عمدة القاري شرح صحيح البخاري

102 - (بابُ قَوْلِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إنَّما الكَرْمُ قَلْبُ المُؤْمِنِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّمَا الْكَرم قلب الْمُؤمن، هَذَا قِطْعَة من آخر حَدِيث رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة وَيَأْتِي الْآن فِي هَذَا الْبَاب من رِوَايَة سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة، وَرَوَاهُ مُسلم من رِوَايَة الْأَعْرَج عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا يَقُولَن أحدكُم: الْكَرم، فَإِن الْكَرم قلب الْمُؤمن) وَله من رِوَايَة ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تسموا الْعِنَب الْكَرم فَإِن الْكَرم الرجل الْمُسلم، وَفِي رِوَايَة لَهُ من حَدِيث عَلْقَمَة إِن وَائِل عَن أَبِيه: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (لَا تَقولُوا الْكَرم وَلَكِن قُولُوا الْعِنَب والحبلة) . قَوْله: (إِنَّمَا الْكَرم قلب الْمُؤمن) أَي: لما فِيهِ من نور الْإِيمَان وَالتَّقوى. قَالَ الله تَعَالَى: { (94) إِن أكْرمكُم عِنْد الله أَتْقَاكُم} (الحجرات: 13) وَقَالَ فِي الْبَاب الَّذِي قبله: (لَا تسموا الْعِنَب الْكَرم) . وَقَالَ هُنَا: إِنَّمَا الْكَرم قلب الْمُؤمن. قَالَت الْعلمَاء: سَبَب كَرَاهَة ذَلِك أَن لفظ الْكَرم كَانَت الْعَرَب تطلقها على شجر الْعِنَب وعَلى الْخمر المتخذة من الْعِنَب سَموهَا كرماً لكَونهَا متخذة مِنْهَا، وَلِأَنَّهَا تحمل على الْكَرم والسخاء، فكره الشَّارِع إِطْلَاق هَذِه اللَّفْظَة على الْعِنَب وشجره لأَنهم إِذا سمعُوا اللَّفْظ فَرُبمَا تَذكرُوا بهَا الْخمر وهيجت نُفُوسهم إِلَيْهَا فيقعوا فِيهَا، أَو قاربوا. وَقَالَ: إِنَّمَا يسْتَحق هَذَا الإسم قلب الْمُؤمن لِأَنَّهُ منبع الْكَرم وَالتَّقوى والنور وَالْهدى، وَالْمَشْهُور فِي اللُّغَة أَن الْكَرم، بِسُكُون الرَّاء: الْعِنَب. قَالَ الْأَزْهَرِي: سمى الْعِنَب كرماً لكرمه وَذَلِكَ لِأَنَّهُ ذلل لقاطعه وَيحمل الأَصْل عَنهُ مثل مَا تحمل النَّخْلَة وَأكْثر، وكل شَيْء كثر فقد كرم. وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: سمي كرماً لِأَن الْخمر مِنْهُ وَهِي تحث على السخاء وتأمر بمكارم الْأَخْلَاق، كَمَا سَموهَا رَاحا، وَذَلِكَ قَالَ: لَا تسموا الْعِنَب كرماً، كره أَن يُسمى أصل الْخمر باسم مَأْخُوذ من الْكَرم، وَجعل الْمُؤمن الَّذِي يَتَّقِي شربهَا وَيرى الْكَرم فِي تَركهَا أَحَق بِهَذَا الإسم الْحسن تَأْكِيدًا لِحُرْمَتِهِ، وَأسْقط الْخمر عَن هَذِه الرُّتْبَة تحقيراً لَهَا.
وقَدْ قَالَ: المُفْلِسُ الَّذِي يُفْلِسُ يَوْمَ القِيَامَةِ كَقَوْلِهِ: إنَّما الصُّرَعَةُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَب، كَقَوْلِهِ: لَا مَلِكَ إلاَّ الله فَوَصَفَهُ بانْتِهاءِ المُلْكِ ثُمَّ ذَكَرَ المُلُوكَ أيْضاً فَقَالَ: {إِن الْمُلُوك إِذا دخلُوا قَرْيَة أفسدوها} (النَّمْل: 34) [/ ح.
مَقْصُود البُخَارِيّ من ذكر هَذَا الْكَلَام الَّذِي فِيهِ أدوات الْحصْر أَن الْحصْر فِيهِ ادعائي لَا حَقِيقِيّ، فَكَذَلِك الْحصْر فِي قَوْله: إِنَّمَا الْكَرم قلب الْمُؤمن، فَكَأَن الْكَرم الْحَقِيقِيّ الْقلب لَا الشّجر، وَإِنَّمَا هُوَ على سَبِيل الادعاء لَا على الْحَقِيقَة، أَلا ترى أَنه يُطلق على

(22/203)


غَيره. قَوْله: إِنَّمَا الْمُفلس الَّذِي يفلس يَوْم الْقِيَامَة، وَمعنى الحَدِيث كَمَا أخرجه التِّرْمِذِيّ، وَلَكِن لَيْسَ فِيهِ أَدَاة الْحصْر. قَالَ: حَدثنَا قُتَيْبَة حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد عَن الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: أَتَدْرُونَ من الْمُفلس؟ قَالُوا: الْمُفلس فِينَا يَا رَسُول الله لَا دِرْهَم لَهُ وَلَا مَتَاع، قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْمُفلس من أمتِي من يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة بِصَلَاة وَصِيَام وَزَكَاة، وَيَأْتِي قد شتم هَذَا وَقذف هَذَا وَسَفك دم هَذَا وَضرب هَذَا، فيقعد فيقتص هَذَا من حَسَنَاته وَهَذَا من حَسَنَاته، فَإِن فنيت حَسَنَاته قبل أَن يقْتَصّ مَا عَلَيْهِ من الْخَطَايَا أَخذ من خطاياهم فَطرح عَلَيْهِ ثمَّ يطْرَح فِي النَّار. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. قَوْله: كَقَوْلِه: إِنَّمَا الصرعة الَّذِي يملك نَفسه عِنْد الْغَضَب، أَرَادَ أَن قَوْله: إِنَّمَا الْمُفلس كَقَوْلِه: إِنَّمَا الصرعة ... وَهَذَا حَدِيث رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة وَقد مضى قبل هَذَا الْبَاب بِخَمْسَة وَعشْرين بَابا. قَوْله: كَقَوْلِه: لَا ملك إِلَّا الله، أَرَادَ أَن فِيهِ الْحصْر كَمَا فِيمَا قبله لِأَن كلمة: لَا، وَكلمَة: لَا، صَرِيح فِي النَّفْي وَالْإِثْبَات فمقتضاه حصر لفظ بِفَتْح الْمِيم وَكسر اللَّام على الله، لَكِن قد أطلق على غَيره وَفِي نفس الْأَمر الْملك حَقِيقَة هُوَ الله تَعَالَى وَالْبَاقِي بالتجوز، وروى: لَا ملك إلاَّ لله، بِضَم الْمِيم وَسُكُون اللَّام. قَوْله: فوصفه بانتهاء الْملك، وَهُوَ عبارَة عَن انْقِطَاع الْملك عِنْده أَي: لَا ملك بعده. قَوْله: فَقَالَ: { (72) إِن الْمُلُوك إِذا. . أفسدوها} (النَّمْل: 34) . وَهُوَ جمع: ملك، وَفِي الْقُرْآن شَيْء كثير من هَذَا الْقَبِيل كَقَوْلِه تَعَالَى: { (21) وَقَالَ الْملك} (يُوسُف 50) فِي صَاحب يُوسُف وَغَيره، وَلَكِن. كَمَا ذكرنَا كل ذَلِك بطرِيق التَّجَوُّز لَا بطرِيق الْحَقِيقَة.

6183 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حَدثنَا سُفْيانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيد بنِ المُسَيَّبِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ويَقُولُونَ: الكَرْمُ! إنَّما الكَرْمُ قَلْبُ المُؤْمِنِ. (انْظُر الحَدِيث 6182) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعلي بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْأَدَب أَيْضا عَن عَمْرو النَّاقِد.
قَوْله: (وَيَقُولُونَ: الْكَرم) بِالرَّفْع مُبْتَدأ وَخَبره مَحْذُوف تَقْدِيره: يَقُولُونَ: الْكَرم شجر الْعِنَب، وَيجوز أَن يكون الْكَرم خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره: وَيَقُولُونَ: شجر الْعِنَب الْكَرم، وَكَانَ الْوَاو فِيهِ عاطفة على شَيْء مَحْذُوف تَقْدِيره: لَا يَقُولُونَ: الْكَرم قلب الْمُؤمن، وَيَقُولُونَ: الْكَرم شجر الْعِنَب، وَقد رَوَاهُ ابْن أبي عمر فِي (مُسْنده) عَن سُفْيَان بِغَيْر وَاو، وَكَذَا رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيقه.

103 - (بابُ قَوْلِ الرَّجُلِ: فِدَاكَ أبي وأُمِّي)

أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول الرجل بَين كَلَامه: فدَاك أبي وَأمي، الْفِدَاء بِكَسْر الْفَاء وبالمد وبفتح الْفَاء يقصر، يَعْنِي: أَنْت مفدى بِأبي وَأمي، وَالْفِدَاء فكاك الْأَسير، فدَاء يفْدِيه فدَاء وفدًى، وفاداه يفاديه مفاداة إِذا أعْطى فداءه وأنقذه، وفداه بِنَفسِهِ فدَاء إِذا قَالَ لَهُ: جعلت فدَاك، وَقيل: المفاداة أَن يفك الْأَسير بأسير مثله.
فِيهِ الزُّبَيْرُ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَي: فِي قَول الرجل: فدَاك أبي وَأمي، قَالَ الزبير بن الْعَوام رَضِي الله عَنهُ: عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد روى البُخَارِيّ هَذَا فِي مَنَاقِب الزبير من طَرِيق عبد الله بن الزبير، قَالَ: جعلت أَنا وَعمر بن أبي سَلمَة يَوْم الْأَحْزَاب فِي النِّسَاء ... الحَدِيث، وَفِيه: فَلَمَّا رجعت جمع لي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَوَيْهِ، فَقَالَ لي: فدَاك أبي وَأمي.

6184 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا يَحْيَى عَنْ سُفْيانَ حدّثني سَعْدُ بنُ إبْرَاهِيم عَنْ عَبْد الله بنِ شَدَّاد عَنْ عَلِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُفَدِّي أحَداً غَيْرَ سَعْدٍ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: إرْمِ فِدَاكَ أبي وأمِّي، أظُنُّهُ يَوْمَ أحُدٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَيحيى هُوَ الْقطَّان، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَسعد بن إِبْرَاهِيم هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَعبد الله ابْن شَدَّاد على وزن فعال بِالتَّشْدِيدِ ابْن الْهَاد اللَّيْثِيّ الْمدنِي.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد عَن قبيصَة وَفِي الْمَغَازِي عَن أبي نعيم.
قَوْله:

(22/204)


(يفْدي) ، بِفَتْح الْيَاء وَسُكُون الْفَاء فِي رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره بِضَم الْيَاء وَفتح الْفَاء وبالتشديد أَي: يَقُول لَهُ: فدَاك أبي وَأمي. قَوْله: (غير سعد) هُوَ سعد بن أبي وَقاص رَضِي الله عَنهُ قَوْله: (أَظُنهُ) أَي: أَظن هَذَا الْكَلَام (كَانَ يَوْم أحد) . وَقد تقدم فِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بِالْجَزْمِ فِي غَزْوَة أحد.

104 - (بابُ قَوْلِ الرَّجُلِ: جَعَلَنِي الله فدَاءَكَ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قَول الرجل لآخر: جعلني الله فداءك، هَل يُبَاح ذَلِك أَو يكره، وَقد جمع أَبُو بكر بن عَاصِم الْأَخْبَار الدَّالَّة على الْجَوَاز، وَجزم بِجَوَاز ذَلِك، للمرء أَن يَقُول ذَلِك لسلطانه ولكبيره، ولذوي الْعلم، وَلمن أحب من إخوانه غير مَحْظُور عَلَيْهِ ذَلِك، بل يُثَاب عَلَيْهِ إِذا قصد توقيره واستعطافه، وَلَو كَانَ ذَلِك مَحْظُورًا لنهي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَائِل ذَلِك.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ للنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَدَيْناكَ بآبائِنا وأُمَّهاتِنا
قَالَ بَعضهم: هُوَ طرف من حَدِيث لأبي سعيد رَضِي الله عَنهُ قلت: لَيْسَ كَذَلِك، بل هَذَا تنويه للطَّالِب لِأَن الَّذِي فِي مَنَاقِب أبي بكر رَضِي الله عَنهُ عَن بسر بن سعيد عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، قَالَ: خطب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّاس ... الحَدِيث، وَلَيْسَ فِيهِ لفظ: فَدَيْنَاك بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتنَا، وَإِنَّمَا هَذِه الْأَلْفَاظ فِي حَدِيث رَوَاهُ عبيد بن حنين عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ فِي: بَاب هِجْرَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَفظه: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جلس على الْمِنْبَر فَقَالَ: إِن عبدا خَيره الله ... الحَدِيث، وَفِيه لفظ: فَدَيْنَاك بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتنَا.

105 - (بابُ أحَبِّ الأسْماءِ إِلَى الله عَزَّ وَجَلَّ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أحب الْأَسْمَاء إِلَى الله عز وَجل، وَلَفظه: بَاب مُضَافَة إِلَى لفظ الأحب، وَقَالَ بَعضهم: ورد بِهَذَا اللَّفْظ حَدِيث

(22/205)


أخرجه مُسلم من طَرِيق نَافِع عَن ابْن عمر رَفعه: إِن أحب الْأَسْمَاء إِلَى الله عز وَجل، عبدا الله، وَعبد الرَّحْمَن. قلت: هَذَا غير لفظ التَّرْجَمَة بِعَينهَا، وَلَكِن يعلم مِنْهُ أَن أحب الْأَسْمَاء إِلَى الله عز وَجل عبد الله وَعبد الرَّحْمَن، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: يلْحق بِهَذَيْنِ الإسمين مَا كَانَ مثلهمَا: كَعبد الرَّحِيم وَعبد الْملك وَعبد الصَّمد، وَإِنَّمَا كَانَت أحب إِلَى لِأَنَّهَا تَضَمَّنت مَا هُوَ وصف وَاجِب لله تَعَالَى، وَمَا هُوَ وصف للْإنْسَان وواجب لَهُ وَهُوَ الْعُبُودِيَّة، وَقيل: الْحِكْمَة فِي الِاقْتِصَار على الإسمين وهما لَفْظَة الله وَلَفظ الرَّحْمَن، لِأَنَّهُ لم يَقع فِي الْقُرْآن إِضَافَة عبد إِلَى إسم من أَسمَاء الله تَعَالَى غَيرهمَا قَالَ الله تَعَالَى: {وَأَنه لما قَامَ عبد الله يَدعُوهُ} (الْجِنّ: 19) وَقَالَ فِي آيَة أُخْرَى: { (52) وَعباد الرَّحْمَن} (الْفرْقَان: 63) وَيُؤَيِّدهُ قَوْله تَعَالَى: {قل ادعوا الله أَو ادعوا الرَّحْمَن} (الْإِسْرَاء: 110) .

