الْجِيم، فعلى الأول يكون مصدرا. وعَلى الثَّانِي يكون اسْم فَاعل، وَقَالَ عبد اللَّطِيف: الْفُؤَاد هُنَا رَأس الْمعدة، وفؤاد الحزين يضعف باستيلاء اليبس على أَعْضَائِهِ وعَلى معدته خَاصَّة لتقليل الْغذَاء، وَهَذَا الْغذَاء يرطبها ويقويها وَيفْعل مثل ذَلِك بفؤاد الْمَرِيض.

25 - (بَابُ: {الثَّرِيدِ} )

أَي: هَذَا بَاب فِيهِ ذكر الثَّرِيد وفضله على سَائِر الْأَطْعِمَة، وَهُوَ بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَكسر الرَّاء وَهُوَ أَن يثرد الْخبز بمرق اللَّحْم، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الثَّرِيد غَالِبا لَا يكون إلاَّ من لحم، وَالْعرب قل مَا تَجِد طبيخا وَلَا سِيمَا بِلَحْم.

5418 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا غُنْدَرٌ حدَّثنا شُعْبَةُ عَنْ عَمْروٍ بنُ مُرَّةَ الجَمَلِيِّ عَنْ مُرَّةَ الهَمْدَانِيِّ عَنْ أبِي مُوسَى الأشْعَرِيِّ عَنِ النبيِّ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إلاَّ مَرْيَمَ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وغندر لقب مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَعَمْرو بن مرّة، بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء الجملى بِفَتْح الْجِيم نِسْبَة إِلَى جمل بطن من مُرَاد وَمرَّة الْهَمدَانِي بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء ابْن شرَاحِيل الْهَمدَانِي الْكُوفِي، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، اسْمه عبد الله بن قيس.
والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام فِي: بَاب قَوْله تَعَالَى: {إِذْ قَالَت الْمَلَائِكَة يَا مَرْيَم} (آل عمرَان: 42، 45) فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن آدم عَن شُعْبَة عَن عَمْرو بن مرّة إِلَى آخِره، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (كفضل الثَّرِيد) ، قيل وَلم يرد عين الثَّرِيد، وَإِنَّمَا أَرَادَ الطَّعَام الْمُتَّخذ من اللَّحْم والثريد مَعًا وَفِي (التَّوْضِيح) وَمُقْتَضَاهُ فضل عَائِشَة على فَاطِمَة، وَالَّذِي أرَاهُ أَن فَاطِمَة أفضل لِأَنَّهَا بضعَة مِنْهُ، وَلَا يعدل ببضعته.

(21/54)


5419 - حدَّثنا عَمْرُو بنُ عَوْنٍ حدَّثنا خَالِدُ بنُ عَبْدِ الله عَنْ أبِي طُوَالَةَ عَنْ أنَسٍ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلى سَائِرِ الطَّعَامِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعَمْرو بن عون الوَاسِطِيّ، وخَالِد بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الطَّحَّان الوَاسِطِيّ وَأَبُو طوالة بِضَم الطَّاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْوَاو عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن حزم الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث مر فِي فضل عَائِشَة، عَن عبد الْعَزِيز ابْن عبد الله الأويسي، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ.

5420 - حدَّثنا عَبْدِ الله بنُ مُنِيرٍ سَمِعَ أبَا حَاتِمٍ الأشْهِلَ بنَ حَاتِمٍ حدَّثنا ابنُ عَوْنٍ عَنْ ثُمَامَةَ بنِ أنَسٍ عَنْ أنَسٍ، رَضِيَ الله عَنْهُ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ النبيِّ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَلَى غُلامٍ لَهُ خَيَّاطِ، فَقَدَّمَ إلَيْهِ قَصْعَةَ فِيهَا ثَرِيدٌ، قَالَ: وَأقْبَلَ عَلَى عَمَلِهِ، قَالَ: فَجَعَلَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ، قَالَ: فَجَعَلْتُ أتَتبَّعُهُ فَأضَعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ. قَالَ: فَمَا زِلْتُ بَعْدُ أُحِبُّ الدّبَّاءِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فِيهَا ثريد) وَعبد الله بن مُنِير، بِضَم الْمِيم وَكسر النُّون على وزن اسْم الْفَاعِل من الإنارة الْمروزِي، وَأَبُو حَاتِم اسْمه الْأَشْهَل بن حَاتِم الْبَصْرِيّ، وَابْن عون هُوَ عبد الله بن عون الْبَصْرِيّ، وثمامة بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَتَخْفِيف الْمِيم ابْن عبد الله بن أنس بن مَالك، يروي عَن جده.
وَفرق البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث فَرَوَاهُ عَن أشهل بن حَاتِم عَن ابْن عون، وَعَن النَّضر بن شُمَيْل عَن ابْن عَوْف، وَعَن عَمْرو بن سعد عَن ابْن عون وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْوَلِيمَة عَن الْحُسَيْن بن عِيسَى البسطامي.
قَوْله: (على غُلَام لَهُ) لم يدر اسْمه والدبا بِالْمدِّ وَالْقصر. قَوْله: (بعد) ، مَبْنِيّ على الضَّم أَي: بعد أَن رَأَيْت النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يتتبع الدُّبَّاء مَا زلت أحب الدُّبَّاء.

26 - (بَابُ: {شَاةٍ مَسْمُوطَةٍ وَالكَتِفِ وَالجَنْبِ} )

أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر شَاة مسموطة، وَفِي الْكَتف وَكِلَاهُمَا مذكوران فِي حَدِيثي الْبَاب، وَأما الْجنب فَلَا ذكر لَهُ، وَقَالَ بَعضهم: وَأما الْجنب فَأَشَارَ بِهِ إِلَى حَدِيث أم سَلمَة أَنَّهَا قربت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جنبا مشوبا فَأكل مِنْهُ ثمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاة أخرجه التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ. قلت: من أَيْن يعلم أَنه أَشَارَ بِهِ إِلَى حَدِيث أم سَلمَة؟ مَعَ أَن الْإِشَارَة لَا تكون إلاَّ للحاضر، وَالْأَوْجه أَن يُقَال: ذكر الْجنب اسْتِطْرَادًا وألحاقا للْجنب بالكتف، وَالشَّاة المسموطة هِيَ الَّتِي أزيل شعرهَا وشويت.

5421 - حدَّثنا هُدْيَةُ بنُ خَالِدٍ حدَّثنا هَمَّامُ بنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كُنَّا نَأْتِي أنَسَ بنَ مَالِكٍ، رَضِيَ الله عَنهُ وَخَبَّازَهُ قَائِمٌ، قَالَ: كُلُوا فَما أعْلَمُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رَأى رَغِيفا مُرَفَّقا حَتَّى لَحِقَ بِاللَّه، وَلا رَأى شَاةً سَمِيطا بِعَيْنِهِ قَطُّ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَلَا رأى شَاة سميطا) . والْحَدِيث قد مر عَن قريب فِي: بَاب الْخبز المرقق.
قَوْله: (فَمَا أعلم) ، نفي الْعلم وَأَرَادَ نفي الْمَعْلُوم، أَعنِي: الرُّؤْيَة ثمَّ أَرَادَ مِنْهُ نفي أكل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ الْكرْمَانِي: قَالَ (شَارِح التراجم) مَقْصُوده جَوَاز أكل المسموط، وَلَا يلْزم من كَونه لم ير شَاة مسموطة أَنه لم ير عضوا مسموطا فَإِن الأكارع لَا تُؤْكَل إلاَّ كَذَلِك وَقد أكلهَا. قَوْله: (وَلَا رأى شَاة سميطا) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: مسموطة.

5422 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ مُقَاتِلٍ أخْبَرَنا عَبْدُ الله أخْبَرَنا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ جَعْفَرِ ابنِ عَمْروٍ بنِ أُمَيَّةَ الضِّمْرِيِّ عَنْ أبِيهِ، قَالَ: رَأيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَحْتَزَّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ فأكَلَ مِنْها فَدُعِيَ إلَى الصَّلاةِ فَقَامَ فَطَرَحَ السِّكِينَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَأُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (من كتف شَاة) وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَمعمر هُوَ ابْن رَاشد.
والْحَدِيث قد مر عَن قريب

(21/55)


فِي: بَاب قطع اللَّحْم بالسكين.

