عمدة القاري شرح صحيح البخاري

 (بابُ إكْرَامِ الضَّيْفِ وخِدْمَتِهِ إِيَّاهُ بِنَفْسِهِ وَقَوْلِهِ {ضيف إِبْرَاهِيم الْمُكرمين} (الذاريات: 24)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مندوبية إكرام الضَّيْف وَالْإِكْرَام مصدر مُضَاف إِلَى مَفْعُوله، وطوى ذكر الْفَاعِل تَقْدِيره: إكرام الرجل ضَيفه وخدمته إِيَّاه، أَي: الضَّيْف بِنَفسِهِ، وَهَذَا تَخْصِيص بعد التَّعْمِيم لِأَن إكرام الضَّيْف أَعم من أَن يكون بِنَفسِهِ أَو بِأحد من خدمه وَفِيه زِيَادَة تَأْكِيد لَا تخفى. قَوْله: {ضيف إِبْرَاهِيم الْمُكرمين (الذاريات: 24) إِنَّمَا ذكر هَذَا إِشَارَة إِلَى أَن لفظ الضَّيْف يُطلق على الْوَاحِد وَالْجمع وَلِهَذَا وَقع الْمُكرمين صفة الضَّيْف وَجمع الْقلَّة مِنْهُ أضياف وَجمع الْكَثْرَة ضيوف وضيفان، يُقَال: ضفت الرجل إِذا نزلت بِهِ فِي ضِيَافَة، وأضفته إِذا أنزلته وتضيفته إِذا نزلت بِهِ، وتضيفني إِذا أنزلني.
قَالَ أبُو عَبْدِ الله: يُقالُ: هُوَ زَوْرٌ وهاؤُلاء زَوْرٌ وَضَيْفٌ، وَمَعْنَاه: أضْيافُهُ وزُوَّارُهُ، لِأَنَّهَا مَصْدَرٌ مِثْلُ: قَوْمِ رِضاً وعَدْل، وَيُقالُ: ماءٌ غَوْرٌ وبِئْرٌ غَوْرٌ وَمَا آنِ غَوْرٌ ومِياهٌ غَوْرٌ، ويُقالُ: الغَوْرُ الغائِرُ لَا تَنالُهُ الدِّلاءُ كُلُّ شَيءٍ غُرْتَ فِيهِ فَهْوَ مَغَارَةٌ؛ تَزَّاوَرُ تَمِيل مِنَ الزَّوْرِ؛ الأزْوَرُ الأمْيَل.

أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه. وَقَوله: هَذَا إِلَى قَوْله: (ومياه غور) إِنَّمَا ثَبت فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي والكشميهني فَقَط قَوْله: يُقَال: (هُوَ زور) أَرَادَ بِهِ أَن لفظ: زور، يُطلق على الْوَاحِد وَالْجمع يُقَال هُوَ الزُّور للْوَاحِد وَهَؤُلَاء الْقَوْم زور للْجمع وَالْحَاصِل أَن لفظ زور مصدر وضع مَوضِع الإسم، كَصَوْم بِمَعْنى الصَّائِم ونوم معنى نَائِم، وَقد يكون جمع زائر كركب جمع رَاكب. قَوْله: (وَمَعْنَاهُ) ، أَي: معنى هَؤُلَاءِ زور هَؤُلَاءِ أضيافه وزواره بِضَم الزَّاي وَتَشْديد الْوَاو وَهُوَ جمع زائر. قَوْله: (لِأَنَّهَا مصدر) مثل قوم المثلية بَينهمَا فِي إِطْلَاق زور على زوار كإطلاق لفظ قوم على جمَاعَة وَلَيْسَت المثلية فِي المصدرية لِأَن لفظ: قوم إسم وَلَيْسَ بمصدر بِخِلَاف لفظ: زور فَإِنَّهُ فِي الأَصْل مصدر. قَوْله: (رضَا وَعدل) يَعْنِي: يُقَال قوم رضَا بِمَعْنى مرضيون، وَقوم عدل بِمَعْنى عدُول، وتوصيفه بالمفرد بِاعْتِبَار اللَّفْظ لِأَنَّهُ مُفْرد وَفِي الْمَعْنى جمع. قَوْله: (وَيُقَال: مَاء غور) بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْوَاو وبالراء وَمَعْنَاهُ: غائر، أَي: الذَّاهِب إِلَى أَسْفَل أرضه يُقَال: غَار المَاء يغور غؤوراً وغوراً والغور فِي الأَصْل مصدر فَلذَلِك يُقَال: مَاء غور وَمَا آن ومياه غور، قَوْله: وَيُقَال: الْغَوْر الغائر أَي: الذَّاهِب بِحَيْثُ لَا تناله الدلاء، وَهَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة. قَوْله: كل شَيْء غرت فِيهِ أَي: ذهبت فِيهِ يُسمى مغارة وَيُسمى غاراً، وكهفاً، وَإِنَّمَا قَالَ: فَهِيَ، بالتأنيث نظرا للمغارة. قَوْله: (تزاور) أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى فِي قصَّة أَصْحَاب الْكَهْف: {وَترى الشَّمْس ... . عَن كهفهم (الْكَهْف: 17) أَي: تميل وَهُوَ من الزُّور بِفَتْح الْوَاو بِمَعْنى الْميل، وَالْأَزْوَر هُوَ أفعل أَخذ مِنْهُ بِمَعْنى الأميل، وتزاور أَصله: تتزاور، فأدغمت إِحْدَى التائين فِي الزَّاي.

6134 - حدَّثنا إسْحاقُ بنُ مَنْصُور حَدثنَا رَوْحُ بنُ عُبادةَ حَدثنَا حُسَيْنٌ عَنْ يَحْيَى ابنِ أبي كَثِيرٍ عَنْ أبي سلَمَةَ بن عَبْدِ الرَّحْمانِ عَنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْروٍ قَالَ: دَخَلَ عَليَّ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: أَلَمْ أخْبَرْ أنَّكَ تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ؟ قُلْتُ: بَلى. قَالَ: فَلاَ تَفْعَلْ قُمْ وَنَمْ وَصُمْ وأفْطِرْ، فإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّكَ عَسَى أَنْ يَطُولَ بِكَ عُمرٌ وإِنَّ مِنْ حَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ مِنْ كُلِّ شَهْر ثَلاَثَةَ أيَّامٍ فَإِنَّ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أمْثالِها، فَذَلِكَ الدَّهْرُ كُلُّهُ، قَالَ: فَشَدَّدْتُ عَلَيَّ. فَقُلْتُ: فَإِنِّي أُطِيقُ غَيْرَ ذالِكَ، قَالَ: فَصُمْ مِنْ كُلِّ جُمُعَةٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، قَالَ: فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيَّ. قُلْتُ: إنِّي أُطِيقُ غَيْرَ ذالِكَ، قَالَ: فَصُمْ صَوْمَ نَبِيِّ الله داوُدَ. قُلْتُ: وَمَا صَوْمُ نَبِيِّ الله داوُدَ؟ قَالَ: نِصْفُ الدَّهْرِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَإِن لزورك عَلَيْك حَقًا) والزور بِفَتْح الزَّاي وَسُكُون الْوَاو وبالراء بِمَعْنى الزائر وَهُوَ الضَّيْف، وَحقه يَوْم وَلَيْلَة. وَاخْتلف فِي وُجُوبهَا: فأوجبها اللَّيْث بن سعد فرضا لَيْلَة وَاحِدَة، وَأَجَازَ للْعَبد الْمَأْذُون لَهُ أَن يضيف مِمَّا فِي يَده، وَاحْتج بِحَدِيث عقبَة، وَقَالَت جمَاعَة من أهل الْعلم: الضِّيَافَة من مَكَارِم الْأَخْلَاق فِي باديته وحاضرته، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي. وَقَالَ مَالك: لَيْسَ على أهل الْحَضَر ضِيَافَة، وَقَالَ سَحْنُون: إِنَّمَا الضِّيَافَة على أهل الْقرى، وَأما الْحَضَر فالفندق ينزل فِيهِ المسافرون، وَحَدِيث عقبَة كَانَ فِي أول الْإِسْلَام حِين كَانَت الْمُوَاسَاة وَاجِبَة، فَأَما إِذا أَتَى الله بِالْخَيرِ وَالسعَة فالضيافة مَنْدُوب إِلَيْهَا وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: جائزته فِي يَوْم وَلَيْلَة، دَلِيل على أَن الضِّيَافَة لَيست بفريضة، والجائزة فِي لِسَان الْعَرَب المنحة والعطية، وَذَلِكَ تفضل وَلَيْسَ بِوَاجِب وحسين فِي السَّنَد هُوَ الْمعلم.
والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الصَّوْم فِي: بَاب حق الضَّيْف فِي الصَّوْم، وَمضى الْكَلَام فِيهِ مشروحاً.
قَوْله: (دخل عَليّ) بتَشْديد الْيَاء وفاعل دخل هُوَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (ألم أخبر؟) بِلَفْظ الْمَجْهُول. قَوْله: (أَن يطول بك عمر) يَعْنِي: عَسى أَن تكون طَوِيل الْعُمر فَتبقى ضَعِيف القوى كليل الْحَواس نهيك النَّفس فَلَا تقدر على المداومة عَلَيْهِ وَخير الْأَعْمَال مَا دَامَ وَإِن قل. قَوْله: (وَإِن من حَسبك) أَي: من كفايتك، ويروى: وَأَن حَسبك أَي: كافيك، وَيحْتَمل زِيَادَة: من عَليّ رَأْي الْكُوفِيّين. قَوْله: (الدَّهْر) بِالرَّفْع وَالنّصب، أما الرّفْع فعلى تَقْدِير هُوَ الدَّهْر كُله، وَأما النصب فعلى تَقْدِير: أَن تَصُوم الدَّهْر.

(بابُ إكْرَامِ الضَّيْفِ وخِدْمَتِهِ إِيَّاهُ بِنَفْسِهِ وَقَوْلِهِ {ضيف إِبْرَاهِيم الْمُكرمين} (الذاريات: 24)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مندوبية إكرام الضَّيْف وَالْإِكْرَام مصدر مُضَاف إِلَى مَفْعُوله، وطوى ذكر الْفَاعِل تَقْدِيره: إكرام الرجل ضَيفه وخدمته إِيَّاه، أَي: الضَّيْف بِنَفسِهِ، وَهَذَا تَخْصِيص بعد التَّعْمِيم لِأَن إكرام الضَّيْف أَعم من أَن يكون بِنَفسِهِ أَو بِأحد من خدمه وَفِيه زِيَادَة تَأْكِيد لَا تخفى. قَوْله: {ضيف إِبْرَاهِيم الْمُكرمين (الذاريات: 24) إِنَّمَا ذكر هَذَا إِشَارَة إِلَى أَن لفظ الضَّيْف يُطلق على الْوَاحِد وَالْجمع وَلِهَذَا وَقع الْمُكرمين صفة الضَّيْف وَجمع الْقلَّة مِنْهُ أضياف وَجمع الْكَثْرَة ضيوف وضيفان، يُقَال: ضفت الرجل إِذا نزلت بِهِ فِي ضِيَافَة، وأضفته إِذا أنزلته وتضيفته إِذا نزلت بِهِ، وتضيفني إِذا أنزلني.
قَالَ أبُو عَبْدِ الله: يُقالُ: هُوَ زَوْرٌ وهاؤُلاء زَوْرٌ وَضَيْفٌ، وَمَعْنَاه: أضْيافُهُ وزُوَّارُهُ، لِأَنَّهَا مَصْدَرٌ مِثْلُ: قَوْمِ رِضاً وعَدْل، وَيُقالُ: ماءٌ غَوْرٌ وبِئْرٌ غَوْرٌ وَمَا آنِ غَوْرٌ ومِياهٌ غَوْرٌ، ويُقالُ: الغَوْرُ الغائِرُ لَا تَنالُهُ الدِّلاءُ كُلُّ شَيءٍ غُرْتَ فِيهِ فَهْوَ مَغَارَةٌ؛ تَزَّاوَرُ تَمِيل مِنَ الزَّوْرِ؛ الأزْوَرُ الأمْيَل.

أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه. وَقَوله: هَذَا إِلَى قَوْله: (ومياه غور) إِنَّمَا ثَبت فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي والكشميهني فَقَط قَوْله: يُقَال: (هُوَ زور) أَرَادَ بِهِ أَن لفظ: زور، يُطلق على الْوَاحِد وَالْجمع يُقَال هُوَ الزُّور للْوَاحِد وَهَؤُلَاء الْقَوْم زور للْجمع وَالْحَاصِل أَن لفظ زور مصدر وضع مَوضِع الإسم، كَصَوْم بِمَعْنى الصَّائِم ونوم معنى نَائِم، وَقد يكون جمع زائر كركب جمع رَاكب. قَوْله: (وَمَعْنَاهُ) ، أَي: معنى هَؤُلَاءِ زور هَؤُلَاءِ أضيافه وزواره بِضَم الزَّاي وَتَشْديد الْوَاو وَهُوَ جمع زائر. قَوْله: (لِأَنَّهَا مصدر) مثل قوم المثلية بَينهمَا فِي إِطْلَاق زور على زوار كإطلاق لفظ قوم على جمَاعَة وَلَيْسَت المثلية فِي المصدرية لِأَن لفظ: قوم إسم وَلَيْسَ بمصدر بِخِلَاف لفظ: زور فَإِنَّهُ فِي الأَصْل مصدر. قَوْله: (رضَا وَعدل) يَعْنِي: يُقَال قوم رضَا بِمَعْنى مرضيون، وَقوم عدل بِمَعْنى عدُول، وتوصيفه بالمفرد بِاعْتِبَار اللَّفْظ لِأَنَّهُ مُفْرد وَفِي الْمَعْنى جمع. قَوْله: (وَيُقَال: مَاء غور) بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْوَاو وبالراء وَمَعْنَاهُ: غائر، أَي: الذَّاهِب إِلَى أَسْفَل أرضه يُقَال: غَار المَاء يغور غؤوراً وغوراً والغور فِي الأَصْل مصدر فَلذَلِك يُقَال: مَاء غور وَمَا آن ومياه غور، قَوْله: وَيُقَال: الْغَوْر الغائر أَي: الذَّاهِب بِحَيْثُ لَا تناله الدلاء، وَهَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة. قَوْله: كل شَيْء غرت فِيهِ أَي: ذهبت فِيهِ يُسمى مغارة وَيُسمى غاراً، وكهفاً، وَإِنَّمَا قَالَ: فَهِيَ، بالتأنيث نظرا للمغارة. قَوْله: (تزاور) أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى فِي قصَّة أَصْحَاب الْكَهْف: {وَترى الشَّمْس ... . عَن كهفهم (الْكَهْف: 17) أَي: تميل وَهُوَ من الزُّور بِفَتْح الْوَاو بِمَعْنى الْميل، وَالْأَزْوَر هُوَ أفعل أَخذ مِنْهُ بِمَعْنى الأميل، وتزاور أَصله: تتزاور، فأدغمت إِحْدَى التائين فِي الزَّاي.

6135 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسَفَ أخبرَنا مالِكٌ عَنْ سَعِيدٍ بنِ أبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ عَنْ أبِي شُرَيْحٍ الكَعْبِيِّ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّه واليَوْمِ الآخِر فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جائِزَتُهُ يَوْمٌ ولَيْلَةٌ، والضِّيَافَةُ ثَلاثَةُ أيَّامٍ فَما بَعْدَ ذالِكَ فَهْوَ صَدَقَةٌ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَثْوِيَ عِنْدَهُ حَتَّى يُحْرِجَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَليُكرم ضَيفه) . وَأَبُو شُرَيْح، بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة واسْمه خويلد بن عَمْرو وَقيل، غير ذَلِك، وَهُوَ من بني عدي بن عَمْرو بن لحي أخي كَعْب بن عَمْرو، فَلذَلِك قيل لَهُ: الكعبي، مَاتَ سنة ثَمَان وَسِتِّينَ بِالْمَدِينَةِ.
والْحَدِيث قد مضى فِي أَوَائِل كتاب الْأَدَب فِي: بَاب من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر، فَلَا يؤذ جَاره.
قَوْله: (جائزته) على وزن فَاعله من الْجَوَاز وَهِي الْعَطاء لِأَنَّهُ حق جَوَازه عَلَيْهِم، وقدرها الشَّارِع بِيَوْم وَلَيْلَة لِأَن عَادَة الْمُسَافِرين ذَلِك، وَقَالَ السُّهيْلي: رُوِيَ: جائزته، بِالرَّفْع على الِابْتِدَاء وَهُوَ وَاضح وَبِالنَّصبِ على بدل الاشتمال أَي: يكرم جائزته يَوْمًا وَلَيْلَة. قَوْله: (والضيافة ثَلَاثَة أَيَّام) اخْتلف فِي أَنه هَل الْيَوْم وَاللَّيْلَة الَّتِي هِيَ الْجَائِزَة دَاخِلَة فِي الثَّلَاث أم لَا؟ وَإِذا قُلْنَا بِدُخُولِهَا يقدم لَهُ فِي

(22/174)


الْيَوْم الأول مَا يقدم عَلَيْهِ من الْبر والألطاف وَفِي الْيَوْمَيْنِ الآخرين مَا يحضرهُ، وَإِذا قُلْنَا بخروجها فَهَل هِيَ قبل الثَّلَاثَة أَو بعْدهَا فقد روى مُسلم وَأحمد من رِوَايَة عبد الحميد بن جَعْفَر عَن سعيد المَقْبُري عَن أبي شُرَيْح بِلَفْظ: الضِّيَافَة ثَلَاثَة أَيَّام وجائزته يَوْم وَلَيْلَة، فَهَذَا يدل على الْمُغَايرَة بَين الضِّيَافَة والجائزة، وَيدل على أَن الْجَائِزَة بعد الضِّيَافَة، ابْن بطال: قسم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر الضَّيْف ثَلَاثَة أَقسَام: يتحفه فِي الْيَوْم الأول، ويتكلف لَهُ فِي الْيَوْم الثَّانِي، وَفِي الثَّالِث يقدم إِلَيْهِ مَا يحضرهُ، وَيُخَير بعد الثَّالِث كَمَا فِي الصَّدَقَة. وَقَالَ ابْن بطال أَيْضا: سُئِلَ عَنهُ مَالك فَقَالَ: يُكرمهُ ويتحفه يَوْمًا وَلَيْلَة وَثَلَاثَة أَيَّام ضِيَافَة، فَهَذَا يدل على أَن الْيَوْم وَاللَّيْلَة قبل الضِّيَافَة بِثَلَاثَة أَيَّام. قَوْله: (وَلَا يحل لَهُ أَن يثوي عِنْده) من الثوى وَهُوَ الْإِقَامَة فِي الْمَكَان. وَفِي التَّوْضِيح: أَن يثوي بِفَتْح أَوله وَكسر الْوَاو وبالفتح فِي الْمَاضِي ثوى إِذا قَامَ، وأثويت عِنْده لُغَة فِي ثويت، أَي: لَا يُقيم عِنْده بعد الثَّلَاث. قَوْله: (حَتَّى يحرجه) من الإحراج وَمن التحريج أَيْضا فعلى الأول بِالتَّخْفِيفِ وعَلى الثَّانِي بِالتَّشْدِيدِ، أَي: لَا يضيق صَدره بِالْإِقَامَةِ عِنْده بعد الثَّلَاثَة، وَفِي رِوَايَة لمُسلم: حَتَّى يؤثمه، يَعْنِي: يوقعه فِي الْإِثْم، لِأَنَّهُ قد يغتابه لطول مقَامه أَو يظنّ بِهِ ظنا سَيِّئًا، وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد عَن أبي شُرَيْح، قيل: يَا رَسُول الله {وَمَا يؤثمه؟ قَالَ: يُقيم عِنْده لَا يجد شَيْئا يقدمهُ.
حَدثنَا إسْماعِيلُ قَالَ: حدّثني مالِك مِثْلَهُ، وزَادَ: مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّه واليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ.
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن أسماعيل بن أبي أويس عَن مَالك مثله، يَعْنِي: بِإِسْنَادِهِ وَزَاد فِيهِ: من كَانَ يُؤمن ... إِلَى آخِره، أَي: من كَانَ إيمَانه إِيمَانًا كَامِلا فَيَنْبَغِي أَن يكون هَذَا حَاله وَصفته. قَوْله: (أَو ليصمت) ، ضَبطه النَّوَوِيّ بِضَم الْمِيم، وَقَالَ بَعضهم: قَالَ الطوفي: بِكَسْرِهَا وَهُوَ الْقيَاس كضرب، قلت: مَا للْقِيَاس تعلق هُنَا، وَهُوَ كَلَام واهٍ وَالْأَصْل فِي هَذَا السماع، فَإِن سمع أَنه من بَاب فعل يفعل بِالْفَتْح فِي الْمَاضِي وَالْكَسْر فِي الْمُضَارع فَلَا كَلَام، أَو يكون قد جَاءَ من بَابَيْنِ من بَاب نصر ينصر وَمن بَاب ضرب يضْرب، قيل: التَّخْيِير فِيهِ مُشكل لِأَن الْمُبَاح إِن كَانَ فِي أحد الشقين لزم أَن يكون مَأْمُورا بِهِ فَيكون وَاجِبا أَو مَنْهِيّا فَيكون حَرَامًا. وَأجِيب: بِأَن كلاًّ من: ليقل وليصمت، أَمر مُطلق بتناول الْمُبَاح وَغَيره فَيلْزم من ذَلِك أَن يكون الْمُبَاح حسنا لدُخُوله فِي الْخَيْر، وَفِيه تَأمل.

6136 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّد حَدثنَا ابنُ مَهْدِيّ حدَّثنا سُفْيَانُ عَنْ أبِي حصَيْنٍ عَنْ أبي صالِحٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّه واليَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جارَهُ، وَمَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّه واليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّه واليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَليُكرم ضَيفه) . وَعبد الله بن مُحَمَّد الْجعْفِيّ الْمَعْرُوف بالمسندي يروي عَن عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن أبي حُصَيْن بِفَتْح الْحَاء وَكسر الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ عُثْمَان الْأَسدي عَن أبي صَالح ذكْوَان الزيات.
والْحَدِيث قد مضى فِي: بَاب من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يؤذ جَاره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

6137 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حَدثنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بنِ أبِي حبِيبٍ عَنْ أبِي الخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بنِ عامِرٍ رَضِي الله عَنهُ أنَّهُ قَالَ: قُلْنا: يَا رسولَ الله} إِنَّكَ تَبْعَثُنَا فَنَنْزِلُ بِقَوْمٍ فَلاَ يَقْرُونَنا، فَما تَرَى؟ فَقَالَ لَنا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فأمَرُوا لَكُمْ بِما يَنْبغِي للضَّيْفِ فاقْبَلُوا، فإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَق الضَّيْفِ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ. (انْظُر الحَدِيث 2461) .

(22/175)


مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فَأمروا لكم بِمَا يَنْبَغِي للضيف فاقبلوا) لِأَنَّهُ يفهم مِنْهُ إكرام الضَّيْف.
وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن أبي حبيب الْمصْرِيّ وَاسم أبي حبيب سُوَيْد، وَأَبُو الْخَيْر مرْثَد بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الرَّاء وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وبالدال الْمُهْملَة ابْن عبد الله الْيَزنِي.
والْحَدِيث قد مضى فِي الْمَظَالِم فِي: بَاب قصاص الْمَظْلُوم إِذا وجد مَال ظالمه، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (فَلَا يقروننا) بِالْإِدْغَامِ والفك. قَوْله: (فَخُذُوا) أَي: خُذُوا أخذا قهرياً، وَهَذَا لَا يكون إلاَّ عِنْد الِاضْطِرَار وبالثمن حَالا أَو مُؤَجّلا.

6138 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حَدثنَا هِشامٌ أخبرنَا معْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أبي سَلَمَةَ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ عَنِ النبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّه واليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ. وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّه واليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ. وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّه واليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ.
هَذَا حَدِيث أبي هُرَيْرَة مضى فِي هَذَا الْبَاب، وَأَعَادَهُ هُنَا عَن عبد الله بن مُحَمَّد المسندي عَن هِشَام بن يُوسُف عَن معمر بن رَاشد عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن أبي هُرَيْرَة ... إِلَى آخِره. وَفِيه زِيَادَة قَوْله: (وَمن كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَليصل رَحمَه) وصلَة الرَّحِم تشريك ذَوي الْقرَابَات فِي الْخيرَات، وَالله أعلم.

