عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 35 - (بَابُ: {مَنْ أضَافَ رَجُلاً إلَى
طَعَامٍ وَأَُقْبَلَ هُوَ عَلَى عَمَلِهِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حَال من أضَاف رجلا إِلَى
طَعَام لَا يتَعَيَّن عَلَيْهِ أَن يَأْكُل مَعَ
الْمَدْعُو بل لَهُ أَن يقبل على عمله وَيتْرك الْمَدْعُو
يشْتَغل بِمَا قدمه إِلَيْهِ.
5435 - حدَّثني عَبْدُ الله بنُ مُنِيرٍ سَمِعَ النَّضْرَ
أخْبَرنا ابنُ عَوْنٍ قَالَ: أخْبَرَنِي ثَمَامَةُ بنُ
عَبْدِ الله بنِ أنَسٍ عَنْ أنَسٍ، رَضِيَ الله عَنهُ،
قَالَ: كُنْتُ غُلاما أمْشِي مَعَ رَسُولِ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، فَدَخَلَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، عَلَى غُلامٍ لَهُ خَيَّاطٍ، فَأتاهُ بِقَصْعَةٍ
فِيهَا طَعَام وَعَلَيْهِ دُبَّاءٌ فَجَعَلَ رسولُ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَتَتَبَّعُ الدُّبَاءَ قَالَ:
فَلَمَّا رَأيْتُ ذالِكَ جَعَلْتُ أجْمَعُهُ بَيْنَ
يَدَيْهِ قَالَ: فَأقْبَلَ الغُلامُ عَلَى عَمَلِهِ، قَالَ
أنَسٌ: لَا أزَالُ أُحِبُّ الدُّبَاءَ بَعْدَ مَا رَأيْتُ
رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَنَعَ مَا صَنَعَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْغُلَام لما وضع
الْقَصعَة بَين يَدي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
واشتغل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يتتبعُ
الدُّبَّاء مِنْهَا أقبل الْغُلَام على عمله، وَقَالَ ابْن
بطال: لَا أعلم فِي اشْتِرَاط أكل الدَّاعِي مَعَ الضَّيْف
إلاَّ أَنه أبسط لوجهه وأذهب لاحتشامه، فَمن فعل فَهُوَ
أبلغ فِي قرى الضَّيْف، وَمن ترك فَهُوَ جَائِز.
وَعبد الله بن مُنِير بِضَم الْمِيم على وزن اسْم فَاعل من
أنار، وَالنضْر بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد
الْمُعْجَمَة ابْن شُمَيْل، يروي عَن عبد الله بن عون،
وثمامة بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَتَخْفِيف الْمِيم
وَكلهمْ قد ذكرُوا عَن قريب.
والْحَدِيث أَيْضا قد مر فِي: بَاب الثَّرِيد، وَمضى
الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
36 - (بَابُ: {المَرَقِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر المرق، وَترْجم بِهِ إِشَارَة
إِلَى أَن لَهُ فضلا على الطَّعَام الثخين، وَلِهَذَا
كَانَ السّلف يَأْكُلُون الطَّعَام الممرق، وَفِي مُسلم من
حَدِيث أبي ذَر، رَفعه: إِذا طبخت قدرا فَأكْثر مرقها.
وَفِيه: فليطعم جِيرَانه، وَقد أَمر النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، بإكثار المرق بِقصد التَّوسعَة على
الْجِيرَان وَأهل الْبَيْت والفقراء وَالْأَمر فِيهِ
مَحْمُول على النّدب، وَقد روى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث
عَلْقَمَة بن عبد الله الْمُزنِيّ عَن أَبِيه. قَالَ:
قَالَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا اشْترى
أحدكُم لَحْمًا فليكثر مرقته فَإِن لم يجد لَحْمًا أصَاب
مرقة) وَهُوَ أحد اللحمين. وروى أَيْضا من حَدِيث أبي ذَر
مَرْفُوعا. وَفِيه: إِذا اشْتريت لَحْمًا أَو طبخت قدرا
فَأكْثر مرقته وأغرف لجارك مِنْهُ.
5436 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ
عَنْ إسْحَاقَ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبِي طَلْحَةَ أنَّهُ
سَمِعَ أنَسَ بنَ مَالِكٍ أنَّ خيَّاطا دعَا النبيَّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، لِطَعامٍ صَنَعَهُ، فَذَهَبْتُ مَعَ
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ
(21/64)
وَسلم، فَقَرَّبَ خُبْزَ شَعِيرٍ وَمَرَقا
فِيهِ دُبَّاءٌ وَقَدِيدٌ رَأيْتُ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوَالِي
القَصْعَةِ فَلَمْ أزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ بَعْدَ
يَوْمَئِذٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (ومرقا فِيهِ دباء)
والْحَدِيث مر فِي الْأَطْعِمَة فِي: بَاب من تتبع حوالي
الْقَصعَة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن قُتَيْبَة عَن
مَالك إِلَى آخِره، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
37 - (بَابُ: {القَدِيدِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر اللَّحْم القديد وَترْجم بِهِ
إِشَارَة إِلَى أَن القديد من طَعَام النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَطَعَام السّلف.
5438 - حدَّثنا قَبِيصَةُ حدَّثنا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمانِ بنِ عَابِسٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ
رَضِيَ الله عَنْها، قَالَتْ: مَا فَعَلَهُ إلاَّ فِي عَام
جاعَ النَّاسُ أرَادَ أنْ يُطْعِمَ الغَنِيُّ الفَقِيرَ،
وَإنْ كُنَّا لَنَرْفَعُ الكُرَاعَ بَعْدَ خَمْسَ عَشَرَةَ
وَمَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ
خُبْز بُرٍّ مَأْدُومٍ ثَلاثا.
هَذَا حَدِيث مُخْتَصر من حَدِيث عَائِشَة الْمَاضِي فِي:
بَاب مَا كَانَ السّلف يدخرون، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ
عَن خَلاد بن يحيى عَن سُفْيَان وَهنا أخرجه عَن قبيصَة بن
عقبَة عَن سُفْيَان الثَّوْريّ إِلَى آخِره وَكَانَ
يَنْبَغِي أَن يذكر هَذَا هُنَاكَ وَلَا وَجه لذكره
هَاهُنَا.
قَوْله: (مَا فعله) ، الضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ يرجع
إِلَى النَّهْي الدَّال عَلَيْهِ. قَوْله: فِي أول
الحَدِيث الْمَذْكُور فِي: بَاب مَا كَانَ السّلف يدخرون،
قلت لعَائِشَة: أنهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن
يُؤْكَل لُحُوم الْأَضَاحِي فرق ثَلَاث؟ قَالَت عَائِشَة:
مَا فعله إلاَّ فِي عَام جَاع النَّاس فِيهِ.
38 - (بَابُ: {مَنْ نَاوَلَ أوْ قَدَّمَ إلَى صَاحِبِهِ
عَلَى المَائِدَةِ شَيْئا} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من ناول إِلَى صَاحبه أَو
قدم إِلَيْهِ شَيْئا، وَالْحَال أَنَّهُمَا على
الْمَائِدَة، ويوضح هَذَا الَّذِي ذكره عَن ابْن
الْمُبَارك حَيْثُ قَالَ.
وَقَالَ ابنُ المُبَارَكِ: لَا بَأْسَ أنْ يُناوِلَ
بَعْضُهُمْ بَعْضا، وَلا يُنَاوِلُ مِنْ هاذِهِ
المَائِدَةِ إلَى مَائِدَةٍ أُخْرَى.
أَي: قَالَ عبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي إِلَى آخِره،
أما جَوَاز مناولة بَعضهم بَعْضًا فِي مائدة وَاحِدَة
فَلِأَن الطَّعَام قدم لَهُم بأعيانهم وهم شُرَكَاء فِيهِ،
فَإِذا ناول وَاحِد مِنْهُم صَاحبه مِمَّا بَين يَدَيْهِ
فَكَأَنَّهُ آثره بِنَصِيبِهِ مَعَ مَاله فِيهِ مَعَه من
الْمُشَاركَة، وَأما منع ذَلِك من مائدة إِلَى مائدة
أُخْرَى فلعدم مُشَاركَة من كَانَ فِي الْمَائِدَة
الْأُخْرَى لمن كَانَ فِي الْمَائِدَة الأولى، والمناول
فِيهِ، وَإِن كَانَ لَهُ حق فِيهَا بَين يَدَيْهِ وَلَكِن
لَا حق للْآخر فِيهِ فِي تنَاوله مِنْهُ إِذْ لَا شركَة
لَهُ فِيهِ.
5439 - حدَّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ: حدَّثني مَالِكٌ عَنْ
إسْحَاقَ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبِي طَلْحَةَ أنَّهُ سَمِعَ
أنَسَ بنَ مَالِكَ يَقُولُ: إنَّ خَيَّاطا دَعَا رَسُولَ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِطعَامٍ صَنَعَهُ. قَالَ
أنَسٌ: فَذَهَبْتُ مَعَ رَسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، إلَى ذالِكَ الطَّعَامِ فَقَرَّبَ إلَى رَسُولِ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، خُبْزا مِنْ شَعِيرٍ
وَمَرَقا فِيهِ دُبَّاءٌ وَقَدِيدٌ، قَالَ أنَسٌ:
فَرَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِن حَوْلِ القَصعَةِ فَلَمْ
أزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ مِنْ يَوْمَئِذٍ.
(وَقَالَ ثُمَامَةُ عَنْ أنَسٍ: فَجَعَلْتُ أجْمَعُ
الدُّبَّاءَ بَيْنَ يَدَيْهِ) .
هَذَا حَدِيث قد تقدم قبل هَذَا الْبَاب بِبَاب، وَهُوَ:
بَاب المرق، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن
مسلمة القعني عَن مَالك وَهنا أخرجه عَن إِسْمَاعِيل بن
أبي أويس عَن مَالك، وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يذكر هَذَا
هُنَاكَ، وَلَا وَجه لإيراده هَاهُنَا وَلَقَد تكلّف
(21/65)
بَعضهم فِي بَيَان الْمُطَابقَة بقوله: لَا
فرق بَين أَن يناوله من إِنَاء إِلَى إِنَاء أَو يضم ذَلِك
إِلَيْهِ فِي نفس الْإِنَاء الَّذِي يَأْكُل مِنْهُ أَخذ
ذَلِك من قَول ثُمَامَة: (فَجعلت أجمع الدُّبَّاء بَين
يَدَيْهِ) قلت: هَذَا فِيهِ بعد عَظِيم لِأَن الْإِنَاء
الَّذِي يَأْكُل مِنْهُ لَهُ حق شَائِع فِيمَا فِي هَذَا
الْإِنَاء بِخِلَاف الْإِنَاء الآخر الَّذِي لَا يَأْكُل
مِنْهُ.
39 - (بابُ: {الرُّطَبِ
بِالْقِثَاءِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أكل الرطب بالقثاء، وَأَرَادَ
بهالجمع بَينهمَا فِي حَالَة الْأكل، القثاء مَمْدُود
وَفِي ضم الْقَاف وَكسرهَا لُغَتَانِ، وَقَرَأَ يحيى بن
وثاب وَطَلْحَة بن مصرف، وقثائها بِضَم الْقَاف وَقَالَ
أَبُو نصر: القثاء الْخِيَار وَفِي (الْمُنْتَهى) لأبي
الْمَعَالِي: القثاء الشعرور عِنْد من جعله فعلا من قث،
وَعند ابْن ولاد: هُوَ بِالْكَسْرِ وَالضَّم مَمْدُود،
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: ذكر بعض الروَاة أَنه يُقَال للقثاء
القشعر بلغَة أهل الجون من الْيمن، الْوَاحِدَة قشعرة،
قَالَ: أَحْسبهُ الجون من مُرَاد.
5440 - حدَّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله قَالَ:
حدَّثني إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ عَبْدِ
الله بنِ جَعْفَر بنِ أبِي طَالِبٍ، رَضِيَ الله
عَنْهُمَا، قَالَ: رَأيْتُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَأْكُلُ الرُّطَبَ بِالقِثَّاءِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأما على النُّسْخَة
الَّتِي وَقع فِيهَا: بَاب القثاء بالرطب فوجهها أَن
الْبَاء للمصاحبة وكل مِنْهُمَا مصاحب للْآخر أَو للملاصقة
وَقد وَقع فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ على وفْق لفظ الحَدِيث
كَمَا وَقع فِي نسختنا هَذِه.
وَإِبْرَاهِيم بن سعد يروي عَن أَبِيه سعد بن إِبْرَاهِيم
بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف من صغَار التَّابِعين، وَعبد
الله بن جَعْفَر بن أبي طَالب من صغَار الصَّحَابَة وَلدته
أَسمَاء بنت عُمَيْس بِأَرْض الْحَبَشَة، وَهُوَ أول
مَوْلُود ولد فِي الْإِسْلَام بِأَرْض الْحَبَشَة، وَقدم
مَعَ أَبِيه الْمَدِينَة وَحفظ عَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وروى عَنهُ، وَتُوفِّي بِالْمَدِينَةِ سنة
ثَمَانِينَ وَهُوَ ابْن تسعين سنة، وَصلى عَلَيْهِ أبان بن
عُثْمَان وَهُوَ أَمِير الْمَدِينَة وَكَانَ يُسمى: بَحر
الْجُود، يُقَال: إِنَّه لم يكن فِي الْإِسْلَام أسخى
مِنْهُ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الْأَطْعِمَة عَن يحيى
بن يحيى وَغَيره وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن حَفْص بن
عمر. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن إِسْمَاعِيل بن
مُوسَى وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن يَعْقُوب ابْن حميد.
قَوْله: (يَأْكُل الرطب بالقثاء) ، وَصفته مَا رَوَاهُ
الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) من حَدِيث عبد الله بن
جَعْفَر، وَفِيه وَرَأَيْت فِي يَمِين رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قثاء وَفِي شِمَاله رطبا وَهُوَ
يَأْكُل من ذَا مرّة وَمن ذَا مرّة، وَفِي إِسْنَاده
أَصْرَم بن حَوْشَب وَهُوَ ضَعِيف جدا، وَلَا يلْزم من
هَذَا الحَدِيث. لَو ثَبت أكله بِشمَالِهِ فَلَعَلَّهُ
كَانَ يَأْخُذ بِيَدِهِ الْيُمْنَى من الشمَال رطبَة
فيأكلها مَعَ القثاء الَّتِي فِي يَمِينه فَلَا مَانع من
ذَلِك، وَالْحكمَة فِي جمعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بَينهمَا كَمَا ورد فِي بعض طرقه يطفىء حر هَذَا برد هَذَا
وروى أَبُو الشَّيْخ ابْن حبَان فِي (كتاب أَخْلَاق رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) من رِوَايَة يحيى بن هَاشم
عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة قَالَت:
كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْكُل
الْبِطِّيخ بالرطب والقثاء بالملح، وَيحيى بن هَاشم
السمسار كذبه يحيى وَغَيره.
40 - ( {بابٌ} )
أَي: هَذَا بَاب كَذَا وَقع عِنْد جَمِيع الروَاة مُجَردا.
وَكَانَت عَادَته أَن يذكر مثل هَذَا كالفصل لما قبله
وَيكون الْمَذْكُور بعده مُلْحقًا بِهِ لمناسبة بَينهمَا
وَلَا مُنَاسبَة أصلا بَين الحَدِيث الْمَذْكُور بعده
وَبَين الحَدِيث قبله، وَلِهَذَا اعْترض الْإِسْمَاعِيلِيّ
بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ للرطب والقثاء ذكر، وَلم يذكر لفظ:
بَاب.
5441 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ
عَنْ عَبَّاس الجُرَيْرِيِّ عَنْ أبِي عُثْمَانَ. قَالَ:
تَضَيَّفْتُ أبَا هُرَيْرَةَ سَبْعا، فَكَانَ هُوَ
وَامْرَأَتُهُ وَخَادِمُهُ يَعْتَقِبُونَ اللَّيْلَ
أثْلاثا يُصَلِّي هاذا ثُمَّ يُوقِظُ هاذا، وَسَمِعْتُهُ
يَقُولُ: قَسَمَ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
بَيْنَ أصْحَابِهِ تَمْرا فأصَابَنِي سَبْعُ تَمَرَاتٍ
إحْدَاهُنَّ حَشَفَةٌ.
الظَّاهِر أَنه أَرَادَ أَن يضع تَرْجَمَة للتمر ثمَّ
أهمله إِمَّا نِسْيَانا وَإِمَّا لم يُدْرِكهُ، وَيُمكن
أَن يكون سقط من النَّاسِخ بعد الْعَمَل.
وعباس بتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة وبالسين الْمُهْملَة،
والحريري: بِضَم الْجِيم وَفتح الرَّاء الأولى وَسُكُون
الْيَاء آخر الْحُرُوف نِسْبَة إِلَى جرير بن عباد أخي
الْحَارِث بن عبَادَة بن ضبيعة بن قيس بن بكر بن وَائِل،
وَعباد بِضَم الْعين وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة،
(21/66)
وَأَبُو عُثْمَان عبد الرَّحْمَن بن مل
النَّهْدِيّ.
والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي: بَاب مَا كَانَ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه يَأْكُلُون، فَإِنَّهُ
أخرجه هُنَاكَ عَن أبي النُّعْمَان عَن حَمَّاد وَلم يذكر
هُنَاكَ.
قَوْله: (تضيفت) ، إِلَى قَوْله: (وسمعته يَقُول) وَمر
الْكَلَام فِيهِ. قَوْله: (تضيفت) بضاد مُعْجمَة وَفَاء
أَي: نزلت بِهِ ضيفا. قَوْله: (سبعا) ، أَي: سبع لَيَال،
وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَي أسبوعا، وَفِيه تَأمل. قَوْله:
(وَامْرَأَته) ، اسْمهَا بسرة، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة
وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة بنت غَزوَان الصحابية.
وَقَالَ الذَّهَبِيّ: بسرة بنت غَزوَان الَّتِي كَانَ
أَبُو هُرَيْرَة أجيرها ثمَّ تزَوجهَا وَلم أر أحدا
ذكرهَا. قَوْله: (يعتقبون) أَي: يتناوبون قيام اللَّيْل.
