عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 22 - (بابُ كَيْفَ يُرَدُّ عَلى أهْلِ
الذِّمَّةِ السَّلاَمُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَيْفيَّة رد السَّلَام على
أهل الذِّمَّة، وَفِيه إِشْعَار بِأَن رد السَّلَام على
أهل الذِّمَّة لَا يمْنَع، فَلذَلِك ترْجم بالكيفية.
وَقَالَ ابْن بطال: قَالَ قوم: رد السَّلَام على أهل
الذِّمَّة فرض لعُمُوم قَوْله تَعَالَى: { (4) وَإِذا
حييتُمْ بِتَحِيَّة} (النِّسَاء: 86)
الْآيَة، وَثَبت عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: من سلم
عَلَيْك فَرده وَلَو كَانَ مجوسياً، وَبِه قَالَ الشّعبِيّ
وَقَتَادَة، وَمنع من ذَلِك مَالك وَالْجُمْهُور، وَقَالَ
عَطاء: الْآيَة مَخْصُوصَة بِالْمُسْلِمين فَلَا يرد
السَّلَام على الْكَافرين مُطلقًا.
6256 - حدَّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ عَنِ
الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبرنِي عُرْوَةُ أنَّ عائِشَةَ
رَضِي الله عَنْهَا قالَتْ: دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ اليَهُودِ
عَلى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا:
السامُ عَلَيْكَ، فَفَهِمْتُها فَقُلْتُ: عَلَيْكُمُ
السَّامُ واللَّعْنَة، فَقَالَ فَقَالَ رسولُ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: مَهْلاً يَا عائِشَةُ {فإِنَّ الله
يُحِبُّ الرّفْقَ فِي الأمْرِ كُلّه. فَقُلْتُ: يَا رسولَ
الله} أوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قالُوا؟ قَالَ رسولُ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: فَقَدْ قُلْتُ. وعَلَيْكُمْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ كَيْفيَّة رد
السَّلَام على أهل الذِّمَّة. وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن
نَافِع، وَقد مضى الحَدِيث فِي كتاب الْأَدَب فِي: بَاب لم
يكن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاحِشا.
قَوْله: (السام) الْمَوْت وَقيل: الْمَوْت العاجل. قَوْله:
(فَقلت: وَعَلَيْكُم السام واللعنة) وَفِي رِوَايَة ابْن
أبي مليكَة عَنْهَا، فَقَالَت: عَلَيْكُم ولعنكم الله
وَغَضب عَلَيْكُم، وَقد تقدم فِي أَوَائِل الْأَدَب. وَفِي
رِوَايَة مُسلم من طَرِيق آخر: بل عَلَيْكُم السام والذام
بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وَهُوَ لُغَة فِي الذَّم خلاف
الْمَدْح.
6257 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخبرنَا مالِكٌ
عَنْ عَبْدِ الله بنِ دِينارٍ عَنْ عَبْدِ الله بن عُمَرَ
رَضِي الله عَنْهُمَا أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ: إذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ اليَهُودُ
فَإِنَّمَا يَقُولُ أحَدُهُمُ: السَّامُ عَلَيْكَ. فَقُلْ:
وَعَلَيْكَ. (انْظُر الحَدِيث 6257 طرفه فِي: 6928) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ كَيْفيَّة رد
السَّلَام على أهل الذِّمَّة.
قَوْله: (فَقل: وَعَلَيْك) ، ذكر هُنَا بِالْوَاو وَفِي
(الْمُوَطَّأ) بِلَا وَاو، وَقَالَ النَّوَوِيّ: بِالْوَاو
على ظَاهره أَي: وَعَلَيْك الْمَوْت أَيْضا أَي: نَحن
وَأَنْتُم فِيهِ سَوَاء كلنا نموت، وَكَذَا الْكَلَام فِي:
(وَعَلَيْكُم) فِي الحَدِيث السَّابِق، وَقيل: الْوَاو
فِيهِ للاستئناف لَا للْعَطْف، وَتَقْدِيره: عَلَيْكُم مَا
تستحقونه من الذَّم، وَقَالَ القَاضِي الْبَيْضَاوِيّ:
مَعْنَاهُ وَأَقُول: عَلَيْكُم مَا تُرِيدُونَ بِنَا أَو
مَا تستحقونه. وَلَا يكون، وَعَلَيْكُم عطفا على:
عَلَيْكُم فِي كَلَامهم، وإلاَّ لتضمن ذَلِك تَقْرِير
دُعَائِهِمْ.
(22/248)
6258 - حدَّثنا عُثْمانُ بنُ أبي شَيْبَةَ
حَدثنَا هُشَيْمٌ أخبرنَا عُبَيْدُ الله بنُ أبي بَكْرِ
بنِ أنَسٍ حَدثنَا أنَسُ بنُ مالِكٍ رَضِي الله عَنهُ
قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إذَا
سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أهْلُ الكِتاب فَقُولُوا:
وَعَلَيْكُمْ. (انْظُر الحَدِيث 6258 طرفه فِي: 6926) .
مطابقته للتَّرْجَمَة مثل الْمُطَابقَة الْمَذْكُورَة فِي
الحَدِيث السَّابِق. وهشيم مصغر هشم ابْن بشير
الوَاسِطِيّ، وَعبيد الله بِضَم الْعين ابْن أبي بكر بن
أنس بن مَالك الْأنْصَارِيّ يروي عَن جده أنس بن مَالك.
والْحَدِيث من أَفْرَاده. وَقيل: يَقُول: (وَعَلَيْكُم
السَّلَام) بِكَسْر السِّين يَعْنِي الْحِجَارَة، ورده
أَبُو عمر بِأَنَّهُ لم يشرع لنا سبُّ أهل الذِّمَّة، وروى
أَبُو عمر عَن طَاوُوس قَالَ: يَقُول: (وعلاكم السَّلَام)
بِالْألف أَي: ارْتَفع، ورده أَبُو عمر أَيْضا، وَذهب
جمَاعَة من السّلف إِلَى أَنه يجوز أَن يُقَال فِي الرَّد
عَلَيْهِم: عَلَيْكُم السَّلَام، كَمَا يرد على الْمُسلم،
وَاحْتج بَعضهم بقوله عز وَجل: {فاصفح عَنْهُم وَقل سَلام}
(الزخرف: 89) وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ وَجها عَن بعض
الشَّافِعِيَّة، لَكِن لَا يَقُول: (وَرَحْمَة الله)
وَقيل: يجوز مُطلقًا، وَعَن ابْن عَبَّاس وعلقمة يجوز
ذَلِك عِنْد الضَّرُورَة، وَعَن طَائِفَة من السّلف: لَا
يرد السَّلَام أصلا، وَعَن بَعضهم: التَّفْرِقَة بَين أهل
الذِّمَّة وَأهل الْحَرْب.
23 - (بابُ مَنْ نَظَرَ فِي كِتاب مَنْ يُحْذَرُ عَلى
المُسْلِمِينَ لِيَسْتَبِينَ أمْرُهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز من نظر فِي كتاب من
يحذر على صِيغَة الْمَجْهُول من الحذر، وَفِي (الْمغرب) :
الحذر الْخَوْف، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الحذر التَّحَرُّز.
قَوْله: (ليستبين) ، أَي: ليظْهر أمره. فَإِن قلت: خرّج
أَبُو دَاوُد من حَدِيث ابْن عَبَّاس من نظر فِي كتاب
أَخِيه بِغَيْر إِذْنه، فَكَأَنَّمَا ينظر فِي النَّار.
قلت: يخص مِنْهُ مَا يتَعَيَّن طَرِيقا إِلَى دفع مفْسدَة
هِيَ أكبر من مفْسدَة النّظر على أَن هَذَا حَدِيث ضَعِيف.
6259 - حدَّثنا يُوسُفُ بنُ بُهْلُولٍ حدّثنا ابنُ
إدْرِيسَ قَالَ: حدّثني حُصَيْنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ
عَنْ سَعْدِ بنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أبي عَبْدِ الرَّحْمانِ
السُّلَمِيّ عَنْ عَلِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ:
بَعَثَنِي رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
والزُّبَيْرَ بنَ العَوَّامِ وَأَبا مَرْثَدٍ الغَنَوِيَّ
وَكُلُّنا فارسٌ فَقَالَ: انْطَلِقُوا حَتَّى تأتُوا
رَوْضَةَ خاخٍ فإنَّ بِها امْرَأةً مِنَ المُشْرِكِينَ
مَعَها صَحِيفَةٌ مِنْ حَاطِبِ بنِ أبي بلْتَعَةَ إِلَى
المُشْرِكِينَ، قَالَ: فأدْرَكْناها تَسِيرُ عَلى جَملِ
لَها حَيْثُ قَالَ لَنا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، قَالَ: قُلْنا أيْنَ الكِتابُ الَّذِي مَعَكِ؟
قالَتْ مَا مَعِي كتابٌ، فأنَخْنا بِها فابْتَغَيْنا فِي
رحْلِها فَما وجَدْنا شَيْئاً، قَالَ صاحِبايَ: مَا نَرَى
كِتاباً. قَالَ: قُلْتُ: لَقَدْ عَلِمْتُ مَا كَذَبَ رسولُ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، والَّذِي يُحْلَف بِهِ
لَتُخْرِجَنَّ الكِتابَ أوْ لأُجَرّدَنَّكِ! قَالَ:
فَلَمَّا رَأتِ الجِدَّ مِنِّي أهْوَتْ بِيَدِها إِلَى
حُجْزَتِها وَهْيَ مُحْتَجِزَة بِكِساءِ فأخْرَجَتِ
الكِتابَ، قَالَ: فانْطَلَقْنا بِهِ إِلَى رسولِ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ يَا حاطِبُ
عَلى مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: مَا بِي إِلَّا أنْ أكُونَ
مُؤْمِناً بِاللَّه ورسُولِهِ، وَمَا غَيَّرْتُ وَلَا
بَدَّلْتُ، أرَدْتُ أنْ تَكُونَ لي عِنْدَ القَوْمِ يَدٌ
يَدْفَعُ الله بِها عَنْ أهْلي وَمَالِي ولَيْسَ مِنْ
أصْحابِك هُناكَ إلاَّ وَلَهُ مَنْ يَدْفَعُ الله بِهِ
عَنْ أهْلِهِ، ومالِهِ. قَالَ: صَدَقَ، فَلاَ تَقولُوا
لَهُ إلاَّ خَيْراً، قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ بنُ
الخَطَّابِ: إنَّهُ قَدْ خانَ الله ورسولَهُ
والمُؤْمِنِينَ، فَدَعْنِي فأضْرِبَ عُنُقَهُ. قَالَ:
فَقَالَ: يَا عُمَرُ؟ وَمَا يُدْرِيكَ؟ لَعَلَّ الله قَدِ
اطَّلَعَ عَلى أهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا
شِئْتمْ فَقَدْ وجَبَتْ لَكُمُ الجَنَّةُ، قَالَ:
فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ، وَقَالَ: الله ورسُولُهُ
أعْلَمُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِي بعض طرقه فتح
الْكتاب وَالنَّظَر فِيهِ من غير إِذن صَاحبه ليستبين
أمره، وَهُوَ الَّذِي مضى فِي
(22/249)
الْجِهَاد فِي: بَاب الجاسوس، فأتينا بِهِ
أَي بِالْكتاب الَّذِي أرْسلهُ حَاطِب مَعَ الْمَرْأَة
الْمَذْكُورَة فَإِذا فِيهِ من حَاطِب بن أبي بلتعة إِلَى
أنَاس من الْمُشْركين من أهل مَكَّة يُخْبِرهُمْ بِبَعْض
أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَمضى الحَدِيث أَيْضا فِي الْمَغَازِي فِي غَزْوَة بدر
فِي: بَاب فضل من شهد بَدْرًا. ويوسف بن بهْلُول بِضَم
الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْهَاء وَضم اللَّام
التَّيْمِيّ الْكُوفِي مَاتَ سنة ثَمَان عشرَة
وَمِائَتَيْنِ، وَلم يرو عَنهُ من السِّتَّة إلاَّ
البُخَارِيّ وَمَاله فِي الصَّحِيح إلاَّ هَذَا الحَدِيث،
وَابْن إِدْرِيس هُوَ عبد الله بن إِدْرِيس بن يزِيد
بالزاي الأودي بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْوَاو وبالدال
الْمُهْملَة وحصين بِضَم الْحَاء وَفتح الصَّاد
الْمُهْمَلَتَيْنِ ابْن عبد الرَّحْمَن، وَسعد بن
عُبَيْدَة مصغر عَبدة ختن أبي عبد الرَّحْمَن، وَأَبُو عبد
الرَّحْمَن عبد الله بن حبيب السّلمِيّ بِضَم السِّين
الْمُهْملَة وَفتح اللَّام، وَالرِّجَال كلهم كوفيون
وَأَبُو مرْثَد بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الرَّاء وَفتح
الثَّاء الْمُثَلَّثَة وبالدال الْمُهْملَة اسْمه كناز
بِفَتْح الْكَاف وَتَشْديد النُّون وبالزاي ابْن حُصَيْن
الغنوي بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَالنُّون وبالواو
نِسْبَة إِلَى غَنِي بن بعصر، وَقد ذكر فِي الْجِهَاد
الْمِقْدَاد مَكَان أبي مرْثَد فَلَا مُنَافَاة لاحْتِمَال
الِاجْتِمَاع بَينهمَا إِذْ التَّخْصِيص بِالذكر لَا
يَنْفِي الْغَيْر.