6186 - حدَّثنا صَدَقَةُ بنُ الفَضْلِ أخبرنَا ابنُ عُيَيْنَةَ حَدثنَا ابنُ المُنْكَدِرِ عَنْ جابِر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا غُلامٌ فَسَمَّاهُ القاسِمَ، فَقُلْنا: لَا نَكْنِيكَ أَبَا القاسِمِ وَلَا كَرامَةَ، فأخْبِرَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: سَمِّ ابْنَكَ عَبْدَ الرَّحْمان.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (سم ابْنك عبد الرَّحْمَن) لِأَن عبد الرَّحْمَن من أحب الْأَسْمَاء إِلَى الله عز وَجل، كَمَا مضى الْآن فِي حَدِيث مُسلم، وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ إسم أحب مِنْهُ لأَمره بذلك، وَالْغَالِب أَنه لَا يَأْمر إلاَّ بالأكمل، وَلَقَد تعسف الْكرْمَانِي فِي وَجه الْمُطَابقَة حَيْثُ قَالَ: جَاءَ فِي رِوَايَة أُخْرَى: أحب الْأَسْمَاء إِلَى الله عبد الرَّحْمَن، وَهَذَا كَمَا ترى بَيَان وَجه الْمُطَابقَة من حَدِيث غير حَدِيث الْبَاب، وَقَالَ أَيْضا: أَو الأحب، بِمَعْنى المحبوب، وَهَذَا خُرُوج عَن ظَاهر معنى اللَّفْظ.
وَابْن عُيَيْنَة هُوَ سُفْيَان ابْن عُيَيْنَة، وَابْن الْمُنْكَدر هُوَ مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الاسْتِئْذَان عَن عَمْرو النَّاقِد وَغَيره.
قَوْله: (وَلَا كَرَامَة) بِالنّصب أَي: لَا نكرمك كَرَامَة. قَوْله: (فَأخْبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) بِضَم الْهمزَة على الْبناء للْمَجْهُول ويروى بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل.

106 - (بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سَمُّوا بإسْمِي وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي، قالَهُ أنَسٌ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سموا أَمر من سمى يُسَمِّي تَسْمِيَة، وَلَا تكتنوا من الاكتناء، والكنية كل مركب إضافي صَدره أَب أَو أم كَأبي بكر وَأم كُلْثُوم. قَوْله: قَالَه أنس، أَي: قَالَ أنس مَا قَالَه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمضى هَذَا التَّعْلِيق مَوْصُولا فِي كتاب الْبيُوع فِي: بَاب مَا ذكر فِي الْأَسْوَاق. قَالَ البُخَارِيّ: حَدثنَا آدم بن أبي إِيَاس حَدثنَا شُعْبَة عَن حميد الطَّوِيل عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي السُّوق فَقَالَ رجل: يَا أَبَا الْقَاسِم، فَالْتَفت إِلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: إِنَّمَا دَعَوْت هَذَا، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سموا بإسمي وَلَا تكتنوا بكنيتي. وَهَذَا الْبَاب فِيهِ خلاف.
وَقد عقد الطَّحَاوِيّ فِي هَذَا بَابا وَطول فِيهِ من الْأَحَادِيث والمباحث الْكَثِيرَة. فَأول مَا روى حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله! إِن ولد لي ولد أُسَمِّيهِ بإسمك وأكنيه بكنيتك؟ قَالَ: نعم. قَالَ: وَكَانَت رخصَة من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَلي رَضِي الله عَنهُ ثمَّ قَالَ: فَذهب قوم إِلَى أَنه لَا بَأْس بِأَن يكتني الرجل بِأبي الْقَاسِم، وَأَن يتسمى مَعَ ذَلِك بِمُحَمد، وَاحْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور. قلت: أَرَادَ بالقوم هَؤُلَاءِ: مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة ومالكاً وَأحمد فِي رِوَايَة، ثمَّ افترق هَؤُلَاءِ فرْقَتَيْن، فَقَالَت فرقه، وهم مُحَمَّد ابْن سِيرِين وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالشَّافِعِيّ: لَا يَنْبَغِي لأحد أَن يتكنى بِأبي الْقَاسِم كَانَ اسْمه مُحَمَّدًا أَو لم يكن، وَقَالَت فرقة أُخْرَى، وهم الظَّاهِرِيَّة وَأحمد فِي رِوَايَة: لَا يَنْبَغِي لمن تسمى بِمُحَمد أَن يتكنى بِأبي الْقَاسِم، وَلَا بَأْس لمن لم يتسم بِمُحَمد أَن يتكنى بِأبي الْقَاسِم. وَفِي حَدِيث الْبَاب عَن جَابر على مَا يَأْتِي النَّهْي عَن الْجمع بَينهمَا، أَعنِي: بَين الإسم والكنية، وَقيل: الْمَنْع فِي حَيَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للإيذاء، وَأبْعد بَعضهم فَمنع التَّسْمِيَة بِمُحَمد وروى سَالم بن أبي الْجَعْد: كتب عمر رَضِي الله عَنهُ إِلَى أهل الْكُوفَة: لَا تسموا باسم نَبِي، وروى أَبُو دَاوُد عَن الحكم بن عَطِيَّة عَن ثَابت عَن أنس رَفعه: تسمون أَوْلَادكُم مُحَمَّدًا ثمَّ تلعنوه؟ وَقَالَ الطَّبَرِيّ: يحمل النَّهْي على الْكَرَاهَة دون التَّحْرِيم، وَصحح الْأَخْبَار كلهَا وَلَا تعَارض وَلَا نسخ، وَكَانَ إِطْلَاقه لعَلي رَضِي الله عَنهُ فِي

(22/206)


ذَلِك إعلاماً مِنْهُ أمته ليُفِيد جَوَازه مَعَ الْكَرَاهَة، وَترك الْإِنْكَار عَلَيْهِ دَلِيل الْكَرَاهَة.

6188 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حَدثنَا سُفْيانُ عَنْ أيُّوبَ عَنِ ابْن سِيرِينَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أبُو القاسِمِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سَمُّوا باسْمِي وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعلي بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ يروي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة.
والْحَدِيث مضى فِي صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي قَول أبي هُرَيْرَة، قَالَ أَبُو الْقَاسِم، وَلم يقل: قَالَ النَّبِي، أَو قَالَ الرَّسُول، لَطِيفَة وَهِي أَنه يرى منع الاكتناء بِأبي الْقَاسِم فَذكره بِأبي الْقَاسِم إشعاراً بِأَنَّهُ لَا يرى التكنية بِأبي الْقَاسِم.

6189 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حَدثنَا سُفْيانُ قَالَ: سَمِعْتُ ابنَ المُنْكَدِر، قَالَ: سَمِعْتُ جابِرَ بنَ عَبْدِ الله رَضِي الله عَنهُ وُلِدَ لِرَجلٍ مِنَّا غُلامٌ فَسَمَّاهُ القاسِمَ، فَقَالُوا: لَا نَكْنِيكَ بِأبي القاسِمَ وَلَا نُنْعِمُكَ عَيْناً، فأتَى النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَذَكَرَ ذالِكَ لَهُ، فَقَالَ: إسْمِ ابْنِكَ عَبْدَ الرَّحْمانِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ منع التكنية بِأبي الْقَاسِم لِأَن الرجل الَّذِي منع من ذَلِك لما أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَذكر لَهُ ذَلِك لم يقل لَهُ: كنِّ، وَلَا قَالَ لَهُ: سم مُحَمَّدًا وَإِنَّمَا قَالَ: (إسم ابْنك عبد الرَّحْمَن) . وبظاهره احْتج من منع التكنية بِأبي الْقَاسِم، وَالتَّسْمِيَة بِمُحَمد.
وَهَذَا الحَدِيث قد مر فِي الْبَاب الَّذِي قبله فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن صَدَقَة بن الْفضل عَن ابْن عُيَيْنَة وَهنا أخرجه عَن عبد الله بن مُحَمَّد المسندي عَن سُفْيَان وَهُوَ ابْن عُيَيْنَة عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر.
قَوْله: (وَلَا ننعمك عينا) من الإنعام أَي: لَا نقر عَيْنك بذلك. قَوْله: أَي: الرجل الْمَذْكُور أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (فَذكر ذَلِك) أَي: مَا قَالُوا من قَوْلهم: لَا نكنيك بِأبي الْقَاسِم. قَوْله: (أسم) بِفَتْح الْهمزَة أَمر من الإسماء بِكَسْر الْهمزَة، ويروى: سم، بِفَتْح السِّين وَتَشْديد الْمِيم من التَّسْمِيَة، وَرُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نهى عَن أَربع، كنى: أَبُو عِيسَى، وَأَبُو الحكم، وَأَبُو مَالك وَأَبُو الْقَاسِم، لمن اسْمه مُحَمَّد.
107 - بَاب اسْمِ الحَزْن
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر من اسْمه الْحزن بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الزَّاي، وَهُوَ فِي الأَصْل مَا غلظ من الأَرْض ضد السهل وَاسْتعْمل فِي الْخلق، يُقَال: فلَان فِي خزونة أَي: فِي خلقه غلظ وقساوة، والحزن بِالضَّمِّ الْهم.

6190 - حدَّثنا اسْحاقُ بنُ نَصْر حَدثنَا عَبْدُ الرَّزَّاق أخبرنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابنِ المُسَيَّبِ

(22/207)


عَنْ أبِيهِ أنَّ أباهُ جاءَ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: حَزْنٌ. قَالَ: أَنْتَ سَهْلٌ. قَالَ: لَا أُغَيِّرُ اسْماً سَمَّانِيهِ أبي. قَالَ ابنُ المُسَيَّبِ: فَما زَالَتِ الحُزُونَةُ فِينَا بَعْدُ. (انْظُر الحَدِيث 6190 طرفه فِي: 6193) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْحَاق بن نصر هُوَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن نصر البُخَارِيّ، وَعبد الرَّزَّاق بن همام الْيَمَانِيّ، وَمعمر بِفَتْح الميمين ابْن رَاشد وَابْن الْمسيب هُوَ سعيد بن الْمسيب هُوَ سعيد بن الْمسيب، أما سعيد فَهُوَ من كبار التَّابِعين وسيدهم روى عَن قريب من أَرْبَعِينَ صحابياً، ولد اسنتين مضتا من خلَافَة عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وَمَات فِي سنة أَربع وَتِسْعين فِي خلَافَة الْوَلِيد بن عبد الْملك، وَأما أَبوهُ الْمسيب فَإِنَّهُ مِمَّن بَايع تَحت الشَّجَرَة، قَالُوا: لم يرو عَن الْمسيب إلاَّ سعيد. قَالَ الْكرْمَانِي: فِيهِ خلاف لما هُوَ الْمَشْهُور من شَرط البُخَارِيّ أَنه لم يرو عَن أحد لَيْسَ لَهُ إلاَّ راوٍ واحدٍ، وَأما جده حزن بن أبي وهب بن عُمَيْر بن عَابِد بن عمرَان بن مَخْزُوم الْقرشِي المَخْزُومِي فَكَانَ من الْمُهَاجِرين وَمن أَشْرَاف قُرَيْش فِي الْجَاهِلِيَّة، قَالَ الكلاباذي: روى عَن حزن ابْنه الْمسيب حَدِيثا وَاحِدًا فِي الْأَدَب، وحديثاً آخر مَوْقُوفا فِي ذكر أَيَّام الْجَاهِلِيَّة. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (قَالَ: أَنْت سهل) وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق مَحْمُود بن غيلَان. قَالَ: بل اسْمك سهل. قَوْله: (لَا أغير إسماً) فِي رِوَايَة أَحْمد بن صَالح: لَا {السهل يُوطأ ويمتهن، والتوفيق بَين الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّهُ قَالَ كلا من الْكَلَامَيْنِ، فَنقل بعض الروَاة مَا لم ينْقل الآخر. قَوْله: (فَمَا زَالَت الحزونة فِينَا بعد) وَفِي رِوَايَة أَحْمد بن صَالح: فَظَنَنْت أَنه سيصيبنا بعده حزونة، وَقَالَ ابْن التِّين: معنى قَول ابْن الْمسيب: مَا زَالَت فِينَا الحزونة، يُرِيد امْتنَاع التسهيل فِيمَا يرونه، وَقَالَ الدَّاودِيّ: يُرِيد الصعوبة، وَيُقَال: يُشِير بذلك إِلَى الشدَّة الَّتِي بقيت فِي أَخْلَاقهم، وَذكر أهل النّسَب أَن فِي وَلَده سوء خلق مَعْرُوف فيهم لَا يكَاد يعْدم مِنْهُم. قَوْله: (بعد) ويروى: بعده، أَي: بَعْدَمَا قَالَ: لَا أغير إسماً سمانيه أبي.
حدّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله وَمَحْمُودٌ، قَالَا: حَدثنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أخبرنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابنِ المُسَيَّبِ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدِّهِ بِهاذا.
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن عَليّ بن عبد الله بن الْمَدِينِيّ، ومحمود بن غيلَان بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أَبِيه الْمسيب عَن جده حزن، قَوْله: بِهَذَا، أَي: بِهَذَا الحَدِيث.
[زم 108

(بابُ تَحْوِيلِ الإسْمِ إِلَى إسْمٍ أحْسَنَ مِنْهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان تَحْويل الإسم الْقَبِيح إِلَى إسم أحسن مِنْهُ، وروى ابْن أبي شيبَة من مُرْسل عُرْوَة: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا سمع الإسم الْقَبِيح حوله إِلَى مَا هُوَ أحسن مِنْهُ. وَفِي الحَدِيث: إِنَّكُم تدعون يَوْم الْقِيَامَة بأسمائكم وَأَسْمَاء أبائكم، فَأحْسنُوا أسماءكم. وَقَالَ الطَّبَرِيّ: لَا يَنْبَغِي لأحد أَن يُسمى باسم قَبِيح الْمَعْنى وَلَا باسم مَعْنَاهُ التَّزْكِيَة والمدح وَنَحْوه، وَلَا باسم مَعْنَاهُ الذَّم والسب، بل الَّذِي يَنْبَغِي أَن يُسمى بِهِ مَا كَانَ حَقًا وصدقاً.

