عمدة القاري شرح صحيح البخاري

79 - (كِتابُ الاسْتِئْذَانِ)

أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَمر الاسْتِئْذَان، وَهُوَ طلب الْإِذْن فِي الدُّخُول فِي مَحل لَا يملكهُ المستأذِن، وَذكر ابْن بطال فِي شرح هَذَا الْكتاب قبل كتاب اللبَاس بعد الْمُرْتَدين والمحاربين، وَلم يدر مَا كَانَ مُرَاده من ذَلِك.

1 - (بابُ بَدْءِ السَّلاَمِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان بَدْء السَّلَام، والبدء بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة وبالهمزة فِي آخِره بِمَعْنى الِابْتِدَاء، أَي: أول مَا يَقع السَّلَام، وَإِنَّمَا ترْجم بِالسَّلَامِ للْإِشَارَة إِلَى أَنه لَا يُؤذن لمن لم يسلم، وَقد أخرج أَبُو دَاوُد عَن ابْن أبي شيبَة بِإِسْنَاد جيد عَن ربعي بن حِرَاش: حَدثنِي رجل أَنه اسْتَأْذن على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي بَيته، فَقَالَ: أَأَلِجُ؟ فَقَالَ لِخَادِمِهِ: أخرج إِلَى هَذَا فَعلمه، فَقَالَ: قل السَّلَام عَلَيْكُم! أَأدْخل؟ ... الحَدِيث، وَصَححهُ الدَّارَقُطْنِيّ.

6227 - حدَّثنا يَحْياى بنُ جَعْفَر حَدثنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَر عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: خَلَقَ الله آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ طُولُهُ سِتُّونَ ذِراعاً، فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ: إذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولائِكَ النفَرِ مِنَ المَلاَئِكَةِ جُلُوسٌ، فاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ فإِنَّها تَحِيَّتكَ وَتَحِيَّةُ ذُرَّيَّتِكَ فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ. فقالُوا: السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ الله، فَزَادُوهُ: وَرَحْمَةُ الله، فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ فَلَمْ يَزَلْ الخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الآنَ. (انْظُر الحَدِيث 3326) .

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فَسلم على أُولَئِكَ النَّفر من الْمَلَائِكَة) فَإِن فِيهِ البدء بِالسَّلَامِ.
وَيحيى بن جَعْفَر بن أعين أَبُو زَكَرِيَّا البُخَارِيّ البيكندي بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة، مَاتَ سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ، وَعبد الرَّزَّاق بن همام، وَمعمر بِفَتْح الميمين ابْن رَاشد الْبَصْرِيّ، وَهَمَّام بتَشْديد الْمِيم ابْن مُنَبّه بِفَتْح النُّون وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة الْمَكْسُورَة الصَّنْعَانِيّ.
والْحَدِيث قد مضى فِي خلق آدم عَن عبد الله بن مُحَمَّد وَلَيْسَ فِيهِ لفظ: على صورته، وَلَا فِيهِ لفظ: النَّفر وَلَا لفظ. جُلُوس وَلَا لفظ. بعد، وَالْبَاقِي مثله. وَأخرجه مُسلم عَن مُحَمَّد بن رَافع عَن عبد الرَّزَّاق ... إِلَى آخِره.
قَوْله: (على صورته) أَي على صُورَة آدم لِأَنَّهُ أقرب أَي: خلقه فِي أول الْأَمر بشرا سوياً كَامِل الْخلقَة طَويلا سِتِّينَ ذِرَاعا كَمَا هُوَ الْمشَاهد، بِخِلَاف غَيره فَإِنَّهُ يكون أَولا نُطْفَة ثمَّ علقه ثمَّ مُضْغَة ثمَّ جَنِينا ثمَّ طفْلا ثمَّ رجلا حَتَّى يتم طوله فَلهُ أطوار، وَقَالَ ابْن بطال: أَفَادَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك إبِْطَال قَول الدهرية: إِنَّه لم يكن قطّ إِنْسَان إلاَّ من نُطْفَة، وَلَا نُطْفَة إلاَّ من إِنْسَان، وَقَول الْقَدَرِيَّة: إِن صِفَات آدم على نَوْعَيْنِ: مَا خلقهَا الله تَعَالَى وَمَا خلقهَا آدم بِنَفسِهِ، قَالَ: وَقيل: إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بِرَجُل يضْرب عَبده فِي وَجهه لطماً فزجره عَن ذَلِك، وَقَالَ: خلق الله آدم على صورته، فالهاء كِنَايَة عَن الْمَضْرُوب وَجهه، قَالَ: وَقد يُقَال: هُوَ عَائِد إِلَى الله تَعَالَى، لَكِن الصُّورَة هِيَ الْهَيْئَة وَذَلِكَ لَا يَصح إلاَّ على الْأَجْسَام، فَمَعْنَى الصُّورَة الصّفة كَمَا يُقَال: عرفني صُورَة هَذَا الْأَمر أَي: صفته، يَعْنِي: خلق آدم على صفته أَي حَيا عَالما سميعاً بَصيرًا متكلماً، أَو هُوَ إِضَافَة تشريفية نَحْو: بَيت الله وروح الله، لِأَنَّهُ ابتدأها لَا على مِثَال سَابق بل بمحض الاختراع فشرفها بِالْإِضَافَة إِلَيْهِ. قَوْله: (طوله سِتُّونَ ذِرَاعا) . وَلم يبين عرضه هُنَا، وَجَاء أَن عرضه كَانَ سَبْعَة أَذْرع. قَوْله: (النَّفر) بِفَتْح الْفَاء وسكونها: عدَّة رجال من ثَلَاثَة إِلَى عشرَة، وَهُوَ مجرور فِي الرِّوَايَة وَيجوز أَن يكون مَرْفُوعا على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: هم النَّفر من الْمَلَائِكَة، وَقَالَ بَعضهم: وَيجوز الرّفْع وَالنّصب. قلت: لَا وَجه للنصب إلاَّ بتكلف. قَوْله: (جُلُوس) جَالس وارتفاعه على أَنه خبر بعد خبر، وَمن حَيْثُ الْعَرَبيَّة يجوز نَصبه على الْحَال. قَوْله: (فاستمع) فِي رِوَايَة الْكشميهني، فاسمع. قَوْله: (مَا يحيونك) من التَّحِيَّة، كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: مَا يجيبونك، بِالْجِيم من الْجَواب. قَوْله: (فَإِنَّهَا) أَي: فَإِن الْكَلِمَات الَّتِي يحيون بهَا، قيل: المُرَاد من قَوْله: (ذريتك) الْمُسلمُونَ. قَوْله:

(22/229)


(السَّلَام عَلَيْكُم) هَكَذَا كَانَ ابْن عمر يَقُول فِي سَلَامه وَفِي رده، وَقَالَ ابْن عَبَّاس: السَّلَام يَنْتَهِي إِلَى الْبركَة وَلَا يَنْبَغِي أَن يَقُول فِي السَّلَام: سَلام الله عَلَيْك، وَلَكِن: عَلَيْك السَّلَام، أَو: السَّلَام عَلَيْكُم، وَأَقل السَّلَام: السَّلَام عَلَيْكُم، فَإِن كَانَ وَاحِدًا خَاطب وَالْأَفْضَل الْجمع لتنَاوله مَلَائكَته، وأكمل مِنْهُ زِيَادَة، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، اقْتِدَاء بقوله عز وَجل: { (11) رَحْمَة الله وَبَرَكَاته عَلَيْكُم أهل الْبَيْت} (هود: 11) وَيكرهُ أَن يَقُول الْمُبْتَدِي: عَلَيْكُم السَّلَام، فَإِن قَالَهَا اسْتحق الْجَواب على الصَّحِيح من أَقْوَال الْعلمَاء، وَقيل: لَا يسْتَحق. روى التِّرْمِذِيّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأبي جري الهجمي: لَا تقل عَلَيْك السَّلَام، فَإِن: عَلَيْك السَّلَام، تَحِيَّة الْمَوْتَى، وَقَالَ: حَدِيث صَحِيح، وَالْأَفْضَل الْأَكْمَل فِي الرَّد أَن يَقُول: وَعَلَيْكُم السَّلَام وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، وَيَأْتِي بِالْوَاو، وَقَالَ النَّوَوِيّ: فَلَو حذفهَا جَازَ وَكَانَ تَارِكًا للأفضل، وَلَو اقْتصر على: وَعَلَيْكُم السَّلَام، أَجزَأَهُ، وَلَو اقْتصر على: وَعَلَيْكُم، لم يجزه. وَلَو قَالَ: وَعَلَيْكُم، بِالْوَاو. قَالَ النَّوَوِيّ: فَفِي إجزائه وَجْهَان لِأَصْحَابِنَا، وَأَقل السَّلَام ابْتِدَاء وردا أَن يسمع بِصَاحِبِهِ، وَلَا يُجزئهُ دون ذَلِك، وَيشْتَرط كَون الرَّد على الْفَوْر فَإِن أَخّرهُ ثمَّ رد لم يعد جَوَابا وَكَانَ آثِما بِتَرْكِهِ، وَلَو أَتَاهُ سَلام من غَائِب مَعَ رَسُول أَو فِي ورقة وَجب الرَّد على الْفَوْر، وَيسْتَحب أَن يرد على الْمبلغ أَيْضا فَيَقُول: وَعَلَيْك وَعَلِيهِ السَّلَام، وَلَو كَانَ السَّلَام على أَصمّ فَيَنْبَغِي الْإِشَارَة مَعَ التَّلَفُّظ ليحصل الإفهام، وإلاَّ فَلَا يسْتَحق جَوَابا، وَكَذَا إِذا سلم عَلَيْهِ الْأَصَم وَأَرَادَ الرَّد عَلَيْهِ فيتلفظ بِاللِّسَانِ، وَيُشِير بِالْجَوَابِ. وَلَو سلم على الْأَخْرَس فَأَشَارَ الْأَخْرَس بِالْيَدِ سقط عَنهُ الْفَرْض، وَكَذَا لَو سلم عَلَيْهِ أخرس بِالْإِشَارَةِ اسْتحق الْجَواب. قَوْله: (فَقَالُوا: السَّلَام عَلَيْك وَرَحْمَة الله) كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فَقَالُوا: وَعَلَيْك السَّلَام وَرَحْمَة الله. قَوْله: (فَكل من يدْخل الْجنَّة) مُبْتَدأ. وَقَوله: (على صُورَة آدم) خَبره، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: فَكل من يدْخل، يَعْنِي: الْجنَّة، وَكَانَ لفظ: الْجنَّة سقط من رِوَايَته فَزَاد فِيهِ، يَعْنِي: الْجنَّة. قَوْله: (ينقص) أَي: طوله.
وَفِيه: الْإِشْعَار بِجَوَاز فنَاء الْعَالم كُله كَمَا جَازَ فنَاء بعضه، وَقَالَ الْمُهلب: فِيهِ أَن الْمَلَائِكَة يَتَكَلَّمُونَ بِالْعَرَبِيَّةِ ويتحيون بِتَحِيَّة الْإِسْلَام. وَفِيه: الْأَمر بتَعَلُّم الْعلم من أَهله.
2 - ياأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَى أَهْلِهَا ذاَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمُ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُواْ فَارْجِعُواْ هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ} (النُّور: 27 29)
هَذِه ثَلَاث آيَات سَاقهَا الْأصيلِيّ وكريمة فِي روايتهما، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر قَوْله: {لَا تدْخلُوا بُيُوتًا غير بُيُوتكُمْ} إِلَى قَوْله: {وَمَا تكتمون} وَسبب نزُول قَوْله تَعَالَى: {اأيها الَّذين آمنُوا} ... الْآيَة. مَا ذكره عدي بن ثَابت، قَالَ: جَاءَت امْرَأَة من الْأَنْصَار فَقَالَت: يَا رَسُول الله {إِنِّي أكون فِي بَيْتِي على حَال لَا أحب أَن يراني عَلَيْهَا أحد والدولا ولد فَيدْخل عَليّ، وَإنَّهُ لَا يزَال يدْخل عَليّ رجل من أَهلِي وَأَنا على تِلْكَ الْحَالة، فَكيف أصنع؟ فَنزلت هَذِه الْآيَة. قَوْله: (حَتَّى تستأنسوا) قَالَ الثَّعْلَبِيّ: أَي: تستأذنوا. قَالَ ابْن عَبَّاس: إِنَّمَا هُوَ تستأذنوا، وَلَكِن أَخطَأ الْكَاتِب، وَكَانَ أبي وَابْن عَبَّاس وَالْأَعْمَش يقرؤونها كَذَلِك: حَتَّى تستأذنوا، وَفِي الْآيَة تَقْدِيم وَتَأْخِير تَقْدِيره: حَتَّى تسلموا على أَهلهَا وتستأنسوا، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: يحْتَمل أَن يكون ذَلِك فِي الْقِرَاءَة الأولى ثمَّ نسخت تِلَاوَته معنى، وَلم يطلع عَلَيْهِ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا. وَالْمرَاد بالاستئناس الاسْتِئْذَان بتنحنح وَنَحْوه عِنْد الْجُمْهُور. وَأخرج الطَّبَرِيّ عَن مُجَاهِد: حَتَّى تستأنسوا: تتنحنحوا أَو تنخموا، وَأخرج ابْن أبي حَاتِم بِسَنَد ضَعِيف من حَدِيث أبي أَيُّوب قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله} هَذَا السَّلَام فَمَا الِاسْتِئْنَاس؟ قَالَ: يتَكَلَّم الرجل بتسبيحة وَتَكْبِيرَة وَيَتَنَحْنَح فَيُؤذن أهل الْبَيْت. وَأخرج الطَّبَرِيّ من طَرِيق قَتَادَة. الاسْتِئْذَان ثَلَاثًا، فَالْأولى ليسمع، وَالثَّانيَِة لِيَتَأَهَّبُوا لَهُ، وَالثَّالِثَة أَن شاؤوا أذنوا وَإِن شاؤوا أَرَادوا. والاستئناس فِي اللُّغَة طَالب الإيناس وَهُوَ من الْأنس بِالضَّمِّ ضد الوحشة، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: معنى: تستأنسوا، تستبصروا ليَكُون الدَّاخِل على بَصِيرَة فَلَا يُصَادف مَا لَا يكره صَاحب الْمنزل أَن يطلعوا عَلَيْهِ. وَأخرج من طَرِيق الْبَراء، قَالَ: الِاسْتِئْنَاس فِي كَلَام الْعَرَب

(22/230)


