عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 89 - (كِتابُ الإكْراهِ)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان حكم الْإِكْرَاه،
وَالْإِكْرَاه بِكَسْر الْهمزَة هُوَ إِلْزَام الْغَيْر
بِمَا لَا يُريدهُ، وَهُوَ يخْتَلف باخْتلَاف الْمُكْره
وَالْمكْره عَلَيْهِ وَالْمكْره بِهِ.
وقَوْلُ الله تَعَالَى: {من كفر بِاللَّه من بعد إيمَانه
إِلَّا من أكره وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان وَلَكِن من شرح
بالْكفْر صَدرا فَعَلَيْهِم غضب من الله وَلَهُم عَذَاب
عَظِيم}
وَقَول الله عز وَجل بِالْجَرِّ عطف على لفظ الْإِكْرَاه،
وَهَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة فِي سُورَة النَّحْل وأولها
الْآيَة. وَاخْتلف النُّحَاة فِي الْعَامِل فِي قَوْله:
{وَمن كفر} وَفِي قَوْله: {من شرح بالْكفْر صَدرا}
فَقَالَت نجاة الْكُوفَة: جوابهما وَاحِد فِي قَوْله:
{فَعَلَيْهِم غضب} لِأَنَّهُمَا جزءان اجْتمعَا أَحدهمَا
مُنْعَقد بِالْآخرِ فجوابهما وَاحِد كَقَوْل الْقَائِل من
يأتنا من يحسن نكرمه، يَعْنِي من يحسن مِمَّن يأتينا
نكرمه. وَقَالَت نحاة الْبَصْرَة، قَوْله: {من كفر}
مَرْفُوع بِالرَّدِّ على الَّذين فِي قَوْله: {إِنَّمَا
يفتري الْكَذِب} الْآيَة وَمعنى الْكَلَام: إِنَّمَا يفتري
الْكَذِب من كفر بِاللَّه من بعد إيمَانه، ثمَّ اسْتثْنى
{من كفر بِاللَّه من بعد إيمَانه إِلَّا من أكره وَقَلبه
مطمئن بِالْإِيمَان وَلَكِن من شرح بالْكفْر صَدرا
فَعَلَيْهِم غضب من الله وَلَهُم عَذَاب عَظِيم}
وَقَالَ ابْن عَبَّاس: نزلت هَذِه الْآيَة فِي عمار بن
يَاسر لِأَن الْكفَّار أَخَذُوهُ وَقَالُوا لَهُ: اكفر
بِمُحَمد
(24/95)
فطاوعهم على ذَلِك وَقَلبه كَارِه ذَلِك
مطمئن بِالْإِيمَان، ثمَّ جَاءَ إِلَى رَسُول الله وَهُوَ
يبكي، فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة. قَوْله: من
شرح بالْكفْر صَدرا أَي: طَابَ نَفسه بذلك وأتى بِهِ على
اخْتِيَار وَقبُول.
وَقَالَ {لَا يتَّخذ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافرين أَوْلِيَاء
من دون الْمُؤمنِينَ وَمن يفعل ذَلِك فَلَيْسَ من الله فِي
شَيْء إِلَّا أَن تتقوا مِنْهُم تقاةً ويحذركم الله نَفسه
وَإِلَى الله الْمصير} وهْيَ تَقِيَّةٌ
هَذَا من آيَة أَولهَا {لَا يتَّخذ الْمُؤْمِنُونَ
الْكَافرين أَوْلِيَاء من دون الْمُؤمنِينَ وَمن يفعل
ذَلِك فَلَيْسَ من الله فِي شَيْء إِلَّا أَن تتقوا
مِنْهُم تقاةً ويحذركم الله نَفسه وَإِلَى الله الْمصير}
أَي: تقية، وَكِلَاهُمَا بِمَعْنى وَاحِد أَشَارَ إِلَيْهِ
البُخَارِيّ بقوله: وَهِي تقية، وَالْمعْنَى: إلاَّ أَن
تتقوا مِنْهُم تقية، وَهِي الحذر عَن إِظْهَار مَا فِي
الضَّمِير من العقيدة وَنَحْوهَا عِنْد النَّاس.
وَقَالَ: {إِنَّ الذِينَ توفاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمِي
أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَا كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا
مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ
أَرُضُ الله واسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولئِكَ
مَأُواهُمْ جَهَنَّمْ وسآءَت مَصِيراً}
إِلَى قَوْله: {وسَاءَتْ مَصِيراً}
أَي: وَقَالَ الله عز وَجل: {فِيهِءَايَاتٌ بَيِّنَاتٌ
مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَءَامِناً
وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ
إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِىٌّ عَنِ
الْعَالَمِينَ} هَكَذَا وَقع فِي بعض النّسخ وَفِيه
تَغْيِير لِأَن قَوْله: {فِيهِءَايَاتٌ بَيِّنَاتٌ
مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَءَامِناً
وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ
إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِىٌّ عَنِ
الْعَالَمِينَ} إِلَى قَوْله: {فِيهِءَايَاتٌ بَيِّنَاتٌ
مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَءَامِناً
وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ
إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِىٌّ عَنِ
الْعَالَمِينَ} من آيَة وتمامها {إِنَّ الَّذِينَ
تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ
قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ
فِى الاَْرْضِ قَالْو اْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ
وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَائِكَ
مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً} قَوْله: من
آيَة أُخْرَى مُتَقَدّمَة على الْآيَة الْمَذْكُورَة،
وأولها قَوْله: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِى
سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ
وَالنِّسَآءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ
رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَاذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ
أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً
وَاجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً} وَالصَّحِيح
هُوَ الَّذِي وَقع فِي بعض النّسخ، وَنسب إِلَى أبي ذَر،
وَهُوَ: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ
ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ
كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى الاَْرْضِ قَالْواْ أَلَمْ
تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا
فَأُوْلَائِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً}
إِلَى قَوْله: {فَأُوْلَائِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ
عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً} قَالَ:
{فَأُوْلَائِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ
وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً} هَاتَانِ آيتان:
الأولى هِيَ قَوْله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ
الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ
كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى الاَْرْضِ
قَالْواْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً
فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَائِكَ مَأْوَاهُمْ
جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً} إِلَى قَوْله {إِنَّ
الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي
أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا
مُسْتَضْعَفِينَ فِى الاَْرْضِ قَالْواْ أَلَمْ تَكُنْ
أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا
فَأُوْلَائِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً}
وَهِي أَيْضا آيتان. الثَّانِيَة قَوْله: {وَمَا لَكُمْ
لاَ تُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ
وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَآءِ
وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا
مِنْ هَاذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ
لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَّنَا مِن
لَّدُنْكَ نَصِيراً} إِلَى قَوْله: {وَمَا لَكُمْ لاَ
تُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ
مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَآءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ
يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَاذِهِ الْقَرْيَةِ
الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ
وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً} وَهِي
مُتَقَدّمَة على الْآيَة الأولى وأولها قَوْله: {وَمَا
لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ
وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَآءِ
وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا
مِنْ هَاذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ
لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَّنَا مِن
لَّدُنْكَ نَصِيراً} الْآيَة أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله:
وَقَالَ، أَي: وَقَالَ الله تَعَالَى {الْمُسْتَضْعَفِينَ}
إِلَى آخِره.
وَقد اخْتلف الشُّرَّاح فِي هَذَا الْموضع حَتَّى خرج
بَعضهم عَن مَسْلَك الصَّوَاب، فَقَالَ ابْن بطال: {إِنَّ
الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِى
أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا
مُسْتَضْعَفِينَ فِى الاَْرْضِ قَالْو اْ أَلَمْ تَكُنْ
أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا
فَأُوْلَائِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً}
إِلَى قَوْله: {فَأُوْلَائِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ
عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً} وَقَالَ:
انْتهى. قلت: ذكر هُنَا آيَتَيْنِ متواليتين أولاهما هِيَ
قَوْله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ
ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ
كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى الاَْرْضِ قَالْو اْ أَلَمْ
تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا
فَأُوْلَائِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً}
إِلَى قَوْله: وتمامها: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ
الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ
كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى الاَْرْضِ
قَالْو اْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً
فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَائِكَ مَأْوَاهُمْ
جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً} وَالْأُخْرَى هِيَ قَوْله:
{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِى
أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا
مُسْتَضْعَفِينَ فِى الاَْرْضِ قَالْو اْ أَلَمْ تَكُنْ
أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا
فَأُوْلَائِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً
إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَآءِ
وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ
يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} وَلَيْسَ فِيهِ تَغْيِير للتلاوة.
وَقَالَ بَعضهم: إِلَّا أَن فِيهِ تَصرفا فِيمَا سَاقه
المُصَنّف. قلت: فِيمَا سَاقه أَيْضا نظر لَا يخفى،
وَقَالَ ابْن التِّين: قَوْله {إِنَّ الَّذِينَ
تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ
قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ
فِى الاَْرْضِ قَالْو اْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ
وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَائِكَ
مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً} : إِلَى
قَوْله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ
ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ
كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى الاَْرْضِ قَالْو اْ أَلَمْ
تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا
فَأُوْلَائِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً}
لَيْسَ التِّلَاوَة كَذَلِك لِأَن قَوْله: {إِنَّ
الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِى
أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا
مُسْتَضْعَفِينَ فِى الاَْرْضِ قَالْو اْ أَلَمْ تَكُنْ
أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا
فَأُوْلَائِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً}
قبل هَذَا قَالَ وَوَقع فِي بعض النّسخ إِلَى قَوْله:
غَفُور رَحِيم وَفِي بَعْضهَا {فَأُوْلَائِكَ عَسَى
اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً
غَفُوراً} وَقَالَ: {إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ
الرِّجَالِ وَالنِّسَآءِ وَالْوِلْدَانِ لاَ
يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} إِلَى
قَوْله: {من لَدُنْك نَصِيرًا} وَهَذَا على سَبِيل
التَّنْزِيل، وَقَالَ بَعضهم: كَذَا قَالَ فَأَخْطَأَ
فالآية الَّتِي آخرهَا: أَولهَا {الْمُسْتَضْعَفِينَ}
بِالْوَاو لَا بِلَفْظ: إِلَّا، وَقَالَ صَاحب التَّوْضِيح
وَوَقع فِي الْآيَتَيْنِ تَخْلِيط فِي شرح ابْن التِّين
قلت: وَالصَّوَاب مَا ذكرنَا. ثمَّ نذْكر شرح الْآيَات
الْمَذْكُورَة.