قَوْله: (خَاخ) بخاءين معجمتين إسم مَوضِع. قَوْله: (فَإِن
بهَا امْرَأَة) اسْمهَا سارة بِالسِّين الْمُهْملَة
وَالرَّاء. قَوْله: (فابتغينا) ، أَي: طلبنا فِي رَحلهَا
أَي: فِي متاعها. قَوْله: (أهوت بِيَدِهَا) أَي: مدَّتهَا
إِلَى حجزَتهَا بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَإِسْكَان
الْجِيم، وبالزاي وَهِي معقد الْإِزَار، وحجزه
السَّرَاوِيل الَّتِي فِيهَا التكة. قَوْله: (إلاَّ أَن
أكون) بِكَسْر همزَة إلاَّ وَفتحهَا، قَالَ الْكرْمَانِي:
وَأكْثر الرِّوَايَات بِالْكَسْرِ للاستثناء. قَوْله:
(وَمَا غيرت) ، أَي: الدّين يَعْنِي: لم أرتد عَن
الْإِسْلَام. قَوْله: (يَد) أَي: منَّة ونعمة. قَوْله:
(إعملوا) ، فِيهِ معنى الْمَغْفِرَة لَهُم فِي الْآخِرَة،
وإلاَّ فَلَو توجه على أحد مِنْهُم حد أَو حق يَسْتَوْفِي
مِنْهُ، وَقَالَ ابْن بطال: فِيهِ هتك ستر المذنب وكشف
الْمَرْأَة العاصية وَالنَّظَر فِي كتاب الْغَيْر إِذا
كَانَ فِيهِ نميمة على الْمُسلمين، إِذْ حينئذٍ لَا
حُرْمَة لكاتب وَلَا لصَاحبه.
24 - (بابُ كَيْفَ يُكْتَبُ إِلَى أهْلِ الكِتابِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَيْفيَّة الْكتاب إِلَى أهل
الْكتاب.
6260 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ مُقاتِلٍ أبُو الحَسَن
أخبرنَا عَبْدُ الله أخبرنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ
قَالَ: أَخْبرنِي عُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ الله بنِ
عُتْبَةَ أنَّ ابنَ عَبَّاسٍ أخبرهُ أنَّ أَبَا سُفْيانَ
بنَ حَرْبٍ أخبرهُ أنَّ هِرْقلَ أرْسَلَ إلَيْهِ فِي نَفَر
مِنْ قُرَيْشٍ وكانُوا تُجَّاراً بالشَّأْمِ فأتوْهُ
فَذَكَرَ الحَدِيث، قَالَ: ثُمَّ دَعَا بِكِتابِ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقُرىءَ فإِذا فيهِ: بسْمِ
الله الرَّحْمانِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ الله
ورَسولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ، السَّلامُ
عَلى مَنْ اتَّبَعَ الهُداى، أمَّا بَعْدُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (بِسم الله الرَّحْمَن
الرَّحِيم من مُحَمَّد عبد الله)
إِلَى آخِره، فَإِن فِيهِ إعلاماً كَيفَ يكْتب إِلَى أهل
الْكتاب.
وَمُحَمّد بن مقَاتل الْمروزِي، وَعبد الله بن الْمُبَارك
الْمروزِي يروي عَن يُونُس بن يزِيد عَن مُحَمَّد بن مُسلم
الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله بِضَم الْعين ابْن عبد الله بن
عتبَة بِضَم الْعين وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من
فَوق.
والْحَدِيث طرف من حَدِيث أبي سُفْيَان واسْمه صَخْر.
قَوْله: (تجارًا) بِضَم التَّاء وَتَشْديد الْجِيم جمع
تَاجر وبكسر التَّاء وَتَخْفِيف الْجِيم، وَقد مضى
الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى فِي أول (الْجَامِع) .
25 - (بابُ بِمَنْ يُبْدَا فِي الكِتابِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ بِمن يبْدَأ أَي: بِنَفس
الْكَاتِب أَو الْمَكْتُوب إِلَيْهِ.
6261 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حدّثني جَعْفَرُ بنُ رَبِيعَةَ
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ هُرْمُزَ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ
رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، أنَّهُ ذَكَرَ رَجُلاً مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ
أخَذَ خَشَبَةَ فَنَقَرَها فأدْخلَ فِيها ألْفَ دِينارٍ
وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صاحِبِهِ. وَقَالَ عُمَرُ بنُ
أبي سَلَمَةَ عَنْ أبِيهِ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ
(22/250)
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: نَجَرَ
خَشَبَةَ فَجَعَلَ المَالَ فِي جَوْفِها وَكَتَبَ إلَيْهِ
صَحِيفَةً: مِنْ فُلانٍ إِلَى فُلانٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فلَان إِلَى
فلَان) فَإِن فِيهِ بَدْء الْكَاتِب بِنَفسِهِ ثمَّ ذكر
الْمَكْتُوب إِلَيْهِ، وَهَذَا التَّعْلِيق قد ذكرنَا من
وَصله فِي الْكفَالَة فَإِنَّهُ مضى فِيهَا مطولا وَذكره
هُنَا مُخْتَصرا، وَقَالَ الْمُهلب: السّنة أَن يبْدَأ
الْكَاتِب بِنَفسِهِ وروى أَبُو دَاوُد من طَرِيق ابْن
سِيرِين عَن أبي الْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ عَن الْعَلَاء
أَنه كتب إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
فَبَدَأَ بِنَفسِهِ. وَأخرجه عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن
أَيُّوب: قَرَأت كتابا من الْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ
إِلَى مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
وَعَن معمر عَن أَيُّوب أَنه كَانَ رُبمَا يبْدَأ باسم
الرجل قبله إِذا كتب إِلَيْهِ، وَسُئِلَ مَالك عَنهُ
فَقَالَ: لَا بَأْس بِهِ.
قَوْله: (وَقَالَ عمر بن أبي سَلمَة) أَي: ابْن عبد
الرَّحْمَن بن عَوْف، وَعمر هَذَا مدنِي صَدُوق فِيهِ ضعف
وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الْموضع
الْمُعَلق، وَقد وَصله البُخَارِيّ فِي (الْأَدَب
الْمُفْرد) وَقَالَ: حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل
حَدثنَا أَبُو عوَانَة حَدثنَا عمر فَذكر مثل اللَّفْظ
الْمُعَلق هَاهُنَا. قَوْله: (عَن أبي هُرَيْرَة) ، وَفِي
رِوَايَة الْكشميهني والأصيلي والنسفي وكريمة: سمع أَبَا
هُرَيْرَة. قَوْله: (نجر) ، أَي: حفر ونحت، وَهُوَ
بِالْجِيم وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: نقر، بِالْقَافِ.
25 - (بابُ بِمَنْ يُبْدَا فِي الكِتابِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ بِمن يبْدَأ أَي: بِنَفس
الْكَاتِب أَو الْمَكْتُوب إِلَيْهِ.
6261 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حدّثني جَعْفَرُ بنُ رَبِيعَةَ
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ هُرْمُزَ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ
رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، أنَّهُ ذَكَرَ رَجُلاً مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ
أخَذَ خَشَبَةَ فَنَقَرَها فأدْخلَ فِيها ألْفَ دِينارٍ
وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صاحِبِهِ. وَقَالَ عُمَرُ بنُ
أبي سَلَمَةَ عَنْ أبِيهِ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: نَجَرَ خَشَبَةَ
فَجَعَلَ المَالَ فِي جَوْفِها وَكَتَبَ إلَيْهِ
صَحِيفَةً: مِنْ فُلانٍ إِلَى فُلانٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فلَان إِلَى
فلَان) فَإِن فِيهِ بَدْء الْكَاتِب بِنَفسِهِ ثمَّ ذكر
الْمَكْتُوب إِلَيْهِ، وَهَذَا التَّعْلِيق قد ذكرنَا من
وَصله فِي الْكفَالَة فَإِنَّهُ مضى فِيهَا مطولا وَذكره
هُنَا مُخْتَصرا، وَقَالَ الْمُهلب: السّنة أَن يبْدَأ
الْكَاتِب بِنَفسِهِ وروى أَبُو دَاوُد من طَرِيق ابْن
سِيرِين عَن أبي الْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ عَن الْعَلَاء
أَنه كتب إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
فَبَدَأَ بِنَفسِهِ. وَأخرجه عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن
أَيُّوب: قَرَأت كتابا من الْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ
إِلَى مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
وَعَن معمر عَن أَيُّوب أَنه كَانَ رُبمَا يبْدَأ باسم
الرجل قبله إِذا كتب إِلَيْهِ، وَسُئِلَ مَالك عَنهُ
فَقَالَ: لَا بَأْس بِهِ.
قَوْله: (وَقَالَ عمر بن أبي سَلمَة) أَي: ابْن عبد
الرَّحْمَن بن عَوْف، وَعمر هَذَا مدنِي صَدُوق فِيهِ ضعف
وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الْموضع
الْمُعَلق، وَقد وَصله البُخَارِيّ فِي (الْأَدَب
الْمُفْرد) وَقَالَ: حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل
حَدثنَا أَبُو عوَانَة حَدثنَا عمر فَذكر مثل اللَّفْظ
الْمُعَلق هَاهُنَا. قَوْله: (عَن أبي هُرَيْرَة) ، وَفِي
رِوَايَة الْكشميهني والأصيلي والنسفي وكريمة: سمع أَبَا
هُرَيْرَة. قَوْله: (نجر) ، أَي: حفر ونحت، وَهُوَ
بِالْجِيم وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: نقر، بِالْقَافِ.
26 - (بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: قومُوا إِلَى سيدكم، وغرضه من هَذِه التَّرْجَمَة
بَيَان حكم قيام الْقَاعِد للداخل، وَلَكِن لم يجْزم
بالحكم لمَكَان الِاخْتِلَاف فِيهِ.
6262 - حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ حدّثنا شُعْبَةُ عَنْ
سَعْدِ بنِ إبْراهِيمَ عَنْ أبي أُمامَةَ بنِ سَهْلِ بنِ
حُنَيْفٍ عَنْ أبي سَعِيدٍ أنَّ أهْلَ قُرَيْظَةَ نَزَلوا
عَلى حُكْم سَعْد، فأرْسَلَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم إلَيْهِ فَجاءَ، فَقَالَ: قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ
أوْ قَالَ: خَيْرِكُمْ فَقَعَدَ عِنْدَ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: هاؤُلاءِ نَزَلُوا عَلى حُكْمِكَ.
قَالَ: فإِنِّي أحْكُمُ أنْ تُقْتَلَ مُقاتِلَتُهُمْ
وتُسْبَى ذَرارِيُّهُمْ. فَقَالَ: لَقَدْ حَكمْتَ بِما
حَكَمَ بِهِ المَلَكُ.
قَالَ أبُو عَبْدِ الله: أفْهَمَنِي بَعْضُ أصْحابي عَنْ
أبِي الوَلِيدِ منْ قَوْلِ أبي سَعِيدٍ: إِلَى حُكْمِكَ.
التَّرْجَمَة من بعض الحَدِيث كَمَا ترى. وَأَبُو
الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ، وَسعد بن
إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَأَبُو أُمَامَة
بِضَم الْهمزَة اسْمه أسعد بن سهل بن حنيف بِضَم الْحَاء
الْمُهْملَة وَفتح النُّون الْأنْصَارِيّ وَله إِدْرَاك،
وَأَبُو سعيد سعد بن مَالك الْخُدْرِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد عَن سُلَيْمَان بن حَرْب،
وَفِي فضل سعد بن معَاذ عَن مُحَمَّد بن عُرْوَة وَفِي
الْمَغَازِي عَن بنْدَار عَن غنْدر، وَمضى الْكَلَام
فِيهِ.
قَوْله: (قُرَيْظَة) ، بِضَم الْقَاف وَفتح الرَّاء إسم
لقبيلة يهود كَانُوا فِي قلعة. قَوْله: (مُقَاتلَتهمْ)
أَي: الطَّائِفَة الْمُقَاتلَة من الرِّجَال، والذراري،
بتَخْفِيف الْيَاء وتشديدها جمع الذُّرِّيَّة أَي:
النِّسَاء وَالصبيان. قَوْله: (الْملك) بِكَسْر اللَّام:
هُوَ الله تَعَالَى لِأَنَّهُ هُوَ الْملك الْحَقِيقِيّ
على الْإِطْلَاق، وَهُوَ رِوَايَة الْأصيلِيّ، وروى
بِفَتْح اللَّام أَي: بِحكم جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام
الَّذِي جَاءَ بِهِ من عِنْد الله.
قَوْله: (قَالَ أَبُو عبد الله) ، هُوَ البُخَارِيّ نَفسه.
أفهمني ... إِلَى آخِره، قَالَ الْكرْمَانِي أَي: قَالَ
البُخَارِيّ: أَنا سَمِعت من أبي الْوَلِيد: على حكمك،
وَبَعض الْأَصْحَاب نقلوا عَنهُ إِلَى حكمك، بِحرف
الِانْتِهَاء بدل حرف الاستعلاء.