مَعْنَاهُ: انْظُرُوا من فِي الدَّار. وَقَالَ بَعضهم: وَحكى الطَّحَاوِيّ أَن الِاسْتِئْنَاس فِي لُغَة الْيمن الاسْتِئْذَان، ثمَّ قَالَ: وَجَاء عَن ابْن عَبَّاس إِنْكَار ذَلِك. قلت: هَذَا قَتَادَة قد فسر الِاسْتِئْنَاس بالاستئذان كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن، فقصد هَذَا الْقَائِل إِظْهَار مَا فِي قلبه من الحقد للحنفية. قَوْله: (ذَلِكُم) أَي: الاسْتِئْذَان وَالتَّسْلِيم خير لكم من تَحِيَّة الْجَاهِلِيَّة والدمور وَهُوَ الدُّخُول بِغَيْر إِذن. قَوْله: (تذكرُونَ) أَصله: تتذكرون فحذفت إِحْدَى التَّاءَيْنِ. قَوْله: (فَإِن لم تَجدوا فِيهَا) أَي: فِي الْبيُوت أحدا من الآذنين فَلَا تدخلوها فَاصْبِرُوا حَتَّى تَجدوا من يَأْذَن لكم، وَيحْتَمل: فَإِن لم تَجدوا فِيهَا أحدا من أَهلهَا وَلكم فِيهَا حَاجَة فَلَا تدخلوها إلاَّ بِإِذن أَهلهَا. قَوْله: (فَارْجِعُوا) وَلَا تقفوا على أَبْوَابهَا وَلَا تلازموها. قَوْله: (هُوَ) أَي: الرُّجُوع (أزكى) أَي أطهر وَأصْلح، فَلَمَّا نزلت هَذِه الْآيَة قَالَ أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ يَا رَسُول الله! أَرَأَيْت الْخَانَات والمساكن فِي طَرِيق الشَّام لَيْسَ فِيهَا سَاكن؟ فَأنْزل الله تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تدْخلُوا بُيُوتًا غير مسكونة} بِغَيْر اسْتِئْذَان. قَوْله: (فِيهَا مَتَاع لكم) أَي: مَنْفَعَة لكم. وَاخْتلفُوا فِي هَذِه الْبيُوت مَا هِيَ، قَالَ قَتَادَة: هِيَ الْخَانَات والبيوت المبنية للسائلة يأوو إِلَيْهَا ويأووا أمتعتهم فِيهَا. وَقَالَ مُجَاهِد: كَانُوا يضعون بطرِيق الْمَدِينَة أقتاباً وأمتعة فِي بيُوت لَيْسَ فِيهَا أحد، وَكَانَت الطرقات إِذْ ذَاك آمِنَة، فأحل لَهُم أَن يدخلوها بِغَيْر إِذن. وَعَن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة وَأَبِيهِ عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا هِيَ بيُوت مَكَّة. وَقَالَ الضَّحَّاك: هِيَ الخربة الَّتِي يأوي إِلَيْهَا الْمُسَافِر فِي الصَّيف والشتاء، وَقَالَ عَطاء: هِيَ الْبيُوت الخربة، وَالْمَتَاع قَضَاء الْحَاجة فِيهَا من الْبَوْل وَغَيره، وَقَالَ ابْن زيد: هِيَ بيُوت التُّجَّار وحوانيتهم الَّتِي بالأسواق. وَقَالَ ابْن جريج: هِيَ جَمِيع مَا يكون من الْبيُوت الَّتِي لَا سَاكن فِيهَا على الْعُمُوم.
وَقَالَ سَعِيدُ بنُ أبي الحَسَنِ لِلْحَسَنِ: إنَّ نَساءَ العَجَمِ يَكْشِفْنَ صُدُورَهُنَّ وَرُؤُوسَهُنَّ. قَالَ: إصْرِفْ بَصَرَكَ عَنْهُمَّ. قَوْلُ الله عَزَّ وَجَلَّ: { (42) قل للْمُؤْمِنين. . فروجهم} (النُّور: 30) . وَقَالَ قَتَادَة: عمَّا لَا يَحِلُّ لَهُمْ
وَجه ذكر هَذَا عقيب ذكر الْآيَات الثَّلَاث الْمَذْكُورَة الْإِشَارَة إِلَى أَن أصل مَشْرُوعِيَّة الاسْتِئْذَان الِاحْتِرَاز من وُقُوع النّظر إِلَى مَا لَا يُرِيد صَاحب الْمنزل النّظر إِلَيْهِ لَو دخل بِلَا إِذن، ثمَّ قَوْله: وَقَالَ سعيد بن أبي الْحسن ... إِلَى آخر مَا ذَكرْنَاهُ، كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْكشميهني، فالحسن اسْتدلَّ بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَة، وَذكر البُخَارِيّ أثر قَتَادَة تَفْسِيرا لَهَا، وَسَعِيد بن أبي الْحسن هُوَ أَخُو الْحسن الْبَصْرِيّ تَابِعِيّ ثِقَة قَالَ البُخَارِيّ: مَاتَ قبل الْحسن الْبَصْرِيّ. قَوْله: (قَالَ: اصرف) أَي: قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ لِأَخِيهِ: إصرف بَصرك عَنْهُن، قَوْله: قَول الله عز وَجل، ويروى: يَقُول الله تَعَالَى ذكره فِي معرض الِاسْتِدْلَال، وَيجوز فِي: قَول الله، الْفَرْع وَالنّصب، أما الرّفْع فعلى أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هَذَا قَول الله، وَأما النصب فعلى تَقْدِير: إقرأ قَول الله عز وَجل، وأتر قَتَادَة أخرجه ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق يزِيد بن زُرَيْع عَن سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة فِي قَوْله تَعَالَى: { (42) ويحفظوا فروجهم} (النُّور: 31)
إِلَى آخِره، وعَلى هَذِه الرِّوَايَة. وَهِي رِوَايَة الْأَكْثَرين تكون تَرْجَمَة مستأنفة.
وقُلْ لِلْمُؤْمناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ
هَذِه أَيْضا من تَتِمَّة اسْتِدْلَال الْحسن بهَا، غير أَن أثر قَتَادَة تخَلّل بَينهمَا، كَذَا وَقع للأكثرين، وَسقط جَمِيع ذَلِك من رِوَايَة النَّسَفِيّ، فَقَالَ بعد قَوْله: {حَتَّى تستأنسوا} الْآيَتَيْنِ: وَقَول الله عز وَجل: {قل للْمُؤْمِنين يغضوا من أَبْصَارهم} ... الْآيَة. {وَقل للمؤمنات يغضضن} .
خائِنَةَ الأعْيُنِ مِنَ النَّظَرِ إِلَى مَا نُهِيَ عَنْهُ
كَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين بِضَم النُّون فِي قَوْله: (مَا نهي عَنهُ) يَعْنِي: على صِيغَة الْمَجْهُول، وَوَقع فِي رِوَايَة كَرِيمَة: إِلَى مَا نهى الله عَنهُ. قَالَ الله عز وَجل: { (04) يعلم خَائِنَة الْأَعْين} (غَافِر: 19) وَهِي صفة للنظرة، أَي: يعلم النظرة المسترقة إِلَى مَا لَا يحل. وروى ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: {يعلم خَائِنَة الْأَعْين} قَالَ: هُوَ الرجل ينظر إِلَى الْمَرْأَة الْحَسْنَاء تمر بِهِ، أَو يدْخل بَيْتا هِيَ فِيهِ فَإِذا فطن بِهِ غض بَصَره، وَقد علم الله تَعَالَى أَنه يود أَن لَو اطلع على فرجهَا، وَإِذا قدر عَلَيْهَا الزِّنَى بهَا. وَقَالَ الْكرْمَانِي:

(22/231)


وَأما خَائِنَة الْأَعْين الَّتِي ذكرت فِي الخصائص النَّبَوِيَّة فَهِيَ الْإِشَارَة بِالْعينِ إِلَى مُبَاح من الضَّرْب وَنَحْوه، لَكِن على خلاف مَا يظهره بالْقَوْل.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، فِي النَّظَرِ إِلَى الَّتي لَمْ تَحِضْ مِنَ النِّساءِ: لَا يَصْلُحُ النَّظَرُ إِلَى شَيْءٍ مِنْهُن مِمَّنْ يُشْتَهَى النظَرُ إلَيْهِ، وإنْ كانَتْ صَغِيرَةً.
كَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني فِي النّظر إِلَى مَا لَا يحل من النِّسَاء: لَا يصلح، الخ. وَفِي رِوَايَته أَيْضا النّظر إلَيْهِنَّ أَي: إِلَى النِّسَاء. وَأما الضَّمِير الَّذِي فِي قَوْله: إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ يرجع إِلَى شَيْء مِنْهُنَّ، وَمِنْه أَخذ ابْن الْقَاسِم أَنه لَا يجوز للرجل أَن يغسل الصَّغِيرَة الْأَجْنَبِيَّة الْميتَة، خلافًا لأَشْهَب، وَهَذَا الْأَثر وَالَّذِي بعده قد سقطا من رِوَايَة النَّسَفِيّ.
وَكَرِهَ عَطاءٌ النَّظَرَ إِلَى الجَوارِي الَّتِي يُبَعْنَ بِمَكَّة إلاَّ أنْ يُرِيدَ أنْ يَشْتَرِيَ
عَطاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح، وَوصل أَثَره ابْن أبي شيبَة من طَرِيق الْأَوْزَاعِيّ قَالَ: سُئِلَ عَطاء بن أبي رَبَاح عَن الْجَوَارِي اللَّاتِي يبعن بِمَكَّة؟ فكره النّظر إلَيْهِنَّ إلاَّ لمن يُرِيد أَن يَشْتَرِي.

6228 - حدَّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبرنِي سُلَيْمانُ بنُ يَسارٍ أَخْبرنِي عَبْد الله بنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أرْدَفَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الفَضْلَ بنَ عَبَّاسٍ يَوْمَ النَّحْرِ خَلْفَهُ عَلَى عَجُزِ راحِلَتِهِ، وَكَانَ الفَضْلُ رَجُلاً وَضِيئاً، فَوَقَفَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِلنَّاسِ يُفْتِيهِمْ، وأقْبَلَتِ امْرَأةٌ مِنْ خَثْعَمَ وَضِيئَةٌ تَسْتَفْتِي رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَطَفِقَ الفَضْلُ يَنْظُرُ إلَيْها وَأعْجَبَهُ حُسْنُها، فالْتَفَتَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، والفَضْلُ يَنْظُرُ إلَيْهَا، فأخْلَفَ بِيَدِهِ فأخَذَ بِذَقَنِ الفَضْلِ فَعَدَلَ وَجْهَهُ عَنِ النَّظَرِ إلَيْها، فقالَتْ: يَا رسولَ الله! إنَّ فَرِيضَةَ الله فِي الحَجِّ عَلَى عِبادِهِ أدْرَكَتْ أبي شَيْخاً كَبِيراً لَا يَسْتَطِيعُ أنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، فَهَلْ يَقْضِي عَنْهُ أنْ أحُجَّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ.
وَجه ذكر هَذَا الحَدِيث هُنَا هُوَ أَن فِيهِ غض الْبَصَر خشيَة الْفِتْنَة، وَقد تكَرر رِجَاله جدا. وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع.
والْحَدِيث قد مضى فِي الْحَج فِي: بَاب الْحَج عَمَّن لَا يَسْتَطِيع الثُّبُوت على الرَّاحِلَة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (على عجز رَاحِلَته) بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَضم الْجِيم وبالزاي: أَي مؤخرها. قَوْله: (وضيئاً) أَي: لحسن وَجهه ونظافة صورته. قَوْله: (خثعم) بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَفتح الْعين الْمُهْملَة وبالميم وَهِي قَبيلَة. قَوْله: (وضيئة) أَي: حَسَنَة الْوَجْه تضيء من حسنها. قَوْله: (فَطَفِقَ الْفضل) أَي: جعل الْفضل ينظر إِلَيْهَا. قَوْله: (فأخلف بِيَدِهِ) أَي: مد يَده إِلَى خَلفه، ويروى: فاخلف يَده. قَوْله: (فَهَل يقْضِي عَنهُ) أَي: فَهَل يَجْزِي عَنهُ.

3 - (حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد أخبرنَا أَبُو عَامر حَدثنَا زُهَيْر عَن زيد بن أسلم عَن عَطاء بن يسَار عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ إيَّاكُمْ وَالْجُلُوس بالطرقات فَقَالُوا يَا رَسُول الله مَا لنا من مجالسنا بُد نتحدث فِيهَا فَقَالَ إِذا أَبَيْتُم إِلَّا الْمجْلس فأعطوا الطَّرِيق حَقه قَالُوا وَمَا حق الطَّرِيق يَا رَسُول الله قَالَ غض الْبَصَر وكف الْأَذَى ورد السَّلَام وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر) مُنَاسبَة ذكر هَذَا هُنَا كَون غض الْبَصَر فِيهِ صَرِيحًا وَعبد الله بن مُحَمَّد هُوَ المسندي وَأَبُو عَامر عبد الْملك الْعَقدي بِفَتْح

(22/232)