فَقَوله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ
ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ
كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى الاَْرْضِ قَالْو اْ أَلَمْ
تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا
فَأُوْلَائِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً}
روى ابْن حَاتِم بِإِسْنَادِهِ إِلَى عِكْرِمَة عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ: كَانَ قوم من أهل مَكَّة أَسْلمُوا
وَكَانُوا يخفون إسْلَامهمْ، فَأخْرجهُمْ الْمُشْركُونَ
يَوْم بدر مَعَهم فأصيب بَعضهم، قَالَ الْمُسلمُونَ: كَانَ
أَصْحَابنَا هَؤُلَاءِ مُسلمين وأكرهوا فاستغفروا لَهُم،
فَنزلت: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ
ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ
كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى الاَْرْضِ قَالْو اْ أَلَمْ
تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا
فَأُوْلَائِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً}
الْآيَة قَوْله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ
الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ
كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى الاَْرْضِ
قَالْو اْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً
فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَائِكَ مَأْوَاهُمْ
جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً} أَي: بترك الْهِجْرَة.
قَوْله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ
ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ
كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى الاَْرْضِ قَالْو اْ أَلَمْ
تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا
فَأُوْلَائِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً}
: مكثتم هَاهُنَا، وتركتم الْهِجْرَة. قَالُوا: كُنَّا
مستضعفين فِي
(24/96)
الأَرْض أَي: لَا نقدر على الْخُرُوج من
الْبَلَد وَلَا الذّهاب فِي الأَرْض {إِنَّ الَّذِينَ
تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ
قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ
فِى الاَْرْضِ قَالْو اْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ
وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَائِكَ
مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً} الْآيَة
وَقَالَ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ إِلَى سَمُرَة بن
جُنْدُب: أما بعد، قَالَ رَسُول الله من جَاءَ مَعَ
الْمُشرك وَسكن مَعَه فَإِنَّهُ مثله. قَوْله: {إِلاَّ
الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَآءِ
وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ
يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} الْآيَة، عذر من الله عز وَجل
لهَؤُلَاء فِي ترك الْهِجْرَة وَذَلِكَ لأَنهم لَا
يقدرُونَ على التَّخَلُّص من أَيدي الْمُشْركين، وَلَو
قدرُوا مَا عرفُوا يسلكون الطَّرِيق، وَلِهَذَا قَالَ:
{فَأُوْلَائِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ
وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً} وَقَالَ عِكْرِمَة:
يَعْنِي نهوضاً إِلَى الْمَدِينَة، وَقَالَ السّديّ:
يَعْنِي مَالا، وَقَالَ الضَّحَّاك: يَعْنِي طَرِيقا.
قَوْله: {فَأُوْلَائِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ
عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً} أَي:
يتَجَاوَز عَنْهُم تَركهم الْهِجْرَة، وَعَسَى من الله
مُوجبَة. قَوْله: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِى
سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ
وَالنِّسَآءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ
رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَاذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ
أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً
وَاجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً} أَي: فِي
الْجِهَاد. قَوْله: {الْمُسْتَضْعَفِينَ} أَي: وَفِي
الْمُسْتَضْعَفِينَ أَي: فِي استنقاذهم. قَوْله: {وَمَا
لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ
وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَآءِ
وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا
مِنْ هَاذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ
لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَّنَا مِن
لَّدُنْكَ نَصِيراً} كلمة: من، بَيَانِيَّة قَوْله: من
هَذِه الْقرْيَة، يَعْنِي: مَكَّة ووصفها بقوله:
{الظَّالِم أَهلهَا} قَوْله: {وليا} أَي: ناصراً.
فَعَذَرَ الله المُسْتَضْعَفِينَ الّذينَ لَا
يَمْتَنِعُونَ مِنْ تَرْكِ مَا أمَرَ الله بِهِ،
والمُكْرَهُ لَا يَكُونُ إلاَّ مُسْتَضْعَفاً غَيْرَ
مُمْتَنِعٍ مِنْ فِعْلِ مَا أُمِر بِهِ.
قَوْله: فعذر الله أَي: جعلهم معذورين. قَوْله: غير
مُمْتَنع غَرَضه أَن المستضعف لَا يقدر على الِامْتِنَاع
من الْفِعْل فَهُوَ فَاعل لأمر الْمُكْره. فَهُوَ
مَعْذُور.
وَقَالَ الحَسَنُ التَّقِيَّةُ إِلَى يَوْمِ القِيامَةِ.
أَي: قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: التقية ثَابِتَة إِلَى
يَوْم الْقِيَامَة، لم تكن مُخْتَصَّة بعصره وَوَصله ابْن
أبي شيبَة عَن هشيم عَن وَكِيع عَن قَتَادَة عَنهُ.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ، فِيمَنْ يُكْرِهُهُ اللُّصُوصُ
فَيُطَلِّقُ: لَيْسَ بِشَيْءٍ.
أَي: قَالَ عبد الله بن عَبَّاس فِيمَن يكرههُ اللُّصُوص
على طَلَاق امْرَأَته فيطلق امْرَأَته، قَوْله: لَيْسَ
بِشَيْء، أَي: لَا يَقع طَلَاقه، وَهَذَا كَأَنَّهُ
مَبْنِيّ على أَن الْإِكْرَاه يتَحَقَّق من كل قَادر
عَلَيْهِ، وَهُوَ قَول الْجُمْهُور، وَقَالَ أَبُو حنيفَة:
لَا إِكْرَاه إلاَّ من سُلْطَان وَأثر ابْن عَبَّاس أخرجه
عبد الرَّزَّاق بِسَنَد صَحِيح عَن عِكْرِمَة عَن ابْن
عَبَّاس أَنه كَانَ لَا يرى طَلَاق الْمُكْره شَيْئا،
وَذكر ابْن وهب عَن عمر بن الْخطاب وَعلي وَابْن عَبَّاس
أَنهم كَانُوا لَا يرَوْنَ طَلَاقه شَيْئا، وَذكره ابْن
الْمُنْذر عَن ابْن الزبير وَابْن عمر وَابْن عَبَّاس
وَعَطَاء وَطَاوُس وَالْحسن وَشُرَيْح وَالقَاسِم وَمَالك
وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأبي
ثَوْر، وأجازت طَائِفَة طَلَاقه، رُوِيَ ذَلِك عَن
الشّعبِيّ وَالنَّخَعِيّ وَأبي قلَابَة وَالزهْرِيّ
وَقَتَادَة، وَهُوَ قَول الْكُوفِيّين.
وبِهِ قَالَ ابنُ عُمَرَ وابنُ الزُّبَيْرِ والشَّعْبِيُّ
والحَسَنُ.
أَي: وَبقول ابْن عَبَّاس قَالَ عبد الله بن عمر وَعبد
الله بن الزبير وعامر بن شرَاحِيل الشّعبِيّ وَالْحسن
الْبَصْرِيّ، وَعَن الشّعبِيّ إِن أكرهه اللُّصُوص
فَلَيْسَ بِطَلَاق، وَإِن أكرهه السُّلْطَان فَهُوَ
طَلَاق. قلت: هُوَ مَذْهَب أَبُو حنيفَة. رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، كَمَا ذَكرْنَاهُ.
وَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الأعْمالُ
بِالنِّيَّةِ
هَذَا الحَدِيث قد مضى فِي أول الْكتاب مطولا مَوْصُولا،
وَقد بَينا هُنَاكَ اخْتِلَاف لفظ الْعَمَل ثمَّ وَجه
إِيرَاد هَذَا الحَدِيث هُنَا الْإِشَارَة إِلَى الرَّد
على من فرق فِي الْإِكْرَاه بَين القَوْل وَالْفِعْل
وَهُوَ مَذْهَب الظَّاهِرِيَّة، فَإِنَّهُم فرقوا
بَينهمَا. قَالَ ابْن حزم: الْإِكْرَاه قِسْمَانِ:
إِكْرَاه على كَلَام، وإكراه على فعل. فَالْأول لَا يجب
بِهِ شَيْء: كالكفر وَالْقَذْف وَالْإِقْرَار بِالنِّكَاحِ
وَالرَّجْعَة وَالطَّلَاق وَالْبيع والابتياع وَالنُّذُور
والأيمان وَالْعِتْق وَالْهِبَة وَغير ذَلِك. وَالثَّانِي:
على قسمَيْنِ:
(24/97)
أَحدهمَا مَا تبيحه الضَّرُورَة
كَالْأَكْلِ وَالشرب، فَهَذَا يبيحه الْإِكْرَاه فَمن أكره
على شَيْء من ذَلِك فَلَا يلْزمه شَيْء لِأَنَّهُ أَتَى
مُبَاحا لَهُ إِتْيَانه. وَالْآخر: مَا لَا تبيحه
كَالْقَتْلِ والجراح وَالضَّرْب وإفساد الْأَمْوَال،
فَهَذَا لَا يبيحه الْإِكْرَاه، فَمن أكره على شَيْء من
ذَلِك لزمَه. وَفِي التَّوْضِيح وَقَالَت طَائِفَة:
الْإِكْرَاه فِي القَوْل وَالْفِعْل سَوَاء إِذا أسر
الْإِيمَان، رُوِيَ ذَلِك عَن عمر بن الْخطاب، وَهُوَ قَول
مَكْحُول وَمَالك وَطَائِفَة من أهل الْعرَاق.