6190 - حدَّثنا اسْحاقُ بنُ نَصْر حَدثنَا عَبْدُ الرَّزَّاق أخبرنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابنِ المُسَيَّبِ عَنْ أبِيهِ أنَّ أباهُ جاءَ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: حَزْنٌ. قَالَ: أَنْتَ سَهْلٌ. قَالَ: لَا أُغَيِّرُ اسْماً سَمَّانِيهِ أبي. قَالَ ابنُ المُسَيَّبِ: فَما زَالَتِ الحُزُونَةُ فِينَا بَعْدُ. (انْظُر الحَدِيث 6190 طرفه فِي: 6193) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْحَاق بن نصر هُوَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن نصر البُخَارِيّ، وَعبد الرَّزَّاق بن همام الْيَمَانِيّ، وَمعمر بِفَتْح الميمين ابْن رَاشد وَابْن الْمسيب هُوَ سعيد بن الْمسيب هُوَ سعيد بن الْمسيب، أما سعيد فَهُوَ من كبار التَّابِعين وسيدهم روى عَن قريب من أَرْبَعِينَ صحابياً، ولد اسنتين مضتا من خلَافَة عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وَمَات فِي سنة أَربع وَتِسْعين فِي خلَافَة الْوَلِيد بن عبد الْملك، وَأما أَبوهُ الْمسيب فَإِنَّهُ مِمَّن بَايع تَحت الشَّجَرَة، قَالُوا: لم يرو عَن الْمسيب إلاَّ سعيد. قَالَ الْكرْمَانِي: فِيهِ خلاف لما هُوَ الْمَشْهُور من شَرط البُخَارِيّ أَنه لم يرو عَن أحد لَيْسَ لَهُ إلاَّ راوٍ واحدٍ، وَأما جده حزن بن أبي وهب بن عُمَيْر بن عَابِد بن عمرَان بن مَخْزُوم الْقرشِي المَخْزُومِي فَكَانَ من الْمُهَاجِرين وَمن أَشْرَاف قُرَيْش فِي الْجَاهِلِيَّة، قَالَ الكلاباذي: روى عَن حزن ابْنه الْمسيب حَدِيثا وَاحِدًا فِي الْأَدَب، وحديثاً آخر مَوْقُوفا فِي ذكر أَيَّام الْجَاهِلِيَّة. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (قَالَ: أَنْت سهل) وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق مَحْمُود بن غيلَان. قَالَ: بل اسْمك سهل. قَوْله: (لَا أغير إسماً) فِي رِوَايَة أَحْمد بن صَالح: لَا} السهل يُوطأ ويمتهن، والتوفيق بَين الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّهُ قَالَ كلا من الْكَلَامَيْنِ، فَنقل بعض الروَاة مَا لم ينْقل الآخر. قَوْله: (فَمَا زَالَت الحزونة فِينَا بعد) وَفِي رِوَايَة أَحْمد بن صَالح: فَظَنَنْت أَنه سيصيبنا بعده حزونة، وَقَالَ ابْن التِّين: معنى قَول ابْن الْمسيب: مَا زَالَت فِينَا الحزونة، يُرِيد امْتنَاع التسهيل فِيمَا يرونه، وَقَالَ الدَّاودِيّ: يُرِيد الصعوبة، وَيُقَال: يُشِير بذلك إِلَى الشدَّة الَّتِي بقيت فِي أَخْلَاقهم، وَذكر أهل النّسَب أَن فِي وَلَده سوء خلق مَعْرُوف فيهم لَا يكَاد يعْدم مِنْهُم. قَوْله: (بعد) ويروى: بعده، أَي: بَعْدَمَا قَالَ: لَا أغير إسماً سمانيه أبي.
حدّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله وَمَحْمُودٌ، قَالَا: حَدثنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أخبرنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابنِ المُسَيَّبِ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدِّهِ بِهاذا.
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن عَليّ بن عبد الله بن الْمَدِينِيّ، ومحمود بن غيلَان بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أَبِيه الْمسيب عَن جده حزن، قَوْله: بِهَذَا، أَي: بِهَذَا الحَدِيث.
[زم 108

(بابُ تَحْوِيلِ الإسْمِ إِلَى إسْمٍ أحْسَنَ مِنْهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان تَحْويل الإسم الْقَبِيح إِلَى إسم أحسن مِنْهُ، وروى ابْن أبي شيبَة من مُرْسل عُرْوَة: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا سمع الإسم الْقَبِيح حوله إِلَى مَا هُوَ أحسن مِنْهُ. وَفِي الحَدِيث: إِنَّكُم تدعون يَوْم الْقِيَامَة بأسمائكم وَأَسْمَاء أبائكم، فَأحْسنُوا أسماءكم. وَقَالَ الطَّبَرِيّ: لَا يَنْبَغِي لأحد أَن يُسمى باسم قَبِيح الْمَعْنى وَلَا باسم مَعْنَاهُ التَّزْكِيَة والمدح وَنَحْوه، وَلَا باسم مَعْنَاهُ الذَّم والسب، بل الَّذِي يَنْبَغِي أَن يُسمى بِهِ مَا كَانَ حَقًا وصدقاً.

6191 - حدَّثنا سَعِيدُ بنُ أبي مَرْيَمَ حدّثنا أبُو غَسَّانَ قَالَ: حدّثني أبُو حازِمٍ عَنْ سَهْلٍ قَالَ أُتِيَ بالمُنْذِرِ بنِ أبي أسَيْدٍ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حِينَ وُلِدَ فَوَضَعَهُ عَلَى فَخْذِهِ وأبُو أُسَيْدٍ جالِسٌ، فَلَها النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِشَيْءٍ بَيْنَ يَدَيْهِ فأمَرَ أبُو أُسَيْدٍ بِابْنِهِ فاحْتُمِلَ مِنْ فَخِذِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاسْتَفاقَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: أيْنَ الصَّبِيُّ فَقَالَ أبُو أُسَيْد: قَلَبْناهُ يَا رسولَ الله! قَالَ: مَا اسْمُهُ؟ قَالَ: فُلانٌ، قَالَ: ولاكِنْ اسْمِهِ المُنْذِرَ، فَسَمَّاهُ يَوْمَئِذٍ المُنْذِرَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (وَلَكِن اسْمه الْمُنْذر) وَذَلِكَ لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما سَأَلَ عَن اسْمه فَقَالَ، أَبُو أسيد: فلَان، قَالَ: وَلَكِن اسْمه الْمُنْذر، فَكَانَ الَّذِي سَمَّاهُ أَبوهُ قبيحاً فَغَيره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمُنْذر. وَقَالَ الدَّاودِيّ: سَمَّاهُ بِهِ تفاؤلاً أَن يكون لَهُ

(22/208)


علم ينذر بِهِ، وَقيل: سَمَّاهُ باسم الْمُنْذر بن عمر والساعدي الخزرجي الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور من رَهْط أبي أسيد، وَأَبُو غَسَّان بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد السِّين الْمُهْملَة اسْمه مُحَمَّد بن مطرف بِكَسْر الرَّاء الْمُشَدّدَة، وَأَبُو حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي سَلمَة بن دِينَار الْأَعْرَج، وَسَهل هُوَ ابْن سعد السَّاعِي، وَأَبُو أسيد بِضَم الْهمزَة وَفتح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف واسْمه مَالك بن ربيعَة السَّاعِدِيّ الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْأَدَب أَيْضا عَن أبي بكر بن إِسْحَاق وَمُحَمّد بن سهل.
قَوْله: (فَوَضعه) أَي: فَوَضعه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على فخذاه إِكْرَاما. قَوْله: (فلهي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) بِكَسْر الْهَاء وَفتحهَا. أَي: اشْتغل بِشَيْء كَانَ بَين يَدَيْهِ فَاحْتمل أَي: رفع. قَوْله: (فاستفاق) أَي: فرغ من اشْتِغَاله كَمَا يُقَال: أَفَاق من مَرضه وَلم ير الصَّبِي، فَقَالَ: (أَيْن الصَّبِي) ، فَقَالَ أَبُو أسيد: قلبناه أَي: صرفناه إِلَى الْبَيْت، وَذكر ابْن التِّين أَنه وَقع فِي رِوَايَة: أقلبناه بِزِيَادَة همزَة فِي أَوله، قَالَ: وَالصَّوَاب حذفهَا وأثبته غَيره لُغَة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: أقلبناه لُغَة فِي: قلبناه، فَلَا سَهْو فِي زِيَادَة الْألف. قَوْله: (وَلَكِن) قد علم أَنه للاستدراك، فَأَيْنَ الْمُسْتَدْرك مِنْهُ؟ وَأجِيب: بِأَن تَقْدِيره لَيْسَ ذَلِك الَّذِي عبر عَنهُ بفلان اسْمه بل هُوَ الْمُنْذر.

6192 - حدَّثنا صَدَقَةُ بنُ الفَضْلِ أخبرنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَطاءِ بنِ أبي مَيْمُونَةَ عَنْ أبي رافِعٍ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ زَيْنَبَ كانَ اسْمُها بَرَّةَ فَقِيلَ: تُزَكِّي نَفْسَها فَسَمَّاها رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: زَيْنَبَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ تَحْويل إسم برة إِلَى زَيْنَب. وَمُحَمّد بن جَعْفَر هُوَ غنْدر، وَعَطَاء بن أبي مَيْمُونَة مولى أنس بن مَالك، وَأَبُو رَافع نفيع بِضَم النُّون وَفتح الْفَاء الصَّائِغ الْمدنِي ثمَّ الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الاسْتِئْذَان عَن أبي بكر ابْن أبي شيبَة وَغَيره. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْأَدَب عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.
قَوْله: (أَن زَيْنَب) هِيَ بنت جحش أم الْمُؤمنِينَ كَانَ اسْمهَا برة بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الرَّاء أَو هِيَ: زَيْنَب بنت أم سَلمَة ربيبة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَغير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إسم كل مِنْهُمَا إِلَى زَيْنَب، وروى مُسلم عَن زَيْنَب بنت أم سَلمَة قَالَت: سميت برة، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تزكوا أَنفسكُم، فَالله أعلم بِأَهْل الْبر مِنْكُم، فَقَالُوا: مَا نسميها؟ قَالَ: سَموهَا زَيْنَب.

6193 - حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ مُوسَى حدّثنا هِشامٌ أنَّ ابنَ جُرَيْجٍ أخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبرنِي عَبْدُ الحَمِيدِ ابنُ جُبَيْرِ بنِ شَيْبَةَ، قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ فَحَدَّثَنِي أنَّ جَدَّهُ حَزْناً قَدِمَ على النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: اسْمِي حَزْنٌ. قَالَ: بَلْ أنْتَ سَهْلٌ. قَالَ: مَا أَنا بمُغَيِّرٍ إسْماً سَمَّانِيهِ أبي. قَالَ ابنُ المُسَيَّب: فَما زَالَتْ فِينا الحُزُونَةُ بَعْدُ. (انْظُر الحَدِيث 6190) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِبْرَاهِيم بن مُوسَى بن زيد الْفراء أَبُو إِسْحَاق الرَّازِيّ يعرف بالصغير وَهِشَام هُوَ ابْن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ، وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج، وَعبد الحميد بن جُبَير بِضَم الْجِيم وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن شيبَة بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة الحجي.
قَوْله: (حَدثنَا هِشَام) ويروى: أخبرنَا هِشَام. قَوْله: (أَن جده حزنا) قَالَ الْكرْمَانِي: هَذَا الْإِسْنَاد مَقْطُوع انْقَطع رجل من الْبَين وَالْأولَى أَي الرِّوَايَة الأولى وَهِي الَّتِي سبقت قبل هَذِه أولى لِأَنَّهُ روى عَن أَبِيه عَن جده، قيل: هَذَا على قَاعِدَة الشَّافِعِي: إِن الْمُرْسل إِذا جَاءَ مَوْصُولا من وَجه آخر يبين صِحَة مخرج الْمُرْسل.

109 - (بابُ مَنْ سَمَّي بأسْماءِ الأنْبِياءِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من سمى ابْنه أَو أحدا من جِهَته باسم نَبِي من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام وَهُوَ جَائِز، وَقد قَالَ سعيد بن الْمسيب: أحب الْأَسْمَاء إِلَى الله أَسمَاء الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سموا باسمي، وَهَذَا يرد قَول من كره التَّسْمِيَة بأسماء الْأَنْبِيَاء، وَهِي رِوَايَة جَاءَت عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ من طَرِيق قَتَادَة عَن سَالم بن أبي الْجَعْد وَذكر الطَّبَرِيّ، وَحجَّة هَذَا القَوْل حَدِيث الحكم بن عَطِيَّة عَن ثَابت عَن أنس رَفعه: تسمون أَوْلَادكُم مُحَمَّدًا ثمَّ تلعنونهم؟ وَالْحكم هَذَا ضَعِيف ذكره البُخَارِيّ فِي الضُّعَفَاء، قَالَ: وَكَانَ أَبُو الْوَلِيد يُضعفهُ.

(22/209)


وَقَالَ أنَسٌ: قَبَّلَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إبْرَاهِيمَ يَعْنِي ابْنَهُ
هَذَا تَعْلِيق فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْكشميهني، وَكَذَا فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ. وَأخرجه البُخَارِيّ مَوْصُولا فِي الْجَنَائِز.

6194 - حدَّثنا ابنُ نُمَيْرٍ حَدثنَا مُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ حدّثنا إسْماعِيل قُلْتُ ل ابنِ أبي أوْفَى: رأيتَ إبْرَاهِيمَ بنَ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: ماتَ صَغِيراً، ولوْ قُضِيَ أَن يَكُونَ بَعْدَ محَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَبِيٌّ عاشَ ابْنُهُ لَكِن لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَابْن نمير بِضَم النُّون وَفتح الْمِيم هُوَ مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير نسب لجده، وَمُحَمّد بن بشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة الْعَبْدي، وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي خَالِد البَجلِيّ، وكل هَؤُلَاءِ كوفيون، وَابْن أبي أوفى عبد الله الصَّحَابِيّ ابْن الصَّحَابِيّ، وَاسم أبي أوفى عَلْقَمَة.
والْحَدِيث أخرجه ابْن مَاجَه فِي الْجَنَائِز عَن ابْن نمير شيخ البُخَارِيّ عَن مُحَمَّد بن بشر.
قَوْله: (مَاتَ صَغِيرا) كَانَ عمره حِين مَاتَ ثَمَانِيَة عشر شهرا، وَكَانَ مَوته فِي ذِي الْحجَّة سنة عشر وَدفن بِالبَقِيعِ. قَالَ الْكرْمَانِي: الْمَفْهُوم من جَوَابه إِن ظَاهره لَا يُطَابق السُّؤَال لِأَنَّهُ قَالَ: رَأَيْت إِبْرَاهِيم؟ يَعْنِي: هَل رَأَيْته؟ فَقَالَ: مَاتَ صَغِيرا فَهَذَا لَيْسَ جَوَابه، ثمَّ أجَاب بقوله: الظَّاهِر أَنه رَآهُ مَاتَ صَغِيرا. قَوْله: (وَلَو قضي) على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: لَو قدر الله أَن يكون بعده نَبيا لعاش، وَلكنه خَاتم النَّبِيين.