قَوْله: (أَثلَاثًا) أَي: كل وَاحِد مِنْهُم يقوم بِثلث
اللَّيْل وَمن كَانَ يفرغ من ثلثه يوقظ الآخر. قَوْله:
(وسمعته يَقُول) ، الْقَائِل أَبُو عُثْمَان النَّهْدِيّ،
والمسموع أَبُو هُرَيْرَة قَوْله: (إِحْدَاهُنَّ حَشَفَة)
هِيَ الْفَاسِد الْيَابِس من التَّمْر، وَقيل: الضَّعِيف
الَّذِي لَا نوى لَهُ.
حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ الصَّبَّاحِ حدَّثنا إسْمَاعِيلُ
بنُ زَكَرِيَّاءَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أبِي عُثْمَانَ عَنْ
أبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ الله عَنهُ، قَسَّمَ النبيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، بَيْنَنَا تَمْرا فأصابَنِي مِنْهُ
خَمْسٌ أرْبَعُ ثَمَرَاتٍ وَحَشَفَةٌ، ثُمَّ رَأيْتُ
الحَشَفَةَ هِيَ أشَدَّهُنَّ لِضِرْسِي.
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن
مُحَمَّد بن الصَّباح بتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة
الْبَغْدَادِيّ عَن إِسْمَاعِيل بن زَكَرِيَّا الخلقاني
الْكُوفِي عَن عَاصِم الْأَحول عَن أبي عُثْمَان عبد
الرَّحْمَن بن أبي هُرَيْرَة.
قَوْله: (خمس) ، أَي: خمس تمرات. قَوْله: (أَربع تمرات
وحشفة) ، عطف بَيَان وَيجوز أَن يكون ارتفاعه على أَنه خبر
مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره: هِيَ أَربع تمرات وحشفة،
وَقَالَ الْكرْمَانِي: ويروى أَربع تَمْرَة
بِالْإِفْرَادِ، وَالْقِيَاس: تمرات، ثمَّ قَالَ: إِن
كَانَت الرِّوَايَة بِرَفْع تَمْرَة فَمَعْنَاه كل
وَاحِدَة من الْأَرْبَع تَمْرَة، وَأما بِالْجَرِّ فَهُوَ
شَاذ على خلاف الْقيَاس نَحْو: ثَلَاثمِائَة
وَأَرْبَعمِائَة. فَإِن قلت: فِي الرِّوَايَة الأولى سبع
تمرات وَهنا خمس؟ قلت: قَالَ ابْن التِّين: إِمَّا أَن
تكون إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وهما أَو يكون ذَلِك وَقع
مرَّتَيْنِ، وَقَالَ بَعضهم: الثَّانِي بعيد لِاتِّحَاد
الْمخْرج ثمَّ قَالَ: وَأجَاب الْكرْمَانِي: بِأَن لَا
مُنَافَاة إِذْ التَّخْصِيص بِالْعدَدِ لَا يُنَافِي
الزَّائِد، وَفِيه نظر، وإلاَّ لما كَانَ لذكره فَائِدَة
وَالْأولَى أَن يُقَال: إِن الْقِسْمَة أَولا اتّفقت خمْسا
خمْسا ثمَّ فضلت فقسمت ثِنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ. فَذكر أحد
الراويين مبدأ الْأَمر وَالْآخر منتهاه انْتهى. قلت:
دَعْوَى هَذَا الْقَائِل: إِن الْقِسْمَة وَقعت مرَّتَيْنِ
مرّة خَمْسَة خَمْسَة وَمرَّة ثِنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ
يحْتَاج إِلَى دَلِيل، وَهَذَا إِن صَحَّ يُقَوي كَلَام
ابْن التِّين، أَو يكون ذَلِك مرَّتَيْنِ فَيكون قَوْله
الثَّانِي بَعيدا وَبَعْدَمَا يكون يُقَال أَيْضا من هُوَ
المُرَاد من أحد الراويين فَإِن كَانَ هُوَ أَبَا
هُرَيْرَة فَهُوَ عين الْغَلَط على مَا لَا يخفى، وَإِن
كَانَ أَبَا عُثْمَان الرَّاوِي عَنهُ أَو غَيره مِمَّن
دونه فَهُوَ عين التَّعَدُّد، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَن
فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ من طَرِيق شُعْبَة عَن عَبَّاس
الْجريرِي بِلَفْظ: أَصَابَهُم جوع فَأَعْطَاهُمْ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَمْرَة تَمْرَة، وَفِي رِوَايَة
النَّسَائِيّ من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ: قسم سبع تمرات
بَين سَبْعَة أَنا فيهم، وَفِي رِوَايَة ابْن مَاجَه
وَأحمد من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ: أَصَابَهُم جوع وهم
سَبْعَة فَأَعْطَانِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
سبع تمرات لكل إِنْسَان تَمْرَة، وَهَذِه الرِّوَايَات
متفقة فِي الْمَعْنى لِأَنَّهُ لم تكن الْقِسْمَة إلاَّ
تَمْرَة تَمْرَة، وَهَذِه تخَالف رِوَايَة البُخَارِيّ
ظَاهرا، وَلَكِن لَا تخالفها فِي الْحَقِيقَة لتَعَدد
الْقِصَّة، وَلَا يُنكر هَذَا إِلَّا معاند، ورد هَذَا
الْقَائِل: كَلَام الْكرْمَانِي أَيْضا سَاقِط لِأَن مَا
قَالَه أصل عِنْد أهل الْأُصُول.
5441 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ
عَنْ عَبَّاس الجُرَيْرِيِّ عَنْ أبِي عُثْمَانَ. قَالَ:
تَضَيَّفْتُ أبَا هُرَيْرَةَ سَبْعا، فَكَانَ هُوَ
وَامْرَأَتُهُ وَخَادِمُهُ يَعْتَقِبُونَ اللَّيْلَ
أثْلاثا يُصَلِّي هاذا ثُمَّ يُوقِظُ هاذا، وَسَمِعْتُهُ
يَقُولُ: قَسَمَ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
بَيْنَ أصْحَابِهِ تَمْرا فأصَابَنِي سَبْعُ تَمَرَاتٍ
إحْدَاهُنَّ حَشَفَةٌ.
الظَّاهِر أَنه أَرَادَ أَن يضع تَرْجَمَة للتمر ثمَّ
أهمله إِمَّا نِسْيَانا وَإِمَّا لم يُدْرِكهُ، وَيُمكن
أَن يكون سقط من النَّاسِخ بعد الْعَمَل.
وعباس بتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة وبالسين الْمُهْملَة،
والحريري: بِضَم الْجِيم وَفتح الرَّاء الأولى وَسُكُون
الْيَاء آخر الْحُرُوف نِسْبَة إِلَى جرير بن عباد أخي
الْحَارِث بن عبَادَة بن ضبيعة بن قيس بن بكر بن وَائِل،
وَعباد بِضَم الْعين وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة،
وَأَبُو عُثْمَان عبد الرَّحْمَن بن مل النَّهْدِيّ.
والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي: بَاب مَا كَانَ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه يَأْكُلُون، فَإِنَّهُ
أخرجه هُنَاكَ عَن أبي النُّعْمَان عَن حَمَّاد وَلم يذكر
هُنَاكَ.
قَوْله: (تضيفت) ، إِلَى قَوْله: (وسمعته يَقُول) وَمر
الْكَلَام فِيهِ. قَوْله: (تضيفت) بضاد مُعْجمَة وَفَاء
أَي: نزلت بِهِ ضيفا. قَوْله: (سبعا) ، أَي: سبع لَيَال،
وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَي أسبوعا، وَفِيه تَأمل. قَوْله:
(وَامْرَأَته) ، اسْمهَا بسرة، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة
وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة بنت غَزوَان الصحابية.
وَقَالَ الذَّهَبِيّ: بسرة بنت غَزوَان الَّتِي كَانَ
أَبُو هُرَيْرَة أجيرها ثمَّ تزَوجهَا وَلم أر أحدا
ذكرهَا. قَوْله: (يعتقبون) أَي: يتناوبون قيام اللَّيْل.
قَوْله: (أَثلَاثًا) أَي: كل وَاحِد مِنْهُم يقوم بِثلث
اللَّيْل وَمن كَانَ يفرغ من ثلثه يوقظ الآخر. قَوْله:
(وسمعته يَقُول) ، الْقَائِل أَبُو عُثْمَان النَّهْدِيّ،
والمسموع أَبُو هُرَيْرَة قَوْله: (إِحْدَاهُنَّ حَشَفَة)
هِيَ الْفَاسِد الْيَابِس من التَّمْر، وَقيل: الضَّعِيف
الَّذِي لَا نوى لَهُ.
حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ الصَّبَّاحِ حدَّثنا إسْمَاعِيلُ
بنُ زَكَرِيَّاءَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أبِي عُثْمَانَ عَنْ
أبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ الله عَنهُ، قَسَّمَ النبيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، بَيْنَنَا تَمْرا فأصابَنِي مِنْهُ
خَمْسٌ أرْبَعُ ثَمَرَاتٍ وَحَشَفَةٌ، ثُمَّ رَأيْتُ
الحَشَفَةَ هِيَ أشَدَّهُنَّ لِضِرْسِي.
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن
مُحَمَّد بن الصَّباح بتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة
الْبَغْدَادِيّ عَن إِسْمَاعِيل بن زَكَرِيَّا الخلقاني
الْكُوفِي عَن عَاصِم الْأَحول عَن أبي عُثْمَان عبد
الرَّحْمَن بن أبي هُرَيْرَة.
قَوْله: (خمس) ، أَي: خمس تمرات. قَوْله: (أَربع تمرات
وحشفة) ، عطف بَيَان وَيجوز أَن يكون ارتفاعه على أَنه خبر
مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره: هِيَ أَربع تمرات وحشفة،
وَقَالَ الْكرْمَانِي: ويروى أَربع تَمْرَة
بِالْإِفْرَادِ، وَالْقِيَاس: تمرات، ثمَّ قَالَ: إِن
كَانَت الرِّوَايَة بِرَفْع تَمْرَة فَمَعْنَاه كل
وَاحِدَة من الْأَرْبَع تَمْرَة، وَأما بِالْجَرِّ فَهُوَ
شَاذ على خلاف الْقيَاس نَحْو: ثَلَاثمِائَة
وَأَرْبَعمِائَة. فَإِن قلت: فِي الرِّوَايَة الأولى سبع
تمرات وَهنا خمس؟ قلت: قَالَ ابْن التِّين: إِمَّا أَن
تكون إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وهما أَو يكون ذَلِك وَقع
مرَّتَيْنِ، وَقَالَ بَعضهم: الثَّانِي بعيد لِاتِّحَاد
الْمخْرج ثمَّ قَالَ: وَأجَاب الْكرْمَانِي: بِأَن لَا
مُنَافَاة إِذْ التَّخْصِيص بِالْعدَدِ لَا يُنَافِي
الزَّائِد، وَفِيه نظر، وإلاَّ لما كَانَ لذكره فَائِدَة
وَالْأولَى أَن يُقَال: إِن الْقِسْمَة أَولا اتّفقت خمْسا
خمْسا ثمَّ فضلت فقسمت ثِنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ. فَذكر أحد
الراويين مبدأ الْأَمر وَالْآخر منتهاه انْتهى. قلت:
دَعْوَى هَذَا الْقَائِل: إِن الْقِسْمَة وَقعت مرَّتَيْنِ
مرّة خَمْسَة خَمْسَة وَمرَّة ثِنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ
يحْتَاج إِلَى دَلِيل، وَهَذَا إِن صَحَّ يُقَوي كَلَام
ابْن التِّين، أَو يكون ذَلِك مرَّتَيْنِ فَيكون قَوْله
الثَّانِي بَعيدا وَبَعْدَمَا يكون يُقَال أَيْضا من هُوَ
المُرَاد من أحد الراويين فَإِن كَانَ هُوَ أَبَا
هُرَيْرَة فَهُوَ عين الْغَلَط على مَا لَا يخفى، وَإِن
كَانَ أَبَا عُثْمَان الرَّاوِي عَنهُ أَو غَيره مِمَّن
دونه فَهُوَ عين التَّعَدُّد، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَن
فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ من طَرِيق شُعْبَة عَن عَبَّاس
الْجريرِي بِلَفْظ: أَصَابَهُم جوع فَأَعْطَاهُمْ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَمْرَة تَمْرَة، وَفِي رِوَايَة
النَّسَائِيّ من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ: قسم سبع تمرات
بَين سَبْعَة أَنا فيهم، وَفِي رِوَايَة ابْن مَاجَه
وَأحمد من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ: أَصَابَهُم جوع وهم
سَبْعَة فَأَعْطَانِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
سبع تمرات لكل إِنْسَان تَمْرَة، وَهَذِه الرِّوَايَات
متفقة فِي الْمَعْنى لِأَنَّهُ لم تكن الْقِسْمَة إلاَّ
تَمْرَة تَمْرَة، وَهَذِه تخَالف رِوَايَة البُخَارِيّ
ظَاهرا، وَلَكِن لَا تخالفها فِي الْحَقِيقَة لتَعَدد
الْقِصَّة، وَلَا يُنكر هَذَا إِلَّا معاند، ورد هَذَا
الْقَائِل: كَلَام الْكرْمَانِي أَيْضا سَاقِط لِأَن مَا
قَالَه أصل عِنْد أهل الْأُصُول.
41 - (بَابُ: {الرُّطَبِ وَالتَّمْرِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي الرطب وَالتَّمْر، وَرُبمَا أَشَارَ
بِهِ إِلَى أَن التَّمْر لَهُ فضل على غَيره من الأقوات
فَلذَلِك ذكر. قَوْله: {وهزي إِلَيْك} (مَرْيَم: 25)
الْآيَة على مَا نذكرهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَقد روى
التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: بَيت
لَا تمر فِيهِ جِيَاع أَهله، وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن
غَرِيب، وَالرّطب وَالتَّمْر من طيب مَا خلق الله عز وَجل
وأباحه للعباد، وَهُوَ طَعَام أهل الْحجاز وعمدة أقواتهم،
وَقد دَعَا إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ السَّلَام، لتمر مَكَّة
بِالْبركَةِ ودعا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لتمر الْمَدِينَة بِمثل مَا دَعَا بِهِ إِبْرَاهِيم،
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَلَا تزَال الْبركَة فِي
تمرهم وثمارهم إِلَى السَّاعَة. وَقد وَقع فِي كتاب ابْن
بطال: بَاب الرطب بِالتَّمْرِ بِالْبَاء الْمُوَحدَة
وَلَيْسَ فِي حَدِيث الْبَاب مثل لذَلِك.
(21/67)
وَقَوْلِ الله تَعَالَى: {وَهُزِّي إلَيْكَ
بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تَسَّاقَطْ عَلَيْكَ رُطبا جَنِيا
(مَرْيَم: 25) [/ ح.
قَوْله: {هزي} خطاب لِمَرْيَم أم عِيسَى عَلَيْهِمَا
السَّلَام أَي: حركي جذع النَّخْلَة، وَكَانَت لَيْسَ
لَهَا سعف وَلَا كرانيف وَلَا عذوق وَكَانَت فِي مَوضِع
يُقَال لَهُ: بَيت لحم. وَهِي قَرْيَة قريبَة من بَيت
الْمُقَدّس على ثَلَاثَة أَمْيَال، وَكَانَت لما حملت
بِعِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَام، خَافت على نَفسهَا من
قَومهَا فَخرجت مَعَ ابْن عَمها يُوسُف طالبة أَرض مصر،
فَلَمَّا وصلت إِلَى النَّخْلَة وأدركها النّفاس احتضنتها
النَّخْلَة وَأَحْدَقَتْ بهَا الْمَلَائِكَة فنوديت {أَن
لَا تحزني قد جعل رَبك تَحْتك سريا} أَي: نَهرا وَلم يكن
هُنَاكَ نهر وَلَا عين، وَقيل: المُرَاد بالسري عِيسَى،
عَلَيْهِ السَّلَام، وعَلى الأول الْجُمْهُور، وَقَالَ
مقَاتل: لما سقط عِيسَى على الأَرْض ضرب بِرجلِهِ فنبع
المَاء واطلعت النَّخْلَة وأورقت وأثمرت، وَقيل لَهَا:
(وهزي إِلَيْك بجذع النَّخْلَة) أَي: حركيه {تساقط عَلَيْك
رطبا جنيا} أَي: غضا طريا، وَقَالَ الرّبيع بن خَيْثَم:
مَا للنفساء عِنْدِي خير من الرطب، وَلَا للْمَرِيض من
الْعَسَل، ثمَّ قَرَأَ هَذِه الْآيَة رَوَاهُ عبد بن حميد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو يعلى الْموصِلِي من حَدِيث
عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رَفعه قَالَ: أطعموا
نفساءكم الْوَلَد الرطب، فَإِن لم يكن رطب فتمر وَلَيْسَ
من الشّجر شَجَرَة أكْرم على الله تَعَالَى من شَجَرَة
نزلت تحتهَا مَرْيَم، عَلَيْهَا السَّلَام، وَقِرَاءَة
الْجُمْهُور: تساقط، بتَشْديد السِّين وَأَصله: تتساقط،
فأبدلت من إِحْدَى التَّاءَيْنِ سين وأدغمت السِّين فِي
السِّين، وَقِرَاءَة حَمْزَة بِالتَّخْفِيفِ، وَهِي
رِوَايَة عَن أبي عمر، وعَلى حذف إِحْدَى التَّاءَيْنِ
وفيهَا قراآت شَاذَّة.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ
مَنْصُورِ بنِ صَفِيَّةَ: حَدَّثَتْنِي أُُمِّي عَنْ
عَائِشَةَ، رَضِيَ الله عَنْها. قَالَتْ: تُوُفِّيَ
رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَدْ شَبِعْنا
مِنَ الأسْوَدَيْنِ: التَّمْرِ وَالمَاءِ.
مطابقته هَذَا التَّعْلِيق عَن مُحَمَّد بن يُوسُف شيخ
البُخَارِيّ للجزء الثَّانِي للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. .
وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَمَنْصُور بن صَفِيَّة،
بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَكسر الْفَاء وَتَشْديد
الْيَاء آخر الْحُرُوف: بنت شيبَة بن عُثْمَان من بني عبد
الداربن قصي، ذكرت فِي الصحابيات، روى عَنْهَا ابْنهَا
مَنْصُور بن عبد الرَّحْمَن بن طَلْحَة بن الْحَارِث بن
طَلْحَة بن أبي طَلْحَة الحَجبي.