وَفِيه: أَمر السُّلْطَان وَالْحَاكِم بإكرام السَّيِّد من
الْمُسلمين، وَجَوَاز إكرام أهل الْفضل فِي مجْلِس
السُّلْطَان الْأَكْبَر، وَالْقِيَام فِيهِ لغيره من
أَصْحَابه، وإلزام النَّاس كَافَّة للْقِيَام إِلَى سيدهم،
وَقد منع من ذَلِك قوم وَاحْتَجُّوا بِحَدِيث أبي أُمَامَة
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه، قَالَ: خرج النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، متوكئاً على عَصا، فقمنا لَهُ
فَقَالَ: لَا تقوموا كَمَا تقوم الْأَعَاجِم. قَالَ
الطَّبَرِيّ: هَذَا حَدِيث ضَعِيف مُضْطَرب السَّنَد فِيهِ
من لَا يعرف، وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِحَدِيث عبد الله بن
بُرَيْدَة، أخرجه الْحَاكِم: أَن أَبَاهُ دخل على
مُعَاوِيَة فَأخْبرهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، قَالَ: من أحب أَن يتَمَثَّل لَهُ الرِّجَال قيَاما
وَجَبت لَهُ النَّار. وَقَالَ الطَّبَرِيّ: إِنَّمَا فِيهِ
نهي من
(22/251)
يُقَام لَهُ عَن السرُور بذلك لَا من يقوم
إِكْرَاما لَهُ. وَقَالَ الْخطابِيّ: فِي حَدِيث الْبَاب
جَوَاز إِطْلَاق السَّيِّد على الحبر الْفَاضِل، وَفِيه:
أَن قيام المرؤوس للرئيس الْفَاضِل وَالْإِمَام الْعَادِل
والمتعلم للْعَالم مُسْتَحبّ، وَإِنَّمَا يكره لمن كَانَ
بِغَيْر هَذِه الصِّفَات، وَعَن أبي الْوَلِيد بن رشد: أَن
الْقيام على أَرْبَعَة أوجه: الأول: مَحْظُور، وَهُوَ أَن
يَقع لمن يُرِيد أَن يُقَام إِلَيْهِ تكبراً وتعاظماً على
القائمين إِلَيْهِ. وَالثَّانِي: مَكْرُوه وَهُوَ أَن يَقع
لمن لَا يتكبر وَلَا يتعاظم على القائمين، وَلَكِن يخْشَى
أَن يدْخل نَفسه بِسَبَب ذَلِك مَا يحذر، وَلما فِيهِ من
التَّشَبُّه بالجبابرة. وَالثَّالِث: جَائِز وَهُوَ أَن
يَقع على سَبِيل الْبر وَالْإِكْرَام لمن لَا يُرِيد
ذَلِك، ويؤمن مَعَه التَّشَبُّه بالجبابرة. وَالرَّابِع:
مَنْدُوب وَهُوَ أَن يقوم لمن قدم من سفر فَرحا بقدومه
ليسلم عَلَيْهِ أَو إِلَى من تَجَدَّدَتْ لَهُ نعْمَة
فيهنيه بحصولها. أَو مُصِيبَة فيعزيه بِسَبَبِهَا. وَقَالَ
التوربشتي فِي (شرح المصابيح) : معنى قَوْله: (قومُوا
إِلَى سيدكم) أَي: إِلَى إعانته وإنزاله عَن دَابَّته،
وَلَو كَانَ المُرَاد التَّعْظِيم لقَالَ: قومُوا لسيدكم،
وَاعْترض عَلَيْهِ الطَّيِّبِيّ بِأَنَّهُ لَا يلْزم من
كَونه لَيْسَ للتعظيم أَن لَا يكون للإكرام، وَمَا اعتل
بِهِ من الْفرق بَين إِلَى وَاللَّام ضَعِيف، لِأَن إِلَى
فِي هَذَا الْمقَام فخم من اللَّام، كَأَنَّهُ قيل: قومُوا
وامشوا إِلَيْهِ تلقياً وإكراماً، وَهَذَا مَأْخُوذ من
ترَتّب الحكم على الْوَصْف الْمُنَاسب الْمشعر بالعلية،
فَإِن قَوْله: (سيدكم) عِلّة للْقِيَام، وَذَلِكَ لكَونه
شريفاً على الْقدر، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: الْقيام على
وَجه الْبر وَالْإِكْرَام جَائِز كقيام الْأَنْصَار لسعد،
وَطَلْحَة لكعب، وَلَا يَنْبَغِي لمن يُقَام لَهُ أَن
يعْتَقد اسْتِحْقَاقه لذَلِك، حَتَّى إِن ترك الْقيام لَهُ
حنق عَلَيْهِ أَو عاتبه أَو شكاه.
27 - (بابُ المُصافَحَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَشْرُوعِيَّة المصافحة، وَهِي
مفاعلة من إلصاق صفح الْكَفّ بالكف وإقبال الْوَجْه على
الْوَجْه، وَقَالَ الْكرْمَانِي: المصافحة الْأَخْذ
بِالْيَدِ، وَهُوَ مِمَّا يُولد الْمحبَّة.
وَقَالَ ابنُ مَسْعُودٍ: عَلَّمَني النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم التَّشَهُّدَ وكَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ
مُنَاسبَة هَذَا التَّعْلِيق للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَسقط
من رِوَايَة أبي ذَر وَحده، وَوَصله البُخَارِيّ فِي
الْبَاب الَّذِي بعده.
وَقَالَ كَعْبُ بنُ مالِكٍ: دَخَلْتُ المَسْجِدَ فإذَا
بِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فقامَ إلَيَّ
طَلْحَةُ ابنُ عُبَيْدِ الله يُهَرْوِلُ حَتَّى صافَحَنِي
وهَنّأني
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (حَتَّى صَافَحَنِي)
وَهَذَا التَّعْلِيق قِطْعَة من قصَّة كَعْب بن مَالك
مَضَت مُطَوَّلَة فِي غَزْوَة تَبُوك فِي أَمر تَوْبَته.
قَوْله: (فَإِذا) ، للمفاجأة. قَوْله: (فَقَامَ إِلَيّ)
بتَشْديد الْيَاء. قَوْله: (يُهَرْوِل) جملَة وَقعت حَالا
من الهرولة وَهُوَ ضرب من الْعَدو. قَوْله: (وَهَنأَنِي)
بِقبُول التَّوْبَة ونزول الْآيَة، وَطَلْحَة بن عبيد الله
أحد الْعشْرَة المبشرة بِالْجنَّةِ.
6264 - حدَّثنا يَحْياى بنُ سُلَيْمانَ قَالَ: حدّثني ابنُ
وَهْبٍ قَالَ: أَخْبرنِي حَيْوَةُ، قَالَ: حدّثني أبُو
عَقِيلٍ زُهْرَةُ بنُ مَعْبَدِ سَمِعَ جَدَّهُ عَبْدَ الله
بنَ هشامٍ قَالَ: كُنّا مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، وَهْوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ رَضِي
الله عَنهُ (انْظُر الحَدِيث 3694 وطرفه) .
(22/252)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَهُوَ
آخذ بيد عمر) فَإِنَّهُ هُوَ المصافحة، وَقد سقط هَذَا من
رِوَايَة النَّسَفِيّ.
وَيحيى بن سُلَيْمَان أَبُو سعيد الْجعْفِيّ الْكُوفِي
نزيل مصر، يروي عَن عبد الله بن وهب عَن حَيْوَة بن
شُرَيْح عَن زهرَة بِفَتْح الزَّاي وَسُكُون الْهَاء ابْن
معبد بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَفتح
الْبَاء الْمُوَحدَة وبالدال الْمُهْملَة ابْن عبد الله بن
هِشَام بن عُثْمَان بن عَمْرو الْقرشِي التَّيْمِيّ، يعد
فِي أهل الْحجاز، قَالَ أَبُو عمر: ذهبت بِهِ أمه زَيْنَب
بنت حميد إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ
صَغِير فَمسح بِرَأْسِهِ ودعا لَهُ وَلم يبايعه لصغره.
28 - (بابُ الأخْذِ بالْيَدَيْنِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَن الْأَخْذ باليدين،
وَسَقَطت هَذِه التَّرْجَمَة وأثرها وحديثها من رِوَايَة
النَّسَفِيّ. وَقَوله: الْأَخْذ باليدين، رِوَايَة
الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْحَمَوِيّ
وَالْمُسْتَمْلِي: الْأَخْذ بِالْيَدِ، بِالْإِفْرَادِ،
وَمَا وَقع فِي بعض النّسخ: بِالْيَمِينِ، فَلَيْسَ
بِصَحِيح.
وصافَحَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ ابنَ المُبارَكِ بِيَدَيْهِ
ابْن الْمُبَارك هُوَ عبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي
أحد الْأَئِمَّة الْأَعْلَام وحفاظ الْإِسْلَام، وتفقه على
أبي حنيفَة وسُفْيَان الثَّوْريّ، وعده أَصْحَابنَا من
جملَة أَصْحَاب أبي حنيفَة، وَقَالَ ابْن سعد: مَاتَ بهيت
منصرفاً من الْغَزْو سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَة
وَله ثَلَاث وَسِتُّونَ سنة، روى لَهُ الْجَمَاعَة.
وَقَالَ البُخَارِيّ فِي تَرْجَمَة عبد الله بن سَلمَة
الْمرَادِي: حَدثنِي أَصْحَابنَا يحيى وَغَيره عَن أبي
إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم، قَالَ: رَأَيْت حَمَّاد بن
زيد وجاءه ابْن الْمُبَارك بِمَكَّة فصافحه بكلتا
يَدَيْهِ، وَيحيى الْمَذْكُور هُوَ أَبُو جَعْفَر
البيكندي، وَقد أخرج التِّرْمِذِيّ من حَدِيث ابْن
مَسْعُود رَفعه: من تَمام التَّحِيَّة الْأَخْذ بِالْيَدِ،
وَفِي سَنَده ضعف.
6265 - حدَّثنا أبُو نَعِيمٍ حَدثنَا سَيْفٌ قَالَ:
سَمِعْتُ مُجاهِداً يَقُولُ: حدّثني عَبْدُ الله بنُ
سَخْبَرَةَ أبُو مَعْمَرٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابنَ مَسْعُودٍ
يَقُولُ: عَلَّمَني رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَكَفِّي بَيْنَ كَفّيْهِ التَّشهُّدَ كَما يُعَلِّمُنِي
السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ: التَّحِيَّاتُ لله
والصَّلَوَاتُ والطَّيِّباتُ، السّلاَمُ عَلَيْكَ أيُّها
النبيُّ ورَحْمَةُ الله وَبَرَكاتُهُ، السُّلاَمُ عَلَيْنا
وَعَلَى عباده الله الصّالِحِينَ، أشْهَد أنْ لَا إلهَ
إلاّ الله، وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورسولهُ،
وَهْوَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنا، فَلَمَّا قُبِضَ قُلْنا:
السّلاَمُ، يَعْني عَلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَكفى بَين كفيه)
وَهُوَ الْأَخْذ باليدين. وَأَبُو نعيم هُوَ الْفضل بن
دُكَيْن، وَسيف بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون
الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالفاء ابْن أبي سُلَيْمَان،
وَيُقَال: ابْن سُلَيْمَان المَخْزُومِي، مولى بني
مَخْزُوم، وَقَالَ يحيى الْقطَّان: كَانَ حَيا سنة خمسين
وَمِائَة وَكَانَ عندنَا ثِقَة مِمَّن يصدق ويحفظ، وَعبد
الله بن سَخْبَرَة بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون
الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وبالراء
الْأَزْدِيّ الْكُوفِي.
وَحَدِيث التَّشَهُّد هَذَا أخرجه البُخَارِيّ فِي كتاب
الصَّلَاة فِي مَوَاضِع فِي: بَاب التَّشَهُّد فِي
الْأَخِيرَة عَن أبي نعيم عَن الْأَعْمَش عَن شَقِيق بن
سَلمَة ... إِلَى آخِره، وَفِي: بَاب مَا يتَخَيَّر من
الدُّعَاء بعد التَّشَهُّد عَن مُسَدّد عَن يحيى عَن
الْأَعْمَش عَن شَقِيق، وَفِي: بَاب من سمى قوما أَو سلم
فِي الصَّلَاة عَن عَمْرو بن عِيسَى عَن أبي عبد الصَّمد
الْعمي عَن حُصَيْن بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي وَائِل عَن
عبد الله بن مَسْعُود، وَمضى الْكَلَام فِيهِ مَبْسُوطا.
قَوْله: (التَّشَهُّد) مَنْصُوب على أَنه مفعول ثَان
لقَوْله: (عَلمنِي) . قَوْله: (وَكفى بَين كفيه) جملَة
حَالية مُعْتَرضَة. قَوْله: (بَين ظهرانينا) بنونين
مفتوحتين بَينهمَا يَاء آخر الْحُرُوف سَاكِنة وَأَصله:
ظهرينا، بالتثنية أَي ظَهْري الْمُتَقَدّم والمتأخر أَي:
بَيْننَا، فزيد الْألف وَالنُّون
(22/253)
للتَّأْكِيد، قَالَ الْجَوْهَرِي: النُّون
مَفْتُوحَة لَا غير. قَوْله: (فَلَمَّا قبض)
إِلَى آخِره، هَكَذَا جَاءَ فِي هَذِه الرِّوَايَة دون
الرِّوَايَات الْمُتَقَدّمَة، وظاهرها أَنهم كَانُوا
يَقُولُونَ: السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي، بكاف
الْخطاب فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
فَلَمَّا مَاتَ تركُوا الْخطاب وذكروه بِلَفْظ الْغَيْبَة،
فصاروا يَقُولُونَ: السَّلَام على النَّبِي. قَوْله:
(يَعْنِي: على النَّبِي) الْقَائِل بِهَذَا هُوَ
البُخَارِيّ رَضِي الله عَنهُ.
29 - (بابُ المُعانَقَةِ وَقَوْلِ الرَّجُلِ: كَيْفَ
أصْبَحْتَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي المعانقة، مفاعلة من عانق الرجل إِذا
جعل يَدَيْهِ على عُنُقه وضمه إِلَى نَفسه، وتعانقا
واعتنقا، والعناق أَيْضا المعانقة وَلم يثبت لفظ المعانقة
وواو الْعَطف فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ، وَفِي رِوَايَة
أبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي والسرخسي. قَوْله: (وَقَول
الرجل) ، بِالْجَرِّ عطف على المعانقة أَي: وَفِي قَول
الرجل لآخر: كَيفَ أَصبَحت، وَنقل الْكرْمَانِي عَن صَاحب
التراجم ترْجم البُخَارِيّ بالمعانقة وَلم يذكر فِيهَا
شَيْئا وَإِنَّمَا ذكرهَا فِي كتاب الْبيُوع فِي: بَاب مَا
ذكر فِي الْأَسْوَاق فِي معانقة الرجل لصَاحبه عِنْد قدومه
من السّفر وَعند لِقَائِه، وَلَعَلَّ البُخَارِيّ أَخذ
المعانقة من عَادَتهم عِنْد قَوْلهم: كَيفَ أَصبَحت
وَاكْتفى: بكيف أَصبَحت، لاقتران المعانقة بِهِ عَادَة أَو
أَنه ترْجم وَلم يتَّفق لَهُ حَدِيث يُوَافقهُ فِي
الْمَعْنى وَلَا طَرِيق مُسْند آخر لحَدِيث معانقة الْحسن
وَلم ير أَن يرويهِ بذلك السَّنَد لِأَنَّهُ لَيْسَ
عَادَته إِعَادَة السَّنَد الْوَاحِد مرَارًا، وَقَالَ
ابْن بطال: ترْجم بالمعانقة وَلم يذكر لَهَا شَيْئا
فَبَقيَ الْبَاب فَارغًا حَتَّى مَاتَ وَتَحْته: بَاب قَول
الرجل: كَيفَ أَصبَحت؟ فَلَمَّا وجدنَا نَاسخ الْكتاب
الترجمتين متواليتين ظنهما وَاحِدَة إِذْ لم يجد بَينهمَا
حَدِيثا، والأبواب الفارغة فِي هَذَا (الْجَامِع)
كَثِيرَة، وَقد طول بَعضهم هُنَا كلَاما يمزق فكر النَّاظر
بِحَيْثُ لَا يرجع بِشَيْء.