ثمَّ وَجه الِاسْتِدْلَال بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور على
التَّسْوِيَة بَين القَوْل وَالْفِعْل وَهُوَ الَّذِي
عَلَيْهِ الْجُمْهُور، هُوَ أَن الْعَمَل يتَنَاوَل فعل
الْجَوَارِح والقلوب والأقوال. فَإِن قلت: إِذا كَانَ
كَذَلِك يحْتَاج كل فعل إِلَى نِيَّة وَالْمكْره لَا
نِيَّة لَهُ، فَلَا يُؤَاخذ. قلت: لَهُ نِيَّة وَهِي
نِيَّة عدم الْفِعْل الَّذِي أكره عَلَيْهِ. فَإِن قلت:
يَنْبَغِي على هَذَا أَن لَا يُؤَاخذ النَّاس والمخطىء فِي
الطَّلَاق وَالْعتاق وَنَحْوهمَا، لِأَنَّهُ لَا نِيَّة
لَهما. قلت: بل يُؤَاخذ فَيصح طَلَاقه حَتَّى لَو قَالَ:
اسْقِنِي، فَجرى على لِسَانه: أَنْت طَالِق، وَقع
الطَّلَاق لِأَن الْقَصْد أَمر باطني لَا يُوقف عَلَيْهِ
فَلَا يتَعَلَّق الحكم لوُجُود حَقِيقَته بل يتَعَلَّق
بِالسَّبَبِ الظَّاهِر الدَّال وَهُوَ أَهْلِيَّته،
وَالْقَصْد بِالْبُلُوغِ وَالْعقل. فَإِن قلت: يَنْبَغِي
على هَذَا أَن يَقع طَلَاق النَّائِم. قلت: الْمَانِع هُوَ
قَوْله، عَلَيْهِ السَّلَام: رفع الْقَلَم عَن ثَلَاث.
6940 - حدّثنا يَحْياى بنُ بُكَيْرٍ، حدّثنا اللَّيْثُ،
عنْ خالِدِ بنِ يَزِيدَ، عنْ سعيدِ بنِ أبي هِلالٍ، عنْ
هِلالِ بنِ أُسامَةَ أنَّ أَبَا سَلَمَة بنَ عَبْدِ
الرَّحْمانِ أخْبَرَهُ عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ النبيَّ
كانَ يَدْعُو فِي الصَّلاةِ: اللَّهُم أنْجِ عيَّاشَ بنَ
أبي رَبِيعَةَ، وسَلَمَةَ بنَ هِشامٍ والوَلِيدَ، بنَ
الوَلِيدِ، اللَّهُمَّ أنْجِ المُسْتَضعَفِينَ مِنَ
المُؤْمِنينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأتَكَ عَلى مُضَرَ
وابْعَثْ عَلَيْهِمْ سِنينَ كَسِنِي يُوسُفَ
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن هَؤُلَاءِ الَّذين
كَانَ النَّبِي، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم،
يَدْعُو لَهُم كَانُوا مكرهين فِي مَكَّة أَو من حَيْثُ
إِن الْمُكْره لَا يكون إلاَّ مستضعفاً.
وخَالِد بن يزِيد من الزِّيَادَة الجُمَحِي الإسْكَنْدراني
الْفَقِيه، وَسَعِيد بن أبي هِلَال اللَّيْثِيّ الْمدنِي،
وهلال بن أُسَامَة مَنْسُوب إِلَى جده هُوَ هِلَال بن
عَليّ، وَيُقَال لَهُ: هِلَال بن أبي مَيْمُونَة وَيُقَال:
ابْن أبي هِلَال.
والْحَدِيث مضى فِي الاسْتِسْقَاء عَن قُتَيْبَة عَن
مُغيرَة بن عبد الرحمان عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج
عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ... الخ.
قَوْله: فِي الصَّلَاة أَي: فِي الْقُنُوت، وَكَانَ هَذَا
سَبَب الْقُنُوت، وَعَيَّاش بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة
وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالشين الْمُعْجَمَة
ابْن أبي ربيعَة من بني مخروم، وَسَلَمَة بن هِشَام أَخُو
أبي جهل، والوليد بن الْوَلِيد ابْن عَم أبي جهل،
وَالْمُسْتَضْعَفِينَ من الْمُؤمنِينَ من بعدهمْ من بَاب
ذكر الْعَام بعد الْخَاص. قَوْله: وطأتك الْوَطْأَة الدوس
بالقدم، وَهَذَا مجَاز عَن الْأَخْذ بالقهر والشدة.
قَوْله: على مُضر بِضَم الْمِيم وَفتح الضَّاد
الْمُعْجَمَة: أَبُو قُرَيْش.
1 - (بابُ مَنِ اخْتارَ الضّرْبَ والقَتلَ والهَوانَ عَلى
الكُفْرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من اخْتَار فِي الْإِكْرَاه
الضَّرْب وَالْقَتْل والهوان أَي: الذلة والتضعف والتحقر.
6941 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله بنِ حَوْشَبٍ
الطَّائِفِيُّ، حدّثنا عَبْدُ الوَهَّابِ أيُّوبُ عنْ أبي
قِلابَةَ، عنْ أنَسٍ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ
رسولُ الله ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ
الإيمانِ أنْ يَكُونَ الله ورسولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا
سِوَاهُما، وأنْ يُحِبَّ المَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا
لله، وأنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا
يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من آخر الحَدِيث من حَيْثُ
إِنَّه سوى بَين كَرَاهِيَة الْكفْر وَبَين كَرَاهَة
دُخُول النَّار وَالْقَتْل وَالضَّرْب، والهوان أسهل عِنْد
الْمُؤمن من دُخُول النَّار، فَيكون أسهل من الْكفْر إِن
اخْتَار الْأَخْذ بالشدة.
وَعبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد
(24/98)
الثَّقَفِيّ، وَأَيوب هُوَ
السّخْتِيَانِيّ، وَأَبُو قلَابَة بِكَسْر الْقَاف عبد
الله بن زيد الْجرْمِي.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْإِيمَان فِي: بَاب حلاوة
الْإِيمَان بِهَذَا السَّنَد، غير أَن شَيْخه هُنَاكَ
مُحَمَّد بن الْمثنى، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: ثَلَاث أَي: ثَلَاث خِصَال. قَالَ الْكرْمَانِي
وَالْجُمْلَة بعده إِمَّا صفة أَو خبر لَهُ. قلت: على
قَوْله: صفة، كَلَامه ظَاهر، وَأما على قَوْله: أَو خبر،
فَفِيهِ نظر. قَوْله: أَن يكون كلمة: أَن، مَصْدَرِيَّة
وَهُوَ خبر لمبتدأ مَحْذُوف تَقْدِيره، أَو الثَّلَاث كَون
الله وَرَسُوله فِي محبته إيَّاهُمَا أَكثر محبَّة من
محبَّة سواهُمَا. قَوْله: وَأَن يحب الْمَرْء أَي:
وَالثَّانِي أَن يحب الْمَرْء بالتقدير الْمَذْكُور.
قَوْله: وَأَن يكره أَي: وَالثَّالِث أَن يكره، وَقَالَ
الْكرْمَانِي: قَالَ لمن قَالَ: وَمن عصاهما فقد غوي: بئس
الْخَطِيب أَنْت ثمَّ أجَاب بقوله: ذمه لِأَن الْخطْبَة
لَيْسَ مَحل الِاخْتِصَار فَكَانَ غير مُوَافق لمقْتَضى
الْمقَام.
6942 - حدّثنا سَعِيدُ بنُ سُلَيْمانَ، حدّثنا عَبَّادٌ،
عنْ إسْماعِيلَ سَمِعْتُ قَيْساً سَمِعْتُ سَعيد بنَ
زَيْدٍ يَقُولُ: لَقَدْ رَأيْتُني وإنَّ عُمَرَ موثِقِي
عَلى الإسْلامِ وَلَو انْقَضَّ أُحُدٌ مِمَّا فَعَلْتُمْ
بِعُثْمانَ كانَ مَحْقُوقاً أنْ يَنْقَضَّ.
انْظُر الحَدِيث 3862 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن عُثْمَان بن عَفَّان،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، اخْتَار الْقَتْل على
الْإِتْيَان بِمَا يُرْضِي القتلة، فاختياره على الْكفْر
بِالطَّرِيقِ الأولى.
وَسَعِيد بن سُلَيْمَان الوَاسِطِيّ سكن بَغْدَاد يلقب
بسعدويه، وَعباد بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد
الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن الْعَوام بتَشْديد الْوَاو
والواسطى، وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي خَالِد، وَقيس هُوَ
ابْن أبي حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالزاي، وَسَعِيد
بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل وَهُوَ ابْن عَم عمر بن
الْخطاب بن نفَيْل.
والْحَدِيث قد مضى فِي: بَاب إِسْلَام سعيد بن زيد،
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن قُتَيْبَة بن سعيد عَن
سُفْيَان عَن إِسْمَاعِيل عَن قيس، قَالَ: سَمِعت سعيد بن
زيد بن عَمْرو بن نفَيْل فِي مَسْجِد الْكُوفَة يَقُول:
وَالله لقد رَأَيْتنِي وَإِن عمر لموثقي على الْإِسْلَام
قبل أَن يسلم عمر، وَلَو أَن أحدا انقض للَّذي صَنَعْتُم
بعثمان لَكَانَ محقوقاً أَن ينْقض.
قَوْله: لقد رَأَيْتنِي أَي: لقد رَأَيْت نَفسِي وَهُوَ من
خَصَائِص أَفعَال الْقُلُوب. قَوْله: وَإِن عمر أَي: عمر
بن الْخطاب، رَضِي الله عَنهُ. الْوَاو فِيهِ للْحَال.