27 - (بَابُ: {مَا كَانَ السَّلَفُ يَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِهِمْ وَأسْفَارِهِمْ مِنَ الطعامِ وَاللَّحْمِ وَغَيْرِهِ} )

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا كَانَ السّلف من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ يدخرون فِي بُيُوتهم ليتقوتون فِي الْمُسْتَقْبل فِي الْحَضَر، ويدخرون أَيْضا بالتزود فِي أسفارهم لكفاية مُدَّة من الْأَيَّام. قَوْله: (من الطَّعَام) ، يتَعَلَّق بقوله: (يدخرون) وَكلمَة: من، بَيَانِيَّة أَي: من أَنْوَاع الطَّعَام من أَي طَعَام كَانَ وَمن اللَّحْم بأنواعه وَغير ذَلِك مِمَّا يدخرون ويحفظ من الأقوات، وَأَرَادَ البُخَارِيّ بِهَذَا الرَّد على الصُّوفِيَّة وَمن يذهب إِلَى مَذْهَبهم فِي قَوْلهم: إِنَّه لَا يجوز إدخار طَعَام لغد، وَأَن الْمُؤمن الْكَامِل الْإِيمَان لَا يسْتَحق اسْم الْولَايَة حَتَّى يتَصَدَّق بِمَا يفضل عَن شبعه وَلَا يتْرك طَعَاما لغد وَلَا يصبح عِنْده شَيْء من عين وَلَا عرض ويمسي كَذَلِك، وَمن خَالف ذَلِك فقد أَسَاءَ الظَّن بربه وَلم يتوكل عَلَيْهِ حق توكله، وَقد جَاءَ فِي الْأَخْبَار الثَّابِتَة بإدخار الصَّحَابَة وتزود الشَّارِع وَأَصْحَابه فِي أسفارهم، وَقد ثَبت أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ ينْفق على أَهله نَفَقَة سنتهمْ مِمَّا أَفَاء الله عَلَيْهِ من بني النَّضِير، على مَا سلف، فِي كتاب الْخمس، وَفِيه مقنع وَحجَّة كَافِيَة فِي الرَّد عَلَيْهِم.
وَقَالَتْ عَائِشَةُ وَأسْماءُ صَنَعْنَا لِلنبيِّ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأبِي بَكْرٍ سُفْرَةً.
مطابقته هَذَا التَّعْلِيق للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن صنع عَائِشَة وَأَسْمَاء السفرة كَانَت حِين سَافر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر مَعَه إِلَى الْمَدِينَة مُهَاجِرين، وَقد مر فِي: بَاب هِجْرَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه إِلَى الْمَدِينَة، فِي حَدِيث طَوِيل، قَالَت عَائِشَة: فجهزناهما أحب الجهاز ووضعنا لَهما سفرة فِي جراب الحَدِيث، وَهَذَا من أقوى الْحجَج لجَوَاز التزود للمسافرين، وَأَسْمَاء بنت أبي بكر وَأُخْت عَائِشَة من الْأَب لِأَن أم عَائِشَة أم رُومَان بنت عَامر، وَأم أَسمَاء أم الْعُزَّى قيلة، وَهِي شَقِيقَة عبد الله بن أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

5423 - حدَّثنا خَلادُ بنُ يَحْيَى حدَّثنا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ عَابِسٍ عَنْ أبِيهِ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: أنَهَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أنْ يُؤْكَلَ مِنْ لُحُومِ الأضَاحِي فَوْقَ ثَلاثٍ؟ قَالَتْ: مَا فَعَلَهُ إلاَّ فِي عامِ جاعَ النَّاسُ فِيهِ، فأرَادَ أنْ يُطْعِمَ الغَنِيُّ الفَقِيرَ وَإنْ كُنَّا لَنَرْفَعُ الكُرَاعَ فَنَأْكُلُهُ بَعْدَ خَمْسَ عَشْرَةَ، قِيلَ: مَا اضْطَرَّكُمْ إلَيْهِ؟ فَضَحِكَتْ. قَالَتْ: مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ خُبْزِ بُرٍّ مَأْدُومِ ثَلاثَةَ أيَّامٍ حَتَّى لَحِقَ بِالله.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (وَإِن كُنَّا لنرفع الكراع فنأكله بعد خمس عشرَة) وَقَالَ بَعضهم: لَيْسَ فِي شَيْء من أَحَادِيث الْبَاب للطعام ذكر، وَإِنَّمَا يُؤْخَذ مِنْهَا بطرِيق الْإِلْحَاق. قلت: هَذَا تصرف عَجِيب أَلَيْسَ قَوْله: (لنرفع الكراع) يُطلق عَلَيْهِ الطَّعَام، وَلَيْسَ المُرَاد من قَوْله فِي التَّرْجَمَة: من الطَّعَام وجود لفظ الطَّعَام صَرِيحًا، وَإِنَّمَا المُرَاد كل شَيْء يطعم يُؤْكَل يُطلق عَلَيْهِ الطَّعَام.
وخلاد بن يحيى بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد اللَّام أَبُو مُحَمَّد السّلمِيّ الْكُوفِي، سكن مَكَّة وَمَات بهَا سنة ثَلَاث عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ من أَفْرَاده، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَعبد الرَّحْمَن بن عَابس يروي عَن أَبِيه عَابس بِالْعينِ الْمُهْملَة وبالباء الْمُوَحدَة الْمَكْسُورَة وَالسِّين الْمُهْملَة ابْن ربيعَة النَّخعِيّ الْكُوفِي التَّابِعِيّ الْكَبِير.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور عَن مُحَمَّد بن يُوسُف، وَأخرجه مُسلم فِي أَوَاخِر الْكتاب عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْأَضَاحِي عَن قُتَيْبَة وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم، وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَفِي الْأَطْعِمَة عَن مُحَمَّد بن يحيى الذهلي.
قَوْله: (أنهى) ، اسْتِفْهَام على سَبِيل الاستخبار. قَوْله: (فَوق ثَلَاث) ، أَي: ثَلَاثَة أَيَّام. قَوْله: (قَالَت: مَا فعله إِلَّا فِي عَام جَاع النَّاس فِيهِ) ، أَرَادَت عَائِشَة بذلك أَن النَّهْي عَن إدخار لُحُوم الْأَضَاحِي بعد الثَّلَاث نسخ، وَأَن سَبَب النَّهْي كَانَ خَاصّا بذلك الْعَام لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذكرتها. قَوْله: (الْغَنِيّ) ، مَرْفُوع لِأَنَّهُ فَاعل (يطعم) من الْإِطْعَام (وَالْفَقِير) مَنْصُوب على أَنه مَفْعُوله. قَوْله: (وَإِن كُنَّا) ، كلمة إِن

(21/56)


مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة، والكراع فِي الْغنم مستدق السَّاق. قَوْله: (بعد خمس عشرَة) ، أَي: لَيْلَة. قَوْله: (مَا اضطركم إِلَيْهِ) ، أَي: مَا ألجأكم إِلَى تَأْخِير هَذِه الْمدَّة. قَوْله: (فَضَحكت) ، أَي: عَائِشَة، وضحكها كَانَ للتعجب من سُؤال عَابس عَن ذَلِك مَعَ علمه أَنهم كَانُوا فِي التقليل وضيق الْعَيْش، وبينت عَائِشَة ذَلِك بقولِهَا: (مَا شبع آل مُحَمَّد) قَوْله: (مأدوم) ، أَي: مَأْكُول بالأدام. قَوْله: (ثَلَاثَة أَيَّام) ، أَي: مُتَوَالِيَات.
(وَقَالَ ابنُ كَثِيرٍ: أخْبَرَنَا سُفْيَانُ حدَّثَنَا عَبْدِ الرَّحْمانِ بنُ عَابِسٍ بِهاذا) .
أَي: قَالَ مُحَمَّد بن كثير، وَهُوَ من مَشَايِخ البُخَارِيّ، أخبرنَا سُفْيَان الثَّوْريّ حدثناعبد الرَّحْمَن بن عَابس بِهَذَا أَي: بِهَذَا الحَدِيث الْمَذْكُور، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) عَن معَاذ بن الْمثنى عَن مُحَمَّد بن كثير فَذكره، وغرض البُخَارِيّ من هَذَا التَّعْلِيق بَيَان تَصْرِيح سُفْيَان بِإِخْبَار عبد الرَّحْمَن بن عَابس لَهُ بِهِ فَافْهَم.