الْعين الْمُهْملَة وَالْقَاف وَزُهَيْر مصغر زهر بن مُحَمَّد التَّيْمِيّ الْخُرَاسَانِي وَزيد بن أسلم بِلَفْظ أفعل التَّفْضِيل أَبُو أُسَامَة مولى عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَعَطَاء بن يسَار ضد الْيَمين وَأَبُو سعيد سعد بن مَالك الْخُدْرِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ والْحَدِيث مضى فِي الْمَظَالِم عَن معَاذ بن فضَالة قَوْله إيَّاكُمْ للتحذير وَالْجُلُوس بِالنّصب وَالْبَاء فِي بالطرقات بِمَعْنى فِي وَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني فِي الطرقات وَفِي رِوَايَة حَفْص بن ميسرَة على الطرقات وَهُوَ جمع طرق بِضَمَّتَيْنِ جمع طَرِيق قَوْله بُد بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الدَّال أَي مَا لنا من مجالسنا افْتِرَاق قَوْله إِذا أَبَيْتُم أَي إِذا امتنعتم هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره فَإِذا أَبَيْتُم بِالْفَاءِ قَوْله إِلَّا الْمجْلس بِفَتْح اللَّام مصدر ميمي أَي الْجُلُوس وَقد تقدم فِي الْمَظَالِم إِلَى الْمجْلس بِكَلِمَة إِلَى وَقَبله فَإِذا أتيتم من الْإِتْيَان قَوْله وكف الْأَذَى من نَحْو التضيق على المارين واحتقارهم بِهِ وعيبهم لَهُ وَامْتِنَاع النِّسَاء من الْخُرُوج إِلَى أشغالهن بِسَبَب قعودهم فِي الطَّرِيق والاطلاع على أَحْوَال النَّاس مِمَّا يكرهونه -
3 - (بابٌ السلامُ مِنْ أسْماءِ الله تَعَالَى)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ أَن السَّلَام من أَسمَاء الله تَعَالَى، وارتفاع السَّلَام على أَنه مُبْتَدأ. وَقَوله: من أَسمَاء الله خَبره وَالتَّقْدِير: كَائِن من أَسمَاء الله، قَالَ الله عز وَجل: الْملك القدوس السَّلَام، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ فِي تَفْسِير هَذَا الإسم: السَّلَام، مصدر نعت بِهِ وَالْمعْنَى: ذُو السَّلامَة من كل آفَة ونقيصة، أَي: الَّذِي سلمت ذَاته من الْحُدُوث وَالْعَيْب، وَصِفَاته عَن النَّقْص، وأفعاله عَن الشَّرّ الْمَحْض، فَإِن مَا ترَاهُ من الشرور مقضي لَا لِأَنَّهُ كَذَلِك بل لما يتضمنه من الْخَيْر الْغَالِب الَّذِي يُؤَدِّي تَركه إِلَى شَرّ عَظِيم، فالمقضي وَالْمَفْعُول بِالذَّاتِ هُوَ الْخَيْر وَالشَّر دَاخل تَحت الْقُضَاة، فعلى هَذَا يكون من أَسمَاء التَّنْزِيه. وَقَالَ عِيَاض: معنى السَّلَام إسم الله أَي: كلأ الله عَلَيْك وَحفظه، كَمَا يُقَال: الله مَعَك ومصاحبك، وَقيل: مَعْنَاهُ أَن الله مطلع عَلَيْك فِيمَا تفعل، وَقيل: مَعْنَاهُ السَّلامَة كَمَا قَالَ تَعَالَى: { (65) فسلام لَك من أَصْحَاب الْيَمين} (الْوَاقِعَة: 91) وَقيل: السَّلَام يُطلق بِإِزَاءِ معَان. (مِنْهَا: السَّلامَة) . وَمِنْهَا: أَنه إسم من أَسمَاء الله تَعَالَى، وَقد يَأْتِي بِمَعْنى السَّلامَة مَحْضا، وَقد يَأْتِي بِمَعْنى التَّحِيَّة مَحْضا، وَقد يَأْتِي متردداً بَين الْمَعْنيين، كَقَوْلِه تَعَالَى: { (4) وَلَا تَقولُوا لمن ألْقى إِلَيْكُم السَّلَام لست مُؤمنا} (لِنسَاء: 94) فَإِنَّهُ يحْتَمل التَّحِيَّة والسلامة، وَقَوله تَعَالَى: {وَلَهُم مَا يدعونَ سَلام قولا من رب رَحِيم} وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَآءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ} (يس: 57 58) وَهَذِه التَّرْجَمَة لفظ بعض حَدِيث مَرْفُوع، لَكِن لَيْسَ على شَرطه، فَلذَلِك أورد مَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ على شَرطه، وَهُوَ حَدِيث فِي التَّشَهُّد، وَفِيه: فَإِن الله هُوَ السَّلَام، وَثَبت فِي الْقُرْآن السَّلَام الْمُؤمن، وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عَبَّاس مَوْقُوفا: فالسلام إسم الله وَهُوَ تَحِيَّة أهل الْجنَّة.
{ (4) وَإِذا حييتُمْ بِتَحِيَّة فَحَيوا بِأَحْسَن مِنْهَا أَو ردوهَا} (النِّسَاء: 86)
أَشَارَ بِهَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة إِلَى أَن عُمُوم الْأَمر بالتحية مَخْصُوص بِلَفْظ السَّلَام، وَعَلِيهِ اتِّفَاق الْعلمَاء إلاَّ مَا حكى ابْن التِّين عَن بعض الْمَالِكِيَّة: إِن المُرَاد بالتحية فِي الْآيَة الْهَدِيَّة، وَحكى الْقُرْطُبِيّ أَنه قَول الْحَنَفِيَّة أَيْضا. قلت: نِسْبَة هَذَا إِلَى الْحَنَفِيَّة غير صَحِيحَة، وَهَذَا قَول يُخَالف قَول الْمُفَسّرين فَإِنَّهُم قَالُوا: معنى الْآيَة إِذا سلم عَلَيْكُم الْمُسلم فَردُّوا عَلَيْهِ أفضل مِمَّا سلم أَو ردوا عَلَيْهِ بِمثل مَا سلم بِهِ فَالزِّيَادَة مَنْدُوبَة والمماثلة مَفْرُوضَة، وروى ابْن أبي حَاتِم بِإِسْنَادِهِ عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عباسٍ قَالَ: من سلم عَلَيْك من خلق الله فاردد عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ مجوسياً ذَلِك بِأَن الله يَقُول: { (4) فحيو بِأَحْسَن. . ردوهَا} وَقَالَ قَتَادَة: {فَحَيوا بِأَحْسَن مِنْهَا} يَعْنِي: للْمُسلمين: {أَو ردوهَا} يَعْنِي لأهل الذِّمَّة، وَقَالَ ابْن كثير: وَفِيه نظر.

6230 - حدَّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ حدّثنا أبِي حدّثنا الأعْمش قَالَ: حدّثني شَقِيقٌ عَنْ عَبْدِ الله، قَالَ: كُنَّا إِذا صَلَّيْنا مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُلْنا: السَّلامُ عَلَى الله، قَبْلَ عِباده السَّلامُ عَلَى جِبْرِيلَ، السَّلامُ عَلى مِيكائِيلَ، السلامُ عَلى فُلانٍ وفُلانٍ، فَلمَّا انْصَرعف النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقْبَلَ عَلَيْنا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: إنَّ الله هُوَ السَّلامُ فَإِذا جَلَسَ أحَدُكُمْ فِي الصَّلاةِ فَلْيَقُلِ: التَّحِيَّاتُ لله والصَّلَوَاتُ والطَّيِّباتُ السَّلامُ عَلَيْكَ أيُّها النبيُّ

(22/233)


وَرَحْمَة الله وبَرَكاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْنا وعَلى عباد الله الصَّالِحِينَ، فإِنَّهُ إِذا قَالَ ذالِكَ أصابَ كُلَّ عَبْدٍ صالِحٍ فِي السَّماءِ والأرْضِ: أشْهَدُ أنْ لَا إلاهَ إلاَّ الله وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورسولُهُ، ثُمَّ يَتَخَيَّرْ بَعْدُ مِنَ الكَلامِ مَا شاءَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: إِن الله هُوَ السَّلَام، وَعمر بن حَفْص يروي عَن أَبِيه حَفْص بن غياث عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن أبي وَائِل شَقِيق بن سَلمَة عَن عبد الله بن مَسْعُود.
والْحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة فِي: بَاب التَّشَهُّد فِي الْأَخِيرَة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي نعيم عَن الْأَعْمَش عَن شَقِيق ... إِلَى آخِره. وَأخرجه أَيْضا فِي: بَاب مَا يتَخَيَّر من الدُّعَاء فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُسَدّد عَن يحيى عَن الْأَعْمَش ... إِلَى آخِره. وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (قبل عباده) أَي: قبل السَّلَام على عباده، ويرو: قبل، بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: من جِهَة عباده، وَفِيمَا مضى السَّلَام: على الله من عباده وَفِيمَا مضى السَّلَام: على الله من عباده. قَوْله: (فَلَمَّا انْصَرف) أَي: من الصَّلَاة. قَوْله: (وَيتَخَيَّر) أَي: يخْتَار والتخير وَالِاخْتِيَار بِمَعْنى وَاحِد، قَالَه الْكرْمَانِي قلت: لَيْسَ كَذَلِك، لِأَن التخير أَن يُخَيّر غَيره، وَالِاخْتِيَار أَن يخْتَار لنَفسِهِ، وَأَيْضًا يتَخَيَّر لَيْسَ مصدره التَّخْيِير، وَإِنَّمَا مصدره التخير على وزن التفعل.

4 - (بابُ تَسْلِيمِ القَلِيلِ عَلى الكَثيرِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان تَسْلِيم الْقَلِيل على الْكثير، والقلة وَالْكَثْرَة أَمر نسبي فالواحد قَلِيل بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِثْنَيْنِ، والإثنان بِالنِّسْبَةِ إِلَى الثَّلَاث، وعَلى هَذَا.

6231 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بن مُقاتِلٍ أبُو الحَسَنِ أخْبرنا عَبْدُ الله أخْبرنا مَعْمَرٌ عَنْ هَمّامِ بنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلى الكَبيرِ والمارُّ عَلى القاعِد والقَلِيلُ عَلى الكَثيرِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك، وَمعمر هُوَ ابْن رَاشد، وَهَمَّام بتَشْديد الْمِيم ابْن مُنَبّه على أَنه فَاعل من التَّنْبِيه.
والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الاسْتِئْذَان عَن سُوَيْد بن نصر عَن ابْن الْمُبَارك.
قَوْله: (يسلم الصَّغِير) أَي: ليسلم، لِأَنَّهُ خبر بِمَعْنى الْأَمر، وَقد ورد صَرِيحًا فِي رِوَايَة عبد الرَّزَّاق عَن معمر عِنْد أَحْمد بِلَفْظ: ليسلم.

5 - (بابُ تَسْليمِ الرَّاكِبِ عَلى الماشِي)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان تَسْلِيم الرَّاكِب على الْمَاشِي، هُوَ رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: بَاب يسلم الرَّاكِب، بِلَفْظ الْمُضَارع.

6232 - حدَّثنا مُحَمَّدٌ أخبرنَا مَخْلَدٌ أخبرنَا ابنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبرنِي زِيادٌ أنَّهُ سَمِعَ ثابِتاً مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ زَيْدٍ أنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ يَقُولُ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي والماشي عَلى القاعِدِ والقَلِيلُ عَلى الكَثِير.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَمُحَمّد هُوَ ابْن سَلام بتَخْفِيف اللَّام فِي الْأَصَح، ومخلد بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة ابْن يزِيد بالزاي الْحَرَّانِي، وَابْن جريج عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج، وَزِيَاد بِكَسْر الزَّاي وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف ابْن سعد الْخُرَاسَانِي ثمَّ الْمَكِّيّ، وثابت بالثاء الْمُثَلَّثَة ابْن عِيَاض مولى عبد الرَّحْمَن بن زيد بن الْخطاب، وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث، وَآخر فِي الْمُصراة.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْأَدَب عَن عقبَة بن مكرم، وَمُحَمّد بن مَرْزُوق. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن يحيى بن حبيب.

6 - (بابُ تَسلِيم الْمَاشِي عَلى القاعِدِ)

(22/234)


أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان تَسْلِيم الْمَاشِي على الْقَاعِد.

6233 - حدَّثنا إسْحاقُ بنُ إبْرَاهِيمَ أخبرنَا رَوْحُ بنُ عُبادَةَ حَدثنَا ابنُ جُرَيْج قَالَ: أَخْبرنِي زيادٌ أنَّ ثابِتاً أخْبَرَه وهْوَ مَوْلى عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ زَيْدٍ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ عَنْ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّهُ قَالَ: يُسَلّمُ الرَّاكِبُ عَلى الماشِي والماشِي عَلى القاعِدِ والقَلِيلُ عَلى الكَثيرِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْمَعْرُوف بِابْن رَاهَوَيْه، وروح بن عبَادَة بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة. والْحَدِيث هُوَ الَّذِي قبله، وَلكنه أخرجه من وَجه آخر.

7 - (بابُ تَسْلِيمِ الصَّغِيرِ عَلى الكَبِيرِ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ تَسْلِيم الصَّغِير على الْكَبِير.

6234 - وَقَالَ إبْرَاهِيمُ: عَنْ مُوسَى بنِ عُقْبَةَ عَنْ صَفْوَانَ بنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَطاءِ بنِ يَسار عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الصَّغِيرُ عَلَى الكَبِيرِ والمارُّ عَلَى القاعِدِ والقَلِيلُ عَلى الكثِيرِ. مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِبْرَاهِيم هُوَ ابْن طهْمَان، وَثَبت كَذَلِك فِي رِوَايَة أبي ذَر، قَالَ الْكرْمَانِي: وَإِنَّمَا قَالَ. بِلَفْظ: قَالَ، لَا بِلَفْظ: حَدثنِي، وَنَحْوه لِأَنَّهُ سمع مِنْهُ فِي مقَام المذاكرة لَا فِي مقَام التحميل والتحديث. قيل: هَذَا غلط لِأَن البُخَارِيّ لم يدْرك إِبْرَاهِيم بن طهْمَان فضلا من أَن يسمع مِنْهُ مَاتَ قبل مولد البُخَارِيّ بست وَعشْرين سنة، وَوَصله البُخَارِيّ فِي (الْأَدَب الْمُفْرد) وَقَالَ: حَدثنِي أَحْمد بن أبي عمر حَدثنِي أبي حَدثنِي إِبْرَاهِيم بن طهْمَان بِهِ سَوَاء، وَأَبُو عمر هُوَ حَفْص بن عبد الله ابْن رَاشد السّلمِيّ قَاضِي نيسابور.
قَوْله: (والمار على الْقَاعِد) وَهَذَا أبلغ من رِوَايَة ثَابت الَّتِي قبلهَا بِلَفْظ: الْمَاشِي، لِأَنَّهُ أَعم من أَن يكون الْمَار رَاكِبًا أَو مَاشِيا، وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي عَليّ الْجَنبي عَن فضَالة بن عبيد: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يسلم الْفَارِس على الْمَاشِي والماشي على الْقَائِم والقليل على الْكثير، وَقَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح. وَأَبُو عَليّ الْجَنبي اسْمه عَمْرو بن مَالك، وَقَالَ بَعضهم: إِذا حمل الْقَائِم على المستقر كَانَ أَعم من أَن يكون جَالِسا أَو وَاقِفًا أَو مُتكئا أَو مُضْطَجعا، وَإِذا أضيفت هَذِه الصُّور إِلَى الرَّاكِب تعدّدت الصُّور. قلت: هَذَا كَلَام لَا يَصح من حَيْثُ اللُّغَة وَلَا من حَيْثُ الِاصْطِلَاح وَلَا من حَيْثُ الْعرف، فَإِن أحدا لَا يَقُول للقائم جَالس وَلَا متكىء وَلَا مُضْطَجع، وَإِذا تلاقى راكبان أَو ماشيان قَالَ الْمَازرِيّ: يبْدَأ الْأَدْنَى مِنْهُمَا الْأَعْلَى إجلالاً لفضله، وَإِذا تساوى المتلاقيان من كل جِهَة فَكل مِنْهُمَا مَأْمُور بِالِابْتِدَاءِ، وخيرهما الَّذِي يبْدَأ بِالسَّلَامِ.

8 - (بابُ إِفْشاءِ السّلاَمِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إفشاء السَّلَام أَي: إِظْهَاره، وَالْمرَاد نشره بَين النَّاس، فَيسلم على من يعرف وَمن لَا يعرف، وَبِه ورد الْأَثر على مَا يَأْتِي عَن قريب، وَلَفظ: بَاب، هَذَا ثَابت فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ وَأبي الْوَقْت وَلَيْسَ لغَيْرِهِمَا ذَلِك.