قَوْله: موثقي اسْم فَاعل من الإيثاق وَهُوَ الإحكام
وَأَرَادَ بِهِ يثبتني على الْإِسْلَام، وأصل هَذَا من
الوثاق وَهُوَ حَبل أَو قيد يشد بِهِ الْأَسير
وَالدَّابَّة. قَوْله: وَلَو انقض من الانقضاض بِالْقَافِ
وَهُوَ الانصداع والانشقاق، وَفِي الرِّوَايَة
الْمُتَقَدّمَة انفض بِالْفَاءِ. قَوْله: أحد
بِضَمَّتَيْنِ وَهُوَ الْجَبَل الْمَعْرُوف
بِالْمَدِينَةِ. قَوْله: مِمَّا فَعلْتُمْ أَي: بِسَبَب
مَا فَعلْتُمْ بعثمان بن عَفَّان من الْمُخَالفَة لَهُ
وَالْخُرُوج عَن طَاعَته وَهُوَ أَمِير الْمُؤمنِينَ ثمَّ
حصرهم إِيَّاه ثمَّ قَتلهمْ لَهُ ظلما وعدواناً. قَوْله:
محقوقاً أَي: جَدِيرًا أَن ينْقض أَي: ينشق وينصدع.
6943 - حدّثنا مُسَدَّدٌ، حدّثنا يَحْياى عنْ إسْماعِيل،
حدّثنا قَيْسٌ عنْ خَبَّابِ بنِ الأرَتِّ قَالَ: شَكَوْنا
إِلَى رسولِ الله وهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لهُ فِي
ظِلِّ الكَعْبَةَ فَقُلْنا: أَلا تَسْتَنْصرُ لَنا؟ أَلا
تَدْعُو لَنا؟ فَقَالَ: قَدْ كانَ مَنْ قَبْلَكُمْ
يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لهُ فِي الأرْضِ فَيُجْعَلُ
فِيها فَيُجاءُ بِالمِنْشارِ فَيُوضَعُ عَلى رَأسِهِ
فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ ويُمْشَطُ بِأمْشاطِ الحَدِيدِ مَا
دونَ لَحْمِهِ وعَظْمِهِ فَما يَصُدُّهُ ذالِكَ عنْ
دِينِهِ، وَالله لَيَتِمَّنَّ هاذا الأمْرُ حتَّى يَسِيرَ
الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخافُ
إلاّ الله والذِّئْبَ عَلى غَنَمِهِ، ولاكِنَّكُمْ
تَسْتَعْجِلُونَ
انْظُر الحَدِيث 3612 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ دلَالَة طلب خباب دُعَاء
من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْكفَّار
لكَوْنهم تَحت قهرهم وأذاهم كالمكرهين بِمَا لَا
يُرِيدُونَ.
وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن
أبي خَالِد، وَقيس هُوَ ابْن أبي حَازِم الْمَذْكُورَان
عَن قريب، وخباب بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد
الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى ابْن الْأَرَت بِفَتْح
الْهمزَة وَتَشْديد التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق ابْن
جندلة مولى خُزَاعَة.
والْحَدِيث مضى فِي عَلَامَات النُّبُوَّة عَن مُحَمَّد بن
الْمثنى عَن يحيى، وَفِي مبعث النَّبِي وَمضى
(24/99)
الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: بَردة لَهُ ويروى: مُتَوَسِّد بردة فِي ظلّ
الْكَعْبَة، وَهُوَ كسَاء أسود مربع وَالْجمع برود وأبراد.
قَوْله: أَلا فِي الْمَوْضِعَيْنِ للتحضيض، قَالَ ابْن
بطال: إِنَّمَا يجب النَّبِي سُؤال خباب وَمن مَعَه
بِالدُّعَاءِ على الْكفَّار مَعَ قَوْله تَعَالَى:
{وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ
الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ
جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} لِأَنَّهُ علم أَنه قد سبق الْقدر
بِمَا جرى عَلَيْهِم من الْبلوى ليؤجروا عَلَيْهَا، وَأما
غير الْأَنْبِيَاء فَوَاجِب عَلَيْهِم الدُّعَاء عِنْد كل
نازلة لعدم اطلاعهم على مَا اطلع عَلَيْهِ النَّبِي
وَقَالَ بَعضهم: وَلَيْسَ فِي الحَدِيث تَصْرِيح بِأَنَّهُ
لم يدعُ لَهُم بل يحْتَمل أَنه قد دَعَا. قلت: هَذَا
احْتِمَال بعيد لِأَنَّهُ لَو كَانَ دَعَا لَهُم لما
قَالَ: قد كَانَ من كَانَ قبلكُمْ الخ وَقَوله هَذَا
تَسْلِيَة لَهُم وَإِشَارَة إِلَى الصَّبْر على ذَلِك
لينقضي أَمر الله عز وَجل، ثمَّ قَالَ هَذَا الْقَائِل:
وَإِلَى ذَلِك الْإِشَارَة يَعْنِي إِلَى مَا قَالَه من
الِاحْتِمَال بقوله: وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُون قلت:
هَذَا لَا يدل على أَنه دَعَا لَهُم بل هَذَا يدل على
أَنهم لَا يستعجلون فِي إِجَابَة الدُّعَاء فِي
الدُّنْيَا، على أَن الظَّاهِر مِنْهُ ترك الاستعجال فِي
هَذَا الْوَقْت وَلَو كَانَ يُجَاب لَهُم فِيمَا بعد.
قَوْله: يُؤْخَذ يَعْنِي مِنْهُم. قَوْله: بِالْمِنْشَارِ
بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون النُّون وَهِي الْآلَة الَّتِي
ينشر بهَا الأخشاب ويروى الميشار، بِكَسْر الْمِيم
وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف من وَشر الْخَشَبَة إِذا
نشرها غير مَهْمُوز، وَفِيه لُغَة بِالْهَمْزَةِ من: أشر
الْخَشَبَة. قَوْله: مَا دون لَحْمه وعظمه أَي: من تحتهما،
ويروى: من دون لَحْمه. قَوْله: فَمَا يصده أَي: فَمَا
يمنعهُ. قَوْله: هَذَا الْأَمر أَي: الْإِسْلَام. قَوْله:
من صنعاء بِالْمدِّ، وَهِي قَاعِدَة الْيمن ومدينتها
الْعُظْمَى وحضرموت بِفَتْح الْحَاء وَسُكُون الضَّاد
الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء وَالْمِيم وبضم الْمِيم أَيْضا
وبالهمزة بَلْدَة أَيْضا بِالْيمن. وَهُوَ كبعلبك فِي
الْإِعْرَاب. قَوْله: وَالذِّئْب بِالنّصب عطف على
لَفْظَة: الله أَي: وَلَا يخَاف الذِّئْب على غنمه.
فَافْهَم.
2 - (بابٌ فِي بَيْعِ المُكْرَهِ ونَحْوِهِ فِي الحَقِّ
وغَيْرِهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان بيع الْمُكْره. قَوْله:
وَنَحْوه الْمُضْطَر. قَوْله: فِي الْحق أَي: فِي المالي.
قَوْله: وَغَيره أَي: غير الْحق. قيل: لَا دخل لهَذِهِ
اللَّفْظَة فِيهِ لِأَن الحَدِيث فِي بيع الْيَهُود وَهُوَ
إِكْرَاه بِحَق، وَأجَاب الْكرْمَانِي بِأَن المُرَاد
بِالْحَقِّ المالي وَغَيره الْجلاء بِالْجِيم أَو المُرَاد
بِالْحَقِّ الْجلاء، وَالْمرَاد بِغَيْر مثل الْجِنَايَات.
6944 - حدّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله، حدّثنا
اللَّيْثُ عنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ عنْ أبِيهِ، عنْ أبي
هُرَيْرَةَ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: بَيْنَما نَحْنُ فِي
المَسْجِدِ إذْ خَرَجَ عَليْنا رسولُ الله فَقَالَ:
انْطَلِقُوا إِلَى يهُودَ فَخَرَجْنا مَعَهُ حتَّى جِئْنا
بَيْتَ المِدْراسِ، فقامَ النبيُّ فَناداهُمْ يَا مَعْشَرَ
يَهُودَ أسْلِمُوا تَسْلَمُوا فَقَالُوا: قَدْ بَلَّغْتَ
يابا القاسِمِ، فَقَالَ: ذالِك أُريدُ ثُمَّ قالَها
الثَّانِيَةَ، فقالُوا: قَدْ بَلَّغْتَ يابا القاسِمِ،
ثُمَّ قَالَ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: اعْلَمُوا أنَّ
الأرْضَ لله ورَسولِهِ، وإنِّي أُرِيدُ أنْ أُجْلِيَكُمْ
فَمَنْ وَجَدَ مِنْكُمْ بِمالِهِ شَيْئاً فَلْيَبِعْهُ،
وإلاَّ فاعْلَمُوا أنَّ الأرْضَ لله ورسُولِهِ
انْظُر الحَدِيث 3167 وطرفه
قيل: لَا مُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة لِأَن الحَدِيث
أشبه بِبيع الْمُضْطَر، فَإِن الْمُكْره على البيع هُوَ
الَّذِي يحمل على بيع الشَّيْء أَرَادَ أَو لم يرد،
وَالْيَهُود شحوا على أَمْوَالهم فَاخْتَارُوا بيعهَا
فصاروا كَأَنَّهُمْ اضطروا إِلَى بيعهَا فصاروا كالمضطرب
إِلَى بيع مَاله عِنْد تضييق دائنه عَلَيْهِ، فَيكون
جَائِزا، وَلَو أكره عَلَيْهِ لم يجز وَأجِيب بِأَنَّهُ
لَو كَانَ الْإِلْزَام بِالْبيعِ من جِهَة الشَّرْع لجَاز
على أَنا قد ذكرنَا أَن المُرَاد بقوله فِي التَّرْجَمَة:
بِبيع الْمُكْره، وَنَحْوه، هُوَ الْمُضْطَر، وَقيل: ترْجم
بِالْحَقِّ وَغَيره وَلم يذكر إِلَّا الشق الأول. وَأجِيب:
بِأَن مُرَاده بِالْحَقِّ الدّين، وَبِغَيْرِهِ مَا عداهُ
مِمَّا يكون بَيْعه لَازِما، لِأَن الْيَهُود أكْرهُوا على
بيع أَمْوَالهم لَا لدين عَلَيْهِم.