والْحَدِيث قد مر عَن قريب فِي: بَاب من أكل حَتَّى شبع،
وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، وَإِطْلَاق الْأسود على
المَاء من بَاب التغليب، وَكَذَلِكَ الشِّبَع مَكَان
الرّيّ.
41 - (بَابُ: {الرُّطَبِ وَالتَّمْرِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي الرطب وَالتَّمْر، وَرُبمَا أَشَارَ
بِهِ إِلَى أَن التَّمْر لَهُ فضل على غَيره من الأقوات
فَلذَلِك ذكر. قَوْله: {وهزي إِلَيْك} (مَرْيَم: 25)
الْآيَة على مَا نذكرهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَقد روى
التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: بَيت
لَا تمر فِيهِ جِيَاع أَهله، وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن
غَرِيب، وَالرّطب وَالتَّمْر من طيب مَا خلق الله عز وَجل
وأباحه للعباد، وَهُوَ طَعَام أهل الْحجاز وعمدة أقواتهم،
وَقد دَعَا إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ السَّلَام، لتمر مَكَّة
بِالْبركَةِ ودعا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لتمر الْمَدِينَة بِمثل مَا دَعَا بِهِ إِبْرَاهِيم،
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَلَا تزَال الْبركَة فِي
تمرهم وثمارهم إِلَى السَّاعَة. وَقد وَقع فِي كتاب ابْن
بطال: بَاب الرطب بِالتَّمْرِ بِالْبَاء الْمُوَحدَة
وَلَيْسَ فِي حَدِيث الْبَاب مثل لذَلِك.
وَقَوْلِ الله تَعَالَى: {وَهُزِّي إلَيْكَ بِجِذْعِ
النَّخْلَةِ تَسَّاقَطْ عَلَيْكَ رُطبا جَنِيا (مَرْيَم:
25) [/ ح.
قَوْله: {هزي} خطاب لِمَرْيَم أم عِيسَى عَلَيْهِمَا
السَّلَام أَي: حركي جذع النَّخْلَة، وَكَانَت لَيْسَ
لَهَا سعف وَلَا كرانيف وَلَا عذوق وَكَانَت فِي مَوضِع
يُقَال لَهُ: بَيت لحم. وَهِي قَرْيَة قريبَة من بَيت
الْمُقَدّس على ثَلَاثَة أَمْيَال، وَكَانَت لما حملت
بِعِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَام، خَافت على نَفسهَا من
قَومهَا فَخرجت مَعَ ابْن عَمها يُوسُف طالبة أَرض مصر،
فَلَمَّا وصلت إِلَى النَّخْلَة وأدركها النّفاس احتضنتها
النَّخْلَة وَأَحْدَقَتْ بهَا الْمَلَائِكَة فنوديت {أَن
لَا تحزني قد جعل رَبك تَحْتك سريا} أَي: نَهرا وَلم يكن
هُنَاكَ نهر وَلَا عين، وَقيل: المُرَاد بالسري عِيسَى،
عَلَيْهِ السَّلَام، وعَلى الأول الْجُمْهُور، وَقَالَ
مقَاتل: لما سقط عِيسَى على الأَرْض ضرب بِرجلِهِ فنبع
المَاء واطلعت النَّخْلَة وأورقت وأثمرت، وَقيل لَهَا:
(وهزي إِلَيْك بجذع النَّخْلَة) أَي: حركيه {تساقط عَلَيْك
رطبا جنيا} أَي: غضا طريا، وَقَالَ الرّبيع بن خَيْثَم:
مَا للنفساء عِنْدِي خير من الرطب، وَلَا للْمَرِيض من
الْعَسَل، ثمَّ قَرَأَ هَذِه الْآيَة رَوَاهُ عبد بن حميد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو يعلى الْموصِلِي من حَدِيث
عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رَفعه قَالَ: أطعموا
نفساءكم الْوَلَد الرطب، فَإِن لم يكن رطب فتمر وَلَيْسَ
من الشّجر شَجَرَة أكْرم على الله تَعَالَى من شَجَرَة
نزلت تحتهَا مَرْيَم، عَلَيْهَا السَّلَام، وَقِرَاءَة
الْجُمْهُور: تساقط، بتَشْديد السِّين وَأَصله: تتساقط،
فأبدلت من إِحْدَى التَّاءَيْنِ سين وأدغمت السِّين فِي
السِّين، وَقِرَاءَة حَمْزَة بِالتَّخْفِيفِ، وَهِي
رِوَايَة عَن أبي عمر، وعَلى حذف إِحْدَى التَّاءَيْنِ
وفيهَا قراآت شَاذَّة.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ
مَنْصُورِ بنِ صَفِيَّةَ: حَدَّثَتْنِي أُُمِّي عَنْ
عَائِشَةَ، رَضِيَ الله عَنْها. قَالَتْ: تُوُفِّيَ
رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَدْ شَبِعْنا
مِنَ الأسْوَدَيْنِ: التَّمْرِ وَالمَاءِ.
مطابقته هَذَا التَّعْلِيق عَن مُحَمَّد بن يُوسُف شيخ
البُخَارِيّ للجزء الثَّانِي للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. .
وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَمَنْصُور بن صَفِيَّة،
بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَكسر الْفَاء وَتَشْديد
الْيَاء آخر الْحُرُوف: بنت شيبَة بن عُثْمَان من بني عبد
الداربن قصي، ذكرت فِي الصحابيات، روى عَنْهَا ابْنهَا
مَنْصُور بن عبد الرَّحْمَن بن طَلْحَة بن الْحَارِث بن
طَلْحَة بن أبي طَلْحَة الحَجبي.
والْحَدِيث قد مر عَن قريب فِي: بَاب من أكل حَتَّى شبع،
وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، وَإِطْلَاق الْأسود على
المَاء من بَاب التغليب، وَكَذَلِكَ الشِّبَع مَكَان
الرّيّ.
5443 - حدَّثنا سَعِيدُ بنُ أبِي مَرْيَمَ حدَّثنا أبُو
غَسَّانَ. قَالَ: حدَّثني أبُو حَازِمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ
بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبِي
رَبِيعَةَ عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله رَضِيَ الله
عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ بِالمَدِينَةِ يَهُودِي وَكَانَ
يُسْلِفُنِي فِي تَمْرِي إلَى الجِذَاذِ، وَكَانَتْ
لِجَابِرٍ الأرْضُ الَّتِي بِطَرِيقِ رُومَةَ، فَجَلَسَتْ
نَخْلاً عَاما فَجَاءَنِي اليَهُودِيُّ عِنْدَ الجِذَاذِ
وَلَمْ أجُذَّ مِنْهَا شَيْئا، فَجَعَلْتُ أسْتَنْظِرُهُ
إلَى قَابِلٍ فَيَأْتِي، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ النبيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ لأصْحَابِهِ: امْشوا
نَسْتَنْظِر لِجابِرٍ مِنَ اليَهُودِيِّ فَجَاؤُنِي فِي
نَخْلِي، فَجَعَلَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
يِكَلِّمُ اليَهُودِيَّ فَيَقُولُ: أبَا القَاسِمِ لَا
أُنْظِرُهُ! فَلَمَّا رَآهُ النبيُّ، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، قَامَ فَطَافَ فِي النَّخْلِ ثُمَّ جَاءَهُ
فَكَلَّمَهُ فَأبَى. فَقُمْتُ فَجِئْتُ بِقَلِيلٍ رُطِبٍ
فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَي النبيِّ، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، فَأكَلَ ثُمَّ قَالَ: أيْنَ عَرِيشُكَ يَا جَابِرُ؟
فَأخْبَرْتُهُ فَقَالَ: افْرُشْ لِي فِيهِ فَفَرَشْتُهُ
فَدَخَلَ فَرَقَدَ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ، فَجِئْتُهُ
بِقَبْضَةٍ أُخْرَى فَأكَلَ مِنْها ثُمَّ قَامَ فَكَلَمَ
اليَهُودِيُّ فَأبَى عَلَيْهِ فَقَامَ فِي الرِّطابِ فِي
النَّخْلِ الثَّانِيَةِ، ثُمَّ قَالَ: يَا جَابِرُ خُذُّ
وَاقْضِ فَوَقَفَ فِي الجَذَاذِ
(21/68)
فَجَذَذْتُ مِنْهَا مَا قَضَيْتُهُ
وَفَضَلَ مِثْلُهُ فَخَرَجْتُ حَتَّى جِئْتُ النبيَّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَبَشَّرْتُهُ. فَقَالَ: أشْهَدُ
أنِّي رَسُولُ الله.
مطابقته للجزء الأول من التَّرْجَمَة فِي ذكر الرطب فِي
ثَلَاثَة مَوَاضِع، وَأَبُو غَسَّان بِفَتْح الْغَيْن
الْمُعْجَمَة وَتَشْديد السِّين الْمُهْملَة وبالنون اسْمه
مُحَمَّد بن مطرف، وَأَبُو حَازِم سَلمَة بن دِينَار،
وَإِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن أبي
ربيعَة المَخْزُومِي، وَاسم أبي ربيعَة عَمْرو، وَيُقَال:
حُذَيْفَة، وَكَانَ يلقب ذَا الرمحين، وَهُوَ من مسلمة
الْفَتْح وَولى الْجند من بِلَاد الْيمن لعمر ابْن
الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. فَلم يزل بهَا حَتَّى
جَاءَ لسنة حصر عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
لِيَنْصُرهُ فَسقط عَن رَاحِلَته فَمَاتَ ولإبراهيم عَنهُ
رِوَايَة فِي النَّسَائِيّ قَالَ أَبُو حَاتِم: إِنَّهَا
مُرْسلَة وَلَيْسَ لإِبْرَاهِيم فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا
الحَدِيث وَأمه أم كُلْثُوم بنت أبي بكر الصّديق، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، وَله رِوَايَة عَن أمه وخالته
عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَهَذَا من
أَفْرَاده، وَرَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن مُحَمَّد بن
أَحْمد بن الْقَاسِم: حَدثنَا يحيى بن صاعد حَدثنَا أَحْمد
بن مَنْصُور وَسَعِيد بن أبي مَرْيَم بِهِ سَوَاء، ثمَّ
قَالَ: هَذِه الْقِصَّة رَوَاهَا المعروفون فِيمَا كَانَ
على أبي جَابر، وَالسَّلَف إِلَى الْجذاذ مِمَّا لَا
يُجِيزهُ البُخَارِيّ وَغَيره فَفِي هَذَا الْإِسْنَاد
نظر، وَكَذَا قَالَ ابْن التِّين: الَّذِي فِي أَكثر
الْأَحَادِيث أَن الدّين كَانَ على وَالِد جَابر، وَأجِيب
بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْإِسْنَاد من ينظر فِي حَاله سوى
إِبْرَاهِيم، وَقد ذكره ابْن حبَان فِي (ثِقَات
التَّابِعين) وروى عَنهُ أَيْضا وَلَده إِسْمَاعِيل
وَالزهْرِيّ. قلت: قَالَ ابْن الْقطَّان: لَا يعرف حَاله
وَأجِيب: عَن قَوْله: وَالسَّلَف إِلَى الْجذاذ مِمَّا لَا
يُجِيزهُ البُخَارِيّ بِأَنَّهُ يُعَارضهُ الْأَمر بالسلم
إِلَى أجل مَعْلُوم فَيحمل على أَنه وَقع فِي الِاقْتِصَار
على الْجذاذ اختصارا وَأَن الْوَقْت كَانَ فِي الأَصْل
معينا. وَمن قَوْله: هَذِه الْقِصَّة رَوَاهَا المعروفون
فِيهَا كَانَ على أبي جَابر، بِأَن الْقِصَّة مُتعَدِّدَة
فَفعل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النّخل الْمُخْتَص
بجابر فِيمَا كَانَ عَلَيْهِ من الدّين كَمَا فعل فِيمَا
كَانَ على وَالِده من الدّين، وَالله أعلم.
قَوْله: (يسلفني) ، بِضَم الْيَاء، من الإسلاف. قَوْله:
(إِلَى الْجذاذ) ، بِكَسْر الْجِيم وَيجوز فتحهَا وبالذال
الْمُعْجَمَة وَيجوز أهمالها أَي: زمن قطع ثَمَر النّخل
وَهُوَ الصرام. قَوْله: (وَكَانَت لجَابِر الأَرْض الَّتِي
بطرِيق رومة) ، فِيهِ الْتِفَات من الحضرة إِلَى
الْغَيْبَة، وَكَانَ الْقيَاس أَن يُقَال: وَكَانَت لي
الأَرْض الَّتِي بطرِيق رومة. فَإِن قلت: هَل يجوز أَن
يكون مدرجا من كَلَام الرَّاوِي؟ قلت: يمنعهُ مَا رَوَاهُ
أَبُو نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) من طَرِيق الرَّمَادِي عَن
سعيد بن أبي مَرْيَم شيخ البُخَارِيّ فِيهِ: وَكَانَت
الأَرْض لي بطرِيق رومة، بِضَم الرَّاء وَسُكُون الْوَاو،
وَهِي الْبِئْر الَّتِي اشْتَرَاهَا عُثْمَان، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، وسبلها، وَهِي فِي نفس الْمَدِينَة.
وَقيل: إِن رومة رجل من بني غفار كَانَت لَهُ الْبِئْر قبل
أَن يَشْتَرِيهَا عُثْمَان فنسبت إِلَيْهِ، وَقَالَ
الْكرْمَانِي: رومة بِضَم الرَّاء مَوضِع، وَفِي بَعْضهَا
بِضَم الدَّال الْمُهْملَة بدل الرَّاء ولعلها دومة
الجندل، وَقَالَ بَعضهم وَنقل الْكرْمَانِي: أَن فِي بعض
الرِّوَايَات دومة بدال بدل الرَّاء ولعلها دومة الجندل
قَالَ: وَهَذَا بَاطِل، لِأَن دومة الجندل إِذْ ذَاك لم
تكن فتحت حَتَّى يُمكن أَن يكون لجَابِر فِيهَا أَرض
انْتهى. قلت: هَذَا الَّذِي قَالَه بَاطِل لِأَن الَّذِي
فِي الحَدِيث بطرِيق رومة، وَهَذَا ظَاهر، وَأما رِوَايَة
الدَّال فمعناها: كَانَت لجَابِر أَرض كائنة بِالطَّرِيقِ
الَّتِي يُسَافر مِنْهَا إِلَى دومة: الجندل، وَلَيْسَ
مَعْنَاهَا الَّتِي بدومة الجندل حَتَّى يُقَال: لِأَن
دومة الجندل إِذْ ذَاك لم تكن فتحت، ودومة الجندل على عشر
مراحل من الْمَدِينَة. قَوْله: (فَجَلَست) ، كَذَا هُوَ
بِالْجِيم وَاللَّام فِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ وَأبي ذَر،
وَعَلِيهِ أَكثر الروَاة، وَالضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى
الأَرْض أَي: فَجَلَست الأَرْض من الأثمار نخلا بالنُّون
وَالْخَاء الْمُعْجَمَة أَي: من جِهَة النّخل قَالَ
عِيَاض: وَكَانَ أَبُو مَرْوَان من سراج يصوب هَذِه
الرِّوَايَة إلاَّ أَنه يضبطها على صِيغَة الْمُتَكَلّم
بِضَم التَّاء ويفسره أَي: تَأَخَّرت عَن الْقَضَاء،
وَيَقُول: فَخَلا، بِالْفَاءِ وَالْخَاء الْمُعْجَمَة
وَاللَّام الْمُشَدّدَة من التَّخْلِيَة. أَي: تَأَخّر
السّلف عَاما. وَقَالَ: وَوَقع للأصيلي: فحبست، بحاء
مُهْملَة ثمَّ بَاء مُوَحدَة على صِيغَة الْمَجْهُول،
وَفِي رِوَايَة أبي الْهَيْثَم فخاست، بِالْخَاءِ
الْمُعْجَمَة وَبعد الْألف سين مُهْملَة يَعْنِي: خَالَفت
(21/69)
معهودها وَحملهَا يُقَال: خاس فلَان عَهده
إِذا خانه أَو تغير عَن عَادَته وخاس الشَّيْء إِذا تغير،
وروى خنست، بخاء مُعْجمَة ثمَّ نون أَي: تَأَخَّرت.
قَوْله: (وَلم أجد) ، بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الْجِيم
وَتَشْديد الدَّال وَيجوز فِي مثل هَذِه الْمَادَّة
ثَلَاثَة أوجه: الْفَتْح فِي آخِره وَالْكَسْر وَفك
الْإِدْغَام. قَوْله: (استنظره) ، أَي: اطلب مِنْهُ أَن
ينظرني إِلَى قَابل أَي: عَام آتٍ. قَوْله: (فيأبى) ، أَي:
فَيمْتَنع الْيَهُودِيّ عَن النظرة. قَوْله: (فَأخْبر) ،
على صِيغَة الْمَجْهُول من الْمَاضِي، قيل: يحْتَمل أَن
يكون بِضَم الرَّاء على صِيغَة نفس الْمُتَكَلّم من
الْمُضَارع وَالضَّمِير فِيهِ لجَابِر، وَوَقع فِي
رِوَايَة أبي نعيم (الْمُسْتَخْرج) فَأخْبرت. قَوْله:
(أَبَا الْقَاسِم) ، أَي: يَا أَبَا الْقَاسِم فَحذف
مِنْهُ حرف النداء. قَوْله: (عريشك) ، الْعَريش مَا يستظل
بِهِ عِنْد الْجُلُوس تَحْتَهُ، وَقيل: الْبناء، على مَا
يَجِيء الْآن أَرَادَ أَيْن الْمَكَان الَّذِي اتخذته فِي
بستانك لتستظل بِهِ وَتقبل فِيهِ؟ قَوْله: (فَجِئْته) ،
أَي: النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (قَبْضَة
أُخْرَى) ، أَي: من الرطب. قَوْله: (فَقَامَ فِي الرطاب
فِي النّخل الثَّانِيَة) ، بِالنّصب أَي: الْمرة
الثَّانِيَة، وَلَا يظنّ أَنه صفة النّخل لِأَنَّهُ مَا
ثمَّ إلاَّ نحل وَاحِد. قَوْله: (جد) ، بِضَم الْجِيم
وَتَشْديد الدَّال الْمَفْتُوحَة. وَهُوَ أَمر من جد يجد،
وَيجوز فِيهِ أَيْضا الْأَوْجه الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة،
وَلَا يدْرك طعم هَذَا إلاَّ من لَهُ يَد فِي علم الصّرْف.