86 - (بابُ صُنْعِ الطَّعامِ والتَّكَلُّفِ للضَّيْفِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان صنع الطَّعَام لأجل الضَّيْف والتكلف لمن قدر عَلَيْهِ لأجل الضَّيْف لِأَنَّهُ من سنَن الْمُرْسلين، أَلاَ يُرى أَن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل، صلوَات الله عَلَيْهِ، وَسَلَامه ذبح لضيفه عجلاً سميناً، فَقَالَ أهل التَّأْوِيل: كَانُوا ثَلَاثَة: جِبْرَائِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل عَلَيْهِم السَّلَام فتكلف لَهُم ذبح عجل وقربه إِلَيْهِم وقصته مَشْهُورَة.

6139 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّار حَدثنَا جَعْفَرُ بنُ عَوْنٍ حَدثنَا أبُوا العُمَيْسِ عَنْ عَوْنِ بنِ أبي جُحَيْفَةَ عَنْ أبِيهِ قَالَ: آخَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بَيْنَ سَلْمانَ وَأبي الدَّرْدَاءِ فَزارَ سَلْمانُ أَبَا الدَّرْداءِ، فَرأى أُمَّ الدَّرْداءِ مُتَبَذِّلَةَ، فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ؟ قالَتْ: أخُوكَ أَبُو الدَّرْداءِ لَيْسَ لَهُ حاجَة فِي الدُّنْيا فَجاء أبُو الدَّرْداءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعاماً فَقَالَ: كُلْ فَإِنِّي صائِمٌ. قَالَ: مَا أَنا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ فَأَكَلَ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أبُوا الدَّرْداءِ يَقُومُ فَقَالَ: نَمْ، فَنامَ ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ فَقَالَ: نَمْ فَلَمَّا كَانَ آخرُ اللَّيْلِ قَالَ سَلْمانُ: قُمِ الآنَ قَالَ: فَصَلَّيا، فَقَالَ لَهُ سَلْمانُ: إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولأهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فأعْطِ كُلَّ ذِي حَقّ حَقَّهُ. فأتَى النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَذَكَرَ ذالِكَ لَهُ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: صَدَقَ سَلْمانُ.
أبُو جُحَيْفَةَ وَهْبٌ السُّوائِيُّ، يُقالُ: وَهْبُ الخَيْرِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَصنعَ لَهُ طَعَاما) وجعفر بن عون بالنُّون المخرومي، وَأَبُو العميس بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْمِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالسين الْمُهْملَة واسْمه عتبَة بِسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق ابْن عبد الله المَسْعُودِيّ الْكُوفِي، وَعون بالنُّون أَيْضا ابْن أبي جُحَيْفَة يروي عَن أبي أبي جُحَيْفَة مصغر بِالْجِيم والحاء الْمُهْملَة واسْمه وهب ذكره البُخَارِيّ فِي آخر الحَدِيث وَاسم أبي الدَّرْدَاء عُوَيْمِر، وسلمان هُوَ الْفَارِسِي.
والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الصَّوْم فِي: بَاب من أقسم على أَخِيه ليفطر فِي التَّطَوُّع، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (أم الدَّرْدَاء) قالالنووي: لأبي الدَّرْدَاء زوجتان كل وَاحِدَة مِنْهُمَا كنيتها أم الدَّرْدَاء: الْكُبْرَى صحابية وَهِي خيرة بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة،

(22/176)


وَالصُّغْرَى تابعية وَهِي هجيمة مصغر الهجمة بِالْجِيم.
قَوْله: (متبذلة) ، يَعْنِي: لابسة ثِيَاب البذلة والخدمة بِلَا تجمّل وتكلّف بِمَا يَلِيق بِالنسَاء من الزِّينَة وَنَحْوهَا. قَوْله: (أَخُوك أَبُو الدَّرْدَاء لَيْسَ لَهُ حَاجَة فِي الدُّنْيَا) عممت بِلَفْظ: فِي الدُّنْيَا للاستحياء من أَن تصرح بِعَدَمِ حَاجته إِلَى مباشرتها.
وَفِي الحَدِيث: زِيَارَة الصّديق، وَدخُول دَاره فِي غيبته، والإفطار للضيف، وكراهية التشدّد فِي الْعِبَادَة وَأَن الْأَفْضَل التَّوَسُّط، وَأَن الصَّلَاة آخر اللَّيْل أولى، ومنقبة لسلمان حَيْثُ صدقه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (وَأَبُو جُحَيْفَة)
إِلَى آخِره، لم يثبت فِي رِوَايَة أبي ذَر.

87 - (بابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الغَضَبِ والجَزَعِ عِنْدَ الضَّيْفِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يكره إِلَى آخِره، وَالْغَضَب غليان دم الْقلب لأجل الانتقام والجزع بِفَتْح الزَّاي نقيض الصَّبْر.

6140 - حدَّثنا عَيَّاشُ بنُ الوَلِيدِ حَدثنَا عَبْدُ الأعْلَى حَدثنَا سَعِيدٌ الجُرَيْرِيُّ عَنْ أبي عُثْمانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ أبِي بَكْرٍ رَضِي الله عَنْهُمَا أنَّ أَبَا بَكْرٍ تَضَيَّفَ رَهْطاً فَقَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمانِ: دُونَكَ أضْيافَكَ فإِنِّي مُنْطَلِقٌ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَافْرُغْ مِن قِراهُمْ قَبْلَ أنْ أجيءَ، فانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمانِ فأتاهُمْ بِمَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: اطْعَمُوا. فَقَالُوا: أيْنَ رَبُّ مَنْزِلنا؟ قَالَ: اطْعَمُوا. قَالُوا: مَا نَحْنُ بِآكِلِينَ حَتَّى يَجيءَ رَبُّ مَنْزِلِنا. قَالَ: اقْبَلُوا عَنَّا قِراكُمْ فإنَّهُ إنْ جاءَ وَلَمْ تَطْعَمُوا لَنَلْقَيَنَّ مِنْهُ فأبَوْا فَعَرَفْتُ أنَّهُ يَجِدُ عَلَيَّ فَلَمَّا جاءَ تَنَحَّيْتُ عَنْهُ فَقَالَ: مَا صَنَعْتُم؟ فأخْبَرُوهُ. فَقَالَ: يَا عَبْدُ الرَّحْمان {فَسَكَتُّ. ثُمَّ قَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمانِ} فَسَكَتُّ. فَقَالَ: يَا غُنْثَرُ! أقْسَمْتُ عَلَيْكَ إنْ كُنتَ تَسْمَعُ صَوْتِي لَمَّا جِئْتَ، فَخَرَجْتُ فَقُلْتُ سَلْ أضْيافَكَ. فَقَالُوا: صَدَقَ أَتَانَا بِهِ، قَالَ: فإنَّما انْتَظَرْتُمُوني؟ وَالله لَا أطْعَمُهُ اللَّيْلَةَ. فَقَالَ الآخَرُونَ: وَالله لَا نَطْعَمُهُ حَتَّى تَطْعَمَهُ. قَالَ: لَمْ أرَ فِي الشَّر كاللَّيْلَةِ، وَيْلَكُمْ مَا أنْتُمْ؟ لِمَ لَا تَقْبَلُوا عَنَّا قِراكُمْ؟ هاتِ طَعامَكَ فَجاءَهُ فَوَضَعَ يَدَهُ فَقَالَ: بِاسْمِ الله الأُولَى لِلشَّيْطانِ، فأكَلَ وأكَلوا.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (إِنَّه يجد عَليّ) أَي: يغْضب عَليّ، ويجد من الموجدة وَهِي الْغَضَب، وَوَقع التَّصْرِيح بِالْغَضَبِ فِي الطَّرِيق الَّذِي بعد هَذَا.
وَعَيَّاش بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالشين الْمُعْجَمَة ابْن الْوَلِيد، وَأَبُو الْوَلِيد الرقام الْبَصْرِيّ مَاتَ سنة سِتّ وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ، وَعبد الْأَعْلَى بن عبد الْأَعْلَى وَسَعِيد بن إِيَاس الْجريرِي، وَقَالَ الْحَافِظ الدمياطي: مَاتَ سنة أَربع وَأَرْبَعين وَمِائَة، والجريري قَالَ الْكرْمَانِي: الْجريرِي مصغر الْجَرّ بِالْجِيم وَالرَّاء الْمُشَدّدَة. قلت: هَذَا وهم عَظِيم، والجرير نِسْبَة إِلَى جرير بِضَم الْجِيم وَفتح الرَّاء ابْن عباد بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة أخي الْحَارِث ابْن عباد بن ضبيعة بن قيس بن بكر بن وَائِل، وَأَبُو عُثْمَان عبد الرَّحْمَن بن مل النَّهْدِيّ بِفَتْح النُّون.
والْحَدِيث مضى فِي: بَاب عَلَامَات النُّبُوَّة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ بأطول مِنْهُ عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن مُعْتَمر عَن أَبِيه عَن أبي عُثْمَان عَن عبد الرَّحْمَن ابْن أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (تضيف) ، أَي: اتخذ الرَّهْط ضيفاً. قَوْله: (دُونك أضيافك) أَي: خذهم والزمهم من قراهم، الْقرى بِكَسْر الْقَاف: الضِّيَافَة وَإِضَافَة الْقرى إِلَيْهِم مثل الْإِضَافَة فِي قَول الشَّاعِر:
(لتغني عني ذَا نابك أجمعا)

قَوْله: (لنلقين مِنْهُ) أَي: الْأَذَى وَمَا يكرهنا. قَوْله: (إِنَّه يجد عَليّ) أَي: يغْضب كَمَا ذكرنَا، قَوْله: (تنحيت عَنهُ) أَي: جعلت نَفسِي فِي نَاحيَة بعيدَة عَنهُ. قَوْله: (غنثر) بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَالنُّون الساكنة وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وبالراء وَمَعْنَاهُ: الْجَاهِل، وَقيل: اللَّئِيم، وَقيل: الثقيل، وروى: يَا عنتر، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَهُوَ الذُّبَاب وَشبهه حِين حقره بالذباب. قَوْله: (لما جِئْت) بِمَعْنى: ألاجئت، أَي: لأطلب مِنْك إلاَّ مجيئك. وَقَالَ الْكرْمَانِي: مَا زَائِدَة. قَوْله: (كالليلة) أَي: لم أر لَيْلَة فِي الشَّرّ. قَوْله: (وَيْلكُمْ) لم يكن مَقْصُوده مِنْهُ الدُّعَاء عَلَيْهِم. قَوْله: (مَا أَنْتُم؟) كلمة: مَا استفهامية. قَوْله:

(22/177)


(الأولى للشَّيْطَان) أَي: الْحَالة الأولى أَو الْكَلِمَة القسمية، وَقَالَ ابْن بطال: الأولى، يَعْنِي اللُّقْمَة الأولى ترغيم للشَّيْطَان لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي حمله على الْحلف، وباللقمة الأولى وَقع الْحِنْث فِيهَا. وَقَالَ: وَإِنَّمَا حلف لِأَنَّهُ ترغيم للشَّيْطَان، وَأَنه اشْتَدَّ عَلَيْهِ تَأْخِير عشائهم ثمَّ لما لم يَسعهُ مُخَالفَة أضيافه ترك التَّمَادِي فِي الْغَضَب فَأكل مَعَهم استمالة لقُلُوبِهِمْ، قَالَ الْكرْمَانِي: كَيفَ جَازَ مُخَالفَة الْيَمين ثمَّ أجَاب بِأَنَّهُ إتْيَان بالأفضل كَمَا ورد فِي الحَدِيث.

88 - (بابُ قَوْلِ الضَّيْفِ لِصَاحِبِهِ: وَالله لَا آكُلُ حَتَّى تَأْكُلَ)

أَي: هَذَا بَاب مَا وَقع فِي الحَدِيث من قَول الضَّيْف ... إِلَى آخِره.
فيهِ حَدِيثُ أبي جُحَيْفَةَ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَي: فِي هَذَا الْبَاب حَدِيث أبي جُحَيْفَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ الحَدِيث الَّذِي قَالَ فِيهِ سلمَان لأبي الدَّرْدَاء: مَا أَنا بآكل حَتَّى يَأْكُل. وَقد مر عَن قريب فِي: بَاب صنع الطَّعَام والتكلف للضيف، وَلم تقع هَذِه التَّرْجَمَة وَلَا التَّعْلِيق الْمَذْكُور فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَإِنَّمَا سَاق هَذَا الحَدِيث الَّذِي فِي هَذَا الْبَاب عقيب الحَدِيث الَّذِي فِي الْبَاب السَّابِق.

89 - (بابُ إكْرامِ الكَبِيرِ، وَيَبْدَأُ الأكْبَرُ بِالْكلامِ والسُّؤَالِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إكرام الْكَبِير، لما روى الْحَاكِم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: (من لم يرحم صَغِيرنَا وَيعرف حق كَبِيرنَا فَلَيْسَ منا) . وَأخرجه أَبُو دَاوُد من حَدِيث عبد الله بن عمر، وَذكر عبد الرَّزَّاق أَن فِي الحَدِيث من تَعْظِيم جلال الله أَن يوفر ذُو الشيبة فِي الْإِسْلَام. قَوْله: (وَيبدأ الْأَكْبَر بالْكلَام) لِأَنَّهُ من آدَاب الْإِسْلَام ومحاسن الْأَخْلَاق، وَلَكِن لَيْسَ

(22/178)


هَذَا على الْعُمُوم لِأَنَّهُ إِنَّمَا يبْدَأ الْأَكْبَر بِهِ. فِيمَا إِذا اسْتَوَى فِيهِ علم الصَّغِير وَالْكَبِير، وَإِذا علم الصَّغِير مَا يجهل الْكَبِير فالصغير يقدم حينئذٍ وَلَا يكون هَذَا سوء أدب وَلَا نقص فِي حق الْكَبِير. قَوْله: وَالسُّؤَال، أَي: وَيبدأ الْأَكْبَر أَيْضا بالسؤال وَهَذَا أَيْضا إِذا اسْتَوَى الْكَبِير مَعَ الصَّغِير، وَإِذا كَانَ الصَّغِير أعلم يقدم على الْكَبِير، وَكَانَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا يسْأَل وَهُوَ صبي وَهُنَاكَ مشيخة.

6142 - ح دَّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ حَدثنَا حَمَّادٌ هُوَ ابنُ زَيْدٍ عنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ عَنْ بُشَيْرِ ابنِ يَسَارٍ مَوْلَى الأنْصارِ عَنْ رافِعِ بنِ خَدِيجٍ وَسَهْلِ بن أبي حَثْمَةَ أنَّهُمَا حَدَّثاهُأنَّ عَبْدَ الله بنَ سَهْلٍ ومُحَيْصَةَ بنَ مَسْعُودٍ أتَيَا خَيْبَرَ فَتَفَرَّقا فِي النَّخل، فَقُتِلَ عَبْدُ الله بنُ سَهْلٍ فَجاءَ عَبْدُ الرَّحْمانِ ابنُ سَهْلٍ وحُوَيْصَةَ ابْنا مَسْعُودٍ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَتَكَلَّموا فِي أمْرِ صاحِبِهِمْ، فَبَدَأ عَبْدُ الرَّحْمانِ وَكَانَ أصْغَرَ القَوْمِ، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَبِّر الكُبْرَ. قَالَ يَحْيَّى: لَيْلِيَ الكَلامَ الأكْبَرُ، فَتَكَلَّمُوا فِي أمْرِ صَاحِبِهِمْ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أتَسْتَحِقُّونَ قَتِيلَكُمْ أوْ قَالَ: صاحِبَكُمْ بِأيْمانِ خَمْسِينَ مِنْكُمْ؟ قَالُوا: يَا رسولَ الله {أمْرٌ لَمْ نَرَهُ، قَالَ فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ فِي أيمانِ خَمْسِينَ مِنْهُمْ؟ قَالُوا: يَا رسُولَ الله} قَوْمٌ كُفَّارٌ، فَوَداهُمْ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مِنْ قِبَلِهِ. قَالَ سَهْلٌ: فأدْرَكْتُ ناقَةً مِنْ تِلْكَ إلابل فَدَخَلَتْ مِرْبَداً لَهُمْ فَرَكَضَتْنِي بِرِجْلِها.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (كبر الْكبر) وَفِي قَوْله: (ليلِي الْكَلَام الْأَكْبَر) .
وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، وَبشير بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الشين الْمُعْجَمَة ابْن يسَار ضد الْيَمين وَرَافِع بن خديج بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الدَّال وبالجيم ابْن رَافع بن عدي بن زيد بن جشم بن حَارِثَة الأوسي الْمَدِينِيّ، سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَاتَ سنة ثَلَاث وَقيل: أَربع وَسبعين، وَكَانَ يَوْم مَاتَ ابْن سِتّ وَثَمَانِينَ سنة، وَسَهل بن أبي حثْمَة بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة، واسْمه عَامر بن سَاعِدَة بن عَامر أَبُو يحيى، وَقيل: أَبُو مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ الْحَارِثِيّ الْمَدِينِيّ، سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْدهمَا، وَيُقَال: قبض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ ابْن ثَمَان سِنِين، وَقد حفظ عَنهُ، وَعبد الله بن سهل الْأنْصَارِيّ أَخُو عبد الرَّحْمَن بن سهل الْأنْصَارِيّ ابْني أخي حويصة ومحيصة ابْني مَسْعُود بن عَامر بن عدي.
وَمضى الحَدِيث فِي آخر الْجِهَاد فِي: بَاب الْمُوَادَعَة والمصالحة مَعَ الْمُشْركين، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُسَدّد عَن بشر بن الْمفضل عَن يحيى عَن بشير بن يسَار عَن سهل بن أبي حثْمَة ... إِلَى آخِره، وَبَينهمَا تفَاوت فِي الطول وَالْقصر، وَاخْتِلَاف بعض الْأَلْفَاظ.
قَوْله: (ابْنا مَسْعُود) بِكَسْر الْهمزَة تَثْنِيَة ابْن. قَوْله: (فِي أَمر صَاحبهمْ) أَي: مقتولهم، وَهُوَ عبد الله. قَوْله: (كبر الْكبر) بِضَم الْكَاف وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَهُوَ جمع الْأَكْبَر أَي: قدم الْأَكْبَر للتكلم، وَإِنَّمَا أَمر أَن يتَكَلَّم الْأَكْبَر فِي السن ليحقق صُورَة الْقَضِيَّة وكيفيتها لَا أَنه يدعيها، إِذا حَقِيقَة الدَّعْوَى إِنَّمَا هِيَ لِأَخِيهِ عبد الرَّحْمَن. قَوْله: (قَالَ يحيى) هُوَ يحيى بن سعيد الرَّاوِي، قَالَ فِي رِوَايَته: (ليلى الْكَلَام الْأَكْبَر) بِالرَّفْع أَي: ليتولى الْأَكْبَر الْكَلَام. قَوْله: (تستحقون قتيلكم) أَي: دِيَة قتيلكم. قَوْله: (أَو قَالَ: صَاحبكُم) شكّ من الرَّاوِي، وَأَرَادَ بالصاحب الْمَقْتُول. قَوْله: (بأيمان خمسين مِنْكُم) بِإِضَافَة أَيْمَان إِلَى خمسين أَي: بأيمان خمسين رجلا مِنْكُم، ويروى: بأيمان، بِالتَّنْوِينِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَي: خمسين يَمِينا صادرة مِنْكُم، وبالرواية الأولى. احتجت الْحَنَفِيَّة حَيْثُ اعتبروا الْعدَد فِي الرِّجَال. قَوْله: (أَمر لم نره) أَي: لم نشاهده، وَكَيف تحلف عَلَيْهِ؟ قَوْله: فتبرئكم أَي فتخلصكم من الْيَمين. وَاعْلَم أَن حكم الْقسَامَة مُخَالف لسَائِر الدَّعَاوَى من جِهَة أَن الْيَمين على الْمُدَّعِي، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْوَارِث هُوَ الْأَخ وَهُوَ الْمُدَّعِي لَا أَبنَاء الْعم، فَلم عرض الْيَمين عَلَيْهِم، وَأجَاب بِأَنَّهُ كَانَ مَعْلُوما عِنْدهم أَن الْيَمين يخْتَص بالوارث فَأطلق الْخطاب لَهُم، وَأَرَادَ من يخْتَص بِهِ وَمن جِهَة أَنَّهَا خَمْسُونَ يَمِينا وَذَلِكَ لتعظيم أَمر الدِّمَاء، وَبَدَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ

(22/179)


وَسلم، بالمدعين فَلَمَّا تكلمُوا رد على الْمُدعى عَلَيْهِ، وَلما لم يرْضوا بأيمانهم من جِهَة أَنهم كفار لَا يبالون بذلك عقله من عِنْده لِأَنَّهُ عَاقِلَة الْمُسلمين، وَإِنَّمَا عقله قطعا للنزاع وجبراً لخاطرهم، وإلاَّ فاستحقاقهم لم يثبت. قَوْله: (فوداهم) أَي: أعْطى لَهُم دِيَته من قبله بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: من عِنْده، وَيحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ من خَالص مَاله أَو من بَيت المَال.
قَوْله: (مربداً لَهُم) المربد بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: الْموضع الَّذِي يجْتَمع فِيهِ الْإِبِل. قَوْله: (فركضتني) أَي: رفستني وَأَرَادَ بِهَذَا الْكَلَام ضبط الحَدِيث وَحفظه حفظا بليغاً.
وَفِيه: أَنه يَنْبَغِي للْإِمَام مُرَاعَاة الْمصَالح الْعَامَّة، والاهتمام بإصلاح ذَات الْبَين، وَإِثْبَات الْقسَامَة، وَجَوَاز الْيَمين بِالظَّنِّ وَصِحَّة يَمِين الْكَافِر.
قَالَ اللَّيْثُ: حدّثني يَحْيَى عَنْ بُشَيْرٍ عَنْ سَهْلٍ قَالَ يَحْيَى: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: مَعَ رافِعِ بن خَدِيجٍ.
أَي: قَالَ اللَّيْث بن سعد: حَدثنِي يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ عَن بشير بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة، وَهُوَ الْمَذْكُور عَن قريب، عَن سهل بن أبي حثْمَة ... إِلَى آخِره، هَذَا التَّعْلِيق وَصله مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث اللَّيْث بِهِ.
وَقَالَ ابنُ عُيَيْنَةَ: حَدثنَا يحيى عنْ بُشَيْرٍ عَنْ سَهْلٍ وَحْدَهُ.

6144 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ الله حدّثني نافِعٌ عَن ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أخْبِرُونِي بِشَجَرَةٍ مَثلُها مَثْلُ المُسْلِمِ تُؤْتِي أكْلُهَا كُلَّ حِينٍ بإذْن رَبِّها، وَلَا تحُتُّ وَرَقَها؟ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي إنَّها النَّخْلَة، فَكَرِهْتُ أنْ أَتَكَلَّمَ، وَثَمَّ أبُو بَكْرٍ وعُمَرُ، فلمَّا لَمْ يَتَكَلَّما قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هِيَ النَّخْلَةُ. فَلَمَّا خَرَجْتُ مَعَ أبي قُلْتُ: يَا أبتاهْ، وَقَعَ فِي نَفْسِي إنَّها النَّخْلَةُ. قَالَ: مَا مَنَعَكَ أَن تَقُولَها؟ لَوْ كُنْتَ قُلْتها كانَ أحَبَّ إلَيَّ مِنْ كَذا وكَذا. قَالَ: مَا مَنَعَني إلاَّ أنِّي لَمْ أركَ وَلَا أَبَا بَكْرٍ تَكَلّمتُما، فَكَرِهْتُ.
أَي قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة: حَدثنَا يحيى هُوَ ابْن سعيد أَيْضا عَن نَافِع عَن عبد الله بن عمر ... إِلَى آخِره، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله مُسلم وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث ابْن عُيَيْنَة، وَقد مر هَذَا الحَدِيث عَن قريب فِي: بَاب مَا لَا يستحي من الْحق، وَمضى أَيْضا فِي الْعلم، وإيراد هَذَا هُنَا لأجل أَن فِيهِ توقير الأكابر.
قَوْله: (وَلَا تَحت وَرقهَا) ، أَي: لَا تسْقط. قَوْله: (فَكرِهت) ، أَي: التَّكَلُّم مَعَ وجود الأكابر.