6195 - حدَّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ أخبرنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيّ بنِ ثابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ البَراءَ قَالَ: لمَّا ماتَ إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام قالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إنَّ لَهُ مُرْضِعاً فِي الجَنَّةِ. (انْظُر الحَدِيث 1312 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث مضى فِي الْجَنَائِز عَن أبي الْوَلِيد، وَفِي صفة الْجنَّة عَن حجاج بن منهال وَهُوَ من أَفْرَاده.
قَوْله: (مُرْضعًا) قَالَ الْخطابِيّ: بِضَم الْمِيم أَي: من يتم رضاعه، وَبِفَتْحِهَا أَي: إِن لَهُ رضَاعًا فِي الْجنَّة، وَفِي (الصِّحَاح) : امْرَأَة مرضع. أَي: لَهَا ولد ترْضِعه فَهِيَ مُرْضِعَة بِضَم أَوله، فَإِن وصفتها بإرضاعه قلت: مُرْضِعَة، يَعْنِي بِفَتْح الْمِيم قيل: الْمَعْنى يَصح وَلَكِن لم يروه أحد بِفَتْح الْمِيم، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: أَن لَهُ مُرْضعًا ترْضِعه فِي الْجنَّة.

6196 - حدَّثنا آدَمُ حدَّثنا شُعْبَةُ عَنْ حُصَيْنِ بنِ حُصَيْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ عَنْ سالِمِ بنِ أبي الجَعْدِ عَنْ جابِرِ بن عَبْدِ الله الأنْصارِيّ، قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سَمُّوا باسْمِي وَلَا تكتَنُوا بِكُنْيَتِي فإِنما أَنا قاسِمٌ أقْسِمُ بَيْنَكُمْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (سموا باسمي) وآدَم هُوَ ابْن أبي إِيَاس، وحصين بِضَم الْحَاء وَفتح الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ.
والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي: بَاب قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سموا باسمي، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (أَنا قَاسم) إِشَارَة إِلَى أَن هَذِه الكنية تصدق على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِأَنَّهُ يقسم مَال الله بَين الْمُسلمين، وَغَيره لَيْسَ بِهَذِهِ الْمرتبَة.
وَفِيه: إِشْعَار بِأَن الكنية إِنَّمَا تكون بِسَبَب وصف صَحِيح فِي المكنى بِهِ.
ورواهُ أنَسٌ عَنِ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَي: روى هَذَا الحَدِيث أنس بن مَالك عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمضى الْكَلَام فِيهِ فِي: بَاب قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سموا باسمي.

6197 - حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْماعيِلَ حَدثنَا أبُوا عَوانَةَ حدّثنا أبُو حَصِينٍ عَنْ أبي صالِحٍ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: سَمُّوا باسْمِي وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي، وَمَنْ رَآنِي فِي المَنامِ فَقَدْ رآنِي فإِنَّ الشَّيْطانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِي، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ.

(22/210)


مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (سموا بإسمي) فَإِنَّهُ يدل على جَوَاز التَّسْمِيَة باسم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَغَيره من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام.
وَأَبُو عوَانَة الوضاح بن عبد الله، وَأَبُو حُصَيْن بِفَتْح الْحَاء وَكسر الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ عُثْمَان، وَأَبُو صَالح ذكْوَان الزيات، وَقد مضى صدر الحَدِيث عَن قريب.
قَوْله: (بكنيتي) وَقع فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والسرخسي هُنَا: بكنوتي. قَوْله: (وَمن رَآنِي)
إِلَى آخِره حديثان جَمعهمَا الرَّاوِي مَعَ الحَدِيث الأول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وَكَيْفِيَّة هَذِه الرُّؤْيَة أَن الله عز وَجل يخلق الرُّؤْيَة بإرادته وَلَيْسَت مَشْرُوطَة بمواجهة ومقابلة وَشرط، وَقَالَ الْغَزالِيّ رَحمَه الله: لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهَا رأى جسمي بل رأى مِثَالا صَار ذَلِك الْمِثَال آلَة يتَأَدَّى بهَا الْمَعْنى الَّذِي فِي نَفسِي إِلَيْهِ، بل الْبدن فِي الْيَقَظَة أَيْضا لَيْسَ إلاَّ آلَة النَّفس، فَالْحق إِنَّمَا يرى مِثَال حَقِيقَة روحه المقدسة، قيل: من أَيْن يعلم الرَّائِي أَنه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَا غَيره؟ وَأجِيب: بِأَن الله عز وَجل يخلق فِيهِ علما ضَرُورِيًّا أَنه هُوَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (فقد رَآنِي) لَيْسَ بجزاء للشّرط حَقِيقَة بل لَازمه نَحْو فليستبشر فَإِنَّهُ قد رَآنِي. قَوْله: (لَا يتَمَثَّل بِي) ويروى: لَا يتَمَثَّل صُورَتي. قَوْله: (فليتخذ) ، يُقَال: تبوأ الرجل الْمَكَان إِذا اتَّخذهُ موضعا لمقامه، وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ: هَذَا الحَدِيث متواتر فِي الْعلم.

6198 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ العَلاَءِ حَدثنَا أبُو أسامَة عَنْ بُرَيْدِ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبي بُرْدَةَ عَنْ أبي بُرْدَةَ عَنْ أبي مُوسَى، قَالَ: وُلِدَ لي غُلاَمٌ فأتَيْتُ بِهِ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَمَّاهُ إبْرَاهِيمَ فَحَنَّكَةُ بِتَمْرَةٍ ودَعا لَهُ بالبَرَكَةِ ودَفَعَهُ إليَّ وكانَ أكْبَرَ وَلَدِ أبي مُوسَى. (انْظُر الحَدِيث 5467) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة وبريد بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء ابْن عبد الله يروي عَن جده أبي بردة عَامر، وَقيل: الْحَارِث عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، واسْمه عبد الله بن قيس.
والْحَدِيث مضى فِي الْعَقِيقَة عَن إِسْحَاق بن نصر. وَأخرجه مُسلم فِي الاسْتِئْذَان عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.

110 - (بابُ تَسْمِيَةِ الوَلِيدِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر مَا جَاءَ من تَسْمِيَة الْوَلِيد، وغرضه من وضع هَذِه التَّرْجَمَة الرَّد على مَا ءواه الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث ابْن مَسْعُود، نهى رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن يُسمى الرجل عَبده أَو وَلَده حَربًا أَو مرّة أَو وليداً، فَإِنَّهُ حَدِيث ضَعِيف جدا، وعَلى مَا رَوَاهُ عبد الله بن أَحْمد قَالَ: حَدثنِي أبي قَالَ: حَدثنَا أَبُو الْمُغيرَة، قَالَ: حَدثنَا ابْن عَيَّاش وَهُوَ إِسْمَاعِيل قَالَ: حَدثنَا الْأَوْزَاعِيّ وَغَيره عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ولد لأخي أم سَلمَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، غُلَام فَسَموهُ الْوَلِيد، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سميتموه الْوَلِيد بأسماء فرا عينكم لَيَكُونن فِي هَذِه الْأمة رجل يُقَال لَهُ: الْوَلِيد، لَهو شَرّ على هَذِه الْأمة من فِرْعَوْن لِقَوْمِهِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان: هَذَا خبر بَاطِل، مَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، هَذَا وَلَا رَوَاهُ عمر وَلَا حدث بِهِ سعيد وَلَا الزُّهْرِيّ

(22/211)


وَلَا هُوَ من حَدِيث الْأَوْزَاعِيّ بِهَذَا الْإِسْنَاد، قَالَ ابْن حبَان: لما كبر إِسْمَاعِيل تغير حفظه فَكثر الْخَطَأ فِي حَدِيثه وَهُوَ لَا يعلم وَقد رَوَاهُ وَهُوَ مختلط، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: قد رَأَيْت فِي بعض الرِّوَايَات عَن الْأَوْزَاعِيّ أَنه قَالَ: سَأَلت الزُّهْرِيّ عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: إِن اسْتخْلف الْوَلِيد بن يزِيد وإلاَّ فَهُوَ الْوَلِيد بن عبد الْملك، وَهَذِه الرِّوَايَة لَا أعلم صِحَّتهَا. قلت: فَإِن صحت دلّت على ثُبُوت الحَدِيث. والوليد بن يزِيد أولى بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ مَشْهُورا بالإلحاد مبارزاً بالعناد، وَإِنَّمَا قَالَ: أَسمَاء فرا عينكم لِأَن فِرْعَوْن مُوسَى اسْمه الْوَلِيد، وَلما لم يكن هَذَانِ الحديثان وأمثالهما على شَرط البُخَارِيّ لم يذكر شَيْئا مِنْهُمَا، وَأورد فِي الْبَاب الحَدِيث الَّذِي يدل على الْجَوَاز.

6200 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ الفَضْلُ بنُ دُكَيْنٍ حَدثنَا ابنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهرِيِّ عَنْ سَعِيد عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا رفعَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ قَالَ: أللَّهُمَّ أنْجِ الوَلِيدَ بنَ الوَلِيد وسَلَمَةَ ابنَ هِشامٍ وعَيَّاشَ بنَ أبي ربِيعَةَ والمُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّةَ مِنَ المُؤْمِنِينَ، أللَّهُمَّ اشْدُدْ وطْأتَكَ عَلَى مُضَرَ، أللَّهُمَّ اجْعَلْها عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِني يُوسُفَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (الْوَلِيد بن الْوَلِيد فَإِنَّهُ أوضح الْإِبْهَام الَّذِي فِي التَّرْجَمَة، وَدلّ على جَوَاز تَسْمِيَة الْوَلِيد.
وَابْن عُيَيْنَة هُوَ سُفْيَان، وَسَعِيد هُوَ ابْن الْمسيب. والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب يهوى بِالتَّكْبِيرِ، وَمر الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (وَالْمُسْتَضْعَفِينَ من عطف الْعَام على الْخَاص وَالْوَطْأَةُ الدوس بالقدم وَالْمرَاد بهَا هُنَا الإهلاك أَي: خذهم أخذا شَدِيدا وَمُضر قَبيلَة قُرَيْش. قَوْله: (كَسِنِي يُوسُف وَجه التَّشْبِيه بسني يُوسُف هُوَ فِي امتداد الْقَحْط والمحنة وَالْبَلَاء والشدة وَالضَّرَّاء، وَسَقَطت النُّون من سني يُوسُف للإضافة.

111 - (بابُ مَنْ دَعا صَاحِبَهُ فَنَقَصَ مِنِ اسْمِهِ حَرْفاً)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من دَعَا صَاحبه بِأَن خاطبه بالنداء فنقص من اسْمه حرفا مثل قَوْلك: يَا مَال، فِي مَالك. وَهَذَا عبارَة عَن التَّرْخِيم وَهُوَ حذف آخر المنادى لأجل التَّخْفِيف، وَإِنَّمَا اخْتصَّ بِالْآخرِ لِأَنَّهُ مَحل التَّغْيِير فِي حذفه فِي جزم المعتل وَشرط التَّرْخِيم فِي المنادى أَن لَا يكون مُضَافا وَلَا مستغاثاً وَلَا جملَة، وَفِي غير المنادى لَا يجوز إِلَّا لضَرُورَة الشّعْر.
وَقَالَ أبُو حازِمِ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ قَالَ لي النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا أَبَا هِرّ
أَبُو حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي اسْمه سلمَان الْأَشْجَعِيّ الْكُوفِي. وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي الْأَطْعِمَة: وأوله أصابني جهد شَدِيد الحَدِيث، وَفِيه: فَإِذا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَائِم على رَأْسِي فَقَالَ: يَا أَبَا هر، قَالَ ابْن بطال: هَذَا لَا يُطَابق التَّرْجَمَة لِأَنَّهُ لَيْسَ من التَّرْخِيم، وَإِنَّمَا هُوَ نقل اللَّفْظ من التصغير والتأنيث إِلَى التَّكْبِير والتذكير وَذَلِكَ أَنه كناه أَبَا هُرَيْرَة، وهريرة تَصْغِير هرة فخاطبه باسمها مذكراً فَهُوَ نُقْصَان فِي اللَّفْظ وَزِيَادَة فِي الْمَعْنى انْتهى. وَقَالَ بَعضهم: هُوَ نقص فِي الْجُمْلَة لَكِن كَون النَّقْص مِنْهُ حرفا فِيهِ نظر قلت: لَا يَنْبَغِي للشَّخْص أَن يتَكَلَّم فِي فن وَلَيْسَ لَهُ يَد فِيهِ، فليت شعري هَذَا الَّذِي قَالَه هَل يرد كَلَام ابْن بطال.

6201 - حدَّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حدّثني أبُو سَلَمَةَ بنُ عبدِ الرَّحْمان أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا زَوجَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالَتْ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا عائِشَة هاذا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلاَمَ! قُلْتُ: وعَلَيْهِ السَّلامُ ورَحْمَةُ الله، قالَتْ: وهوَ يَرَى مَا لَا نَرَى.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع. والْحَدِيث مضى فِي بَدْء الْخلق عَن عبد الله بن مُحَمَّد وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (يَا عائش) ، ترخيم عَائِشَة يجوز فِيهِ الْفَتْح وَعَلِيهِ الْأَكْثَر وَالضَّم. قَوْله: (يُقْرِئك السَّلَام) ، هَذَا وَقَرَأَ،

(22/212)


عَلَيْك السَّلَام، بِمَعْنى وَاحِد. قَوْله: (قلت) ويروى: قَالَت، قيل: جِبْرِيل جسم فَإِذا كَانَ حَاضرا فِي الْمجْلس فَكيف تخْتَص رُؤْيَته بِالْبَعْضِ دون الآخر؟ وَأجِيب: بِأَن الرُّؤْيَة أَمر يخلقه الله تَعَالَى فِي الْحَيّ فَإِن خلقهَا فِيهِ رأى وإلاَّ فَلَا. قَوْله: (مَا لَا نرى) ويروى: مَا لَا أرى.