5424 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثنا سُفْيَانُ عَنْ عَمْروٍ عَنْ عَطَاء عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا نَتَزَوَّدُ لُحُومَ الهَدْي عَلى عَهْدِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إلَى المَدِينَةِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وأسفارهم) وَعبد الله بن مُحَمَّد هُوَ المسندي، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار، وَعَطَاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح، وَجَابِر هُوَ ابْن عبد الله الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد، وَسَيَأْتِي أَيْضا فِي الْأَضَاحِي عَن عَليّ بن عبد الله.
وَالْهَدْي مَا يهدى إِلَى الْحرم من النعم، وَهَذَا يدل على جَوَاز التزّود للمسافرين فِي أسفارهم وَفِي التزّود معنى الإدخار.
(تَابَعَهُ مُحَمَّدٌ وَعَنِ ابنِ عيننةَ)
أَي: تَابَع عَبد الله بن مُحَمَّد المسندي مُحَمَّد بن سَلام عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة. قَالَ: بَعضهم: قيل: إِن مُحَمَّدًا هَذَا هُوَ ابْن سَلام. قلت: الْقَائِل بِهَذَا هُوَ الْكرْمَانِي وَلم يقل هُوَ وَحده، وَكَذَا قَالَه أَبُو نعيم، ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيق الْحميدِي: حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة.
(وَقَالَ ابنُ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطَاء: أقَالَ: حَتَّى جِئْنَا المَدِينَةِ؟ قَالَ: لَا)
أَي: قَالَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج. قلت لعطاء بن أبي رَبَاح: أقَال؟ أَي: هَل قَالَ جَابر فِي قَوْله: كُنَّا نتزود لحرم الْهَدْي حَتَّى جِئْنَا إِلَى الْمَدِينَة؟ قَالَ عَطاء: لَا أَي: لم يقل ذَلِك جَابر، وَقد وَقع فِي رِوَايَة مُسلم قلت لعطاء: أقَال جَابر حَتَّى جِئْنَا الْمَدِينَة؟ قَالَ: نعم، وَقد نبه الْحميدِي فِي جمعه على اخْتِلَاف البُخَارِيّ وَمُسلم فِي هَذِه اللَّفْظَة وَلم يذكر أَيهمَا أرجح، وَالظَّاهِر أَن يرجح مَا قَالَه البُخَارِيّ لِأَن أَحْمد أخرجه فِي (مُسْنده) عَن يحيى بن سعيد كَذَلِك وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا عَن عَمْرو بن عَليّ عَن يحيى بن سعيد كَذَلِك، وَقَالَ بَعضهم: لَيْسَ المُرَاد بقوله: لَا، نفي الحكم بل مُرَاده أَن جَابِرا لم يُصَرح باستمرار ذَلِك حَتَّى قدمُوا فَيكون على هَذَا معنى قَوْله فِي رِوَايَة عَمْرو بن دِينَار عَن عَطاء: كُنَّا نتزود لُحُوم الْهَدْي إِلَى الْمَدِينَة أَي: لتوجهنا إِلَى الْمَدِينَة، وَلَا يلْزم من ذَلِك بَقَاؤُهَا مَعَهم حَتَّى يصلوا الْمَدِينَة. قلت: هَذَا كَلَام واهٍ لِأَنَّهُ قَالَ: إِلَى الْمَدِينَة، بِكَلِمَة إِلَى الَّتِي أصل وَضعهَا للغاية، وَهنا للغاية المكانية كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {من الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى} (الْإِسْرَاء: 1) وَفِيمَا قَالَه جعل: إِلَى، للتَّعْلِيل وَلم يقل بِهِ أحد، وَيُقَوِّي وهاء كَلَام هَذَا الْقَائِل مَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث ثَوْبَان قَالَ: ذبح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أضْحِية. ثمَّ قَالَ لي: يَا ثَوْبَان أصلح لحم هَذِه، فَلم أزل أطْعمهُ مِنْهُ حَتَّى قدم الْمَدِينَة.

28 - (بَابُ: {الحَيْسِ} )

أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر الحيس، وَهُوَ بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالسين الْمُهْملَة، وَهُوَ مَا يتَّخذ من التَّمْر والأقط وَالسمن وَيجْعَل عوض الأقط الفتيت والدقيق.

5425 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ حدَّثَنا إسْمَاعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَمْرو بنِ أبِي عَمْروٍ مَوْلَى المُطّلِبِ بنِ عَبْدِ الله بنِ حَنْطَبٍ أنَّهُ سَمِعَ أنَسَ بنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبِي طَلْحَةَ: التَمِسْ غُلاما مِنْ غِلْمَانِكُمْ يَخْدُمُنِي، فَخَرَجَ بِي أبُو طَلْحَةَ يُرْدِفُنِي وَرَاءَهُ، فَكُنْتُ أخُدمُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كُلَّما

(21/57)


نَزَلَ فَكُنْتُ أسْمَعُهُ يُكثِرُ أنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحزَنِ وَالعَجْزِ وَالكَسَلِ وَالبُخْلِ وَالجُبْنِ وَضَلَعِ الدِّينِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ، فَلَمْ أزَلْ أخْدُمُهُ حَتَّى أقْبَلْنا مِنْ خَيْبَرَ وَأقْبَلَ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَي قَدْ حَازَها فَكُنْتُ أرَاهُ يُحَوِّي لَهَا وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ أوْ بِكَسَاءٍ ثُمَّ يُرْدِفُها وَرَاءَهُ حَتَّى إذَا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ صَنَعَ حَيْسا فِي نِطَعٍ ثُمَّ أرْسَلَنِي فَدَعَوْتُ رِجالاً فَأَكَلُوا، وَكَانَ ذَلِكَ بِنَاءَهُ بِهَا ثُمَّ أقْبَلَ حَتَّى إذَا بَدَا لَهُ أُحُدٌ قَالَ: هاذا جَبَلٌ يُحبُّنا وَنُحِبُّهُ، فَلَمَّا أشْرَفَ عَلَى المَدِينَةِ قَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ جَبَلَيْها مِثْلَ مَا حَرَّمَ بِهِ إبْرَاهِيمُ مَكَّةَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مُدِّهِمْ وَصَاعِهِمْ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (صنع حَيْسًا) والْحَدِيث مر فِي الْبيُوع فِي: بَاب هَل يُسَافر بالجارية قبل أَن يَسْتَبْرِئهَا فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الْغفار بن دَاوُد عَن يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن عَن عَمْرو بن أبي عَمْرو عَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَأخرجه أَيْضا فِي الْجِهَاد عَن قُتَيْبَة، وَفِي الْمَغَازِي عَن أَحْمد، وَفِي الدَّعْوَات عَن قُتَيْبَة أَيْضا. .
قَوْله: (لأبي طَلْحَة) ، اسْمه زيد بن سهل زوج أم أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (من الْهم والحزن) ، قيل: هما بِمَعْنى وَاحِد، وَقيل: الْهم لما تصَوره الْعقل من الْمَكْرُوه الحالي، والحزن الْمَكْرُوه وَقع فِي الْمَاضِي. قَوْله: (والكسل) وَهُوَ التثاقل عَن الْأَمر ضد الخفة والجلادة. قَوْله: (وَالْبخل) ضد الْكَرم (والجبن) ضد الشجَاعَة. قَوْله: (وضلع الدّين) بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَاللَّام فَهُوَ ثقل الدّين وشدته. وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَنْوَاع الْفَضَائِل ثَلَاثَة: نفسية وبدنية وخارجة. فالنفسانية ثَلَاثَة بِحَسب القوى الثَّلَاث الَّتِي للْإنْسَان الْعَقْلِيَّة والغضبية والشهوية فالهم والحزن مِمَّا يتَعَلَّق بالعقلية، والجبن بالغضبية، وَالْبخل بالشهوية وَالْعجز والكسل بالبدنية. وَالثَّانِي: عِنْد سَلامَة الْأَعْضَاء وَتَمام الْآلَات. وَالْأول: عِنْد نُقْصَان الْعُضْو كَمَا فِي الْأَعْمَى والأشل والضلع وَالْغَلَبَة بالخارجية. وَالْأول مَالِي، وَالثَّانِي جاهي، فَهَذَا الدُّعَاء من جَوَامِع الْكَلم لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَوْله: (بصفية) بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَكسر الْفَاء وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف بنت حييّ بن أَخطب النَّضْرِية أم الْمُؤمنِينَ من بَنَات هَارُون بن عمرَان أخي مُوسَى بن عمرَان، عَلَيْهِمَا السَّلَام، وَأمّهَا برة بنت سموأل، سباها النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام خَيْبَر فِي شهر رَمَضَان سنة سبع من الْهِجْرَة ثمَّ أعْتقهَا وَتَزَوجهَا وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا. قَالَ الْوَاقِدِيّ: مَاتَت فِي خلَافَة مُعَاوِيَة سنة خمسين، وَقَالَ غَيره: مَاتَت فِي خلَافَة عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ. قَوْله: (قد حازها) بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالزاي أَي: اخْتَارَهَا من الْغَنِيمَة، وكل من ضم إِلَى نَفسه شَيْئا فقد حازه. قَوْله: (فَكنت أرَاهُ) أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (يحوّي لَهَا) ، بِضَم الْيَاء وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الْوَاو والمشددة أَي: يَجْعَل لَهَا حوية وَهُوَ كسَاء محشو يدار حول سَنَام الرَّاحِلَة يحفظ راكبها من السُّقُوط ويستريح بالاستناد إِلَيْهِ. قَوْله: (بالصهباء) بِفَتْح الْمُهْملَة وَالْبَاء اسْم منزل بَين خَيْبَر وَالْمَدينَة. قَوْله: (فِي نطع) فِيهِ أَربع لُغَات: نطع بِفَتْح النُّون وَسُكُون الطَّاء ونطع بِفتْحَتَيْنِ، ونطع بِكَسْر النُّون وَسُكُون الطَّاء، ونطع بِكَسْر النُّون وَفتح الطَّاء، وَيجمع على نطوع وانطاع. قَوْله: (وَكَانَ ذَلِك بِنَاؤُه بهَا) أَي: دُخُوله بصفية. قَوْله: (بدا لَهُ) ، أَي: ظهر لَهُ من بعيد. قَوْله: (يحبنا) الظَّاهِر أَنه مجَازًا أَو إِضْمَار أَي: يحبنا أَهله وهم أهل الْمَدِينَة، وَيحْتَمل الْحَقِيقَة لشمُول قدرَة الله تَعَالَى. قَوْله: (مثل مَا حرم) المثلية بَين حرم الْمَدِينَة وَمَكَّة فِي الْحُرْمَة فَقَط لَا فِي الْجَزَاء وَغَيره، وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: لفظ: (بِهِ) زَائِد قلت: لَا بل مثل مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض أَي: أحرم مثل مَا حرم بِهِ. فَإِن قلت: مَا ذَاك؟ قلت: دعاؤه بِالتَّحْرِيمِ يحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ: وَأحرم مَا بَين جبليها بِهَذَا اللَّفْظ، وَهُوَ أحرم مثل مَا حرم إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام. قَوْله: (فِي مدهم) الْمَدّ رَطْل وَثلث رَطْل أَو رطلان، والصاع أَرْبَعَة أَمْدَاد، وَالْمَقْصُود بَارك لَهُم فِيمَا يقدر بِالْمدِّ والصاع وَهُوَ الطَّعَام وَالْبركَة فِي الْمَوْزُون بِهِ يسْتَلْزم الْبركَة فِي الْمَوْزُون.