90 - (بابُ مَا يَجُوزُ مِنَ الشِّعْرِ والرَّجَزِ والحُدَاءِ وَمَا يُكْرَهُ مِنْهُ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يجوز أَن ينشد من الشّعْر وَهُوَ كَلَام مَوْزُون مقفى بِالْقَصْدِ، وَالرجز بِفَتْح الرَّاء وَالْجِيم وبالزاي وَهُوَ نوع من الشّعْر عِنْد الْأَكْثَرين، وَقيل: لَيْسَ بِشعر لِأَنَّهُ يُقَال: راجز وَلَا يُقَال: شَاعِر، وَسمي بِهِ لتقارب أَجْزَائِهِ وَقلة حُرُوفه، والحداء بِضَم الْحَاء وَتَخْفِيف الدَّال الْمُهْمَلَتَيْنِ يمد وَيقصر، وَحكى الْأَزْهَرِي وَغَيره كسر الْحَاء أَيْضا، وَهُوَ مصدر يُقَال: حدوت الْإِبِل حداء وإحداء، مثل دَعَوْت دُعَاء، وَيُقَال للشمال حد وَلِأَنَّهُ يَحْدُو السَّحَاب، وَهُوَ سوق الْإِبِل والغناء لَهَا، وغالباً يكون بالرجز، وَقد يكون بِغَيْرِهِ من الشّعْر، وَأول من حدا الْإِبِل عبدٌ لمضر بن نزار بن معد بن عدنان، كَانَ فِي إبل لمضر فقصر فَضَربهُ مُضر على يَده فأوجعه، فَقَالَ: يَا يدياه، وَكَانَ حسن الصَّوْت فأسرعت الْإِبِل لما سمعته فِي السّير فَكَانَ ذَلِك مبدأ الحداء، أخرجه ابْن سعد بِسَنَد صَحِيح عَن طَاوُوس مُرْسلا، وَأوردهُ الْبَزَّار مَوْصُولا عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَوْله: وَمَا يكره مِنْهُ، أَي: وَفِي بَيَان مَا يكره إنشاده من الشّعْر، وَهُوَ قسيم قَوْله: مَا يجوز.
وقَوْلِهِ تعالَى: وَالشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِى كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ إِلاَّ الَّذِينَءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُواْ اللَّهَ كَثِيراً وَانتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ وَسَيَعْلَمْ الَّذِينَ ظَلَمُو اْ أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} (الشُّعَرَاء: 224 227) [/ ح.

(22/180)


سيقت هَذِه الْآيَات الْأَرْبَعَة كلهَا فِي رِوَايَة كَرِيمَة والأصيلي، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر بَين قَوْله: {يهيمون} وَبَين قَوْله: {وَإِنَّهُم يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ} لفظ: وَقَوله وَهُوَ حَشْو بِلَا فَائِدَة وَذكر هَذِه الْآيَات مُنَاسِب لقَوْله: وَمَا يكره مِنْهُ لِأَنَّهَا فِي ذمّ الشُّعَرَاء الَّذين يَهْجُونَ النَّاس ويلحقهم الشُّعَرَاء الَّذين يمدحون النَّاس بِمَا لَيْسَ فيهم ويبالغون حَتَّى إِن بَعضهم يخرج عَن حد الْإِسْلَام، ويأتون فِي أشعارهم من الخرافات والأباطيل. قَوْله تَعَالَى: {وَالشعرَاء} جمع شَاعِر مَرْفُوع على الِابْتِدَاء وَقَوله: {يتبعهُم الْغَاوُونَ} خَبره. وقرىء: وَالشعرَاء، بِالنّصب على إِضْمَار فعل يفسره الظَّاهِر، وَقَالَ أهل التَّأْوِيل، مِنْهُم ابْن عَبَّاس وَغَيره: إِنَّهُم شعراء الْمُشْركين يتبعهُم غواة النَّاس ومردة الشَّيَاطِين وعصاة الْجِنّ ويروون شعرهم، لِأَنَّهُ الغاوي لَا يتبع إلاَّ غاوياً مثله، وَعَن الضَّحَّاك: تهَاجر رجلَانِ على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَحدهمَا من الْأَنْصَار وَالْآخر من قوم آخَرين، وَمَعَ كل وَاحِد مِنْهُمَا غواة من قومه وهما السُّفَهَاء، فَنزلت هَذِه الْآيَة، وَقَالَ السُّهيْلي: نزلت الْآيَة فِي الثَّلَاثَة وَإِنَّمَا وَردت بالإبهام ليدْخل مَعَهم من اقْتدى بهم، وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ: أَرَادَ بهؤلاء شعراء الْكفَّار: عبد الله بن الزبعري، وهبيرة ابْن أبي وهب، ومسافع بن عبد منَاف، وَعَمْرو بن عبد الله، وَأُميَّة بن أبي الصَّلْت، كَانُوا يَهْجُونَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فيتبعهم النَّاس. قَوْله: {ألم تَرَ أَنهم} مَعْنَاهُ: إِنَّك رَأَيْت آثَار فعل الله فيهم: {أَنهم فِي كل وادٍ} من أَوديَة الْكَلَام، وَقيل: يَأْخُذُونَ فِي كل فن من لَغْو وَكذب فيمدحون بباطل ويذمون بباطل، يهيمون حائرين، وَعَن طَرِيق الْخَيْر والرشد وَالْحق جائرين. وَقَالَ الْكسَائي: الهائم الذَّاهِب على وَجهه، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الهائم الْمُخَالف للقصد. قَوْله: {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ} أَي: يَقُولُونَ: فعلنَا، وَلم يَفْعَلُوا. قَوْله: {إلاَّ الَّذين آمنُوا} اسْتثْنى بِهِ الشُّعَرَاء الْمُؤمنِينَ الصَّالِحين الَّذين لَا يتلفظون فِيهَا بذنب، وَقَالَ أهل التَّفْسِير: لما نزلت هَذِه الْآيَة: {وَالشعرَاء يتبعهُم الْغَاوُونَ} جَاءَ عبد الله بن رَوَاحَة وَكَعب بن مَالك وَحسان بن ثَابت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وهم يَبْكُونَ، فَقَالُوا: يَا رَسُول الله أنزل الله هَذِه الْآيَة وَهُوَ يعلم أَنا شعراء، فَقَالَ: اقرأوا مَا بعْدهَا: {إلاَّ الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} الْآيَة، وَعَن ابْن عَبَّاس: {إلاَّ الَّذين آمنُوا} يَعْنِي: ابْن رَوَاحَة وحساناً. قَوْله: {وَذكروا الله كثيرا} أَي: فِي شعرهم، وَقيل: فِي خلال كَلَامهم، وَقيل: لم يشغلهم الشّعْر عَن ذكر الله تَعَالَى. قَوْله: {وانتصروا من بعده مَا ظلمُوا} أَي: من الْمُشْركين لأَنهم بدأوا بالهجاء، وكذبوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأخرجوا الْمُسلمين من مَكَّة. وَقَوله: {وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا} أَي: أشركوا وهجوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْمُؤمنِينَ. قَوْله: {أَي مُنْقَلب ينقبلون} أَي: مرجع يرجعُونَ إِلَيْهِ بعد مماتهم، يَعْنِي: يَنْقَلِبُون إِلَى جَهَنَّم يخلدُونَ فِيهَا، وَالْفرق بَين المنقلب والمرجع أَن المنقلب الِانْتِقَال إِلَى ضد مَا هُوَ فِيهِ، والمرجع الْعود من حَال إِلَى حَال، فَكل مرجع مُنْقَلب وَلَيْسَ كل مُنْقَلب مرجعاً.
وَقَالَ ابْن عَبَّاس: {فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ} فِي كُلِّ لَغْوٍ يَخُوضُونَ
يَعْنِي: قَالَ ابْن عَبَّاس فِي تَفْسِير قَوْله: {فِي كل وَاد يهيمون} فِي كل لَغْو يَخُوضُونَ، وَوصل هَذَا التَّعْلِيق ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ من طَرِيق مُعَاوِيَة بن صَالح عَن عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فِي كل وَاد} قَالَ: فِي كل لَغْو، وَفِي قَوْله: {يهيمون} قَالَ: يَخُوضُونَ.

168 - (حَدثنَا أَبُو الْيَمَان أخبرنَا شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ قَالَ أَخْبرنِي أَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن أَن مَرْوَان بن الحكم أخبرهُ أَن عبد الرَّحْمَن بن الْأسود بن عبد يَغُوث أخبرهُ أَن أبي بن كَعْب أخبرهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ إِن من الشّعْر حِكْمَة) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن الشّعْر فِيهِ حِكْمَة فالحكمة إِذا كَانَت فِي شعر من الْأَشْعَار يجوز إنشاد هَذَا الشَّاعِر وَيَجِيء الْآن أَن المُرَاد بالحكمة هُوَ القَوْل الصَّادِق المطابق للْوَاقِع وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع وَأَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام المَخْزُومِي وَفِي هَذَا الْإِسْنَاد أَرْبَعَة من التَّابِعين قريشيون مدنيون على نسق وَاحِد وهم من الزُّهْرِيّ إِلَى أبي بن كَعْب

(22/181)


ولمروان وَعبد الرَّحْمَن مزية إِدْرَاك النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ولكنهما من حَيْثُ الرِّوَايَة معدودان من التَّابِعين والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه جَمِيعًا فِي الْأَدَب عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن الْمُبَارك عَن يُونُس بن يزِيد عَن الزُّهْرِيّ بِهِ قَوْله حِكْمَة قد مر تَفْسِيرهَا الْآن وَقيل أصل الْحِكْمَة الْمَنْع وَالْمعْنَى أَن من الشّعْر كلَاما نَافِعًا يمْنَع من السَّفه فَقَالَ ابْن التِّين مَفْهُومه أَن بعض الشّعْر لَيْسَ كَذَلِك لِأَن من تبعيضيه وَقَالَ ابْن بطال مَا كَانَ فِي الشّعْر وَالرجز ذكر الله تَعَالَى وتعظيمه ووحدانيته وإيثار طَاعَته والاستسلام لَهُ فَهُوَ حسن يرغب فِيهِ وَهُوَ المُرَاد فِي الحَدِيث بِأَنَّهُ حِكْمَة وَمَا كَانَ كذبا وفحشا فَهُوَ المذموم وَقَالَ الطَّبَرِيّ فِي هَذَا الحَدِيث رد على كَثْرَة الشّعْر مُطلقًا وَأخرج الطَّبَرِيّ عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة وَمن كبار التَّابِعين أَنهم قَالُوا الشّعْر وأنشدوه واستنشدوه وروى التِّرْمِذِيّ وَابْن أبي شيبَة من حَدِيث جَابر بن سَمُرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يتذاكرون الشّعْر وَحَدِيث الْجَاهِلِيَّة عِنْد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلَا ينهاهم وَرُبمَا تَبَسم
6146 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدّثنا سُفْيان عَنِ الأسْوَدِ بنِ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْت جُنْدَباً يَقُولُ: بَيْنَما النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَمْشِي إذْ أصابَهُ حَجَرٌ فَعَثَرَ فَدَميَتْ إصْبَعُهُ، فَقَالَ: هَلْ أَنْتَ إلاَّ إصْبَعٌ دَميتِ. وَفِي سَبِيلِ الله مَا لقِيتِ. (انْظُر الحَدِيث 2802) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن أبي عوَانَة.
قَوْله: (بَيْنَمَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يمشي) وَفِي رِوَايَة أبي عوَانَة: كَانَ فِي بعض الْمشَاهد، وَفِي رِوَايَة شُعْبَة عَن الْأسود: خرج إِلَى الصَّلَاة أخرجه الطَّيَالِسِيّ وَأحمد، وَفِي رِوَايَة ابْن عُيَيْنَة عَن الْأسود عَن جُنْدُب: كنت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي غَار. قَوْله: (فعثر) بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة والثاء الْمُثَلَّثَة أَي: سقط، يُقَال: عثر عثاراً من بَاب طلب. قَوْله: (فدميت إصبعه) بِفَتْح الدَّال وَكسر الْمِيم. قَالَ الْكرْمَانِي: أما التَّاء فَفِي الرجز مَكْسُورَة، وَفِي الحَدِيث سَاكِنة، وَقَالَ بَعضهم: فِيهِ نظر. قلت: فِي نظره نظر، لِأَن غَيره قَالَ: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، تعمد إسكانهما ليخرج الْقسمَيْنِ عَن الشّعْر، وَاخْتلف هَل قَالَه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم متمثلاً؟ أَو قَالَه من قبل نَفسه لإنشائه فَخرج مَوْزُونا؟ وَإِلَى الأول مَال الطَّبَرِيّ وَغَيره وَبِه جزم ابْن التِّين، وَقَالَ: إنَّهُمَا من شعر عبد الله بن رَوَاحَة، وَاخْتلف أَيْضا فِي جَوَاز تمثل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بالشعر وإنشاده حاكياً عَن غَيره، فَالصَّحِيح جَوَازه. وَقَالَ الطَّبَرِيّ: الصحي فِي ذَلِك أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتَمَثَّل أَحْيَانًا بِالْبَيْتِ، فَقَالَ:
(هَل أَنْت إِلَّا إِصْبَع)

إِلَى آخِره.
وَقَالَ: أصدق كلمة قَالَهَا الشَّاعِر:
أَلا كل شَيْء مِمَّا خلا الله بَاطِل
على مَا يَجِيء الْآن. وَقَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَمَثَّل من الْعشْر:
(ويأتيك بالأخبار من لم تزَود)

فَإِن قلت: قد رُوِيَ عَن جُبَير بن مطعم عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ إِذا افْتتح الصَّلَاة يستعيذ من الشَّيْطَان: من همزَة ونفخه ونفثه وَفَسرهُ عَمْرو بن مرّة رَاوِيه قَالَ: نفثه الشّعْر ونفخة الْكبر وهمزه الموته، أَي: الْجُنُون، وَرُوِيَ عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لما نزل إِبْلِيس إِلَى الأَرْض قَالَ: يَا رب! إجعل لي قُرْآنًا قَالَ: الشّعْر وَرُوِيَ ابْن لَهِيعَة عَن أبي قبيل المغافري، قَالَ: سَمِعت عبد الله ابْن عمر، يَقُول: من قَالَ ثَلَاثَة أَبْيَات من الشّعْر من تِلْقَاء نَفسه لم يدْخل الفردوس، وَقَالَ ابْن مَسْعُود: الشّعْر مَزَامِير الشَّيْطَان. قلت: قَالَ الطَّبَرِيّ: هَذِه أَخْبَار واهية) .

6147 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّار حَدثنَا ابنُ مَهْدِيّ حَدثنَا سُفْيانُ عَنْ عَبْدِ المَلِكِ حَدثنَا أبُو سَلَمَةَ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أصْدَقُ كَلِمَةٍ قالَها الشَّاعِرُ كَلِمَة لَبِيدٍ) .
ألاَ كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلاَ الله باطِلُ
وكادَ أُمَيَّةُ بنُ أبي الصَّلْتِ أنْ يُسْلِمَ. (انْظُر الحَدِيث 3841 وطرفه) .

(22/182)


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ تلفظ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالشعر وَشَيخ البُخَارِيّ هُوَ مُحَمَّد بن بشار بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الشين الْمُعْجَمَة، وَفِي بعض النّسخ صرح باسمه، وَابْن مهْدي هُوَ عبد الرَّحْمَن، وَعبد الْملك هُوَ ابْن عُمَيْر الْكُوفِي، وَأَبُو سَلمَة ابْن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
والْحَدِيث قد مضى فِي أَيَّام الْجَاهِلِيَّة عَن أبي نعيم.
قَوْله: (كلمة لبيد) ، بِفَتْح اللَّام وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وبالدال الْمُهْملَة ابْن ربيعَة بِفَتْح الرَّاء العامري الصَّحَابِيّ، عَاشَ مائَة وَأَرْبع وَخمسين سنة، مَاتَ فِي خلَافَة عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ. وَقَوله هَذَا من قصيدة من بَحر الطَّوِيل ذَكرنَاهَا بوجوهها فِي (شرح الشواهد الْأَكْبَر والأصغر) وَأُميَّة بن أبي الصَّلْت الثَّقَفِيّ وَاسم أبي الصَّلْت ربيعَة بن وهب بن علاج بن أبي سَلمَة من ثَقِيف، قَالَه الزبير بن بكار، وَقَالَ الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر: إسم أبي الصَّلْت عبد الله بن أبي ربيعَة بن عَوْف بن عقدَة أَبُو عُثْمَان، شَاعِر جاهلي، وَقيل: إِنَّه كَانَ صَالحا، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: إِنَّه كَانَ تنبأ فِي الْجَاهِلِيَّة فِي أول زَمَانه، وَأَنه كَانَ فِي أول أمره على الْإِيمَان ثمَّ زاغ عَنهُ، وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ الله بقوله: {واتل عَلَيْهِم نبأ الَّذِي آتيناه آيَاتنَا فانسلخ مِنْهَا} (الْأَعْرَاف: 175) الْآيَة. قلت: الْمَشْهُور أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي بلعم بن باعوراء وَفِي الْمرْآة، وَكَانَ شعر أُميَّة ينشد بَين يَدي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيُعْجِبهُ. وَقَالَ هِشَام: كَانَ أُميَّة قد آمن برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ بِالشَّام فَقدم الْحجاز ليَأْخُذ مَاله من الطَّائِف ويهاجره، فَلَمَّا نزل ببدر قيل لَهُ: إِلَى أَيْن يَا أَبَا عُثْمَان؟ فَقَالَ: إِلَى الطَّائِف آخذ مَالِي وأعود إِلَى الْمَدِينَة اتبع مُحَمَّدًا، فَقيل لَهُ: هَل تَدْرِي مَا فِي هَذَا القليب؟ قَالَ: لَا. قيل: فِيهِ شيبَة وَعتبَة ابْنا خَالك، وَفِيه فلَان وَفُلَان ابْنا عمك، وعدو لَهُ أَقَاربه فجذع أنف نَاقَته وهلب ذنبها وشق ثِيَابه وَبكى، فَذهب إِلَى الطَّائِف وَمَات بهَا، وَذكر فِي (الْمرْآة) وَفَاته فِي السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة.

6148 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حَدثنَا حاتِمُ بنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ يَزِيدَ بن أبي عُبَيْدٍ عَنْ سَلمَةَ ابنِ الأكوَعِ قَالَ: خَرَجْنا مَعَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى خَيْبَرَ فَسِرْنا لَيْلاً فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ لِعامِرِ بنِ الأكْوَعِ: أَلا تُسْمِعُنا مِنْ هُنَيْهاتِكَ؟ قَالَ: وَكَانَ عامِرٌ رجلا شَاعِرًا، فَنزل يَحْدُو بالقَوْمِ يَقُولُ:
(اللَّهُمَّ لَوْلا أنْتَ مَا اهْتَدَيْنا ... وَلَا تَصَدَّقْنا وَلَا صَلَّيْنا)

(فاغْفِرْ فِدَاءً لَكَ مَا اقْتَفَيْنا ... وَثَبِّتِ الأقْدَامَ إنْ لَا فَيْنا)

(وألْقِيَنْ سَكِينَةً عَلَيْنا ... إِنَّا إذَا صِيحَ بِنا أتَيْنا)

وبالصِّياحِ عَوَّلوا عَلَيْنا
فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَنْ هاذَا السّائِقُ؟ قالُوا: عامِرُ بنُ الأكْوَعِ فَقَالَ: يَرْحَمُهُ الله. فَقَالَ رجلٌ مِنَ القَوْمِ: وَجَبَتْ يَا نَبِيَّ الله، لَوْلا أمْتَعْتَنَا بِهِ. قَالَ: فأتَيْنا خَيْبَرَ فَحاصَرْناهُمْ حَتَّى أصابَتْنَا مَخْمَصَة شَدِيدَةٌ، ثُمَّ إنَّ الله فَتَحَها عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا أمْسَى النَّاسُ اليَوْمَ الَّذِي فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ أوْقَدُوا نِيرَاناً كَثِيرَة، فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا هاذِهِ النِّيرَانُ؟ عَلَى أيِّ شَيْءٍ تُوقِدُونَ؟ قَالُوا: عَلَى لَحْمٍ. عَلَى أيِّ لَحْمٍ؟ قالُوا: عَلَى لَحْمِ حُمُر إنْسِيَّةٍ، فَقَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أهْرِقُوها واكْسِرُوها. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رسولَ الله! أوْ نُهَرِيقُها ونَغْسِلُها؟ قَالَ: أوْ ذَاكَ، فَلَمَّا تَصافَّ القَوْمُ كانَ سَيْفُ عامِر فِيهِ قِصَرٌ فَتَنَاوَلَ بِهِ يَهُودِيًّا لِيَضْرِبَهُ وَيَرْجِعُ ذُ بابُ سَيْفِهِ، فأصابَ رُكْبَة عامِرٍ فَماتَ مِنْهُ، فَلَمَّا قَفَلُوا قَالَ سلَمةُ: رَآنِي رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شاحباً فَقَالَ لي: مَا لَكَ؟ فَقُلْتُ: فِدًى لكَ أبي وأُمِّي، زَعَمُوا أنَّ عامِراً حَبِطَ عَمَلُهُ. قَالَ: مَنْ قالَهُ؟ قُلْتُ: قالَهُ فُلاَنٌ وفُلانٌ وفُلاَنٌ وأُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ الأنْصارِيُّ، فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:

(22/183)