وَعبد الْعَزِيز بن عبد الله بن يحيى الأويسي الْمدنِي
يروي عَن اللَّيْث بن سعد عَن سعيد المَقْبُري عَن أَبِيه
كيسَان عَن أبي هُرَيْرَة.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِزْيَة عَن عبد الله بن يُوسُف عَن
اللَّيْث وَسَيَجِيءُ فِي الِاعْتِصَام عَن قُتَيْبَة عَن
اللَّيْث. وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي. وَأَبُو دَاوُد
فِي الْخراج. وَالنَّسَائِيّ فِي السّير جَمِيعًا عَن
قُتَيْبَة.
قَوْله: يهود غير منصرف. قَوْله: بَيت الْمِدْرَاس
بكسرالميم وبالسين الْمُهْملَة
(24/100)
على وزن مفعال وزن الْآلَة وَهُوَ الْموضع
الَّذِي كَانُوا يقرأُون فِيهِ التَّوْرَاة، وَقَالَ ابْن
الْأَثِير: مفعال غَرِيب فِي الْمَكَان، وَالظَّاهِر أَنه
للْمُبَالَغَة، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَإِضَافَة الْبَيْت
إِلَيْهِ من إِضَافَة الْعَام إِلَى الْخَاص نَحْو شجر
الْأَرَاك. قَوْله: فناداهم وَفِي رِوَايَة الْكشميهني:
فَنَادَى. قَوْله: أَسْلمُوا بِكَسْر اللَّام أَمر، و:
تسلموا من السَّلامَة جَوَابه. قَوْله: يَا أَبَا
الْقَاسِم أَصله يَا أَبَا الْقَاسِم. حذفت الْهمزَة
للتَّخْفِيف. قَوْله: ذَلِك أُرِيد أَي: بِقَوْلِي:
أَسْلمُوا يَعْنِي: إِن اعترفتم أنني بلغتكم سقط عني
الْحَرج. قَوْله: اعلموا أَن الأَرْض وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني: إِنَّمَا الأَرْض فِي الْمَوْضِعَيْنِ.
قَوْله: وَرَسُوله قَالَ الدَّاودِيّ: لله افْتِتَاح
كَلَام. وَقَوله: وَرَسُوله، حَقِيقَة لِأَنَّهَا فِيمَا
لم يوجف الْمُسلمُونَ عَلَيْهِ بخيل وَلَا ركاب، وَقَالَ
غَيره: المُرَاد أَن الحكم لله فِي ذَلِك وَلِلرَّسُولِ
لكَونه الْمبلغ عَنهُ الْقَائِم بتنفيذ أوامره. قَوْله:
أجليكم بِضَم الْهمزَة من الإجلاء وَهُوَ الْإِخْرَاج عَن
أَرضهم. قَوْله: فَمن وجد مِنْكُم بِمَالِه، قَالَ
الْكرْمَانِي: الْبَاء فِيهِ للمقابلة.
3 - (بابٌ لَا يَجُوزُ نِكاحُ المكْرَهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَنه لَا يجوز نِكَاح
الْمُكْره.
{وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً
حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ
يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ
فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْراً
وَءَاتُوهُمْ مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِىءَاتَاكُمْ وَلاَ
تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ
تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا
وَمَن يُكْرِههُنَّ فِإِنَّ اللَّهِ مِن بَعْدِ
إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}
قَالَ صَاحب التَّوْضِيح إِدْخَال البُخَارِيّ هَذِه
الْآيَة فِي هَذَا الْبَاب لَا أَدْرِي مَا وَجهه، ثمَّ
استدرك مَا ذكره بِمَا فِيهِ الْجَواب وَهُوَ أَنه إِذا
نهى عَن الْإِكْرَاه فِيمَا لَا يحل فالنهي عَن
الْإِكْرَاه فِيمَا يحل بِالطَّرِيقِ الأولى. قَالَ
الثَّعْلَبِيّ: هَذِه الْآيَة نزلت فِي معَاذَة ومسيكة
جاريتي عبد الله بن أبي الْمُنَافِق، كَانَ يكرههما على
الزِّنَا بضريبة يَأْخُذهَا مِنْهُمَا، وَكَذَلِكَ كَانُوا
يَفْعَلُونَ فِي الْجَاهِلِيَّة يؤاجرون إماءهم، فَلَمَّا
جَاءَ الْإِسْلَام قَالَت معَاذَة لمسيكة: إِن هَذَا
الْأَمر الَّذِي نَحن فِيهِ لَا يخل من وَجْهَيْن: فَإِن
يكن خيرا فقد استكثرنا مِنْهُ، وَإِن يكن شرا فقد آن لنا
أَن ندعه: فَأنْزل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هَذِه
الْآيَة. قَوْله: فَتَيَاتكُم أَي: إماءكم جمع فتاة.
قَوْله: على الْبغاء أَي: على الزِّنَا. وَقَالَ ابْن
الْأَثِير: يُقَال بَغت الْمَرْأَة تبغي بغياً بِالْكَسْرِ
إِذا زنت فَهِيَ بغي فَجعلُوا الْبغاء على زنة الْعُيُوب
كالحران والشراد لِأَن الزِّنَى عيب. قَوْله: إِن أردن
كلمة: إِن، هُنَا بِمَعْنى إِذا أردن وَلَيْسَ مَعْنَاهُ
الشَّرْط، لِأَنَّهُ لَا يجوز إكراههن على الزِّنَى إِن لم
يردن تَحَصُّنًا نظيرها. قَوْله تَعَالَى: {ال م} والتحصن
التعفف. قَوْله: وَمن يكرههن أَي: بعد النَّهْي لَهُنَّ
فَإِن الله غَفُور رَحِيم والوزر على الْمُكْره.
6945 - حدّثنا يَحْياى بنُ قَزَعَةَ، حدّثنا مالِكٌ، عنْ
عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ القاسِمِ، عنْ أبِيهِ عنْ عَبْدِ
الرَّحْمانِ ومُجَمِّعِ ابْنَيْ يَزِيدَ بنِ جارِيَةَ
الأنْصارِيِّ، عنْ خَنْساءَ بِنْتِ خِذَامٍ
الأنْصارِيَّةِ، أنَّ أَبَاهَا زَوَّجهَا وهِيَ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى بن قزعة بِفَتْح
الْقَاف وَالزَّاي وَالْعين الْمُهْملَة الْحِجَازِي من
أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَعبد الرحمان بن الْقَاسِم يروي
عَن أَبِيه الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَمجمع على وزن اسْم الْفَاعِل
من التجمع ابْن يزِيد بن جَارِيَة بِالْجِيم وبالياء آخر
الْحُرُوف. قَالَ أَبُو عمر: يزِيد بن جَارِيَة وَالِد عبد
الرحمان، شهد خطْبَة الْوَدَاع وروى مِنْهَا ألفاظاً،
وخنساء بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون
وبالسين الْمُهْملَة وبالمد بنت خذام بِكَسْر الْخَاء
الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الذَّال الْمُعْجَمَة ابْن
وَدِيعَة الْأَنْصَارِيَّة من الْأَوْس.
والْحَدِيث مضى فِي النِّكَاح فِي: بَاب لَا ينْكح الْأَب
وَغَيره الْبكر والثيبِ إلاَّ بِرِضَاهَا، وَمضى الْكَلَام
فِيهِ.
قَوْله: وَهِي ثيب كَذَا فِي رِوَايَة مَالك، وروى
مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن حجاج بن السَّائِب عَن أَبِيه
عَن جدته خنساء بنت خذام، قَالَ: وَكَانَت أَيّمَا من رجل
فَزَوجهَا أَبوهَا رجلا من بني عَوْف ... الحَدِيث،
وَقَالَ مُحَمَّد بن سَحْنُون: جمع أَصْحَابنَا على
إبِْطَال نِكَاح الْمُكْره والمكرهة، قَالُوا: وَلَا يجوز
الْمقَام عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لم ينْعَقد، وَقَالَ ابْن
الْقَاسِم:
(24/101)
لَا يلْزم الْمُكْره مَا أكره عَلَيْهِ من
نِكَاح أَو طَلَاق أَو عتق أَو غَيره، وَقَالَ مُحَمَّد بن
سَحْنُون: وَأَجَازَ أهل الْعرَاق نِكَاح الْمُكْره.
6946 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ، حدّثنا سُفيْانُ عنِ
ابنِ جُرَيْجٍ، عنِ ابنِ أبي مُلَيْكَةَ، عنْ أبي عَمْرٍ
ووهُوَ ذَكْوَانُ عنْ عائِشَةَ، رَضِي الله عَنْهَا،
قالَتْ: قُلْتُ: يَا رسولَ الله تُسْتأْمَرُ النِّساءُ فِي
أبْضاعِهنَّ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْتُ فإنَّ البِكْرَ
تَسْتَأْمَرُ فَتَسْتَحِي فَتَسْكُتُ، قَالَ: سُكاتُها
إذْنُها
انْظُر الحَدِيث 5137 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ يفهم مِنْهُ أَن نِكَاح
الْبكر لَا يجوز إلاَّ بِرِضَاهَا وَبِغير رِضَاهَا يكون
حكمهَا حكم الْمُكْره.