6266 - حدَّثنا إسْحاقُ أخبرنَا بِشرُ بنُ شُعَيْبٍ حدّثني
أبي عَن الزُّهْرِي قَالَ: أَخْبرنِي عَبْدُ الله بنُ
كَعْبٍ أنَّ عَبْدَ الله بنَ عَبَّاسٍ أخْبَرَهُ أنَّ
عَلِيًّا يعْني ابنَ أبي طالِبٍ خَرَجَ منْ عِنْدِ النبيِّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. (ح) وحدّثنا أحْمَدُ بنُ صالِحٍ
حَدثنَا عَنْبَسَةُ حَدثنَا يُونُسُ عَنِ ابنِ شِهابٍ
قَالَ: أَخْبرنِي عَبْدُ الله بنُ كَعْبِ بنِ مالكٍ أنَّ
عَبْدَ الله بنَ عَبَّاسٍ أخبرهُ أنَّ عَليَّ بنَ أبي
طالِبٍ رَضِي الله عَنهُ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ النبيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فِي وَجَعَهِ الَّذِي تُوُفِّيَ
فِيهِ، فَقَالَ النَّاسُ: يَا أَبَا حَسَنٍ! كَيْفَ
أصْبَحَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ:
أصْبَحَ بِحَمْدِ الله بارئاً، فأخَذَ بِيَدِهِ
العَبَّاسُ، فَقَالَ: أَلا تَراهُ؟ أنْتَ وَالله بَعْدَ
الثلاثِ عَبْدُ العَصا، وَالله إنِّي لأُراى رسولَ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَيُتَوَفَّى فِي وَجَعِهِ،
وإنِّي لأعْرفُ فِي وُجُوهِ بَني عَبح 6 المُطَّلِبِ
المَوْتَ، فاذْهَبْ بِنا إِلَى رسولِ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، فَنَسْألَهُ فِيمَنْ يَكُونُ الأمْرُ؟
فإِنْ كَانَ فِينا عَلِمْنا ذالِكَ، وإنْ كَانَ فِي
غَيْرِنا أمَرْناهُ فأوْصاى بِنا. قَالَ عَلِيٌّ: وَالله
لَئِنْ سَألْناها رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَيَمْنَعُنا لَا يُعْطِيناها النَّاسُ أبَداً، وإنِّي لَا
أسْألُها رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبَداً.
(انْظُر الحَدِيث 4447) .
مطابقته للجزء الثَّانِي للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة تُؤْخَذ من
قَوْله: (كَيفَ أصبح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
.
وَأخرجه من طَرِيقين. أَحدهمَا: عَن إِسْحَاق، قيل: هُوَ
ابْن رَاهَوَيْه، وَقَالَ الْكرْمَانِي: لَعَلَّه ابْن
مَنْصُور، فَإِنَّهُ روى عَن بشر فِي: بَاب مرض النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قلت: الأول هُوَ الْأَظْهر،
وَبشر بن شُعَيْب يروي عَن أَبِيه شُعَيْب بن أبي حَمْزَة
الْحِمصِي عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن عبد الله
بن كَعْب بن مَالك الْأنْصَارِيّ عَن عبد الله بن عَبَّاس
عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنْهُم وَالطَّرِيق
الْأُخَر: عَن أَحْمد بن صَالح أبي جَعْفَر الْمصْرِيّ عَن
عَنْبَسَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون
وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وبالسين
(22/254)
الْمُهْملَة ابْن خَالِد الْأَيْلِي
بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف عَن
يُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن
شهَاب الزُّهْرِيّ ... الخ.
والْحَدِيث مضى فِي: بَاب مرض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، فِي أَوَاخِر الْمَغَازِي فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ
عَن إِسْحَاق عَن بشر بن شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن
أَبِيه عَن الزُّهْرِيّ ... الخ نَحوه
قَوْله: (بارئاً) من قَوْلهم بَرِئت من الْمَرَض برءاً
بِالْهَمْزَةِ. قَوْله: (أَلا ترَاهُ) قَالَ ابْن التِّين:
الضَّمِير فِي: ترَاهُ، للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
ورد عَلَيْهِ بِأَنَّهُ ضمير الشَّأْن لِأَن الرُّؤْيَة
هُنَا لَيست بِمَعْنى الرُّؤْيَة البصرية، قيل: قد وَقع
فِي سَائِر الرِّوَايَات بِغَيْر ضمير. قَوْله: (سيتوفى)
على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (الْأَمر) أَي: أَمر
الْخلَافَة. قَوْله: (أمرناه) ، قَالَ ابْن التِّين: هُوَ
بِمد الْهمزَة أَي: شاورناه، قَالَ: وقرأناه بِالْقصرِ من
الْأُمُور وَهُوَ الْمَشْهُور، وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَي
طلبنا مِنْهُ الْوَصِيَّة وَفِيه: دلاله على أَن الْأَمر
لَا يشْتَرط فِيهِ الْعُلُوّ وَلَا الاستعلاء. قَوْله:
(لَا يعطيناها) ، أَي: الْإِمَارَة والخلافة وَكَذَلِكَ
تَأْنِيث الضَّمِير فِي: (وَلَئِن سألناها) ، (وَلَا
أسألها) .
30 - (بابُ مَنْ أجابَ: بِلَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من أجَاب لمن يسْأَله بقوله:
لبيْك، وَمَعْنَاهُ أَنا مُقيم على طَاعَتك، من قَوْلهم:
لب فلَان بِالْمَكَانِ إِذا أَقَامَ بِهِ، وَقيل:
مَعْنَاهُ إِجَابَة بعد إِجَابَة، وَهَذَا من المصادر
الَّتِي حذف فعلهَا لكَونه وَقع مثنى، وَذَلِكَ يُوجب حذف
فعله قِيَاسا لأَنهم لما ثنوه صَار كَأَنَّهُمْ ذَكرُوهُ
مرَّتَيْنِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لبالباً. وَلَا يسْتَعْمل
إلاَّ مُضَافا، وَمعنى: لبيْك، الدَّوَام والملازمة
فَكَأَنَّهُ إِذا قَالَ: لبيْك، قَالَ: أدوم على طَاعَتك
وأقيمها مرّة بعد أُخْرَى أَي: شأني الْإِقَامَة
والملازمة، وَأما: سعديك، فَمَعْنَاه فِي الْعِبَادَة:
أَنا مُتبع أَمرك غير مُخَالف لَك فأسعدني على متابعتك
إسعاداً، وَأما فِي إِجَابَة الْمَخْلُوق فَمَعْنَاه:
أسعدك إسعاداً بعد إسعاد، أَي: مرّة بعد أُخْرَى.
6267 - حدَّثنا مُوساى بنُ إسْماعِيلَ حدّثنا هَمامٌ عَنْ
قَتادة عَنْ أنَسٍ عَنْ مُعاذٍ قَالَ: أَنا رَدِيفُ
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: يَا مُعاذُ
{قلتُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ ثُمَّ قَالَ مِثْلَهُ
ثَلاثاً: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الله عَلى العبادِ؟
قُلْتُ: لَا. قَالَ: حقُّ الله عَلى العِبادِ أنْ
يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، ثُمَّ سارَ
ساعَةً فَقَالَ: يَا مُعاذُ} قُلْتُ: لَبَّيْكَ
وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ العِبادِ
عَلى الله إِذا فَعَلُوا ذالِكَ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ:
حَقُّ العِبادِ عَلى الله إِذا فَعَلُوا ذالِكَ أنْ لَا
يُعَذِّبَهُمْ. ابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (لبيْك
وَسَعْديك) وَهَمَّام بِالتَّشْدِيدِ هُوَ ابْن يحيى
الْبَصْرِيّ، ومعاذ هُوَ ابْن جبل رَضِي الله عَنهُ.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب اللبَاس فِي: بَاب إرداف الرجل
خلف الرجل فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن هدبة بن خَالِد عَن
همام عَن قَتَادَة عَن أنس عَن معَاذ بن جبل رَضِي الله
عَنهُ إِلَى آخِره نَحوه، وَقَرِيب مِنْهُ مضى فِي كتاب
الْعلم فِي: بَاب من خص بِالْعلمِ قوما بأتم مِنْهُ، وَمضى
الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (أَن يعبدوه) إِشَارَة إِلَى العمليات. وَقَوله:
(وَلَا يشركوا بِهِ) إِلَى الاعتقاديات لِأَن التَّوْحِيد
أَصْلهَا. قَوْله: (لَا يعذبهم) أَي: هُوَ أَن لَا يعذبهم
قيل: لَا يجب على الله تَعَالَى شَيْء. وَأجِيب بِأَن
الْحق بِمَعْنى الثَّابِت أَو هُوَ وَاجِب بإيجابه على
ذَاته أَو هُوَ كالواجب نَحْو زيد أَسد، وَقَالَ ابْن
بطال: فَإِن اعْترض المرجئة بِهِ فجواب أهل السّنة لَهُم
أَن هَذَا اللَّفْظ خرج على المزاوجة والمقابلة نَحْو
{وَجَزَاء سَيِّئَة مثلهَا} (الشورى: 40) .
حدّثنا هُدْبَةُ حَدثنَا هَمَّامٌ حَدثنَا قَتادة عَنْ
أنَسٍ عَنْ مُعاذٍ بِهاذا
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث معَاذ أخرجه عَن هدبة بن
خَالِد عَن همام بن يحيى وَمضى هَذَا الطَّرِيق بِعَيْنِه
فِي كتاب اللبَاس كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن.
6268 - حدَّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ حَدثنَا أبِي حَدثنَا
الأعْمَشُ حَدثنَا زَيْدُ بنُ وَهْبٍ حدّثنا وَالله
(22/255)
أبُو ذَرّ بالرَّبْذَةِ، قَالَ: كُنْتُ
أمْشِي مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي حَرَّةِ
المَدِينَةِ عِشاءً اسْتَقْبَلَنا أُحُدٌ فَقَالَ: يابا
ذَرّ {مَا أُحِبُّ أنَّ أُحُداً لِي ذَهَباً تَأْتِي
عَلَيَّ لَيْلَةٌ أوْ ثَلاثٌ عِنْدِي مِنْهُ دِينارٌ لَا
أرْصُدُهُ لِدَيْنٍ إلاَّ أنْ أقُولَ بِهِ فِي عِبادِ الله
هاكَذا وهاكذا وهاكذا أَو أرانا بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ: يَا
أَبَا ذَرّ} قُلْتُ: لَبَّيْكَ وسَعْدَيْكَ يَا رسولَ
الله. قَالَ: الأكْثَرُونَ هم الأقَلُّونَ إلاَّ مَنْ
قَالَ هاكَذا وهاكَذا، ثُمَّ قَالَ لي: مَكانَكَ لَا
تَبْرَحْ يَا أَبَا ذَرّ حَتَّى أرْجِعَ، فانْطَلَقَ
حَتَّى غابَ عَنِّي، فَسَمِعْتُ صَوْتاً فَخَشِيتُ أنْ
يَكُونَ عُرِضَ لِرَسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
فأرَدْتُ أنْ أذْهَبَ ثُمَّ ذَكَرْتُ قَوْلَ رسولِ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تَبْرَحْ. فَمَكَثْتُ.
قُلْتُ: يَا رسولَ الله {سَمِعْتُ صَوْتاً خَشِيتُ أنْ
يَكُونَ عُرِضَ لع، ثُمَّ ذكرْتُ قَوْلَكَ فَقُمْتُ،
فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ذاكَ جِبْرِيلُ
أتانِي فأخْبَرَنِي أنهُ مَنْ ماتَ مِنْ أُمَّتِي لَا
يُشْرِكُ بِاللَّه شَيْئاً دَخَلَ الجَنَّةَ. قُلْتُ: يَا
رسولَ الله} وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ؟ قَالَ: وإنْ زَنَى
وإنْ سَرَقَ.
قُلْتُ لِزَيْدٍ: إنَّهُ بَلَغَنِي أنَّهُ أبُو
الدَّرْداءِ، فَقَالَ: أشْهَدُ لَحَدَّثَنِيهِ أبُو ذَرٍّ
بالرَّبَذَةِ.
قَالَ الأعْمَشُ: وحَدثني أبُو صالِحٍ عَنْ أبي
الدَّرْداءِ نَحْوَهُ.
وَقَالَ أبُو شِهابٍ عَن الأعْمَشِ: يَمْكُثُ عِنْدِي
فَوْقَ ثَلاثٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعمر بن حَفْص يروي عَن
أَبِيه حَفْص بن غياث عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن زيد
بن وهب أبي سُلَيْمَان الْهَمدَانِي الْجُهَنِيّ الْكُوفِي
من قضاعة، خرج إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقبض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ فِي
الطَّرِيق، مَاتَ سنة سِتّ وَتِسْعين، وَأَبُو ذَر اسْمه
جُنْدُب بن جُنَادَة مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ
بالربذة، وَأَبُو الدَّرْدَاء اسْمه عُوَيْمِر بن زيد
مَاتَ بِدِمَشْق سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ أَيْضا، شهد
فتح مصر.
والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الاستقراض فِي: بَاب أَدَاء
الدُّيُون فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أَحْمد بن يُونُس
عَن أبي شهَاب عَن الْأَعْمَش عَن زيد بن وهب عَن أبي ذَر
... إِلَى آخِره.