كَذَبَ مَنْ قَالَهُ، إِنَّ لَهُ لأجْرَيْنِ، وَجَمَعَ بَيْنَ إصْبَعَيْهِ إِنَّهُ لَجاهِدٌ مُجاهِدٌ، قَلَّ عَرَبِي نَشأ بِها مِثْلَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لاشْتِمَاله على الشّعْر والرجوز والحداء. وحاتم بن إِسْمَاعِيل الْكُوفِي سكن الْمَدِينَة، وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن أبي عبيد مولى سَلمَة بن الْأَكْوَع.
والْحَدِيث مضى فِي: بَاب غَزْوَة خَيْبَر، الحَدِيث الثَّانِي مِنْهُ أخرجه عَن عبد الله بن مسلمة عَن حَاتِم بن إِسْمَاعِيل ... إِلَى آخِره، وَبَين المتنين تفَاوت بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَان.
قَوْله: (خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَهُنَاكَ: مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (أَلاَ تسمعنا؟) من الإسماع. قَوْله: (من هنيهاتك) جمع هنيهة، ويروى: هنياتك، بتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف بعد النُّون. قَالَ الْكرْمَانِي: جمع الهنية مصغر الهنة إِذا صلها: هنو، وَهِي الشَّيْء الصَّغِير المُرَاد بهما الأراجيز. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: هن على وزن: أَخ، كلمة كِنَايَة وَمَعْنَاهُ: شَيْء، وَأَصله هنو. وَتقول للْمَرْأَة: هنة، وتصغيرها. هنيَّة، تردها إِلَى الأَصْل وَتَأْتِي بِالْهَاءِ، وَقد تبدل من الْيَاء الثَّانِيَة هَاء، فَنَقُول: هنيهة، وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي حَدِيث ابْن الْأَكْوَع وَلَا تسمعنا من هناتك، أَي: من كلماتك أَو من أراجيزك، وَفِي رِوَايَة: من هنياتك على التصغير، وَفِي أُخْرَى: من هنيهاتك، على قلب الْيَاء هَاء. قَوْله: (شَاعِرًا) ويروى: حداء. قَوْله: (يَحْدُو) أَي: يَسُوق. قَوْله: (اللَّهُمَّ) هَكَذَا الرِّوَايَة، قَالَ الْكرْمَانِي: وَالْمَوْزُون: لَا هم، وَقَالَ ابْن التِّين: هَذَا لَيْسَ بِشعر وَلَا رجز لِأَنَّهُ لَيْسَ بموزون، وَقَالَ بَعضهم: لَيْسَ كَمَا قَالَ بل هُوَ رجز مَوْزُون، وَإِنَّمَا زيد فِي أَوله سَبَب خَفِيف وَيُسمى الخزم بالمعجمتين. قَوْله: (فدَاء لَك) بِكَسْر الْفَاء وبالمد والتنوين أَي: لِرَسُولِك، وَقَالَ الْمَازرِيّ: لَا يُقَال لله تَعَالَى: فدَاء لَك، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يسْتَعْمل فِي مَكْرُوه يتَوَقَّع حُلُوله للشَّخْص فيختار شخص آخر أَن يحل ذَلِك بِهِ ويفديه مِنْهُ، فَهُوَ إِمَّا مجَاز عَن الرِّضَا كَأَن قَالَ: نَفسِي مبذولة لرضاك، أَو هَذِه الْكَلِمَة وَقعت فِي الْبَين خطابا لسامع الْكَلَام، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَلَفظ: فدى، مَمْدُود ومقصور ومرفوع ومنصوب، وَقَالَ ابْن بطال: فدى لَك، أَي: من عنْدك فَلَا تعاقبني، وَاللَّام للتبيين نَحْو لَام: هيت لَك. قَوْله: (مَا اقتفينا) أَي: اتَّبعنَا أمره ومادته قَاف وَفَاء، وَفِي الْمَغَازِي: مَا أبقينا من الْإِبْقَاء ومادته بَاء وقاف أَي: أفدنا من عقابك فدَاء مَا أبقينا من الذُّنُوب، أَي: مَا تَرَكْنَاهُ مَكْتُوبًا علينا، وروى: مَا اتقينا، من الاتقاء، وَمَا اقتنينا من الاقتناء، ويروى: مَا آتَيْنَا من الْإِتْيَان. قَوْله: (أَبينَا) من الإباء عَن الْفِرَار أَو عَن الْبَاطِل. قَوْله: (وبالصياح عولوا علينا) ، أَي: حملُوا علينا بالصياح لَا بالشجاعة، قَالَ الْكرْمَانِي: قد تقدم فِي الْجِهَاد أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ يَقُولهَا فِي حفر الخَنْدَق، وَأَنَّهَا من أراجيز ابْن رَوَاحَة، ثمَّ أجَاب بِأَنَّهُ لَا مُنَافَاة فِي وُقُوع الْأَمريْنِ وَلَا مَحْذُور أَن يَحْدُو الشَّخْص بِشعر غَيره. قَوْله: (وَجَبت) ، أَي: الشَّهَادَة وَقَالَ أَبُو عمر: كَانُوا قد عرفُوا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا اسْتغْفر لأحد عِنْد الْوَقْعَة وَفِي الْمشَاهد يستشهد الْبَتَّةَ، فَلَمَّا سمع عمر رَضِي الله عَنهُ ذَلِك قَالَ: يَا رَسُول الله لَوْلَا أمتعتنا بعامر أَي: لَو تركته لنا فبارز يومئذٍ فَرجع سَيْفه على سَاقه فَقطع كحله فَمَاتَ مِنْهَا. قَوْله: (جمر) بِضَمَّتَيْنِ جمع حمَار. قَوْله: (إنسية) بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون النُّون وبفتحهما وَهُوَ من بَاب إِضَافَة الْمَوْصُوف إِلَى صفته. قَوْله: (أهريقوها) ويروى: هريقوها، أَي: أريقوها، فَفِي الرِّوَايَة الأولى الْهَاء زَائِدَة، وَفِي الثَّانِيَة منقلبة عَن الْهمزَة. قَوْله: (أَو ذَاك) أَي: أهريقوها واغسلوها. قَوْله: (وَيرجع) بِالرَّفْع. قَوْله: (ذُبَاب سَيْفه) أَي: طرفه. قَوْله: (شاحباً) أَي: متغير اللَّوْن، يُقَال شحب يشحب سحوباً فَهُوَ شاحب، وَقَالَ صَاحب التَّوْضِيح: وَلَا يَصح أَن يكون بِالْجِيم كَمَا قَالَه ابْن التِّين، وَلَيْسَت هَذِه اللَّفْظَة فِي رِوَايَة الْمَغَازِي. قَوْله: (حَبط) بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: بَطل عمله. قَوْله: (وَأسيد) بِضَم الْهمزَة وَفتح السِّين مصغر أَسد بن الْحضير بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الضَّاد الْمُعْجَمَة. قَوْله: (إِن لَهُ لأجرين) وهما: أجر الْجهد فِي الطَّاعَة، وَأجر المجاهدة فِي سَبِيل الله، وَقيل: أحد الأجرين مَوته فِي سَبِيل الله، وَالْآخر لما كَانَ يَحْدُو بِهِ الْقَوْم من شعره وَيَدْعُو الله فِي ثباتهم عِنْد لِقَاء عدوهم. قَوْله: (لجاهد مُجَاهِد) كِلَاهُمَا بِلَفْظ إسم الْفَاعِل، الأول من الثلاثي، وَالثَّانِي من الْمَزِيد فِيهِ، وَالْمعْنَى: لجاهد فِي الْأجر وَمُجاهد للْمُبَالَغَة فِيهِ، يَعْنِي: مبالغ فِي سَبِيل الله، ويروى بِلَفْظ الْمَاضِي فِي الأول وبلفظ جمع المجهدة فِي الثَّانِي. قَوْله: (قل عَرَبِيّ نَشأ بهَا) قل عَرَبِيّ نَشأ فِي الدُّنْيَا بِهَذِهِ الْخصْلَة، وَالْهَاء عَائِدَة إِلَى الْحَرْب أَو بِلَاد الْعَرَب، أَي: قَلِيل من الْعَرَب نَشأ بهَا.

(22/184)


6149 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا إسْمَاعِيلُ حَدثنَا أيُّوبُ عَنْ أبِي قِلاَبَةَ عَنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَتَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى بَعْضِ نِسائِهِ وَمَعَهُنَّ أُمُّ سُلَيْمٍ، فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا أَنْجَشَةُ رُوَيْدَكَ سَوْقاً بالقَوَارِيرِ، قَالَ أبُو قِلاَبَةَ: فَتَكَلَّمَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِكَلِمَةٍ لَوْ تَكَلَّمَ بِهَا بَعْضُكُمْ لَعِبْتُمُوها عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: سَوْقَكَ بالقوَارِيرِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ حدو أَنْجَشَة بِالنسَاء. وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن علية، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَأَبُو قلَابَة بِكَسْر الْقَاف عبد الله بن زيد الْجرْمِي.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن أبي الرّبيع الزهْرَانِي وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن قُتَيْبَة بِهِ.
قَوْله: (أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على بعض نِسَائِهِ) فِي رِوَايَة حَمَّاد بن زيد على مَا يَأْتِي عَن أَيُّوب: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ فِي سفر، وَفِي رو اية شُعْبَة عَن ثَابت عَن أنس: كَانَ فِي منزله فحدا الْحَادِي، وَأخرجه النَّسَائِيّ والإسماعيلي من طَرِيق شبة بِلَفْظ: وَكَانَ مَعَهم سائق وحاد، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن ثَابت عَن أنس رَضِي الله عَنهُ كَانَ أَنْجَشَة يَحْدُو بِالنسَاء وَكَانَ الْبَراء بن مَالك يَحْدُو بِالرِّجَالِ، وَفِي رِوَايَة قَتَادَة عَن أنس كَانَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حادٍ يُقَال لَهُ أَنْجَشَة. وَكَانَ حسن الصَّوْت، وَفِي رِوَايَة وهيب: وأنجشة غُلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَسُوق بِهن، وَفِي رِوَايَة حميد عَن أنس: فَاشْتَدَّ بِهن فِي السِّيَاقَة، أخرجهَا أَحْمد عَن ابْن أبي عدي عَنهُ. قَوْله: (ومعهن أم سليم) بِضَم السِّين وَفتح اللَّام وَهِي أم أنس رَضِي الله عَنهُ وَفِي رِوَايَة وهيب عَن أَيُّوب كَمَا سَيَأْتِي: كَانَت أم سليم فِي النَّقْل وَفِي رِوَايَة سُلَيْمَان التَّيْمِيّ عَن أنس: كَانَت أم سليم مَعَ نسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخرجه مُسلم من طَرِيق يزِيد بن زُرَيْع، وَحكى عِيَاض أَن فِي رِوَايَة السَّمرقَنْدِي فِي مُسلم: أم سَلمَة، بدل: أم سليم. قيل: إِنَّه تَصْحِيف لِأَن الرِّوَايَات تظاهرت بِأَنَّهَا أم سليم. قَوْله: (وَيحك) قد مر غير مرّة أَن كلمة: وَيحك، كلمة ترحم وتوجع يُقَال لمن يَقع فِي أَمر لَا يسْتَحقّهُ، وانتصابه على المصدرية، وَقد ترفع وتضاف وَلَا تُضَاف، يُقَال: وَيْح زيد وويحاً لَهُ وويح لَهُ. قَوْله: (يَا أَنْجَشَة) بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون النُّون وَفتح الْجِيم وبالشين الْمُعْجَمَة ثمَّ بهاء التَّأْنِيث، وَوَقع فِي رِوَايَة وهيب: يَا أنجش بالترخيم. قَالَ البلاذري: كَانَ أَنْجَشَة حَبَشِيًّا يكنى أَبَا مَارِيَة. وَفِي التَّوْضِيح: أَنْجَشَة غُلَام أسود للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَكرُوهُ فِي الصَّحَابَة. قلت: ذكره أَبُو عمر فِي الِاسْتِيعَاب: أَنْجَشَة العَبْد الْأسود كَانَ يَسُوق أَو يَقُود بنساء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَام حجَّة الْوَدَاع، وَكَانَ حسن الصَّوْت وَكَانَ إِذا حدا اعتنقت الْإِبِل فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا أَنْجَشَة رويدك بِالْقَوَارِيرِ. وَأخرج الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث وَاثِلَة أَنه كَانَ مِمَّن نفاهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من المخنثين. قَوْله: (رويدك) كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة سُلَيْمَان التَّيْمِيّ: رويداً، وَفِي رِوَايَة شُعْبَة: أرْفق، وَوَقع فِي رِوَايَة حميد: رويدك أرْفق، جمع بَينهمَا، وَوَقع فِي رِوَايَة عَن حميد كَذَاك: سوقك، وَهِي بِمَعْنى: كَفاك. وَقَالَ عِيَاض: رويداً مَنْصُوب على أَنه صفة لمَحْذُوف أَي: سُقْ سوقاً رويداً، أَو: أحد حدواً رويداً، أَو على الْمصدر أَي: أرود رويداً مثل: أرْفق رفقا، أَو على الْحَال أَي: سر رويداً، ورويدك مَنْصُوب على الإغراء أَو مفعول بِفعل مُضْمر أَي: إلزم رفقك. وَقَالَ الرَّاغِب: رويداً من أرود يرود كأمهل يُمْهل، وَزنه وَمَعْنَاهُ، وَهُوَ من الرود بِفَتْح أول وَسُكُون ثَانِيه، وَهُوَ الترود فِي طلب الشَّيْء بِرِفْق راد وارتاد، والرائد طَالب الْكلأ، ورادت الْمَرْأَة ترود إِذا مشت على هينتها، وَقَالَ الرامَهُرْمُزِي: رويداً تَصْغِير رَود، وَهُوَ مصدر فعل الرائد وَهُوَ الْمَبْعُوث فِي طلب الشَّيْء، وَلم يسْتَعْمل فِي معنى المهلة إلاَّ مُصَغرًا. قَالَ: وَذكر صَاحب (الْعين) أَنه إِذا أُرِيد بِهِ معنى الترديد فِي الْوَعيد لم ينون. قَوْله: (سوقك) كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة حميد: سيرك، وَهُوَ بِالنّصب على نزع الْخَافِض، أَي: أرْفق فِي سوقك، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: رويد أَي أرْفق، وسوقك مفعول بِهِ، وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم: سوقاً، وَقيل: رويدك إِمَّا مصدر وَالْكَاف فِي مَحل خفض، وَإِمَّا إسم فعل وَالْكَاف حرف خطاب، وسوقك بِالنّصب على الْوَجْهَيْنِ، وَالْمرَاد بِهِ حدوك إطلاقاً لإسم الْمُسَبّب على السَّبَب. وَقَالَ ابْن مَالك: رويدك إسم فعل بِمَعْنى أرود أَي: أمْهل وَالْكَاف الْمُتَّصِلَة بِهِ حرف الْخطاب وفتحة داله بنائية، وَلَك أَن تجْعَل

(22/185)


رويدك مصدرا مُضَافا إِلَى الْكَاف ناصبها سوقك وفتحة داله على هَذَا إعرابية. قَوْله: (بِالْقَوَارِيرِ) جمع قَارُورَة من الزّجاج سميت بهَا لاستقرار الشَّرَاب فِيهَا، وَفِي رِوَايَة هِشَام عَن قَتَادَة: رويدك سوقك وَلَا تكسر الْقَوَارِير، وَزَاد حَمَّاد فِي رِوَايَته عَن أَيُّوب، قَالَ أَبُو قلَابَة يَعْنِي: النِّسَاء، وَفِي رِوَايَة همام عَن قَتَادَة: لَا تكسر الْقَوَارِير، قَالَ قَتَادَة: يَعْنِي ضعفة النِّسَاء. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: شبه النِّسَاء بِالْقَوَارِيرِ من الزّجاج لِأَنَّهُ يسْرع إِلَيْهَا الْكسر وَكَانَ أَنْجَشَة يَحْدُو وينشد القريض وَالرجز فَلم يَأْمَن أَن يصيبهن أَو يَقع فِي قلوبهن حداؤه، فَأمره بالكف عَن ذَلِك، وَفِي الْمثل: الْغناء رقية الزِّنَا، وَقيل: أَرَادَ أَن الْإِبِل إِذا سَمِعت الحداء أسرعت فِي الْمَشْي واشتدت فأزعجت الرَّاكِب وأتعبته، فَنَهَاهُ عَن ذَلِك لِأَن النِّسَاء يضعفن من شدَّة الْحَرَكَة. وَقَالَ الرامَهُرْمُزِي: كنى عَن النِّسَاء بِالْقَوَارِيرِ لرقتهن وضعفهن عَن الْحَرَكَة، وَالنِّسَاء يشبهن بِالْقَوَارِيرِ فِي الرقة واللطافة وَضعف البنية، وَقيل: سقهن كسوقك الْقَوَارِير لَو كَانَت مَحْمُولَة على الْإِبِل، وَقيل: شبههن بِالْقَوَارِيرِ لسرعة انقلابهن عَن الرِّضَا وَقلة دوامهن على الْوَفَاء كالقوارير يسْرع إِلَيْهَا الْكسر وَلَا تقبل الْجَبْر، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: هِيَ اسْتِعَارَة لِأَن الْمُشبه بِهِ غير مَذْكُور، والقرينة حَالية لَا مقالية، وَلَفظ الْكسر ترشيح لَهَا. قَوْله: (قَالَ أَبُو قلَابَة) هُوَ الرَّاوِي عَن أنس: تكلم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِكَلِمَة، وَهِي سوق الْقَوَارِير قَوْله: (لَو تكلم بهَا) أَي: بِهَذِهِ الْكَلِمَة: بَعْضكُم لعبتموها عَلَيْهِ، أَي: على الَّذِي تكلم بهَا. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: هَذِه اسْتِعَارَة لَطِيفَة بليغة فَلم تعاب؟ قلت: لَعَلَّه نظر إِلَى أَن شَرط الِاسْتِعَارَة أَن يكون وَجه الشّبَه جلياً بَين الأقوام وَلَيْسَ بَين القارورة وَالْمَرْأَة وَجه الشّبَه ظَاهرا، وَالْحق أَنه كَلَام فِي غَايَة الْحسن وَالسَّلَام عَن الْعُيُوب وَلَا يلْزم فِي الِاسْتِعَارَة أَن يكون جلاء الْوَجْه من حَيْثُ ذاتهما بل يَكْفِي الْجلاء الْحَاصِل من الْقَرَائِن الجاعلة للْوَجْه جلياً ظَاهرا كَمَا فِي المبحث، وَيحْتَمل أَن يكون قصد أبي قلَابَة أَن هَذِه الِاسْتِعَارَة تحسن من مثل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي البلاغة، وَلَو صدرت مِمَّن لَا بلاغة لَهُ لعبتموها، وَهَذَا هُوَ اللَّائِق بِمنْصب أبي قلَابَة، وَالله أعلم.

91 - (بابُ هِجاءِ المُشْرِكِينَ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز الهجاء للْمُشْرِكين، وروى أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان وَصَححهُ من حَدِيث أنس رَضِي الله عَنهُ رَفعه: جاهدوا الْمُشْركين بألسنتكم، وروى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث عمار بن يَاسر: لما هجانا الْمُشْركُونَ قَالَ لنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قُولُوا لَهُم كَمَا يَقُولُونَ لكم فَإِن كُنَّا لنعلمه إِمَاء أهل الْمَدِينَة، فلأجل ذَلِك وضع البُخَارِيّ هَذِه التَّرْجَمَة وَأَشَارَ بهَا إِلَى أَن بعض الشّعْر قد يكون مُسْتَحبا والهجاء والهجو بِمَعْنى وَهُوَ الذَّم فِي الشّعْر، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الهجاء خلاف الْمَدْح وَقد هجوته هجواً وهجاء وتهجاء فَهُوَ مهجو، وَلَا تقل هجيته.

6150 - حدَّثنا مُحَمَّدٌ حَدثنَا عَبْدَةُ أخبرنَا هِشامٌ بنُ عُرْوَةَ عَنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قالَتْ: اسْتأذَنَ حَسَّانُ بنُ ثابتٍ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي هِجاءِ المُشْرِكِينَ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَكَيْفَ بنَسَبي؟ فَقَالَ حَسَّانُ: لأسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعَرَةُ مِنَ العَجِينِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَمُحَمّد هُوَ ابْن سَلام، وَعَبدَة بِفَتْح الْعين وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة هُوَ ابْن سُلَيْمَان.
والْحَدِيث مضى فِي الْمَغَازِي عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة. وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن عُثْمَان أَيْضا.
قَوْله: (فَكيف بنسبي؟) أَي: كَيفَ تهجوهم ونسبي الْمُهَذّب الشريف فيهم؟ فَرُبمَا يُصِيبنِي من الهجو نصيب. قَوْله: (لأسلنك) أَي: لَا تلطفن فِي تَخْلِيص نسبك من هجوهم بِحَيْثُ لَا يبْقى جُزْء من نسبك فِيمَا ناله الهجو كالشعرة إِذا انسلت من الْعَجِين لَا يبْقى شَيْء مِنْهُ عَلَيْهَا.
وعَنْ هِشامِ بنِ عُرْوَةَ عَنْ أبِيهِ قَالَ: ذَهَبْتُ أسُبُّ حَسَّانَ عِنْدَ عائِشَةَ فقالَتْ: لَا تَسُبُّهُ فإِنَّهُ كانَ يُنافِحُ عَنْ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
هَذَا مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور. قَوْله: (ذهبت أسب حسان) لِأَنَّهُ كَانَ مُوَافقا لأهل الْإِفْك. قَوْله: (ينافح) بِالْحَاء الْمُهْملَة أَي: يدافع عَنهُ ويخاصم عَنهُ، والمنافح المدافع، يُقَال: نافحت عَن فلَان أَي: دافعت عَنهُ.

(22/186)


6151 - حدَّثنا أصْبَغُ قَالَ: أَخْبرنِي عَبْدُ الله بنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبرنِي يُونُسُ عَنِ ابنِ شِهابٍ أنَّ الهَيْثَمَ بنَ أبي سِنانٍ أخْبَرَهُ أنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ فِي قصَصِهِ يَذْكُر النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: إنَّ أَخا لَكُمْ لَا يَقُولُ الرَّفَثَ، يَعْنِي بِذَاكَ ابنَ رَوَاحَةَ، قَالَ:
(وَفِينَا رَسُولُ الله يَتْلُوا كِتابَهُ ... إذَا انْشَقَّ مَعْرُوفٌ مِنَ الفَجْرِ سَاطِعُ)

(أرَانا الهُدَى بَعْدَ العَمَى فَقُلُوبُنا ... بِهِ مُوقناتٌ أنَّ مَا قَالَ واقِعُ)

(يَبِيتُ يُجافِي جَنْبَهُ عَنْ فِرَاشِهِ ... إِذَا اسْتَثْقَلَتْ بالْكَافِرِينَ المَضاجِعُ)

(انْظُر الحَدِيث 1155) .

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله:
إِذا استثقلت بالكافرين الْمضَاجِع
فَإِن هَذَا ذمّ لَهُم وَهُوَ عين الهجو. وإصبغ بالغين الْمُعْجَمَة ابْن الْفرج أَبُو عبد الله الْمصْرِيّ وَهُوَ من أَفْرَاده، والهيثم بِفَتْح الْهَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة ابْن سِنَان بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف النُّون الأولى.
والْحَدِيث مضى فِي التَّهَجُّد فِي: بَاب فضل من تعار من اللَّيْل فصلى، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن يُونُس عَن ابْن شهَاب ... الخ.
قَوْله: (فِي قصصه) بِفَتْح الْقَاف وَكسرهَا فبالفتح الإسم وبالكسر جمع قصَّة والقص فِي الأَصْل الْبَيَان. قَوْله: (الرَّفَث) أَي: الْفُحْش. قَوْله: (ابْن رَوَاحَة) هُوَ عبد الله بن رَوَاحَة والأبيات الْمَذْكُورَة من الْبَحْر الطَّوِيل، والساطع الْمُرْتَفع، والعمى الضلال. قَوْله: (بالكافرين) فِي رِوَايَة الْكشميهني: بالمشركين. قَوْله: (استثقلت) من الثّقل بالثاء الْمُثَلَّثَة وَالْقَاف، وَفِي الْبَيْت الأول إِشَارَة إِلَى علم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي الثَّالِث إِلَى عمله فَهُوَ كَامِل علما وَعَملا، وَفِي الثَّانِي إِلَى تَكْمِيل الْغَيْر فَهُوَ كَامِل مكمل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
تابَعَهُ عُقَيْلٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ
أَي: تَابع يُونُس عقيل بِضَم الْعين ابْن خَالِد فِي رِوَايَته الحَدِيث الْمَذْكُور عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَقد مر بَيَان مُتَابَعَته فِي التَّهَجُّد فِي الْبَاب الْمَذْكُور هُنَاكَ.
وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ: عَن الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ والأعْرَجِ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ
الزبيدِيّ بِضَم الزَّاي وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالدال الْمُهْملَة هُوَ مُحَمَّد بن الْوَلِيد الشَّامي صَاحب الزُّهْرِيّ، وَسَعِيد هُوَ ابْن الْمسيب، والأعرج هُوَ عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز وَهَذَا أَيْضا قد مر فِي التَّهَجُّد فِي الْبَاب الْمَذْكُور.

175 - (حَدثنَا أَبُو الْيَمَان أخبرنَا شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ ح وَحدثنَا إِسْمَاعِيل قَالَ حَدثنِي أخي عَن سُلَيْمَان عَن مُحَمَّد بن أبي عَتيق عَن ابْن شهَاب عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَنه سمع حسان بن ثَابت الْأنْصَارِيّ يستشهد أَبَا هُرَيْرَة فَيَقُول يَا أَبَا هُرَيْرَة نشدتك بِاللَّه هَل سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول يَا حسان أجب عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اللَّهُمَّ أيده بِروح الْقُدس قَالَ أَبُو هُرَيْرَة نعم) مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله أجب عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأخرجه من طَرِيقين أَحدهمَا عَن أبي الْيَمَان الحكم بن نَافِع عَن شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ وَالْآخر عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس عَن أَخِيه عبد الحميد عَن سُلَيْمَان بن بِلَال عَن مُحَمَّد بن أبي عَتيق واسْمه مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ التَّيْمِيّ الْقرشِي الْمدنِي عَن ابْن شهَاب إِلَى آخِره والْحَدِيث قد مضى فِي الصَّلَاة فِي بَاب الشّعْر فِي الْمَسْجِد قَوْله نشدتك بِاللَّه أَي أَقْسَمت عَلَيْك بِاللَّه وَسَأَلْتُك بِهِ قَوْله أجب أَي دافعا عَنهُ قَوْله أيده من التأييد وَهُوَ التقوية قَوْله بِروح الْقُدس بِضَم الدَّال وسكونها هُوَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام

(22/187)


6153 - حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْب حَدثنَا شُعْبَةُ عَن عُدَيِّ بنِ ثابِتٍ عنِ البَرَاءِ رَضِي الله عَنهُ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ ل حَسَّانَ: أهْجُهُمْ أوْ قَالَ: هاجِهِمْ وجِبْرِيلُ مَعَكَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة والْحَدِيث مضى فِي بَدْء الْخلق عَن حَفْص بن عمر وَفِي الْمَغَازِي عَن حجاج بن منهال وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (أوهاجهم) شكّ من الرَّاوِي. قَوْله: (وَجِبْرِيل مَعَك) أَي: بالتأييد والمعاونة، وَقَالَ ابْن بطال: هجو الْكفَّار من أفضل الْأَعْمَال وَكفى بقوله: أللهم أيده فضلا وشرفاً للْعَمَل وَالْعَامِل بِهِ، وَهَذَا إِذا كَانَ جَوَابا عَن سبهم للْمُسلمين بِقَرِينَة مَا قَالَ: أجب.