وَمُحَمّد بن يُوسُف يجوز أَن يكون الْفرْيَابِيّ وَشَيْخه
سُفْيَان الثَّوْريّ، وَيجوز أَن يكون البيكندي
البُخَارِيّ وَشَيْخه سُفْيَان بن عُيَيْنَة، فَإِن كلّاً
من السفيانين مَشْهُور بالرواية عَن ابْن جريج وَهُوَ عبد
الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج وَلَكِن جزم أَبُو نعيم
أَن هَذَا الحَدِيث إِنَّمَا هُوَ عَن الْفرْيَابِيّ
فَإِنَّهُ إِذا أطلق سُفْيَان وَلم ينْسبهُ فَهُوَ
الثَّوْريّ، وَإِذا أَرَادَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة نسبه،
وَابْن أبي مليكَة هُوَ عبيد الله بن عبد الله أَو عبد
الرحمان بن أبي مليكَة بِضَم الْمِيم واسْمه زُهَيْر
التَّيْمِيّ الْمَكِّيّ الْأَحول القَاضِي على عهد ابْن
الزبير، وَأَبُو عَمْرو بِفَتْح الْعين اسْمه ذكْوَان مولى
عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَكَانَت قد
دَبرته.
وَمضى الحَدِيث فِي النِّكَاح.
قَوْله: تستأمر على صِيغَة الْمَجْهُول يَعْنِي: تستشار
النِّسَاء فِي عقد نِكَاحهَا. قَوْله: فِي إبضاعهن قَالَ
الْكرْمَانِي: جمع بضع. قلت: لَيْسَ كَذَلِك وَلَيْسَ
بِجمع بل هُوَ بِكَسْر الْهمزَة من أبضعت الْمَرْأَة
إبضاعاً، إِذا زوجتها. قَوْله: فتستحي بياء وَاحِدَة
وَفِيه لُغَة أُخْرَى: فتستحيي، بياءين. قَوْله: سكاتها
وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: سكُوتهَا، وَفِي
الرِّوَايَة الَّتِي تقدّمت فِي النِّكَاح بِلَفْظ: صمتها.
4 - (بابٌ إِذا أُكْرِهَ حتَّى وهَبَ عَبْداً أوْ باعَهُ
لَمْ يَجُزْ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا أكره الرجل حَتَّى وهب
عَبده لشخص أَو بَاعه لَهُ لم يجز، أَي: لم يَصح لَا
الْهِبَة وَلَا البيع، وَالْعَبْد بَاقٍ على ملكه.
وبِهِ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ.
أَي: بالحكم الْمَذْكُور قَالَ بعض النَّاس وَهُوَ: عدم
جَوَاز هبة الْمُكْره عَبده، وَكَذَا بَيْعه. قلت: إِن
أَرَادَ بِبَعْض النَّاس الْحَنَفِيَّة فمذهبهم لَيْسَ
كَذَلِك، فَإِن مَذْهَبهم أَن شخصا إِذا أكره على بيع
مَاله أوهبته لشخص أَو على إِقْرَاره بِأَلف مثلا لشخص
وَنَحْو ذَلِك، فَبَاعَ أَو وهب وَأقر، ثمَّ زَالَ
الْإِكْرَاه فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أمضى هَذِه
الْأَشْيَاء وَإِن شَاءَ فَسخهَا، لِأَن الْملك ثَبت
بِالْعقدِ لصدوره من أَهله فِي مَحَله إلاَّ أَنه قد شَرط
الْحل، وَهُوَ التَّرَاضِي، فَصَارَ كَغَيْرِهِ من
الشُّرُوط الْمفْسدَة، حَتَّى لَو تصرف فِيهِ تَصرفا لَا
يقبل النَّقْض: كَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِير وَنَحْوهمَا،
لَا ينفذ وَتلْزَمهُ الْقيمَة، وَإِن، أجَازه جَازَ
لوُجُود التَّرَاضِي، بِخِلَاف البيع الْفَاسِد لِأَن
الْفساد لحق الشَّرْع.
فإنْ نذَرَ المُشْتَرِي فِيهِ نَذْراً فَهْوَ جائِزٌ
بِزَعْمِهِ.
أَرَادَ بِهَذَا الْكَلَام التشنيع على هَؤُلَاءِ الْبَعْض
من النَّاس، وَإِثْبَات تناقضهم فِي كَلَامهم أَي: قَالَ
هَؤُلَاءِ الْبَعْض: فَإِن نذر المُشْتَرِي يَعْنِي:
المُشْتَرِي من الْمُكْره فِي الَّذِي اشْتَرَاهُ نذرا
فَهُوَ جَائِز قَوْله: بِزَعْمِهِ، أَي: بقوله.
وكَذَلِكَ إنْ دَبَّرهُ.
أَي: وَكَذَلِكَ قَالَ هَؤُلَاءِ الْبَعْض: إِن دبر
المُشْتَرِي من الْمُكْره العَبْد الَّذِي اشْتَرَاهُ،
وَبَيَان التَّنَاقُض الَّذِي زَعمه البُخَارِيّ فِيمَا
قَالَه الْكرْمَانِي: قَالَ: قَالَ الْمَشَايِخ: إِذا
قَالَ البُخَارِيّ بعض النَّاس يُرِيد بِهِ الْحَنَفِيَّة،
وغرضه أَن يبين أَن كَلَامهم متناقض
(24/102)
لِأَن بيع الْإِكْرَاه هَل هُوَ ناقل
للْملك إِلَى المُشْتَرِي أم لَا، فَإِن قَالُوا: نعم، فصح
مِنْهُ جَمِيع التَّصَرُّفَات، وَلَا يخْتَص بِالنذرِ
وَالتَّدْبِير، وَإِن قَالُوا: لَا، فَلَا يصحان هما
أَيْضا، وَأَيْضًا فِيهِ تحكم وَتَخْصِيص. قلت: أَولا
لَيْسَ مَذْهَب الْحَنَفِيَّة فِي هَذَا كَمَا زَعمه
البُخَارِيّ كَمَا ذكرنَا، وَثَانِيا: إِنَّا نمْنَع هَذَا
الترديد فِي نقل الْملك وَعَدَمه بل الْملك يثبت بِالْعقدِ
لصدوره من أَهله فِي مَحَله، إلاَّ أَنه قد شَرط الْحل
وَهُوَ التَّرَاضِي، فَصَارَ كَغَيْرِهِ من الشُّرُوط
الْمفْسدَة حَتَّى لَو تصرف فِيهِ تَصرفا لَا يقبل
النَّقْض: كَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِير وَنَحْوهمَا، ينفذ
وَتلْزَمهُ الْقيمَة، وَإِن أجَازه جَازَ لوُجُود
التَّرَاضِي، بِخِلَاف البيع الْفَاسِد لِأَن الْفساد لحق
الشَّرْع.
6947 - حدّثنا أبُو النُّعْمانِ، حدّثنا حَمَّادُ بنُ
زَيْدٍ، عنْ عَمْرِو بنِ دِينارٍ، عنْ جابِرٍ، رَضِي الله
عَنهُ، أنَّ رجُلاً مِنَ الأنْصارِ دَبَّرَ مَمْلُوكاً
ولَمْ يكُنْ لهُ مالٌ غَيْرُهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رسولَ
الله فَقَالَ: مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي؟ فاشْتَرَاهُ
نعَيْمُ النَّحَّامُ بِثَمَانِمائَةِ دِرْهَمٍ قَالَ:
فَسَمِعْتُ جابِراً يَقُولُ: عَبْداً قِبْطِيّاً ماتَ عامَ
أوَّلَ.
قَالَ الدَّاودِيّ مَا حَاصله: أَنه لَا مُطَابقَة بَين
الحَدِيث والترجمة لِأَنَّهُ لَا إِكْرَاه فِيهِ، ثمَّ
قَالَ: إلاَّ أَن يُرَاد أَنه، بَاعه وَكَانَ كالمكره لَهُ
على بَيْعه.
وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل والْحَدِيث مضى
فِي الْعتْق.
قَوْله: أَن رجلا اسْمه أَبُو مَذْكُور، والمملوك اسْمه
يَعْقُوب، وَالْمُشْتَرِي نعيم بِضَم النُّون وَفتح الْعين
الْمُهْملَة، وَقد وَقع فِي بعض النّسخ: نعيم بن النحام،
وَالصَّوَاب: نعيم النحام، بِدُونِ لفظ الابْن لِأَنَّهُ
قَالَ سَمِعت فِي الْجنَّة نحمة نعيم، أَي: سعلته فَهُوَ
صفته لَا صفة أَبِيه. قَوْله: عبدا قبطياً أَي: من قبط
مصر.
وَفِيه: جَوَاز بيع الْمُدبر، قيل: هُوَ حجَّة على
الْحَنَفِيَّة فِي منع بيع الْمُدبر، وَأَجَابُوا بِأَن
هَذَا مَحْمُول على الْمُدبر الْمُقَيد، وَهُوَ يجوز
بَيْعه إلاَّ أَن يثبتوا أَنه كَانَ مُدبرا مُطلقًا، وَلَا
يقدرُونَ على ذَلِك، وَكَونه لم يكن لَهُ مَال غَيره
لَيْسَ عِلّة لجَوَاز بَيْعه، لِأَن الْمَذْهَب فِيهِ أَن
يسْعَى فِي قِيمَته، وَجَوَاب آخر: أَنه مَحْمُول على بيع
الْخدمَة وَالْمَنْفَعَة لَا بيع الرَّقَبَة، لما روى
الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن أبي جَعْفَر أَنه
قَالَ: شهِدت الحَدِيث من جَابر إِنَّمَا أذن فِي بيع
خدمته، وَأَبُو جَعْفَر ثِقَة.
5 - (بابٌ مِنَ الإكْرَاهِ. كَرْهٌ وكُرْهٌ واحِدٌ)
أَي: هَذَا بَاب فِي جملَة مَا ورد فِي أَمر الْإِكْرَاه
مِمَّا تضمنته الْآيَة الْمَذْكُور فِي الْبَاب، وفيهَا
لفظ: كرها، بِفَتْح الْكَاف أَشَارَ البُخَارِيّ بِأَن
لفظ: كره، بِالْفَتْح وَكره بِالضَّمِّ وَاحِد فِي
الْمَعْنى. قَوْله: كره وَكره بِالرَّفْع ويروى: كرها
وَكرها على مَا فِي الْآيَة وَهُوَ الْأَوْجه، وَلم يَقع
هَذَا فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ، وَقيل: الكره بِالضَّمِّ
مَا أكرهت نَفسك عَلَيْهِ، وبالفتح مَا أكرهك عَلَيْهِ
غَيْرك.