قَوْله: (وأقض) ، أَمر من الْقَضَاء. أَي: افض الدّين
الَّذِي عَلَيْك، يَعْنِي: أوفه لِلْيَهُودِيِّ. قَوْله:
(وَفضل مثله) ، أَي: مثل الدّين، ويروى: وَفضل مِنْهُ.
قَوْله: (أشهد أَنِّي رَسُول الله) ، إِنَّمَا قَالَ ذَلِك
لِأَن فِيهِ خرق الْعَادة الظَّاهِرَة، وَهُوَ دَلِيل من
أَدِلَّة النُّبُوَّة وَعلم من أعلامها حَيْثُ قضى
بِالْقَلِيلِ الَّذِي لم يكن يَفِي بِدِينِهِ تَمام الدّين
وَفضل مِنْهُ مثله.
(عَرْشٌ وَعَرِيشٌ بِناءٌ. وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ:
مَعْرُوشاتٍ مَا يُعَرِشُ مِنَ الكُرُومِ وَغَيْرِ ذالِكَ،
يُقالُ: عُرُوشُها أبْنِيَتُها قَالَ مُحَمَّدُ بنُ
يُوسُفَ: قَالَ أبُو جَعْفَرِ: قَالَ مُحَمَّدُ بنُ
إسْمَاعِيلَ فَخَلَّى لَيْسَ عِنْدِي مُقيَّدا ثُمَّ
قَالَ: نَخْلاً لَيْسَ فِيهِ شَكٌّ) .
هَذَا كُله لم يثبت إلاَّ للمستملي. قَوْله: (عرش وعريش
بِنَاء) يَعْنِي: أَن الْعَرْش بِفَتْح الْعين وَسُكُون
الرَّاء، وعريش بِكَسْر الرَّاء بعْدهَا يَاء آخر
الْحُرُوف سَاكِنة مَعْنَاهُمَا بِنَاء هَكَذَا فسره أَبُو
عُبَيْدَة. قَوْله: (وَقَالَ ابْن عَبَّاس: معروشات) قد مر
هَذَا فِي آخر تَفْسِير سُورَة الْأَنْعَام. قَوْله:
(يُقَال: عروشها أبنيتها) أَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِير
قَوْله تَعَالَى: {خاوية على عرشها} (الْبَقَرَة: 259)
أَي: على أبنيتها، وَهُوَ تَفْسِير أبي عُبَيْدَة أَيْضا.
وَمُحَمّد بن يُوسُف هُوَ الْفربرِي، وَأَبُو جَعْفَر
مُحَمَّد بن أبي حَاتِم، وَمُحَمّد بن إِسْمَاعِيل هُوَ
البُخَارِيّ قَوْله: (فَخَلا لَيْسَ عِنْدِي مُقَيّدا)
أَي: مضبوطا، ثمَّ قَالَ: (نخلا) يَعْنِي: بالنُّون
وَالْخَاء الْمُعْجَمَة (لَيْسَ فِيهِ شكّ) هَذَا هُوَ
الَّذِي يظْهر، وَالله أعلم.
42 - (بَابُ: {أكْلِ الجُمَّارِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أكل الْجمار، وَهُوَ بِضَم
الْجِيم وَتَشْديد الْمِيم جمع جمارة، وَهِي قلب
النَّخْلَة وشحمتها.
5444 - حدَّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ بنِ غَيَّاثٍ حدَّثنا
أبِي حدَّثنا الأعْمَشُ قَالَ: حدَّثني مُجاهِدٌ عَنْ
عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ، رَضِيَ الله عَنْهُما. قَالَ:
بَيْنا نَحْنُ عِنْدَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
جُلُوسٌ إذْ أُتِيَ بِجُمَّارِ نَخْلَةٍ. فَقَالَ النبيُّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إنّ مِنَ الشَّجَرِ لما
بَرَكَتُهُ كَبَرَكَةِ المُسْلِمِ فَظَنَنْتُ أنَّهُ
يَعْنِي النَّخْلَةِ، فَأرَدْتُ أنْ أقُولَ: هِيَ
النَّخْلَةُ يَا رَسُولَ الله؟ ثُمَّ الْتَفَتُّ فَإذا
أنَا عَاشِرُ عَشْرَةٍ أنَا أحْدَثُّهُمْ فَسَكَتُّ
فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هِيَ
النَّخْلَةُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. من حَدِيث ذكر الْجمار،
وَلَيْسَ فِيهِ ذكر أكلهَا، وَلَكِن من الْمَعْلُوم أَنه
إِنَّمَا أَتَى بهَا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لأجل أكلهَا.
وَهَذَا الحَدِيث قد مضى فِي كتاب الْعلم فَإِنَّهُ أخرجه
فِيهِ فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع: الأول: فِي: بَاب قَول
الْمُحدث حَدثنَا قُتَيْبَة عَن إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر بن
عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر. وَالثَّانِي: فِي: بَاب
طرح الإِمَام الْمَسْأَلَة عَن خَالِد بن مخلد عَن
سُلَيْمَان عَن عبد الله بن دِينَار. الثَّالِث: بَاب
الْفَهم فِي الْعلم، عَن عَليّ عَن سُفْيَان عَن ابْن أبي
نجيح عَن مُجَاهِد. الرَّابِع: فِي: بَاب الْحيَاء فِي
الْعلم، عَن إِسْمَاعِيل عَن مَالك عَن عبد الله بن
دِينَار، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (لما بركته) كلمة مَا زَائِدَة وَاللَّام
للتَّأْكِيد ويروى: لَهَا بركَة أَي: للشجر فأنث
بِاعْتِبَار النَّخْلَة أَو نظرا إِلَى اعْتِبَار
الْجِنْس. قَوْله: (فَظَنَنْت أَنه) أَي: أَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يَعْنِي أَي: يقْصد النَّخْلَة.
قَوْله: (أحدثهم) أَي: أَصْغَرهم سنا، فَسكت رِعَايَة لحق
الأكابر.
(21/70)
43 - (بَابُ: {العَجْوَةِ} )
أَي: هَذَا بَاب فضل الْعَجْوَة على غَيرهَا من التَّمْر
وَفِي (التَّرْغِيب) على أكلهَا وَهِي بِفَتْح الْعين
الْمُهْملَة وَسُكُون الْجِيم وَهِي أَجود تمر الْمَدِينَة
ويسمونه: لينَة، وَقيل: هِيَ أكبر من الصيحاني يضْرب إِلَى
السوَاد، وَذكر ابْن التِّين أَن الْعَجْوَة غرس النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
5445 - حدَّثنا جُمْعَةُ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا
مَرْوَانُ أخبرنَا هَاشِمُ بنُ هَاشِمٍ أخْبَرنا عَامِرُ
بنُ سَعْدٍ عَنْ أبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: مَنْ تَصَبَّحَ كلَّ يَوْمٍ سَبْعَ
تَمَرَاتٍ عَجْوَةٍ لَمْ يَضُرَّهُ فِي ذالِكَ اليَوْمِ
سُمٌّ وَلا سِحْرٌ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وجمعة، بِضَم الْجِيم
وَسُكُون الْمِيم: ابْن عبد الله بن زِيَاد بن شَدَّاد
السّلمِيّ أَبُو بكر الْبَلْخِي، وَيُقَال: اسْمه يحيى
وجمعة لقب، وَيُقَال لَهُ أَيْضا: أَبُو خاقَان وَكَانَ من
أَئِمَّة الرَّأْي أَولا ثمَّ صَار من أَئِمَّة الحَدِيث.
قَالَ ابْن حبَان فِي (الثِّقَات) : مَاتَ سنة ثَلَاث
وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ بل
وَلَا فِي الْكتب السِّتَّة سوى هَذَا الحَدِيث، ومروان
هُوَ ابْن مُعَاوِيَة الْفَزارِيّ بِفَتْح الْفَاء
وَتَخْفِيف الزَّاي وبالراء، وهَاشِم بن هَاشم بن عتبَة
بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة
من فَوق ابْن أبي وَقاص الزُّهْرِيّ، وعامر بن سعد يروي
عَن أَبِيه سعد بن أبي وَقاص، وَأَبُو وَقاص اسْمه مَالك
بن أهيب الزُّهْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الطِّبّ عَن
عَليّ بن عبد الله وَأخرجه مُسلم فِي الْأَطْعِمَة عَن أبي
بكر بن أبي شيبَة وَغَيره. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي
الطِّبّ عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة وَأخرجه النَّسَائِيّ
فِي الْوَلِيمَة عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَغَيره.
قَوْله: (من تصبح) ، أَي: أكل صباحا قبل أَن يَأْكُل
شَيْئا. قَوْله: (عَجْوَة) ، مجرور بِالْإِضَافَة من
إِضَافَة الْعَام إِلَى الْخَاص، ويروى: عَجْوَة بِالنّصب
على التَّمْيِيز. قَوْله: (لم يضرّهُ) ، بِضَم الضَّاد
وَتَشْديد الرَّاء من الضَّرَر، ويروى: لم يضرّهُ، بِكَسْر
الضَّاد وَسُكُون الرَّاء من ضاره يضيره ضيرا إِذا أضره.
قَوْله: (سم) ، يجوز الحركات الثَّلَاث فِي السِّين،
وَقَالَ الْخطابِيّ: كَونهَا عوذة من السحر والسم إِنَّمَا
هُوَ من طَرِيق التَّبَرُّك لدَعْوَة سلفت من النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهَا، لَا لِأَن من طبع التَّمْر
ذَلِك.
وَقَالَ النَّوَوِيّ: تَخْصِيص من عَجْوَة الْمَدِينَة
وَعدد السَّبع من الْأُمُور الَّتِي علمهَا الشَّارِع
وَلَا نعلم نَحن حكمتها فَيجب الْإِيمَان بهَا وَهُوَ
كأعداد الصَّلَوَات وَنصب الزَّكَاة، وَقَالَ الْمظهر:
يجوز أَن يكون فِي ذَلِك النَّوْع مِنْهُ هَذِه الخاصية،
وَفِي (الْعِلَل الْكَبِير: الدَّارَقُطْنِيّ: من أكل
مِمَّا بَين لابثي الْمَدِينَة سبع تمرات على الرِّيق،
وَفِي لفظ: من عَجْوَة الْعَالِيَة الحَدِيث، وروى
الدَّارمِيّ بِإِسْنَادِهِ من حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهَا، أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: فِي عَجْوَة الْعَالِيَة شِفَاء أَو ترياق أول
البكرة على الرِّيق، وَعَن شهر بن حَوْشَب عَن أبي سعيد
وَأبي هررة رَفَعَاهُ الْعَجْوَة من الْجنَّة وفيهَا
شِفَاء من السم، وَعَن مشمعل بن إِيَاس: حَدثنِي عَمْرو بن
سليم حَدثنِي، رَافع بن عَمْرو الْمُزنِيّ مَرْفُوعا:
الْعَجْوَة والصخرة من الْجنَّة، روى ابْن عدي من حَدِيث
الطفَاوِي عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة مَرْفُوعا،
يمْنَع من الجذام أَن يَأْخُذ سبع تمرات من عَجْوَة
الْمَدِينَة كل يَوْم يفعل ذَلِك سَبْعَة أَيَّام ثمَّ
قَالَ: لَا أعلم رَوَاهُ بِهَذَا الْإِسْنَاد غير
الطفَاوِي، وَله غرائب وإفرادات وَكلهَا يحْتَمل وَلم أر
للْمُتَقَدِّمين فِيهِ كلَاما. قلت: قَالَ ابْن معِين:
فِيهِ صَالح. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: صَدُوق، والطفاوي
بِضَم الطَّاء وَتَخْفِيف الْفَاء نِسْبَة إِلَى بني طفاوة
وَقيل: الطفاوة منزل بِالْبَصْرَةِ، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ
فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من عَجْوَة
الْمَدِينَة تَخْصِيص الْمَدِينَة، أما لما فِيهَا من
الْبركَة الَّتِي حصلت فِيهَا بدعائه أَو لِأَن تمرها أوفق
لمزاجه من أجل قعوده بهَا.
44 - (بَابُ: {القِرَانِ فِي التَّمْرِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْقرَان فِي التَّمْر
وَلم يذكر حكمه اكْتِفَاء بِالَّذِي ذكره فِي حَدِيث
الْبَاب، وَهُوَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَنهُ
وَالْقرَان: بِكَسْر الْقَاف من قرن بَين الشَّيْئَيْنِ
يقرن ويقرن بِضَم الرَّاء وَكسرهَا قرانا وَالْمرَاد ضم
تَمْرَة إِلَى تَمْرَة لمن أكل مَعَ جمَاعَة، وَقد ورد فِي
لفظ الحَدِيث الْقرَان والإقران من أقرن، وَالْمَشْهُور
اسْتِعْمَاله ثلاثيا وَعَلِيهِ اقْتصر الْجَوْهَرِي. وَحكى
ابْن الْأَثِير: الإقران.
(21/71)
5446 - حدَّثنا آدَمُ حدَّثنا شُعْبَةُ
حدَّثنا جَبَلَةُ بنُ سُحَيْمٍ قَالَ: أصابَنا عَامُ سَنةٍ
مَعَ ابنِ الزُّبَيْرِ رُزِقَنا تَمْرا فَكَانَ عَبْدُ
الله بنُ عُمَرَ يَمُرُّ بِنا وَنَحْنُ نَأْكُلُ
وَيَقُولُ: لَا تُقارِنُوا فَإنَّ النبيَّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم نَهَى عَنِ القِرَانِ، ثُمَّ يَقُولُ:
إلاَّ أنْ يَسْتَأْذِنَ الرَّجُلُ أخاهُ.
قَالَ شُعْبَةُ: الإذْنُ مِنْ قَوْلِ ابنِ عُمَرَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وجبلة بِفَتْح الْجِيم
وَالْبَاء الْمُوَحدَة الْخَفِيفَة، من سحيم، بِضَم
السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون
الْيَاء آخر الْحُرُوف التَّابِعِيّ الْكُوفِي الثِّقَة
مَاله فِي البُخَارِيّ عَن غير ابْن عمر شَيْء.
والْحَدِيث قد مضى فِي الْمَظَالِم عَن حَفْص ابْن عمر،
وَفِي الشّركَة عَن أبي الْوَلِيد. وَأخرجه بَقِيَّة
الْجَمَاعَة، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (عَام سنة) بِالْإِضَافَة أَي: عَام قحط وَغَلَاء.
قَوْله: (مَعَ ابْن الزبير) ، وَهُوَ عبد الله بن الزبير
بن الْعَوام أَرَادَ أَيَّامه فِي الْحجاز. قَوْله:
(رزقنا) ، ويروى: فرزقنا بِالْفَاءِ أَي أَعْطَانَا فِي
أرزاقنا. وَهُوَ الْقدر الَّذِي كَانَ يصرف لَهُم فِي كل
سنة من الْخراج وَغَيره بدل النَّقْد تَمرا لقلَّة
النَّقْد إِذْ ذَاك بِسَبَب المجاعة الَّتِي حصلت. قَوْله:
(وَنحن نَأْكُل) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (لَا
تقارنوا) وَفِي رِوَايَة أبي الْوَلِيد فِي الشّركَة.
فَيَقُول: لَا تقرنوا، وَكَذَا لأبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ
فِي (مُسْنده) قَوْله: (نهى عَن الْقرَان) وَفِي رِوَايَة
الْأَكْثَرين: عَن الإقران من الثلاثي الْمَزِيد فِيهِ
قَوْله: (أَخَاهُ) أَي: صَاحبه الَّذِي اشْترك مَعَه فِي
أكل التَّمْر، فَإِذا أذن لَهُ فِي ذَلِك جَازَ.
وَقَالَ النَّوَوِيّ: اخْتلفُوا فِي هَذَا النَّهْي: هَل
هُوَ على التَّحْرِيم أَو الْكَرَاهَة؟ الصَّوَاب:
التَّفْصِيل فَإِن كَانَ الطَّعَام مُشْتَركا بَينهم
فالقران حرَام إلاَّ برضاهم، وَيحصل بتصريحهم أَو بِمَا
يقوم مقَامه من قرينَة حَال بِحَيْثُ يغلب على الظَّن
ذَلِك، وَإِن كَانَ الطَّعَام لغَيرهم حرم، وَإِن كَانَ
لأَحَدهم وَأذن لَهُم فِي الْأكل اشْترط وَيحرم
بِغَيْرِهِ، وَذكر الْخطابِيّ: أَن شَرط هَذَا
الاسْتِئْذَان إِنَّمَا كَانَ فِي زمنهم حَيْثُ كَانُوا
فِي قلَّة من الشَّيْء فأمَّا الْيَوْم مَعَ اتساع الْحَال
لَا يحْتَاج إِلَى الاسْتِئْذَان، وَاعْترض عَلَيْهِ
النَّوَوِيّ بِأَن الصَّوَاب التَّفْصِيل لِأَن الْعبْرَة
لعُمُوم اللَّفْظ لَا لخُصُوص السَّبَب لَو ثَبت السَّبَب
كَيفَ وَهُوَ غير ثَابت؟ وَيُقَوِّي هَذَا حَدِيث أبي
هُرَيْرَة أخرجه الْبَزَّار من طَرِيق الشّعبِيّ عَنهُ
قَالَ: قسم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَمرا
بَين أَصْحَابه فَكَانَ بَعضهم يقرن فَنهى رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يقرن إلاّ بِإِذن أَصْحَابه،
وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك) بِلَفْظ: كنت فِي
الصّفة فَبعث إِلَيْنَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بِتَمْر عَجْوَة. فَسَكَبت بَيْننَا وَكُنَّا نقرن
الثِّنْتَيْنِ من الْجُوع، فَكُنَّا إِذا قرن أَحَدنَا
قَالَ لأَصْحَابه: أَنِّي قد قرنت فأقرنوا، قَالَ هَذَا
حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ، وَقَالَ
الْبَزَّار: لم يروه عَن عَطاء بن السَّائِب عَن الشّعبِيّ
إلاَّ جرير بن عبد الحميد، وَرَوَاهُ عمرَان بن عُيَيْنَة
عَن عَطاء عَن مُحَمَّد بن عجلَان عَن أبي هُرَيْرَة
انْتهى. قَالَ: شَيخنَا وَعَطَاء بن السَّائِب تغير حفظه
بِآخِرهِ، وَجَرِير مِمَّن روى عَنهُ بعد اخْتِلَاطه،
قَالَه أَحْمد بن حَنْبَل: فَلَا يَصح الحَدِيث إِذا
وَالله أعلم. فَإِن قلت: روى الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ
فِي (الْأَوْسَط) من رِوَايَة يزِيد بن يزِيغ عَن عَطاء
الْخُرَاسَانِي عَن عبد الله بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كنت
نَهَيْتُكُمْ عَن الإقران فِي التَّمْر، فَإِن الله قد وسع
عَلَيْكُم فأقرنوا. قلت: يزِيد بن يزِيغ ضعفه يحيى بن
معِين وَالدَّارَقُطْنِيّ.