92 - (بابُ مَا يُكْرَهُ أنْ يَكُونَ الغالِبَ عَلَى الإنْسَانِ الشِّعْرُ حَتَّى يَصُدَّهُ عَنْ ذِكْرِ الله والعِلْمِ والقُرْآنِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَرَاهَة كَون الْغَالِب على الْإِنْسَان الشّعْر حَتَّى يصده أَي: يمنعهُ عَن ذكر الله ومذاكرة الْعلم وَقِرَاءَة الْقُرْآن، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْغَالِب بِالرَّفْع وَالنّصب. قلت: أما الرّفْع فعلى أَن يكون إسم: كَانَ وَخَبره قَوْله: الشّعْر، وَأما النصب فعلى الْعَكْس، وَهُوَ أَن يكون الشّعْر هُوَ اسْمه وَالْغَالِب خَبره.

6154 - حدَّثنا عُبَيْدُ الله بنُ مُوسى أخبرنَا حَنْظَلَةُ عَنْ سالِمٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لأنْ يَمْتَلِىءَ جَوْفُ أحدِكُمْ قَيْحاً خَيْرٌ مِنْ أنْ يَمْتَلِىءَ شِعْراً.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من مَعْنَاهُ لِأَن امتلاء الْجوف بالشعر كِنَايَة عَن كَثْرَة الِاشْتِغَال بِهِ حَتَّى يكون وقته مُسْتَغْرقا بِهِ فَلَا يتفرغ لذكر الله، عز وَجل، وَلَا لقِرَاءَة الْقُرْآن وَتَحْصِيل الْعلم، وَهَذَا هُوَ المذموم. وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَن ذكر الله تَعَالَى وَقِرَاءَة الْقُرْآن والاشتغال بِالْعلمِ إِذا كَانَت غالبة عَلَيْهِ فَلَا يدْخل تَحت هَذَا الذَّم.
وَعبيد الله بن مُوسَى هُوَ أَبُو مُحَمَّد الْعَبْسِي الْكُوفِي، وحَنْظَلَة بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وَفتح الظَّاء الْمُعْجَمَة وباللام ابْن أبي سُفْيَان الجُمَحِي الْقرشِي من أهل مَكَّة وَاسم أبي سُفْيَان الْأسود، وَسَالم هُوَ ابْن عبد الله بن عمر يروي عَن أَبِيه.
والْحَدِيث أخرجه الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا يُونُس قَالَ: حَدثنَا ابْن وهب قَالَ: سَمِعت حَنْظَلَة قَالَ: سَمِعت سَالم بن عبد الله يَقُول: سَمِعت عبد الله بن عمر يحدث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مثله، وَهَذَا السَّنَد أقوى من سَنَد البُخَارِيّ على مَا لَا يخفى، وَيُونُس هُوَ ابْن عبد الْأَعْلَى الصَّدَفِي الْمصْرِيّ شيخ مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه.
قَوْله: (لِأَن يمتلىء) ، اللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد وَأَن مَصْدَرِيَّة وَهُوَ فِي مَحل الرّفْع على الِابْتِدَاء وَخَبره هُوَ قَوْله: (خير لَهُ) . قَوْله: (قَيْحا) نصب على التَّمْيِيز وَهُوَ الصديد الَّذِي يسيل من الدمل وَالْجرْح، وَيُقَال: هُوَ الْمدَّة الَّتِي لَا يخالطها الدَّم، وروى الطَّحَاوِيّ أَيْضا بِإِسْنَادِهِ عَن عَمْرو بن حُرَيْث عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (لِأَن يمتلىء جَوف أحدكُم قَيْحا خير لَهُ من أَن يمتلىء مشعراً) . وَأخرجه الْبَزَّار ثمَّ قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث قد رَوَاهُ غير وَاحِد عَن إِسْمَاعِيل عَن عَمْرو بن حُرَيْث عَن عمر رَضِي الله عَنهُ مَوْقُوفا، وَلَا نعلم أحدا أسْندهُ إلاَّ خَلاد عَن سُفْيَان، وَأخرجه ابْن أبي شيبَة أَيْضا مَوْقُوفا، وَأخرج الطَّحَاوِيّ أَيْضا بِإِسْنَادِهِ من حَدِيث مُحَمَّد بن سعد عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لِأَن يمتلىء جَوف أحدكُم قَيْحا حَتَّى يرِيه، خير لَهُ من أَن يمتلىء مشعراً) . وَأخرجه مُسلم أَيْضا، وروى الطَّحَاوِيّ أَيْضا عَن أبي هُرَيْرَة على مَا نذكرهُ عَن قريب، وروى أَيْضا من حَدِيث عَوْف بن مَالك، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُول: (لِأَن يمتلىء جَوف أحدكُم من عانته إِلَى لهاته قَيْحا يتخضخض، خير لَهُ من أَن يمتلىء شعرًا) ، وَلما أخرج التِّرْمِذِيّ حَدِيث سعد بن أبي وَقاص رَضِي الله عَنهُ قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن أبي سعيد وَأبي الدَّرْدَاء. قلت: حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ أخرجه مُسلم قَالَ: بَيْنَمَا نَحن نسير مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بالعرج إِذْ عرض علينا شَاعِر ينشد، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (احْذَرُوا الشَّيْطَان أَو أَمْسكُوا الشَّيْطَان لِأَن يمتلىء جَوف رجل قَيْحا خير لَهُ من أَن يمتلىء مشعراً) . وَحَدِيث أبي الدَّرْدَاء أخرجه الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث خَالِد بن معدان عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ:

(22/188)


قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لِأَن يمتلىء جَوف أحدكُم قَيْحا خير لَهُ من أَن يمتلىء شعرًا) . وَلما أخرج الطَّحَاوِيّ الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة قَالَ: فكره قوم رِوَايَة الشّعْر وَاحْتَجُّوا بِهَذِهِ الْآثَار. قلت: أَرَادَ بالقوم هَؤُلَاءِ مسروقاً وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَسَالم بن عبد الله وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَعَمْرو بن شُعَيْب فَإِنَّهُم قَالُوا: يكره رِوَايَة الشّعْر وإنشاده، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِهَذِهِ الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة، وَرُوِيَ ذَلِك عَن عمر بن الْخطاب وَابْنه عبد الله وَسعد بن أبي وَقاص وَعبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنْهُم ثمَّ قَالَ الطَّحَاوِيّ: وَخَالفهُم فِي ذَلِك آخَرُونَ، فَقَالُوا: لَا بَأْس بِرِوَايَة الشّعْر الَّذِي لَا قذع فِيهِ. قلت: أَرَادَ بالآخرين: الشّعبِيّ وعامر بن سعد وَمُحَمّد بن سِيرِين وَسَعِيد بن الْمسيب وَالقَاسِم والقوري وَالْأَوْزَاعِيّ وَأَبا حنيفَة ومالكاً وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأَبا يُوسُف ومحمداً وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَأَبا ثَوْر وَأَبا عبيد، فأنهم قَالُوا: لَا بَأْس بِرِوَايَة الشّعْر الَّذِي لَيْسَ فِيهِ هجاء وَلَا نكت عرض أحد من الْمُسلمين وَلَا فحش، وَرُوِيَ ذَلِك عَن أبي بكر الصّديق وَعلي بن أبي طَالب والبراء بن عَازِب وَأنس بن مَالك وَعبد الله بن عَبَّاس وَعَمْرو بن الْعَاصِ وَعبد الله بن الزبير وَمُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَعمْرَان بن الْحصين وَالْأسود بن سريع وَعَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ. قَوْله: (لَا قذع فِيهِ) ، بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة وبعين مُهْملَة وَهُوَ الْفُحْش والخنى، ثمَّ أجَاب الطَّحَاوِيّ عَن الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة بِمَا ملخصه، قيل لعَائِشَة: إِن أَبَا هُرَيْرَة يَقُول: (لِأَن يمتلىء جَوف أحدكُم قَيْحا خير لَهُ من أَن يمتلىء مشعراً) ، فَقَالَت عَائِشَة: يرْجم الله أَبَا هُرَيْرَة، حفظ أول الحَدِيث وَلم يحفظ آخِره: (إِن الْمُشْركين كَانُوا يَهْجُونَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: لِأَن يمتلىء جَوف أحدكُم قَيْحا خير لَهُ من أَن يمتلىء شعرًا من مهاجاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) . وَقَوله: (جَوف أحدكُم) ظَاهره الْجوف مُطلقًا بِمَا فِيهِ من الْقلب وَغَيره وَيحْتَمل أَن يُرَاد الْقلب خَاصَّة، وَهَذَا هُوَ الْأَظْهر لِأَن الْقلب إِذا وصل إِلَيْهِ شَيْء مِنْهُ وَإِن كَانَ يَسِيرا فَإِنَّهُ يَمُوت لَا محَالة بِخِلَاف غير الْقلب. وَقَوله: (شعرًا) ظَاهره الْعُمُوم لكنه مَخْصُوص بِمَا لم يكن مدحاً لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمَا يشْتَمل على الذّكر والزهد وَسَائِر المواعظ مِمَّا لَا إفراط فِيهِ.

6155 - حدَّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ حَدثنَا أبي حدّثنا الأعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صالِحٍ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لأنْ يَمْتَلِىءَ جَوْفُ رَجُلٍ قَيْحاً حَتَّى يَرِيَه خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِىءَ شِعْراً.

مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مُطَابقَة الحَدِيث السَّابِق للتَّرْجَمَة. وَعمر بن حَفْص يروي عَن أَبِيه حَفْص بن غياث عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن أبي صَالح ذكْوَان الزيات عَن أبي هُرَيْرَة.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي آخر الطِّبّ. وَابْن مَاجَه فِي الْأَدَب جَمِيعًا عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.
قَوْله: (حَتَّى يرِيه) ، زَاد هَذِه اللَّفْظَة أَبُو ذَر فِي رِوَايَته عَن الْكشميهني، وَكَذَا فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ، وَنسبه بَعضهم إِلَى الْأصيلِيّ أَيْضا، وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيّ من حَدِيث عَاصِم عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة بِدُونِ هَذِه اللَّفْظَة، ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَزَاد: حَتَّى يرِيه، ولسائر رُوَاة الصَّحِيح: قَيْحا يرِيه، بِإِسْقَاط حق. وَأخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَأَبُو عوَانَة وَابْن حبَان من طرق عَن الْأَعْمَش فِي أَكْثَرهَا حَتَّى يرِيه، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: وَقع فِي حَدِيث سعد عِنْد مُسلم حَتَّى يرِيه، وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة عِنْد البُخَارِيّ بِإِسْقَاط حَتَّى، فعلى ثُبُوتهَا يقْرَأ: يرِيه، بِالنّصب وعَلى حذفهَا بِالرَّفْع ويريه بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَكسر الرَّاء من الوري وَهُوَ الدَّاء يُقَال: ورى يري فَهُوَ موري إِذا أصَاب جَوْفه الدَّاء، وَقَالَ الْأَزْهَرِي: الوري مثل الرَّمْي دَاء بداخل الْجوف، يُقَال: رجل موري بِغَيْر همز، وَقَالَ الْفراء: هُوَ الوري بِفَتْح الرَّاء، وَقَالَ ثَعْلَب: هُوَ بِالسُّكُونِ مصدر، وبالفتح إسم. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: ورى الْقَيْح جَوْفه يرِيه ورياً: أكله. وَقَالَ قوم: حَتَّى يُصِيب رئته، وَأنْكرهُ غَيرهم لِأَن الرئة مَهْمُوزَة وَإِذا بنيت فعلا قلت: رأه يرآه، وَقَالَ الْأَزْهَرِي: إِن الرئة أَصْلهَا من ورى وَهِي محذوفة، مِنْهُ تَقول: وريت الرجل فَهُوَ موري إِذا أصبت رئته، وَالْمَشْهُور فِي الرئة الْهَمْز.

(22/189)


93 - (بَاب قَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَرِبَتْ يَمِينُكَ، وعَقْرَى حَلْقَى)

أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تربت يَمِينك، قَالَ ابْن السّكيت: أصل تربت افْتَقَرت وَلكنهَا كلمة تقال وَلَا يُرَاد بهَا الدُّعَاء، وَإِنَّمَا يُرَاد التحريض على الْفِعْل، وَإنَّهُ إِن خَالف أَسَاءَ. وَقَالَ النّحاس: مَعْنَاهُ إِن لم تفعل لم يحصل فِي يَديك إِلَّا التُّرَاب، وَقَالَ ابْن كيسَان: هُوَ مثل جرى على أَنه إِن فانك مَا أَمرتك بِهِ افْتَقَرت إِلَيْهِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: افْتَقَرت إِن فاتك فاختصر، وَقَالَ الدَّاودِيّ: مَعْنَاهُ افْتَقَرت من الْعلم، وَقيل: هِيَ كلمة تسْتَعْمل فِي الْمَدْح عِنْد الْمُبَالغَة كَمَا قَالُوا للشاعر: قَاتله الله لقد أَجَاد، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: ترب الرجل إِذا افْتقر أَي: لصق بِالتُّرَابِ، إِذا اسْتغنى، وَقيل: مَعْنَاهُ لله دَرك. قَوْله: (وعقرى حلقى) أَي: عقرهَا الله وحلقها: يَعْنِي أَصَابَهَا وجع فِي حلقها خَاصَّة، وَهَكَذَا يرويهِ المحدثون غير منون بِوَزْن: غَضَبي، حَيْثُ هُوَ جَاءَ على الْمُؤَنَّث وَالْمَعْرُوف فِي اللُّغَة التَّنْوِين على أَنه مصدر فعل مَتْرُوك اللَّفْظ تَقْدِيره: عيرها الله عقراً وحلقها حلقا، وَيُقَال لِلْأَمْرِ الَّذِي يتعجب مِنْهُ عقراً حلقا، وَيُقَال أَيْضا للْمَرْأَة إِذا كَانَت مؤذية مشؤمة، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وعقرى، أَي: عقر الله جَسدهَا، وحلقى أَصَابَهَا وجع فِي حلقها، وَرُبمَا قَالُوا: عقرى حلقى، بِلَا تَنْوِين فَهُوَ نعت، وَقيل: مصدر كدعوى، وَقيل: جمع عقير وحليق، وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال لما يتعجب مِنْهُ ذَلِك.

6156 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ حَدثنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابنِ شِهابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عائِشَةَ قَالَتْ: إِنَّ أَفْلَحَ أَخا أبي القُعَيْسِ اسْتأذَنَ عَليَّ بَعْدَ مَا نَزَلَ الحِجابُ، فَقُلْتُ: وَالله لَا آذَنُ لَهُ حَتَّى أسْتَأذِنَ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فإِنَّ أَخا أبي القُعَيْسِ لَيْسَ هُوَ أرْضَعَنِي ولاكِنْ أرْضَعَتْني امْرأةُ أبي القُعَيْسِ، فَدَخَلَ عَليَّ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقُلْتُ: يَا رسولَ الله! إنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ هُوَ أرْضَعَنِي ولاكِنْ أرْضَعَتْني امْرَأتُهُ، قَالَ: ائْذَني لَهُ فإنَّهُ عَمُّكِ تَرِبَتْ يَمِينُكِ.
قَالَ عُرْوَةُ: فَبِذالِكَ كَانَتْ عائِشَةُ تَقُولُ: حَرِّمُوا مِنَ الرَّضاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ.
مطابقته الْجُزْء الأول للتَّرْجَمَة وَهُوَ قَوْله: (تربت يَمِينك) .
قَوْله: (إِن أَفْلح) على وزن أفعل من الْفَلاح قَالَ أَبُو عمر: أَفْلح ابْن أبي القعيس، وَيُقَال: أَخُو أبي القعيس، وَالأَصَح مَا قَالَه مَالك وَمن تَابعه عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة: جَاءَ أَفْلح أَخُو أبي القعيس، هَكَذَا أَيْضا رِوَايَة البُخَارِيّ كَمَا ترى، وَرِوَايَة مَالك مَضَت فِي كتاب النِّكَاح فِي: بَاب لبن الْفَحْل، وَأَبُو القعيس بِضَم الْقَاف وَفتح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالسين الْمُهْملَة، وَقَالَ أَبُو عمر: قد قيل: إِن اسْمه الْجَعْد. قَوْله: (اسْتَأْذن عَليّ) ، بِفَتْح الْيَاء الْمُشَدّدَة. قَوْله: (فَإِنَّهُ عمك) ، أَي: أَفْلح عمك أَي: من الرَّضَاع.
وَفِيه: تَحْرِيم لبن الْفَحْل وَهُوَ قَول أَكثر الْعلمَاء، وَقد مرت بَقِيَّة الْكَلَام فِي كتاب النِّكَاح فِي الْبَاب الْمَذْكُور.

6157 - حدَّثنا آدَمُ حَدثنَا شُعْبَةُ حَدثنَا الحَكَمُ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنِ الأسْوَد عَنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قالَتْ: أرادَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أنْ يَنْفِرَ فَرَأى صَفِيَّةَ عَلَى بابِ خِبائِها كَئِيبَةً حَزِينَةً لأنَّها حاضَتْ، فَقَالَ: عَقْرَى حَلْقَى لُغَةُ قُرَيْشٍ إنَّكَ لحابِسَتُنا ثُمَّ قَالَ: كُنْتِ أفَضْتِ يَوْمَ النَّحْر، يَعْني: الطَّوَافَ؟ قالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: فانْفِرِي إِذا.
مُطَابقَة الْجُزْء الثَّانِي للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وآدَم بن أبي إِيَاس، وَالْحكم بِفتْحَتَيْنِ ابْن عتيبة تَصْغِير عتبَة الدَّار وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ، وَالْأسود هُوَ ابْن يزِيد النَّخعِيّ الْكُوفِي.
والْحَدِيث قد مضى فِي الْحَج فِي: بَاب إِذا حَاضَت الْمَرْأَة بَعْدَمَا أفاضت، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (أَن ينفر) أَي: يرجع من الْحَج. قَوْله: (خبائها) بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وبالمد الْخَيْمَة. قَوْله: (كئيبة) من الكآبة وَهِي سوء الْحَال

(22/190)


والانكسار من الْحزن. قَوْله: (لُغَة قُرَيْش) بِالْإِضَافَة أَي: هَذِه اللَّفْظَة أَعنِي: عقرى حلقى، لُغَة قُرَيْش يطلقونها وَلَا يُرِيدُونَ حَقِيقَتهَا، ويروى: لُغَة لقريش، أَي: لُغَة كائنة لقريش. قَوْله: (يَعْنِي الطّواف) أَرَادَ بِهِ طواف الْإِفَاضَة، وَيُسمى طواف الزِّيَارَة، وَطواف الرُّكْن. قَوْله: (فانفري) أَي: فارجعي إِذا بِالتَّنْوِينِ أَي: حينئذٍ، لِأَن حَجهَا قد تمّ وَلَا يجب عَلَيْهَا الْوُقُوف لطواف الْوَدَاع لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْض، وَالله أعلم.

94 - (بابُ مَا جاءَ فِي زَعمُوا)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا جَاءَ فِي قَول: زَعَمُوا، وَالْأَصْل فِي زعم أَنه يُقَال فِي الْأَمر الَّذِي لَا يُوقف على حَقِيقَته، وَقَالَ ابْن بطال: يُقَال: زعم إِذا ذكر خَبرا لَا يدْرِي أَحَق هُوَ أم بَاطِل، وَقد روى فِي الحَدِيث: زَعَمُوا فِي الْأَمر بئس الرجل، وَمَعْنَاهُ: أَن من أَكثر الحَدِيث بِمَا لَا يعلم صدقه لم يُؤمن عَلَيْهِ الْكَذِب، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: وَإِنَّمَا يُقَال: زَعَمُوا فِي حَدِيث لَا سَنَد لَهُ وَلَا يثبت فِيهِ، وَإِنَّمَا يحْكى عَن الألسن على سَبِيل الْبَلَاغ، وَقَالَ غَيره: كثر اسْتِعْمَال الزَّعْم بِمَعْنى القَوْل، وَقد أَكثر سِيبَوَيْهٍ فِي كِتَابه فِي أَشْيَاء يرتضيها: زعم الْخَلِيل، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: والزعم بِالضَّمِّ وَالْفَتْح قريب من الظَّن.

6158 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مالكٍ عَنْ أبي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بنِ عُبَيْدِ الله أنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى أمِّ هانِىءٍ بِنْتِ أبي طالِبٍ أخبرَه أنهُ سَمعَ أمَّ هانِىءٍ بِنْتَ أبِي طالِبٍ تَقُولُ: ذَهَبْتُ إِلَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عامَ الفَتْحِ فَوَجدْتُهُ يَغْتَسِلُ وفاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَنْ هاذِهِ؟ فَقُلْتُ: أَنا أمُّ هانِىءٍ بِنْتُ أبي طالِبٍ، فَقَالَ مَرْحَباً بِأُمِّ هانِىءٍ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غَسْلِهِ قامَ فَصَلَّى ثَمانِيَ رَكَعاتٍ مُلْتَحِفاً فِي ثَوْبٍ واحِدٍ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ: يَا رسولَ الله! زَعَمَ ابنُ أُمِّي أنَّهُ قاتِلٌ رَجُلاً قَدْ أجَرْتُهُ فلانُ بنُ هُبَيْرَةَ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قَدْ أجَرْنا مَنْ أجَرْتِ يَا أمَّ هانِىءٍ، قالَتْ أُمُّ هانِىءٍ: وَذَاكَ ضُحًى.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (زعم ابْن أُمِّي) وَأَبُو النَّضر بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة واسْمه سَالم بن أبي أُميَّة مولى عمر بن عبيد الله بن معمر الْقرشِي التَّيْمِيّ الْمدنِي، وَأَبُو مرّة بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء مولى أم هانىء بِكَسْر النُّون، وَقيل بِالْهَمْز، وَاسْمهَا فَاخِتَة بِالْفَاءِ وَالْخَاء الْمُعْجَمَة وَالتَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق بنت أبي طَالب.
والْحَدِيث قد مضى فِي أول كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب الصَّلَاة فِي الثَّوْب الْوَاحِد ملتحفاً بِهِ، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس عَن مَالك ... إِلَى آخِره، وَمضى أَيْضا فِي كتاب التَّهَجُّد فِي: بَاب صَلَاة الضُّحَى فِي السّفر، وَمضى الْكَلَام فِيهِ فِي كتاب الصَّلَاة.
قَوْله: (مرْحَبًا) أَي: لقِيت رحباً وسعة، وَقيل مَعْنَاهُ رحب الله بك مرْحَبًا، فَجعل المرحب مَوضِع الترحيب. قَوْله: (ثَمَانِي) بِكَسْر النُّون وَفتح الْيَاء قَالَ الْكرْمَانِي بِفَتْح النُّون وَالْأول أصح. قَوْله: (فَلَمَّا انْصَرف) أَي: من صلَاته. قَوْله: (زعم) أَي: قَالَ (ابْن أُمِّي) وَهُوَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالُوا: إِن زعم قد تسْتَعْمل فِي القَوْل الْمُحَقق. قَوْله: (قَاتل) إسم فَاعل بِمَعْنى الِاسْتِقْبَال. قَوْله: (أجرته) بقصر الْهمزَة أَي: أمنته وَجَعَلته فِي أَمن. قَوْله: (فلَان بن هُبَيْرَة) أَي: ذَلِك الرجل هُوَ فلَان بن هُبَيْرَة، قيل: اسْمه الْحَارِث بن هِشَام المَخْزُومِي. قَوْله: (وَذَاكَ) ، ويروى: وَذَلِكَ ضحى، بِضَم الضَّاد وتنوين الْحَاء وَاعْلَم أَن معنى الضحاء بِالْفَتْح والضحوة وَالضُّحَى، أما الضُّحَى فَهُوَ إِذا علت الشَّمْس إِلَى ربع السَّمَاء فَمَا بعده، وَأما الضحوة فَهُوَ ارْتِفَاع أول النَّهَار، وَأما الضُّحَى فَمَا فَوْقه.