قَوْله: (وَالله) ذكر الْقسم تَأْكِيدًا أَو مُبَالغَة
دفعا لما قيل لَهُ: إِن الرَّاوِي أَبُو الدَّرْدَاء لَا
أَبُو ذَر، يشْعر بِهِ آخر الحَدِيث. قَوْله: (فِي حرَّة
الْمَدِينَة) بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد
الرَّاء هِيَ الأَرْض ذَات الْحِجَارَة السود وَهِي أَرض
بِظَاهِر الْمَدِينَة فِيهَا حِجَارَة سود كَثِيرَة.
قَوْله: (استقبلنا) بِفَتْح اللَّام فعل ومفعول وَاحِد
بِالرَّفْع فَاعله. قَوْله: (يَا با ذَر) حذفت الْهمزَة
للتَّخْفِيف. قَوْله: (ذَهَبا) مَنْصُوب على التَّمْيِيز.
قَوْله: (لَا أرصدة) أَي: لَا أعده وَهُوَ صفة للدينار،
ويروى: إلاَّ أرصدة، بِكَلِمَة الِاسْتِثْنَاء. قَوْله:
(إلاَّ أَن أَقُول) اسْتثِْنَاء من أول الْكَلَام استثنار
مفرغاً وَالْقَوْل فِي عباد الله الصّرْف فيهم والإنفاق
عَلَيْهِم. قَوْله: (هَكَذَا، ثَلَاث مَرَّات) أَي:
يَمِينا وَشمَالًا وقداماً. قَوْله: (الْأَكْثَرُونَ) أَي:
من جِهَة المَال (هم الأقلون) ثَوابًا. قَوْله: (مَكَانك)
بِالنّصب أَي: إلزم مَكَانك، قَوْله: (عرض) على صِيغَة
الْمَجْهُول أَي: ظهر عَلَيْهِ أحد أَو أَصَابَهُ آفَة.
قَوْله: (فَقُمْت) أَي: فوقفت، وَقيل: مَعْنَاهُ فأقمت فِي
موضعي وَهُوَ كَقَوْلِه تَعَالَى: { (2) وَإِذا أظلم
عَلَيْهِم قَامُوا} (الْبَقَرَة: 20) [/ ح.
قَوْله: (قلت لزيد) الْقَائِل هُوَ الْأَعْمَش، وَزيد هُوَ
ابْن وهب الْمَذْكُور. قَوْله: (لحدثنيه) إِنَّمَا دخلت
اللَّام عَلَيْهِ لِأَن الشَّهَادَة فِي حكم الْقسم.
قَوْله: (بالربذة) بِفَتْح الرَّاء وَالْبَاء الْمُوَحدَة
والذال الْمُعْجَمَة مَوضِع على ثَلَاث مراحل من
الْمَدِينَة قريب من ذَات عرق.
قَوْله: (أَبُو صَالح) هُوَ ذكْوَان السمان.
قَوْله: (أَبُو شهَاب) اسْمه عبد ربه الحناط بالمهملتين
وَالنُّون الْمُشَدّدَة الْمَدَائِنِي.
31 - (بابُ لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِنْ
مَجْلِسِهِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ لَا يُقيم الرجلُ الرجلَ الأول
فَاعل وَالثَّانِي مفعول هَذَا من لفظ الحَدِيث وَهُوَ خبر
مَعْنَاهُ النَّهْي وَقيل: إِنَّه للتَّحْرِيم، وَقيل:
للتنزيه، وَهُوَ من بَاب الْآدَاب ومحاسن الْأَخْلَاق،
وَقد رَوَاهُ ابْن وهب فِي: (مُسْنده) بِلَفْظ النَّهْي:
لَا يقم، وَرَوَاهُ ابْن الْحسن كَذَلِك، وَوَقع فِي
رِوَايَة مُسلم: لَا يقيمن، بنُون التَّأْكِيد.
(22/256)
6269 - حدَّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدثنِي
مالِكٌ عَنْ نافِع عَنِ ابْن عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا
عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يُقِيمُ
الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ يَجْلِسُ
فِيهِ. (انْظُر الحَدِيث 911 وطرفه) .
التَّرْجَمَة هِيَ الحَدِيث. وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي
أويس. والْحَدِيث فِي (الْمُوَطَّأ) من رِوَايَة ابْن وهب
وَمُحَمّد بن الْحسن، وَقد مضى فِي الْجُمُعَة فِي: بَاب
لَا يُقيم الرجل أَخَاهُ يَوْم الْجُمُعَة وَيقْعد فِي
مَكَانَهُ، من حَدِيث ابْن جريج عَن نَافِع عَن ابْن عمر:
نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُقيم الرجل
أَخَاهُ من مَقْعَده وَيجْلس فِيهِ. قلت لنافع:
الْجُمُعَة؟ قَالَ: الْجُمُعَة وَغَيرهَا.
32 - (بابُ { (85) إِذا قيل لكم تَفَسَّحُوا ... . انشزوا
فانشزوا} (المجادلة: 11)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ قَوْله عز وَجل: {إِذا قيل
لكم} . الْآيَة. وَفِي رِوَايَة أبي ذَر. {إِذا قيل لكم
تَفَسَّحُوا فِي الْمجْلس فافسحوا} ... الْآيَة. وَفِي
رِوَايَة غَيره إِلَى قَوْله: {فانشزوا} ... الْآيَة.
وَاخْتلفُوا فِي معنى الْآيَة، فَقَالَ ابْن بطال: قَالَ
بَعضهم: هُوَ مجْلِس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
خَاصَّة، كَذَا قَالَه مُجَاهِد وَقَتَادَة، وَقَالَ
الطَّبَرِيّ عَن قَتَادَة: كَانُوا يتنافسون فِي مجْلِس
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا رَأَوْهُ مُقبلا
ضيقوا مجلسهم فَأَمرهمْ الله تَعَالَى أَن يُوسع بَعضهم
لبَعض، وروى ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل بن حَيَّان
بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر
الْحُرُوف، قَالَ: نزلت يَوْم جُمُعَة، أقبل جمَاعَة من
الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار من أهل بدر فَلم يَجدوا
مَكَانا، فَأَقَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
نَاسا مِمَّن تَأَخّر إسْلَامهمْ وأجلسهم فِي أماكنهم، فشق
ذَلِك عَلَيْهِم وَتكلم المُنَافِقُونَ فِي ذَلِك، فَأنْزل
الله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا قيل لكم
تَفَسَّحُوا فِي الْمجْلس فأفسحوا} وَقَالَ الْحسن
الْبَصْرِيّ: فِي الْغَزْو خَاصَّة، وَقَالَ يزِيد بن أبي
حبيب: أَي أثبتوا فِي الْحَرْب، وَهَذَا من مكيدة
الْحَرْب، وَقيل: هُوَ عَام. قَوْله: (يفسح الله لكم) أَي:
توسعوا يُوسع الله عَلَيْكُم مَنَازِلكُمْ فِي الْجنَّة.
قَوْله: {فانشزوا} أَي إِذا قيل لكم ارتفعوا فَارْتَفعُوا
وَقومُوا إِلَى قتال عَدو أَو صَلَاة أَو عمل خير، وَقَالَ
الْحسن: انهزوا إِلَى الْحَرْب، وَقَالَ قَتَادَة
وَمُجاهد: تفَرقُوا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَقومُوا، وَقَالَ ابْن زيد: انشزوا عَنهُ فِي
بَيته، فَإِن لَهُ حوائج. وَقَالَ صَاحب (الْأَفْعَال) :
نشز الْقَوْم عَن مجلسهم قَامُوا مِنْهُ.
6270 - حدَّثنا خَلاّدُ بنُ يَحْياى حَدثنَا سُفْيانُ عَنْ
عُبَيْدِ الله عَنْ نافِع عَنِ ابنِ عُمَرَ عَنِ النبيِّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّهُ نَهاى أنْ يُقامُ
الرَّجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ ويجْلِسَ فِيهِ آخَرُ، ولاكِنْ
تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا.
وكانَ ابنُ عُمَرَ يَكْرَهُ أنْ يَقُومَ الرَّجُلُ مِنْ
مَجْلِسِهِ ثُمَّ يُجْلِسَ مَكانَهُ. (انْظُر الحَدِيث 911
وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (تَفَسَّحُوا) وخلاد
بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد اللَّام ابْن يحيى
بن صَفْوَان السّلمِيّ الْكُوفِي، سكن مَكَّة وَمَات بهَا
قَرِيبا من سنة ثَلَاث عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ من
أَفْرَاده، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَعبيد الله هُوَ
الْعمريّ. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (وَيجْلس فِيهِ آخر) أَي: وَأَن يجلس فِيهِ شخص
آخر. وَاخْتلف فِي تَأْوِيل نَهْيه عَن أَن يُقَام الرجل
من مَجْلِسه وَيجْلس فِيهِ آخر، فتأوله قوم على النّدب،
وَقَالُوا: هُوَ من بَاب الْأَدَب لِأَن الْمَكَان غير
متملك لَهُ، وتأوله قوم على الْوُجُوب، وَاحْتَجُّوا
بِحَدِيث معمر عَن سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة
عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: إِذا
قَامَ أحدكُم من مَجْلِسه ثمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَهُوَ
أَحَق بِهِ. وَقَالَ مُحَمَّد بن مُسلم: معنى قَوْله:
فَهُوَ أَحَق بِهِ إِذا جلس فِي مجْلِس الْقَائِم فَهُوَ
أولى بِهِ إِذا قَامَ لحَاجَة، فَأَما إِذا قَامَ تَارِكًا
فَهُوَ لَيْسَ أولى بِهِ من غَيره، وَقيل: إِذا قَامَ
ليرْجع كَانَ أَحَق، وَقيل: إِن رَجَعَ عَن قرب كَانَ
أَحَق. قَوْله: (تَفَسَّحُوا) أَمر وَوجه كَونه استدراكاً
من الْخَبَر بِتَقْدِير لفظ: قَالَ، بعد: لَكِن، أَو
يُقَال: نهى أَن يُقيم، فِي تَقْدِير: لَا يقيمن،
وَيحْتَمل أَن يكون من كَلَام ابْن عمر، وَلَا يكون من
تَتِمَّة الحَدِيث.
قَوْله: (وَكَانَ ابْن عمر) هُوَ مَوْصُول بالسند
الْمَذْكُور، وَقد روى هَذَا عَن ابْن عمر مَرْفُوعا،
أخرجه أَبُو دَاوُد من طَرِيق أبي الخصيب بِفَتْح
الْمُعْجَمَة وَكسر الْمُهْملَة وَفِي آخِره بَاء
مُوَحدَة، واسْمه زِيَاد بن عبد الرَّحْمَن عَن ابْن عمر:
جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَامَ
لَهُ رجل عَن مَجْلِسه، فَذهب
(22/257)
ليجلس فَنَهَاهُ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ النَّوَوِيّ: قَالَ أَصْحَابنَا:
هَذَا فِي حق من جلس فِي مَوضِع من الْمَسْجِد أَو غَيره
لصَلَاة مثلا ثمَّ فَارقه ليعود إِلَيْهِ كإرادة الْوضُوء
مثلا والشغل يسير ثمَّ يعود، لَا يبطل حَقه فِي
الِاخْتِصَاص بِهِ، وَله أَن يُقيم من خَلفه وَقعد فِيهِ،
وعَلى الْقَاعِد أَن يطيعه. وَاخْتلف: هَل يجب عَلَيْهِ؟
على وَجْهَيْن: أصَحهمَا الْوُجُوب، وَقيل: يسْتَحبّ
وَهُوَ مَذْهَب مَالك، قَالَ أَصْحَابنَا: وَإِنَّمَا يكون
أَحَق بِهِ فِي تِلْكَ الصَّلَاة دون غَيرهَا، قَالَ:
وَلَا فرق بَين أَن يقوم مِنْهُ وَيتْرك لَهُ فِيهِ سجادة
وَنَحْوهَا أم لَا، وَقَالَ عِيَاض: اخْتلف الْعلمَاء
فِيمَن اعْتَادَ بِموضع من الْمَسْجِد للتدريس
وَالْفَتْوَى، وَكَذَا قَالُوا فِي مقاعد الباعة من
الأفنية والطرق الَّتِي هِيَ غير متملكة، قَالُوا: من
اعْتَادَ الْجُلُوس فِي شَيْء مِنْهَا فَهُوَ أَحَق بِهِ
حَتَّى يتم غَرَضه، قَالَ: وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ عَن
مَالك قطعا للتنازع، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: الَّذِي
عَلَيْهِ الْجُمْهُور أَنه لَيْسَ بِوَاجِب.
33 - (بابُ مَنْ قامَ مِنْ مَجْلِسِهِ أوْ بَيْتِهِ وَلَمْ
يَسْتَأذِنْ أصْحابَهُ أَو تَهَيَّأ لِلْقِيامِ، لِيَقُومَ
النّاسُ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ من قَامَ من مَجْلِسه وَكَانَ
عِنْده نَاس أطالوا الْجُلُوس عِنْده، فاستحيى أَن يَقُول
لَهُم: قومُوا، وَهُوَ معنى: لم يسْتَأْذن أَصْحَابه.
قَوْله: (أَو تهَيَّأ) أَي: تجهز للْقِيَام حَتَّى يرى من
عِنْده أَنه يُرِيد الْقيام ليقوموا مَعَه، وَهَذِه
التَّرْجَمَة مسبوكة من معنى حَدِيث الْبَاب.