6235 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ حَدثنَا جَرِيرٌ عَنِ الشَّيْبانِيِّ عَنْ أشْعَثَ بنِ أبِي الشَّعْثاءِ عَنْ مُعاوِيَةَ ابنِ سُوَيْدِ بنِ مُقَرِّنٍ عَنِ البَراءِ بنِ عازِبٍ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أمَرَنا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسَبْعٍ: بِعيادَةِ المَرِيضِ واتِّباعِ الجَنائِزِ وتَشْنِيتِ العاطِسِ وَنَصْرِ الضَّعِيفِ وَعَوْنِ المَظْلُومِ وإفْشاءِ السَّلامِ وإبْرارِ المُقْسِمِ، وَنَهاى عَنِ الشُّرْبِ فِي الفِضَّةِ وَنَهانا عَنْ تَتَتُّمِ الذَّهَبِ وَعَنْ رُكُوبِ المَيَاثِرِ وَعَنْ لُبْسِ الحَرِيرِ والدِّيباجِ والقَسِّيِّ والاسْتَبْرَقِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وإفشاء السَّلَام) وَهِي من لفظ الحَدِيث.
وقتيبة بن سعيد وَجَرِير بن عبد الحميد، والشيباني هُوَ

(22/235)


أَبُو إِسْحَاق سُلَيْمَان.
والْحَدِيث قد مضى فِي أَوَاخِر كتاب الْأَدَب أخرجه عَن سُلَيْمَان بن حَرْب عَن شُعْبَة عَن الْأَشْعَث بن سليم عَن مُعَاوِيَة بن سُوَيْد بن المقرن عَن الْبَراء. وَأخرجه فِي الْجَنَائِز عَن أبي الْوَلِيد. وَأخرجه فِي الْمَظَالِم عَن سعيد بن الرّبيع وَفِي اللبَاس عَن آدم وَعَن مُحَمَّد بن مقَاتل وَقبيصَة وَفِي الطِّبّ فِي حَفْص بن عَمْرو فِي الْأَدَب عَن سُلَيْمَان بن حَرْب وَفِي النذور عَن بنْدَار عَن غنْدر وَفِي النِّكَاح عَن الْحسن بن الرّبيع وَفِي الْأَشْرِبَة عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل وَفِي النذور أَيْضا عَن قبيصَة.
ونبين مَا فِي هَذِه الرِّوَايَات من الِاخْتِلَاف بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَان. أما هُنَا فإثنان من السَّبْعَة: نصر الضَّعِيف وَعون الْمَظْلُوم، وَفِي الْجَنَائِز ذكر: إِجَابَة الدَّاعِي وَنصر الْمَظْلُوم، وَلم يذكر هُنَا: إِجَابَة الدَّاعِي، وَذكر عون الْمَظْلُوم عوض نصر الْمَظْلُوم، وَوَجهه أَن التَّخْصِيص بِالْعدَدِ فِي الذّكر لَا يَنْفِي الْغَيْر، أَو أَن الضَّعِيف أَيْضا دَاع والنصر إِجَابَة وَبِالْعَكْسِ، وَذكر هُنَا إفضاء السَّلَام وَهُنَاكَ رد السَّلَام، وهما متلازمان شرعا. وَأما فِي الْمَظَالِم فَكَذَلِك ذكر إِجَابَة الدَّاعِي وَنصر الْمَظْلُوم، وَهنا ذكر عون الْمَظْلُوم وعونه هُوَ نَصره.
وَأما فِي اللبَاس فَمن ثَلَاث طرق: أَحدهَا: عَن آدم فَفِيهِ إِجَابَة الدَّاعِي وَنصر الْمَظْلُوم. وَالثَّانِي: عَن مُحَمَّد ابْن مقَاتل فَأخْرجهُ مُخْتَصرا: نَهَانَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن المياثر الْحمر وَعَن القسي. وَالثَّالِث: عَن قبيصَة: أمرنَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسبع: عِيَادَة الْمَرِيض وَاتِّبَاع الْجَنَائِز وتشميت الْعَاطِس، ونهانا عَن لبس الْحَرِير والديباج والقسي والاستبرق ومياثر الْحمر. وَأما فِي الطِّبّ فالنهي مقدم وَالْأَمر مُؤخر، فَذكر فِي النَّهْي سِتَّة. السَّادِس: الميثرة، وَذكر فِي الْأَمر ثَلَاثَة: أَن نتبع الْجَنَائِز ونعود الْمَرِيض ونفشي السَّلَام. وَأما فِي الْأَدَب فَقدم الْأَمر وَذكر السِّتَّة إثنان مِنْهَا إِجَابَة الدَّاعِي وَنصر الْمَظْلُوم، وَفِيه لفظ: رد السَّلَام، مَوضِع: إفشاء السَّلَام، وَذكر فِي النَّهْي سِتَّة أَيْضا آخرهَا: والمياثر، وَفِيه لفظ: الديباج والسندس، وَأما فِي النذور فَعَن قبيصَة وَبُنْدَار مُخْتَصرا: أمرنَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بإبرار الْمقسم. وَأما فِي النِّكَاح فَقدم الْأَمر وَذكر السَّبْعَة، وفيهَا: إِجَابَة الدَّاعِي وَذكر فِي النَّهْي سِتَّة وفيهَا: عَن المياثر والقسي. وَأما فِي الْأَشْرِبَة فَكَذَلِك قدم الْأَمر وَذكر فِي النَّهْي خَمْسَة، فَإِذا عد أَنْوَاع الْحَرِير يكون سَبْعَة، وفيهَا: المياثر والقسي، وَقد ذكرنَا فِي كل وَاحِد من هَذِه الْمَوَاضِع بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة.
قَوْله: (وإفشاء السَّلَام) ، يدل على عُمُوم التَّسْلِيم، وَلَكِن اخْتلف فِي مَشْرُوعِيَّة السَّلَام على الْفَاسِق وعَلى الصَّبِي، وَفِي سَلام الرجل على الْمَرْأَة وَعَكسه. وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَيسْتَثْنى من الْعُمُوم بابتداء السَّلَام من كَانَ مشتغلاً بِأَكْل أَو شرب أَو جماع، أَو كَانَ فِي الْخَلَاء أَو الْحمام أَو نَائِما أَو ناعساً أَو مُصَليا أَو مُؤذنًا مَا دَامَ ملتبساً بِشَيْء مِمَّا ذكر، فَلَو لم تكن اللُّقْمَة فِي فَم الْآكِل مثلا شرع السَّلَام عَلَيْهِ، ويشرع فِي الْمُتَبَايعين وَسَائِر الْمُعَامَلَات، وَتقدم فِي كتاب الطَّهَارَة أَن الَّذِي فِي الْحمام إِن كَانَ عَلَيْهِ إِزَار يسلم عَلَيْهِ وإلاَّ فَلَا، وَلَا يسلم فِي حَال الْخطْبَة فَإِذا سلم لَا يجب الرَّد لوُجُوب الْإِنْصَات، وَلَا يسلم الْخصم على القَاضِي، وَإِذا سلم لَا يجب عَلَيْهِ الرَّد، وَلَا يسلم على من يلْعَب بالشطرنج إلاَّ إِذا كَانَ قَصده التشويش عَلَيْهِم، وَفِي الْقنية لَا يسلم المتفقة على أستاذه وَلَو سلم لَا يجب رده. قلت: فِيهِ نظر وَلَا يسلم على الشَّيْخ الممازح أَو الْكذَّاب أَو اللاغي وَمن يسب النَّاس وَينظر فِي وُجُوه النسوان فِي الْأَسْوَاق وَلَا يعرف تَوْبَتهمْ، وَلَا يسلم على المبتدع وَلَا من اقْتَرَف ذَنبا عَظِيما وَلم يتب مِنْهُ، وَلَا يرد عَلَيْهِ السَّلَام. وَقَالَ ابْن عمر: لَا تسلموا على شربة الْخمر، وَالصَّحِيح أَن هَذَا عَن عبد الله بن عَمْرو بِالْوَاو، وَلَا يسلم على الظلمَة إلاَّ إِذا اضْطر إِلَيْهِ. وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: يسلم وَيَنْوِي أَن السَّلَام إسم من أَسمَاء الله تَعَالَى، الْمَعْنى: الله رَقِيب عَلَيْكُم، وَإِذا مر على وَاحِد أَو أَكثر وَغلب على ظَنّه أَنه إِذا سلم عَلَيْهِ لَا يردهُ إِمَّا لتكبر وَإِمَّا لإهمال وَإِمَّا لغير ذَلِك فَيَنْبَغِي أَن يسلم وَلَا يتْركهُ لهَذَا الظَّن فقد يخطىء الظَّن، وَإِن سلم على رجل ظَنّه مُسلما فَإِذا هُوَ كَافِر اسْتحبَّ أَن يرد سَلَامه فَيَقُول رد عَليّ سلامي، وَالْمَقْصُود من ذَلِك أَن يوحشه وَيظْهر لَهُ أَن لَيْسَ بَينهمَا إلفة، وَإِذا دخل بَيْتا وَلَيْسَ فِيهِ أحد يسلم. وَعَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا يسْتَحبّ إِذا لم يكن فِي الْبَيْت أحد أَن يَقُول: السَّلَام علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين. قَوْله: (المياثر) جمع ميثرة قَالَ الْجَوْهَرِي: الميثرة السرج غير مَهْمُوزَة وَيجمع على مياثر ومواثر، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: وَأما المياثر الْحمر الَّتِي جَاءَ فِيهَا النَّهْي فَكَانَت من مراكب الْأَعَاجِم من ديباج أَو حَرِير، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ غير مرّة.

(22/236)


9 - (بابُ السَّلامِ لِلْمَعْرِفَةِ وغَيْرِ المَعْرِفَةِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَن السَّلَام سنة للمعرفة أَي: لأجل معرفَة من يعرفهُ وَغير من يعرفهُ، أَرَادَ أَنه لَا يخص السَّلَام بِمن يعرفهُ وَيتْرك من لَا يعرفهُ، وروى الطَّحَاوِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن مَسْعُود مَرْفُوعا: إِن من أَشْرَاط السَّاعَة أَن يمر الرجل بِالْمَسْجِدِ لَا يُصَلِّي فِيهِ وَأَن لَا يسلم إلاَّ على من يعرف، وَلَفظ الطَّحَاوِيّ: إِن من أَشْرَاط السَّاعَة السَّلَام للمعرفة، وَهَذَا يُوَافق التَّرْجَمَة.

6236 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ حدّثنا اللَّيْثُ قَالَ: حدّثني يَزِيدُ عَن أبي الخَيْرِ عَنْ عَبْدِ الله ابنِ عَمْرو أنَّ رَجلاً سألَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أيُّ الإسْلامِ خَيْرٌ. قَالَ: تُطْعِمُ الطَّعامَ وَتَقْرَأ السَّلامَ عَلى مَنْ عَرَفْتَ وعَلى مَنْ لَمْ تَعْرِفْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن أبي حبيب، وَأَبُو الْخَيْر مرْثَد بن عبد الله الْيَزنِي، والأسناد كُله مصريون.
وَمضى الحَدِيث فِي كتاب الْإِيمَان فِي: بَاب إفشاء السَّلَام من الْإِسْلَام فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن قُتَيْبَة عَن اللَّيْث.
قَوْله: (أَي الْإِسْلَام) أَي: أَعمال الْإِسْلَام؟

6237 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حَدثنَا سُفْيانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عطاءِ بن يَزِيدَ اللَّيْثِي عَنْ أبي أيُّوبَ رَضِي الله عَنهُ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخاهُ فَوْقَ ثَلاث يَلْتَقِيانِ فَيَصُدُّ هاذا ويَصُدُّ هاذا، وخَيْرُهُما الَّذِي يَبْدَأُ بالسَّلامِ.
وَذَكَرَ سُفْيانُ أنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ. (انْظُر الحَدِيث 6077) .

مطابقته للجزء الأول للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث. وَعلي بن عبد الله بن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَأَبُو أَيُّوب خَالِد بن زيد رَضِي الله عَنهُ.
والْحَدِيث مضى فِي الْأَدَب فِي: بَاب الْهِجْرَة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن ابْن شهَاب ... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (فيصد هَذَا) أَي: يعرض عَنهُ.

10 - (بابُ آيَةِ الحجابِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان نزُول آيَة الْحجاب فِي أَمر نسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالاحتجاب من الرِّجَال.

6238 - حدَّثنا يَحْياى بنُ سُلَيْمانَ حَدثنَا ابنُ وَهْبٍ أَخْبرنِي يُونُسُ عَنِ ابنِ شِهابٍ، قَالَ: أَخْبرنِي أنِسُ بنُ مالِكٍ أنَّهُ كَانَ ابنَ عَشْرِ سِنِينَ مقْدَمَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، المدِينَةَ فَخَدَمْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَشْراً حَياتَهُ، وكُنْتُ أعْلَمَ النَّاسِ بِشَأْنِ الحِجابِ حِينَ أُنْزِلَ، وَقَدْ كَانَ أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ يَسْألُنِي عَنْهُ، وَكَانَ أوَّلَ مَا نَزَلَ فِي مُبْتَنَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِزَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْش. أصْبَحَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِها عَرُوساً، فَدَعا القَوْمَ فأصابُوا مِنَ الطعامِ ثُمَّ خَرَجُوا وبقيَ مِنْهُمْ رَهْطٌ عِنْدَ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فأطالُوا المُكْثَ فقامَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخَرَجَ وَخَرَجتُ مَعَهُ كَيْ يَخْرُجُوا، فَمَشَى رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَشَيْتُ مَعَهُ حَتَّى جاءَ عَتَبَةَ حُجْرَةِ عائِشَةَ، ثُمَّ ظَنَّ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أنَّهُمْ خَرَجُوا، فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ، حَتَّى دَخَلَ عَلى زَيْنَبَ فإِذا هُمْ جُلُوسٌ لَمْ يَتَفَرَّقُوا، فَرَجَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرَجَعْتُ مَعَهُ حَتَّى بَلَغَ عَتَبَةَ حُجْرَةِ عائِشَةَ، فَظَنَّ أنْ قَدْ خَرَجوا، فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ

(22/237)


مَعَهُ فَإِذا هُمْ قَدْ خَرَجُوا، فَأُنْزِلَ آيَةُ الحِجابِ، فَضَرَبَ بَيْنِي وبَيْنَهُ سِتْراً.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَأنْزل آيَة الْحجاب) وَيحيى بن سُلَيْمَان أَبُو سعيد الْجعْفِيّ الْكُوفِي، نزل مصر وروى عَن عبد الله ابْن وهب عَن يُونُس بن يزِيد عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ.
والْحَدِيث قد مضى فِي تَفْسِير سُورَة الْأَحْزَاب بطرق مُخْتَلفَة عَن أنس، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (أَنه كَانَ) فِيهِ الْتِفَات من التَّكَلُّم إِلَى الْغَيْبَة أَو جرد من نَفسه شخصا آخر يحْكى عَنهُ. قَوْله: (مقدم) أَي: وَقت قدوم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْمَدِينَة. قَوْله: (حَيَاته) ، أَي: بَقِيَّة حَيَاته إِلَى أَن مَاتَ. قَوْله: (وَكنت أعلم النَّاس بشأن الْحجاب) ، أَي: بِسَبَب نُزُوله، وَإِطْلَاق مثل ذَلِك جَائِز للإعلام. لَا للإعجاب. قَوْله: (وَقد كَانَ أبي بن كَعْب يسألني عَنهُ) ، أَي: عَن شَأْن الْحجاب، وَهُوَ آيَة الْحجاب، وَهِي قَوْله تَعَالَى: { (33) يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تدْخلُوا بيُوت النَّبِي} (الْأَحْزَاب: 53)
الْآيَة. فِيهِ: إِشَارَة إِلَى اخْتِصَاصه بمعرفته لِأَن أبي بن كَعْب أعلم مِنْهُ وأكبر سنا وَقدرا وَمَعَ جلالة قدره كَانَ يَسْتَفِيد مِنْهُ. قَوْله: (مبتنى) على صِيغَة الْمَفْعُول من الابتناء، وَهُوَ الزفاف. قَوْله: (عروساً) هُوَ نعت يَسْتَوِي فِيهِ الرجل وَالْمَرْأَة مَا داما فِي إعراسهما.