95 - (بابُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِ الرَّجُلِ: وَيْلَكَ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قَول الرجل لآخر: وَيلك. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَيلك، كلمة يُقَال لمن وَقع فِي هلكة، وويحك ترحم، وَكَذَا قَالَ الْأَصْمَعِي وَزَاد: وويس، بِغَيْر هَاء أَي: إِنَّهَا دونهَا، وَقيل: هما بِمَعْنى، وَقيل: ويل تحسر وويح ترحم وويس استصغار، وَعَن التِّرْمِذِيّ أَن ويلاً وويحاً بِمَعْنى وَاحِد، وَقَالَ أَكثر أهل اللُّغَة: إِن لفظ: ويل، كلمة عَذَاب، وويح كلمة رَحْمَة.

(22/191)


6159 - حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ، حدّثنا هَمَّامٌ عَنْ قَتادَةَ عَنْ أنَس رَضِي الله عَنهُ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأى رَجُلاً يَسُوقُ بَدَنَةً، فَقَالَ: ارْكَبْها. قَالَ: إنَّها بَدَنَةٌ قَالَ: ارْكَبْها، قَالَ: إنَّها بَدَنَةٌ. قَالَ: إرْكَبْها، وَيْلَكَ. (انْظُر الحَدِيث 1690 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (اركبها وَيلك) . وَهَمَّام بتَشْديد الْمِيم الأولى ابْن يحيى الشَّيْبَانِيّ الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الْحَج فِي: بَاب ركُوب الْبدن، وَمضى الْكَلَام فِيهِ. والبدنة نَاقَة تنحر بِمَكَّة يَعْنِي: أَنَّهَا هدي يساق إِلَى الْحرم.

6161 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدّثنا حَمَّاأ عَنْ ثابِتٍ البُنانِيِّ عَنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ.
ح، وأيُّوبَ عَنْ أبي قِلاَبَةَ عَنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ قَالَ: كانَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَفَرٍ وكانَ مَعَهُ غُلاَمٌ لَهُ أسْوَدُ يُقالُ لَهُ: أنْجَشَةُ، يَحْدُوا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَيْلَك يَا أنْجَشَةُ {رُوَيْدَكَ بالقَوارِير.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَيلك يَا أَنْجَشَة) ويروى: وَيحك يَا أَنْجَشَة، فَلَا مُطَابقَة على هَذِه الرِّوَايَة. وَأخرج هَذَا الحَدِيث من طَرِيقين: أَحدهمَا: عَن مُسَدّد عَن حَمَّاد بن زيد عَن ثَابت الْبنانِيّ عَن أنس. وَالْآخر: عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ عَن أبي قلَابَة عبد الله بن زيد عَن أنس رَضِي الله عَنهُ وَقد تقدم عَن قريب فِي آخر: بَاب مَا يجوز من الشّعْر وَالرجز والحداء، فإنهأخرجه هُنَاكَ عَن مُسَدّد عَن إِسْمَاعِيل عَن أَيُّوب عَن أبي قلَابَة عَن أنس، وَتقدم الْكَلَام فِيهِ مَبْسُوطا.
وَكلمَة: ح بَين قَوْله: (عَن أنس بن مَالك) ، وَبَين قَوْله: (أَيُّوب) إِشَارَة إِلَى التَّحْوِيل أَو: الحَدِيث أوضح. قَوْله (وَأَيوب) هُوَ شيخ حَمَّاد أَي: قَالَ حَمَّاد عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ، وَأَيوب لَا ينْصَرف، وَحَالَة الْجَرّ فِيهِ تتبع النصب، تَقْدِيره. حَدثنَا حَمَّاد عَن أَيُّوب.

6162 - حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلُ حَدثنَا وُهَيْبٌ عَنْ خالِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ أبي بَكْرَةَ عَنْ أبِيهِ قَالَ: أثْنَى رَجُلٌ عَلى رَجُلٍ عِنْدَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: وَيْلَكَ} قَطَعْتَ عُنُقَ أخِيكَ، ثَلَاثًا، مَنْ كانَ مِنْكُمْ مادِحاً لَا مَحالَةَ فَلْيَقُلْ: أحْسِبُ فُلاناً، وَالله حَسِيبُهُ وَلَا أُزَكِّي عَلَى الله أحَداً إِن كانَ يَعْلَمُ. (انْظُر الحَدِيث 2662 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَيلك! قطعت عنق أَخِيك) ووهيب مصغر وهب بن خَالِد الْبَصْرِيّ، وخَالِد هُوَ ابْن مهْرَان الْحذاء، وَعبد الرَّحْمَن بن أبي بكرَة يروي عَن أَبِيه أبي بكرَة نفيع بن الْحَارِث الثَّقَفِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الشَّهَادَات عَن مُحَمَّد بن سَلام، وَمضى أَيْضا عَن قريب فِي: بَاب مَا يكره من التمادح فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن آدم عَن شُعْبَة عَن خَالِد عَن عبد الرَّحْمَن ... إِلَى آخِره.
قَوْله: (قطعت عنق أَخِيك) وَهُنَاكَ: عنق صَاحبك، وَقطع الْعُنُق مجَاز عَن الْقَتْل، فهما مشتركان فِي الْهَلَاك، وَإِن كَانَ هَذَا دينياً وَذَاكَ دنيوياً. قَوْله: (لَا محَالة) ، بِفَتْح الْمِيم أَي: لَا بُد. قَوْله: (حسيبه أَي: محاسبه على عمله. قَوْله: (وَلَا أزكي) أَي: لَا أشهد على الله بِالْجَزْمِ أَنه عِنْد الله كَذَا وَكَذَا لِأَنِّي لَا أعرف بَاطِنه، أَي: لَا أقطع بِهِ لِأَن عَاقِبَة أمره لَا يعلمهَا إلاَّ الله، وَهَاتَانِ الجملتان معترضتان. قَوْله: (إِن كَانَ يعلم) مُتَعَلق بقوله: (فَلْيقل) .

(22/192)


6163 - حدَّثني عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ إبْرَاهِيمَ حدّثنا الوَلِيدُ عَن الأوْزاعيِّ عَنِ الزُهْرِيِّ عَنْ أبي سَلَمَةَ والضَّحَّاكِ عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: بَيْنا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقْسِمُ ذاتَ يَوْمٍ قِسْماً فَقَالَ ذُو الخُوَيْصِرَةِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ: يَا رَسُولَ الله! اعْدِلْ. قَالَ: وَيْلَكَ مَنْ يَعْدِلُ إِذا لَمْ أعْدِلْ؟ فَقَالَ عُمَرُ: ائْذَنْ لِي فَلأضْرِبْ عُنُقَهُ. قَالَ: لَا، إنَّ لَهُ أصْحاباً يَحْقِرُ أحَدُكُمْ صَلاتَهُ مَعَ صَلاتِهِمْ وصِيامهُ مَعَ صِيامِهِمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّين كَمُرُوق السهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يُنْظَرُ إِلَى نَصْلِهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى رصافِهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى نَضِيَّهِ فَلا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى قُذَذِهِ فَلا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، سَبَقَ الفَرْثَ والدَّمَ، يَخْرُجُونَ عَلَى خَيْرِ فِرْقَةٍ مِنَ النَّاس، آيَتُهُمْ رَجُلٌ إحْدَى يَدَيْهِ مِثْلُ ثدْي المَرْأةِ. أوْ مِثْلُ البَضْعَةِ. تَدَرْدَرُ.
قَالَ أبُو سَعِيدٍ: أشْهَدُ لَسَمِعْتُهُ مِنَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وأشْهَدُ أنِّي كُنْتُ مَعَ عليّ حِينَ قَاتَلَهُمْ، فالْتُمِسَ فِي القَتْلَى فأُتِيَ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الَّذِي نَعَتَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: قَالَ: (وَيلك من يعدل؟) وَعبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم أَبُو سعيد الْمَعْرُوف بدحيم الْيَتِيم الدِّمَشْقِي، والوليد هُوَ ابْن مُسلم أَبُو الْعَبَّاس الدِّمَشْقِي، وَالْأَوْزَاعِيّ هُوَ عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو، وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم، وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَالضَّحَّاك بتَشْديد الْحَاء ابْن شراحبيل. وَقيل: شُرَحْبِيل المشرقي بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء وبالقاف مَنْسُوب إِلَى بطن من هَمدَان، وَأَبُو سعيد سعد بن مَالك الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ.
والْحَدِيث مضى فِي عَلَامَات النُّبُوَّة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (يقسم) كَانَت الْقِسْمَة فِي ذهيبة بعثها عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (الْخوَيْصِرَة) تَصْغِير الخاصرة بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالصَّاد الْمُهْملَة وَالرَّاء، وَسبق ذكر صفته من أَنه: غائر الْعَينَيْنِ مشرف الوجنتين كث اللِّحْيَة محلوق الرَّأْس، فِي كتاب الْأَنْبِيَاء فِي: بَاب هود. قَوْله: قَالَ عمر: (إئذن لي فلأضرب عُنُقه) قد ذكر هُنَاكَ، قَالَ أَبُو سعيد: أَحسب الرجل الَّذِي سَأَلَ قَتله خَالِد بن الْوَلِيد رَضِي الله عَنهُ الْجَواب أَنه هُنَاكَ لم يقطع بِأَنَّهُ خَالِد بن الْوَلِيد، بل قَالَ على سَبِيل الحسبان مَعَ احْتِمَال أَن كلا مِنْهُمَا قصد ذَلِك. وَقَوله: (فلأضرب) بِالنّصب والجزم، ويروى فَأَضْرب، بِالنّصب فَقَط وَالْفَاء فِيهِ زَائِدَة، قَالَه الْأَخْفَش أَو هِيَ: فَاء السبية الَّتِي ينصب بعْدهَا الْفِعْل الْمُضَارع، وَاللَّام بالكسرى بِمَعْنى: كي، وَجَاز اجْتِمَاعهمَا لِأَنَّهُمَا لأمر وَاحِد وَهُوَ الجزائية لِكَوْنِهِمَا جَوَابا لِلْأَمْرِ. قَوْله: (يَمْرُقُونَ) أَي: يخرجُون. قَوْله: (من الرَّمية) ، بِفَتْح الرَّاء فعيلة من الرَّمْي للْمَفْعُول وَهُوَ المرمي كالصيد. قَوْله: (إِلَى نصله) هُوَ حد يَد السهْم. قَوْله: (رصافة) جمع الرصفة بالراء وَالصَّاد الْمُهْملَة وَالْفَاء وَهِي عصبَة تلوى فَوق مدْخل النصل. قَوْله: (فَلَا يُوجد فِيهِ شَيْء) أَي: من أثر النّفُوذ فِي الصَّيْد من الدَّم وَنَحْوه. قَوْله: (نضيه) بِفَتْح النُّون وَكسر الضَّاد الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَهُوَ الْقدح أَي: عود السهْم، وَقيل: هُوَ مَا بَين النصل والريش. قَوْله: (إِلَى قذذة جمع القذة بِضَم الْقَاف وَتَشْديد الذَّال الْمُعْجَمَة وَهُوَ ريش السهْم. قَوْله: (سبق الفرث وَالدَّم بِحَيْثُ لم يتَعَلَّق بِهِ شَيْء مِنْهُمَا وَلم يظْهر أثرهما فِيهِ. والفرث مَا يجْتَمع فِي الكرش، وَقيل: إِنَّمَا يُقَال: فرث مَا دَامَ فِي الكرش، قَالَه الْجَوْهَرِي والقزاز، وَهَذَا تَشْبِيه أَي: طاعاتهم لَا يحصل لَهُم مِنْهَا ثَوَاب لأَنهم مرقوا من الدّين بِحَسب اعتقاداتهم، وَقيل: المُرَاد من الدّين طَاعَة الإِمَام وهم الْخَوَارِج. قَوْله: (يخرجُون على خير فرقة) أَي: أفضل طَائِفَة، وَهَذِه رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: يخرجُون على حِين فرقة، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالنُّون أَي: على زمَان افْتِرَاق الْأمة. قَوْله: (آيَتهم) أَي: غلامتهم. قَوْله: (إِحْدَى يَدَيْهِ) مثنى الْيَد، ويروى: ثدييه، بالثاء الْمُثَلَّثَة تَثْنِيَة ثدي، قَوْله: (الْبضْعَة) بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة الْقطعَة من اللَّحْم. قَوْله: (تدَرْدر) بالدالين الْمُهْمَلَتَيْنِ وتكرار الرَّاء أَي: تضطرب وتتحرك، وَأَصله تتدردر بالتاءين فحذفت إِحْدَاهمَا للتَّخْفِيف، وَهَذَا الشَّخْص إِمَّا

(22/193)


أَمِيرهمْ وَإِمَّا رجل مِنْهُم خَرجُوا على عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ قَاتلهم بالنهروان بِقرب الْمَدَائِن. قَوْله: (فالتمس) على صِيغَة الْمَجْهُول.
وَفِيه: معْجزَة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ومنقبة لأمير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ.

6164 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ مُقاتِل أبُو الحَسَنِ أخبرنَا عَبْدُ الله أخبرنَا الأوْزَاعِيُّ قَالَ: حدّثني ابنُ شِهابٍ عَنْ حمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ أنَّ رَجُلاً أتَى رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رسولَ الله {هَلَكْتُ. قَالَ: وَيْحَكَ؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى أهْلِي فِي رَمَضَان. قَالَ: أعْتِقْ رَقْبَةً. قَالَ: مَا أجِدُها، قَالَ: فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ، قَالَ: لَا أسْتَطِيعُ. قَالَ: فأطْعِمْ مسِكيناً} قَالَ: مَا أجِدُ، فَأَتَى بِعَرَق فَقَالَ: خُذْهُ فَتَصَدَّقْ بِهِ. فَقَالَ: يَا رسولَ الله {أعَلَى غَيْرِ أهْلِي؟ فَوالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا بَيْنَ طُنُبي المدِينَةِ أحْوَجُ مِنِّي فَضَحِكَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى بَدَتْ أنْيابُهُ، قَالَ: خُذْهُ، ثُمَّ قَالَ: أطْعمْهُ أهْلَكَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله عَن الزُّهْرِيّ: (وَيلك) على مَا يَأْتِي الْآن وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الصّيام فِي: بَاب إِذا جَامع فِي رَمَضَان وَلم يكن لَهُ شَيْء، وَفِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ أَيْضا، وَفِي الْبَاب الَّذِي قبله عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَمضى عَن قريب أَيْضا فِي: بَاب التبسم والضحك، وتكرر الْكَلَام فِيهِ. وَنَذْكُر هُنَا بعض شَيْء.
فَقَوله: (قَالَ: وَيحك) أَي: وَيحك مَاذَا فعلت؟ قَالَ: وَقعت على أَهلِي أَي: جامعتها. قَوْله: (فَأتى) على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بعرق بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَالرَّاء وَهُوَ زنبيل منسوج من نسائج الخوص، وكل شَيْء مضفور فَهُوَ عرف وعرقة بِفَتْح الرَّاء فيهمَا. قَوْله: طنبى الْمَدِينَة الطنب بِضَم الطَّاء الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون النَّاحِيَة، وأرادنا حيتي الْمَدِينَة، وَقَالَ ابْن التِّين ضبط فِي رِوَايَة الشَّيْخ أبي الْحسن بِفتْحَتَيْنِ، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر بِضَمَّتَيْنِ، وَالْأَصْل ضم النُّون وتسكن تَخْفِيفًا، وأصل الطنب حَبل الخباء وَالْجمع الْأَطْنَاب، قَالَ الْكرْمَانِي: شبه الْمَدِينَة بفسطاط مَضْرُوب وحرتاها بالطنبين، أَرَادَ مَا بَين لابتيها أحْوج مِنْهُ، ويروى: أفقر مني، وَهِي رِوَايَة الْكشميهني. قَوْله: (فَضَحِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى بَدَت أنيابه) وَقد تقدم قَرِيبا فِي: بَاب التبسم، أَنه ضحك حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه، والأنياب فِي وسط الْأَسْنَان والنواجذ فِي آخرهَا، وَالْجَوَاب بِأَنَّهُ لَا مُنَافَاة بَينهمَا، وَأَيْضًا قد يُطلق كل مِنْهُمَا على الآخر. قَوْله: (قَالَ خُذْهُ ثمَّ قَالَ: أطْعمهُ أهلك) فِي رِوَايَة الْكشميهني.
تابَعَهُ يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ
أَي: تَابع الْأَوْزَاعِيّ يُونُس بن يزِيد فِي رِوَايَته عَن الزُّهْرِيّ، وَقد وصل الْبَيْهَقِيّ هَذِه الْمُتَابَعَة من طَرِيق عتبَة بن خَالِد عَن الزُّهْرِيّ بِتَمَامِهِ، فَقَالَ فِي رِوَايَته: وَيحك وَمَا ذَاك؟
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ خالِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَيْلَكَ
عبد الرَّحْمَن بن خَالِد بن مُسَافر الفهمي، وَكَانَ أَمِير مصر لهشام بن عبد الْملك، قَالَ ابْن يُونُس: مَاتَ فِي سنة سبع وَعشْرين وَمِائَة، يَعْنِي: قَالَ عبد الرَّحْمَن هَذَا: وَيلك، بدل وَيحك. وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله الطَّحَاوِيّ من طَرِيق اللَّيْث حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن خَالِد عَن ابْن شهَاب الزُّهْرِيّ بِسَنَدِهِ الْمَذْكُور فِيهِ، فَقَالَ مَالك: وَيلك، قَالَ: وَقعت على أَهلِي ... الحَدِيث.

6165 - حدَّثنا سُلَيْمانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ حَدثنَا الوَلِيدُ حَدثنَا أبُوا عَمرو الأوْزاعِيُّ قَالَ: حدّثني ابنُ شِهابٍ الزُهْرِيُّ عَنْ عَطاءِ بنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِي الله عَنهُ أنَّ أعْرابِيًّا قَالَ: يَا رسولَ الله} أخْبِرْنِي عَنِ الهِجْرَةِ. فَقَالَ: وَيْحَكَ! إِنَّ شَأْن الهِجْرَةِ شَدِيدَةٌ فَهَلْ لَكَ مِنْ إبل؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَهَلْ تُؤَدِّي صَدَقَتَها؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فاعْمَلْ مِنْ وراءِ البِحارِ فإِنَّ الله لَنْ يَتْرِكَ مِنْ عَمَلِكَ شَيْئاً.

(22/194)


لَا تتَوَجَّه الْمُطَابقَة بَين هَذَا الحَدِيث والترجمة إلاَّ على قَول من يَقُول: إِن لفظ: ويل، وويح كِلَاهُمَا بِمَعْنى وَاحِد، كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب.
والوليد هُوَ ابْن مُسلم الدِّمَشْقِي، وَأَبُو عَمْرو وَهُوَ عبد الرَّحْمَن الْأَوْزَاعِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الْهِجْرَة عَن عَليّ بن عبد الله وَعَن مُحَمَّد بن يُوسُف ... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (أَخْبرنِي عَن الْهِجْرَة) وَهِي ترك الوطن إِلَى الْمَدِينَة. قَوْله: (وَيحك إِن شَاءَ الْهِجْرَة شَدِيد) قيل: كَانَ هَذَا قبل الْفَتْح فِيمَن أسلم من غير أهل مَكَّة كَأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحذرهُ شدَّة الْهِجْرَة ومفارقة الْأَهْل والوطن، وَكَانَت هجرته وُصُوله إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (فَهَل لَك من إبل؟ قَالَ: نعم قَالَ: فَهَل تُؤدِّي صدقتها؟) أَي: زَكَاتهَا، وَلم يسْأَل عَن غَيرهَا من الْأَعْمَال الْوَاجِبَة عَلَيْهِ لِأَن حرص النُّفُوس على المَال أَشد من حرصها على الْأَعْمَال الْبَدَنِيَّة. قَوْله: (فاعمل من وَرَاء الْبحار) بِالْبَاء الْمُوَحدَة والحاء الْمُهْملَة وَهُوَ جمع بحرة، وَهِي الْقرْيَة سميت بحرة لاتساعها والمعني: فاعمل من وَرَاء الْقرى (فَإِن الله لن يتْرك) وَوَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق وبالجيم وَهُوَ تَصْحِيف، قَوْله: (لن يتْرك) أَي: ينْقصك. قَالَ الله تَعَالَى: {وَلنْ يتركم أَعمالكُم} (مُحَمَّد: 35) ومادته من وتر يترترة إِذا نَقصه، وَاصل يتر يُوتر حذفت الْوَاو لوقوعها بَين الْيَاء والكسرة، ويروى: لن يتْرك من التّرْك وَالْكَاف أَصْلِيَّة. وَحَاصِل الْمَعْنى: أَن الْقيام بِحَق الْهِجْرَة شَدِيد فاعمل الْخَيْر حَيْثُ مَا كنت لِأَنَّك إِذا أدّيت فرض الله فَلَا تبالِ أَن نُقِيم فِي بَيْتك وَإِن كَانَ أبعد الْبعيد من الْمَدِينَة فَإِن الله لَا يضيع أجر عَمَلك.

6166 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ حدّثنا خالِدُ بنُ الْحَارِث حدّثنا شعْبَةُ عَنْ واقِدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أبي عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: وَيْلَكُمْ أوْ وَيْحَكُمْ. قَالَ شُعْبَةُ: شَكَّ هُوَ. لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقابَ بَعْضٍ. وَقَالَ النَّضْرُ عنْ شُعْبَةَ: وَيْحَكُمْ، وَقَالَ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أبِيهِ: وَيْلَكُمْ أَو وَيْحَكُمْ.
بقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَيْلكُمْ) وَعبد الله بن عبد الْوَهَّاب أَبُو مُحَمَّد الحَجبي الْبَصْرِيّ، وخَالِد بن الْحَارِث الهُجَيْمِي، وواقد بِالْقَافِ ابْن مُحَمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وَالنضْر بِسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة ابْن سُهَيْل، وَعمر بن مُحَمَّد أَخُو وَاقد.
وَهَذَا الحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي مَوَاضِع فِي أَوَاخِر الْمَغَازِي فِي: بَاب حجَّة الْوَدَاع أخرجه عَن يحيى بن سُلَيْمَان عَن ابْن وهب عَن عمر بن مُحَمَّد أَن أَبَاهُ حَدثهُ عَن ابْن عمر ... إِلَى آخِره مطولا. وَأخرجه أَيْضا مطولا فِي: بَاب قَوْله تَعَالَى: { (94) يَا أَيهَا الَّذين. . من قوم} (الحجرات: 11) وَأخرجه أَيْضا فِي الدِّيات عَن أبي الْوَلِيد، وَفِي الْفِتَن عَن حجاج بن منهال، وَفِي الْحُدُود عَن مُحَمَّد بن عبد الله.
قَوْله: (أَو وَيحكم) شكّ من الرَّاوِي قَوْله: (قَالَ شُعْبَة: شكّ هُوَ) يَعْنِي: شَيْخه وَاقد بن مُحَمَّد. قَوْله: (لَا ترجعوا بعدِي كفَّارًا) يَعْنِي: بتكفير النَّاس كَفعل الْخَوَارِج إِذا استعرضوا النَّاس، وَقيل: هم أهل الرِّدَّة قَتلهمْ الصّديق رَضِي الله عَنهُ وَقيل: الْخَوَارِج يكفرون بِالزِّنَا وَالْقَتْل وَنَحْوهمَا من الْكَبَائِر، وَقيل: أَرَادَ إِذا فعله كل وَاحِد مستحلاً لقتل صَاحبه فَهُوَ كَافِر. قَوْله: (وَقَالَ النَّضر عَن شُعْبَة) يَعْنِي بِهَذَا السَّنَد: (وَيحكم) لم يشك. قَوْله: (وَقَالَ عمر بن مُحَمَّد) هُوَ أَخُو وَاقد الْمَذْكُور (عَن أَبِيه) يَعْنِي مُحَمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر عَن جده ابْن عمر: (وَيْلكُمْ أَو وَيحكم) يَعْنِي مثل مَا قَالَ أَخُوهُ وَاقد، فَدلَّ على أَن الشَّك من مُحَمَّد بن زيدبن عبد الله بن عمر أَو مِمَّن فَوْقه.