6271 - حدَّثنا الحَسَنُ بنُ عُمَرَ حَدثنَا مُعْتَمِرٌ
سَمِعْتُ أبي يَذْكُرُ عَنْ أبي مِجْلَزٍ عَنْ أنسِ بنِ
مالِكٍ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما تَزَوَّجَ رسُولُ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، زَيْنَبَ ابْنَةَ جَحْشٍ دَعا
الناسَ طَعِمُوا ثُمَّ جَلَسُوا يَتَحَدَّثُونَ، قَالَ:
فأخَذَ كأنَّهُ يَتَهَيَّأُ لِلْقِيامِ فَلَمْ يَقُومُوا،
فَلَمَّا رأى ذالِكَ قامَ، فلمَّا قامَ قامَ مَنْ قامَ
مَعَهُ مِنَ النَّاسِ وبَقِيَ ثَلاَثَةٌ، وإنَّ النبيَّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، جاءَ لِيَدْخُلَ فإذَا القَوْمُ
جُلُوسٌ، ثُمَّ إنَّهُمْ قامُوا فانْطَلَقُوا، قَالَ:
فَجِئْتُ فأخْبَرْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
أنَّهُمْ قَدِ انْطَلَقُوا فَجاءَ حَتَّى دَخَلَ،
فَذَهَبْتُ أدْخُلُ فأرْخَى الحِجابَ بَيْني وبَيْنَهُ،
وأنْزَلَ الله تَعَالَى: { (33) يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا
لَا تدْخلُوا بيُوت النَّبِي إِلَّا أَن يُؤذن لكم}
(الْأَحْزَاب: 53) إِلَى قَوْلِهِ: {إنَّ ذَلِكُمْ كانَ
عِنْدَ الله عَظِيماً} .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من مَعْنَاهُ، وَقد أوضحنا
بعضه. وَالْحسن بن عمر بن شَقِيق الْبَصْرِيّ، ومعتمر
بِضَم الْمِيم وَسُكُون الْعين على وزن إسم الْفَاعِل من
الاعتمار يرْوى عَن أَبِيه سُلَيْمَان بن طرخان
الْبَصْرِيّ، وَأَبُو مجلز بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون
الْجِيم وَفتح اللَّام وبالزاي اسْمه لَاحق بن حميد
السدُوسِي الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي: بَاب آيَة الْحجاب،
فَإِنَّهُ أخرجه عَن أبي النُّعْمَان عَن مُعْتَمر عَن
أَبِيه ... إِلَى آخِره. وَأخرجه قبله بأتم مِنْهُ عَن
يحيى بن سُلَيْمَان، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ،
وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على خلق عَظِيم وَكَانَ
أَشد النَّاس حَيَاء فِيمَا لم يُؤمر فِيهِ وَلم ينْه،
فَإِذا أمره الله لم يستح من إِنْفَاذ أَمر الله والصدع
بِهِ، وَكَانَ جلوسهم عِنْده بَعْدَمَا طعموا للْحَدِيث
أَذَى لَهُ ولأهله، قَالَ تَعَالَى: { (33) أَن ذَلِكُم
كَانَ يُؤْذِي النَّبِي فيستحي مِنْكُم} (الْأَحْزَاب: 53)
. الْآيَة، وَقد حرم الله عز وَجل أَذَى رَسُوله فَأنْزل
الله تَعَالَى من أجل ذَلِك الْآيَة.
34 - (بابُ الاحٍ بَاءِ باليَدِ، وهْوَ القُرْفُصاءُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَمر الاحتباء بِالْيَدِ، وَلم
يبين حكمه اكْتِفَاء بِمَا دلّ عَلَيْهِ حَدِيث الْبَاب،
والاحتباء مصدر احتبى يحتبي يُقَال: احتبى الرجل إِذا جمع
ظَهره وساقيه بعمامة، قَالَه الْكرْمَانِي، وَفسّر
البُخَارِيّ الاحتباء بقوله: (وَهُوَ القرفصاء) وَأَخذه من
كَلَام أبي عُبَيْدَة، فَإِنَّهُ قَالَ: القرفصاء جلْسَة
المحتبي ويدير ذِرَاعَيْهِ وَيَديه على سَاقيه، وَفِي
رِوَايَة الْكشميهني: وَهِي القرفصاء بتأنيث الضَّمِير،
والقرفصاء بِضَم الْقَاف وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْفَاء
وَضمّهَا وبالصاد الْمُهْملَة ممدوداً ومقصوراً، ضرب من
الْقعُود،
(22/258)
وَإِذا قلت: قعد فلَان القرفصاء، فكأنك
قلت: قعد قعُودا مَخْصُوصًا، وَهُوَ أَن يجلس على إليتيه
ويلصق فَخذه ببطنه ويحتبي بيدَيْهِ فيضعهما على سَاقيه،
وَقيل: القرفصاء جلْسَة المستوفز، وَقيل: جلْسَة الرجل على
إليتيه.
6272 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ أبي غالِبٍ أخبرنَا
إبْرَاهِيمُ بنُ المُنْذِرِ الحِزَامِيُّ حَدثنَا
مُحَمَّدُ بنُ فُلَيْحٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ نافِعٍ عَنِ ابْن
عمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: رأيْتُ رسولَ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم بِفِنَاءِ الكَعْبَةِ مُحْتَبِياً
بِيَدِهِ هاكَذَا.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (مُحْتَبِيًا بِيَدِهِ
هَكَذَا) وَهُوَ من أَفْرَاده. وَمُحَمّد بن أبي غَالب
بالغين الْمُعْجَمَة وَكسر اللَّام أَبُو عبد الله القوسي
بِضَم الْقَاف وَسُكُون الْوَاو وبالسين الْمُهْملَة، نزل
بَغْدَاد، وَهُوَ من صغَار شُيُوخ البُخَارِيّ وَمَات قبله
بست سِنِين وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا
الحَدِيث وَحَدِيث آخر فِي كتاب التَّوْحِيد، وَله شيخ آخر
يُقَال لَهُ: مُحَمَّد بن أبي غَالب الوَاسِطِيّ نزيل
بَغْدَاد، قَالَ الكلاباذي: سمع من هشيم وَمَات قبل القوسي
بست وَعشْرين سنة، وَإِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر بن عبد الله
أَبُو إِسْحَاق الْحزَامِي بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة
وبالزاي نِسْبَة إِلَى حزَام أحد أجداده، وَمُحَمّد بن
فليح يروي عَن أَبِيه فليح بِضَم الْفَاء وَفتح اللَّام
وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة ابْن سُلَيْمَان بن أبي
الْمُغيرَة بن حنين الْمدنِي عَن نَافِع عَن ابْن عمر،
وَهُوَ من أَفْرَاده.
قَوْله: (بِفنَاء الْكَعْبَة) بِكَسْر الْفَاء وَهُوَ مَا
امْتَدَّ من جوانبها. قَوْله: (مُحْتَبِيًا) نصب على
الْحَال من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله:
(مُحْتَبِيًا بِيَدِهِ هَكَذَا) كَذَا وَقع مُخْتَصرا،
قيل: روى هَذَا الحَدِيث عَن أبي غزيَّة مُحَمَّد بن
مُوسَى الْأنْصَارِيّ القَاضِي عَن فليح نَحوه، وَزَاد:
فَأرَاهُ فليح فَوضع يَمِينه على يسَاره مَوضِع الرسغ،
فالاحتباء قد يكون بِالْيَدِ، وَقد يكون باليدين، فَظَاهر
هَذَا الحَدِيث أَنه كَانَ بِالْيَدِ، وَأما باليدين فقد
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي سعيد أَن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ إِذا جلس احتبى بيدَيْهِ،
وَرَوَاهُ الْبَزَّار وَزَاد: وَنصب رُكْبَتَيْهِ، وروى
الْبَزَّار أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: جلس
عِنْد الْكَعْبَة وَضم رجلَيْهِ فأقامهما واحتبى بيدَيْهِ.
35 - (بابُ مَنِ اتَّكأ بَيْنَ يَدَيّ أصْحابِهِ)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان من اتكأ، قيل: الاتكاء
الِاضْطِجَاع، وَفِي حَدِيث عمر وَهُوَ متكىء على سَرِير
أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُضْطَجع على
سَرِير، بِدَلِيل قَوْله: قد أثر السرير فِي جنبه، وَقَالَ
الْخطابِيّ: كل مُعْتَمد على شَيْء مُتَمَكن مِنْهُ فَهُوَ
متكىء.
وَقَالَ خَبَّابٌ: أتَيْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً، قُلْتُ: أَلا تَدْعُو
الله؟ فَقَعَدَ
خباب بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْبَاء
الْمُوَحدَة الأولى ابْن الْأَرَت الصَّحَابِيّ
الْمَشْهُور، قَالَ بَعضهم: إِيرَاد البُخَارِيّ حَدِيث
خباب الْمُعَلق يُشِير بِهِ إِلَى أَن الِاضْطِجَاع اتكاء،
وَزِيَادَة. قلت: لَيْسَ كَذَلِك، لِأَن الِاضْطِجَاع هُوَ
النّوم، قَالَه ابْن الْأَثِير، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: ضجع
الرجل أَي وضع جنبه على الأَرْض، واضطجع مثله، بل الْوَجْه
فِي إِيرَاد حَدِيث خباب هُوَ كَقَوْلِه: (وَهُوَ
مُتَوَسِّد) فَإِن التوسد يَأْتِي بِمَعْنى الاتكاء، وَلَا
سِيمَا على قَول الْخطابِيّ الْمَذْكُور آنِفا، وَأما
هَذَا الْمُعَلق فَإِنَّهُ طرف من حَدِيث طَوِيل قد مضى
مَوْصُولا فِي عَلَامَات النُّبُوَّة، قَالَ: حَدثنِي
مُحَمَّد بن الْمثنى أخبرنَا يحيى عَن إِسْمَاعِيل أخبرنَا
قيس عَن خباب بن الْأَرَت قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ مُتَوَسِّد بردة لَهُ
فِي ظلّ الْكَعْبَة قُلْنَا لَهُ: أَلا تَسْتَنْصِر لنا؟
أَلا تَدْعُو الله لنا؟ ... الحَدِيث، وَمضى أَيْضا فِي
أول: بَاب مبعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
6273 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حَدثنَا بِشْرخ
بنُ المفضلِ حدّثنا الجُرَيْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ
بنِ أبي بَكْرَةَ عَنْ أبِيهِ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: ألاَ أخْبِرُكُمْ بأكْبَرِ
الكَبائِرِ؟ قالُوا: بَلى يَا رسُولَ الله! قَالَ:
الإشْرَاكُ بِاللَّه وعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ. [نه
6274 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا بِشْرٌ، مِثْلَهُ
(22/259)
وكانَ مُتَّكِئاً فَجَلَسَ فَقَالَ: أَلا
وقَوْلُ الزُّورِ! فَما زالَ يُكَرِّرُها حَتَّى قُلْنا:
لَيْتَهُ سَكَتَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَكَانَ مُتكئا) .
وَأخرجه من طَرِيقين. أَحدهمَا: عَن عَليّ بن عبد الله
الْمَدِينِيّ عَن بشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة
وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة ابْن الْمفضل على صِيغَة إسم
الْمَفْعُول من التَّفْضِيل بالضاد الْمُعْجَمَة ابْن
لَاحق أبي إِسْمَاعِيل الْبَصْرِيّ عَن الْجريرِي وَهُوَ
سعيد بن إِيَاس، والجريري نِسْبَة إِلَى جرير بِضَم
الْجِيم وَفتح الرَّاء ابْن عباد أخي الْحَارِث ابْن ضبعة
بن قيس بن بكر بن وَائِل وَهُوَ يروي عَن عبد الرَّحْمَن
بن أبي بكرَة يروي عَن أَبِيه أبي بكرَة نفيع بن الْحَارِث
الثَّقَفِيّ. وَالطَّرِيق الآخر: عَن مُسَدّد عَن بشر ...
إِلَى آخِره.
والْحَدِيث مضى فِي أَوَائِل كتاب الْأَدَب فِي: بَاب عقوق
الْوَالِدين من الْكَبَائِر، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن
إِسْحَاق عَن خَالِد الوَاسِطِيّ عَن الْجريرِي ... إِلَى
آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (وعقوق الْوَالِدين) قيل: العقوق كَيفَ يكون فِي
دَرَجَة الْإِشْرَاك وَهُوَ كفر؟ وَأجِيب: إِنَّمَا أَدخل
فِي سلكه تَعْظِيمًا لأمر الْوَالِدين وتغليظاً على
الْعَاق أَو المُرَاد: إِن أكبر الْكَبَائِر فِيمَا
يتَعَلَّق بِحَق الله الْإِشْرَاك، وَفِيمَا يتَعَلَّق
بِحَق النَّاس العقوق. قَوْله: (الزُّور) هُوَ الْبَاطِل.
وَقَالَ الْمُهلب فِيهِ: جَوَاز اتكاء الْعَالم بَين يَدي
النَّاس وَفِي مجْلِس الْفَتْوَى، وَكَذَلِكَ السُّلْطَان
والأمير فِي بعض مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من ذَلِك لَا لما
يجده فِي بعض أَعْضَائِهِ، أَو الرَّاحَة يرتفق بذلك وَلَا
يكون ذَلِك فِي عَامَّة جُلُوسه.
36 - (بابُ مَنْ أسْرَعَ فِي مِشْيَتِهِ لِحاجَةٍ أوْ
قَصْد)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَمر من أسْرع فِي مشيته
بِكَسْر الْمِيم على وزن فعلة بِالْكَسْرِ وَهِي صِيغَة
تدل على نوع مَخْصُوص من الْفِعْل. قَوْله: لحَاجَة، أَي:
لحَاجَة مَقْصُودَة، وَحكمه أَنه لَا بَأْس بِهِ وَإِن
كَانَ عمدا لَا لحَاجَة فَلَا، وَكَانَ ابْن عمر رَضِي
الله عَنْهُمَا يسْرع الْمَشْي وَيَقُول: هُوَ أبعد من
الزهو وأسرع فِي الْحَاجة، وَقيل: فِيهِ اشْتِغَال عَن
النّظر إِلَى مَا لَا يَنْبَغِي التشاغل بِهِ، وَقَالَ
ابْن الْعَرَبِيّ: الْمَشْي على قدر الْحَاجة هُوَ السّنة
إسراعاً وبطءاً لَا التصنع فِيهِ وَلَا التهور. قَوْله:
أَو قصدا، أَي: أَو أسْرع لأجل قصد أَي مَقْصُود من
مَعْرُوف، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْقَصْد إِيثَار
الشَّيْء وَالْعدْل، ويروى: أَو قصد، على صِيغَة الْفِعْل
الْمَاضِي أَي: أَو قصد الْمَعْرُوف فِي إسراعه.