6948 - حدّثنا حُسَيْنُ بنُ مَنْصُورٍ، حدّثنا أسْباطُ بنُ
مُحَمدٍ حدّثنا الشَّيْبانِيُّ سُلَيْمانُ بنُ فَيْرُوزِ،
عنْ عِكْرِمَةَ، عنِ ابنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ
الشَّيْبانِيُّ. وحدّثني عَطاءٌ أبُو الحَسَنِ
السُّوَائِيُّ وَلَا أظُنُّهُ إلاّ ذَكَرَهُ عنِ ابنِ
عبَّاسٍ، رَضِي الله عَنْهُمَا: {يَاأَيُّهَا
الَّذِينَءَامَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ
النِّسَآءَ كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ
بِبَعْضِ مَآءَاتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ
بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ
فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً
وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} الآيَة،
قَالَ: كانُوا إذَا ماتَ الرَّجُلُ كَانَ أوْلِياؤُهُ
أحَقَّ بامْرَأتِهِ، إنْ شاءَ بَعْضُهُمْ تَزَوَّجَها وإنْ
شاؤُوا زَوَّجَها، وإنْ شاؤُوا لَمْ يُزَوِّجْها، فَهُمْ
أحَقُّ بِها مِنْ أهْلها، فَنَزَلَتْ هاذِهِ الآيَةُ
بِذَلِكَ.
انْظُر الحَدِيث 4579
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: كرها فِي الْآيَة.
وحسين بن مَنْصُور النَّيْسَابُورِي مَا لَهُ فِي
البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الْموضع، مَاتَ سنة ثَمَان
وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، وأسباط بِلَفْظ الْجمع ابْن
مُحَمَّد الْقرشِي الْكُوفِي، وَعَطَاء أَبُو الْحسن
السوَائِي بِضَم السِّين الْمُهْملَة وخفة الْوَاو
وبالهمزة بعد الْألف نِسْبَة إِلَى سَوَاء بن عَامر بن
صعصعة بن مُعَاوِيَة بن بكر بن هوَازن بطن كَبِير، وَهُوَ
من أَفْرَاد البُخَارِيّ.
والْحَدِيث مر تَفْسِيره فِي سُورَة النِّسَاء.
قَوْله: قَالَ: كَانَ ويروى: كَانُوا، وَهِي الْأَصَح.
قَوْله: فهم أَي: أهل الرجل، ويروى:
(24/103)
وهم، بِالْوَاو. قَوْله: فِي ذَلِك ويروى:
بذلك.
وَقَالَ الْمُهلب: فَائِدَة: هَذَا الْبَاب وَالله أعلم
التَّعْرِيف بِأَن كل من أمسك امْرَأَة لأجل الْإِرْث
مِنْهَا طَمَعا أَن تَمُوت فَلَا يحل لَهُ ذَلِك بِنَصّ
الْقُرْآن.
6 - (بابٌ إذَا اسْتُكْرِهَتِ المَرْأة عَلى الزِّنى فلاَ
حَدَّ عَلَيْها)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا استكرهت الْمَرْأَة على
الزِّنَى فَلَا يجب الْحَد عَلَيْهَا لِأَنَّهَا
مُكْرَهَة.
لِقَوْله تَعَالَى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لاَ
يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن
فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا
مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمُتُمْ
فِيهِمْ خَيْراً وَءَاتُوهُمْ مِّن مَّالِ اللَّهِ
الَّذِىءَاتَاكُمْ وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى
الْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُواْ
عَرَضَ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُنَّ فِإِنَّ
اللَّهِ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}
ويروى: فِي قَوْله تَعَالَى، وَالْأول أصوب. وَجه
مُنَاسبَة الْآيَة للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهَا
دلَالَة على أَن لَا إِثْم على المكرهة على الزِّنَا
فَيلْزم أَن لَا يجب عَلَيْهَا الْحَد. قَوْله: وَمن
يكرههن أَي: بعد النَّهْي بقوله تَعَالَى:
{وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً
حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ
يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ
فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْراً
وَءَاتُوهُمْ مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِىءَاتَاكُمْ وَلاَ
تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ
تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا
وَمَن يُكْرِههُنَّ فِإِنَّ اللَّهِ مِن بَعْدِ
إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} قَوْله: غَفُور رَحِيم
أَي: لَهُنَّ وَقد قرىء فِي الشاذ: فَإِن الله من بعد
إكراهن لَهُنَّ غَفُور رَحِيم، وَهِي قراء ابْن مَسْعُود
وَجَابِر وَسَعِيد بن جُبَير، ونسبت أَيْضا إِلَى ابْن
عَبَّاس، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: يُسْتَفَاد مِنْهُ
الْوَعيد الشَّديد للمكرهين لَهُنَّ، وَفِي ذكر
الْمَغْفِرَة وَالرَّحْمَة تَعْرِيض وَتَقْدِيره: انْتَهوا
أَيهَا المكرهون فَإِنَّهُنَّ مَعَ كونهن مكرهات قد يؤاخذن
لَوْلَا رَحْمَة الله ومغفرته فَكيف بكم أَنْتُم؟ .
6949 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حدّثني نافِعٌ أنَّ صَفِيَّةَ
بِنْتَ أبي عُبَيْدٍ أخْبَرَتْهُ: أنَّ عبدا مِنْ رَقِيقِ
الإمارَةِ وقَعَ عَلى ولِيدَةٍ مِنَ الخُمسِ،
فاسْتكْرَهَها حتَّى افْتَضَّها، فَجَلَدَهُ عُمَرُ
الحَدَّ ونَفاهُ، ولَمْ يَجْلِدِ الوَلِيدَةَ مِنْ أجْلِ
أنهُ اسْتَكْرَهَها.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَتَعْلِيق اللَّيْث بن
سعد الَّذِي رَوَاهُ عَن نَافِع مولى ابْن عمر وَصله أَبُو
الْقَاسِم الْبَغَوِيّ عَن الْعَلَاء بن مُوسَى عَن
اللَّيْث، وَصفِيَّة بنت أبي عبيد الثقفية امْرَأَة عبد
الله بن عمر، ويروى: ابْنة أبي عبيد.
قَوْله: الْإِمَارَة بِكَسْر الْهمزَة أَي: من مَال
الْخَلِيفَة وَهُوَ عمر رَضِي الله عَنهُ.
قَوْله: من الْخمس أَي: من مَال خمس الْغَنِيمَة الَّذِي
يتَعَلَّق التَّصَرُّف فِيهِ بِالْإِمَامِ وَمعنى قَوْله:
وَقع على وليدة زنا بهَا. قَوْله: افتضها أَي أَزَال
بَكَارَتهَا. ومادته قَاف وضاد مُعْجمَة مَأْخُوذَة من
القضة بِكَسْر الْقَاف وَهِي عذرة البكرة.
وَفِيه: إِن عمر كَانَ يرى نفي الرَّقِيق كَالْحرِّ من
الْبَلَد يَعْنِي: يغربه نصف سنة لِأَن حَده نصف حد الْحر
فِي الْجلد، وَاخْتلفُوا فِي وجوب الصَدَاق لَهَا، فَقَالَ
عَطاء وَالزهْرِيّ: نعم، وَهُوَ قَول مَالك وَأحمد
وَإِسْحَاق وَأبي ثَوْر، وَقَالَ الشّعبِيّ: إِذا أقيم
عَلَيْهَا الْحَد فَلَا صدَاق لَهَا وَهُوَ قَول
الْكُوفِيّين.
قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي الأمَةِ البِكْرِ يَفْتَرِعُها
الحُرُّ: يُقيمُ ذالكَ الحَكَمُ مِنَ الأمَةِ العَذْراءِ
بِقدْرِ قِيمَتها، ويُجْلَدُ ولَيْسَ فِي الأمَةِ
الثَّيِّبِ فِي قَضاءِ الأئِمَّةِ غُرْمٌ، ولَكِنْ علَيْهِ
الحَدُّ.
أَي: قَالَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ ... إِلَى
آخِره. قَوْله: يفترعها بِالْفَاءِ وَالرَّاء وَالْعين
الْمُهْملَة أَي: يفتضها. قَوْله: يُقيم قَالَ
الْكرْمَانِي: وَيُقِيم إِمَّا بِمَعْنى يقوم وَإِمَّا من
قَامَت الْأمة مائَة دِينَار إِذا بلغت قيمتهَا. قَوْله:
ذَلِك أَي: الاقتراع. قَوْله: الحكم بِفتْحَتَيْنِ أَي:
الْحَاكِم. قَوْله: الْعَذْرَاء أَي: الْبكر. قَوْله:
بِقدر قيمتهَا أَي: على الَّذِي افتضها، ويروى: بِقدر
ثمنهَا، وَالْمعْنَى: أَن الْحَاكِم يَأْخُذ من المفترع
دِيَة الافتراع نِسْبَة قيمتهَا أَي أرش النَّقْص وَهُوَ
التَّفَاوُت بَين كَونهَا بكرا وثيباً. وَفَائِدَة قَوْله:
ويجلد دفع توهم من يظنّ أَن الْغرم يُغني عَن الْجلد.
قَوْله: غرم أَي: غَرَامَة، وَقَول مَالك كَقَوْل
الزُّهْرِيّ كَمَا نقل عَن الْمُهلب.
6950 - حدّثنا أبُو اليَمانِ، حدّثنا شُعَيْبٌ، حدّثنا
أبُو الزِّنادِ، عنِ الأعْرَجِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رسولُ الله هاجَرَ إبْرَاهِيمُ بِسارَةَ دَخَلَ بِها
قَرْيَةً فِيها مَلِكٌ مِن المُلُوكِ أوْ جَبَّارٌ مِنَ
الجَبابرَة فأرْسَلَ إلَيْهِ: أنْ أرْسِلْ إلَيَّ بهَا،
فأرْسَلَ بِها، فقامَ إلَيْها فقامَتْ تَوَضَّأ وتصَلِّي.