29 - (بَابُ: {الأَكْلِ فِي إنَاءٍ مُفَضَّضٍ} )

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حُرْمَة الْأكل فِي إِنَّا مفضض، وَهُوَ المرصع بِالْفِضَّةِ يُقَال: لجام مفضض أَي: مرصع بِالْفِضَّةِ وَمَعْنَاهُ: إِنَاء مفضض وإناء متخذ من فضَّة وإناء مضبب بِفِضَّة وإناء مَطْلِي بِالْفِضَّةِ، أما الْإِنَاء المفضض فَيجوز الشّرْب فِيهِ عِنْد أبي

(21/58)


حنيفَة إِذا كَانَ يَتَّقِي مَوضِع الْفضة، وَهُوَ أَن يَتَّقِي مَوضِع الْفَم وَمَوْضِع الْيَد، وَكَذَلِكَ الْجُلُوس على السرير المفضض والكرسي المفضض بِهَذَا الشَّرْط وَقَالَ أَبُو يُوسُف يكره ذَلِك وَبِه قَالَ مُحَمَّد فِي رِوَايَة وَفِي رِوَايَة أُخْرَى مَعَ أبي حنيفَة وَأما الْإِنَاء الْمُتَّخذ من الْفضة فَلَا يجوز اسْتِعْمَاله أصلا لَا بِالْأَكْلِ وَلَا بالشرب وَلَا بالإدهان وَنَحْو ذَلِك للرِّجَال وَالنِّسَاء وَأما الْإِنَاء المضبب بِالْفِضَّةِ أَو الذَّهَب فعلى الْخلاف الْمَذْكُور، والمضبب هُوَ المشدد بِالْفِضَّةِ أَو الذَّهَب وَمِنْه: ضبب أَسْنَانه بِالْفِضَّةِ إِذا شدها، وَأما الْإِنَاء المطلي بِالْفِضَّةِ أَو الذَّهَب فَإِن كَانَ يخلص شَيْء مِنْهَا بالإذابة فَلَا يجوز اسْتِعْمَاله، وَإِن كَانَ لَا يخلص شَيْء فَلَا بَأْس بِهِ عِنْد أَصْحَابنَا.

5426 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا سَيْفُ بنُ أبِي سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ مُجاهِدا يَقُولُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ أبِي لَيْلَى أنَّهُمْ كَانُوا عِنْدَ حُذَيْفَةَ فَاسْتَسْقَى فَسَقَاهُ مَجوسيٌّ فَلَمَّا وَضَعَ القَدَحَ فِي يَدِهِ رَماهُ بِهِ، وَقَالَ: لَوْلا أنِّي نَهَيْتُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلا مَرَّتَيْنِ؟ كَأنَّهُ يَقُولُ: لَمْ أفْعَلْ هاذا، وَلاكِنِّي سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُولُ: لَا تَلْبَسُوا الحَرِيرَ وَلا الدِّيباجَ، وَلا تَشْرَبُوا فِي آنِيَّةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَلا تَأْكُلُوا فِي صَحَافِها، فَإنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَنَا فِي الآخِرَةِ.

قَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) مَا حَاصله: لَا مُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة. لِأَن التَّرْجَمَة فِي إِنَاء مفضض، والْحَدِيث فِي إِنَاء الْمُتَّخذ من الْفضة إلاَّ إِن كَانَ الْإِنَاء الَّذِي سقِِي فِيهِ حُذَيْفَة كَانَ مضببا وَأَن الضبة مَوضِع الشّفة عِنْد الشّرْب فَلهُ وَجه على بعد، وَقَالَ بَعضهم: أجَاب الْكرْمَانِي بِأَن لفظ: مفضض، وَإِن كَانَ ظَاهرا فِيمَا فِيهِ فضَّة لكنه يَشْمَل مَا كَانَ متخذا كُله من فضَّة. قلت: فِيهِ نظر لِأَنَّهُ إِن أَرَادَ بالشمول بِمَعْنى أَنه يُطلق على الْمَعْنيين بِحَسب اللُّغَة فَيحْتَاج إِلَى دَلِيل، وَإِن كَانَ بِحَسب الِاصْطِلَاح بالفقهاء قد فرقوا بَين المفضض والمتخذ من الْفضة، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: المفضض لَيْسَ بِإِنَاء ذهب وَلَا فضَّة وَلَيْسَ بِحرَام مَا لم يَقع النَّهْي عَنهُ، وَكَذَلِكَ المضبب، وَهُوَ وَجه لبَعض الشَّافِعِيَّة.
وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وَسيف بن أبي سُلَيْمَان، وَيُقَال ابْن سُلَيْمَان المَخْزُومِي، وَقَالَ يحيى الْقطَّان: كَانَ حَيا سنة خمسين وَمِائَة، وَكَانَ عندنَا ثِقَة مِمَّن يصدق ويحفظ، وروى لَهُ مُسلم أَيْضا، وَحُذَيْفَة هُوَ ابْن الْيَمَان الْعَبْسِي.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَشْرِبَة عَن أبي مُوسَى وَفِي اللبَاس عَن عَليّ بن الْمَدِينِيّ وَفِي الْأَشْرِبَة أَيْضا عَن حَفْص بن عمر الحوضي، وَفِي اللبَاس أَيْضا عَن سُلَيْمَان بن حَرْب، وَأخرجه مُسلم فِي الْأَطْعِمَة عَن أبي مُوسَى بِهِ وَعَن غَيرهم وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَشْرِبَة عَن حَفْص بن عمر بِهِ وَعَن غَيره وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن بنْدَار بِهِ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن يزِيد وَفِي الْوَلِيمَة عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بِهِ وَعَن غَيره. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْأَشْرِبَة عَن مُحَمَّد بن عبد الْملك وَفِي اللبَاس عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.
قَوْله: (فَسَقَاهُ مَجُوسِيّ) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم من حَدِيث عبد الله بن حَكِيم، قَالَ: كُنَّا مَعَ حُذَيْفَة بِالْمَدَائِنِ فاستسقي حُذَيْفَة فَجَاءَهُ دهقان بشراب فِي إِنَاء من فضَّة فَرَمَاهُ، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ عَن ابْن أبي ليلى يحدث أَن حُذيفة استقى فَأَتَاهُ إِنْسَان بِإِنَاء من فضَّة فَرَمَاهُ بِهِ، وَقَالَ إِنِّي كنت نهيته فَأبى أَن يَنْتَهِي الحَدِيث. قَوْله: (رَمَاه بِهِ) أَي: رمى الْقدح بِالشرابِ أَو رمى الشَّرَاب بالقدح، وَلَيْسَ بإضمار قبل الذّكر لِأَن قَوْله: (فَاسْتَسْقَى فَسَقَاهُ) يدل عَلَيْهِ ويروى رمى بِهِ. قَوْله: (غير مرّة) أَي: لَوْلَا أَنِّي نهيته مرَارًا كَثِيرَة عَن اسْتِعْمَال آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة لما رميت بِهِ وَلَا اكتفيت بالزجر اللساني، لَكِن لما تكَرر النَّهْي بِاللِّسَانِ فَلم ينزجر رميت بِهِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ. قَوْله: (كَأَنَّهُ يَقُول) أَي: كَانَ حُذَيْفَة يَقُول: لم أفعل هَذَا أَي: الشّرْب فِي آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة، ثمَّ استدرك فِي بَيَان ذَلِك بقوله وَلَكِنِّي سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى آخِره. قَوْله: (وَلَا الديباج) وَقَالَ ابْن الْأَثِير الديباج الثِّيَاب المتخذة من الإبريسم، فَارسي مُعرب، وَقد يفتح داله وَيجمع على: دبابج ودبايج، بِالْبَاء وَالْيَاء لِأَن أَصله دباج بتَشْديد الْيَاء. قَوْله: (فِي صحافها) جمع صَحْفَة وَهِي إِنَاء كالقصعة المبسوطة وَنَحْوهَا. وَالضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى الْفضة وَكَانَ الْقيَاس أَن يُقَال: صحافهما، وَهَذَا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا} (التَّوْبَة: 34)

(21/59)


فَإِذا علم حكم الْفضة يلْزم حكم الذَّهَب مِنْهُ بِالطَّرِيقِ الأولى. قَوْله: (لَهُم) أَي: للْكفَّار والسياق يدل عَلَيْهِ.
وَهَذَا الحَدِيث يدل على تَحْرِيم اسْتِعْمَال الْحَرِير والديباج وعَلى حُرْمَة الشّرْب وَالْأكل من إِنَاء الذَّهَب وَالْفِضَّة، وَذَلِكَ للنَّهْي الْمَذْكُور وَهُوَ نهي تَحْرِيم عِنْد كثير من الْمُتَقَدِّمين وَهُوَ قَول الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن النَّهْي فِيهِ كَرَاهَة تَنْزِيه فِي قَوْله الْقَدِيم حَكَاهُ أَبُو عَليّ السنجي من رِوَايَة حَرْمَلَة.