6239 - حدَّثنا أبُو النُّعْمانِ حَدثنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ أبي: حدّثنا أبُو مِجْازٍ عَنْ أنَسٍ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَمَّا تَزَوَّجَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، زَيْنَبَ دَخَلَ القَوْمُ فَطَمِعُوا ثُمَّ جَلَسُوا يَتَحَدَّثُونَ فأخَذَ كأنَّهُ يَتَهَيَّأْ لِلْقِيامِ فَلَمْ يَقُومُوا، فَلَمَّا رأى ذالِكَ قامَ، فَلَمَّا قامَ مَنْ قامَ مِنَ القَوْمِ وَقَعَدَ بَقِيَّةُ القَوْمِ، وإَنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جاءَ لِيَدْخُلَ فإِذَا القَوْمُ جُلُوسٌ ثُمَّ إنَّهُمْ قامُوا فانْطَلَقُوا فأخْبَرْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجاءَ حَتَّى دَخَلَ فَذَهَبْتُ أدْخُلُ فألْقاى الحِجابَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وأنْزَلَ الله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تدْخلُوا بيُوت النَّبِي} (الْأَحْزَاب: 53) . الْآيَة.
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أنس أخرجه عَن أبي النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل الْمَشْهُور بعارم بِالْعينِ الْمُهْملَة وَالرَّاء، ومعتمر يروي عَن أَبِيه سُلَيْمَان التَّيْمِيّ، وَأَبُو مجلز بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْجِيم وَفتح اللَّام وبالزاي اسْمه لَاحق بن حميد.
قَوْله: (فَأخذ) أَي: جعل وَشرع كَأَنَّهُ يُرِيد الْقيام.
قَالَ أبُو عَبْدِ الله: فِيهِ مِنَ الفِقْهِ أنَّهُ لَمْ يَسْتَأْذنَهُمْ حِينَ قامَ وَخَرَجَوفيهِ أنهُ تَهَيَّأ لِلْقِيامِ وَهْوَ يُرِيدُ أنْ يَقُومُوا
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه. قَوْله: (فِيهِ) أَي: فِي حَدِيث أنس الْمَذْكُور. قَوْله: (وَفِيه) ، أَي: فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أَيْضا وَهَذَا لم يثبت إلاَّ للمستملي وَحده، وَلم يذكرهُ غَيره، وَلَا دَاعِي إِلَى ذكره لِأَنَّهُ وضع لذَلِك تَرْجَمَة ستأتي بعد إثنين وَعشْرين بَابا.

13 - (حَدثنَا إِسْحَاق أخبرنَا يَعْقُوب حَدثنَا أبي عَن صَالح عَن ابْن شهَاب قَالَ أَخْبرنِي عُرْوَة بن الزبير أَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا زوج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَت كَانَ عمر بن الْخطاب يَقُول لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - احجب نِسَاءَك قَالَت فَلم يفعل وَكَانَ أَزوَاج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يخْرجن لَيْلًا إِلَى ليل قبل المناصع فَخرجت سَوْدَة بنت زَمعَة وَكَانَت امْرَأَة طَوِيلَة فرآها عمر بن الْخطاب وَهُوَ فِي الْمجْلس فَقَالَ عرفتك يَا سَوْدَة حرصا على أَن ينزل الْحجاب قَالَت فَأنْزل الله عز وَجل آيَة الْحجاب) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَإِسْحَق قَالَ الْكرْمَانِي إِمَّا ابْن إِبْرَاهِيم وَإِمَّا ابْن مَنْصُور وَجزم أَبُو نعيم فِي الْمُسْتَخْرج أَنه ابْن

(22/238)


رَاهَوَيْه وَهُوَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَيَعْقُوب هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم يروي عَن أَبِيه إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف كَانَ إِبْرَاهِيم على قَضَاء بَغْدَاد يروي عَن أبي صَالح بن كيسَان عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ والْحَدِيث قد مضى فِي الْوضُوء فِي بَاب خُرُوج النِّسَاء إِلَى البرَاز قَوْله " قبل المناصع " بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة أَي جِهَة المناصع وَهُوَ مَوضِع مَعْرُوف بِالْمَدِينَةِ وَفِيه فَضِيلَة عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ حَيْثُ نزل الْقُرْآن على وفْق رَأْيه -
11 - (بابُ الإسْتِئْذَانُ منْ أجْلِ البَصَرِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَشْرُوعِيَّة الاسْتِئْذَان لأجل الْبَصَر، لِأَن المستأذن لَو دخل بِغَيْر إِذن لرَأى بعض مَا يكره من يدْخل إِلَيْهِ أَن يطلع عَلَيْهِ.

6241 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حَدثنَا سُفْيانُ قَالَ الزُّهْرِيُّ: حَفِظْتُهُ كَمَا أنَّكَ هاهُنا عَنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ، قَالَ: اطَّلَعَ رجلٌ مِنْ جْحْرٍ فِي حُجَرِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مِدْرًى يَحُكُّ بِهِ رأسَهُ، فَقَالَ: لَوْ أعْلَمُ أنَّكَ تَنْتَظِرُ لَطَعَنْتُ بِهِ فِي عَيْنِكَ إِنَّمَا جُعِلَ الاسْتِئْذَان مِنْ أجْلِ البَصَرِ. (انْظُر الحَدِيث 5924 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث. وَعلي بن عبد الله بن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان بن عُيَيْنَة.
والْحَدِيث مضى فِي اللبَاس فِي: بَاب الامتشاط وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (حفظته) أَي: الحَدِيث الْمَذْكُور (كَمَا أَنَّك هَاهُنَا) أَي: حفظا ظَاهرا كالمحسوس بِلَا شكّ وَلَا شُبْهَة فِيهِ. قَوْله: (من جُحر) بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وبالراء وَهِي الثقب. قَوْله: (فِي حجر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْجِيم جمع حجرَة، وَوَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني: فِي حجرَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِالْإِفْرَادِ. قَوْله: (مدرى) بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة وبالراء مَقْصُور منون، لِأَن وَزنه مفعل لَا فعلى، قَالَ ابْن فَارس: مدرت الْمَرْأَة شعرهَا إِذا سرحته وَهِي حَدِيدَة يسرح بهَا الشّعْر. قَالَ الْجَوْهَرِي: هُوَ شَيْء كالمسلة تكون مَعَ الماشطة تصلح بهَا قُرُون النِّسَاء. قَوْله: (يحك بِهِ) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: بهَا. قَوْله: (تنْتَظر) ، هَكَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين على وزن تفتعل، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (تنظر) . قَوْله: (إِنَّمَا جعل) ، أَي: إِنَّمَا شرع الاسْتِئْذَان فِي الدُّخُول لأجل أَن لَا يَقع الْبَصَر على عَورَة أهل الْبَيْت، وَلِئَلَّا يطلع على أَحْوَالهم.

6242 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عَنْ عُبَيْدِ الله بنِ أبي بَكْرٍ عَنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ أنَّ رَجُلاً اطَّلَعَ مِنْ بَعْضِ حُجَرِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فقامَ إلَيْهِ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِمِشْقَصٍ أوْ بِمشَاقِصَ فكأنِّي أنْظُرُ إلَيْهِ يَخْتِلُ الرَّجُلَ لِيَطْعَنَهُ. (
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبيد الله بن أبي بكر بن أنس بن مَالك الْأنْصَارِيّ أَبُو معَاذ الْبَصْرِيّ، يروي عَن جده أنس.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الدِّيات عَن أبي النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل. وَأخرجه مُسلم فِي الاسْتِئْذَان عَن يحيى بن يحيى وَغَيره. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَب عَن مُحَمَّد بن عبيد.
قَوْله: (بمشقص) ، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الْقَاف وبصاد مُهْملَة: وَهُوَ نصل السهْم إِذا كَانَ طَويلا غير عريض. قَوْله: (أَو بمشاقص) شكّ من الرَّاوِي. قَوْله: (يخْتل) ، بِفَتْح أَوله وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الْمُثَنَّاة من فَوق أَي: فطعنه وَهُوَ غافل، وَالْحَاصِل أَنه يَأْتِيهِ من حَيْثُ لَا يشْعر حَتَّى يطعنه، وَهَذَا مَخْصُوص بِمن تعمد النّظر، وَإِذا وَقع ذَلِك مِنْهُ من غير قصد فَلَا حرج عَلَيْهِ، ويستدل بِهِ من لَا يرى الْقصاص على من فَقَأَ عين مثل هَذَا النَّاظر، ويجعلها هدرا. وَقيل: الحَدِيث يدل على هدر الْمَفْعُول بِهِ، وَجَوَاز رميه بِشَيْء خَفِيف، وَقيل: هَذَا على وَجه التهديد والتغليظ، وَقيل: هَل يجوز الرَّمْي قبل الْإِنْذَار؟ فِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا: نعم.

12 - (بابُ زِنا الجَوَارِحِ دُونَ الفَرْجِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان زنا الْجَوَارِح دون الْفرج، وَهِي جمع جارحة، وجوارح الْإِنْسَان أعضاؤه الَّتِي يكْتَسب بهَا، وَأَشَارَ

(22/239)


بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى أَن الزِّنَا لَا يخْتَص إِطْلَاقه بالفرج بل يُطلق على مَا دون الْفرج، فزنا الْعين النّظر وزنا اللِّسَان الْمنطق، على مَا يَأْتِي بَيَانه فِي حَدِيث الْبَاب.

6243 - حدَّثنا الحُمَيْدِيُّ حَدثنَا سُفْيانُ عَنِ ابنِ طاوُوسٍ عَنْ أبِيهِ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لَمْ أرَ شَيْئاً أشْبَهَ باللَّمَمِ مِنْ قَوْلِ أبي هُرَيْرَةَ.
(ح) حدّثني مَحْمُودٌ أخبرَنا عَبْدُ الرَّزَّقِ أخبرنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابنِ طاوُوسٍ عَنْ أبِيهِ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا رأيْتُ شَيْئاً أشْبَهَ باللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إنَّ الله كَتَبَ على ابنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنا أدْرَكَ ذالِكَ لَا مَحالَةَ، فَزِنا العَيْنِ النّظَرِ، وزنا اللِّسانِ المَنْطقُ والنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي والفَرْجُ يُصَدِّقُ ذالِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ. (انْظُر الحَدِيث 6243 طرفه فِي: 6612) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فزنا الْعين النّظر)
إِلَى آخِره. وَالْكَلَام فِيهِ على أَنْوَاع.
الأول فِي رِجَاله: الْحميدِي هُوَ عبد الله ابْن الزبير بن عِيسَى الْمَنْسُوب إِلَى أحد أجداده، وَحميد مصغر حمد وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَابْن طَاوُوس هُوَ عبد الله، وطاووس هُوَ ابْن كيسَان الْهَمدَانِي، ومحمود هُوَ ابْن غيلَان، وَعبد الرَّزَّاق هُوَ ابْن همام، وَمعمر بِفَتْح الميمين هُوَ ابْن رَاشد.
الثَّانِي: أَنه اقْتصر أَولا على قَول أبي هُرَيْرَة بقول ابْن عَبَّاس من طَرِيق سُفْيَان مَوْقُوفا، ثمَّ عطف عَلَيْهِ رِوَايَة معمر عَن ابْن طَاوُوس فساقه مَرْفُوعا بِتَمَامِهِ.
الثَّالِث فِي مَعْنَاهُ: فَقَوله: (اللمم) مَا يلم بِهِ الشَّخْص من شهوات النَّفس، وَقيل: هُوَ المقارب من الذُّنُوب، وَقيل: هُوَ صغائر الذُّنُوب. قَوْله: (كتب) أَي: قدر. قَوْله: (حَظه) أَي: نصِيبه مِمَّا قدر عَلَيْهِ. قَوْله: (لَا محَالة) بِفَتْح الْمِيم أَي: لَا حِيلَة لَهُ فِي التَّخَلُّص من إِدْرَاك مَا كتب عَلَيْهِ، وَلَا بُد من ذَلِك. قَوْله: (الْمنطق) بِالْمِيم ويروى: النُّطْق، بِلَا مِيم. قَوْله: (تمنى) أَصله: تتمنى، فحذفت مِنْهُ إِحْدَى التَّاءَيْنِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {نَارا تلظى} أَي: تتلظى. قَوْله: (والفرج يصدق ذَلِك) الْمَذْكُور من زنا الْعين وزنا اللِّسَان، والتصديق بِالْفِعْلِ والتكذيب بِالتّرْكِ. وَقيل: التَّصْدِيق والتكذيب من صِفَات الْإِخْبَار فَمَا مَعْنَاهُمَا هَاهُنَا؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ لما كَانَ التَّصْدِيق هُوَ الحكم بمطابقة الْخَبَر للْوَاقِع، والتكذيب الحكم بعدمها، فَكَأَنَّهُ هُوَ الْموقع أَو الدّفع فَهُوَ تَشْبِيه، أَو لما كَانَ الْإِيقَاع مستلزماً للْحكم بهَا عَادَة فَهُوَ كِنَايَة.
الرَّابِع: فِيمَا يتَعَلَّق بِالْمَقْصُودِ مِنْهُ. فَقَوله: (زنا الْعين) يَعْنِي: فِيمَا زَاد على النظرة الأولى الَّتِي لَا يملكهَا، فَالْمُرَاد النظرة على سَبِيل اللَّذَّة والشهوة، وَكَذَلِكَ زنا الْمنطق فِيمَا يلتذ بِهِ من محادثة مَا لَا يحل لَهُ ذَلِك مِنْهُ، (وَالنَّفس تمنى ذَلِك وتشتهيه) فَهَذَا كُله يُسمى زنا لِأَنَّهُ من دواعي الزِّنَا الْفرج، وَقَالَ الْمُهلب: كل مَا كتبه الله عز وَجل على ابْن آدم فَهُوَ سَابق فِي علم الله لَا بُد أَن يُدْرِكهُ الْمَكْتُوب، وَأَن الْإِنْسَان لَا يملك دفع ذَلِك عَن نَفسه، غير أَن الله تَعَالَى تفضل على عباده وَجعل ذَلِك لمماً وصغائر لَا يُطَالب بهَا عباده إِذا لم يكن لِلْفَرجِ تَصْدِيق لَهَا، فَإِذا صدق الْفرج كَانَ ذَلِك من الْكَبَائِر، واحتيج أَشهب بقوله: (والفرج يصدق ذَلِك ويكذبه) أَنه إِذا قَالَ: زنى يدك أَو رجلك لَا يحد، وَخَالفهُ ابْن الْقَاسِم وَفِي التَّوْضِيح: وَقَالَ الشَّافِعِي: إِذا قَالَ زنت يدك يحد، وَاعْترض عَلَيْهِ بعض من عاصرناه من الشَّافِعِيَّة، وَالأَصَح أَن هَذَا كِنَايَة، فَفِي الرَّوْضَة إِذا قَالَ زنت يدك أَو عَيْنك أَو رجلك أَو يداك أَو عَيْنَاك فكناية على الْمَذْهَب وَبِه قطع الْجُمْهُور يَعْنِي من الشَّافِعِيَّة.

13 - (بابُ التَّسْلِيمِ والاسْتِئْذَانِ ثَلاثاً)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَن التَّسْلِيم والاستئذان يَنْبَغِي أَن يكون ثَلَاث مَرَّات سَوَاء كَانَا مقترنين أَو مفترقين. وَقَالَ الْمُهلب: وَذَلِكَ للْمُبَالَغَة فِي الإفهام والإسماع، وَقد أورد الله تَعَالَى ذَلِك فِي الْقُرْآن، فكرر الْقَصَص، وَالْأَخْبَار والأوامر ليفهم عباده أَن يتدبر السَّامع فِي الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة مَا لم يتدبر فِي الأولى، وليرسخ ذَلِك فِي قُلُوبهم، وَالْحِفْظ إِنَّمَا هُوَ بتكرير الدراسة للشَّيْء الْمرة بعد الْمرة، وتكراره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْكَلِمَة يحْتَمل أَن يكون تَأْكِيدًا، أَو أَن يكون علم أَو شكّ هَل فهم عَنهُ؟ فكرر الثَّانِيَة فَزَاد الثَّالِثَة لاستحبابه الْوتر.