6167 - حدَّثنا عَمْرُو بنُ عاصمٍ حَدثنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتادَةَ عَنْ أنَسٍ أنَّ رّخلاً مِنْ أهْلِ البادِيَةِ أتَى النبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: يَا رسولَ الله! مَتَى السَّاعَةُ قائِمَةٌ؟ قَالَ: وَيْلَكَ وَمَا أعْدَدْتَ لَهَا؟ قَالَ: مَا أعْدَدْتُ لَهَا إلاَّ إنِّي أُحِبُّ الله ورسُولَهُ. قَالَ: إنكَ مَعَ مَنْ أحْبَبْتَ، فَقُلْنا: وَنَحْنُ كَذالِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَفَرحْنا يَوْمَئِذٍ فَرَحاً شَدِيداً، فَمَرَّ غُلاَمٌ لِلْمُغِيرَةِ وكانَ مِنْ أقْرَانِي فَقَالَ: إنْ أُخِّرَ فَقَالَ: إنْ أُخِّرَ هاذَا فَلَنْ يُدْرِكَهُ الهَرَمُ حَتَّى تَقُومَ

(22/195)


السَّاعَةُ.
واخْتَصَرَهُ شُعْبَةُ عَنْ قَتادَةَ: سَمِعْتُ أنسا عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَيلك {وَمَا أَعدَدْت لَهَا؟) وَعَمْرو بن عَاصِم الْقَيْسِي الْبَصْرِيّ، وَهَمَّام هُوَ ابْن يحيى الْأَزْدِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْفِتَن عَن هَارُون بن عبد الله بالقصة الْأَخِيرَة: مر غُلَام للْمُغِيرَة، وَلم يذكر أول الحَدِيث.
قَوْله: (إِن رجلا من أهل الْبَادِيَة) وَفِي رِوَايَة الزُّهْرِيّ عَن أنس عِنْد مُسلم: أَن رجلا من الْأَعْرَاب قَالَ: مَتى السَّاعَة قَائِمَة. قَالَ الْكرْمَانِي: قَائِمَة، بِالنّصب وَلم يبين وَجهه، وَقَالَ بَعضهم: يجوز فِيهِ الرّفْع وَالنّصب وَلم يبين وجههما. قلت: أما النصب فعلى الْحَال. تَقْدِيره: مَتى وَقعت السَّاعَة حَال كَونهَا قَائِمَة؟ وَأما الرّفْع فعلى أَنه خبر السَّاعَة، وَمَتى ظرف مُتَعَلق بِهِ. قَوْله: (وَيلك} مَا أَعدَدْت لَهَا؟) قَالَ شيخ شَيْخي الطَّيِّبِيّ: سلك مَعَ السَّائِل طَرِيق الأسلوب الْحَكِيم لِأَنَّهُ سَأَلَ عَن وَقت السَّاعَة. وَأجَاب بقوله: مَا أَعدَدْت لَهَا؟ يَعْنِي: إِنَّمَا يهمك أَن تهتم بأهبتها وتعتني بِمَا ينفعك عِنْد قِيَامهَا من الْأَعْمَال الصَّالِحَة، فَقَالَ هُوَ: مَا أَعدَدْت لَهَا؟ قَوْله: (إِنَّك مَعَ من أَحْبَبْت) أَي: مُلْحق بهم وداخل فِي زمرتهم، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَلَفظ: إلاَّ إِنِّي أحب الله يحْتَمل أَن يكون اسْتثِْنَاء مُتَّصِلا ومنقطعاً، وَسبب فَرَحهمْ أَن كَونهم مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يدل على أَنهم من أهل الْجنَّة، ثمَّ قَالَ: فَإِن قلت: دَرَجَته فِي الْجنَّة أَعلَى من درجاتهم، فَكيف يكونُونَ مَعَه؟ قلت: الْمَعِيَّة لَا تَقْتَضِي عدم التَّفَاوُت فِي الدَّرَجَات. انْتهى. قلت: لَو فسر قَوْله: (مَعَ من أَحْبَبْت) بِمَا فسرناه لما احْتَاجَ إِلَى هَذَا السُّؤَال وَلَا إِلَى هَذَا الْجَواب. قَوْله: (للْمُغِيرَة) يَعْنِي: الْمُغيرَة بن شُعْبَة الثَّقَفِيّ. قَوْله: (وَكَانَ من أقراني) أَي: سنه مثل سني، وَقَالَ ابْن التِّين: الْقرن الْمثل فِي السن، وَهُوَ بِفَتْح الْقَاف وَكسرهَا الْمثل فِي الشجَاعَة، قَالَ: وَفعل بِفَتْح أَوله وَسُكُون ثَانِيه إِذا كَانَ صَحِيحا لَا يجمع على أَفعَال إلاَّ ألفاظاً لم يعدوا هَذَا مِنْهَا، وَقَالَ ابْن بشكوال: إسم هَذَا الْغُلَام مُحَمَّد، وَاحْتج بِمَا أخرجه مُسلم من رِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة عَن ثَابت عَن أنس أَن رجلا سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَتى تقوم السَّاعَة؟ وَغُلَام من الْأَنْصَار يُقَال لَهُ: مُحَمَّد ... الحَدِيث، قَالَ: وَقيل اسْمه سعد، ثمَّ أخرج من طَرِيق الْحسن عَن أنس: أَن رجلا سَأَلَ عَن السَّاعَة فَذكر حَدِيثا قَالَ: فَينْظر إِلَى غُلَام من دوس يُقَال لَهُ: سعد، وَهَذَا أخرجه الْمَاوَرْدِيّ فِي (الصَّحَابَة) قلت: الظَّاهِر أَن الْقِصَّة لَهَا تعدد. قَوْله: (إِن آخر هَذَا) أَي: لم يمت هَذَا فِي صغره ويعيش لَا يهرم حَتَّى تقوم السَّاعَة. قَوْله: (فَلَنْ يُدْرِكهُ هَذَا) هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: فَلم يُدْرِكهُ، وَفِي رِوَايَة مُسلم كَرِوَايَة الْكشميهني، وَقَالَ بَعضهم: وَهِي أولى، وليت شعري مَا وَجه الْأَوْلَوِيَّة؟ وَقَالَ الْكرْمَانِي: مَا تَوْجِيه هَذَا الْخَبَر إِذْ هُوَ من المشكلات؟ ثمَّ أجَاب بقوله: هَذَا تَمْثِيل لقرب السَّاعَة وَلم يرد مِنْهُ حَقِيقَته أَو الْهَرم لأحد لَهُ أَو الْجَزَاء مَحْذُوف، وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: المُرَاد بالساعة ساعتهم أَي: موت أُولَئِكَ الْقرن، أَو أُولَئِكَ المخاطبون. وَقَالَ النَّوَوِيّ: يحْتَمل أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، علم أَن هَذَا الْغُلَام لَا يُؤَخر وَلَا يعمر وَلَا يهرم.
قَوْله: (وَاخْتَصَرَهُ شُعْبَة) أَي: اختصر الحَدِيث شُعْبَة، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى شَيْئَيْنِ: (أَولهمَا:) أَن شُعْبَة اختصر من الحَدِيث مَا زَاده همام من قَوْله: (فَقُلْنَا وَنحن كَذَلِك؟ قَالَ: نعم ففرحنا يومئذٍ فَرحا شَدِيدا) . وَالْآخر: تَصْرِيح سَماع قَتَادَة عَن أنس رَضِي الله عَنهُ

96 - (بابُ عَلامَةِ حُبِّ الله عَزَّ وَجَلَّ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان عَلامَة حب الله عز وَجل، وَفِي بعض النّسخ: بَاب عَلامَة الْحبّ فِي الله تَعَالَى، وَقَالَ الْكرْمَانِي: هَذَا اللَّفْظ يحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ محبَّة الله تَعَالَى للْعَبد فَهُوَ الْمُحب، وَأَن يُرَاد محبَّة العَبْد لله تَعَالَى فَهُوَ المحبوب. قلت: هَذَا الترديد ينشأ من إِضَافَة حب الله، فَإِن كَانَت الْإِضَافَة للْفَاعِل وَالْمَفْعُول مطوي فَهُوَ المُرَاد الأول، وَإِن كَانَت إِلَى الْمَفْعُول وَذكر الْفَاعِل مطوي فَهُوَ المُرَاد الثَّانِي، والمحبة من الله إِرَادَة الثَّوَاب وَمن العَبْد إِرَادَة الطَّاعَة، وَهنا وَجه آخر على مَا ذكره الْكرْمَانِي، وَهُوَ أَن يُرَاد الْمحبَّة بَين الْعباد فِي ذَات الله تَعَالَى، وجهته لَا يشوبه الرِّيَاء والهوى.
لِقَوْلِهِ: {) إِن كُنْتُم تحبون ... يحببكم الله} (آل عمرَان: 31)
أَرَادَ بإيراد هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة أَن عَلامَة حب الله أَن يُحِبُّوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا اتبعُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي شَرِيعَته وسنته يُحِبهُمْ الله عز وَجل، فَيَقَع الِاسْتِدْلَال بهَا فِي الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورين بِاعْتِبَار الْإِضَافَة فِي حب الله تَعَالَى. وَعَن الْحسن وَابْن

(22/196)


جريج: زعم أَقوام على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنهم يحبونَ الله، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّد، إِنَّا نحب رَبنَا، فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة: {قل} يَا مُحَمَّد {إِن كُنْتُم تحبون الله فَاتبعُوني} فِيمَا آمُر وأنهى {يحبكم الله} عز وَجل. (آل عمرَان: 31) .

6168 - حدَّثنا بِشْرُ بنُ خالِدٍ حَدثنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمانَ عَنْ أبي وائِلٍ عَنْ عَبْدِ الله عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أنَّهُ قَالَ: المَرْءُ مَعَ مَنْ أحَبَّ. (انْظُر الحَدِيث 6168 طرفه فِي: 6169) .

نقل بَعضهم عَن الْكرْمَانِي بِأَنَّهُ قَالَ: يحْتَمل أَن يُرَاد بالترجمة محبَّة الله تَعَالَى للْعَبد، ومحبة العَبْد لله، أَو الْمحبَّة بَين الْعباد فِي ذَات الله عز وَجل، ثمَّ قَالَ: وَلم يتَعَرَّض لمطابقة الحَدِيث للتَّرْجَمَة، وَقد توقف فِيهِ غير وَاحِد، ثمَّ أَطَالَ الْكَلَام بِمَا لَا يجدي شَيْئا، وَلَو كَانَ توقف فِيهِ مثل غَيره لَكَانَ أولى، فَأَقُول، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق: إِن مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ معنى الحَدِيث لِأَن قَوْله: (مَعَ من أحب) أَعم من أَن يحب الله وَرَسُوله، وَأَن يحب عبدا فِي ذَات الله تَعَالَى بالإخلاص، فَكَمَا أَن التَّرْجَمَة تحْتَمل الْعُمُوم على مَا ذكرنَا من الْأَوْجه الثَّلَاثَة، فَكَذَلِك لفظ الحَدِيث يحْتَمل تِلْكَ الْأَوْجه الْمَذْكُورَة، فَتحصل الْمُطَابقَة بَينهمَا وَالدَّلِيل على عُمُومه كلمة: من، فَإِنَّهَا تَقْتَضِي الْعُمُوم، وَضمير الْمَفْعُول فِي: أحب، مَحْذُوف تَقْدِيره: من أحبه، وَهُوَ يرجع إِلَى كلمة: من، فيكتسب الْعُمُوم مِنْهَا. فَافْهَم، فَإِنَّهُ مَوضِع دَقِيق لَاحَ لي من الْأَنْوَار الربانية.
وَبشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة ابْن خَالِد أَبُو مُحَمَّد العسكري الْفَرَائِضِي وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا مَاتَ سنة ثَلَاث وَخمسين وَمِائَتَيْنِ، وَمُحَمّد بن جَعْفَر هُوَ غنْدر، وَسليمَان هُوَ الْأَعْمَش، وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْأَدَب عَن بشر بن خَالِد أَيْضا، وَعَن غَيره.
قَوْله: (مَعَ من أحب) أَي فِي الْجنَّة، يَعْنِي: هُوَ مُلْحق بهم دَاخل فِي زمرتهم ألحقهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِحسن النِّيَّة من غير زِيَادَة عمل بأصحاب الْأَعْمَال الصَّالِحَة.
وَقَالَ ابْن بطال. فِيهِ: أَن من أحب عبدا فِي الله تَعَالَى فَإِن الله يجمع بَينهمَا فِي جنته وَإِن قصّر فِي عمله، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لما أحب الصَّالِحين لأجل طاعتهم أثابه الله تَعَالَى ثَوَاب تِلْكَ الطَّاعَة إِذْ النِّيَّة هِيَ الأَصْل وَالْعَمَل تَابع لَهَا، وَالله يُؤْتِي فَضله من يَشَاء، وَالله ذُو الْفضل الْعَظِيم.

6169 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حَدثنَا جَرِيرٌ عَنِ الأعْمَشِ عَنْ أبي وائِلٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الله ابنُ مَسْعُودٍ رَضِي الله عَنهُ: جاءَ رَجُلٌ إِلَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رسولَ الله! كَيْفَ تَقُولُ فِي رجُل أحَبَّ قَوْماً وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ؟ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ. (انْظُر الحَدِيث 6168) .

مطابقته هَذَا ومطابقة الْحَدِيثين الَّذين بعده مثل مُطَابقَة الحَدِيث السَّابِق، وَجَرِير هُوَ ابْن عبد الحميد الرَّازِيّ. قَوْله: (وَلم يلْحق بهم) أَي: فِي الْعَمَل والفضيلة.
تابَعَهُ جَرِيرُ بنُ حازِمٍ وسُلَيْمَانُ بنُ قَرْمٍ وأبُو عَوَانَةَ عَنِ الأعْمَشِ عَنْ أبي وائلٍ عَنْ عَبْدِ الله عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
أَي: تَابع جرير بن عبد الحميد جرير بن حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي الْبَصْرِيّ، وَسليمَان بن قرم بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الرَّاء الضَّبِّيّ، وَأَبُو عوَانَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة الوضاح بن عبد الله الْيَشْكُرِي: أما مُتَابعَة جرير بن حَازِم فوصلها أَبُو نعيم فِي كتاب المحبين من طَرِيق أبي الْأَزْهَر أَحْمد بن الْأَزْهَر عَن وهب بن جرير بن حَازِم: حَدثنَا أبي سَمِعت الْأَعْمَش عَن أبي وَائِل عَن عبد الله فَذكره، وَلم ينْسب عبد الله. وَأما مُتَابعَة سُلَيْمَان بن قرم فوصلها مُسلم من طَرِيق أبي الْجَواب عمار بن رُزَيْق بِتَقْدِيم الرَّاء عَنهُ عَن عبد الله، وعطفها على رِوَايَة شُعْبَة، فَقَالَ مثله. وَأما مُتَابعَة أبي عوَانَة فوصلها أَبُو عوَانَة يَعْقُوب والخطيب فِي كتاب (المكمل) من طَرِيق يحيى بن حَمَّاد عَنهُ، قَالَ فِيهِ أَيْضا: عَن عبد الله، وَلم ينْسبهُ.

6170 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حَدثنَا سُفْيَانُ عَنِ الأعْمَشِ عَنْ أبي وائِلٍ عَنْ أبي مُوسَى قَالَ: قِيلَ

(22/197)


للنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الرَّجُلُ يُحِبُّ القَوْمَ ولَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ. قَالَ: المَرْءُ مَنْ أحَبَّ.

أَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وسُفْيَان الثَّوْريّ، وَأَبُو مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الْأَدَب عَن أبي بكر وَأبي كريب وَغَيرهمَا، وَقَالَ الْمزي: رَوَاهُ غير وَاحِد عَن الْأَعْمَش عَن أبي وَائِل عَن عبد الله بن مَسْعُود، وروى عَن سُفْيَان عَن الْأَعْمَش عَن أبي وَائِل، فَقَالَ مرّة: عَن عبد الله، وَقَالَ مرّة: عَن أبي مُوسَى. قلت: الطريقان كِلَاهُمَا صَحِيحَانِ، وَكَذَا قَالَ أَبُو عوَانَة فِي (صَحِيحه) .
قَوْله: (وَلما يلْحق بهم) وَفِي الرِّوَايَة السَّابِقَة: وَلم يلْحق بهم قَالَ الْكرْمَانِي فِي كلمة: لما إِشْعَار بِأَنَّهُ يتَوَقَّع اللحوق يَعْنِي: هُوَ قَاصد لذَلِك ساعٍ فِي تَحْصِيل تِلْكَ الْمرتبَة.
تابَعَهُ أبُو مُعاوِيَةَ ومُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ
يَعْنِي: تَابع سُفْيَان أَبُو مُعَاوِيَة مُحَمَّد بن خازم بالمعجمتين، وَمُحَمّد بن عبيد فِي روايتهما عَن الْأَعْمَش، وَهَذِه الْمُتَابَعَة وَصلهَا مُسلم عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير عَنْهُمَا، وَقَالَ فِي رِوَايَة: عَن أبي مُوسَى.

6171 - حدَّثنا عَبْدَانُ أخبرنَا أبِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرو بنِ مُرَّةَ عَنْ سالِمِ بنِ أبي الجَعْدِ عَنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ أنَّ رَجُلاً سَأَلَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَتَى السَّاعَةُ يَا رسولَ الله! قَالَ: مَا أعْدَدْتَ لَهَا؟ قَالَ: مَا أعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ صَلاَةٍ ولاَ صَوْمٍ ولاَ صَدَقَةٍ، ولاكِنِّي أُحِبُّ الله ورسولَهُ. قَالَ: أنْتَ مَعَ مَنْ أحْبَبْتَ.
عَبْدَانِ لقب عبد الله بن عُثْمَان الْمروزِي يروي عَن أَبِيه عُثْمَان بن جبلة عَن شُعْبَة عَن عَمْرو بن مرّة بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء عَن سَالم بن أبي الْجَعْد بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة واسْمه رَافع الْكُوفِي عَن أنس رَضِي الله عَنهُ.
والْحَدِيث قد مضى فِي الْبَاب الَّذِي قبله، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (مَا أَعدَدْت لَهَا؟) من أسلوب الْحَكِيم، وَقد ذَكرْنَاهُ هُنَاكَ.

97 - (بابُ قَوْلِ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ: إخْسأ)

أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان قَول الرجل الآخر: إخسأ بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح السِّين الْمُهْملَة وبالهمزة الساكنة، وَقَالَ ابْن بطال: إخسأ، زجر للكلب وإبعاد لَهُ، هَذَا أصل هَذِه الْكَلِمَة واستعملتها الْعَرَب فِي كل من قَالَ أَو فعل مَا لَا يَنْبَغِي لَهُ مِمَّا يسْخط الله تَعَالَى.

6172 - حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ حَدثنَا سَلْمُ بنُ زَرِيرٍ سَمِعْتُ أَبَا رجاءٍ سَمِعْت ابنَ عباسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ل ابْن صائِدٍ، قَدْ خبأتُ لَكَ خَبِيئاً، فَما هُوَ؟ قَالَ: الدخُّ. قَالَ: إخْسأْ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (قَالَ: إخسأ) . وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك، وَسلم بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام ابْن زرير بِفَتْح الزَّاي وَكسر الرَّاء الأولى، وَقيل: بِضَم الزَّاي وَفتح الرَّاء الْبَصْرِيّ، وَأَبُو رَجَاء بِالْجِيم عمرَان العطاردي. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (لِابْنِ صائد) ويروى: لِابْنِ صياد، وَهُوَ الْأَشْهر. قَوْله: (خبيئاً) بِفَتْح الْخَاء وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة على وزن فعيل وَهُوَ الشَّيْء المخبوء من الخبأ وَهُوَ كل شَيْء غَائِب مَسْتُور، يُقَال: خبأت الشَّيْء أخباه إِذا خفيته. قَوْله: (الدخ) بِضَم الدَّال الْمُهْملَة وَتَشْديد الْخَاء الْمُعْجَمَة وَهُوَ الدُّخان. قَوْله: (إخسأ) أَي: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أسكت صاغراً مطروداً، ويروى: إخس، بِحَذْف الْهمزَة.