30 - (بَابٌ: {ذِكْرِ الطَعَّامِ} )

أَي: هَذَا بَاب فِيهِ ذكر الطَّعَام قيل: لَا فَائِدَة فِي مَوضِع هَذِه التَّرْجَمَة لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إلاَّ مُجَرّد ذكر الطَّعَام، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) مَا ملخص كَلَامه إِن مَعْنَاهَا إِبَاحَة أكل الطَّعَام الطّيب وَكَرَاهَة أكل المر، وَأَن الزّهْد لَيْسَ فِي خلاف ذَلِك لِأَن فِي حَدِيث الْبَاب تَشْبِيه الْمُؤمن الَّذِي يقْرَأ الْقُرْآن بالأترجة الَّتِي طعمها طيب وريحها طيب وَالَّذِي لَا يَقْرَؤُهُ بالتمرة طعمها حُلْو وَلَا ريح لَهَا، وَشبه الْمُنَافِق بالحنظلة والريحانة اللَّتَيْنِ طعمهما مر وَذَلِكَ غَايَة الذَّم للطعام المر.

5427 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ حدَّثنا أبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أنَسٍ عَنْ أبِي مُوسَى الأشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَثَلُ المُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ الأُتْرُجَّةِ رِيحُها طَيِّبٌ وَطَعْمُها طَيِّبٌ وَمَثَلُ المُؤْمِنِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ النَّمْرَةِ لَا رِيحَ لَها وَطَعْمُها حُلْوٌ وَمَثَلُ المُنافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ مَثَلُ الرَّيْحَانَةِ رِيحُها طَيِّبٌ وَطَعْمُها مُر، وَمَثَلُ المُنافِقِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ الحَنْظَلَةِ لَيْسَ لَهَا رِيحٌ وَطَعمُها مُرٌّ.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ ذكر لفظ الطّعْم بالتكرار، وَأَبُو عوَانَة الوضاح الْيَشْكُرِي، وَأَبُو مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ. وَفِيه: رِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن الصَّحَابِيّ.
والْحَدِيث قد مر فِي فَضَائِل الْقُرْآن فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن هدبة بن خَالِد عَن همام عَن قَتَادَة عَن أنس عَن أبي مُوسَى.
قَوْله: (كالأترجة) بِالْإِدْغَامِ ويروى: كالأترنجة. فَإِن قلت: ذكر هُنَاكَ: مثل الْمُؤمن الَّذِي يقْرَأ الْقُرْآن وَيعْمل بِهِ، وَلم يذكر هُنَا. قلت: الْمَقْصُود الْفرق بَين من يقْرَأ وَبَين من لَا يقْرَأ لَا. بَيَان حكم الْعَمَل، مَعَ أَن الْعَمَل لَازم لِلْمُؤمنِ الْكَامِل سَوَاء ذكر أم لَا. وَقَالَ هُنَاكَ: كالحنظلة رِيحهَا مر. وَهنا قَالَ: لَا ريح لَهَا، فَاثْبتْ الرّيح هُنَاكَ وَنفى هُنَا لِأَن الْمَنْفِيّ الرّيح الطّيبَة بِقَرِينَة الْمقَام والمثبت المر.

5428 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا خَالِدٌ عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ عَنْ أنَسٍ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: الطَّعَام، وخَالِد هُوَ ابْن عبد الله الطَّحَّان الوَاسِطِيّ من الصَّالِحين، وَعبد الله بن عبد الرَّحْمَن المكني بِأبي طوالة، والْحَدِيث مر عَن قريب فِي: بَاب الثَّرِيد.

5429 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا مَالِكٌ عَنْ سُمّي عَنْ أبِي صَالِحٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ العَذَابِ يَمْنَعُ أحَدَكُمْ: نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ، فَإذَا قَضَى نَهْمَتُهُ مِنْ وَجْهِهِ فَلَيُعَجِّلْ إلَى أهْلِهِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: {وَطَعَامه} وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وسمى، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم الْمَفْتُوحَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف مولى أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن المَخْزُومِي، وَأَبُو صَالح ذكْوَان السمان.
والْحَدِيث قد مر فِي الْحَج عَن القعني، وَفِي الْجِهَاد عَن عبد الله بن يُوسُف، وَهَذَا الحَدِيث تفرد بِهِ مَالك عَن سمي عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: مَا لأهل الْعرَاق يسْأَلُون عَن هَذَا الحَدِيث، قيل: لِأَنَّك انْفَرَدت بِهِ. قَالَ: لَو علمت أَنِّي انْفَرَدت بِهِ مَا حدثت بِهِ. قَوْله: (نهمته) ، بِفَتْح النُّون وَضمّهَا وَكسرهَا: بُلُوغ الهمة فِي الشَّيْء. قَوْله: (من وَجهه) ، أَي: من جِهَة سَفَره.

(21/60)


31 - (بَابُ: {الأُُدُمِ} )

أَي: هَذَا بَاب فِيهِ ذكر الْأدم، بِضَم الْهمزَة وَالدَّال الْمُهْملَة وَيجوز إسكانها، وَهُوَ جمع أدام، وَقيل: هُوَ بالإسكان الْمُفْرد وبالضم الْجمع.

5430 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدَّثنا إسْماعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ عَنْ رَبِيعَةَ أنَّهُ سَمِعَ القَاسِمَ بنَ مُحَمَّد يَقُولُ: كَانَ فِي بُرَيْرَةَ ثَلاثُ سُنَنٍ، أرَادَتْ عَائِشَةُ أنْ تَشْتَرِيها فَتُعْتِقَها فَقَال أهْلُها: وَلَنا الوَلاءُ فَذَكَرَتْ ذالِكَ لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: لَوْ شِئْتِ شَرَطْتِيهِ لَهُمْ فَإنَّمَا الوَلاءُ لِمَنْ أعْتَقَ. قَالَ: وَأُعْتِقَتْ فَخُيِّرَتْ فِي أنْ تَقِرَّ تَحْتَ زَوْجِها أوْ تُفَارِقَهُ، وَدَخَلَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَوْما بَيْتَ عَائِشَةَ وَعَلَى النَّارِ بُرْمَة تَفُورُ فَدَعَا بِالْغَدَاءِ فَأُتِيَ بِخُبْزٍ وَأُدْمٍ مِنْ أُدْمِ البَيْتِ، فَقَالَ: ألَمْ أرَ لَحْما؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ الله، وَلاكِنَّهُ لَحْمٌ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَريرَةَ فَأهْدَتْهُ لَنَا فَقَالَ: هُوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهَا وَهَدِيَّةٌ لَنَا.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وأدم من أَدَم الْبَيْت) وَرَبِيعَة، بِفَتْح الرَّاء هُوَ الْمَشْهُور بربيعة الرَّأْي، وَالقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق.
وَمر هَذَا الحَدِيث أَكثر من عشْرين مرّة وَهُوَ هَاهُنَا مُرْسل لِأَنَّهُ لم يسند فِيهِ إِلَى عَائِشَة وَلَكِن البُخَارِيّ اعْتمد على إِيرَاده وصُولا من طَرِيق مَالك عَن ربيعَة عَن الْقَاسِم عَن عَائِشَة كَمَا مر فِي النِّكَاح وَالطَّلَاق.
قَوْله: (وَلنَا الْوَلَاء) ، الْوَاو لَا تدخل بَين القَوْل وَالْمقول لَكِن هَذَا عطف على مُقَدّر أَي: قَالَ أَهلهَا: نبيعها وَلنَا الْوَلَاء. قَوْله: (شرطتيه) ، الْيَاء فِيهِ حَاصِلَة من إشباع الكسرة وَهُوَ جَوَاب: لَو، قيل: فِي اشْتِرَاط الْوَلَاء لَهُم صُورَة مخادعة مَعَ أَنه شَرط مُفسد، وَأجِيب بِأَن هَذَا من خَصَائِص عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أَو المُرَاد التوبيخ لِأَنَّهُ كَانَ بيَّن لَهُم حكم الْوَلَاء وَأَن هَذَا الشَّرْط لَا يحل فَلَمَّا ألحُّوا فِي اشْتِرَاطه فَقَالَ لَهَا: لَا تبالي سَوَاء شرطتيه أم لَا فَإِنَّهُ شَرط بَاطِل، وَقيل: فِي الرِّوَايَة الَّتِي جَاءَت فِيهِ اشترطي لَهُم الْوَلَاء أَن اللَّام بِمَعْنى: على، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِن أسأتم فلهَا} (الْإِسْرَاء: 7) قَوْله: (فِي أَن تقر) ، بِكَسْر الْقَاف وَفتحهَا.