(22/240)


6244 - حدَّثنا إسْحاقُ أخبرنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدثنَا عَبْدُ الله بنُ المُثَنَّى حَدثنَا ثُمامَةُ بنُ عَبْدِ الله عَنْ أنَسٍ رَضِي الله عَنهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ إذَا سَلَّمَ ثَلاثاً، وإذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أعادَها ثَلاثاً.
مطابقته للجزء الأول من التَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْحَاق هُوَ ابْن مَنْصُور، وَقَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم، وَعبد الصَّمد هُوَ ابْن عبد الْوَارِث، وَعبد الله بن الْمثنى ضد الْمُفْرد ابْن عبد الله بن أنس، وثمامة بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَتَخْفِيف الْمِيم ابْن عبد الله بن أنس قَاضِي الْبَصْرَة يروي عَن جده أنس بن مَالك.
والْحَدِيث مضى فِي الْعلم فِي: بَاب من أعَاد الحَدِيث ثَلَاثًا ليفهم، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ قبل الحَدِيث، وَقَالَ ابْن بطال: وَهَذِه الصِّيغَة تَقْتَضِي الْعُمُوم وَلَكِن المُرَاد الْخُصُوص وَهُوَ غَالب أَحْوَاله وَكَذَا قَالَه الْكرْمَانِي، وَقَالَ بَعضهم: فِيهِ نظر لِأَن مُجَرّد الصِّيغَة لَا يَقْتَضِي المداومة وَلَا التّكْرَار. قلت: فعل الْمُضَارع فِيهِ يشْعر بالتكرار، فَإِن قلت: إِذا سلم ثَلَاثًا فَظن أَنه لم يسمع هَل لَهُ أَن يزِيد حَتَّى يتَحَقَّق؟ قلت: ذهب الْجُمْهُور إِلَى أَنه لَا يزِيد على الثَّلَاث وَاتِّبَاع ظَاهر الحَدِيث أولى، وَعَن مَالك رَضِي الله عَنهُ أَنه يزِيد حَتَّى يتَحَقَّق.

6245 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدّثنا سُفْيانُ حدّثنا يَزِيدُ بنُ خُصَيْفَةَ عَنْ بُسْرِ بنِ سَعِيدٍ عَنْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: كُنْتُ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجالِسِ الأَنْصارِ إِذْ جاءَ أبُو مُوسَى كأنَّهُ مَذْعُورٌ فَقَالَ: اسْتَأُذَنْتُ عَلَى عُمَرَ ثَلاثاً يُؤْذَنْ لي، فَرَجَعْتُ فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ؟ قُلْتُ: اسْتَأذَنْتُ ثَلاثاً فَلَمْ يُؤْذَنْ لي فَرَجَعْتُ. وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا استَأْذَنَ أحَدُكُمْ ثَلاثاً فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ. فَقَالَ: وَالله لَتُقِيمَنَّ عَلَيْهِ بَيِّنَةً، أمِنْكُمْ أحَدٌ سَمِعَهُ مِنَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَقَالَ أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ: وَالله لَا يَقُومِ مَعَكَ إِلَّا أصْغَرُ القَوْمِ، فَكُنْتُ أصْغَرَ القَوْمِ، فَقُمْتُ مَعَهُ فأخْبَرْتُ عُمَرَ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ذالِكَ. (انْظُر الحَدِيث 2062 وطرفه) .

مطابقته للجزء الثَّانِي للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعلي بن عبد الله بن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن خصيفَة مصغر الخصفة بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالصَّاد الْمُهْملَة وَالْفَاء كُوفِي وَبسر بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون السِّين وَالرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ ابْن سعيد الْمدنِي، وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ سعد بن مَالك.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الاسْتِئْذَان أَيْضا عَن عَمْرو النَّاقِد وَغَيره. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَب عَن أَحْمد بن عَبدة عَن سُفْيَان بِهِ.
قَوْله: (إِذْ كلمة مفاجأة) وَأَبُو مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ. قَوْله: (كَأَنَّهُ مذعور) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة، يُقَال: ذعرته أَي: أفزعته، وَفِي رِوَايَة عمر والناقد: فَأَتَانَا أَبُو مُوسَى فَزعًا ومذعوراً وَزَاد قُلْنَا: مَا شَأْنك؟ فَقَالَ: إِن عمر أرسل إِلَيّ أَن آتيه فَأتيت بَابه. قَوْله: (فَقَالَ: مَا مَنعك) أَي: فَقَالَ عمر لأبي مُوسَى مَا مَنعك من الدُّخُول؟ وَفِي الحَدِيث اخْتِصَار أَي: فَلم يُؤذن لَهُ فَعَاد إِلَى منزله وَكَانَ عمر مَشْغُولًا، فَلَمَّا فرغ قَالَ: لم أسمع صَوت عبد الله بن قيس؟ ائذنوا لَهُ. قيل: قد رَجَعَ، فَدَعَاهُ فَقَالَ: مَا مَنعك؟ قلت: اسْتَأْذَنت ثَلَاثًا، أَي: ثَلَاث مَرَّات، فَلم يُؤذن لي فَرَجَعت، وَقَالَ أَبُو مُوسَى: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... . الحَدِيث. قَوْله: (فَقَالَ) أَي: عمر (وَالله لتقيمن عَلَيْهِ) أَي: على مَا رويته بَيِّنَة وَفِي رِوَايَة مُسلم: وإلاَّ أوجعتك. وَفِي رِوَايَة بكير بن الْأَشَج: فوَاللَّه لَا وجعن ظهرك وبطنك أَو لتَأْتِيني بِمن يشْهد لَك على هَذَا، وَفِي رِوَايَة عبيد بن عُمَيْر لتَأْتِيني على ذَلِك بِالْبَيِّنَةِ، وَفِي رِوَايَة أبي نَضرة: وإلاَّ جعلتك عظة. قَوْله: (أمنكم أحد) . الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الاستخبار، سَمعه أَي: سمع مَا قَالَه أَبُو مُوسَى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي رِوَايَة عبيد بن عُمَيْر، قَالَ: فَانْطَلق إِلَى مجْلِس الْأَنْصَار فَسَأَلَهُمْ، وَفِي رِوَايَة أبي نَضرة فَقَالَ: ألم تعلمُوا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الاسْتِئْذَان ثَلَاث؟ قَالَ: فَجعلُوا يَضْحَكُونَ. فَقلت: أَتَاكُم أخوكم وَقد أفزع فتضحكون؟ قَوْله: (فَقَالَ أبي بن كَعْب) وَلَيْسَ فِي بعض النّسخ إلاَّ: فَقَالَ أبي: وَالله لَا يقوم مَعَك إلاَّ أَصْغَر الْقَوْم، وَفِي رِوَايَة بكير بن الْأَشَج: فوَاللَّه لَا يقوم مَعَك إلاَّ أحدثنا سنا، قُم يَا أَبَا سعيد، فَقُمْت مَعَه فَأخْبرت عمر رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ ذَلِك. وَفِي رِوَايَة مُسلم: فَقُمْت مَعَه فَذَهَبت إِلَى عمر فَشَهِدت، وَفِي رِوَايَة لمُسلم، قَالَ: يَا أَبَا مُوسَى! مَا تَقول؟ أقد وجدت؟ أَي: الْبَيِّنَة.

(22/241)


قَالَ: نعم {أبي بن كَعْب، قَالَ: عدل. قَالَ: يَا أَبَا الطُّفَيْل، وَفِي لفظ لَهُ: يَا أَبَا الْمُنْذر، مَا يَقُول هَذَا؟ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول ذَلِك، يَا ابْن الْخطاب لَا تكن عذَابا على أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: أَنا سَمِعت شَيْئا فَأَحْبَبْت أَن أتثبت، وَمِمَّنْ وَافق أَبَا مُوسَى على رِوَايَة الحَدِيث الْمَرْفُوع جُنْدُب بن عبد الله أخرجه الطَّبَرَانِيّ عَنهُ بِلَفْظ: إِذا اسْتَأْذن أحدكُم ثَلَاثًا فَلم يُؤذن فَليرْجع.
وَقَالَ ابنُ المبارَكِ: أَخْبرنِي ابنُ عُيَيْنَةَ حدّثني يَزِيدُ بنُ خُصَيْفَةَ عَنْ بُسْرٍ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ بِهاذا.
أَي: قَالَ عبد الله بن الْمُبَارك: أَخْبرنِي سُفْيَان بن عُيَيْنَة الْمَذْكُور فِي الْإِسْنَاد الأول، وَأَرَادَ بِهَذَا التَّعْلِيق بَيَان سَماع بسر لَهُ من أبي سعيد، وَقد وَصله أَبُو نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) من طَرِيق الْحسن بن سُفْيَان: حَدثنَا حبَان بن مُوسَى حَدثنَا عبد الله بن الْمُبَارك، فَذكره.

14 - (بابُ إِذا دُعِيَ الرَّجُلُ فَجاءَ هَلْ يَسْتَأْذِنُ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا دعى الرجل بِأَن دَعَاهُ شخص إِلَى بَيته فجَاء: هَل يسْتَأْذن؟ وَلم يبين الْجَواب اكْتِفَاء بِمَا أوردهُ فِي الْبَاب.
قَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتادَةَ عَنْ أبي رافِعٍ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: هُوَ إذْنُهُ
سعيد هَذَا هُوَ ابْن عرُوبَة، ويروى: قَالَ شُعْبَة بن الْحجَّاج: وَأَبُو رَافع نفيع بِضَم النُّون وَفتح الْفَاء الصَّائِغ الْبَصْرِيّ، يُقَال: إِنَّه أدْرك الْجَاهِلِيَّة كَانَ بِالْمَدِينَةِ ثمَّ تحول إِلَى الْبَصْرَة، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ عَن أبي إِبْرَاهِيم إِسْمَاعِيل بن يحيى عَن الْمُعْتَمِر عَن ابْن عُيَيْنَة عَن سعيد، ثمَّ قَالَ: وَفِي لفظ: إِذا دعِي أحدكُم فجَاء مَعَ الرَّسُول فَذَاك إِذن لَهُ. قَوْله: هُوَ إِذْنه أَي: الدُّعَاء نفس الْإِذْن فَلَا حَاجَة إِلَى تجديده.

6246 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدّثنا عُمَرُ بنُ ذَرّ وَحدثنَا مُحَمَّدُ بنُ مقاتِلٍ أخبرنَا عَبْدُ الله أخبرنَا عُمَرُ بنُ ذَرّ أخبرنَا مُجاهِدٌ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَوَجَدَ لَبَناً فِي قَدَحٍ فَقَالَ: أَبَا هِرّ} إلْحَقْ أهْلَ الصُّفَّةِ فادْعُهُمْ إلَيَّ. قَالَ: فأتَيْتُهُمْ فَدَعَوْتُهُمْ فأقْبَلُوا فاسْتَأْذَنُوا فأُذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا. (انْظُر الحَدِيث 5375 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة لَا تتأتى إلاَّ إِذا قُلْنَا: إِن فِي التَّرْجَمَة تَفْصِيلًا وَهُوَ أَن قَوْله: فجَاء هَل يسْتَأْذن؟ يَعْنِي: هَل جَاءَ مَعَ الرَّسُول الدَّاعِي أَو جَاءَ وَحده بعد إِعْلَام الرَّسُول إِيَّاه بِالدُّعَاءِ، فَفِي مَجِيئه مَعَ الرَّسُول لَا يحْتَاج إِلَى الاسْتِئْذَان.
والْحَدِيث الْمُعَلق مَحْمُول عَلَيْهِ، فَلذَلِك قَالَ: هُوَ إِذْنه. وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: هم جاؤوا وحدهم، فاحتاجوا إِلَى الاسْتِئْذَان فَاسْتَأْذنُوا فَأذن لَهُم، وَالدَّلِيل على هَذَا قَوْله: (فاقبلوا) وَلم يقل: فأقبلنا، إِذْ لَو كَانَ أَبُو هُرَيْرَة جَاءَ مَعَهم لَكَانَ قَالَ: فأقبلنا، وَبِهَذَا أَيْضا انْدفع التَّعَارُض بَين الْحَدِيثين فِي صُورَة الظَّاهِر. فَتكون الْمُطَابقَة بَين الحَدِيث الأول وَبَين التَّرْجَمَة فِي المجيى مَعَ الرَّسُول، وَبَين الحَدِيث الثَّانِي وَبَين التَّرْجَمَة فِي عدم مَجِيء الرَّسُول مَعَهم، فَيكون التَّقْدِير فِي قَوْله: هَل يسْتَأْذن؟ نعم لَا يسْتَأْذن فِي الْمَجِيء مَعَ الرَّسُول، ويستأذن فِي الْمَجِيء وَحده بِدُونِ الرَّسُول.
وَأخرج هَذَا الحَدِيث من طَرِيقين. أَحدهمَا: عَن أبي نعيم بِضَم النُّون الْفضل بن دُكَيْن وَعمر بن ذَر بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء الْهَمدَانِي عَن مُجَاهِد عَن أبي هُرَيْرَة. وَالْآخر: عَن مُحَمَّد بن مقَاتل الْمروزِي عَن عبد الله ابْن الْمُبَارك الْمروزِي عَن عمر بن ذَر عَن مُجَاهِد. والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الرقَاق عَن أبي نعيم وَحده مطولا. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الزّهْد عَن هناد بن السّري: وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الرَّقَائِق عَن أَحْمد بن يحيى.
قَوْله: (أَبَا هر) يَعْنِي: يَا أَبَا هر. قَوْله: (الْحق) أَمر من اللحوق. قَوْله: (أهل الصّفة) وَهِي سَقِيفَة كَانَت فِي مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينزل فِيهَا فُقَرَاء الصَّحَابَة، وَاللَّام

(22/242)


فِي الصّفة للْعهد. وَفِي (التَّوْضِيح) : اخْتلف فِي اسْتِئْذَان الرجل على أَهله وجاريته، فَقَالَ القَاضِي (فِي المعونة) : لَا، لِأَن أَكثر مَا فِي ذَلِك أَن يصادفهما مكشوفتين.

15 - (بابُ التَّسْلِيمِ عَلى الصِّبْيانِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَشْرُوعِيَّة التَّسْلِيم على الصّبيان وَلَيْسَ فِي رِوَايَة أبي ذَر لفظ: بَاب.