قَوْله: (قَالَ شُعْبَة: الْإِذْن من قَول ابْن عمر) ،
هُوَ مَوْصُول بالسند الَّذِي قبله، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى
أَنه مدرج، وَالْحَاصِل أَن أَصْحَاب شُعْبَة اخْتلفُوا
فأكثرهم رَوَاهُ عَنهُ. مدرجا وَطَائِفَة مِنْهُم رووا
عَنهُ التَّرَدُّد فِي كَون هَذِه الزِّيَادَة مَرْفُوعَة
أَو مَوْقُوفَة. وآدَم فِي رِوَايَة البُخَارِيّ جزم عَن
شُعْبَة بِأَن هَذِه الزِّيَادَة من قَول ابْن عمر، رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
45 - (بَابُ: {القثَّاء 27} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ذكر القثاء، وَهَذِه
التَّرْجَمَة زَائِدَة لَا فَائِدَة تحتهَا لِأَنَّهُ ذكر
عَن قريب: بَاب الرطب بالقثاء، وَذكر الحَدِيث الَّذِي
ذكره فِي هَذَا الْبَاب وَالِاخْتِلَاف بَينهمَا فِي
شَيْخه فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الْعَزِيز بن عبد
الله، وَهنا عَن إِسْمَاعِيل بن عبد الله، وَكِلَاهُمَا
عَن إِبْرَاهِيم بن سعد.
5447 - حدَّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ عَبْدِ الله قَالَ:
حدَّثني إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عَنْ أبِيهِ. قَالَ:
سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ جَعْفَرٍ قَالَ: رَأيْتُ النبيَّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأكُلُ الرُّطَبَ بِالْقِثَّاءِ.
(21/72)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: بالقثاء
وَإِسْمَاعِيل بن عبد الله هُوَ إِسْمَاعِيل بن أويس،
وَهنا صرح سعد وَالِد إِبْرَاهِيم بِالسَّمَاعِ عَن عبد
الله بن جَعْفَر وَهُنَاكَ روى بالعنعنة. فَافْهَم.
46 - (بَابُ: {بَرَكَةِ النَّخْلِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان بركَة النّخل.
5448 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ
طَلْحَةَ عَنْ زُبَيْدٍ عَنْ مجاهِدٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابنَ
عُمَرُ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: مِنَ
الشَّجَرِ تَكُونُ مِثْلَ المُسْلِمِ وَهِيَ النَّخْلَةُ.
هَذَا الحَدِيث قد مر عَن قريب فِي: بَاب أكل الْجمار،
وَقد أنهينا الْكَلَام هُنَاكَ. وَأَبُو نعيم الْفضل بن
دُكَيْن، وزبيد بِضَم الزَّاي وَفتح الْيَاء الْمُوَحدَة
وَالْبَاء آخر الْحُرُوف الساكنة وبالدال الْمُهْملَة مصغر
الزّبد.
47 - (بَابُ: {جَمْعِ اللَّوْنَيْنِ أوْ الطَّعامَيْنِ
بِمَرَّةٍ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم جمع اللونين أَو الطعامين
بِمرَّة. أَي: فِي حَالَة وَاحِدَة. وَهَذِه التَّرْجَمَة
سَقَطت. وحديثها من رِوَايَة النَّسَفِيّ وَلم يذكرهما
الْإِسْمَاعِيلِيّ أَيْضا. قَالَ الْمُهلب: لَا أعلم من
نهى عَن خلط الْأدم إلاَّ شَيْئا يرْوى عَن عمر وَيُمكن
أَن يكون ذَلِك من السَّرف، وَالله أعلم، لِأَنَّهُ كَانَ
يُمكن أَن يأتدم بِأَحَدِهِمَا وَيرْفَع لآخر إِلَى مرّة
أُخْرَى، وَلم يحرم ذَلِك عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
لأجل الِاتِّبَاع فِي أكل الرطب بالقثاء والقديد مَعَ
الدُّبَّاء، وَقد رُوِيَ عَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مَا يبين هَذَا روى عبد الله بن عمر
القواريري: حَدثنَا حَمْزَة بن نجيح الرقاشِي حَدثنَا
سَلمَة بن حبيب عَن أهل بَيت رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَنه، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، نزل
بقباء ذَات يَوْم وَهُوَ صَائِم فانتظره رجل يُقَال لَهُ:
أَوْس بن خولي، حَتَّى إِذا دنا إفطاره أَتَاهُ بقدح فِيهِ
لبن وَعسل، فَنَاوَلَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قدامه
فَوَضعه على الأَرْض. ثمَّ قَالَ: يَا أَوْس بن خولي مَا
شرابك هَذَا؟ قَالَ: هَذَا لبن وَعسل يَا رَسُول الله.
قَالَ: إِنِّي لَا أحرمهُ، وَلَكِنِّي أَدَعهُ تواضعا لله،
فَإِن من تواضع لله رَفعه الله، وَمن تكبر قصمه الله وَمن
بذر أفقره الله، وَمن اقتصد أغناه الله، وَمن ذكر الله
أحبه الله.
5449 - حدَّثنا ابنُ مُقاتِلٍ أخْبَرَنا عَبْدُ الله
أخْبَرَنا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عَنْ أبِيهِ عَبْدِ الله
ابنِ جَعْفَرٍ، رَضِيَ الله عَنْهُما، قَالَ: رَأيْتُ
رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْكُلُ الرُّطَبَ
بِالقِثَّاءِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَابْن مقَاتل هُوَ
مُحَمَّد بن مقَاتل الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن
الْمُبَارك الْمروزِي، وَقد مر الحَدِيث عَن قريب فِي:
بَاب القثاء، وَفِي بَاب: الرطب بالقثاء، وَمر الْكَلَام
فِيهِ.
48 - (بَابُ: {مَنْ أدْخَلَ الضّيفانَ بَيْنَهُ عَشْرَةً
عَشْرَةً، وَالجُلُوس عَلَى الطَّعَامِ عَشَرَةً عَشَرَةً}
)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر من أَدخل الضيفان بَيته عشرَة
عشرَة، وَفِي ذكر الْجُلُوس أَيْضا على الْمَائِدَة عشرَة
عشرَة، وَذَلِكَ لضيق الطَّعَام أَو لضيق الْمجْلس.
5450 - حدَّثنا الصَّلْتُ بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثنا حَمَّاد
بنُ زَيْدٍ عَنْ الجَعْدِ أبِي عُثْمَانَ عَنْ أنَسٍ.
ح وَعَنْ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أنَس.
ح وَعَنْ سِنانٍ أبِي رَبيعَةَ عَن أنَسٍ: أنَّ أُُمَّ
سُلَيْمٍ أُمَّهُ عَمَدَتْ إلَى مُدٍّ مِنْ شَعِيرٍ
جَشَّتْهُ وَجَعَلْتْ مِنْهُ خَطِيفَةُ وَعَصَرَتْ عُكَّةً
عِنْدَها ثُمَّ بَعَثَتنِي إلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، فأتَيْتُهُ وَهُوَ فِي أصْحَابِهِ فَدَعَوْتُهُ،
قَالَ: وَمَنْ مَعِي؟ فَجِئْتُ فَقُلْتُ: إنَّهُ يَقُولُ:
وَمَنْ مَعِي؟ فَخَرَجَ إلَيْهِ أبُو طَلْحَةَ، قَالَ: يَا
رَسُولَ الله، إنَّما هُوَ شَيْءٌ صَنَعْتْهُ أُُمُّ
سُلَيْمٍ فَدَخَلَ فَجِيءَ بِهِ، وَقَالَ: أدْخِلْ عَلَيَّ
عَشَرَةً، فَدَخَلُوا فَأكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ
قَالَ: أدْخِلْ عَلَيَّ عَشَرَةً، فَدَخَلُوا فَأكَلُوا
حَتَّى
(21/73)
شَبِعُوا، ثُمَّ قَالَ: أدْخِلْ عَلَيَّ
عَشَرَةً، حَتَّى عَدَّ أرْبَعِينَ ثُمَّ أكَلَ النبيُّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثُمَّ قَامَ فَجَعَلْتُ أنْظُرُ
هَلْ نَقَصَ مِنْها شَيْءٌ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَقد مرت هَذِه الْقِصَّة
فِي عَلَامَات النُّبُوَّة بأتم مِنْهَا، وَمضى الْكَلَام
فِيهَا.
وَأخرجه من ثَلَاث طرق: الأول: عَن الصَّلْت بن مُحَمَّد
الخاركي عَن حَمَّاد بن زيد عَن الْجَعْد بِفَتْح الْجِيم
وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة ابْن دِينَار الْيَشْكُرِي
الْبَصْرِيّ الصَّيْرَفِي المكني بِأبي عُثْمَان عَن أنس.
الطَّرِيق الثَّانِي: عَن حَمَّاد بن يزِيد عَن هِشَام بن
حسان الأزري عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أنس. الطَّرِيق
الثَّالِث: عَن حَمَّاد بن زيد عَن سِنَان، بِكَسْر
السِّين المهلمة وخفة النُّون المكنى بِأبي ربيعَة عَن
أنس، وَقَالَ عِيَاض: وَقع فِي رِوَايَة ابْن السكن:
سِنَان بن أبي ربيعَة، وَهُوَ خطأ، وَإِنَّمَا هُوَ سِنَان
أَبُو ربيعَة وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا
الحَدِيث، وَهُوَ مقرون بِغَيْرِهِ لِأَن يحيى بن معِين
وَأَبا حَاتِم تكلما فِيهِ، وَقَالَ ابْن عدي لَهُ
أَحَادِيث قَليلَة. وَأَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ.
قَوْله: (أَن أُم سليم أُمه) ، أَي: أُم أنس، وَفِي
اسْمهَا أَقْوَال، وَقد مر ذكرهَا مرَارًا عديدة. قَوْله:
(عَمَدت) ، أَي: قصدت. قَوْله: (جشته) بجيم وشين مُعْجمَة
من التجشية أَي: جعلته جشيشا، والجشيش دَقِيق غير ناعم.
قَوْله: (خطيفة) ، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر
الطَّاء وبالفاء وَهِي لبن يدر عَلَيْهِ الدَّقِيق ثمَّ
يطْبخ فيلعقه النَّاس ويختطفونه بِسُرْعَة، وَقَالَ
الْخطابِيّ: هِيَ الكبولاء، بِفَتْح الْكَاف وَضم الْبَاء
الْمُوَحدَة، تسمى بهَا لِأَنَّهَا قد تختطف بالملاعق.
قَوْله: (عكة) بِالضَّمِّ آنِية السّمن. قَوْله: (أَبُو
طَلْحَة) هُوَ زيد بن سهل زوج أم سليم. قَوْله: (إِنَّمَا
هُوَ شَيْء صَنعته أم سليم) يَعْنِي شَيْء قَلِيل، وَفِيه
اعتذار لنَفسِهِ. قَوْله: (أَدخل) بِفَتْح الْهمزَة أَمر
من الإدخال. قَوْله: (عشرَة) لَيْسَ للتنصيص عَلَيْهَا،
وَإِنَّمَا ذكرهَا لِأَنَّهَا كَانَت قَصْعَة وَاحِدَة
وَلَا يتمكنون من التَّنَاوُل مِنْهَا إِذا كَانُوا أَكثر
من عشرَة مَعَ قلَّة الطَّعَام قَالَ ابْن بطال:
الِاجْتِمَاع على الطَّعَام من أَسبَاب الْبركَة، وَقد روى
أَبُو دَاوُد من حَدِيث وَحشِي بن حَرْب رَفعه: اجْتَمعُوا
على طَعَامكُمْ واذْكُرُوا اسْم الله يُبَارك لكم قَوْله:
(فَجعلت أنظر) إِلَى آخِره. قَائِله: أنس.
وَفِيه: معْجزَة من معجزاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
حَيْثُ شبع أَرْبَعُونَ وَأكْثر من مد وَاحِد وَلم يظْهر
فِيهِ نُقْصَان.
49 - (بَابُ: {مَا يُكْرَهُ مِنَ الثَّومِ وَالبُقُولِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يكره من أكل الثوم من نيئه
ومطبوخه، وَمَا يكره أَيْضا من أَنْوَاع الْبُقُول، مثل
الكراث وَنَحْوه مِمَّا لَهُ رَائِحَة كريهة، والثوم بِضَم
الثَّاء الْمُثَلَّثَة ولغة البلدين: توم بِالتَّاءِ
الْمُثَنَّاة من فَوق.
(فِيهِ عَنْ ابنِ عُمَرَ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم)
أَي: فِي بَيَان هَذَا الْبَاب رُوِيَ عَن عبد الله بن عمر
عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمر هَذَا
مُسْندًا فِي آخر كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب مَا جَاءَ فِي
الثوم النيء والبصل والكراث، قَالَ: حَدثنَا مُسَدّد
قَالَ: حَدثنَا يحيى عَن عبيد الله. قَالَ: حَدثنَا نَافِع
عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: فِي غَزْوَة
خَيْبَر: من أكل من هَذِه الشَّجَرَة. يَعْنِي: الثوم،
فَلَا يقربن مَسْجِدنَا وَمر الْكَلَام فِيهِ.
5451 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا عَبْدُ الوَارِثِ عَنْ
عَبْدِ العَزِيزِ قَالَ: قِيلَ لأنسٍ: مَا سَمِعْتَ
النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الثُّومِ؟ فَقَالَ:
مَنْ أكَلَ فَلاَ يَقْرَبَنَ مَسْجِدَنا.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَعبد الْوَارِث هُوَ ابْن
سعيد، وَعبد الْعَزِيز هُوَ ابْن صُهَيْب، والْحَدِيث مضى
فِي الْبَاب الَّذِي ذَكرْنَاهُ الْآن فَإِنَّهُ أخرجه
هُنَاكَ عَن أبي معمر عَن عبد الْوَارِث إِلَى آخرهِ.
قَوْله: (من أكل الثوم) يتَنَاوَل النيء والنضيج، وَهَذَا
عذر فِي ترك الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة وَذَلِكَ لِأَن
رَائِحَته تؤذي جَاره فِي الْمَسْجِد وتنقر الْمَلَائِكَة
عَنْهَا وَمَرَّتْ مباحثه هُنَاكَ.
5452 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا أبُو
صَفْوَانَ عَبْدُ الله بنُ سَعِيدٍ أخْبرنا يُونُسُ عَنِ
ابنِ
(21/74)
شِهابٍ قَالَ حدَّثني عَطاءٌ أنَّ جَابِرَ
بنَ عَبْدِ الله رَضِيَ الله عَنْهُما زَعَمَ عَنِ النبيِّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: مَنْ أكَلَ ثُوما أوْ
بَصَلاً فَلْيَعْتَزِ لَنَا أوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنا.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (من أكل ثوما) وَلم
يُورد حَدِيثا فِي كَرَاهَة شَيْء من الْبُقُول نَحْو
الكراث، وَهَذَا الحَدِيث أَيْضا مضى فِي الْبَاب
الْمَذْكُور بأتم مِنْهُ. وَمر الْكَلَام فِيهِ.
50 - (بَابُ: {الكباث وَهُوَ تَمَرُ الأرَاكِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حل أكل الكباث، وَهُوَ بِفَتْح
الْكَاف وَالْبَاء الْمُوَحدَة الْخَفِيفَة والثاء
الْمُثَلَّثَة، وَهُوَ ثَمَر الْأَرَاك، بِفَتْح الْهمزَة
وَتَخْفِيف الرَّاء وبالكاف، وَهُوَ شجر مَعْرُوف لَهُ حمل
كعناقيد الْعِنَب، واسْمه الكباث، وَإِذا نضج سمي المرد
وَالْأسود مِنْهُ أَشد نضجا وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر
عَن مشايخه: وَهُوَ ورق الْأَرَاك وَاعْترض عَلَيْهِ ابْن
التِّين فَقَالَ ورق الْأَرَاك لَيْسَ بِصَحِيح وَالَّذِي
فِي اللُّغَة أَنه تمر الْأَرَاك وَقَالَ أَبُو عبيد هُوَ
تمر الْأَرَاك إِذا يبس وَلَيْسَ لَهُ عجم، وَقَالَ أَبُو
زِيَاد: يشبه التِّين يَأْكُلهُ النَّاس وَالْإِبِل
وَالْغنم، وَقَالَ أَبُو عمر: وَهُوَ حَار مالح كَانَ
فِيهِ ملحا.
5453 - حدَّثنا سَعِيدُ بنُ عُفَيْرٍ حدَّثنا ابنُ وَهَبٍ
عَنْ يُونُسَ عَنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ: أخْبَرَنِي أبُو
سَلَمَةَ قَالَ: أخبرَنِي جَابِرُ بنُ عَبْدِ الله. قَالَ:
كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَرِّ
الظِّهْرَانِ نَجْنِي الكَبَاثَ، فَقَالَ: عَلَيْكُمْ
بِالأسْوَدِ مِنْهُ فَإنَّهُ أيْطَبُ، فَقَالَ: أكُنْتَ
تَرْعَى الغَنَمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَهَلْ مِنْ نَبِيٍّ
إلاَّ رَعَاهَا.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَرِجَاله قد ذكرُوا غير
مرّة.
والْحَدِيث قد مضى فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم
السَّلَام.