6173 - حدَّثني أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبرنِي سالمُ بنُ عَبْدِ الله أنَّ عَبْدَ الله بنَ عُمَرَ أخْبَرَهُ أَن عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ انْطَلَقَ مَعَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رَهْطٍ مِنْ أصْحابِهِ قِبَلَ ابنِ صَيَّادٍ حَتَّى وَجَدَهُ يَلْعَبُ مَعَ الغِلْمانِ فِي أُطُمِ بَنِي مَغَالَةَ، وَقَدْ قارَبَ ابنُ صَيَّادٍ يَوْمَئِذٍ الحُلُمَ، فَلَمْ يَشْعُرْ حَتَّى ضَرَبَ رَسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ظَهْرَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ: أتَشْهَدُ أَنِّي رسولُ الله؟ فَنَظَرَ إلَيْهِ فَقَالَ: أشْهَدُ أنَّكَ رسولُ الأُمِّيِّينَ. ثُمَّ قَالَ ابنُ صَيَّادٍ: أتَشْهَدُ أنِّي رسولُ الله؟ فَرَضَّهُ

(22/198)


النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثُمَّ قَالَ: آمَنْتُ بِاللَّه ورُسُلِهِ، ثُمَّ لابْنِ صَيَّادٍ: ماذَا تَرَى؟ قَالَ: يَأْتِينِي صادِقُ وكاذِبٌ، قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: خُلِّطَ عَلَيْكَ الأمْرُ، قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إنِّي خَبَّأْتُ لَكَ خَبِيئاً. قَالَ: هُوَ الدُّخُّ. قَالَ: إخْسَأْ فَلَنْ تَعْدُو قَدْرَكَ. قَالَ عُمَرُ: يَا رسُولَ الله {أتَأْذنُ لي فِيهِ أضْرِبْ عُنُقَهُ؟ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إنْ يَكُنْ هُوَ لَا تُسَلَّطُ عَلَيْهِ، وَإِن لَمْ يَكُنْ هُوَ فَلا خَيْرَ لَكَ فِي قَتْلِهِ. قَالَ سالِمٌ: فَسَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ عُمَرٍ يَقُولُ: انْطَلَقَ بَعْدَ ذالِكَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأُبَيُّ ابنُ كَعْبٍ الأنْصارِيُّ يَؤْمَّانِ النَّخْلَ الَّتي فِيها ابنُ صَيَّادٍ حَتَّى إِذا دَخَلَ رسولخ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، طَفِقَ رَسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ وَهْوَ يَخْتِلُ أنْ يَسْمَعَ مِن ابنِ صَيَّادٍ شَيْئاً قَبْلَ أنْ يَراهُ، وابنُ صَيَّادٍ مُضْجِعٌ عَلَى فِراشِهِ فِي قَطِيفَةٍ لَهُ فِيها رَمْرَمَةٌ أَوْ زَمْزَمَةٌ فَرَأتْ أمُّ ابنِ صَيَّاد النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهْوَ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ، فقالَتْ لابْنِ صَيَّادٍ: أيْ صَاف وَهْوَ اسْمُهُ هاذَا مُحَمَّدٌ} فَتَناهَى ابنُ صَيَّادٍ، قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَوْ تَرَكَتْهُ بَيَّنَ.
قَالَ سَالم قَالَ عبد الله قَامَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي النَّاس فَأثْنى على الله بِمَا هُوَ أَهله ثمَّ ذكر الدَّجَّال فَقَالَ إِنِّي أنذركموه وَمَا من نَبِي إِلَّا وَقد أنذر قومه لقد أنذره نوح قومه وَلَكِنِّي سأقول لكم فِيهِ قولا لم يقلهُ نَبِي لِقَوْمِهِ تعلمُونَ أَنه أَعور وَأَن الله لَيْسَ بأعور) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله اخْسَأْ فَلَنْ تعدو قدرك وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْجَنَائِز فِي بَاب إِذا أسلم الصَّبِي فَمَاتَ هَل يصلى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَبْدَانِ عَن عبد الله عَن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم إِلَى آخِره وَمضى الْكَلَام فِيهِ مَبْسُوطا قَوْله قبل ابْن صياد بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة أَي جِهَته قَوْله فِي أَطَم بِضَم الْهمزَة والطاء الْمُهْملَة وَهُوَ الْحصن قَوْله بني مغالة بِفَتْح الْمِيم وبالغين الْمُعْجَمَة وَفِي الْمطَالع أَرض الْمَدِينَة على صنفين لبطنين من الْأَنْصَار بَنو مُعَاوِيَة وَبَنُو مغالة وَقَالَ الْكرْمَانِي مغالة كل مَا كَانَ على يَمِينك إِذا وقفت آخر البلاط مُسْتَقْبل مَسْجِد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله الْحلم أَي الْبلُوغ قَوْله الْأُمِّيين أَي الْعَرَب قَوْله فَرْضه النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالضاد الْمُعْجَمَة أَي دَفعه حَتَّى وَقع وتكسر وبالصاد الْمُهْملَة إِذا قرب بعضه من بعض قَالَ تَعَالَى {كَأَنَّهُمْ بُنيان مرصوص} وَقَالَ الْخطابِيّ إعجام الصَّاد غلط وَالصَّوَاب رصه بِالْمُهْمَلَةِ أَي قبض عَلَيْهِ بِثَوْبِهِ وَضم بعضه إِلَى بعض قَوْله خلط على صِيغَة الْمَجْهُول من التَّخْلِيط قَوْله خبيئا ويروى خبئا وَقد مر تَفْسِيره عَن قريب قَوْله إِن يكن هُوَ لفظ هُوَ تَأْكِيد للضمير الْمُسْتَتر أَو وضع هُوَ مَوضِع إِيَّاه وَهُوَ رَاجع إِلَى الدَّجَّال وَإِن لم يتَقَدَّم ذكره لشهرته قَوْله ائْذَنْ لي فِيهِ أضْرب عُنُقه بِالْجَزْمِ ويروى تَأذن لي فِيهِ أضْرب بِالرَّفْع وَإِنَّمَا منع عمر من ضرب عُنُقه وَالْحَال أَنه ادّعى النُّبُوَّة لِأَنَّهُ كَانَ غير بَالغ أَو كَانَ فِي أَيَّام مهادنة الْيَهُود وَقيل كَانَ يُرْجَى إِسْلَامه وَفِي التَّوْضِيح قيل أَنه أسلم قَالَه الدَّاودِيّ وَأوردهُ ابْن شاهين فِي الصَّحَابَة وَقَالَ هُوَ عبد الله بن صياد كَانَ أَبوهُ يَهُودِيّا فولد عبد الله أَعور مَجْنُونا وَقيل أَنه الدَّجَّال ثمَّ أسلم فَهُوَ تَابِعِيّ لَهُ رُؤْيَة وَقَالَ أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ صحبني ابْن صياد إِلَى مَكَّة فَقَالَ لقد هَمَمْت أَن آخذ حبلا فأوثقه إِلَى صَخْرَة ثمَّ أختنق مِمَّا يَقُول النَّاس فِي الحَدِيث وَهُوَ فِي مُسلم قَوْله يؤمان أَي يقصدان قَوْله وَهُوَ يخْتل بِسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق أَي يطْلب مستغفلا لَهُ ليسمع شَيْئا من كَلَامه الَّذِي يَقُوله هُوَ فِي خلوته ليظْهر للصحابة حَاله فِي أَنه كَاهِن قَوْله فِي قطيفة وَهِي كسَاء مخمل قَوْله رمرمة بالراء المكررة وَهِي الصَّوْت الْخَفي وَكَذَا بالزاي ويروى رمزة أَي إِشَارَة ويروى زمرة من المزمار قَوْله أَي صَاف أَي يَا صَاف بالصَّاد الْمُهْملَة

(22/199)


وَالْفَاء قَوْله لَو تركته أمه بِحَيْثُ لَا يعرف قدوم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَين لكم باخْتلَاف كَلَامه مَا يهون عَلَيْكُم أمره وشأنه قَوْله لقد أنذره نوح عَلَيْهِ السَّلَام قومه وَوجه التَّخْصِيص بِهِ وَقد عمم أَولا حَيْثُ قَالَ مَا من نَبِي لِأَنَّهُ أَبُو الْبشر الثَّانِي وَذريته هم الْبَاقُونَ فِي الدُّنْيَا قَوْله لَيْسَ بأعور قَالَ الْكرْمَانِي كَونه غير إِلَه مَعْلُوم بالبراهين القاطعة فَمَا فَائِدَة ذكره أَنه لَيْسَ بأعور قلت هَذَا مَذْكُور للقاصرين عَن إِدْرَاك المعقولات
(قَالَ أَبُو عبد الله خسأت الْكَلْب بعدته: خَاسِئِينَ مبعدين) ثَبت هَذَا فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وَحده وَأَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه وَكَذَا فسر أَبُو عُبَيْدَة وَقَالَ فِي قَوْله {كونُوا قردة خَاسِئِينَ} أَي قاصين معبدين يُقَال خسأته عني وخسأ هُوَ يَعْنِي يتَعَدَّى وَلَا يتَعَدَّى وَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {يَنْقَلِب إِلَيْك الْبَصَر خاسئا} أَي مُبْعدًا -
98 - (بابُ قَوْلِ الرَّجُلِ مَرْحَباً)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قَول الرجل الآخر: مرْحَبًا، هَكَذَا هَذِه التَّرْجَمَة فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: بَاب قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مرْحَبًا، وَقَالَ الْأَصْمَعِي: معنى مرْحَبًا: لقِيت رحباً وسعةً، وَقَالَ الْفراء: نصب على الْمصدر، وَفِيه معنى الدُّعَاء بالرحب وَالسعَة، وَقيل: هُوَ مفعول بِهِ أَي: لقِيت سَعَة لَا ضيقا.
وقالَتْ عائِشَةُ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِفَاطِمَةَ عَلَيْها السَّلاَمُ: مَرْحَباً بِابْنَتِي
هَذَا التَّعْلِيق طرف من حَدِيث تقدم مَوْصُولا فِي عَلَامَات النُّبُوَّة عَن مَسْرُوق عَن عَائِشَة، قَالَت: أَقبلت فَاطِمَة تمشي ... الحَدِيث.
وقالَتْ أُمُّ هانِىءٍ: جِئْتُ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَرْحَباً بِأُمِّ هانِىءٍ
هَذَا التَّعْلِيق مضى مَوْصُولا عَن قريب فِي: بَاب مَا جَاءَ فِي زَعَمُوا، أَو إسم أم هانىء فَاخِتَة بنت أبي طَالب، وَأُخْت عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ.

6176 - حدَّثنا عِمْرَانُ بنُ مَيْسَرَةَ حَدثنَا عَبْدُ الوارِثِ حَدثنَا أبُوا التَّيَّاحِ عَنْ أبي جَمْرَةَ عَنْ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ القَيْسِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: مَرْحَباً بِالْوَفْدِ الذِّينَ جاؤوا غَيْرَ خَزايا وَلَا نَدامَى، فَقَالُوا: يَا رسولَ الله! إنَّا حَيٌّ مِنْ رَبِيعَةَ وبَيْنَنا وبَيْنَكَ مُضرُ وإنَّا لَا نَصِلُ إلَيْكَ إلاَّ فِي الشَّهْرِ الحَرَامِ، فَمُرْنا بِأمرٍ فَصْلٍ نَدْخُلُ بِهِ الجَنَّةَ ونَدْعُو بِهِ مَنْ وَراءَنا، فَقَالَ: أرْبَعٌ وأرْبَعٌ: أقِيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكاةَ وصُومُوا رَمَضانَ وأعْطُوا خُمُسَ مَا غَنَمْتُمْ، وَلَا تَشْرَبُوا فِي الدبَّاءِ والْحَنْتَمِ والنَّقِيرِ والمُزَفَّتِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (قَالَ: مرْحَبًا) وَعمْرَان بن ميسرَة ضد الميمنة وَعبد الْوَارِث بن سعيد الثَّقَفِيّ، وَأَبُو التياح بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة واسْمه يزِيد بن حميد الضبعِي الْبَصْرِيّ، وَأَبُو جَمْرَة بِالْجِيم وَالرَّاء نصر بن عمرَان الضبعِي الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الْإِيمَان فِي: بَاب أَدَاء الْخمس من الْإِيمَان، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَليّ بن الْجَعْد عَن شُعْبَة عَن أبي جَمْرَة ... إِلَى آخِره، وَمضى أَيْضا فِي كتاب الْأَشْرِبَة.
قَوْله: (عبد الْقَيْس) من أَوْلَاد ربيعَة كَانُوا ينزلون حوالي القطيف. قَوْله: (غير خزايا) جمع الخزيان وَهُوَ المفتضح أَو الذَّلِيل أَو المستحي، والندامى: جمع ندمان بِمَعْنى النادم. قَوْله: (مُضر) بِضَم الْمِيم وَفتح الضَّاد الْمُعْجَمَة وبالراء قَبيلَة. قَوْله: (فِي الشَّهْر الْحَرَام) يَعْنِي: رجباً وَذَا الْقعدَة وَذَا الْحجَّة ومحرماً وَذَلِكَ لِأَن الْعَرَب كَانُوا لَا يُقَاتلُون فِيهَا. قَوْله: (فصل) فاصل بَين الْحق وَالْبَاطِل. قَوْله: (أَربع وَأَرْبع) أَي: الَّذِي آمركُم بِهِ أَربع وَالَّذِي أنهاكم عَنهُ أَربع. قَوْله: (وصوموا رَمَضَان) ويروى: وَصَوْم رَمَضَان. قَوْله: (واعطوا خمس مَا غَنِمْتُم) إِنَّمَا ذكره لأَنهم كَانُوا أَصْحَاب الْغَنَائِم وَلم يذكر الْحَج إِمَّا لِأَنَّهُ لم يفْرض حينئذٍ ولعلمه بِأَنَّهُم لَا يستطيعونه. قَوْله: (فِي الدُّبَّاء) بتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة وبالمد: اليقطين،

(22/200)


وَحكي فِيهِ الْقصر وَهُوَ جمع دباءة. قَوْله: (والحنتم) بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَهِي جرار خضر، وَقَالَ ابْن حبيب: هِيَ الْجَرّ، وَهُوَ كل مَا كَانَ من فخار أَبيض وأخضر، وَأنْكرهُ بعض الْعلمَاء، وَقَالَ: الحنتم مَا طلي وَهُوَ الْمَعْمُول من الزّجاج وَغَيره ويعجل الشدَّة فِي الشَّرَاب بِخِلَاف مَا لم يطلّ، (والنقير) أصل النَّخْلَة يجوف وينبذ فِيهِ وَهُوَ على وزن فعيل بِمَعْنى مفعول يَعْنِي المنقور، (والمزفت) الَّذِي يطلى بالزفت.

99 - (بابُ مَا يُدْعَى النَّاس بِآبائِهِمْ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يدعى النَّاس بآبائهم أَي: بأسماء آبَائِهِم يَوْم الْقِيَامَة، وَكلمَة: مَا يجوز أَن تكون مَصْدَرِيَّة أَي: بَاب دُعَاء النَّاس، والمصدر مُضَاف إِلَى مَفْعُوله وَالْفَاعِل مَحْذُوف أَي: دُعَاء الدَّاعِي النَّاس بأسماء آبَائِهِم، وَوَقع لِابْنِ بطال: بَاب هَل يدعى النَّاس بآبائهم؟ .

6177 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدّثنا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ الله عَنْ نافِعٍ عَن ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: الغادِرُ يُرْفَعُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ القِيَامَةِ، يُقالُ: هاذِهِ غَدْرَةُ فُلانِ بنِ فُلاَنٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فلَان بن فلَان) كِنَايَة عَن إسم يُسمى بِهِ الْمُحدث عَنهُ خَاص غَالب، وَفِي غير النَّاس يُقَال: الفلان والفلانة بِالْألف وَاللَّام.
وَيحيى هُوَ الْقطَّان، وَعبيد الله بن عبد الله الْعمريّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن زُهَيْر بن حَرْب.
قَوْله: (الغادر) ويروى أَن الغادر هُوَ الناقض للْعهد الْغَيْر الوافي بِهِ. قَوْله: (يرفع لَهُ) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ينصب لَهُ، وَالنّصب وَالرَّفْع هَاهُنَا بِمَعْنى وَاحِد. قَوْله: (لِوَاء) وَهُوَ الْعلم، كَانَ الرجل فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا غدر يرفع لَهُ لِوَاء أَيَّام الْمَوْسِم ليعرفه النَّاس فيجتنبوه. قَوْله (هَذِه غدرة فلَان) يَعْنِي باسمه الْمَخْصُوص وباسم أَبِيه، كَذَلِك قَالَ ابْن بطال: الدُّعَاء لآباء أَشد فِي التَّعْرِيف وأبلغ فِي التَّمْيِيز. فَإِن قلت: روى أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء رَفعه، إِنَّكُم تدعون يَوْم الْقِيَامَة بأسمائكم وَأَسْمَاء آبائكم فَأحْسنُوا أسماءكم، وَرَوَاهُ ابْن حبَان وَصَححهُ، فَلم ترك البُخَارِيّ هَذَا وَهُوَ أصرح بِالْمَقْصُودِ؟ قلت: لِأَن فِي سَنَده انْقِطَاعًا بَين عبد الله ابْن أبي زَكَرِيَّاء رَاوِيه عَن أبي الدَّرْدَاء فَإِنَّهُ لم يُدْرِكهُ وَتَركه لِأَنَّهُ لَيْسَ على شَرطه، وَفِي حَدِيث الْبَاب رد لقَوْل من يزْعم أَنه لَا يدعى النَّاس يَوْم الْقِيَامَة إلاَّ بأمهاتهم، لِأَن فِي ذَلِك سترا على آبَائِهِم، وَفِيه جَوَاز الحكم بظواهر الْأُمُور.

6178 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَة عَنْ مالِكٍ عَنْ عَبْدِ الله بنِ دِينارٍ عَنِ ابْن عُمَرَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إنَّ الغادِرَ يُنْصَبُ لَهُ لِوَاءٌ يعلأْمَ القِيَامَةِ فَيُقالُ: هاذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنِ بنِ فُلاَنٍ.
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور وَهُوَ ظَاهر.

100 - (بابٌ لاَ يَقُلْ: خَبُثَتْ نَفْسِي)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَن الْأَدَب أَن لَا يَقُول أحد: خبثت نَفسِي، لأجل كَرَاهَة لفظ، الْخبث حرَام على الْمُؤمنِينَ، وخبث بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَضم الْبَاء الْمُوَحدَة، وَيُقَال بِفَتْحِهَا وَالضَّم صَوَاب. قَالَ الرَّاغِب: الْخَبيث يُطلق على الْبَاطِل فِي الِاعْتِقَاد وَالْكذب فِي الْمقَالة والقبح فِي الفعال، وَقَالَ ابْن بطال: لَيْسَ النَّهْي على سَبِيل الْإِيجَاب، وَإِنَّمَا هُوَ من بَاب الْأَدَب، وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الَّذِي يعْقد الشَّيْطَان على رَأسه ثَلَاث عقد: أصبح خَبِيث النَّفس كسلان.

6179 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ حدّثنا سُفْيانُ عَنْ هِشامٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يَقُولَنَّ أحَدُكُمْ: خَبُثَتْ نَفْسي! ولاكِنْ لِيَقُلْ: لَقِسَتْ نَفْسِي.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة يروي عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْأَدَب. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة جَمِيعًا بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور.
قَوْله: (لقست) بِكَسْر الْقَاف وبالسين الْمُهْملَة هُوَ أَيْضا بِمَعْنى: حبثت، لَكِن كره لفظ الْخبث كَمَا ذكرنَا، وَقَالَ الْخطابِيّ: لقست وخبثت

(22/201)


وَاحِد فِي الْمَعْنى وَلكنه استقبح لفظ خبثت فَاخْتَارَ لفظا بَرِيئًا من البشاعة سليما مِنْهَا، وَكَانَ من سنَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَبْدِيل الإسم الْقَبِيح بالْحسنِ.

6180 - حدَّثنا عَبْدَانُ أخبرنَا عَبْدُ الله عَنْ يُونسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أبي أُمامَةَ بنِ سَهْلٍ عَنْ أبِيهِ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يَقُولَنَّ أحَدُكُمْ: خَبْثَتْ نَفْسِي، ولاكِنْ لِيَقُلْ: لَقِسَتْ نَفْسِي.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وعبدان لقب عبد الله بن عُثْمَان بن جبلة الْمروزِي، وَعبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي، وَيُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي، وَأَبُو أُمَامَة بن سهل بن حنيف الْأنْصَارِيّ، وإسم أبي أُمَامَة أسعد، أدْرك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيُقَال: إِنَّه سَمَّاهُ وكناه باسم جده وكنيته.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْأَدَب أَيْضا عَن أبي الطَّاهِر وحرملة. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن أَحْمد بن صَالح. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن وهب بن بَيَان وَغَيره. قَوْله: (مثله) أَي: مثل الحَدِيث الْمَذْكُور.
قَوْله: (قَالَ) إِلَى آخِره. تَفْسِير لقَوْله: مثله.
تابَعَهُ عُقَيْلٌ
أَي: تَابع يُونُس بن يزِيد عقيل بن خَالِد فِي رِوَايَته عَن الزُّهْرِيّ بِسَنَدِهِ الْمَذْكُور والمتن. وَأخرج هَذِه الْمُتَابَعَة من طَرِيق نَافِع ابْن يزِيد عَن عقيل. قَوْله: تَابعه عقيل لَيست فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَإِنَّمَا هِيَ فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ والباقين، وَالله أعلم.

101 - (بابٌ لاَ تَسُبُّوا الدَّهْرَ)

أَي: بَاب فِيهِ الْمَنْع عَن سبّ الدَّهْر وَذكره فِي التَّرْجَمَة بقوله: لَا تسبوا الدَّهْر، فَإِنَّهُ فِي لفظ مُسلم هَكَذَا حَيْثُ قَالَ: حَدثنِي زُهَيْر بن حَرْب حَدثنِي جرير عَن هِشَام عَن ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تسبوا الدَّهْر، قإن الله الدَّهْر، وروى مُسلم هَذَا الحَدِيث بطرق مُخْتَلفَة ومتون متباينة.

202 - (حَدثنَا يحيى بن بكير حَدثنَا اللَّيْث عَن يُونُس عَن ابْن شهَاب أَخْبرنِي أَبُو سَلمَة قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ الله يسب بَنو آدم الدَّهْر وَأَنا الدَّهْر بيَدي اللَّيْل وَالنَّهَار) مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله يسب بَنو آدم الدَّهْر لِأَن مَعْنَاهُ فِي الْحَقِيقَة يرجع إِلَى لفظ لَا تسبوا الدَّهْر وَيُؤَيّد هَذَا رِوَايَة مُسلم المصرحة بذلك كَمَا ذَكرْنَاهُ والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن وهب بن بَيَان قَوْله يسب بَنو آدم الدَّهْر إِلَى آخِره قَالَ الْخطابِيّ كَانَت الْجَاهِلِيَّة تضيف المصائب والنوائب إِلَى الدَّهْر الَّذِي هُوَ من اللَّيْل وَالنَّهَار وهم فِي ذَلِك فرقتان فرقة لَا تؤمن بِاللَّه وَلَا تعرف إِلَّا الدَّهْر اللَّيْل وَالنَّهَار اللَّذَان هما مَحل للحوادث وظرف لمساقط الأقدار فتنسب المكاره إِلَيْهِ على أَنَّهَا من فعله وَلَا ترى أَن لَهَا مُدبرا غَيره وَهَذِه الْفرْقَة هِيَ الدهرية الَّذين حكى الله عَنْهُم فِي قَوْله وَمَا يُهْلِكنَا إِلَّا الدَّهْر وَفرْقَة تعرف الْخَالِق وتنزهه من أَن تنْسب إِلَيْهِ المكاره فتضيفها إِلَى الدَّهْر وَالزَّمَان وعَلى هذَيْن الْوَجْهَيْنِ كَانُوا يسبون الدَّهْر ويذمونه فَيَقُول الْقَائِل مِنْهُم يَا خيبة الدَّهْر وَيَا بؤس الدَّهْر فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَهُم مُبْطلًا ذَلِك لَا يسبن أحد مِنْكُم الدَّهْر فَإِن الله هُوَ الدَّهْر يُرِيد وَالله أعلم لَا تسبوا الدَّهْر على أَنه الْفَاعِل لهَذَا الصَّنِيع بكم فَالله هُوَ الْفَاعِل لَهُ فَإِذا سببتم الَّذِي أنزل بكم المكاره رَجَعَ السب إِلَى الله تَعَالَى وَانْصَرف إِلَيْهِ وَمعنى قَوْله أَنا الدَّهْر أَنا مَالك الدَّهْر ومصرفه فَحذف اختصارا للفظ واتساعا فِي الْمَعْنى وَقَالَ غَيره معنى قَوْله أَنا الدَّهْر أَي الْمُدبر أَو صَاحب الدَّهْر أَو مقلبه أَو مصرفه وَلِهَذَا عقبه بقوله بيَدي اللَّيْل وَالنَّهَار وَقَالَ الْكرْمَانِي لم عدل عَن الظَّاهِر ثمَّ قَالَ الدَّلَائِل الْعَقْلِيَّة مُوجبَة للعدول ويروى بِنصب الدَّهْر على معنى أَنا بَاقٍ أَو ثَابت فِي الدَّهْر وروى أَحْمد عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ لَا تسبوا الدَّهْر فَإِن الله قَالَ أَنا الدَّهْر الْأَيَّام والليالي أوجدها وأبليها وَآتِي بملوك بعد مُلُوك

(22/202)


6182 - حدَّثنا عَيَّاشُ بنُ الوَلِيدِ حدّثنا عَبْدُ الأعْلَى حَدثنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أبي سَلَمَةَ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ، عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: لَا تُسَمُّوا العِنَبَ الكَرْمَ، وَلَا تَقُولُوا: خَيْبَةَ الدَّهْرِ، فإِنَّ الله هُوَ الدَّهْرُ. (انْظُر الحَدِيث 6182 طرفه فِي: 6183) .

هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث السَّابِق أخرجه عَن عَيَّاش بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف والشين الْمُعْجَمَة ابْن الْوَلِيد الْبَصْرِيّ الرقام عَن عبد الْأَعْلَى بن عبد الْأَعْلَى عَن معمر بن رَاشد عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن أبي هُرَيْرَة.
قَوْله: (لَا تسموا الْعِنَب الْكَرم) قَالَ الْخطابِيّ: نهى عَن تَسْمِيَة الْعِنَب كرماً لتوكيد تَحْرِيم الْخمر ولتأبيد النَّهْي عَنْهَا بمحو اسْمهَا. قَوْله: (وَلَا تَقولُوا خيبة الدَّهْر) كَذَا هُوَ لأكْثر الروَاة، وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: يَا خيبة الدَّهْر، وَفِي رِوَايَة غير البُخَارِيّ: واخيبة الدَّهْر، والخيبة بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَإِسْكَان الْيَاء آخر الْحُرُوف بعْدهَا بَاء مُوَحدَة وَهِي الحرمان، وانتصاب الخيبة على الندبة كَأَنَّهُ فقد الدَّهْر لما يصدر عَنهُ مِمَّا يكرههُ فندبه متفجعاً عَلَيْهِ أَو متوجعاً مِنْهُ. وَقَالَ الدَّاودِيّ: هُوَ دُعَاء على الدَّهْر بالخيبة، وَهُوَ كَقَوْلِهِم قحط الله نوأها يدعونَ على الأَرْض بِالْقَحْطِ، وَهِي كلمة هَذَا أَصْلهَا ثمَّ صَارَت تقال لكل مَذْمُوم، وَوَقع فِي رِوَايَة الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة عِنْد مُسلم بِلَفْظ: وادهراه {وادهراه}