20 - (حَدثنَا عَليّ بن الْجَعْد أخبرنَا شُعْبَة عَن سيار عَن ثَابت الْبنانِيّ عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ أَنه مر على صبيان فَسلم عَلَيْهِم وَقَالَ كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَفْعَله) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَعلي بن الْجَعْد بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وبالدال الْمُهْملَة ابْن عبيد أَبُو الْحسن الْجَوْهَرِي الْبَغْدَادِيّ وسيار بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالراء ابْن وردان بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الرَّاء أَبُو العنز الوَاسِطِيّ وَلَيْسَ لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن ثَابت إِلَّا هَذَا الحَدِيث وثابت بالثاء الْمُثَلَّثَة وبالباء الْمُوَحدَة الْبنانِيّ بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف النُّون نِسْبَة إِلَى بنانة امْرَأَة وَهِي امْرَأَة سعد بن لؤَي فأولادها نسبوا إِلَيْهَا والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الاسْتِئْذَان عَن يحيى بن يحيى وَغَيره وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن أبي الْخطاب وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن عمر بن عَليّ قَوْله يَفْعَله أَي يسلم على الصّبيان وَسَلَامه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على الصّبيان من خلقه الْعَظِيم وأدبه الشريف وَفِيه تدريب لَهُم على تَعْلِيم السّنَن ورياضة لَهُم على آدَاب الشَّرِيعَة ليبلغوا متأدبين بآدابها وَقيل لَا يسلم على صبي وضيء إِذا خشِي الافتتان من السَّلَام عَلَيْهِ وَلَو سلم الصَّبِي على الْبَالِغ وَجب عَلَيْهِ الرَّد فِي الصَّحِيح -
16 - (بابُ تَسْلِيمِ الرِّجالِ عَلى النِّساءِ والنِّساءِ عَلى الرِّجالِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز تَسْلِيم الرِّجَال ... إِلَى آخِره. وَلَكِن بِشَرْط أَمن الْفِتْنَة، وَأَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى رد مَا أخرجه عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن يحيى بن أبي كثير: بَلغنِي أَنه يكره أَن يسلم الرِّجَال على النِّسَاء، وَالنِّسَاء على الرِّجَال، وَهُوَ مَقْطُوع أَو معضل.

6248 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ حدّثنا ابنُ أبي حازِمٍ عَنْ أبِيه عَنْ سَهْلٍ قَالَ: كُنَّا نَفْرَحُ يَوْمَ الجُمُعَةِ، قُلْتُ: وَلِمَ؟ قَالَ: كانَتْ لَنا عَجُوزٌ تُرْسِلُ إِلَى بُضاعةَ قَالَ ابنُ مَسْلَمَةَ: نَخْلٍ بِالمَدِينَةِ فَتَأْخُذُ مِنْ أُصُولِ السِّلْقِ فَتَطْرَحُهُ فِي قِدْرٍ وَتُكَرْكرُ حَبَّاتٍ مِنْ شَعِيرٍ، فإذَا صَلَّيْنا الجُمُعَةَ انْصَرَفْنا ونُسَلِّمُ عَلَيْها فَتُقَدِّمُهُ إلَيْنا فَنَفْرَحُ مِن أجْلِهِ، وَمَا كُنّا نَقيلُ وَلَا نَتَغَذَّى إلاّ بَعْدَ الجُمُعَةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (ونسلم عَلَيْهَا) . وَابْن أبي حَازِم هُوَ عبد الْعَزِيز، وَاسم أبي حَازِم سَلمَة بن دِينَار، وَسَهل هُوَ ابْن سعد الْأنْصَارِيّ السَّاعِدِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الْجُمُعَة عَن القعْنبِي، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (بضَاعَة) بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسرهَا وَتَخْفِيف الضَّاد الْمُعْجَمَة وَهِي بِئْر بِالْمَدِينَةِ بديار بني سَاعِدَة من الْأَنْصَار. قَوْله: (قَالَ ابْن مسلمة) وَهُوَ عبد الله بن مسلمة شيخ البُخَارِيّ الْمَذْكُور. قَوْله: (نخل) أَي: بُسْتَان فسره ابْن مسلمة هَكَذَا، وَهِي مجرورة إِمَّا عطف بَيَان لقَوْله: بضَاعَة، أَو بدل مِنْهَا. قَوْله: (وتكركر) أَي: تطحن، وَأَصله من الْكر ضوعف لكرار عود الرَّحَى ورجوعها فِي الطَّحْن مرّة بعد أُخْرَى، وَقد يكون الكركرة بِمَعْنى الصَّوْت، والكركرة أَيْضا شدَّة الصَّوْت للضحك حَتَّى يفحش، وَهِي فَوق القرقرة.

22 - (حَدثنَا ابْن مقَاتل أخبرنَا عبد الله أخبرنَا معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَا عَائِشَة هَذَا جِبْرِيل

(22/243)


يقْرَأ عَلَيْك السَّلَام قَالَت قلت وَعَلِيهِ السَّلَام وَرَحْمَة الله ترى مَا لَا نرى تُرِيدُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -) قَالَ الدَّاودِيّ لَا مُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة وَبَين حَدِيث عَائِشَة هَذَا لِأَن الْمَلَائِكَة لَا يُقَال لَهُم رجال وَلَا نسَاء وَلَكِن الله خَاطب فيهم بالتذكير قلت قد قيل أَن جِبْرِيل كَانَ يَأْتِي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي صُورَة الرجل فَبِهَذَا الِاعْتِبَار تتأتى الْمُطَابقَة وَأدنى الْمُطَابقَة كَاف فِي بَاب التراحم وَابْن مقَاتل هُوَ مُحَمَّد بن مقَاتل الْمروزِي وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي والْحَدِيث مضى فِي بَدْء الْخلق عَن عبد الله بن مُحَمَّد وَفِي الْأَدَب وَفِي الرقَاق عَن أبي الْيَمَان وَفِي فضل عَائِشَة عَن يحيى بن بكير وَمضى الْكَلَام فِيهِ قَوْله يقْرَأ عَلَيْك السَّلَام ويروى يُقْرِئك السَّلَام يُقَال أَقرَأ فلَانا السَّلَام واقرأ عَلَيْهِ السَّلَام كَأَنَّهُ حِين يبلغهُ سَلَامه يحملهُ على أَن يقْرَأ السَّلَام وَيَردهُ قَوْله ترى خطاب لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قيل الْملك جسم فَإِذا كَانَ فِي مَكَان لَا تخْتَص رُؤْيَته بِبَعْض الْحَاضِرين وَأجِيب بِأَن الرُّؤْيَة أَمر يَجْعَلهَا الله تَعَالَى فِي الشَّخْص فَهِيَ تَابِعَة لخلقه وَلِهَذَا عِنْد الأشعرية أَن يرى أعمى الصين بقة أندلس وَلَا يَرَاهَا من هُوَ عِنْدهَا وَقَالَ ابْن بطال السَّلَام على النِّسَاء جَائِز إِلَّا على الشواب مِنْهُنَّ فَإِنَّهُ يخْشَى أَن يكون فِي مكالمتهن بذلك خَائِنَة الْأَعْين أَو نزغات الشَّيَاطِين هَذَا قَول قَتَادَة وَإِلَيْهِ ذهب مَالك وَطَائِفَة من الْعلمَاء وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ لَا يسلم الرجل على النِّسَاء إِذا لم يكن مِنْهُنَّ ذَوَات محارم وَقَالُوا لَا يسْقط عَن النِّسَاء الْأَذَان وَالْإِقَامَة والجهر بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاة وَيسْقط عَنْهُن رد السَّلَام فَلَا يسلم عَلَيْهِنَّ قلت هَذَا لَيْسَ مَذْهَب الْحَنَفِيَّة فَإِن عِنْدهم لَا أَذَان وَلَا إِقَامَة على النِّسَاء
(تَابعه شُعَيْب: وَقَالَ يُونُس والنعمان عَن الزُّهْرِيّ وَبَرَكَاته) أَي تَابع معمرا شُعَيْب بن حَمْزَة فِي رِوَايَته عَن الزُّهْرِيّ فِي قَول عَائِشَة عَلَيْهِ السَّلَام وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته وَقَالَ يُونُس أَي ابْن يزِيد والنعمان بن رَاشد الخزرجي فِي روايتهما عَن الزُّهْرِيّ وَبَرَكَاته أما تَعْلِيق يُونُس فوصله البُخَارِيّ فِي بَاب فضل عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا حَدثنَا يحيى بن بكير حَدثنَا اللَّيْث عَن يُونُس عَن ابْن شهَاب قَالَ أَبُو سَلمَة أَن عَائِشَة قَالَت قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَا عَائِشَة هَذَا جِبْرِيل يُقْرِئك السَّلَام فَقَالَت وَعَلِيهِ السَّلَام وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته ترى مَا لَا أرى تُرِيدُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأما تَعْلِيق النُّعْمَان فوصله الْإِسْمَاعِيلِيّ من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن إِسْحَق الشَّامي حَدثنَا عبد الله بن الْمُبَارك فَذكره بِلَفْظ وَبَرَكَاته -
17 - (بابُ إذَا قَالَ مَنْ ذَا؟ فَقَالَ: أَنا)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا قَالَ رجل لمن دق بَابه. من ذَا؟ يَعْنِي: من ذَا الَّذِي يدق الْبَاب؟ فَقَالَ الداق: أَنا، وَلم يذكر حكمه اكْتِفَاء بِمَا فِي حَدِيث الْبَاب، وَسقط لفظ: بَاب، فِي رِوَايَة أبي ذَر.

6250 - حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ هِشامُ بنُ عبدِ المَلِكِ حَدثنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ جابِراً رَضِي الله عَنهُ يَقُولُ: أتَيْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي دَيْنٍ كانَ على أبي، فَدَقَقْتُ البابَ، فَقَالَ: مَنْ ذَا؟ فَقُلْتُ: أَنا. فَقَالَ: أَنا أَنا، كأنَّهُ كَرِهَها. ابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الاسْتِئْذَان عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الله بن نمير وَغَيره. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَب عَن مُسَدّد. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الاسْتِئْذَان عَن سُوَيْد بن نصر. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن حميد بن مسعد. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْأَدَب عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.
قَوْله: (فدققت) بقافين فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والسرخسي: فَدفعت، من الدّفع، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: فَضربت الْبَاب. قَوْله: (من ذَا) أَي: من ذَا الَّذِي يدق الْبَاب؟ فَقَالَ جَابر: أَنا. فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنا أَنا، كَأَنَّهُ كرهه أَي: كره ذَلِك، ويروى: كَأَنَّهُ كرهها، أَي: هَذِه اللَّفْظَة، وَأَنا الثَّانِي تَأْكِيد للْأولِ، وَإِنَّمَا أكده لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انفعل من ذَلِك، وَلِهَذَا قَالَ جَابر: كَأَنَّهُ كرهه، لِأَن قَوْله هَذَا لَا يكون جَوَابا عَمَّا سَأَلَ إِذْ

(22/244)


الْجَواب الْمُفِيد: أَنا جَابر، وَإِلَّا فَلَا بَيَان فِيهِ إلاَّ إِذا كَانَ المستأذن يعرف بِصَوْتِهِ وَلَا يلتبس بِغَيْرِهِ، وَفِي رِوَايَة مُسلم: فَخرج وَهُوَ يَقُول: أَنا أَنا، وَفِي أُخْرَى كَأَنَّهُ كره ذَلِك، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي (مُسْنده) عَن شُعْبَة: كره ذَلِك بِالْجَزْمِ وَبِهَذَا يرد قَول من يَقُول: إِن الحَدِيث لَا يدل على الْكَرَاهَة جزما، قَالَ الدَّاودِيّ: هَذَا كَانَ قبل نزُول آيَة الاسْتِئْذَان.

18 - (بابُ مَنْ رَدَّ فَقَالَ: عَلَيْكَ السّلاَمُ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ من رد على الْمُسلم فَقَالَ: عَلَيْك السَّلَام، وَبَدَأَ بِالْخِطَابِ على الْمُسلم ثمَّ ذكر لفظ: السَّلَام، وَهَذَا الْوَجْه الَّذِي ذكره جَاءَ فِي حَدِيث عَائِشَة فِي سَلام جِبْرِيل عَلَيْهَا، وَهِي ردَّتْ بقولِهَا: عَلَيْهِ السَّلَام، قدمت ذكر الْمُسلم عَلَيْهِ ثمَّ ذكرت السَّلَام وَفِيه أوجه أخر وَهِي: السَّلَام عَلَيْك، فِي الِابْتِدَاء وَفِي الرَّد. وَالسَّلَام عَلَيْكُم، وَعَلَيْك السَّلَام، بواو العاطفة، وَعَلَيْك بِغَيْر لفظ السَّلَام، وَعَلَيْك السَّلَام رَحْمَة الله، وَالسَّلَام عَلَيْك وَرَحْمَة الله، وَقَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن يكون يَعْنِي البُخَارِيّ أَشَارَ إِلَى رد من قَالَ غير: عَلَيْك السَّلَام. قلت: هَذَا تخمين فَلَا يعول عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا وضع التَّرْجَمَة فِي القَوْل: بعليك السَّلَام، وَلم يحصره على هَذَا لِأَن الْمَذْكُور فِي رد الْمَلَائِكَة: السَّلَام عَلَيْك، وَالْمَذْكُور فِي حَدِيث الْبَاب: وَعَلَيْك السَّلَام، بواو الْعَطف على مَا يَجِيء عَن قريب، وَجَاء فِي الْقُرْآن تَقْدِيم السَّلَام على إسم الْمُسلم عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْله: {سَلام على الياسين} (الصافات: 130) } (الصافات: 130) . {سَلام على مُوسَى وَهَارُون} } (الصافات: 120) وَقَالَ فِي قصَّة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام: {رَحْمَة الله وَبَرَكَاته عَلَيْكُم أهل الْبَيْت} (هود: 73) وَفِي (التَّوْضِيح) وروى يحيى عَن بن أبي كثير عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ مَرْفُوعا: السَّلَام إسم من أَسمَاء الله تَعَالَى فافشوه بَيْنكُم فَإِن صَحَّ فالاختيار فِي التَّسْلِيم وَالْأَدب فِيهِ تَقْدِيم إسم الله تَعَالَى على إسم الْمَخْلُوق.
وقالَتْ عائِشَةُ: وعليْهِ السَّلاَمُ ورحْمَةُ الله وَبَرَكاتُهُ
هَذَا التَّعْلِيق طرف من حَدِيث مَوْصُول قد مضى عَن قريب فِي: بَاب تَسْلِيم الرِّجَال على النِّسَاء.
وَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: رَدَّ المَلاَئِكَةُ عَلى آدَمَ: السّلاَمُ عَلَيْكَ ورحْمَةُ الله
هَذَا التَّعَلُّق قد مضى مَوْصُولا فِي أول كتاب الاسْتِئْذَان فِي: بَاب بَدْء السَّلَام.