6275 - حدَّثنا أبُو عاصِمٍ عَنْ عُمَرَ بنِ سَعِيدٍ عَنِ
ابنِ أبي مُلَيْكَةَ أنَّ عُقْبَةَ بنَ الحارِثِ حدَّثَهُ
قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: العَصْرَ فأسْرَعَ ثُمَّ
دَخَلَ البَيْتَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فأسرع) وَكَانَ إسراعه
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لأجل صَدَقَة أحب أَن يفرقها.
وَأَبُو عَاصِم النَّبِيل هُوَ الضَّحَّاك بن مخلد
الْبَصْرِيّ، وَعمر بن سعيد بن أبي حُسَيْن الْقرشِي
النَّوْفَلِي الْمَكِّيّ يروي عَن عبد الله بن عبد
الرَّحْمَن بن أبي مليكَة بِضَم الْمِيم واسْمه زُهَيْر،
وَعقبَة بِضَم الْعين وَسُكُون الْقَاف وبالباء
الْمُوَحدَة ابْن الْحَارِث بن عَامر بن نَوْفَل بن عبد
منَاف بن قصي الْقرشِي النَّوْفَلِي أَبُو سروعة
الْمَكِّيّ، أسلم يَوْم فتح مَكَّة.
والْحَدِيث قِطْعَة من حَدِيث مضى فِي كتاب الصَّلَاة فِي:
بَاب من صلى بِالنَّاسِ فَذكر حَاجَة فتخطاهم: حَدثنَا
مُحَمَّد بن عبيد قَالَ: أخبرنَا عِيسَى بن يُونُس عَن عمر
بن سعيد قَالَ: أَخْبرنِي ابْن أبي مليكَة عَن عقبَة،
قَالَ: صليت وَرَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بِالْمَدِينَةِ الْعَصْر، فَسلم ثمَّ قَامَ مسرعاً فتخطى
رِقَاب النَّاس إِلَى بعض حجر نِسَائِهِ، فَفَزعَ النَّاس
من سرعته فَخرج عَلَيْهِم فَرَأى أَنهم قد عجبوا من سرعته،
فَقَالَ: ذكرت شَيْئا من تبر عندنَا فَكرِهت أَن يحبسني،
فَأمرت بقسمته، وَأخرجه أَيْضا فِي كتاب الزَّكَاة فِي:
بَاب من أحب تَعْجِيل الصَّدَقَة من يَوْمهَا: عَن أبي
عَاصِم عَن عمر بن سعيد عَن ابْن أبي مليكَة إِلَى أَن
قَالَ: ثمَّ دخل الْبَيْت فَلم يلبث أَن خرج، فَقلت: أَو
قيل لَهُ، فَقَالَ: كنت خلفت فِي الْبَيْت تبراً من
الصَّدَقَة فَكرِهت أَن أبيته فقسمته.
وَفِيه: جَوَاز إسراع السُّلْطَان والعالم فِي حوائجهم
والمبادرة إِلَيْهَا. وَفِيه: فضل تَعْجِيل إِيصَال الْبر
وَترك تَأْخِيره.
37 - (بابُ السَّرِيرِ)
(22/260)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم اتِّخَاذ
السرير، وَهُوَ مَعْرُوف. قَالَ الرَّاغِب: إِنَّه
مَأْخُوذ من السرُور لِأَنَّهُ فِي الْغَالِب لأولي
النِّعْمَة قَالَ: وسرير الْمَيِّت لشبهه بِهِ فِي
الصُّورَة وللتفاؤل بالسرور، وَقد يعبر عَن السرير
بِالْملكِ، وَيجمع على أسرة وسرر بِضَمَّتَيْنِ، وَفِيهِمْ
من يفتح الرَّاء استثقالاً للضمتين، قيل: مَا وَجه ذكر
هَذِه التَّرْجَمَة والبابين اللَّذين بعده فِي بَاب
الاسْتِئْذَان؟ وَأجِيب: بِأَن الاسْتِئْذَان يُرَاد بِهِ
الدُّخُول فِي الْمنزل، فَذكر متعلقات الْمنزل على سَبِيل
الاستطراد.
38 - (بابُ مَنْ أُلْقِيَ لَهُ وِسادَةٌ)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر من ألقِي لَهُ، على صِيغَة
الْمَجْهُول، وسَادَة مَرْفُوع بِهِ وَإِنَّمَا ذكر
الضَّمِير فِي ألقِي لِأَن تَأْنِيث الوسادة غير
حَقِيقِيّ، والوسادة المخدة، وَيُقَال لَهَا وساد أَيْضا،
وَهُوَ بِكَسْر الْوَاو وتقولها هُذَيْل بِالْهَمْز بدل
الْوَاو.
6277 - حدَّثنا إسْحاقُ حَدثنَا خالِدٌ.
(ح) حدّثني عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّد حَدثنَا عَمْرُو بنُ
عَوْن حَدثنَا خالِدٌ عَنْ خالِدٍ عَنْ أبي قِلاَبَةَ
قَالَ: أَخْبرنِي أبُو المَلِيحِ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ
أبيكَ زَيْدٍ عَلى عَبْدِ الله ابنِ عَمْرو، فَحَدَّثنا
أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ذُكِرَ لَهُ
صَوْمِي، فَدَخَلَ عَلَيَّ فألْقَيْتُ لَهُ وِسادَةً مِن
أدَمٍ حَشْوُها لِيفٌ، فَجَلَسَ عَلَى الأرْضِ وصارَتِ
الوِسادَةُ بَيْني وبَيْنَهُ، فَقَالَ لي: أما يَكْفِيكَ
مِنْ كلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةُ أيَّامٍ؟ قُلْتُ: يَا رسولَ
الله {قَالَ: خَمْساً؟ قُلْتُ: يَا رسولَ الله} قَالَ:
سَبْعاً؟ قُلْتُ: يَا رسولَ الله {قَالَ: تِسْعاً؟ قُلْتُ:
يَا رسولَ الله} قَالَ: إحْداى عَشْرَةَ؟ قُلْتُ: يَا
رَسُولَ الله! قَالَ: لَا صَوْمَ فَوْق صوْمِ داوُدَ
شَطْرَ الدَّهْر صِيامُ يَوْمٍ وإفْطارُ يَوْمٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فألقيت لَهُ وسَادَة) .
وَأخرجه من طَرِيقين: أَحدهمَا: عَن إِسْحَاق بن شاهين
الوَاسِطِيّ عَن خَالِد بن عبد الله الطَّحَّان عَن خَالِد
بن مهْرَان الْحذاء عَن أبي قلَابَة بِكَسْر الْقَاف عبد
الله بن زيد الْجرْمِي عَن أبي الْمليح بِفَتْح الْمِيم
وَكسر اللَّام وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة واسْمه عَامر،
وَقيل: زيد بن أُسَامَة الْهُذلِيّ. وَالطَّرِيق
الثَّانِي: عَن عبد الله بن مُحَمَّد الْجعْفِيّ
الْمَعْرُوف بالمسندي عَن عَمْرو بن عون بن أَوْس
السّلمِيّ الوَاسِطِيّ وَهُوَ من شُيُوخ البُخَارِيّ، روى
عَنهُ فِي الصَّلَاة ومواضع، وروى
(22/261)
عَنهُ بالواسطة، وروى عمر وَهَذَا عَن
خَالِد بن عبد الله الطَّحَّان عَن خَالِد الْحذاء الخ،
وَهَذَا الطَّرِيق أنزل من الطَّرِيق الأول بِدَرَجَة.
وَتقدم هَذَا الحَدِيث عَن إِسْحَاق بن شاهين بِهَذَا
الْإِسْنَاد فِي كتاب الصَّوْم فِي: بَاب صَوْم دَاوُد،
وَمضى أَيْضا حَدِيث عبد الله بن عَمْرو فِي كتاب الصَّوْم
فِي أَبْوَاب كَثِيرَة مُتَوَالِيَة. وَمضى الْكَلَام
فِيهِ مستقصًى.
قَوْله: (دخلت مَعَ أَبِيك زيد) ، الْخطاب لأبي قلَابَة
وَهُوَ عبد الله وَأَبوهُ زيد كَمَا ذكرنَا وَلَيْسَ لزيد
ذكر إلاَّ فِي هَذَا الْخَبَر. قَوْله: (فَدخل عَليّ)
بتَشْديد الْبَاء والداخل هُوَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم. قَوْله: (قلت: يَا رَسُول الله!) فِيهِ حذف
تَقْدِيره: أُطِيق أَكثر من ذَلِك يَا رَسُول الله، أَو:
لَا يَكْفِينِي ذَلِك يَا رَسُول الله. قَوْله: (قَالَ:
خمْسا؟) أَي: خَمْسَة أَيَّام؟ وَكَذَلِكَ التَّقْدِير فِي
الْبَوَاقِي. قَوْله: (شطر الدَّهْر) أَي نصف الدَّهْر
وَهُوَ مَنْصُوب على الِاخْتِصَاص. قَوْله: (صِيَام يَوْم)
يجوز نَصبه على الِاخْتِصَاص وَيجوز رَفعه على أَنه خبر
مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: هُوَ صِيَام يَوْم وإفطار يَوْم،
وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا أفضل لزِيَادَة الْمَشَقَّة فِيهِ
إِذْ من سرد الصَّوْم صَار لَهُ الصَّوْم طبيعة فَلَا يحصل
لَهُ مقاساة كَثِيرَة مِنْهُ.
6278 - حدَّثنا يَحْياى بنُ جَعْفَرٍ حَدثنَا يَزِيدُ عَنْ
شُعْبَةَ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ
أنَّهُ قَدِمَ الشَّأْمَ.
(ح) وَحدثنَا أبُو الوَلِيدِ حَدثنَا شُعْبَةُ عَنْ
مغيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: ذَهَبَ عَلْقَمَةَ إِلَى
الشَّأْمِ فأتَى المَسْجِدَ فَصَلَّى رِكْعَتَيْنِ
فَقَالَ: أللَّهُمَّ ارْزُقْني جَلِيساً، فَقَعَدَ إِلَى
أبي الدَّرْدَاءِ، فَقَالَ: مِمَّنْ أنْتَ؟ قَالَ: منْ
أهْلِ الكُوفَةِ. قَالَ: ألَيْسَ فِيكُمْ صاحِبُ السِّرِّ
الذِي كانَ لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ؟ يَعْنِي حذَيْفَةَ
ألَيْسَ فِيكُمْ أوْ كانَ فيكُمُ الَّذِي أجارَهُ الله
عَلى لِسانِ رسولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مِنَ
الشَّيْطانِ؟ يَعْنِي عَمَّاراً أوَ لَيْسَ فِيكُمْ صاحِبُ
السِّواكِ والوِسادِ؟ يَعني: ابنَ مَسْعُودٍ كَيْفَ كانَ
عَبْدُ الله يَقْرَأ: { (29) وَاللَّيْل إِذا يغشى}
(اللَّيْل: 1) قَالَ { (35) وَالذكر وَالْأُنْثَى}
(النَّجْم: 45) فَقَالَ: مَا زَالَ هاؤُلاَءِ حَتَّى
كادُوا يُشَكِّكُونِي، وقَدْ سَمِعْتها مِنْ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (والوساد) . وَيحيى بن
جَعْفَر بن أعين أَبُو زَكَرِيَّا البُخَارِيّ البيكندي،
مَاتَ سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ، وَيزِيد من
الزِّيَادَة هُوَ ابْن هَارُون الوَاسِطِيّ مَاتَ بواسط
سنة سِتّ وَمِائَتَيْنِ، ومغيرة بِضَم الْمِيم وَكسرهَا
وَيُقَال أَيْضا: الْمُغيرَة بن مقسم بِكَسْر الْمِيم
وَفتح السِّين الْمُهْملَة الضَّبِّيّ، وَإِبْرَاهِيم هُوَ
النَّخعِيّ، وعلقمة هُوَ ابْن قيس النَّخعِيّ، وَأَبُو
الْوَلِيد هُوَ هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ،
وَأَبُو الدَّرْدَاء اسْمه عُوَيْمِر بن مَالك.
والْحَدِيث مضى فِي صفة إِبْلِيس مُخْتَصرا عَن مَالك ابْن
إِسْمَاعِيل، وَفِي: بَاب مَنَاقِب عمار وَحُذَيْفَة.
وَأخرجه فِيهِ من طَرِيقين: عَن مَالك بن إِسْمَاعِيل
وَسليمَان بن حَرْب، وَفِي مَنَاقِب عبد الله بن مَسْعُود
عَن مُوسَى عَن أبي عوَانَة.
قَوْله: (جَلِيسا) ، وَقد مر فِي مَنَاقِب عمار جَلِيسا
صَالحا. قَوْله: (فَقَالَ: مِمَّن أَنْت؟) أَي: قَالَ
أَبُو الدَّرْدَاء لعلقمة. قَوْله: (صَاحب السِّرّ) قَالَ
الْكرْمَانِي: أَي سر النِّفَاق، وَهُوَ أَنه صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، ذكر أَسمَاء الْمُنَافِقين وعينهم
لِحُذَيْفَة وخصصه بِهَذِهِ المنقبة، إِذْ لم يطلع
عَلَيْهِ غَيره، قلت: المُرَاد بالسر فِيمَا قيل: إِنَّه
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أسر إِلَى حُذَيْفَة بأسماء
سَبْعَة عشر من الْمُنَافِقين لم يعلمهُمْ لأحد غَيره،
وَكَانَ عمر رَضِي الله عَنهُ إِذا مَاتَ من يشك فِيهِ رصد
حُذَيْفَة، فَإِن خرج فِي جنَازَته خرج، وإلاَّ لم يخرج.