قَوْله: (بمر الظهْرَان) بِفَتْح الْمِيم وَتَشْديد
الرَّاء، والظهران بِلَفْظ تَثْنِيَة الظّهْر وَهُوَ
مَوضِع على مرحلة من مَكَّة. قَوْله: (نجني) أَي: نقتطف
الكبات، وَكَانَ هَذَا فِي أول الْإِسْلَام عِنْد عدم
الأقوات فَإذْ قد أغْنى الله عباده بِالْحِنْطَةِ والحبوب
الْكَثِيرَة وسعة الرزق فَلَا حَاجَة بهم إِلَى ثَمَر
الْأَرَاك. قَوْله: (أيطب) ، مقلوب: أطيب، مثل أجذب وأجبذ،
ومعناهما وَاحِد. قَوْله: (فَقَالَ) أَي: جَابر: (أَكنت
ترعى الْغنم) ؟ ويروى: فَقيل الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على
سَبِيل الاستخبار، وَنقل ابْن التِّين عَن الدَّاودِيّ
الْحِكْمَة فِي اخْتِصَاص الْغنم بذلك لكَونهَا لَا تركب
فَلَا تزهو نفس راكبها. وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) كَانَ
بَعضهم يركب تيوس الْمعز فِي الْبِلَاد الْكَثِيرَة
الْجبَال والحرارة كَمَا ذكره المَسْعُودِيّ وَغَيره. قلت:
قَول من قَالَ: إِنَّه يركب تيوس الْمعز، عبارَة عَن كَون
تيوسهم كَبِيرَة جدا حَتَّى إِن أحدا يركب على تَيْس وَلَا
يفكر، وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ أَنهم يركبونها كركوب
غَيرهَا من الدَّوَابّ الَّتِي تركب. قَوْله: (وَهل من
نَبِي) أَي: وَمَا من نَبِي (إلاَّ رعى الْغنم) ؟
وَالْحكمَة فِيهِ أَن يَأْخُذ الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم
السَّلَام، لأَنْفُسِهِمْ بالتواضع وتصفي قُلُوبهم بالخلوة
ويترفوا من سياستها بِالنَّصِيحَةِ إِلَى سياسة أممهم
بالشفقة عَلَيْهِم، وهدايتهم إِلَى الصّلاح.
51 - (بَابُ: {المَضْمَضَةَ بَعْدَ الطَّعامِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فعل الْمَضْمَضَة بعد أكل
الطَّعَام.
5454 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا سُفْيَانُ
سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيدٍ عَنْ بُشَيْرٍ بنِ يَسارٍ
عَنْ سُوَيْدٍ بنِ النُّعْمَانِ قَالَ: خَرَجْنا مَعَ
رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلَى خَيْبَر،
فَلَمَّا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ دَعا بِطعام فَما أُتِيَ
إلاَّ بِسَوِيقٍ.
فَأَكَلْنا فَقَامَ إلَى الصَّلاةِ فَتَمَضْمَضَ
وَمَضْمَضْنا.
قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ بُشَيْرا يَقُولُ: حَدَّثنا
سُوَيْدٌ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم إلَى خَيْبَرَ فَلَمَّا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ قَالَ
يَحْيَى وَهِيَ مِنْ خَيْبَرَ عَلَى رَوْحَةٍ، دَعَا
بِطَعامٍ فَما أُتِيَ إلاَّ بِسَوِيقٍ، فَلُكْناهُ
فَأكلْنا مَعَهُ، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ
وَمَضْمَضْنا مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّى بِنا المَغْرِبَ وَلَمْ
يَتَوَضَأُ، وَقَالَ سُفْيَانُ: كَأنَّكَ تَسْمَعْهُ مِنْ
يَحْيَى.
(21/75)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَعلي هُوَ
ابْن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان
هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ،
وَبشير بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الشين
الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْبَاء آخر الْحُرُوف ابْن يسَار
ضد الْيَمين.
وَهَذَا الحَدِيث بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن مَعَ
بعض اخْتِلَاف فِيهِ بِزِيَادَة ونقصان قد مر فِي كتاب
الْأَطْعِمَة فِي بَاب {لَيْسَ على الْأَعْمَى حرج}
(النُّور: 61) وَقد مر الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (كَأَنَّك تسمعه من يحيي) ، أَي: قَالَ سُفْيَان
بن عُيَيْنَة: نقلت الحَدِيث من يحيى بن سعيد بِلَفْظِهِ
بِعَيْنِه صَحِيحا فكأنك مَا تسمعه إلاَّ مِنْهُ.
5454 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا سُفْيَانُ
سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيدٍ عَنْ بُشَيْرٍ بنِ يَسارٍ
عَنْ سُوَيْدٍ بنِ النُّعْمَانِ قَالَ: خَرَجْنا مَعَ
رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلَى خَيْبَر،
فَلَمَّا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ دَعا بِطعام فَما أُتِيَ
إلاَّ بِسَوِيقٍ.
فَأَكَلْنا فَقَامَ إلَى الصَّلاةِ فَتَمَضْمَضَ
وَمَضْمَضْنا.
قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ بُشَيْرا يَقُولُ: حَدَّثنا
سُوَيْدٌ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم إلَى خَيْبَرَ فَلَمَّا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ قَالَ
يَحْيَى وَهِيَ مِنْ خَيْبَرَ عَلَى رَوْحَةٍ، دَعَا
بِطَعامٍ فَما أُتِيَ إلاَّ بِسَوِيقٍ، فَلُكْناهُ
فَأكلْنا مَعَهُ، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ
وَمَضْمَضْنا مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّى بِنا المَغْرِبَ وَلَمْ
يَتَوَضَأُ، وَقَالَ سُفْيَانُ: كَأنَّكَ تَسْمَعْهُ مِنْ
يَحْيَى.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَعلي هُوَ ابْن عبد الله
الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن
عُيَيْنَة، وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، وَبشير بِضَم
الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون
الْبَاء آخر الْحُرُوف ابْن يسَار ضد الْيَمين.
وَهَذَا الحَدِيث بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن مَعَ
بعض اخْتِلَاف فِيهِ بِزِيَادَة ونقصان قد مر فِي كتاب
الْأَطْعِمَة فِي بَاب {لَيْسَ على الْأَعْمَى حرج}
(النُّور: 61) وَقد مر الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (كَأَنَّك تسمعه من يحيي) ، أَي: قَالَ سُفْيَان
بن عُيَيْنَة: نقلت الحَدِيث من يحيى بن سعيد بِلَفْظِهِ
بِعَيْنِه صَحِيحا فكأنك مَا تسمعه إلاَّ مِنْهُ.
52 - (بابُ: {لَعْقِ الأصَابِعِ وَمَصِّها قَبْلَ أنْ
تُمْسَحَ بِالمِنْدِيلِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان اسْتِحْبَاب لعلق الْأَصَابِع
ومصها بعد الْفَرَاغ من أكل الطَّعَام قبل أَن يمسح يَده
بالمنديل، وَإِنَّمَا قَيده بالمنديل إِشَارَة إِلَى مَا
وَقع فِي بعض طرق الحَدِيث كَمَا أخرجه مُسلم من طَرِيق
سُفْيَان الثَّوْريّ عَن أبي الزبير عَن جَابر بِلَفْظ:
فَلَا يمسح يَده بالمنديل، وَأَشَارَ بقوله: (ومصها) إِلَى
مَا وَقع فِي بعض طرقه عَن جَابر أَيْضا، فِيمَا أخرجه
ابْن أبي شيبَة من رِوَايَة أبي سُفْيَان عَنهُ بِلَفْظ:
إِذا طعم أحدكُم فَلَا يمسح يَده حَتَّى يمصها.
5456 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حَدَّثنا
سُفْيَانُ عَنْ عَمْروٍ بنِ دِينارٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ
ابنِ عبَّاسٍ أنَّ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
قَالَ: إذَا أكَلَ أحَدُكُمْ فَلا يَمْسَحْ يَدَهُ حَتَّى
يَلْعَقَهَا أوْ يُلْعِقَها.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْأَطْعِمَة عَن أبي بكر بن
أبي شيبَة وَغَيره، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْوَلِيمَة
عَن مُحَمَّد بن يزِيد وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي
الْأَطْعِمَة عَن ابْن أبي عَمْرو بِهِ.
قَوْله: (إِذا أكل أحدكُم) أَي: طَعَاما وَكَذَا فِي
رِوَايَة مُسلم. قَوْله: (حَتَّى يلعقها) بِفَتْح الْيَاء
من لعق يلعق من بَاب علم يعلم لعقا. قَوْله: (أَو يلعقها)
بِضَم الْيَاء. وَكلمَة: أَو لَيست للشَّكّ. وَإِنَّمَا
هِيَ للتنويع أَي: أَو يلعقها غَيره. وَقَالَ النَّوَوِيّ:
مَعْنَاهُ وَالله أعلم لَا يمسح يَده حَتَّى يلعقها هُوَ،
فَإِن لم يفعل فحتى يلعقها غَيره مِمَّن لَا يتقذر ذَلِك
كَزَوْجَة أَو ولدا وخادم يحبونه وَلَا يتقذرونه، وَكَذَا
من كَانَ فِي معناهم كتلميذ يعْتَقد الْبركَة بلعقها،
وَكَذَا لَو ألعقها شَاة وَنَحْوهَا. وَقَالَ
الْبَيْهَقِيّ كلمة: أَو للشَّكّ من الرَّاوِي، فَإِن
كَانَا جَمِيعًا محفوظين فَإِنَّمَا أَرَادَ أَن يلعقها
صَغِيرا أَو من يعلم أَنه لَا يتقذر بهَا وَيحْتَمل أَن
يكون أَرَادَ أَن يلعق إصبعه فَمه، فَيكون بِمَعْنى:
يلعقها، فَتكون: أَو للشَّكّ.
وَالْكَلَام فِي هَذَا الْبَاب على أَنْوَاع.
الأول: أَن نفس اللعق مُسْتَحبّ مُحَافظَة على تنظيفها
ودفعا للكبر، وَالْأَمر فِيهِ مَحْمُول على النّدب
والإرشاد عِنْد الْجُمْهُور، وَحمله أهل الظَّاهِر على
الْوُجُوب، وَقَالَ الْخطابِيّ: قد عَابَ قوم لعق
الْأَصَابِع، لِأَن الترفة أفسد عُقُولهمْ وَغير طباعهم
الشِّبَع والتخمة، وَزَعَمُوا أَن لعق الْأَصَابِع مستقبح
أَو مستقذر أَو لم يعلمُوا أَن الَّذِي على أَصَابِعه
جُزْء من الَّذِي أكله فَلَا يتحاشى مِنْهُ إلاَّ متكبر
ومترفه تَارِك للسّنة.
الثَّانِي: أَن من الْحِكْمَة فِي لعق الْأَصَابِع مَا
ذكره فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا
أكل أحدكُم فليلعق أَصَابِعه فَإِنَّهُ لَا يدْرِي فِي أَي
طَعَامه الْبركَة) . وَأخرجه مُسلم أَيْضا وَالنَّسَائِيّ
وَابْن مَاجَه من رِوَايَة سُفْيَان الثَّوْريّ عَن أبي
الزبير عَن جَابر. قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: إِذا وَقعت لقْمَة أحدكُم فليأخذها
فليُمِطْ مَا كَانَ بهَا من أَذَى وليأكلها وَلَا يَدعهَا
للشَّيْطَان. وَلَا يمسح يَده بالمنديل حَتَّى يلعق
أَصَابِعه فَإِنَّهُ لَا يدْرِي فِي أَي طَعَامه الْبركَة،
يَعْنِي: فِيمَا أكل أَو فِيمَا بَقِي فِي الْإِنَاء،
فيلعق يَده وَيمْسَح الْإِنَاء رَجَاء حُصُول الْبركَة.
وَالْمرَاد بِالْبركَةِ. وَالله أعلم مَا يحصل بِهِ
التغذية وتسلم عاقبته من أَذَى ويقوى على طَاعَة الله
تَعَالَى، وَغير ذَلِك، وَقَالَ النَّوَوِيّ: وأصل
الْبركَة الزِّيَادَة وَثُبُوت الْخَيْر والامتناع بِهِ.
وَالثَّالِث: أَنه يَنْبَغِي فِي لعق الْأَصَابِع
الِابْتِدَاء بالوسطى ثمَّ السبابَة ثمَّ الْإِبْهَام.
كَمَا جَاءَ فِي حَدِيث كَعْب بن عجْرَة رَوَاهُ
الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَأْكُل بأصابعه الثَّلَاث قبل
أَن يمسحها بالإبهام وَالَّتِي تَلِيهَا وَالْوُسْطَى،
ثمَّ رَأَيْته يلعق أَصَابِعه الثَّلَاث فيلعق الْوُسْطَى
ثمَّ الَّتِي تَلِيهَا ثمَّ الْإِبْهَام، وَكَانَ السَّبَب
فِي ذَلِك أَن الْوُسْطَى أَكثر الثَّلَاثَة تلويثا
بِالطَّعَامِ لِأَنَّهَا أعظم الْأَصَابِع وأطولها. فَينزل
فِي الطَّعَام مِنْهُ أَكثر مِمَّا ينزل من السبابَة،
وَينزل من السبابَة فِي الطَّعَام أَكثر من الْإِبْهَام
لطول السبابَة على الْإِبْهَام وَيحْتَمل أَن يكون البدء
بالوسطى لكَونهَا أول مَا ينزل فِي الطَّعَام لطولها.
وَالرَّابِع: أَن فِي الحَدِيث: فَلَا يمسح يَده حَتَّى
يلعقها، وَهَذَا
(21/76)
مُطلق، وَالْمرَاد بِهِ الْأَصَابِع
الثَّلَاث الَّتِي أَمر بِالْأَكْلِ بهَا كَمَا فِي حَدِيث
أنس أخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ
وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة عَن ثَابت
عَن أنس، أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ
إِذا أكل طَعَاما لعق أَصَابِعه الثَّلَاث وَبَين
الثَّلَاث فِي حَدِيث كَعْب بن عجْرَة الْمَذْكُور أنفًا:
وَهَذَا يدل على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ
يَأْكُل بِهَذِهِ الثَّلَاث الْمَذْكُورَة فِي حَدِيث
كَعْب. وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: فَإِن شَاءَ أحد أَن
يَأْكُل بالخمس فَليَأْكُل فقد كَانَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، يتعرق الْعظم وينهش اللَّحْم وَلَا يُمكن
أَن يكون ذَلِك فِي الْعَادة إلاَّ بالخمس كلهَا. وَقَالَ
شَيخنَا: فِيهِ نظر لِأَنَّهُ يُمكن بِالثلَاثِ، وَلَئِن
سلمنَا مَا قَالَه: فَلَيْسَ هَذَا أكلا بالأصابع الْخمس،
وَإِنَّمَا هُوَ مُمْسك بالأصابع فَقَط لَا آكل بهَا،
وَلَئِن سلمنَا أَنه آكل بهَا لعدم الْإِمْكَان فَهُوَ
مَحل الضَّرُورَة كمن لَيْسَ لَهُ يَمِين، فَلهُ الْأكل
بالشمال. قلت: حَاصِل هَذَا أَن شَيخنَا منع اسْتِدْلَال
ابْن الْعَرَبِيّ بِمَا ذكره، وَالْأَمر فِيهِ أَن السّنة
أَن يَأْكُل بالأصابع الثَّلَاث وَإِن أكل بالخمس فَلَا
يمْنَع، وَلكنه يكون تَارِكًا للسّنة إلاَّ عِنْد
الضَّرُورَة فَافْهَم.
الْخَامِس: أَنه ورد أَيْضا اسْتِحْبَاب لعق الصحفة أَيْضا
على مَا روى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث الْعِرْبَاض بن
سَارِيَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: من لعق الصحفة ولعق أَصَابِعه أشبعه الله فِي
الدُّنْيَا وَالْآخِرَة. وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي
الْيَمَان. قَالَ: حَدَّثتنِي أم عَاصِم، وَكَانَت أم ولد
لسنان بن سَلمَة قَالَت: دخل علينا نُبَيْشَة الْخَيْر
وَنحن نَأْكُل فِي قَصْعَة، فحدثنا أَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: من أكل فِي قِطْعَة ثمَّ
لحسها استغفرت لَهُ الْقَصعَة، وَقَالَ: هَذَا حَدِيث
غَرِيب، ونبيشة، بِضَم النُّون وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة
وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبشين مُعْجمَة: ابْن عبد
الله بن عَمْرو بن عتاب بن الْحَارِث بن نصير بن حُصَيْن
بن رابغة، وَقيل: لرابغة بن لحيان بن هُذَيْل بن مدركة بن
الياس بن مُضر بن نزار الْهُذلِيّ، وَيُقَال لَهُ
نُبَيْشَة الْخَيْر، وَيُقَال: الْخَيل بِاللَّامِ، وَهُوَ
ابْن عَم سَلمَة بن المحبق.
السَّادِس: مَا المُرَاد باستغفار الْقَصعَة؟ يحْتَمل أَن
الله تَعَالَى يخلق فِيهَا تمييزا أَو نطقا تطلب بِهِ
الْمَغْفِرَة، وَقد ورد فِي بعض الْآثَار أَنَّهَا تَقول:
آجرك الله كَمَا آجرتني من الشَّيْطَان، وَلَا مَانع من
الْحَقِيقَة. وَيحْتَمل أَن يكون ذَلِك مجَازًا كنى بِهِ.
53 - (بَابُ: {المِنْدِيلِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ ذكر المنديل. قَالَ الْجَوْهَرِي:
المنديل مَعْرُوف. تَقول مِنْهُ: تندلت بالمنديل وتمندلت،
وَأنكر الْكسَائي تمندلت. قلت: هَذَا يدل على أَن الْمِيم
فِيهِ زَائِدَة وَذكره أَيْضا. فِي بَاب ندل، وَذكر فِي
بَاب منديل: تمدل بالمنديل لُغَة فِي تندل، وَهَذَا يدل
على أَن النُّون فِيهِ زَائِدَة.
5457 - حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ المُنْذِر قَال حدَّثني
مُحَمَّدُ بنُ فُلَيْحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أبِي عَنْ
سَعِيدٍ بنِ الحَارِثِ عَنْ جَابِرٍ بنِ عَبْدِ الله
رَضِيَ الله عَنْهُمَا أنَّهُ سَألَهُ عَن الوُضُوءِ
مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ فَقَالَ: لَا قَدْ كُنَّا زمَانَ
النَبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَا نَجِدُ مِثْلَ
ذَلِكَ مِنَ الطَّعامِ إلاَّ قَلِيلاً فَإذا نَحْنُ
وَجَدْنَاهُ لَمْ يَكُنْ لَنَا مَنَادِيلُ إلاَّ أكُفَّنا
وَسَوَاعِدَنا وَأقْدَامَنَا ثُمَّ نُصَلِّي وَلا
نَتَوَضَأُُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (لم يكن لنا مناديل) .