6202 - حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْماعيلَ حدّثنا وُهَيْبٌ حدّثنا أيُّوبُ عَنْ أبي قِلاَبَةَ عَنْ أنَسٍ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كانَتْ أمُّ سُلَيْمٍ فِي الثَّقَلِ، وأنْجَشَةُ غُلاَمُ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَسُوقُ بِهِنَّ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا أنْجَشُ رُوَيْدَكَ سَوْقَكَ بالْقَوَارِيرِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (يَا أنجش) فَإِنَّهُ مرخم وَأَصله: يَا أَنْجَشَة، وَيجوز فِيهِ الْفَتْح وَالضَّم على مَا هُوَ قَاعِدَة المرخمات.
ووهيب هُوَ ابْن خَالِد، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَأَبُو قلَابَة بِكَسْر الْقَاف عبد الله بن زيد.
والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي: بَاب مَا يجوز من الشّعْر.
قَوْله: (كَانَت أم سليم) وَهِي: أم أنس، رَضِي الله عَنْهُمَا قَوْله: (فِي الثّقل) بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَالْقَاف وَهُوَ مَتَاع الْمُسَافِر وحشمه، وَرُوِيَ بِكَسْر الثَّاء، قَالَ ابْن التِّين: الأول هُوَ الَّذِي قرأناه. قَوْله: (رويدك) أَي: لَا تستعجل فِي سوق النِّسَاء فَإِنَّهُنَّ كالقوارير فِي سرعَة الانفعال، والتأثر، وَقد مرت مباحثه مستقصاة.

112 - (بابُ الكُنْيَةِ لِلصَّبِيّ، وقَبْلَ أنْ يُولَدَ لِلرَّجُلِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز الكنية للصَّبِيّ، وَعَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: عجلوا بكنى أَوْلَادكُم لَا تسرع إِلَيْهِم ألقاب السوء، وَقَالَ الْعلمَاء: كَانُوا يكنون الصَّبِي تفاؤلاً بِأَنَّهُ سيعيش حَتَّى يُولد لَهُ، وللأمن من التقليب لِأَن الْغَالِب أَن من يذكر شخصا فيعظمه أَن لَا يذكرهُ باسمه الْخَاص بِهِ، فَإِذا كَانَت لَهُ كنية أَمن من تلقيبه، وَقَالُوا: الكنية للْعَرَب كاللقب للعجم. قَوْله: (وَقبل أَن يُولد) أَي: وَفِي جَوَاز الكنية أَيْضا قبل أَن يُولد للرجل أَي: قبل أَن يَجِيء لَهُ ولد، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: قبل أَن يلد الرجل، وَقد روى الطَّحَاوِيّ وَأحمد وَابْن مَاجَه وَالْحَاكِم وَصَححهُ من حَدِيث صُهَيْب: أَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ لَهُ مَالك تكنى أَبَا يحيى وَلَيْسَ لَك ولد؟ قَالَ: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كناني، وروى ابْن أبي شيبَة عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: كَانَ رجال من الصَّحَابَة يكتنون قبل أَن يُولد لَهُم. وَأخرج الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد صَحِيح عَن عَلْقَمَة عَن ابْن مَسْعُود: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كناه أَبَا عبد الرَّحْمَن قبل أَن يُولد لَهُ.

6203 - حدَّثنا مُسَدَّدُ حَدثنَا عَبْدُ الوارِثِ عَنْ أبي التَّيَّاحِ عَنْ أنَسٍ قَالَ: كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أحْسَنَ النَّاسِ خُلُقاً وكانَ لي أخٌ يُقالُ لَهُ أبُو عُمَيْرٍ، قَالَ: أحْسِبُهُ فَطِيمٌ وكانَ إذَا جاءَ قَالَ: يَا أَبَا عُمَيْرٍ! مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟ نُغَرٌ كانَ يَلْعَبُ بِهِ فَرُبَّما حَضَرَ الصَّلاَةَ وَهْوَ فِي بَيْتِنا فَيَأمُرُ بالبِساطِ الَّذِي تَحْتَهُ فَيُكْنَسُ ويُنْضَحُ ثُمَّ يَقُومُ وَنَقُومُ خَلْفَهُ فَيُصَلِّي بِنَا. (انْظُر الحَدِيث 6129) .

مُطَابقَة الْجُزْء الأول للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَقَالَ بَعضهم: والركن الثَّانِي مَأْخُوذ بالإلحاق بل بطرِيق الأولى. قلت: هَذَا كَلَام غير موجه لِأَن جَوَاز التكني للصَّبِيّ لَا يسْتَلْزم جَوَاز التكني للرجل قبل أَن يُولد لَهُ، فَكيف يَصح الْإِلْحَاق بِهِ فضلا عَن الْأَوْلَوِيَّة؟ وَالظَّاهِر أَنه لم يظفر بِحَدِيث على شَرطه مطابقاً للجزء الثَّانِي، فَلذَلِك لم يذكر لَهُ شَيْئا.
وَعبد الْوَارِث هُوَ ابْن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ، وَأَبُو التياح بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَفِي آخِره حاء مُهْملَة واسْمه يزِيد بن حميد.
والْحَدِيث مر مُخْتَصرا فِي: بَاب الانبساط إِلَى النَّاس، أخرجه عَن آدم عَن شُعْبَة عَن أبي التياح عَن أنس. والْحَدِيث دلّ على جَوَاز تكني الصَّغِير، وَأَبُو عُمَيْر مصغر عمر.
قَوْله: (أَحْسبهُ) أَي: أَظُنهُ فطيم أَي: مفطوم انْتهى رضاعه، وَفِي رِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة عَن ثَابت عَن أنس عِنْد أَحْمد: كَانَ لي أَخ صَغِير، وَهُوَ أَخُو أنس من أمه، وارتفاع: فطيم، بِأَنَّهُ صفة لقَوْله: لي أَخ. وَقَوله: (أَحْسبهُ)

(22/213)


معترض بَين الصّفة والموصوف ويروى) فطيماً، بِالنّصب على أَنه مفعول ثَان لأحسبه. قَوْله: (وَكَانَ إِذا جَاءَ) أَي: وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا جَاءَ، يَعْنِي: إِلَى أم سليم فِيمَا زح الصَّغِير فَيَقُول لَهُ. (يَا با عُمَيْر مَا فعل النغير) وَكَانَ قد مَاتَ. قَوْله: (نغر) . يَعْنِي النغير مصغر نغر بِضَم النُّون وَفتح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَهُوَ طير صَغِير كالعصافير حمر المناقير. قَوْله: (فَرُبمَا حضر الصَّلَاة) أَي: رُبمَا حضر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... إِلَى آخِره، قد مر فِي كتاب الصَّلَاة.

113 - (بابُ التَّكَنِّي بِأبي تُرَاب وإنْ كانَتْ لَهُ كُنْيَةٌ أخْرَى)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز التكني بِأبي تُرَاب وَإِن كَانَت لَهُ كنية أُخْرَى قبل ذَلِك، وَهَذَا فِي قصَّة عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ وَقد تقدّمت بأتم من ذَلِك فِي مناقبه.

114 - (بابُ أبْغَضِ الأسْماءِ إِلَى الله)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ أبْغض الْأَسْمَاء إِلَى الله عز وَجل، وَلم يبين مَا هُوَ أبْغض الْأَسْمَاء اكْتِفَاء بِمَا بَينه فِي حَدِيث الْبَاب.

6205 - حدَّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا أبُو شُعَيْب حَدثنَا أبُو الزِّنادِ عَنِ الأعْرَجِ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ

(22/214)


قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أخْنَى الأسْماءِ يَوْمَ القِيامَةِ عِنْدَ الله رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الأمْلاَكِ. (انْظُر الحَدِيث 6205 طرفه فِي: 6206) .

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (أخنى الْأَسْمَاء) لِأَن: أخنى أفعل من الخنى، وَهُوَ الْفُحْش من القَوْل، وكل فحش قَبِيح وكل قَبِيح مبغوض.
وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَشُعَيْب هُوَ ابْن أبي حَمْزَة، وَأَبُو الزِّنَاد بِكَسْر الزَّاي وبالنون عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (أخنى الْأَسْمَاء) كَذَا وَقع فِي رِوَايَة شُعَيْب للأكثرين، وَوَقع فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: أخنع، أما الأخنى فَهُوَ من الخنى بِفتْحَتَيْنِ مَقْصُورا، وَقد فسرناه، وَأما: أخنع، فَهُوَ من الخنوع وَهُوَ الذل وَقد فسره الْحميدِي عِنْد رِوَايَته بِهِ بقوله: الأخنع الْأَذَل. وَأخرج مُسلم عَن أَحْمد بن حَنْبَل، قَالَ: سَأَلت أَبَا عمر والشيباني، يَعْنِي: إِسْحَاق اللّغَوِيّ عَن أخنع، فَقَالَ: أوضع، والخانع الذَّلِيل من خنع الرجل إِذا ذل، وَورد عِنْد مُسلم بِلَفْظ أَخبث الْأَسْمَاء وبلفظ: أَغيظ الْأَسْمَاء، وَوَقع لِابْنِ أبي شيبَة عَن مُجَاهِد بِلَفْظ: أكره الْأَسْمَاء، وروى سُفْيَان عَن ابْن أبي نجيح عَن جَابر قَالَ: أكره الْأَسْمَاء إِلَى الله ملك الْأَمْلَاك، وَإِنَّمَا كَانَ: ملك الْأَمْلَاك أبْغض إِلَى الله وأكره إِلَيْهِ أَن يُسمى بِهِ مَخْلُوق لِأَنَّهُ صفة الله تَعَالَى، وَلَا يَلِيق بمخلوق صِفَات الله وأسماؤه، لِأَن الْعباد لَا يوصفون إلاَّ بالذل والخضوع والعبودية، وَقد روى عَطاء عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ مَرْفُوعا: لَا تسموا أبناءكم حكيماً وَلَا أَبَا الحكم فَإِن الله هُوَ الْحَكِيم الْعَلِيم، وَقَالَ الدَّاودِيّ فِي الحَدِيث: أبْغض الْأَسْمَاء إِلَى الله: خَالِد وَمَالك، وَذَلِكَ أَن أحدا لَيْسَ يخلد، وَالْمَالِك هُوَ الله عز وَجل، ثمَّ قَالَ: وَمَا أرَاهُ مَحْفُوظًا لِأَن بعض الصَّحَابَة كَانَ اسْمه خَالِدا أَو مَالِكًا قَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : وَهَذَا عجب، فَفِي الصَّحَابَة خَالِد فَوق السّبْعين وَمَالك فِي الصَّحَابَة فَوق الْمِائَة وَعشرَة، والعباد وَإِن كَانُوا يموتون فالأرواح لَا تفنى ثمَّ تعود الْأَجْسَام الَّتِي كَانَت فِي الدُّنْيَا وتعود فِيهَا تِلْكَ الْأَرْوَاح، ويخلد كل فريق فِي أحد الدَّاريْنِ، وَفِي التَّنْزِيل: { (34) وَنَادَوْا يَا مَالك} (الزخرف: 77) الخازن النَّار، وَاعْترض عَلَيْهِ بَعضهم بقوله: احتجاجه بِجَوَاز التَّسْمِيَة بِخَالِد بِمَا ذكر من أَن الْأَرْوَاح لَا تفنى، فعلى تَقْدِير التَّسْلِيم لَيْسَ بواضح لِأَن الله سُبْحَانَهُ قد قَالَ لنَبيه: { (12) وَمَا جعلنَا لبشر. . الْخلد} (الْأَنْبِيَاء: 34) والخلد الْبَقَاء الدَّائِم بِغَيْر موت فَلَا يلْزم من كَون الْأَرْوَاح لَا تفنى أَن يُقَال لصَاحب تِلْكَ الرّوح: خَالِد. انْتهى. قلت اعتراضه غير وَاضح وَلَا وَارِد لِأَن نفي الْخلد لبشر من قبل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا هُوَ فِي الدُّنْيَا. قَوْله: والخلد الْبَقَاء الدَّائِم بِغَيْر موت فِي الدُّنْيَا أَيْضا، والنتيجة الَّتِي بناها على تِلْكَ الْمُقدمَة الْفَاسِدَة عقيمة وَهِي قَوْله: فَلَا يلْزم ... إِلَى آخِره، بل يلْزم ذَلِك فِي الْآخِرَة فَافْهَم. قَوْله: (ملك الْأَمْلَاك) بِكَسْر اللَّام من ملك والأملاك جمع ملك بِكَسْر اللَّام أَيْضا، وَقيل: الْتحق بذلك قَاضِي الْقُضَاة وَإِن كَانَ اشْتهر فِي بِلَاد الْمشرق من قديم الزَّمَان إِطْلَاق ذَلِك على كَبِير الْقُضَاة، وَقد سلم أهل الغرب من ذَلِك، وَاسم: كَبِير الْقُضَاة، عِنْدهم قَاضِي الْجَمَاعَة. قلت: أول من تسمى قَاضِي الْقُضَاة أَبُو يُوسُف من أَصْحَاب أبي حنيفَة، وَفِي زَمَنه كَانَ أساطين الْفُقَهَاء وَالْعُلَمَاء والمحدثين فَلم ينْقل عَن أحد مِنْهُم إِنْكَار ذَلِك، نعم يمْتَنع أَن يُقَال: أقضى الْقُضَاة، لِأَن مَعْنَاهُ: أحكم الْحَاكِمين، وَالله سُبْحَانَهُ هُوَ أحكم الْحَاكِمين، وَهَذَا أبلغ من قَاضِي الْقُضَاة، لِأَنَّهُ أفعل التَّفْضِيل، وَمن جهلاء هَذَا الزَّمَان من مسطري سجلات الْقُضَاة يَكْتُبُونَ للنائب: أقضى الْقُضَاة، وللقاضي الْكَبِير: قَاضِي الْقُضَاة.

6206 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حَدثنَا سُفْيانُ عَنْ أبي الزِّناد عَنِ الأعْرَجِ عَن أبي هُرَيْرَةَ رِوَايَةً قَالَ: أخْنَعُ إسْمٍ عِنْدَ الله، وَقَالَ سُفْيَانُ غَيْرَ مَرَّةٍ: أخْنَعْ الأسْماءِ عِنْدَ الله رَجُلٌ تَسَمَّى بِمَلِكَ الأمْلاكِ. قَالَ سُفْيانُ: يَقُولُ غَيْرُهُ: تَفْسِيرُهُ شاهانْ شاهْ. (انْظُر الحَدِيث 6205) .

هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة أخرجه عَن عَليّ بن عبد الله بن الْمَدِينِيّ عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن أبي الزِّنَاد عبد الله بن ذكْوَان عَن عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة. قَوْله: (رِوَايَة) أَي: عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وانتصابه بِهِ على التَّمْيِيز أَي: من حَيْثُ الرِّوَايَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (وَقَالَ سُفْيَان) أَي: الرَّاوِي الْمَذْكُور. قَوْله: (غير مرّة) أَي: مرَارًا مُتعَدِّدَة. قَوْله: (يَقُول غَيره) أَي: غير أَبُو الزِّنَاد (شاهان شاه) ، وَمَعْنَاهُ بالعربي: ملك الْأَمْلَاك، لِأَن شاهان الْأَمْلَاك لِأَنَّهُ جمع شاه

(22/215)


وَيجمع عِنْدهم بِالْألف وَالنُّون فِي بنى آدم، وشاه مُفْرد وَمَعْنَاهُ الْملك، وَلَكِن من قَاعِدَة الْعَجم تَقْدِيم الْمُضَاف إِلَيْهِ على الْمُضَاف وَتَقْدِيم الصّفة على الْمَوْصُوف، وشاهان بِسُكُون النُّون لَا بِكَسْرِهَا.