32 - (بَابُ: {الحَلْوَاءِ وَالعَسَلِ} )

أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر الْحَلْوَاء وَالْعَسَل، والحلواء عِنْد الْأَصْمَعِي مَقْصُور يكْتب بِالْيَاءِ وَعند الْفراء مَمْدُود، وكل مَمْدُود يكْتب بِالْألف، وَقيل: يمد وَيقصر، وَقَالَ اللَّيْث: هُوَ مَمْدُود عِنْد أَكْثَرهم، وَهُوَ كل حُلْو يُؤْكَل وَقَالَ الْخطابِيّ: اسْم الْحَلْوَاء لَا يَقع إلاَّ على مَا دَخلته الصَّنْعَة. وَفِي (الْمُخَصّص) لِابْنِ سَيّده. هُوَ كل مَا عولج من الطَّعَام بحلاوة، وَهُوَ أَيْضا الْفَاكِهَة.

5431 - حدَّثني إسْحَاقُ بنُ إبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِيُّ عَنْ أبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشامٍ قَالَ: أخْبَرَنِي أبِي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنها، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُحِبُّ الحَلْوَاءَ وَالعَسَلَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْحَاق هَذَا هُوَ الْمَعْرُوف بِابْن رَاهَوَيْه، والحنظلي نِسْبَة إِلَى حَنْظَلَة بن مَالك بن زيد بن منات بن تَمِيم بطن عامتهم بِالْبَصْرَةِ وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا مَاتَ بنيسابور سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وَهِشَام بن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَشْرِبَة عَن عبد الله بن أبي شيبَة وَفِيه وَفِي الطِّبّ عَن عَليّ بن عبد الله، وَفِي ترك الْحِيَل عَن عبيد بن إِسْمَاعِيل الْكل عَن أبي أُسَامَة وَأخرجه مُسلم فِي الطَّلَاق عَن أبي كريب وَهَارُون بن عبد الله. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَشْرِبَة عَن الْحسن بن عَليّ الْخلال عَن أبي أُسَامَة. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْأَطْعِمَة عَن سَلمَة بن شبيب وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْوَلِيمَة عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَفِي الطِّبّ عَن عبيد الله بن سعيد وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْأَطْعِمَة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَغَيره.
قَوْله: (يحب الْحَلْوَاء) ، قَالَ ابْن بطال: الْحَلْوَى وَالْعَسَل من جملَة الطَّيِّبَات الْمَذْكُورَة فِي قَوْله تَعَالَى: {كلوا من الطَّيِّبَات} وَفِيه تَقْوِيَة لقَوْل من قَالَ: المُرَاد بِهِ المستلذ من الْمُبَاحَات، وَدخل فِي معنى هَذَا الحَدِيث كل مَا شابه الْحَلْوَى وَالْعَسَل من أَنْوَاع المآكل اللذيذة،

(21/61)


وَقَالَ الْخطابِيّ: لم يكن حبه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَهَا على معنى كَثْرَة التشهي لَهَا وَشدَّة نزاع النَّفس إِلَيْهَا، وَإِنَّمَا كَانَ يتَنَاوَل مِنْهَا إِذا حضرت إِلَيْهِ نيلاً صَالحا فَيعلم بذلك أَنَّهَا تعجبه.

5432 - حدَّثنا عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ شَيْبَةَ قَالَ: أخْبَرَنِي ابنُ أبِي الفُدَيْكِ عَنِ ابنِ أبِي ذُؤَيْبٍ عَنِ المَقْبُرِيِّ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: كُنْتُ ألْزَمُ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِشبَع بَطْنِي حِينَ لَا آكُلُ الخَمِيرَ وَلا ألْبَسُ الحَرِيرَ وَلا يَخدُّمُنِي فُلان وَلا فُلانَةُ. وَأُلْصِقُ بَطْنِي بُالحَصْبَاءِ وَأسْتَقْرِىءُ الرَّجُلَ الآيَةَ وَهِيَ مَعِي كَيْ يَنْقَلِبَ بِي فَيُطْعِمَنِي، وَخَيْرُ النَّاسِ لِلْمَسَاكِينِ جَعْفَرُ بنُ أبِي طَالِبٍ يَنْقَلِبُ بِنَا فَيُطْعِمُنا مَا كَانَ فِي بَيْتِهِ حَتَّى إنْ كَانَ لَيُخْرِجُ إلَيْنَا العُكَةَ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ فَنَشْتَقُّها فَنَلْعَقُ مَا فِيها.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (العكة) لِأَن الْغَالِب يكون الْعَسَل فِيهَا، على أَنه جَاءَ مُصَرحًا بِهِ فِي بعض طرقه.
وَعبد الرَّحْمَن بن شيبَة هُوَ عبد الرَّحْمَن بن عبد الْملك بن مُحَمَّد بن شيبَة أَبُو بكر الْقرشِي الخزامي بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي الْمدنِي وَهُوَ مَنْسُوب إِلَى جد أَبِيه، وَقد غلط بَعضهم فَقَالَ: عبد الرَّحْمَن بن أبي شيبَة وَزَاد لَفظه أبي وَمَا لعبد الرَّحْمَن هَذَا فِي البُخَارِيّ إلاَّ فِي موضِعين أَحدهمَا: هَذَا، وَابْن أبي فديك هُوَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن أبي فديك بِضَم الْفَاء مصغر فدك بِالْفَاءِ وَالدَّال الْمُهْملَة وَالْكَاف ويروى ابْن أبي الفديك بِالْألف وَاللَّام، وَابْن أبي ذِئْب مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ذِئْب بِكَسْر الذَّال بِلَفْظ الْحَيَوَان الْمَشْهُور والمقبري، هُوَ سعيد بن أبي سعيد وَقد مر عَن قريب.
والْحَدِيث قد مضى فِي مَنَاقِب جَعْفَر بن أبي طَالب، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (لشبع بَطْني) أَي: لأجل شبع بَطْني، والشبع بِكَسْر الشين وَفتح الْبَاء وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: بشبع بَطْني، أَي: بِسَبَب شبع بَطْني، ويروى ليشبع بَطْني بِصِيغَة الْمَجْهُول وَاللَّام فِيهِ للتَّعْلِيل. قَوْله: (الخمير) بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الْمِيم الخمير والخميرة الَّتِي تجْعَل فِي الْخبز، يُقَال: عِنْدِي خبز خمير أَي: خبز بائت. قَوْله: (وَلَا ألبس الْحَرِير) ، براءين كَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني وبالياء الْمُوَحدَة بدل الرَّاء الأولى فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ والقابسي وعبدوس، وَكَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْحَمَوِيّ، وَرجح عِيَاض الرِّوَايَة بِالْبَاء الْمُوَحدَة، وَقَالَ: هُوَ الثَّوْب المحبر وَهُوَ المزين الملون مَأْخُوذ من التحبير، وَهُوَ التحسين. وَقيل: الحبير ثوب وشي مخطط، وَقيل: الْجَدِيد. قَوْله: (وَلَا يخدمني فلَان وَلَا فُلَانَة) ، هما كنايتان عَن الْخَادِم والخادمة. قَوْله: (وَهِي معي) ، أَي: تِلْكَ الْآيَة محفوظي وَفِي خاطري. لَكِن استقرىء أَي: أطلب الْقِرَاءَة من الرجل حَتَّى يوديني إِلَى بَيته فيطعمني قَوْله: (فنشتفها) ضَبطه عِيَاض بالشين الْمُعْجَمَة وَالْفَاء، وَقَالَ ابْن التِّين بِالْقَافِ وَهُوَ الْأَظْهر لِأَن معنى الَّذِي بِالْفَاءِ أَن نشرب مَا فِي الْإِنَاء وَالَّذِي بِالْقَافِ أَن نشق العكة حَتَّى يلعقوها.