وَمُحَمّد بن فليح: بِضَم الْفَاء وَفتح اللَّام يروي عَن
أَبِيه فليح بن سُلَيْمَان الْمدنِي، وَسَعِيد بن
الْحَارِث بن أبي الْعلَا الْأنْصَارِيّ قَاضِي
الْمَدِينَة.
والْحَدِيث أخرجه ابْن مَاجَه أَيْضا فِي الْأَطْعِمَة عَن
أبي الْحَارِث مُحَمَّد بن سَلمَة الْمصْرِيّ.
قَوْله: (أَنه) ، أَي: أَن سعيد بن الْحَارِث سَأَلَ جَابر
بن عبد الله عَن الْوضُوء مِمَّا مسته النَّار، يجب أم
لَا؟ فَقَالَ جَابر: لَا يجب. قَوْله: (مثل ذَلِك) ، أَي:
مِمَّا مست النَّار. قَوْله: (إلاَّ أكفنا) ، بِفَتْح
الْهمزَة وَضم الْكَاف جمع كف، أَرَادَ أَنهم إِذا أكلُوا
من الْأَطْعِمَة مِمَّا يَحْتَاجُونَ فِيهَا إِلَى مسح
أياديهم وَلم يكن لَهُم مناديل يمسحون بأكفهم وسواعدهم
وأقدامهم، وَكَانَ عمر، رَضِي الله عَنهُ، يمسحها برجليه.
قَالَه مَالك عَنهُ، وَحكم الْوضُوء مِمَّا مسته النَّار
قد تقدم فِي كتاب الطَّهَارَة.
54 - (بَاب: {مَا يَقُولُ إذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يَقُول الْآكِل إِذا فرغ
من أكل طَعَامه، وَحَدِيث الْبَاب يبين مَا يَقُوله.
5458 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا سُفْيَانُ عَنْ
ثَوْرٍ عَنْ خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ عَنْ أبِي أُُمَامَةَ
أنَّ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(21/77)
كَانَ إذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قَالَ:
الحَمْدُ لله كَثِيرا طَيِّبا مُبَارَكا فِيهِ غَيْرَ
مَكْفىً وَلا مُوَدَّع وَلا مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبَّنا.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يُوضح معنى
التَّرْجَمَة ويبينها.
وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن وسُفْيَان هُوَ
الثَّوْريّ، وثور بِلَفْظ الْحَيَوَان الْمَشْهُور وَهُوَ
ابْن يزيدالشامي، وخَالِد بن معدان بِفَتْح الْمِيم
وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة الكلَاعِي بِفَتْح الْكَاف
وَتَخْفِيف اللَّام، وَأَبُو أُمَامَة بِضَم الْهمزَة صدي
بن عجلَان الْبَاهِلِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن أبي عَاصِم،
يَأْتِي عَن قريب. وَأخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا فِي
الْأَطْعِمَة عَن مُسَدّد. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي
الدَّعْوَات عَن بنْدَار. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي
الْوَلِيمَة عَن عَمْرو بن مَنْصُور عَن أبي نعيم بِهِ،
وَعَن غَيره، وَفِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن مُحَمَّد بن
إِسْمَاعِيل. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْأَطْعِمَة عَن
دُحَيْم.
قَوْله: (مائدته) ، قد تقدم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
لم يَأْكُل على الخوان، وَهنا يَقُول: إِذا رفع مائدته،
وَالْجَوَاب عَن هَذَا إِمَّا أَن يُرِيد بالمائدة
الطَّعَام أَو ذَلِك الرَّاوِي، وَهُوَ أنس لم ير أَنه أكل
عَلَيْهَا. أَو كَانَ لَهُ مائدة لَكِن لم يَأْكُل هُوَ
بِنَفسِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَلَيْهَا وَسُئِلَ
البُخَارِيّ أَنه هَاهُنَا يَقُول: على الْمَائِدَة وثمة
قَالَ: على السفرة لَا على الْمَائِدَة. فَقَالَ: إِذا أكل
الطَّعَام على شَيْء ثمَّ رفع ذَلِك الشَّيْء وَالطَّعَام
يُقَال: رفعت الْمَائِدَة. قَوْله: (كثيرا) ، أَي: حمدا
كثيرا وَكَذَا فِي رِوَايَة ابْن مَاجَه. قَوْله: (طيبا) .
أَي: خَالِصا. قَوْله: (مُبَارَكًا فِيهِ) . أَي: فِي
الْحَمد. ومباركا من الْبركَة، وَهِي الزِّيَادَة. قَوْله:
(غير مكفي) ، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْكَاف وَكسر
الْفَاء وَتَشْديد الْيَاء، قَالَ ابْن بطال: يحْتَمل أَن
يكون من كفأت الْإِنَاء إِذا كببته. فَالْمَعْنى غير
مَرْدُود عَلَيْهِ إنعامه وإفضاله إِذا فضل الطَّعَام على
الشِّبَع فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَيست تِلْكَ الفضلة
مَرْدُودَة وَلَا مهجورة، وَيحْتَمل أَن يكون من
الْكِفَايَة، وَمَعْنَاهُ: أَن الله تَعَالَى غير مكفي رزق
عباده أَي: لَيْسَ أحد يرزقهم غَيره. وَقَالَ الْخطابِيّ:
غير مُحْتَاج إِلَى أحد فَيَكْفِي لكنه، يطعم وَيَكْفِي،
وَقَالَ الْقَزاز: غير مستكفي أَي: غير مكتف بنفسي عَن
كِفَايَته، وَقَالَ الدَّاودِيّ: غير مكفي أَي: لم يكتف من
فضل الله ونعمه، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: غير مكفي
إِشَارَة إِلَى الطَّعَام وَالْمعْنَى: رفع هَذَا
الطَّعَام غير مكفي أَي: غير مقلوب عَنَّا من قَوْلك: كفأت
الْإِنَاء إِذا قلبته، وَالْمعْنَى غير مُنْقَطع هَذَا
كُله على أَن الضَّمِير لله. وَقَالَ إِبْرَاهِيم
الْحَرْبِيّ: الضَّمِير للطعام ومكفي بِمَعْنى مقلوب من
الإكفاء وَهُوَ الْقلب غير أَنه لَا يَكْفِي الْإِنَاء
للاستغناء عَنهُ، وَذكر ابْن الْجَوْزِيّ عَن أبي مَنْصُور
الجواليقي، أَن الصَّوَاب غير مكافأ بِالْهَمْزَةِ. أَي:
أَن نعْمَة الله لَا تكافأ.
قلت: هَذَا التَّطْوِيل بِلَا طائل، بل لفظ مكفي، من
الْكِفَايَة وَهُوَ اسْم مفعول أَصله مكفوي على وزن مفعول،
وَلما اجْتمعت الْوَاو وَالْيَاء قلبت الْوَاو يَاء وأدغمت
الْيَاء فِي الْيَاء ثمَّ أبدلت ضمة الْيَاء كسرة لأجل
الْيَاء وَالْمعْنَى: هَذَا الَّذِي أكلنَا لَيْسَ فِيهِ
كِفَايَة لما بعده بِحَيْثُ إِنَّه يَنْقَطِع وَيكون هَذَا
آخر الْأكل، بل هُوَ غير مُنْقَطع عَنَّا بعد هَذَا، بل
تستمر هَذِه النِّعْمَة لنا طول أعمارنا، وَلَا تَنْقَطِع
وَالله أعلم. قَوْله: (وَلَا مُودع) ، بِضَم الْمِيم وَفتح
الْوَاو، وَتَشْديد الدَّال الْمَفْتُوحَة قَالَت
الشُّرَّاح: مَعْنَاهُ: غير مَتْرُوك الطّلب إِلَيْهِ
وَالرَّغْبَة فِيمَا عِنْده. قلت: مَعْنَاهُ غير مُودع منا
من الْوَدَاع يَعْنِي: لَا يكون آخر طعامنا وَيجوز كسر
الدَّال يَعْنِي: غير تَارِك الطَّعَام لما بعده. قَوْله:
(وَلَا مستغني عَنهُ) يُؤَكد الْمَعْنى الَّذِي قُلْنَا:
وَحَاصِله لَا يكون لنا اسْتغْنَاء مِنْهُ. قَوْله:
(رَبنَا) ، أَي: يَا رَبنَا فَحذف مِنْهُ حرف النداء،
وَيجوز رَفعه بِأَن يكون خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره:
هُوَ رَبنَا. قَالُوا: وَيصِح أَن ينصب بإضمار أَعنِي،
وَكَذَلِكَ ضبط فِي بعض الْكتب، وَيصِح خفضه بَدَلا من
الضَّمِير فِي عَنهُ، قيل: وَيصِح أَن يرْتَفع
بِالِابْتِدَاءِ وَيكون خَبره مقدما عَلَيْهِ وَهُوَ غير
مكفي.
5459 - حدَّثنا أبُو عَاصِمٍ عَنْ ثَوْرٍ بنِ يَزِيدَ عَنْ
خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ عَنْ أبِي أُُمَامَةَ أنَّ النبيِّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ
طَعَامِهِ وَقَالَ مَرَّةً: إذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ
قَالَ: الحمدُ لله الَّذِي كَفَانَا وَأرْوَانَا غَيْرَ
مَكْفِيِّ وَلا مَكْفُورٍ، وَقَالَ مَرَّةً: الحَمْدُ لله
رَبِّنا غَيْرَ مَكْفِيِّ وَلا مُوَدَّعٍ وَلا مُسْتَغْنًى
رَبَّنا.
هَذَا طَرِيق آخر أخرجه عَن أبي عَاصِم الضَّحَّاك بن مخلد
النَّبِيل إِلَى آخِره.
قَوْله: (وَقَالَ مرّة: إِذا رفع مائدته) أَي: طَعَامه،
كَمَا ذكرنَا أَن الْمَائِدَة تَأتي بِمَعْنى الطَّعَام.
وَقَوله: (كفانا) هَذَا يدل على أَن الضَّمِير فِيمَا تقدم
يرجع إِلَى الله تَعَالَى لِأَن الله تَعَالَى. هُوَ
الْكَافِي لَا مكفي قَوْله: (وأروانا) من عطف الْخَاص على
الْعَام لِأَن: كفانا من الْكِفَايَة وَهِي: أَعم من
الشِّبَع
(21/78)
والري، وَوَقع فِي رِوَايَة ابْن السكن:
وآوانا بِالْمدِّ من الإيواء قَوْله: (وَلَا مكفور) أَي:
وَلَا غير مشكور.
وَوَقع فِي حَدِيث أبي سعيد أخرجه أَبُو دَاوُد: (الْحَمد
لله الَّذِي أطعمنَا وَسَقَانَا وَجَعَلنَا مُسلمين) .
وَوَقع فِي حَدِيث أبي أَيُّوب أخرجه أَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيّ (الْحَمد لله الَّذِي أطْعم وَسَقَى وسوغه
وَجعل لَهُ مخرجا) ، وَوَقع فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة
أخرجه النَّسَائِيّ وَصَححهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم مَا
فِي حَدِيث أبي سعيد، وَزِيَادَة فِي حَدِيث مطول.
55 - (بابُ: {الأكْلِ مَعَ الخَادِمِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْأكل مَعَ الْخَادِم على قصد
التَّوَاضُع والتذلل وَترك الْكبر، وَذَلِكَ من آدَاب
الْمُؤمنِينَ وأخلاق الْمُرْسلين وَالْخَادِم يُطلق على
الذّكر وَالْأُنْثَى، وأعم من أَن يكون رَقِيقا أَو حرا.
5460 - حدَّثنا حَفْصُ بنُ عُمَرَ حدَّثنا شُعْبَةُ عَنْ
مُحَمَّدٍ هُوَ ابنُ زِيَادٍ قَالَ: سَمِعْتُ أبَا
هُرَيْرَةَ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ:
إذَا أتَى أحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعامِهِ فَإنْ لَمْ
يُجْلِسْهُ مَعَهُ فَلْيُناولْهُ أُُكْلَةً أوْ
أُُكْلَتَيْنِ أوْ لُقْمَةً أوْ لُقْمَتَيْنِ فَإنَّهُ
وَلِيَ حَرَّهُ وَعِلاجَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث والْحَدِيث
مضى فِي الْعتْق عَن حجاج بن منهال.
قَوْله: (أحدكُم) ، بِالنّصب على المفعولية، (وخادمه)
بِالرَّفْع على الفاعلية. قَوْله: (فَإِن لم يجلسه) ،
بِضَم الْيَاء من الإجلاس، وَفِي رِوَايَة مُسلم: فليقعده
مَعَه فَليَأْكُل، وَفِي رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن خَالِد
عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة عِنْد أَحْمد
وَالتِّرْمِذِيّ: فليجلسه مَعَه فَإِن لم يجلسه مَعَه
فليتناوله، وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد عَن عجلَان عَن أبي
هُرَيْرَة: فَادعه فَإِن أَُبى فأطعمه مِنْهُ، وفاعل:
أَبى، يحْتَمل أَن يكون السَّيِّد، وَالْمعْنَى: إِذا ترفع
عَن مواكلة غُلَامه، وَيحْتَمل أَن يكون الْخَادِم
يَعْنِي: إِذا تواضع عَن مواكلة سَيّده، وَيُؤَيّد
الِاحْتِمَال الأول أَن فِي رِوَايَة جَابر عِنْد أَحْمد:
أمرنَا أَن نَدْعُوهُ، فَإِن كره أَحَدنَا أَن يطعم مَعَه
فليطعمه فِي يَده. قَوْله: (فليناوله أكله) ، بِضَم
الْهمزَة اللُّقْمَة قَوْله: (وأكلتين) ، كلمة أَو، فِيهِ
للتقسيم. وَفِي قَوْله: أَو لقْمَة للشَّكّ من الرَّاوِي
وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن
خَالِد عَن أَبِيه عَن أبير هُرَيْرَة يُخْبِرهُمْ ذَلِك
عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: إِذا كفى
أحدكُم خادمه طَعَامه حره ودخانه فليأخذ بِيَدِهِ فليقعده
مَعَه، فَإِن أَبى فليأخذ لقْمَة فليطعمها إِيَّاه.
وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، وَأَبُو خَالِد وَالِد
إِسْمَاعِيل اسْمه سعد، وَفِي رِوَايَة مُسلم: فَإِن كَانَ
الطَّعَام مشفوها قَلِيلا فليصنع فِي يَده مِنْهُ أَكلَة
أَو أكلتين، يَعْنِي: لقْمَة أَو لقمتين. قَوْله:
(فَإِنَّهُ) ، أَي: فَإِن الْخَادِم (ولي حره) أَي: حر
الطَّعَام حَيْثُ طبخه. قَوْله: (وعلاجه) ، أَي: وَولي
علاجه. أَي: تركيبه وتهيئته وإصلاحه وَنَحْو ذَلِك. وَفِي
رِوَايَة لِأَحْمَد فَإِنَّهُ ولي حره ودخانه، وروى أَبُو
يعلى من حَدِيث ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا يَنْبَغِي للرجل أَن يَلِي
مَمْلُوكه حر طَعَامه وبرده فَإِذا حضر عَزله عَنهُ، وَفِي
إِسْنَاده حُسَيْن بن قيس وَهُوَ مَتْرُوك، وروى
الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت أَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: إِذا صلى مَمْلُوك
أحدكُم طَعَاما فولي حره وَعَمله فقربه إِلَيْهِ فليدعه
فَليَأْكُل مَعَه، فَإِن أَبى فليضع فِي يَده مِمَّا يضع،
وَإِسْنَاده مُنْقَطع الْأَمر فِي هَذِه الْأَحَادِيث
مَحْمُول على الِاسْتِحْبَاب.
وَقَالَ الْمُهلب: هَذَا الحَدِيث يُفَسر حَدِيث أبي ذَر
فِي الْأَمر بالتسوية مَعَ الْخَادِم فِي الْمطعم والملبس
فَإِنَّهُ جعل الْخِيَار إِلَى السَّيِّد فِي إجلاس
الْخَادِم مَعَه وَتَركه قيل: لَيْسَ فِي الْأَمر فِي
قَوْله فِي حَدِيث أبي ذَر: أطعموهم مِمَّا تطْعمُونَ
إِلْزَام بمواكلة الْخَادِم، بل فِيهِ أَن لَا يستأثر
عَلَيْهِ بِشَيْء بل يشركهُ فِي كل شَيْء لَكِن بِحَسب مَا
يدْفع بِهِ شَرّ عَيْنَيْهِ، وَنقل ابْن الْمُنْذر عَن
جَمِيع أهل الْعلم أَن الْوَاجِب إطْعَام الْخَادِم من
غَالب الْقُوت الَّذِي أكل مِنْهُ مثله فِي تِلْكَ
الْبَلدة، وَكَذَلِكَ القَوْل فِي الْأدم وَالْكِسْوَة،
وَأَن للسَّيِّد أَن يستأثر بالنفيس من ذَلِك، وَإِن كَانَ
الْأَفْضَل أَن يُشْرك مَعَه الْخَادِم فِي ذَلِك وَفِي
(التَّوْضِيح) قَوْله: فَإِن لم يجلسه، دَال على أَنه لَا
يجب على الْمَرْء أَن يطعمهُ مِمَّا يَأْكُل، قيل لمَالِك:
أيأكل الرجل من طَعَام لَا يَأْكُلهُ أَهله وَعِيَاله
ورقيقه ويلبس غير مَا يكسوهم؟ قَالَ: أَي: وَالله،
وَأرَاهُ فِي سَعَة من ذَلِك وَلَكِن يحسن إِلَيْهِم. قيل:
فَحَدِيث أبي ذَر؟ قَالَ: كَانَ النَّاس لَيْسَ لَهُم
هَذَا الْقُوت.