115 - (بابُ كُنْيَة المُشْرِكِ)

أَي: هَذَا بَاب فِيهِ: هَل يجوز كنية الْمُشرك ابْتِدَاء، وَإِذا كَانَت لَهُ كنية هَل يجوز خطابه بهَا؟ وَهل يجوز ذكره بهَا إِذا كَانَ غَائِبا؟ .
وَقَالَ مِسْوَرٌ: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: إلاَّ أنْ يُرِيدَ ابنُ أبي طالِبٍ
هَذَا التَّعْلِيق سقط من رِوَايَة النَّسَفِيّ، وَثَبت للباقين. قَوْله: (مسور) كَذَا هُوَ مُجَرّد عَن الْألف وَاللَّام، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي نعيم: الْمسور، وَهُوَ الْأَشْهر بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة ابْن مخرمَة الزُّهْرِيّ وَقد تعدد ذكره، وَوصل البُخَارِيّ هَذَا التَّعْلِيق بِتَمَامِهِ فِي: بَاب ذب الرجل عَن ابْنَته، فِي أَوَاخِر كتاب النِّكَاح: حَدثنَا قُتَيْبَة حَدثنَا اللَّيْث عَن ابْن أبي مليكَة عَن الْمسور بن مخرمَة سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُول وَهُوَ على الْمِنْبَر: إِن بني هِشَام بن الْمُغيرَة اسْتَأْذنُوا فِي أَن ينكحوا ابنتهم عَليّ بن أبي طَالب، فَلَا آذن ثمَّ لَا آذن إلاَّ أَن يُرِيد ابْن أبي طَالب أَن يُطلق ابْنَتي وينكح ابنتهم ... الحَدِيث.

6207 - حدَّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ وحدّثنا إسماعيلُ قَالَ: حدّثني أخي عَنْ سُلَيْمانَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ أبي عَتِيقٍ عَنْ ابنِ شِهابٍ عَنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ أنَّ أُسامةَ بنَ زَيْدٍ رَضِي الله عَنْهُمَا أخبرهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكِبَ عَلَى حِمار عَلَيْهِ قَطِيفَةٌ فَدَكيَّةٌ وأُسامَةُ وراءَهُ يَعُودُ سَعْدَ بنَ عُبادَةَ فِي بَني الحارِبِ بن الخَزْرَجِ قَبْلَ وَقَعةِ بَدْرٍ، فَسارا حَتَّى مَرَّا بِمَجْلِسٍ فِيهِ عَبْدُ الله بنُ أبيّ بنُ سَلُولَ، وذالِكَ قَبْلَ أنْ يُسْلِمَ عَبْدُ الله بنُ أبيّ، فَإِذا فِي المَجْلِسِ أخْلاطٌ مِنَ المُسْلِمِينَ والمُشْرِكِينَ عَبْدَةِ الأوْثانِ واليَهُودِ، وَفِي المُسْلِمِينَ عَبْدُ الله بنُ رَواحَةَ، فَلَمَّا غَشِيَتِ المَجْلِسَ عَجاجَةُ الدَّابَّةِ خَمَّرَ ابنُ أُبَيّ أنْفَهُ بِرِدائِهِ، وَقَالَ: لَا تُغَيِّرُوا عَلَيْنا، فَسَلَّمَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَلَيْهِمْ ثُمَّ وَقَفَ فَنَزَلَ فَدَعاهُمْ إِلَى الله وقَرَأَ عَلَيْهِمْ القُرْآنَ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الله بنُ أُبيّ ابنُ سَلُولَ: أيُّها المَرْءُ لَا أحْسَنَ مِمَّا تَقُولُ، إنْ كَانَ حَقًّا، فَلا تُؤْذِنا بِهِ فِي مَجالِسِنا، فَمَنْ جاءَكَ فًّقْصُصْ عَلَيْهِ. قَالَ عَبْدُ الله بنُ رَواحَةَ: بَلاى يَا رَسُول الله فاغْشَنا بِهِ فِي مَجالِسِنا فإنَّا نُحِبُّ ذالِكَ، فاسْتَبَّ المُسْلِمُونَ والمُشْرِكُونَ واليَهُودُ حَتَّى كادُوا يَتَثَاوَرُونَ، فَلَمْ يَزَلْ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَخْفِضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا، ثُمَّ رَكِبَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، دابَّتَهُ فَسارَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بنِ عُبادَةَ، فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أيْ سَعْدُ {ألَمْ تَسْمَعْ مَا قَالَ أبُو حُبابٍ؟ يُرِيدُ عَبْدَ الله بنَ أبَيّ قَالَ: كَذا وكَذا، فَقَالَ سَعْدُ بنُ عُبادَةَ: أَي: رسولَ الله} بِأبي أنْتَ، اعْفُ عَنْهُ واصْفَحْ، فَوَالذي أنْزَل عَلَيْكَ الكِتابَ لَقَدْ جاءَ الله بالحَقِّ الَّذِي أنْزَلَ عَلَيْكَ، ولَقَدِ اصْطَلَحَ أهْلُ هاذِهِ البَحْرَةِ عَلَى أنْ يُتَوِّجُوهُ ويُعَصِّبُوهُ بالعصابَةِ فَلَمَّا رَدَّ الله ذالِكَ بالحَقِّ الَّذِي أعْطاكَ شَرِقَ بِذالِكَ فَذالِكَ الَّذِي فَعَلَ بِهِ مَا رَأيْتَ، فَعَفا عَنْهُ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأصْحابُهُ يَعْفُونَ عَنِ المُشْرِكِينَ وأهْلِ الكِتابِ كَمَا

(22/216)


أمَرَهُمُ الله ويَصْبِرُونَ عَلَى الأذاى، قَالَ الله تَعَالَى: { (3) ولتسمعن من الَّذين. . الْكتاب} (آل عمرَان: 186) الْآيَة. وَقَالَ: { (2) ود كثير. . الْكتاب} (الْبَقَرَة: 109) فَكانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَتَأوَّلُ فِي العَفْوِ عَنْهُمْ مَا أمَرَه الله بِهِ حَتَّى أذِنَ لَهُ فِيهِمْ، فَلمَّا غَزَا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بَدْراً فَقَتَلَ الله بِها مَنْ قَتَلَ مِنْ صَنادِيدِ الكُفَّارِ وسادَةِ قُرَيْشٍ فَقَفَلَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأصْحابُهُ مَنْصُورينَ غانِمينَ مَعَهُمْ أسارَى مِنْ صَنادِيدِ الكُفَّارِ وسادةِ قُرَيْشٍ، قَالَ ابنُ أُبَيّ ابنُ سَلُولَ ومَنْ مَعَهُ مِنَ المُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الأوْثَانِ: هاذا أمْرٌ قَدْ تَوَجَّهَ، فَبايِعُوا رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى الإسْلامِ فأسْلَمُوا.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أَبُو حباب) فَإِنَّهُ كنية عبد الله بن أبي وَهُوَ بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة أَيْضا وَهُوَ إسم الشَّيْطَان وَيَقَع على الْحَيَّة أَيْضا، وَقيل: الْحباب حَيَّة بِعَينهَا، والحباب بِفَتْح الْحَاء الطل الَّذِي يصبح على النَّبَات، وحباب المَاء نفاخاته الَّتِي تطفو عَلَيْهِ.
وَأخرج هَذَا الحَدِيث من طَرِيقين: أَحدهمَا: عَن أبي الْيَمَان الحكم بن نَافِع عَن شُعَيْب عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة. وَالْآخر: عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس ابْن أُخْت مَالك بن أنس عَن أَخِيه عبد الحميد عَن سُلَيْمَان بن بِلَال عَن مُحَمَّد بن أبي عَتيق بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَكسر التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق واسْمه مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن ابْن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ يروي عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة بن الزبير عَن أُسَامَة بن زيد بن حَارِثَة.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد مُخْتَصرا فِي: بَاب الردف على الْحمار، وَمضى فِي تَفْسِير سُورَة آل عمرَان بِطُولِهِ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، ولنذكر بعض شَيْء.
فَقَوله: (قطيفة) هِيَ الكساء نِسْبَة إِلَى فدك بِفَتْح الْفَاء وَالدَّال الْمُهْملَة وَالْكَاف وَهِي قَرْيَة بِقرب الْمَدِينَة. قَوْله: من بني الْحَارِث) ويروى: من بني حَارِث، بِدُونِ الْألف وَاللَّام. قَوْله: (ابْن سلول) بِالرَّفْع لِأَنَّهُ صفة لعبد الله، وسلول إسم أمه. قَوْله: (وَالْيَهُود) عطف على العبدة أَو على الْمُشْركين. قَوْله: (عجاجة الدَّابَّة) بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْجِيم الأولى وَهِي الْغُبَار. قَوْله: (خمر عبد الله) أَي: غطى. قَوْله: (لَا تغبروا علينا) أَي: لَا تثيروا الْغُبَار. قَوْله: (لَا أحسن) أفعل التَّفْضِيل أَي: لَا أحسن من الْقُرْآن إِن كَانَ حَقًا، وَيجوز أَن يكون إِن كَانَ حَقًا شرطا. وَقَوله: (فَلَا تؤذنا) جَزَاؤُهُ قيل: قَالَه استهزاء. قَوْله: (يتثاورون) أَي: يتواثبون. قَوْله: (أَي سعد) يَعْنِي: يَا سعد. قَوْله: (بِأبي أَنْت) أَي: أَنْت مفدّى بِأبي. قَوْله: (هَذِه البحرة) أَي: الْبَلدة، ويروى: الْبحيرَة بِالتَّصْغِيرِ. قَوْله: (وتوجوه) ، أَي: جَعَلُوهُ ملكا وعصبوا رَأسه بعصابة الْملك وَهَذَا كِنَايَة، وَيحْتَمل إِرَادَة الْحَقِيقَة أَيْضا. قَوْله: (شَرق) بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَكسر الرَّاء أَي: غص بِهِ، وَبَقِي فِي حلقه لَا يصعد وَلَا ينزل كَأَنَّهُ يَمُوت. قَوْله: (يتَأَوَّل) من التأول والتأويل مَا يؤول إِلَيْهِ الشَّيْء. قَوْله: (من صَنَادِيد الْكفَّار) جمع الصنديد وَهُوَ السَّيِّد الشجاع. قَوْله: (فقفل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: رَجَعَ. قَوْله: (قد توجه) أَي: أقبل على التَّمام وَيُقَال: توجه الشَّيْخ أَي كبر. قَوْله: (وَبَايَعُوا) بِلَفْظ الْأَمر أَولا، والماضي ثَانِيًا.

6208 - حدَّثنا مُوساى بنُ إسْماعِيلَ حَدثنَا أبُو عَوانَةَ حَدثنَا عَبْدُ المَلِكِ عَنْ عَبْدِ الله بنِ الحارِثِ بنِ نَوْفَل عَنْ عَبَّاس بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ قَالَ: يَا رسولَ الله! هَلْ نَفَعْتَ أَبَا طالِبٍ بِشَيْءٍ؟ فإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ. قَالَ: نَعَمْ هُوَ فِي ضَحْضاحٍ مِنْ نَار لَوْلا أنَا لَكان فِي الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ. (انْظُر الحَدِيث 3883 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أَبَا طَالب) فَإِنَّهُ كنية عبد منَاف وَهُوَ شَقِيق عبد الله وَالِد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَأَبُو عوَانَة الوضاح بن عبد الله الْيَشْكُرِي وَعبد الْملك هُوَ ابْن عُمَيْر، وَعبد الله بن الْحَارِث بن نَوْفَل بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب يروي عَن عَم جده الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب.
والْحَدِيث مضى فِي ذكر أبي طَالب فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُسَدّد عَن يحيى عَن سُفْيَان عَن عبد الْملك عَن عبد الله بن الْحَارِث إِلَى آخِره، وَمضى أَيْضا فِي صفة الْجنَّة وَالنَّار عَن مُسَدّد عَن أبي عوَانَة بِهِ مُخْتَصرا، وَمضى الْكَلَام

(22/217)


فِيهِ.
قَوْله: (يحوطك) من حاطه إِذا حفظه ورعاه. قَوْله: (فِي ضحضاح) بإعجام الضادين وإهمال الحاءين: الْقَرِيب القعر، أَي: رَقِيق خَفِيف، وَيُقَال: الضحضاح من النَّار وَمن المَاء وَمن كل شَيْء وَهُوَ الْقَلِيل الرَّقِيق مِنْهُ. قَوْله: (لَكَانَ فِي الدَّرك الْأَسْفَل) وَهِي الطَّبَقَة السُّفْلى من أطباق جَهَنَّم، وَقيل: الدَّرك الْأَسْفَل توابيت من نَار تطبق عَلَيْهِم، وَقَالَ ابْن مَسْعُود: توابيت من حَدِيد تغلق عَلَيْهِم، والأدراك فِي اللُّغَة الْمنَازل.
وَقَالَ ابْن بطال: وَفِيه: جَوَاز تكنية الْمُشرك على وَجه التألف وَغَيره من الْمصَالح، وَقيل: هَذِه التكنية لَيست للإكرام فِي نفس الْأَمر، وَأما تكنية أبي طَالب فلاشتهاره بكنيته دون اسْمه، فَإِن قيل: مَا وَجه تكنية أبي لَهب؟ أُجِيب بأجوبة. الأول: أَن وَجهه كَانَ يتلهب جمالاً فَجعل الله مَا كَانَ يفتخر بِهِ فِي الدُّنْيَا ويتزين بِهِ سَببا لعذابه. الثَّانِي: للْإِشَارَة إِلَى أَنه { (111) سيصلى نَارا ذَات لَهب} (المسد: 3) . الثَّالِث: أَن اسْمه عبد الْعُزَّى وكنيته أَبُو عتبَة، وَأما أَبُو لَهب فلقب لقب بِهِ لجماله وَلَيْسَت بكنية. الرَّابِع قَالَه الزَّمَخْشَرِيّ: إِن هَذِه التكنية لَيست للإكرام بل للإهانة إِذْ هِيَ كِنَايَة عَن الجهنمي إِذْ مَعْنَاهُ: تبت يدا جهنمي، وَاعْترض عَلَيْهِ بعضم بِأَن التكنية لَا ينظر فِيهَا إِلَى مَدْلُول اللَّفْظ بل الإسم إِذا صدر بَاب أَو أم فَهُوَ كنية. انْتهى. قلت: كثير من الْأَسْمَاء المصدرة بِالْأَبِ أَو الْأُم لم يقْصد بهَا الكنية، وَإِنَّمَا يقْصد بهَا إِمَّا الْعلم وَإِمَّا اللقب وَلَا يقْصد بهَا الكنية، فَمن ذَلِك يُقَال لرجل من إياد، وَقيل من نزار: أَبُو أرب، يضْرب بِهِ الْمثل فِي كَثْرَة الْجِمَاع، فَيُقَال: أنكح من أبي أرب يُقَال: إِنَّه افتض فِي لَيْلَة وَاحِدَة سبعين عذراء، ذكره ابْن الْأَثِير فِي كتاب سَمَّاهُ (مرصعاً) وَمن ذَلِك أَبُو براقش لَيْسَ لَهُ إسم غَيرهَا، وَيُقَال: أم الْأَبْرَد للنمرة من قَوْلهم ثوب أبرد فِيهِ لمع بَيَاض وَسَوَاد، وَأم إِحْدَى وَعشْرين للدجاجة، وَأم أحراد بِالْحَاء الْمُهْملَة بِئْر مَكَّة عِنْد بَاب الْبَصرِيين حفرهَا خلف بن أسعد الْخُزَاعِيّ، وأمثال هَذِه كَثِيرَة. وَفِيه دلَالَة على أَن الله تَعَالَى قد يُعْطي الْكَافِر عوضا من أَعماله الَّتِي مثلهَا يكون قربَة لأهل الْإِيمَان بِاللَّه تَعَالَى لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أخبر أَن عَمه نفعته تَرْبِيَته إِيَّاه وحياطته لَهُ التَّخْفِيف الَّذِي لَو لم ينصره فِي الدُّنْيَا لم يُخَفف عَنهُ، فَعلم بذلك أَنه عوض نصرته لَا لأجل قرَابَته مِنْهُ، فقد كَانَ لأبي لَهب من الْقَرَابَة مثل مَا كَانَ لأبي طَالب فَلم يَنْفَعهُ ذَلِك.