33 - (بَابُ: {الدُّبَّاءِ} )

أَي: هَذَا بَاب فِيهِ ذكر الدُّبَّاء، وَقد مر تَفْسِيره، وَيحْتَمل أَن يكون وضع هَذِه التَّرْجَمَة إِشَارَة إِلَى أَن الدُّبَّاء لَهَا خاصية تخْتَص بهَا فَلذَلِك كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُحِبهَا، وروى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث وَاثِلَة، قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: عَلَيْكُم بالقرع فَإِنَّهُ يزِيد فِي الدِّمَاغ، وَفِي (فَوَائِد الشَّافِعِي) رَحمَه الله من حَدِيث عَائِشَة، قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا طبخت فأكثري فِيهِ الدُّبَّاء فَإِنَّهُ يشد قلب الحزين، وَقَالَ شَيخنَا: وَفِي بعض طرق حَدِيث أنس أَنه يُرِيد فِي الْعقل وَفِي بعض طرق حَدِيث أنس فِي (مُسْند الإِمَام أَحْمد) أَن القرع كَانَ أحب الطَّعَام إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

5433 - حدَّثنا عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ حدَّثنا أزْهَرُ بنُ سَعْدٍ عَنِ ابنِ عَوْنٍ عَنْ ثُمَامَةَ بنِ أنَسٍ عَنْ أنَسٍ، أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أتَى مَوْلَى لهُ خَيَّاطا فَأُتِيَ بِدُبَّاءٍ فَجَعَلَ يَأكُلُهُ فَلَمْ أزَلْ أُحِبُّهُ مِنْذُ رَأيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَأْكُلُهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعَمْرو بن عَليّ بن بَحر أَبُو حَفْص الْبَاهِلِيّ الْبَصْرِيّ الصير فِي، وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا، وأزهر بن سعد الْبَاهِلِيّ

(21/62)


السمان الْبَصْرِيّ، وَأَبُو عون هُوَ عبد الله بن عون، وثمامة بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَتَخْفِيف الميمين ابْن عبد الله بن أنس يروي عَن جده أنس.
وَقد مر الحَدِيث فِي كتاب الْأَطْعِمَة فِي بَاب من تتبع حوالي الْقِصَّة وَمر أَيْضا فِي الْبيُوع فِي: بَاب ذكر الْخياط، وَفِيه رِوَايَات فِي رِوَايَة بَاب ذكر الْخياط أَن خياطا دَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَفِيه: قرّب خبز أَو مرقا فِيهِ دياء، وقديد، وَفِي: بَاب من تتبع حوالي الْقِصَّة: أَن خياطا دَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِيه ذكر الدياء فَقَط. وَفِي حَدِيث الْبَاب أَن مولى لَهُ خياط، وَلَا مُنَافَاة بَين هَذِه الرِّوَايَات لِأَن الثِّقَة إِذا زَاد يقبل، وَقَالَ الدَّاودِيّ: وَجه ذَلِك أَنهم كَانُوا لَا يَكْتُبُونَ فَرُبمَا أغفل الرَّاوِي عِنْد التحديث كلمة.

34 - (بَابُ: {الرَّجُلِ يَتَكَلَّفُ الطَّعامَ لإِخْوَانِهِ} )

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان: حَال الرجل الَّذِي يتَكَلَّف الطَّعَام لإخوانه، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَجه التَّكَلُّف فِي حَدِيث الْبَاب أَنه حصر الْعدَد والحاصر متكلف قلت: لِأَنَّهُ ألزم نَفسه بِعَدَد معِين، وَهَذَا تكلّف لاحْتِمَال الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان.

5434 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ حدَّثنا سُفْيَانُ عَنِ الأعْمَشِ عَنْ أبِي وَائِلٍ عَنْ أبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ. قَالَ: كَانَ مِنَ الأنْصَارِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: أبُو شُعَيْبٍ، وَكَانَ لَهُ غُلامٌ لَحَّامٌ، فَقَالَ: اصْنَعْ لِي طَعاما أدْعُو رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَامِسَ خَمْسَةٍ، فَدَعا رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَامِسَ خَمْسَةٍ، فَتَبِعَهُمْ رَجُلٌ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إنَّكَ دَعَوْتَنَا خَامِسَ خَمْسَةٍ، وَهاذا رَجُلٌ قَدْ تَبِعَنا فَإنْ شِئْتَ أذَنْتَ لَهُ وَإنْ شِئْتَ تَرَكْتَهُ، قَالَ: بَلْ أذِنْتُ لَهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة، تُؤْخَذ من قَوْله: (أَدْعُو رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَامِس خَمْسَة) وَقد ذكرنَا أَنه تكلّف حَيْثُ حصر الْعدَد.
وَمُحَمّد ابْن يُوسُف هُوَ أَبُو أَحْمد البُخَارِيّ البيكندي، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان، وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة، وَأَبُو مَسْعُود عقبَة بن عمر والأنصاري البدري.
والْحَدِيث قد مر فِي الْبيُوع فِي: بَاب مَا قيل فِي اللحام والجزار، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عمر بن حَفْص عَن أَبِيه عَن الْأَعْمَش عَن شَقِيق عَن أبي مَسْعُود إِلَى آخِره، وَفِي الْمَظَالِم أَيْضا عَن أبي النُّعْمَان، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (اللحام) ، أَي: بياع اللَّحْم، وَتقدم فِي الْبيُوع بِلَفْظ: قصاب. قَوْله: (خَامِس خَمْسَة) ، مَعْنَاهُ: ادعو أَرْبَعَة أنفس وَيكون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خامسهم، يُقَال: خَامِس أَرْبَعَة وخامس خَمْسَة بِمَعْنى وَاحِد، وَفِي الْحَقِيقَة يكون الْمَعْنى الْخَامِس مصير الْأَرْبَعَة خَمْسَة، وانتصاب خَامِس على الْحَال وَيجوز الرّفْع تَقْدِير: ادعو رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ خَامِس خَمْسَة، وَالْجُمْلَة أَيْضا تكون حَالا، وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن الْأَعْمَش: اصْنَع لنا طَعَاما لخمسة نفر. قَوْله: (فَتَبِعهُمْ رجل) ، وَفِي رِوَايَة أبي عوَانَة عَن الْأَعْمَش، فاتبعهم، بتَشْديد التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق بِمَعْنى: تَبِعَهُمْ، وَفِي رِوَايَة حَفْص بن غياث فجَاء مَعَهم رجل.
وَمثل هَذَا الرجل الَّذِي يتبع بِلَا دَعْوَة يُسمى طفيليا مَنْسُوبا إِلَى رجل من أهل الْكُوفَة يُقَال لَهُ: طفيل من بني عبد الله بن غطفان كَانَ يَأْتِي الولائم من غير أَن يدعى إِلَيْهَا، وَكَانَ يُقَال لَهُ: طفيل الأعراس، وَهَذِه الشُّهْرَة إِنَّمَا اشْتهر بهَا من كَانَ بِهَذِهِ الصّفة بعد الطُّفَيْل الْمَذْكُور. وَأما شهرته عِنْد الْعَرَب قَدِيما فَكَانُوا يسمونه: الوارش، بالشين الْمُعْجَمَة هَذَا إِذا دخل لطعام لم يدع إِلَيْهِ، فَإِن دخل لشراب لم يدع إِلَيْهِ يسمونه الواغل بالغين الْمُعْجَمَة.
قَوْله: (وَهَذَا رجل قد تبعنا) وَفِي رِوَايَة جرير وَأبي عوَانَة اتَّبعنَا، بِالتَّشْدِيدِ وَفِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة لم يكن مَعنا حِين دَعوتنَا.
قَوْله: (فَإِن شِئْت أَذِنت لَهُ) الخ وَفِي رِوَايَة أبي عوَانَة. فَإِن شِئْت أَن يرجع رَجَعَ، وَفِي رِوَايَة جرير، وَإِن شِئْت رَجَعَ، وَفِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة: أَنه اتَّبعنَا وَلم يكن مَعنا حِين دَعوتنَا فَإِن أَذِنت لَهُ دخل. قَوْله: (بل أَذِنت لَهُ) وَفِي رِوَايَة أبي أُسَامَة لَا بَلْ أَذِنت لَهُ وَفِي رِوَايَة جرير لَا بل ائْذَنْ لَهُ يَا رَسُول الله وَفِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة فقد أذنا لَهُ فَلْيدْخلْ.
وَفِيه فَوَائِد كَثِيرَة: قد ذَكرنَاهَا فِي بَاب مَا قيل فِي اللحام فِي كتاب الْبيُوع. فَإِن قلت: كَيفَ اسْتَأْذن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي هَذَا الحَدِيث على الرجل الَّذِي مَعَه، وَقَالَ فِي حَدِيث أبي طَلْحَة فِي (الصَّحِيح) لمن مَعَه. قومُوا؟ قلت: أُجِيب بأجوبة: الأول: أَنه علم من أبي طَلْحَة رِضَاهُ بذلك فَلم يسْتَأْذن وَلم يعلم رضَا أبي شُعَيْب فاستأذنه. الثَّانِي: أَن أكل الْقَوْم عِنْد

(21/63)


أبي طَلْحَة مِمَّا خرق الله تَعَالَى بِهِ الْعَادة وبركة أحدثها الله عز وَجل، لَا ملك لأبي طَلْحَة عَلَيْهَا فَإِنَّمَا أطْعمهُم مِمَّا لَا يملكهُ فَلم يفْتَقر إِلَى اسْتِئْذَان. الثَّالِث: بِأَن يُقَال: إِن الأقراص جَاءَ بهَا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى مَسْجده ليأخذها مِنْهُ فَكَأَنَّهُ قبلهَا وَصَارَت ملكا لَهُ فَإِنَّمَا استدعى لطعام يملكهُ فَلَا يلْزمه أَن يسْتَأْذن فِي ملكه.
قَ الَ مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إسْمَاعِيلَ يَقُولُ: إذَا كَانَ القَوْمُ عَلَى المَائِدَةِ لَيْسَ لَهُمْ أنْ يُنَاوِلوا مِنْ مَائِدَةٍ إلَى مَائِدَةٍ أُخْرَى، وَلاكِنْ يُنَاوِلُ بَعْضُهُمْ بَعْضا فِي تِلْكَ المَائِدَةِ أوْ يَدَعُوا.