قَوْله: (أَو كَانَ فِيكُم؟) شكّ من شُعْبَة. قَوْله:
(الَّذِي أجاره الله على لِسَان رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم) وَذَلِكَ أَنه دَعَا بِأَمَان من الشَّيْطَان،
وَقَالَ: إِنَّه طيب مُطيب. قَوْله: (والوساد) وَفِي
رِوَايَة الْكشميهني والوسادة، وَكَانَ ابْن مَسْعُود
رَضِي الله عَنهُ صَاحب سواك رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، ووسادته ومطهرته، قَالَ الْكرْمَانِي:
وَالْمَشْهُور بدل الوسادة: السوَاد، بِكَسْر السِّين
الْمُهْملَة أَي: السرَار، أَي: المسارة. قَالَ
الْخطابِيّ: السوَاد السرَار وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنهُ أَنه
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ: آذنك عليَّ على أَن
ترفع الْحجاب وَتسمع سوَادِي وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، يخْتَص عبد الله اختصاصاً شَدِيدا لَا يَحْجُبهُ
إِذا جَاءَهُ وَلَا يردهُ إِذا سَالَ. قَوْله: (كَيفَ
كَانَ عبد الله يقْرَأ؟) الْقَائِل بِهَذَا هُوَ أَبُو
الدَّرْدَاء. قَوْله: (وَالذكر وَالْأُنْثَى) يَعْنِي:
قَالَ عَلْقَمَة: يقْرَأ عبد الله بن مَسْعُود:
(وَاللَّيْل إِذا يغشى
(22/262)
وَالنَّهَار إِذا تجلى وَالذكر
وَالْأُنْثَى} - وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ}
(اللَّيْل: 1 2) { (35) الذّكر وَالْأُنْثَى} (النَّجْم:
45) بِدُونِ {وَمَا خلق} وَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاء أَيْضا
يقْرَأ كَذَلِك، وَأهل الشَّام كَانُوا يقرؤونه على
الْقِرَاءَة الْمَشْهُورَة المتواترة وَهِي: { (29) وَمَا
خلق الذّكر وَالْأُنْثَى} (اللَّيْل: 3) وَكَانُوا يشككونه
فِي قِرَاءَته الشاذة. قَوْله: (وَقد سَمعتهَا من رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَقد مر فِي مَنَاقِب عمار
وَحُذَيْفَة: (وَالله لقد أَقرَأ فِيهَا رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، من فِيهِ إِلَى فِي) ، وَفِي لفظ:
(قَالَ: مَا زَالَ هَؤُلَاءِ حَتَّى كَادُوا يستنزلوني عَن
شَيْء مسمعته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
39 - (بابُ القائِلَةِ بَعْدَ الجُمُعَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي القائلة بعد صَلَاة الْجُمُعَة،
والقائلة هِيَ القيلولة وَهِي النّوم بعد الظهيرة، وَقَالَ
ابْن الْأَثِير: المقيل والقيلولة الاسْتِرَاحَة نصف
النَّهَار وَإِن لم يكن مَعهَا نوم، يُقَال: قَالَ يقيل
قيلولة، فَهُوَ قَائِل.
40 - (بابُ القائِلَةِ فِي المَسْجِدِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي أَمر القائلة فِي الْمَسْجِد.
6280 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حَدثنَا عَبْدُ
العَزِيزِ بنُ أبي حازِمٍ عَنْ أبي حازِمٍ عَنْ سَهْلِ بنِ
سَعْدٍ قَالَ بِمَا كانَ لِعَلِيّ إسْمٌ أحَبَّ إلَيْهِ
مِنْ أبي تُرابٍ، وإنْ كَانَ لِيَفْرَحُ بِهِ، إِذا دُعِيَ
بِها جاءَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بَيْتَ
فاطِمَةَ، عَلَيْها السَّلامُ، فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا فِي
البَيْتِ، فَقَالَ: أيْنَ ابنُ عَمِّكِ؟ فقالَتْ: كَانَ
بَيْنِي وبَيْنَهُ شيءٌ فَغاضَبنِي فَخَرَجَ فَلَمْ يَقِلْ
عِنْدِي، فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
لإِنْسانٍ: انْظُرْ أيْنَ هُوَ {فَجاءَ فَقَالَ: يَا رسولَ
الله} هُوَ فِي المَسْجِدِ راقِدٌ، فَجاءَ رسولُ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وَهْوَ مُضْطَجِعٌ قَدْ سَقَطَ
رِداؤُهُ عَنْ شِقِّهِ فأصابَهُ تُرابٌ، فَجَعَلَ رسولُ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَمْسَحُهُ عَنْهُ وَهْوَ
يَقُولُ: قُمْ أَبَا تُرابٍ {ثُمْ أَبَا تُرابٍ}
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي نوم عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِي
الْمَسْجِد نوم القيلولة.
وَعبد الْعَزِيز يروي عَن أَبِيه أبي حَازِم سَلمَة ابْن
دِينَار عَن سهل بن سعد وَقد ذكر عَن قريب.
والْحَدِيث قد مضى فِي: بَاب التكني بِأبي تُرَاب، قبل
كتاب الاسْتِئْذَان بعدة أَبْوَاب، وَمضى الْكَلَام فِيهِ
هُنَاكَ.
قَوْله: (وَإِن كَانَ ليفرح) كلمة: إِن مُخَفّفَة من
الثَّقِيلَة، وَاللَّام فِي: ليفرح، للتَّأْكِيد. قَوْله:
(بهَا) أَي: بالكنية، قَوْله: (فَلم يقل) بِكَسْر الْقَاف
من القيلولة. قَوْله: (قُم أَبَا تُرَاب!) يَعْنِي: يَا
أَبَا تُرَاب.
41 - (بابُ مَنْ زارَ قَوْماً فَقَالَ عِنْدَهُمْ)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ ذكر من زار قوما فَقَالَ عِنْدهم من
القيلولة أَي: نَام عِنْدهم نصف النَّهَار.
6281 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حَدثنَا مُحَمَّدُ
بن عَبْدِ الله الأنْصارِيُّ قَالَ: حدّثني أبي عَنْ
ثُمامَةَ عَنْ أنَسٍ: أنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ كانَتْ تَبْسُطُ
للنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نِطَعاً فَيَقِيلُ
عِنْدَها عَلى ذالِكَ النِّطَع، قَالَ: فَإِذا نامَ
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخَذَتْ مِنْ عَرَقِهِ
وَشَعْرِهِ فَجَمعَتْهُ فِي قارُورَةٍ ثُمَّ جَمَعَتْهُ
فِي سُكٍّ، قَالَ:
(22/263)
فَلَمَّا حَضَرَ أنَسَ بنَ مالِكٍ الوَفاةُ
أوْصاى أنْ يُجْعَلَ فِي حَنُوطِهِ مِنْ ذالِكَ السُّكِّ،
قَالَ: فَجُعِلَ فِي حَنُوطِهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَمُحَمّد بن عبد الله بن
الْمثنى بن عبد الله بن أنس الْأنْصَارِيّ، وَالْبُخَارِيّ
يروي عَنهُ كثيرا بِدُونِ الْوَاسِطَة، وثمامة بِضَم
الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَتَخْفِيف الْمِيم ابْن عبد الله
بن أنس يروي عَن جده أنس بن مَالك. والْحَدِيث من
أَفْرَاده.
قَوْله: (أم سليم) ، هِيَ: أم أنس بن مَالك وَهِي بنت
ملْحَان بن خَالِد بن زيد الْأَنْصَارِيَّة وَاسْمهَا
الغميصاء، وَقيل: الرميصاء، وَقيل: غير ذَلِك، وَقَالَ
الدَّاودِيّ: كَانَت أم سليم وَأم حرَام وأخوهما حرَام
أخوال رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الرضَاعَة،
وَقَالَ ابْن وهب: أم حرَام خَالَة رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وَلم يقل: من الرضَاعَة. قَوْله: (نطعاً)
فِيهِ أَربع لُغَات: كسر النُّون مَعَ فتح الطَّاء
وسكونها، وَفتح النُّون والطاء، وَفتحهَا وَسُكُون
الطَّاء. وَالْجمع نطوع وانطاع. قَوْله: (فيقيل) . من
القيلولة. قَوْله: (فِي سك) بِضَم السِّين الْمُهْملَة
وَشدَّة الْكَاف وَهُوَ نوع من الطّيب يُضَاف إِلَى غَيره
من الطّيب وَيسْتَعْمل، فَإِن قلت: كَيفَ كَانَت أم سليم
تَأْخُذ من شعر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ
نَائِم؟ قلت: لَيْسَ مَعْنَاهُ مَا تبادر الذِّهْن، بل
هِيَ كَانَت تجمع من شعره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا
كَانَ يَتَنَاثَر عِنْد التَّرَجُّل وتجمعه مَعَ عرقه فِي
السك، وَأحسن من هَذَا مِمَّا يزِيل هَذَا اللّبْس هُوَ
مَا رَوَاهُ مُحَمَّد بن سعد بِسَنَد صَحِيح عَن ثَابت عَن
أنس رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لما حلق شعره بمنى أَخذ أَبُو طَلْحَة شعره فَأتى
بِهِ أم سليم فَجَعَلته فِي سكها، وَقيل: ذكر الشّعْر فِي
هَذَا الحَدِيث غَرِيب، وَلِهَذَا لم يذكرهُ مُسلم.
قَوْله: (فِي حنوطه) ، بِفَتْح الْحَاء وَحكي ضمهَا وَضم
النُّون وَهُوَ طيب يصنع للْمَيت خَاصَّة وَفِيه الكافور
والصندل وَنَحْو ذَلِك، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الحنوط
والحناط وَاحِد وَهُوَ مَا يخلط من الطّيب لأكفان
الْمَوْتَى وأجسامهم خَاصَّة.
وَفِيه: جَوَاز القائلة للإجمام والرئيس والعالم عِنْد
معارفه وثقاة إخوانه، وَأَن ذَلِك مِمَّا يثبت الْمَوَدَّة
ويؤكد الْمحبَّة. وَفِيه: طَهَارَة شعر ابْن آدم،
وَإِنَّمَا أخذت أم سليم شعره وعرفه تبركاً بِهِ وَجَعَلته
مَعَ السك لِئَلَّا يذهب إِذا كَانَ الْعرق وَحده، وَجعله
أنس فِي حنوطه تعوذاً بِهِ من المكاره.
6283 - ح دَّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدثنِي مالِكٌ عَنْ
إسْحااقَ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبي طَلْحَةَ عَنْ أنَسِ بنِ
مالِكٍ رَضِي الله عَنهُ أنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: كَانَ
رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذا ذَهَبَ إِلَى
قباءٍ يَدْخُلُ عَلى أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحانَ
فَتُطْعِمُهُ وكانَتْ تَحْتَ عُبادَةَ بنِ الصَّامِتِ
فَدَخَلَ يَوْماً فأطْعَمَتْهُ فَنامَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم ثُمَّ اسْتَيْقَظَ يَضْحَكُ، قالَتْ:
فَقُلْتُ: مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ الله؟ فَقَالَ: ناسٌ
مِنْ أُمَّتِي عُرُضُوا عَلَيَّ غُزاة فِي سَبِيلِ الله
يَرْكَبُونَ ثَبجَ هَذَا البَحْرِ مُلُوكاً على الأسِرَّةِ
أوْ قَالَ: مِثْلُ المُلُوكِ عَلى الأسِرَّةِ شَكَّ
إسْحاقُ. قُلْتُ: ادْعُ الله أنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ،
فَدَعا ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ فَنامَ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ
يَضْحَكُ، فَقُلْتُ: مَا يُضْحِكُكَ يَا رسولَ الله؟
قَالَ: ناسٌ مِنْ أمَّتي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي
سَبِيلِ الله يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هاذا البَحْرِ مُلُوكاً
عَلى الأسَرَّةِ أوْ مِثْلَ المُلُوكِ عَلى الأسِرَّةِ
فَقُلْتُ: ادْعُ الله أنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَالَ:
أنْتِ مِنَ الأوَّلِينَ، فَرَكِبَتِ البَحْرَ زَمانَ
مُعاوِيَةَ فَصُرِعَتْ عَنْ دابَّتها حِينَ خَرَجَتْ مِنَ
البَحْرِ فَهَلَكَتْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن
أبي أويس.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد فِي مَوَاضِع فِي: بَاب فضل
من يصرع فِي سَبِيل الله، وَفِي: بَاب غَزْو الْمَرْأَة
فِي الْبَحْر، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (قبَاء) ، منون مَصْرُوف مَمْدُود على الْأَفْصَح.
قَوْله: (أم حرَام) ضد الْحَلَال بنت ملْحَان بِكَسْر
الْمِيم وَسُكُون اللَّام وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة وَهِي
خَالَة أنس بن مَالك. قَوْله: (يضْحك) حَال وَكَذَا
قَوْله. (عزاهُ) وَهُوَ جمع غاز. قَوْله: (ثبج هَذَا
الْبَحْر) بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَالْبَاء
الْمُوَحدَة وبالجيم أَي: وَسطه، وَيُقَال: ظَهره
وَالْمعْنَى مُتَقَارب. قَوْله: (ملوكاً على الأسرة) جمع
السرير وملوكاً مَنْصُوب فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي
رِوَايَة أبي ذَر مَرْفُوع، وَوجه النصب بِنَزْع الْخَافِض
أَي: مثل مُلُوك، وَوجه الرّفْع على أَنه خبر لمبتدأ
مَحْذُوف تَقْدِيره. يركبون ثبج هَذَا الْبَحْر، هم
مُلُوك. يَعْنِي: كَأَنَّهُمْ
(22/264)
مُلُوك، وَقَالَ أَبُو عمر: أَرَادَ وَالله أعلم أَنه رأى
الْغُزَاة فِي الْبَحْر من أمته ملوكاً على الأسرة فِي
الْجنَّة، ورؤياه وَحي. قَوْله: (شكّ إِسْحَاق) هُوَ
الرَّاوِي عَن أنس. قَوْله: (زمَان مُعَاوِيَة) يَعْنِي:
فِي إمارته وَلَيْسَ فِي زمن ولَايَته الْكُبْرَى، وَقَالَ
ابْن الْكَلْبِيّ: كَانَت هَذِه الْغَزْوَة لمعاوية سنة
ثَمَان وَعشْرين. |