116 - (بابٌ المَعارِيضُ مَنْدُوحَةٌ عَنِ الكَذِبِ)

قَالَ بَعضهم: بَاب منوناً. قلت: لَيْسَ كَذَلِك لِأَن شَرط الْإِعْرَاب التَّرْكِيب وَإِنَّمَا يكون معرباً إِذا قُلْنَا: هَذَا بَاب فِيهِ المعاريض مندوحة كَذَا وَقع فِي الْأُصُول: المعاريض، بِالْيَاءِ وَكَذَا أوردهُ ابْن بطال، وَأوردهُ ابْن التِّين بِلَفْظ: الْمعَارض، بِدُونِ الْيَاء، ثمَّ قَالَ: كَذَا التَّبْوِيب وَالصَّوَاب المعاريض كَمَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، والمعاريض جمع معراض من التَّعْرِيض وَهُوَ خلاف التَّصْرِيح من القَوْل، وَهُوَ التورية بالشَّيْء عَن الشَّيْء، وَمعنى مندوحة: متسعة، يُقَال مِنْهُ انتدح فلَان بِكَذَا ينتدح بِهِ انتداحاً إِذا اتَّسع بِهِ، وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: يُقَال: ندحت الشَّيْء وسعته، قَالَ الطَّبَرِيّ: يُقَال انتدحت الْغنم فِي مرابضها إِذا تبددت واتسعت من البطنة، وانتدح بطن فلَان إِذا استرخى واتسع، وَحَاصِل الْمَعْنى: المعاريض يسْتَغْنى بهَا الرجل عَن الِاضْطِرَار إِلَى الْكَذِب، وَهَذِه التَّرْجَمَة ذكرهَا الطَّبَرِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ إِن فِي المعاريض لمندوحة عَن الْكَذِب، وَأخرجه ابْن أبي عدي عَن قَتَادَة مَرْفُوعا ووهاه.
وَقَالَ إسْحاقُ: سَمِعْتُ أنَساً: ماتَ ابنٌ لأبِي طَلْحَةَ فَقَالَ: كَيْفَ الغُلامُ؟ قالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: هَدَأ نَفْسُهُ وأرْجُو أنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَراحَ، وظَنَّ أنَّها صادِقَةٌ
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (هدأ نَفسه وَأَرْجُو أَن يكون قد استراح) فَإِن أم سليم ورت بكلامها هَذَا أَن الْغُلَام انْقَطع بِالْكُلِّيَّةِ بِالْمَوْتِ وَأَبُو طَلْحَة فهم من ذَلِك أَنه تعافى. وَإِسْحَاق هَذَا ابْن عبد الله بن أبي طَلْحَة الْأنْصَارِيّ، وَأَبُو طَلْحَة اسْمه زيد وَهُوَ زوج أم سليم أم أنس، وَهَذَا التَّعْلِيق سقط من رِوَايَة النَّسَفِيّ وَهُوَ طرف من حَدِيث مطول أخرجه البُخَارِيّ فِي الْجَنَائِز فِي: بَاب من لم يظْهر حزنه عِنْد الْمُصِيبَة، قَالَ: حَدثنِي بشر بن الحكم قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ: حَدثنَا

(22/218)


إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة أَنه سمع أنس بن مَالك، يَقُول ... الحَدِيث. قَوْله: (هدأ نَفسه) من هدأ بِالْهَمْز هدوءاً إِذا سكن، وَنَفسه بِفَتْح الْفَاء مُفْرد الأنفاس وبسكونها مُفْرد النُّفُوس، أَرَادَت بِهِ سُكُون النَّفس لَا يُسمى كذبا بِالْمَوْتِ والاستراحة من بلَاء الدُّنْيَا وَلم تكن صَادِقَة فِيمَا ظَنّه أَبُو طَلْحَة وفهمه من ظَاهر كَلَامهَا، وَمثل هَذَا لَا يُسمى كذبا على الْحَقِيقَة بل يُسمى مندوحة عَن الْكَذِب.

6209 - حدَّثنا آدَمُ حدّثنا شُعْبَةُ عَنْ ثابِتٍ البُنانِيِّ عَنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ قَالَ: كانَ النبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي مَسير لَهُ فَحَدا الحادِي فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ارْفُقْ يَا أنْجَشَةُ وَيْحَكَ بِالقَوارِيرِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (إرفق يَا أَنْجَشَة بِالْقَوَارِيرِ) فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ورى بذلك عَن النِّسَاء، وَمضى الحَدِيث عَن قريب فِي: بَاب مَا يجوز من الشّعْر.

6210 - حدَّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ حَدثنَا حَمَّادٌ عَنْ ثابِتٍ عَنْ أنَسٍ وأيُّوبَ عَنْ أبي قِلابَةَ عَنْ أنَسٍ رَضِي الله عَنهُ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ فِي سَفَرٍ وَكَانَ غُلامٌ يَحْدُو بِهِنَّ. يُقالُ لَهُ أنْجَشَهُ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: رُوَيْدَكَ يَا أنْجِشَةُ سَوْقَكَ بِالقَوارِيرِ، قَالَ أبُو قِلابَةَ: يَعْنِي النِّساء.
مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مُطَابقَة الحَدِيث السَّابِق. وَأخرجه من طَرِيقين: أَحدهمَا: عَن سُلَيْمَان بن حَرْب عَن حَمَّاد بن زيد عَن ثَابت الْبنانِيّ عَن أنس. وَالْآخر: عَن سُلَيْمَان بن حَرْب عَن حَمَّاد عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ عَن أبي قلَابَة عبد الله بن زيد عَن أنس وَقد مر فِي: بَاب مَا يجوز من الشّعْر. قَوْله: (بِالْقَوَارِيرِ) ، مُتَعَلق بقوله: رويدك.

6211 - حدَّثنا إسْحاقُ أخبرنَا حَبَّانُ حدّثنا هَمَّامٌ حدّثنا قَتادَةُ حَدثنَا أنَسُ بنُ مالِكٍ، قَالَ: كَانَ ل لنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حاد يُقالُ لَهُ: أنجَشَهُ، وَكَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ فَقَالَ لَهُ النبيُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: رُوَيْدَكَ يَا أنْجَشَةُ لَا تَكْسِرِ القَوارِيرَ، قَالَ قَتادَةُ: يَعْنِي ضَعَفَةَ النِّساءِ.
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن إِسْحَاق، قَالَ الغساني: لَعَلَّه ابْن مَنْصُور عَن حبَان بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة وبالنون ابْن هِلَال الْبَاهِلِيّ، وَهَمَّام هُوَ ابْن يحيى بن دِينَار. قَوْله: (لَا تكسر) بِالْجَزْمِ وَالرَّفْع شبه ضعفه النِّسَاء بِالْقَوَارِيرِ لسرعة التَّأْثِير فِيهِنَّ.

6212 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدّثنا يَحْياى عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: حدّثني قَتادَةُ عَنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ قَالَ: كَانَ بِالمَدِينَةِ فَزَعٌ فَرَكِبَ رَسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَرَساً لأبِي طَلْحَةَ فَقَالَ: مَا رَأيْنا مِنْ شَيء وإنْ وَجَدْناهُ لَبَحْراً.
قيل: لَيْسَ حَدِيث الْفرس من المعاريض، وَكَذَلِكَ حَدِيث الْقَوَارِير بل هما من بَاب الْمجَاز. قلت: نعم كَذَلِك وَلَكِن تعسف من قَالَ: لَعَلَّ البُخَارِيّ لما رأى ذَلِك جَائِزا، قَالَ: والمعاريض الَّتِي هِيَ حَقِيقَة أولى بِالْجَوَازِ.
وَيحيى فِي السَّنَد هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان. والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد عَن بنْدَار عَن غنْدر وَعَن أَحْمد بن مُحَمَّد عَن ابْن الْمُبَارك.
قَوْله: (فزع) بِفتْحَتَيْنِ وَالْأَصْل فِي الْفَزع الْخَوْف فَوضع مَوضِع الإغاثة والنصر، وَالْمعْنَى هُنَا: أَن أهل الْمَدِينَة اسْتَغَاثُوا فَركب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فرسا اسْمه مَنْدُوب كَانَت لأبي طَلْحَة زيد بن سهل زوج أم أنس. قَوْله: (وَإِن وَجَدْنَاهُ) كلمة: إِن، مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة قَوْله: (لبحراً) أَي: لواسع الجري شبه جريه بالبحر لسعته وَعدم انْقِطَاعه، وَاللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد.

117 - (بابُ قَوْلِ الرَّجلِ لِلشيءِ: لَيْسَ، وَهْوَ يَنْوِي أنهُ لَيْسَ بِحَقّ)

(22/219)


أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قَول الرجل للشَّيْء الْمَوْجُود: لَيْسَ بِشَيْء، وَالْحَال أَنه يَنْوِي أَنه لَيْسَ بِحَق، وَهَذَا غَالِبا يكون مُبَالغَة فِي النَّفْي كَمَا يُقَال لمن عمل عملا غير متقن: مَا عملت شَيْئا، أَو قَالَ قولا غير سديد: مَا قلت شَيْئا، وَلَيْسَ هَذَا بكذب.
وَقَالَ ابنُ عَباسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِلْقَبْرَيْنِ: يُعَذَّبانِ بِلا كَبير، وإنَّهُ لَكَبِيرٌ
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن قَوْله: بِلَا كَبِير، نفي وَقَوله: (وَإنَّهُ لكبير) ، إِثْبَات فَكَأَنَّهُ قَول للشَّيْء: لَيْسَ بِشَيْء، وَهَذَا تَعْلِيق مر فِي كتاب الطَّهَارَة مَوْصُولا بِتَمَامِهِ وَهُوَ: مر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقبرين فَقَالَ: إنَّهُمَا ليعذبان وَمَا يعذبان فِي كَبِير، ثمَّ قَالَ: بلَى يعذبان فِي كَبِير أما أَحدهمَا فَكَانَ لَا يسْتَتر من الْبَوْل، وَأما الآخر فَكَانَ يمشي فِي النميمة أَي: لَيْسَ التَّحَرُّز عَنْهُمَا بشاق عَلَيْكُم وَهُوَ عَظِيم عِنْد الله، عز وَجل، وَقد مرت مباحثه هُنَاكَ.

6213 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ سَلامٍ أخبرنَا مَخْلَدُ بنُ يَزيدَ أخبَرنا ابنُ جُرَيْجٍ قَالَ ابنُ شِهابٍ: أَخْبرنِي يَحْياى بنُ عُرْوَةَ أنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ يَقُولُ: قالَتْ عائِشَةُ: سألَ أُناسٌ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَنِ الكُهَّانِ فَقَالَ لَهُمْ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَيْسُوا بِشَيْءٍ. قَالُوا: يَا رسولَ الله! فإنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ أحْياناً بالشَّيْءِ يَكُونُ حَقًّا، فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تلْكَ الكَلِمَةُ مِنَ الحَقِّ يَخْطَفُها الجِنِّيُّ فَيَقُرُّها فِي أذُنِ وَلِيِّهِ قَرَّ الدَّجاجَةِ فَيَخْلِطُونَ فِيها أكْثَرَ مِنْ مائَةِ كَذْبَةٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (لَيْسُوا بِشَيْء) قَالَ الْخطابِيّ: أَي: فِيمَا يتعاطونه من علم الْغَيْب، أَي: لَيْسَ قَوْلهم بِشَيْء صَحِيح يعْتَمد كَمَا يعْتَمد قَول النَّبِي الَّذِي يخبر عَن الْوَحْي.
ومخلد بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام بَينهمَا خاء مساكنة ابْن يزِيد من الزِّيَادَة وَابْن جريج عبد الْملك ابْن عبد الْعَزِيز بن جريج، وَابْن شهَاب مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَيحيى بن عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام.
وَمضى الحَدِيث فِي كتاب الطِّبّ فِي: بَاب الكهانة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَليّ بن عبد الله عَن هِشَام بن يُوسُف عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن يحيى بن عُرْوَة ... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (يكون حَقًا) أَي: وَاقعا مَوْجُودا. قَوْله: (فيقرها) بِفَتْح الْقَاف وَضم الرَّاء. قَوْله: (قر الدَّجَاجَة) أَي: كقر الدَّجَاجَة والقر ترديدك الْكَلَام فِي أذن الْمُخَاطب حَتَّى يفهمهُ، تَقول: قَرّرته فِيهِ أقره قراً، وقر الدَّجَاجَة صَوتهَا إِذا قطعته يُقَال: قرت تقرّ قَرَأَ وقريراً فَإِن رَددته قلت: قر قرت قرقرة، وَفِي (الصِّحَاح) : قر الحَدِيث فِي أُذُنه يقره: صبه فِيهَا، وَضَبطه بِضَم الْقَاف، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: ويروى: فيقذفها مَوضِع: فيقرها، وَقَالَ الْكرْمَانِي: والدجاجة بِفَتْح الدَّال. قلت: ذكر ابْن السكت الْكسر أَيْضا، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَلَعَلَّ الصَّوَاب قر الزجاجة بالزاي ليلائم معنى القارورة الَّذِي فِي الحَدِيث الآخر. قلت: قَالَ ابْن الْأَثِير: ويروى كقر الزجاجة بالزاي، أَي: كصوتها إِذا صب فِيهَا المَاء. قلت: حينئذٍ لَا فَائِدَة فِي قَول الْكرْمَانِي: وَلَعَلَّ الصَّوَاب، وَلَو اطلع على هَذَا لم يقل هَكَذَا بِكَلِمَة: لَعَلَّ. قَوْله: (فِيهَا) أَي: فِي الْكَلِمَة الْحق، أَي: الْوَاقِع.