6251 - حدَّثنا إسْحاقُ بنُ مَنْصُورٍ أخبرنَا عبدُ الله بنُ نُمَيْرٍ حَدثنَا عُبَيْدُ الله عَنْ سَعِيدِ بنِ أبي سَعيدٍ المقْبُريِّ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ أنَّ رجُلاً دَخَلَ المَسْجِدَ ورسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جالِسٌ فِي ناحِيَةِ المَسْجِدِ، فَصَلّى ثُمَّ جاءَ فَسَلّمَ عليْهِ، فَقَالَ لَهُ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وعَلَيْكَ السّلاَمُ، إرْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، فَرَجَعَ فَصَلَّى ثُمَّ جاءَ فَسَلَّمَ فَقَالَ: وَعَلَيْكَ السلامُ فارْجِعْ فَصَلِّ، فإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، فَقَالَ فِي الثَّانِيَةِ أوْ فِي الَّتِي بَعْدَها عَلِّمْني يَا رسولَ الله! فَقَالَ: إِذا قُمْتَ إِلَى الصَّلاةِ فأسْبِغ الوُضُوءَ ثُمَّ اسْتَقْبلِ القِبْلَةَ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ بِما تَيسَّرَ مَعَكَ من القُرْآنِ ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئنَّ راكِعاً ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَسْتوِيَ قائِماً ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ ساجِداً ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جالِساً ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ ساجِداً ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئنَّ جالِساً، ثُمَّ افْعَلْ ذالِكَ فِي صَلاتِكَ كُلِّها.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي تَقْدِيم إسم الْمُسلم عَلَيْهِ على لفظ السَّلَام. وَعبيد الله هُوَ ابْن عمر بن حَفْص الْعمريّ، وَسَعِيد بن أبي سعيد كيسَان الْمدنِي.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب الْقِرَاءَة فِي الصَّلَاة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى، وَقَالَ بعض الروَاة فِيهِ: عَن سعيد بن أبي سعيد عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة، كَمَا يَجِيء الْآن. قلت: هَذِه رِوَايَة يحيى الْقطَّان وكلتا الرِّوَايَتَيْنِ صَحِيحَة لِأَن سعيداً يروي عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة، ويروي عَن أبي هُرَيْرَة بِلَا ذكر الْأَب.

(22/245)


وَقَالَ أبُو أُسامَةَ فِي الأخِيرِ: حَتَّى تَسْتَوِيَ قائِماً
أَبُو أُسَامَة هُوَ حَمَّاد بن أُسَامَة. قَوْله: فِي الْأَخير، أَي فِي اللَّفْظ الْأَخير، وَهُوَ: حَتَّى تطمئِن جَالِسا يَعْنِي: قَالَ مَكَانَهُ: حَتَّى تستوي قَائِما وَالْأولَى تناسب من قَالَ بجلسة الاسْتِرَاحَة بعد السُّجُود، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي كتاب الْأَيْمَان وَالنُّذُور.

6252 - حدَّثنا ابنُ بَشَّارٍ قَالَ: حدّثني يَحْياى عَنْ عُبَيْدِ الله حدّثني سَعِيدٌ عَنْ أبِيهِ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جالِساً.
ابْن بشار بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الشين الْمُعْجَمَة هُوَ مُحَمَّد بن بشار، وَيحيى هُوَ الْقطَّان، وَعبيد الله هُوَ الْعمريّ الْمَذْكُور آنِفا.
قَوْله: (سعيد عَن أَبِيه) يَعْنِي: كيسَان كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن، وَاخْتَصَرَهُ البُخَارِيّ هَاهُنَا وَسَاقه فِي كتاب الصَّلَاة بِتَمَامِهِ.

19 - (بابُ إِذا قَالَ: فُلانٌ يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا قَالَ ... الخ. قَوْله: يُقْرِئك، بِضَم الْيَاء من الإقراء وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: يقْرَأ عَلَيْك السَّلَام. وَهُوَ لفظ حَدِيث الْبَاب.

6253 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدّثنا كَريَّاءُ قَالَ: سَمِعْتُ عامِراً يَقُولُ: حَدثنِي أبُو سَلَمَة بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا حدَّثَتُهُ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَ هَا: إنَّ جِبْرِيلَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلامَ {قالَتْ: وَعَلَيْهِ السَّلامُ وَرَحْمَةُ الله.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي رِوَايَة الْكشميهني ظَاهِرَة. وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وزَكَرِيا هُوَ ابْن أبي زَائِدَة الْأَعْمَى الْكُوفِي، وعامر هُوَ الشّعبِيّ، وَمضى شرح الحَدِيث عَن قريب.

20 - (بابُ التَّسْلِيمِ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ أخلاطٌ مِنَ المُسْلَمِينَ والمُشْرِكِينَ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم السَّلَام على أهل مجْلِس فِيهِ أخلاط أَي: مختلطون من الْمُسلمين وَالْمُشْرِكين.

6254 - حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ مُوسَى أخبرنَا هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ قَالَ: أَخْبرنِي أُسامَةُ بنُ زَيْدٍ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكِبَ حِماراً عَليهِ إكافٌ تَحْتَهُ قَطِيفَةٌ فَدَكِيَّةٌ، وأرْدَفَ وراءَهُ أُسامَةَ بنَ زَيْدٍ وَهْوَ يَعُودُ سَعْدَ بنَ عُبادَةَ فِي بَنِي الحارِثِ بنِ الخَزْرَجِ وذالِكَ قَبْلَ وَقْعَة بَدْرٍ حَتَّى مَرَّ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ أخْلاطٌ مِنَ المُسْلِمِينَ والمُشْرِكِينَ عَبْدَة الأوْثانِ واليَهُودِ وفِيهِمْ عَبْدُ الله ابنُ أُبَيّ ابنُ سَلول، وَفِي المَجْلِسِ عَبْدُ الله بنُ رَواحَةَ، فَلَمَّا غَشِيَتِ المَجْلِسَ عَجاجَةُ الدَّابَةِ خَمَّرَ عَبْدُ الله ابنُ أُبَيّ أنْفَهُ بِرِدائِهِ، ثُمَّ قَالَ: لَا تُغَبِّرُوا عَلَيْنا، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثُمَّ وَقَفَ فَنَزَلَ فَدَعاهُمْ إِلَى الله وقَرَأ عَلَيْهِمُ القُرْآنَ، فَقَالَ عَبْدُ الله بنُ أُبَيّ ابنُ سَلُولَ: أيُّها المَرْءُ} لَا أحْسَنَ مِنْ هاذا، إنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَلَا تُؤْذنا فِي مَجالِسِنا وارْجِعْ إِلَى رَحْلِكَ، فَمَنْ جاءَكَ مِنَّا فاقْصُصْ عَلَيْهِ. قَالَ ابنُ رَواحَةَ: اغْشَنا فِي مَجالِسِنا فإِنَّا نُحِبُّ ذالِكَ، فاسْتَبَّ المُسْلِمُونَ والمُشْرِكُونَ واليَهُودُ حَتَّى هَمُّوا أنْ يَتَواثَبُوا، فَلَمْ يَزَلِ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا، ثُمَّ رَكِبَ دابَّتَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلى سَعْدِ بنِ عُبادَةَ، فَقَالَ: أيْ سَعْدُ! ألَمْ تَسْمَعْ مَا قَالَ أبُو حُبابٍ؟ يُرِيدُ عَبْدَ الله بنَ أُبَيّ قَالَ كَذا وكَذا.

(22/246)


قَالَ: اعْفُ عَنهُ يَا رسولَ الله واصْفَحْ، فَوالله لَقَدْ أعْطاكَ الله الَّذِي أعْطاكَ ولَقَدِ اصْطَلَحَ أهْلُ هاذِهِ البَحْرَةِ عَلى أنْ يُتَوِّجُوهُ فَيُعَصِّبُونَهُ بالعِصابَةِ، فَلَمَّا رَدَّ الله ذالِكَ بِالحَقِّ الَّذِي أعْطاكَ شَرِقَ بِذالِكَ فَذَلِكَ فَعَلَ بِهِ مَا رَأَيْتَ، فَعَفا عَنْهُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (حَتَّى مر فِي مجْلِس فِيهِ أخلاط من الْمُسلمين وَالْمُشْرِكين عَبدة الْأَوْثَان وَالْيَهُود) وَفِي قَوْله: (فَسلم عَلَيْهِم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) .
وَإِبْرَاهِيم بن مُوسَى الْفراء، وَأَبُو إِسْحَاق الرَّازِيّ يعرف بالصغير، وَهِشَام بن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ، وَمعمر بِفَتْح الميمين ابْن رَاشد.
والْحَدِيث قد مضى فِي أَوَاخِر كتاب الْأَدَب فِي: بَاب كنية الْمُشرك، وَمضى فِي تَفْسِير سُورَة آل عمرَان أَيْضا، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (ابْن سلول) بِالرَّفْع لِأَن سلول إسم أم عبد الله، وَلَا يظنّ أَن سلول أَبُو أبيّ (والقطيفة) بِفَتْح الْقَاف: الدثار والمخمل نِسْبَة إِلَى فدك بِفَتْح الْفَاء وَالدَّال الْمُهْملَة وَهِي قَرْيَة بِخَيْبَر، والعجاجة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الجيمين: الْغُبَار. قَوْله: (خمر) أَي: غطى. قَوْله: (لَا تغبروا) أَي: لَا تثيروا الْغُبَار. قَوْله: (لَا أحسن) أَي: لَيْسَ شَيْء أحسن مِنْهُ، والرحل بِالْحَاء الْمُهْملَة الْمنزل. وَمَوْضِع مَتَاع الشَّخْص. قَوْله: (واغشنا) من غشيه غشياناً أَي: جَاءَ. قَوْله: (وهموا) أَي: قصدُوا التحارب والتضارب، والبحرة الْبَلدة ويروى: الْبحيرَة بِالتَّصْغِيرِ والتتويج والتعصيب يحْتَمل أَن يكون حَقِيقَة وَأَن يكون كِنَايَة عَن جعله ملكا لِأَنَّهُمَا لازمان للملكية. قَوْله: (شَرق) ، بِكَسْر الرَّاء أَي: غص بِهِ يَعْنِي: بَقِي فِي حلقه لَا يصعد وَلَا ينزل.

21 - (بابُ مَنْ لَمْ يُسَلِّمْ عَلى مَنِ اقْتَرَفَ ذَنْباً وَلَمْ يَرُدَّ سَلامَهُ حَتَّى تَتَبَيَّنَ تَوْبَتُهُوإلى مَتَى تَتَبَيَّنُ تَوْبَةُ العَاصِي)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَمر من لَا يسلم على من اقْتَرَف أَي: على من اكْتسب ذَنبا، هَذَا تَفْسِير الْأَكْثَرين. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الاقتراف التُّهْمَة، هَذَا حكم. وَقَوله: وَإِلَى مَتى تتبين تَوْبَة العَاصِي، حكم آخِره. {فَالْحكم الأول} فِيهِ خلاف فَعِنْدَ الْجُمْهُور: لَا يسلم على الْفَاسِق وَلَا على المبتدع، وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَإِن اشطر إِلَى السَّلَام بِأَن خَافَ ترَتّب مفْسدَة فِي دين أَو دنيا إِن لم يسلم سلم، وَكَذَا قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ، وَزَاد: إِن السَّلَام إسم من أَسمَاء الله تَعَالَى فَكَأَنَّهُ قَالَ: الله رَقِيب عَلَيْكُم. وَقَالَ ابْن وهب: يجوز ابْتِدَاء السَّلَام على كل أحد وَلَو كَانَ كَافِرًا، وَاحْتج بقوله تَعَالَى: { (2) وَقُولُوا للنَّاس حسنا} (الْبَقَرَة: 83) . ورد عَلَيْهِ بِأَن الدَّلِيل أَعم من الْمُدعى. وَالْحكم الثَّانِي: هُوَ قَوْله: وَإِلَى مَتى تتبين تَوْبَة العَاصِي، أَي: إِلَى مَتى يظْهر صِحَة تَوْبَته. وَأَرَادَ أَن مُجَرّد التَّوْبَة لَا توجب الحكم بِصِحَّتِهَا، بل لَا بُد من مُضِيّ مُدَّة يعلم فِيهَا بالقرائن صِحَّتهَا من ندامته على الْفَائِت وإقباله على التَّدَارُك، وَنَحْوه. وَقَالَ ابْن بطال: لَيْسَ فِي ذَلِك حد مَحْدُود، وَلَكِن مَعْنَاهُ أَنه لَا تتبين تَوْبَته من سَاعَته وَلَا يَوْمه حَتَّى يمر عَلَيْهِ مَا يدل على ذَلِك، وفيل: يستبرأ حَاله بِسنة، وَقيل: بِسِتَّة أشهر، وَقيل: بِخَمْسِينَ يَوْمًا كَمَا فِي قصَّة كَعْب، ورد هَذَا بِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لم يحده بِخَمْسِينَ يَوْمًا، وَإِنَّمَا أخر كَلَامهم إِلَى أَن أذن الله عز وَجل فِيهِ، وَهِي وَاقعَة حَال لَا عُمُوم فِيهَا، وَيخْتَلف حكم هَذَا باخْتلَاف الْجِنَايَة والجاني.
وَقَالَ عَبْدُ الله بنُ عَمْر: لَا تُسَلِّمُوا عَلى شَرَبَةِ الخمْرِ
مطابقته للجزء الأول للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والشربة بِفتْحَتَيْنِ جمع شَارِب. وَقَالَ ابْن التِّين: لم يجمعه اللغويون كَذَلِك، وَإِنَّمَا قَالُوا: شَارِب وَشرب مثل صَاحب وَصَحب، قلت: عبد الله من الفصحاء وَأي لغَوِيّ يدانيه، وَقد جَاءَ هَذَا الْجمع نَحْو: فسقه فِي جمع فَاسق، وكذبة فِي جمع كَاذِب، وَهَذَا الْأَثر وَصله البُخَارِيّ فِي (الْأَدَب الْمُفْرد) من طَرِيق حبَان بن أبي جبلة بِفَتْح الْجِيم وَالْبَاء الْمُوَحدَة عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ بِلَفْظ: لَا تسلموا على شَارِب الْخمر. وَأخرج الطَّبَرِيّ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ نَحوه.

6255 - حدَّثنا ابنُ بُكَيْر حَدثنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ شِهابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ

(22/247)


عبدِ الله أنَّ عَبْدَ الله بنَ كَعْب قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بنَ مالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ تَبُوكَ وَنَهاى رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَنْ كَلاَمَنا، وآتِي رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فأسَلِّمُ عَلَيْهِ فأقُولُ فِي نَفْسِي: هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلاَمِ أمْ؟ لَا حَتَّى كَملَتْ خَمْسُونَ لَيْلَةَ، وآذَنَ النبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِتَوْبَةِ الله عَلَيْنا حِينَ صَلَّى الفَجْرَ.
هَذَا حَدِيث طَوِيل فِي قصَّة تَوْبَة كَعْب بن مَالك سَاقهَا فِي غَزْوَة تَبُوك وَاخْتَصَرَهُ البُخَارِيّ هُنَا، وَذكر الْقدر الْمَذْكُور لِحَاجَتِهِ إِلَيْهِ هُنَا، وَفِيه مَا ترْجم بِهِ من ترك السَّلَام تأديباً وَترك الرَّد أَيْضا. فَإِن قلت: قد أَمر بإفشاء السَّلَام وَهُوَ عَام. قلت: قد خص بِهِ هَذَا الْعُمُوم عِنْد الْجُمْهُور.
وَابْن بكير هُوَ يحيى بن عبد الله بن بكير، وَعقيل بِضَم الْعين ابْن خَالِد، وَعبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن كَعْب بن مَالك الْأنْصَارِيّ السّلمِيّ الْمدنِي يروي عَن أَبِيه عبد الله بن كَعْب، وَعبد الله يروي عَن أَبِيه كَعْب بن مَالك الْأنْصَارِيّ.
قَوْله: (وَآتِي) بِمد الْهمزَة فعل الْمُتَكَلّم من الْمُضَارع من الْإِتْيَان وَبَين قَوْله: (وَنهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَبَين قَوْله: (وَآتِي) جمل كَثِيرَة، فَإِذا رجعت إِلَى هَذِه فِي الْمَغَازِي وقفت عَلَيْهَا، وآذن، بِالْمدِّ أَي: أعلم.