هَذَا لم يثبت فِي البُخَارِيّ إلاَّ عِنْد أبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي وَحده، وَمُحَمّد بن يُوسُف هُوَ الْفرْيَابِيّ وَمُحَمّد بن إِسْمَاعِيل هُوَ البُخَارِيّ، وروى مُحَمَّد هَذَا عَن البُخَارِيّ نَفسه هَذَا الْكَلَام قَالَه البُخَارِيّ استنباطا من اسْتِئْذَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الدَّاعِي فِي الرجل الطارىء، وَذَلِكَ أَن الَّذين دعوا لَهُم التَّصَرُّف فِي الطَّعَام الْمَدْعُو إِلَيْهِ بِخِلَاف من لم يدع فَافْهَم فَإِنَّهُ دَقِيق.

5434 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ حدَّثنا سُفْيَانُ عَنِ الأعْمَشِ عَنْ أبِي وَائِلٍ عَنْ أبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ. قَالَ: كَانَ مِنَ الأنْصَارِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: أبُو شُعَيْبٍ، وَكَانَ لَهُ غُلامٌ لَحَّامٌ، فَقَالَ: اصْنَعْ لِي طَعاما أدْعُو رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَامِسَ خَمْسَةٍ، فَدَعا رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَامِسَ خَمْسَةٍ، فَتَبِعَهُمْ رَجُلٌ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إنَّكَ دَعَوْتَنَا خَامِسَ خَمْسَةٍ، وَهاذا رَجُلٌ قَدْ تَبِعَنا فَإنْ شِئْتَ أذَنْتَ لَهُ وَإنْ شِئْتَ تَرَكْتَهُ، قَالَ: بَلْ أذِنْتُ لَهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة، تُؤْخَذ من قَوْله: (أَدْعُو رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَامِس خَمْسَة) وَقد ذكرنَا أَنه تكلّف حَيْثُ حصر الْعدَد.
وَمُحَمّد ابْن يُوسُف هُوَ أَبُو أَحْمد البُخَارِيّ البيكندي، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان، وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة، وَأَبُو مَسْعُود عقبَة بن عمر والأنصاري البدري.
والْحَدِيث قد مر فِي الْبيُوع فِي: بَاب مَا قيل فِي اللحام والجزار، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عمر بن حَفْص عَن أَبِيه عَن الْأَعْمَش عَن شَقِيق عَن أبي مَسْعُود إِلَى آخِره، وَفِي الْمَظَالِم أَيْضا عَن أبي النُّعْمَان، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (اللحام) ، أَي: بياع اللَّحْم، وَتقدم فِي الْبيُوع بِلَفْظ: قصاب. قَوْله: (خَامِس خَمْسَة) ، مَعْنَاهُ: ادعو أَرْبَعَة أنفس وَيكون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خامسهم، يُقَال: خَامِس أَرْبَعَة وخامس خَمْسَة بِمَعْنى وَاحِد، وَفِي الْحَقِيقَة يكون الْمَعْنى الْخَامِس مصير الْأَرْبَعَة خَمْسَة، وانتصاب خَامِس على الْحَال وَيجوز الرّفْع تَقْدِير: ادعو رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ خَامِس خَمْسَة، وَالْجُمْلَة أَيْضا تكون حَالا، وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن الْأَعْمَش: اصْنَع لنا طَعَاما لخمسة نفر. قَوْله: (فَتَبِعهُمْ رجل) ، وَفِي رِوَايَة أبي عوَانَة عَن الْأَعْمَش، فاتبعهم، بتَشْديد التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق بِمَعْنى: تَبِعَهُمْ، وَفِي رِوَايَة حَفْص بن غياث فجَاء مَعَهم رجل.
وَمثل هَذَا الرجل الَّذِي يتبع بِلَا دَعْوَة يُسمى طفيليا مَنْسُوبا إِلَى رجل من أهل الْكُوفَة يُقَال لَهُ: طفيل من بني عبد الله بن غطفان كَانَ يَأْتِي الولائم من غير أَن يدعى إِلَيْهَا، وَكَانَ يُقَال لَهُ: طفيل الأعراس، وَهَذِه الشُّهْرَة إِنَّمَا اشْتهر بهَا من كَانَ بِهَذِهِ الصّفة بعد الطُّفَيْل الْمَذْكُور. وَأما شهرته عِنْد الْعَرَب قَدِيما فَكَانُوا يسمونه: الوارش، بالشين الْمُعْجَمَة هَذَا إِذا دخل لطعام لم يدع إِلَيْهِ، فَإِن دخل لشراب لم يدع إِلَيْهِ يسمونه الواغل بالغين الْمُعْجَمَة.
قَوْله: (وَهَذَا رجل قد تبعنا) وَفِي رِوَايَة جرير وَأبي عوَانَة اتَّبعنَا، بِالتَّشْدِيدِ وَفِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة لم يكن مَعنا حِين دَعوتنَا.
قَوْله: (فَإِن شِئْت أَذِنت لَهُ) الخ وَفِي رِوَايَة أبي عوَانَة. فَإِن شِئْت أَن يرجع رَجَعَ، وَفِي رِوَايَة جرير، وَإِن شِئْت رَجَعَ، وَفِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة: أَنه اتَّبعنَا وَلم يكن مَعنا حِين دَعوتنَا فَإِن أَذِنت لَهُ دخل. قَوْله: (بل أَذِنت لَهُ) وَفِي رِوَايَة أبي أُسَامَة لَا بَلْ أَذِنت لَهُ وَفِي رِوَايَة جرير لَا بل ائْذَنْ لَهُ يَا رَسُول الله وَفِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة فقد أذنا لَهُ فَلْيدْخلْ.
وَفِيه فَوَائِد كَثِيرَة: قد ذَكرنَاهَا فِي بَاب مَا قيل فِي اللحام فِي كتاب الْبيُوع. فَإِن قلت: كَيفَ اسْتَأْذن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي هَذَا الحَدِيث على الرجل الَّذِي مَعَه، وَقَالَ فِي حَدِيث أبي طَلْحَة فِي (الصَّحِيح) لمن مَعَه. قومُوا؟ قلت: أُجِيب بأجوبة: الأول: أَنه علم من أبي طَلْحَة رِضَاهُ بذلك فَلم يسْتَأْذن وَلم يعلم رضَا أبي شُعَيْب فاستأذنه. الثَّانِي: أَن أكل الْقَوْم عِنْد أبي طَلْحَة مِمَّا خرق الله تَعَالَى بِهِ الْعَادة وبركة أحدثها الله عز وَجل، لَا ملك لأبي طَلْحَة عَلَيْهَا فَإِنَّمَا أطْعمهُم مِمَّا لَا يملكهُ فَلم يفْتَقر إِلَى اسْتِئْذَان. الثَّالِث: بِأَن يُقَال: إِن الأقراص جَاءَ بهَا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى مَسْجده ليأخذها مِنْهُ فَكَأَنَّهُ قبلهَا وَصَارَت ملكا لَهُ فَإِنَّمَا استدعى لطعام يملكهُ فَلَا يلْزمه أَن يسْتَأْذن فِي ملكه.
قَ الَ مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إسْمَاعِيلَ يَقُولُ: إذَا كَانَ القَوْمُ عَلَى المَائِدَةِ لَيْسَ لَهُمْ أنْ يُنَاوِلوا مِنْ مَائِدَةٍ إلَى مَائِدَةٍ أُخْرَى، وَلاكِنْ يُنَاوِلُ بَعْضُهُمْ بَعْضا فِي تِلْكَ المَائِدَةِ أوْ يَدَعُوا.

هَذَا لم يثبت فِي البُخَارِيّ إلاَّ عِنْد أبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي وَحده، وَمُحَمّد بن يُوسُف هُوَ الْفرْيَابِيّ وَمُحَمّد بن إِسْمَاعِيل هُوَ البُخَارِيّ، وروى مُحَمَّد هَذَا عَن البُخَارِيّ نَفسه هَذَا الْكَلَام قَالَه البُخَارِيّ استنباطا من اسْتِئْذَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الدَّاعِي فِي الرجل الطارىء، وَذَلِكَ أَن الَّذين دعوا لَهُم التَّصَرُّف فِي الطَّعَام الْمَدْعُو إِلَيْهِ بِخِلَاف من لم يدع فَافْهَم فَإِنَّهُ دَقِيق.