118 - (بابُ رَفْعِ البَصَرِ إِلَى السَّماءِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز رفع الْبَصَر إِلَى السَّمَاء. وَفِيه الرَّد على من قَالَ: لَا يَنْبَغِي النّظر إِلَى السَّمَاء تخشعاً وتذللاً لله تَعَالَى وَهُوَ بعض الزهاد، وروى عَن عَطاء السّلمِيّ أَنه مكث أَرْبَعِينَ سنة لَا ينظر إِلَى السَّمَاء، فحانت مِنْهُ نظرة فَخر مغشياً عَلَيْهِ فَأَصَابَهُ فتق فِي بَطْنه، وَذكر الطَّبَرِيّ عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ أَنه كره أَن يرفع الْبَصَر إِلَى السَّمَاء فِي الدُّعَاء، وَإِنَّمَا نهى عَن ذَلِك الْمُصَلِّي فِي دُعَاء كَانَ أَو غَيره، كَمَا تقدم فِي كتاب الصَّلَاة عَن أنس رَفعه: مَا بَال أَقوام يرفعون أَبْصَارهم إِلَى السَّمَاء فِي الصَّلَاة؟ فَاشْتَدَّ قَوْله فِي ذَلِك حَتَّى قَالَ: لينتهين عَن ذَلِك أَو ليخطفن أَبْصَارهم، وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن جَابر نَحوه، وَفِي رِوَايَة ابْن مَاجَه عَن ابْن عمر نَحوه، وَقَالَ: أَن تلتمع، وَصَححهُ ابْن حبَان.
وقَوْلِهِ تَعَالَى: { (88) أَفلا ينظرُونَ إِلَى. . كَيفَ رفعت} (الغاشية: 17 18)

(22/220)


وَقَوله، بِالْجَرِّ عطف على رفع الْبَصَر وَفِي رِوَايَة أبي ذَر إِلَى قَوْله: {كَيفَ خلقت} وَزَاد الْأصيلِيّ وَغَيره: {وَإِلَى السَّمَاء كَيفَ رفعت} وَهَذَا أولى لِأَن الِاسْتِدْلَال فِي جَوَاز رفع الْبَصَر إِلَى السَّمَاء، بقوله: {وَإِلَى السَّمَاء كَيفَ رفعت} أَي: وَلَا ينظرُونَ إِلَى السَّمَاء كَيفَ رفعت وَهِي قَائِمَة على غير عمد، وَقد ذكر الْمُفَسِّرُونَ فِي تَخْصِيص الْإِبِل بِالذكر وُجُوهًا كَثِيرَة. مِنْهَا: مَا قَالَه الْكَلْبِيّ: إِنَّهَا تنهض بحملها وَهِي باركة. وَمِنْهَا: مَا قَالَه مقَاتل: إِنَّهَا عيس الْعَرَب وأعز الْأَمْوَال عِنْدهم. وَمِنْهَا: مَا قَالَه الْحسن حِين سُئِلَ عَن هَذِه الْآيَة، وَقيل لَهُ: الْفِيل أعظم فِي الأعجوبة: إِن الْعَرَب بعيدَة الْعَهْد فَلَا يركب ظهرهَا وَلَا يُؤْكَل لَحمهَا وَلَا يحلب درها. وَمِنْهَا: مَا قيل: إِنَّهَا فِي عظمها للْحَمْل الثقيل تنقاد للقائد الضَّعِيف، وَقَالَ قَتَادَة: ذكر الله ارْتِفَاع سرر الْجنَّة وفرشها، فَقَالُوا: كَيفَ نصعدها؟ فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة.
وَقَالَ أيُّوبُ عَنِ ابنِ أبي مُلَيْكَةَ عَنْ عائِشَةَ: رَفَعَ النبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأسَهُ إِلَى السَّماءِ
لم يثبت هَذَا التَّعْلِيق إلاَّ لأبي ذَر عَن الْكشميهني وَالْمُسْتَمْلِي، وَهُوَ طرف من حَدِيث أَوله: مَاتَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَيْتِي ويومي وَبَين سحرِي وَنَحْرِي ... الحَدِيث، وَفِيه: فَرفع بَصَره إِلَى السَّمَاء وَقَالَ: الرفيق الْأَعْلَى، أخرجه هَكَذَا أَحْمد عَن إِسْمَاعِيل ابْن علية عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ عَن عبد الله بن أبي مليكَة عَن عَائِشَة، وَقد مضى للْبُخَارِيّ فِي الْوَفَاة النَّبَوِيَّة من طَرِيق حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب بِتَمَامِهِ لَكِن فِيهِ: فَرفع رَأسه إِلَى السَّمَاء. وَأخرج مُسلم من حَدِيث أبي مُوسَى: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كثيرا مَا يرفع بَصَره إِلَى السَّمَاء. وَأخرج أَبُو دَاوُد من حَدِيث عبد الله بن سَلام: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا جلس يتحدث يكثر أَن يرفع رَأسه إِلَى السَّمَاء.

6215 - حدَّثنا ابنُ أبِي مَرَيَمَ حَدثنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أخْبَرَنِي شَرِيكٌ عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: بِتُّ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ والنبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْدَها، فَلَمَّا كانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ أوْ بَعْضُهُ قَعَدَ فَنَظَرَ إِلَى السَّماءِ فَقَرَأ: { (3) إِن فِي خلق السَّمَاوَات. . لأولي الْأَلْبَاب} (آل عمرَان: 190) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَنظر إِلَى السَّمَاء) . وَابْن أبي مَرْيَم هُوَ سعيد بن مُحَمَّد بن الحكم بن أبي مَرْيَم الْمصْرِيّ، وروى عَن مُحَمَّد ابْن جَعْفَر بن أبي كثير عَن شريك، بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة ابْن عبد الله بن أبي نمر بن عبد الله عَن كريب بن أبي مُسلم مولى ابْن عَبَّاس، ومَيْمُونَة زَوْجَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
والْحَدِيث مضى فِي: بَاب التَّهَجُّد فِي أَوَاخِر الصَّلَاة.
قَوْله: (الآخر) ويروى: الْأَخير. قَوْله: (أَو بعضه) شكّ من الرَّاوِي، ويروى: أَو بعده، وَالله أعلم.

119 - (بابٌ مَنْ نَكَتَ العُودَ فِي الماءِ والطِّينِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر من نكت الْعود من النكت بالنُّون وَالتَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، يُقَال: نكت فِي الأَرْض إِذا أثر فِيهَا.

6216 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا يَحْياى عَنْ عُثْمانَ بنِ غِياثٍ حدّثنا أبُو عُثْمانَ عَنْ أبي مُوسَى

(22/221)


أنَّهُ كانَ مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حائِطٍ مِنْ حيطانِ المَدِينَةِ، وَفِي يَدِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعُودٌ يَضْرِبُ بِهِ بَيْنَ الماءِ والطِّينِ، فَجاءَ رَجُلٌ يَسْتَفْتِحُ، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إفْتَحْ، وبَشِّرْهُ بالجَنَّةِ، فَذَهَبْتُ فإِذَا أبُو بَكْرٍ فَفَتَحْتُ لَهُ وبَشَّرْتُهُ بالجَنَّةِ، ثُمَّ اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ: إفْتَحْ لَهُ وبَشِّرْهُ بالجَنَّةِ، فإِذَا عُمَرُ فَفَتَحْتُ لَهُ وبَشَّرْتُهُ بالجَنَّةِ، ثُمَّ اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ آخَرُ وكانَ مُتَّكِئاً فَجَلَسَ، فَقَالَ: إفْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بالجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ، أوْ تَكُونُ، فَذَهَبْتُ فإِذَا عُثْمَانُ، فَفَتَحْتُ لَهُ وبَشَّرْتُهُ بالجَنَّةِ فأخْبَرْتَهُ بالَّذِي قَالَ، قَالَ: الله المُسْتَعانُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (عود يضْرب بِهِ بَين المَاء والطين) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فِي المَاء والطين.
وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وَعُثْمَان بن غياث بن بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالثاء الْمُثَلَّثَة الْبَصْرِيّ، قَالَ الْكرْمَانِي: وَفِي بعض النّسخ: يحيى بن عُثْمَان، وَهُوَ سَهْو فَاحش، وَأَبُو عُثْمَان عبد الرَّحْمَن بن مل النَّهْدِيّ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ واسْمه عبد الله بن قيس.
وَمضى الحَدِيث مطولا فِي مَنَاقِب أبي بكر رَضِي الله عَنهُ وَفِي مَنَاقِب عمر رَضِي الله عَنهُ وَفِي مَنَاقِب عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (على بلوى) بِدُونِ التَّنْوِين البلية، والحائط هُوَ الْبُسْتَان وَفِيه بِئْر أريس بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الرَّاء وبإسكان الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالسين الْمُهْملَة، وَكَانَت عَادَة الْعَرَب أَخذ المخصرة والعصا والاعتماد عَلَيْهَا عِنْد الْكَلَام والمحافل وَالْخطْبَة، وَهِي مَأْخُوذَة من أصل كريم ومعدن شرِيف وَلَا ينكرها إلاَّ جَاهِل، وَقد جمع الله لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِي عَصَاهُ من البارهين الْعِظَام مَا آمن بِهِ السَّحَرَة المعاندون لَهُ، واتخذها سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِمَا السَّلَام لخطبته وموعظته وَطول صلَاته، وَكَانَ ابْن مَسْعُود صَاحب عَصا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ يخْطب بالقضيب، وَكفى بذلك شرفاً للعصا، وعَلى ذَلِك كَانَت الْخُلَفَاء والخطباء، وَذكر أَن الشعوبية تنكر على خطباء الْعَرَب أَخذ المخصرة وَالْإِشَارَة بهَا إِلَى الْمعَانِي، وهم طَائِفَة تبغض الْعَرَب وتذكر مثالبها وتفضل عَلَيْهَا الْعَجم، وَفِي اسْتِعْمَال الشَّارِع المخصرة الْحجَّة الْبَالِغَة على من أنكرها.

120 - (بابُ الرَّجُلِ يَنْكُتُ الشَّيْءَ بِيَدِهِ فِي الأرْضِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر الرجل ينكت بِيَدِهِ فِي الأَرْض.

6217 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّار حدّثنا ابنُ أبي عَدِيّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمانَ ومَنْصُورِ عَنْ سَعْدِ بنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أبي عَبْدِ الرَّحْمانِ السُّلَمِيّ عَنْ عَلِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي جَنازَةٍ، فَجَعَلَ يَنْكُتُ فِي الأرْض بِعُودٍ فَقَالَ: لَيْسَ مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ إلاَّ وَقَدْ فُرِغَ مِنْ مَقْعَدِهِ مِنَ الجَنَّةِ والنَّارِ، فقالُوا: أفَلاَ نَتَّكِلُ؟ قَالَ: إعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرَةٌ { (29) فَأَما من أعْطى وَاتَّقَى} (لِليْل: 5) . الْآيَة.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَجعل ينكت فِي الأَرْض) . وَابْن أبي عدي هُوَ مُحَمَّد وَاسم أبي عدي إِبْرَاهِيم الْبَصْرِيّ، وَسليمَان قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ التَّيْمِيّ، وَلَيْسَ هُوَ الْأَعْمَش، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَسعد بن عُبَيْدَة أَبُو حَمْزَة الْكُوفِي السّلمِيّ ختن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ، واسْمه عبد الله الْمقري الْكُوفِي، وَعلي بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ.
والْحَدِيث مضى فِي الْجَنَائِز بأتم مِنْهُ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (فرغ) بِلَفْظ الْمَجْهُول أَي: حكم عَلَيْهِ بِأَنَّهُ من أهل الْجنَّة وَالنَّار، وَقضى عَلَيْهِ بذلك فِي الْأَزَل. قَوْله: (أَفلا نَتَّكِل؟) أَي: أَفلا نعتمد عَلَيْهِ إِذا لمقدر كَائِن سَوَاء عَملنَا أم لَا؟ فَرد عَلَيْهِم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ: (اعْمَلُوا فَكل ميسر) أَي: فَكل وَاحِد مِنْكُم ميسر لَهُ، فَإِن كَانَ الَّذِي قدر عَلَيْهِ بِأَنَّهُ من أهل الْجنَّة يسر الله عَلَيْهِ عمل أهل الْجنَّة، وَإِن كَانَ من الَّذِي قدر عَلَيْهِ بِأَنَّهُ من أهل النَّار يسر الله عَلَيْهِ عمل أهل النَّار. قَوْله: {فَأَما من أعْطى} ... الْآيَة. أَشَارَ بهَا إِلَى بَيَان الْفَرِيقَيْنِ الْمَذْكُورين فِي قَوْله: (فَكل ميسر) أَحدهمَا: هُوَ قَوْله: {فَأَما من أعْطى} أَي: مَاله فِي سَبِيل الله. {وَاتَّقَى} ربه واجتنب مَحَارمه {وَصدق بِالْحُسْنَى} يَعْنِي:

(22/222)


بالخلف يَعْنِي أَيقَن بِأَن الله سيخلف عَلَيْهِ، وَهِي رِوَايَة ابْن عَبَّاس. قَوْله: (فسيسره) أَي: فسنهيئه لليسرى، أَي للحالة الْيُسْرَى وَهُوَ الْعَمَل بِمَا يرضاه الله تَعَالَى. والفريق الآخر هُوَ قَوْله: {وَأما من بخل} أَي: بِالنَّفَقَةِ فِي الْخَيْر. {وَاسْتغْنى} أَي: عَن ربه فَلم يرغب فِي ثَوَابه {فسنيسره للعسرى} أَي: للْعَمَل بِمَا لَا يرضاه الله حَتَّى يسْتَوْجب النَّار، وَقيل: سندخله فِي جَهَنَّم، والعسر إسم لِجَهَنَّم.