56 - (بابُ: {الطَّاعِمُ الشاكِرُ مِثْلُ الصَّائِمِ
الصَّابِرِ} )
أَي: هَذَا بَاب يُقَال فِيهِ: الطاعم الشاكر، وَهُوَ
مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ. قَوْله: مثل الصَّائِم الصابر،
خَبره أَي: الشاكر الَّذِي يَأْكُل ويشكر
(21/79)
الله ثَوَابه مثل ثَوَاب الَّذِي يَصُوم
ويصبر على الْجُوع. قيل: الشُّكْر نتيجة النعماء
وَالصَّبْر نتيجة الْبلَاء، فَكيف يشبه الشاكر بالصابر؟
وَأجِيب بِأَن التَّشْبِيه فِي أصل الِاسْتِحْقَاق لَا فِي
الكمية وَلَا فِي الْكَيْفِيَّة وَلَا تلْزم الْمُمَاثلَة
فِي جَمِيع الْوُجُوه. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: ورد
الْإِيمَان نِصْفَانِ: نصف صَبر وَنصف شكر، وَرُبمَا
يتَوَهَّم متوهم أَن ثَوَاب الشُّكْر يقصر عَن ثَوَاب
الصَّبْر فأزيل توهمه بِهِ، يَعْنِي: هما متساويان فِي
الثَّوَاب: وَوجه الشّبَه حبس النَّفس إِذْ الشاكر يحبس
نَفسه على محبَّة الْمُنعم بِالْقَلْبِ والإظهار
بِاللِّسَانِ وَقَالَ أهل اللُّغَة: رجل طاعم حسن الْحَال
فِي الْمطعم، ومطعامٌ كثير القِرى، ومطعم كثير الْأكل،
وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: سوى بَين درجتي الطَّاعَة من
الْغَنِيّ وَالْفَقِير فِي الْأجر.
{فِيهِ: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ عَنِ
النَّبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم}
أَي: رُوِيَ فِي هَذَا الْبَاب عَن أبي هُرَيْرَة عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم يذكر ابْن بطال
هَذِه الزِّيَادَة فِي شَرحه، بل وصل الْبَاب بِالْبَابِ
الْآتِي بعده، وَابْن حبَان قد خرج هَذَا فِي (صَحِيحه)
فَقَالَ: حَدثنَا بكر بن أَحْمد العابد حَدثنَا نصر بن
عَليّ حَدثنَا مُعْتَمر بن سُلَيْمَان عَن معمر عَن سعيد
المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الطاعم الشاكر بِمَنْزِلَة
الصَّائِم الصابر. وَأخرجه الْحَاكِم بِلَفْظ: مثل
الصَّائِم الصابر نَحْو التَّرْجَمَة الْمَذْكُورَة،
وَقَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. وَأخرجه ابْن
مَاجَه من حَدِيث الدَّرَاورْدِي عَن مُحَمَّد بن عبد الله
بن أبي حرَّة عَن حَكِيم بن أبي حرَّة عَن سِنَان بن سنة
الْأَسْلَمِيّ، أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
قَالَ: الطاعم الشاكر لَهُ مثل أجر الصَّائِم. قلت: سِنَان
بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف النُّون ابْن سنة
بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَالنُّون الْمُشَدّدَة لَهُ
صُحْبَة وَرِوَايَة، وَقَالَ ابْن حبَان: معنى الحَدِيث
أَن يطعم ثمَّ لَا يَعْصِي بإرثه بقوته، وَيتم شكره بإتيان
طَاعَته بجوارحه لِأَن الصَّائِم قرن بِهِ الصَّبْر وَهُوَ
صبره عَن الْمَحْظُورَات، وَقرن بالطاعم الشُّكْر فَيجب
أَن يكون هَذَا الشُّكْر الَّذِي يقوم بِإِزَاءِ ذَلِك
الصَّبْر أَن يُقَارِبه ويشاركه وَهُوَ ترك
الْمَحْظُورَات. فَإِن قيل: هَل يُسمى الحامد شاكرا قيل:
نعم، لما روى معمر عَن قَتَادَة عَن ابْن عمر، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُمَا: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: الْحَمد رَأس الشُّكْر مَا شكر الله عبد لَا يحمده،
وَقَالَ الْحسن: مَا أنعم الله على عبد نعْمَة فَحَمدَ
الله عَلَيْهَا إلاَّ كَانَ حَمده أعظم مِنْهَا كائنة مَا
كَانَت، وَقَالَ النَّخعِيّ: شكر الطَّعَام أَن تسمي إِذا
أكلت وتحمد إِذا فرغت، وَفِي علل ابْن أبي حَاتِم، قَالَ
عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: شكر
الطَّعَام أَن تَقول: الْحَمد لله.
57 - (بابُ: {الرَّجُلِ يُدْعَى إلَى طَعَامٍ فَيَقُولُ:
وَهَذا مَعِي} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَمر الرجل الَّذِي يُدعى على
صِيغَة الْمَجْهُول إِلَى طَعَام، وَتَبعهُ رجل لم يدع
فَيَقُول الْمَدْعُو: وَهَذَا رجل معي، يَعْنِي: تَبِعنِي.
{وَقَالَ أنَسٌ: إذَا دَخَلْتَ عَلَى مُسْلِمٍ لَا
يُتَّهَمُ فَكُلْ مِنْ طَعَامِهِ وَاشْرَبْ مِنْ
شَرَابِهِ}
مُطَابقَة هَذَا التَّعْلِيق عَن أنس بن مَالك
للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الرجل إِذا دخل على رجل مُسلم
سَوَاء بدعوة أَو بغَيْرهَا فَوجدَ عِنْده أكلا أَو شربا
هَل يتَنَاوَل من ذَلِك شَيْئا فَقَالَ أنس: يَأْكُل
وَيشْرب إِذا لم يكن الرجل الْمَدْخُول عَلَيْهِ لَا يتهم
فِي دينه وَلَا فِي مَاله، وَوصل هَذَا التَّعْلِيق ابْن
أبي شيبَة من طَرِيق عُمَيْر الْأنْصَارِيّ، سَمِعت أنسا
يَقُول مثله لَكِن قَالَ على رجل لَا يتهمه، وَقد روى
أَحْمد وَالْحَاكِم وَالطَّبَرَانِيّ من حَدِيث أبي
هُرَيْرَة نَحوه مَرْفُوعا بِلَفْظ: إِذا دخل أحدكُم على
أَخِيه الْمُسلم فأطعمه طَعَاما فَليَأْكُل من طَعَامه
وَلَا يسْأَله عَنهُ.
5461 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ أبِي الأسْوَدِ حَدَّثنا
أبُو أُسَامَةَ حدَّثنا الأعْمَشُ حدَّثنا شَقِيقٌ حدَّثنا
أبُو مَسْعُودٍ الأنْصَارِيُّ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ
الأنْصَارِ يُكْنَى أبَا شُعَيْبٍ، وَكَانَ لَهُ غُلامٌ
لَحَامٌ فَأتَى النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ
فِي أصْحَابِهِ فَعَرَفَ الْجُوعَ فِي وَجْهِ النبيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، فَذَهَبَ إلَى غُلامِهِ اللحَّامِ
فَقَالَ: إصْنَعْ لِي طَعَاما يَكْفِي خَمْسَةً لَعَلِّي
أدْعُو النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، خَامِس
خَمْسَةٍ، فَصَنَعَ لَهُ طُعَيِّما ثُمَّ أتاهُ
(21/80)
فَدَعَاهُ فَتَبِعَهُمْ رَجُلٌ فَقَالَ
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (يَا أبَا شُعَيْبٍ إنَّ
رَجُلاً تَبِعَنَا فَإنْ شِئْتَ أذِنْتَ لَهُ وَإنْ شِئْتَ
تَرَكْتَهُ) ، قَالَ: لَا. بَلْ أذِنْتُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: فَتَبِعهُمْ رجل
إِلَى آخِره. والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الْأَطْعِمَة
فِي: بَاب الرجل يتَكَلَّف الطَّعَام لإخوانه فَإِنَّهُ
أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن يُوسُف عَن سُفْيَان عَن
الْأَعْمَش عَن أبي وَائِل عَن أبي مَسْعُود عقبَة بن
عَمْرو الْأنْصَارِيّ، وَهنا أخرجه عَن عبد الله بن أبي
الْأسود، وَاسم أبي الْأسود حميد بن الْأسود الْبَصْرِيّ
الْحَافِظ عَن أبي أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة عَن
سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن أبي وَائِل شَقِيق بن سَلمَة
عَن أبي مَسْعُود الْأنْصَارِيّ، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ.
58 - (بَابٌ: {إذَا حَضَرَ العَشَاءُ فَلا يَعْجَلْ عَنْ
عَشائِهِ} )
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا حضر الْعشَاء، قَالَ
الْكرْمَانِي: قَوْله: إِذا حضر الْعشَاء رُوِيَ بِفَتْح
الْعين وَكسرهَا وَهُوَ بِالْكَسْرِ من صَلَاة الْمغرب
إِلَى الْعَتَمَة، وبالفتح الطَّعَام خلاف الْغَدَاء،
وَلَفظ: عَن عشائه، هُوَ بِالْفَتْح لَا غير.
5462 - حدَّثنا أبُو اليَمانِ أخْبَرَنا شُعَيْبٌ عَنِ
الزُّهْرِيِّ (ح) وَقَالَ اللَّيْثُ حدَّثني يُونُسُ عَنِ
ابنِ شهابٍ قَالَ: أخْبَرَنِي جَعْفَرُ بنُ عَمْرو بنِ
أُُمَيَّةَ: أَن أباهُ عَمْرَو بنَ أُُمَيَّةَ أخْبَرَهُ
أنَّهُ رَأى رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ فِي يَدِهِ فَدُعِيَ إلَى
الصَّلاةِ فَألْقاها وَالسَّكينَ الَّتِي كَانَ يَحْتَزُّ
بِهَا ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَأُُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من استنباطه من اشْتِغَاله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِالْأَكْلِ وَقت الصَّلَاة.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: من أَيْن خصص بالعشاء
وَالصَّلَاة أَعم مِنْهُ. قلت: هُوَ من بَاب حمل الْمُطلق
على الْمُقَيد بِقَرِينَة الحَدِيث بعده، وَمر فِي صَلَاة
الْجَمَاعَة. فَإِن قلت: ذكر ثمَّة أَنه كَانَ يَأْكُل
ذِرَاعا هَاهُنَا قَالَ: كتف شَاة؟ قلت: لَعَلَّه كَانَا
حاضرين عِنْده يَأْكُل مِنْهُمَا أَو أَنَّهُمَا متعلقان
بِالْيَدِ فكأنهما عُضْو وَاحِد انْتهى. كَلَامه.
ثمَّ إِنَّه أخرج الحَدِيث الْمَذْكُور من طَرِيقين:
أَحدهمَا: عَن أبي الْيَمَان الحكم بن نَافِع عَن شُعَيْب
بن أبي حَمْزَة الْحِمصِي عَن مُحَمَّد بن مُسلم
الزُّهْرِيّ عَن جَعْفَر بن عَمْرو بن أُميَّة إِلَى
آخِره. وَالْآخر: مُعَلّق حَيْثُ قَالَ: وَقَالَ اللَّيْث
إِلَى آخِره، وَوَصله الذهلي فِي الزهريات، عَن أبي صَالح
عَن اللَّيْث.
قَوْله: (يحتز) ، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي. أَي:
يقطع قَوْله: (فدعى) ، بِضَم الدَّال على صِيغَة
الْمَجْهُول. قَوْله: (فألقاها) أَي: قِطْعَة اللَّحْم
الَّتِي كَانَ احتزها. وَقَالَ الْكرْمَانِي: الضَّمِير
يرجع إِلَى الْكَتف وَإِنَّمَا أنث بِاعْتِبَار أَنه
اكْتسب التَّأْنِيث من الْمُضَاف إِلَيْهِ أَو هُوَ مؤنث
سَمَاعي قَوْله: (والسكين) أَي: وَألقى السكين أَيْضا،
وَقد ذكرنَا فِيمَا مضى أَن السكين تذكر وتؤنث.
5463 - حدَّثنا مُعَلَّى بنُ أسَدٍ حدَّثنا وُهَيْبٌ عَنْ
أيُّوبَ عَنْ أبِي قِلابَةَ عَنْ أنَسٍ بنِ مَالِكٍ،
رَضِيَ الله عَنهُ، عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
قَالَ: إذَا وُضِعَ العَشَاءُ وَأُقِيمَتِ الصَّلاةُ
فَابْدَؤا بِالعَشَاءِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَمعلى، بِضَم الْمِيم
وَفتح الْعين وَتَشْديد اللَّام الْمَفْتُوحَة بِلَفْظ
الْمَفْعُول من التعلية، ووهيب مصغر وهب ابْن خَالِد
الْبَصْرِيّ، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَأَبُو
قلَابَة بِكَسْر الْقَاف عبد الله بن زيد الْجرْمِي،
والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (الْعشَاء) بِالْفَتْح فِي الْمَوْضِعَيْنِ،
وَإِنَّمَا تُؤخر الصَّلَاة عَن الطَّعَام تفريغا للقلب
عَن الْغَيْر تَعْظِيمًا لَهَا كَمَا أَنَّهَا تقدم على
الْغَيْر لذَلِك فلهَا الْفضل تَقْدِيمًا وتأخيرا.
{وَعَنْ أيُّوبَ عَنْ نَافِعِ عَنِ ابنِ عُمَرَ عَنِ
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحْوَهُ}
هُوَ مَعْطُوف على السَّنَد الَّذِي قبله، وَهُوَ من
رِوَايَة وهيب عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ عَن نَافِع،
وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ من رِوَايَة مُحَمَّد بن سهل
عَن مُعلى بن أَسد شيخ البُخَارِيّ فِيهِ.
وَعَنْ أيُّوبَ عَنْ نَافِعِ عَنِ ابنِ عُمَرَ أنَّهُ
تَعَشَّى مَرَّةً وَهُوَ يَسْمَعُ قِرَاءَةَ الإمَامِ.
(21/81)
هُوَ أَيْضا عطف على مَا قبله وَأخرجه ابْن أبي عمر من
طَرِيق عبد الْوَارِث عَن أَيُّوب وَلَفظه قَالَ: فتعشى
ابْن عمر لَيْلَة وَهُوَ يمسع قِرَاءَة الإِمَام.
5465 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ حدَّثنا سُفْيَانُ
عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عَنْ أبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ
عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: إذَا
أُقِيمَتِ الصَّلاةُ وَحَضَرَ العَشَاءُ فَابْدَأوا
بالعَشَاءِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَمُحَمّد بن يُوسُف
الْفرْيَابِيّ، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، والْحَدِيث من
أَفْرَاده. قَوْله: (وَحضر الْعشَاء) بِكَسْر الْعين.
قَوْله: (فابدأوا بالعشاء) بِفَتْح الْعين.
{قَالَ وُهَيْبٌ وَيَحْيَى بنُ سَعِيدٍ عَنْ هِشامٍ: إذَا
وُضِعَ العَشَاءُ} .
أَي: قَالَ وهيب بن خَالِد الْمَذْكُور وَيحيى بن سعيد
الْقطَّان إِلَى آخِره فرواية وهيب أخرجهَا
الْإِسْمَاعِيلِيّ من رِوَايَة يحيى ابْن حسان وَمعلى بن
أَسد قَالَا: حَدثنَا وهيب بِهِ. وَلَفظه: إِذا وضع
الْعشَاء وأقيمت الصَّلَاة فابدأوا بالعشاء، وَرِوَايَة
يحيى بن سعيد وَصلهَا أَحْمد عَنهُ أَيْضا بِهَذَا
اللَّفْظ.
59 - (بَابُ: {قَوْلِ الله تَعَالَى: {فَإذَا طَعِمْتُمْ
فَانْتَشِرُوا} (الْأَحْزَاب: 53)
وَهَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِذا طَعِمْتُمْ}
إِلَى آخِره، المُرَاد بالانتشار هُنَا بعد الْأكل
التَّوَجُّه عَن مَكَان الطَّعَام وَقد مر الْكَلَام فِيهِ
فِي تَفْسِير سُورَة الْأَحْزَاب.
5466 - حدَّثني عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثنا
يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ حدَّثني أبِي عَنْ
صَالِحٍ عَن ابنِ شِهابٍ أنَّ أنَسا قَالَ: أنَا أعْلَمُ
النَّاسِ بِالحِجَابِ كَانَ أُُبِيُّ بنُ كَعْبٍ
يَسْأَلَنِي عَنْهُ أصْبَحَ رَسُولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، عَرُوسا بِزَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ
وَكَانَ تَزَوَّجَهَا بِالمَدِينَةِ فَدَعَا النَّاسَ
لِلطَّعامِ بَعْدَ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ، فَجَلَسَ
رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَجَلَسَ مَعَهُ
رِجَالٌ بَعْدَ مَا قَامَ القَوْمُ حَتَّى قَامَ رَسُولُ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَمَشَى وَمَشَيْتُ مَعَهُ
حَتَّى بَلَغَ بَابَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ ثُمَّ ظَنَّ
أنَّهُمْ خَرَجُوا فَرَجَعْتُ مَعَهُ فَإذا هُمْ جُلُوس
مَكَانَهُمْ فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ الثَّانِيَةَ
حَتَّى بَلَغَ بَابَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ فَرَجَعَ
وَرَجَعَتُ مَعَهُ فَإذَا هُمْ قَدْ قَامُوا فَضَرَبَ
بَيْنِي وَبَيْنهُ سِتْرا وَأُُنْزِلَ الحِجابُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (وَأنزل الْحجاب)
. أَي: آيَة الْحجاب، وَهِي قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا
الَّذين آمنُوا لَا تدْخلُوا بيُوت النَّبِي إِلَّا أَن
يُؤذن لكم إِلَى طَعَام غير ناظرين إناه وَلَكِن إِذا
دعيتم فادخلوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشرُوا}
(الْأَحْزَاب: 53) الْآيَة. وَعبد الله بن مُحَمَّد
الْجعْفِيّ الْمَعْرُوف بالمسندي، وَيَعْقُوب بن
إِبْرَاهِيم يروي عَن أَبِيه إِبْرَاهِيم بن سعد بن
إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَصَالح هُوَ
ابْن كيسَان الْمدنِي يروي عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب
الزُّهْرِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي تَفْسِير سُورَة الْأَحْزَاب،
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ بطرق كَثِيرَة عَن أنس، وَمضى
الْكَلَام فِيهِ مستقصىً وَأخرجه مُسلم فِي النِّكَاح عَن
عَمْرو الناقذ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْوَلِيمَة عَن
عبيد الله بن سعد.
قَوْله: (بالحجاب) أَي: بشأن نزُول آيَة الْحجاب. قَوْله:
(عروسا) هُوَ يُطلق على الذّكر وَالْأُنْثَى. |