فقالَت:
(24/104)
اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ آمَنْتُ بِكَ
وبِرَسُولِكَ، فَلا تُسَلِّطْ عَلَيَّ الكافِرِ، فَغُطَّ
حتَّى ركَضَ بِرِجْلِهِ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة من حَيْثُ إِنَّه كَمَا لَا
ملامة عَلَيْهَا فِي الْخلْوَة مَعَه إِكْرَاها، فَكَذَلِك
المستكرهة فِي الزِّنَا لَا حد عَلَيْهَا، كَذَا قَالَه
الْكرْمَانِي، وَصَاحب التَّوْضِيح قلت: الْأَقْرَب أَن
يُقَال: وَجه الْمُطَابقَة من حَيْثُ إِنَّه أكره
إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ السَّلَام، على إرسالها إِلَيْهِ.
وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَشُعَيْب بن أبي
حَمْزَة، وَأَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله بن
ذكْوَان، والأعرج عبد الرحمان بن هُرْمُز.
وَمضى الحَدِيث فِي آخر البيع، وَفِي أَحَادِيث
الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام.
قَوْله: هَاجر إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ
الْكرْمَانِي: من الْعرَاق إِلَى الشَّام. قلت: قَالَ أهل
السّير: من بَيت الْمُقَدّس إِلَى مصر، وَسَارة أم
إِسْحَاق عَلَيْهِمَا السَّلَام. قَوْله: دخل بهَا قَرْيَة
قَالَ الْكرْمَانِي: هِيَ حران بِفَتْح الْحَاء
الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء وبالنون، وَهِي كَانَت
مَدِينَة عَظِيمَة تعدل ديار مصر فِي حد الجزيرة بَين
الْفُرَات ودجلة، وَالْيَوْم هِيَ خرابة، قيل: كَانَ مولد
إِبْرَاهِيم بهَا، وَقَول الْكرْمَانِي: قَرْيَة هِيَ حران
فِيهِ نظر، وَالَّذِي ذكره أهل السّير: هِيَ مصر، وَمِمَّا
يُؤَيّد هَذَا الَّذِي ذكره قَول من قَالَ: إِن حران هِيَ
الَّتِي ولد فِيهَا إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام.
قَوْله: أَو جَبَّار شكّ من الرَّاوِي. قَوْله: فَأرْسل
إِلَيْهِ أَي: أرسل ذَلِك الْجَبَّار إِلَى إِبْرَاهِيم،
عَلَيْهِ السَّلَام، فَأرْسل بهَا إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ
السَّلَام، كرها. قَوْله: تَوَضَّأ بِضَم الْهمزَة أَصله:
تتوضأ، فحذفت مِنْهُ إِحْدَى التَّاءَيْنِ. قَوْله: إِن
كنت لَيْسَ على الشَّك لِأَنَّهَا لم تكن شاكة فِي
إيمَانهَا، وَإِنَّمَا هُوَ على خلاف مُقْتَضى الظَّاهِر،
فيؤول بِنَحْوِ: إِن كنت مَقْبُولَة الْإِيمَان. قَوْله:
فغط بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الطَّاء
الْمُهْملَة أَي: خنق وصرع، وَقَالَ الدَّاودِيّ: ورويناه
هُنَا بِالْعينِ الْمُهْملَة، وَيحْتَمل أَن يكون من
العطعطة وَهِي حِكَايَة صَوت، وَقَالَ الشَّيْبَانِيّ:
العطوط المغلوب ذكره الْجَوْهَرِي فِي بَاب الْعين
الْمُهْملَة. قَوْله: حَتَّى ركض بِرجلِهِ أَي: حركه وَدفع
وَجمع، وَلم يذكر البُخَارِيّ حكم إِكْرَاه الرجل على
الزِّنَى، فَذهب الْجُمْهُور إِلَى أَنه لَا حد عَلَيْهِ.
وَقَالَ مَالك وَجَمَاعَة: عَلَيْهِ الْحَد لِأَنَّهُ لَا
تَنْتَشِر الْآلَة إلاَّ بلذة، وَسَوَاء أكرهه سُلْطَان
أَو غَيره، وَعَن أبي حنيفَة: لَا يحد إِن أكرهه سُلْطَان،
وَخَالفهُ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد، رحمهمَا الله تَعَالَى.
7 - (بابُ يَمِينِ الرَّجُلِ لِصاحِبهِ إنَّهُ أخُوهُ إِذا
خافَ عَلَيْهِ القَتْل أوْ نَحْوَهُ، وكَذالِكَ كُلُّ
مُكْرَهٍ يَخافُ فإنَّهُ يَذُبُّ عَنْهُ الظَّالِمَ
ويُقاتِلُ دُونَهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، فإنْ قاتَلَ دُونَ
المَظْلُومِ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ وَلَا قِصاصَ.)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان يَمِين الرجل أَنه أَخُوهُ
إِذا خَافَ عَلَيْهِ الْقَتْل بِأَن يقْتله ظَالِم إِن لم
يحلف الْيَمين الَّذِي أكرهه الظَّالِم عَلَيْهَا قَوْله:
أَو نَحوه أَي: أَو نَحوه الْقَتْل، مثل قطع الْيَد أَو
قطع عُضْو من أَعْضَائِهِ. قَوْله: فَإِنَّهُ يذب بِفَتْح
الْيَاء آخر الْحُرُوف وَضم الذَّال الْمُعْجَمَة أَي:
يدْفع عَنهُ الظَّالِم، ويروى: الْمَظَالِم، جمع مظْلمَة
ويروى: ويدرء عَنهُ الظَّالِم، أَي: يَدْفَعهُ ويمنعه
مِنْهُ. قَوْله: وَيُقَاتل دونه أَي: يُقَاتل عَنهُ وَلَا
يَخْذُلهُ لَهُ أَي: لَا يتْرك نصرته. قَوْله: فَإِن قَاتل
دون الْمَظْلُوم أَي: عَن الْمَظْلُوم. قَوْله: فَلَا قَود
عَلَيْهِ وَلَا قصاص قَالَ صَاحب التَّوْضِيح يُرِيد وَلَا
دِيَة لِأَن الدِّيَة تسمى أرشاً، وَقَالَ الْكرْمَانِي:
لم كرر الْقود إِذْ هُوَ الْقصاص بِعَيْنِه ثمَّ أجَاب
بِأَنَّهُ لَا تكْرَار إِذْ الْقصاص أَعم من أَن يكون فِي
النَّفس، وَيسْتَعْمل غَالِبا فِي القواد أَو هُوَ
تَأْكِيد. قلت: فِي الْجَواب الثَّانِي نظر لَا يخفى،
وَقَالَ ابْن بطال: ذهب مَالك وَالْجُمْهُور إِلَى أَن من
أكره على يَمِين إِن لم يحلفها قتل أَخُوهُ الْمُسلم أَنه
لَا حنث عَلَيْهِ، وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ يَحْنَث
لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ أَن يوري، فَلَمَّا ترك التورية صَار
قَاصِدا للْيَمِين، فَيحنث.
وإنْ قِيلَ لهُ: لَتَشْرَبَنَّ الخَمْرَ أوْ لَتَأْكُلَنَّ
المَيْتَةَ أوْ لَتَبيعَنَّ عَبْدَكَ أوْ تُقِرُّ بِدَيْنٍ
أوْ تَهَبُ هِبَةً وكُلَّ عُقْدَةٍ أوْ لَنَقْتُلَنَّ
أباكَ أوْ أخاكَ فِي الإسْلامِ، وَسعَهُ ذالِكَ لِقَوْلِ
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المُسْلِمُ أخُو
المُسلِمِ.
(24/105)
أَي: إِن قيل لرجل يَعْنِي: لَو قَالَ رجل
لرجل لتشربن الْخمر وأكرهه على ذَلِك، أَو قَالَ: لتأكلن
الْميتَة وأكرهه على ذَلِك، أَو قَالَ لَهُ: لتبيعن عَبدك
وأكرهه على ذَلِك، وَهَذِه الْأَلْفَاظ الثَّلَاثَة كلهَا
مُؤَكدَة بالنُّون الثَّقِيلَة وباللامات الْمَفْتُوحَة
فِي أوائلها. قَوْله: أَو تقر أَي: أَو قَالَ لَهُ: لتقر
بدين لفُلَان وأكرهه على ذَلِك، أَو قَالَ لَهُ: تهب هبة
لفُلَان وأكرهه على ذَلِك، قَوْله: وكل عقدَة لفظ كل
مُضَافَة إِلَى لفظ عقدَة وَهُوَ مُبْتَدأ وَخَبره
مَحْذُوف أَي: كَذَلِك، نَحْو أَن يَقُول: لتقرضن أَو
لتؤجرن وَنَحْوهمَا. ويروى: أَو تحل عقدَة، عطف على مَا
قبله، وَتحل فعل مضارع مُخَاطب من الْحل بِالْحَاء
الْمُهْملَة، قَالَ الْكرْمَانِي: المُرَاد بِحل الْعقْدَة
فَسخهَا. قَوْله: أَبَاك أَو أَخَاك فِي الْإِسْلَام،
إِنَّمَا قيد بِالْإِسْلَامِ ليجعله أَعم من الْأَخ
الْقَرِيب من النّسَب. قَوْله: وَسعه ذَلِك، أَي: جَازَ
لَهُ لَهُ لَنَقْتُلَنَّ أَبَاك أَو قَالَ أَي الْأكل
وَالشرب وَالْإِقْرَار وَالْهِبَة لتخليص الْأَب وَالْأَخ
فِي الدّين، يَعْنِي: الْمُؤمن عَن الْقَتْل. وَقَالَ ابْن
بطال: مُرَاد البُخَارِيّ أَن من هدد بقتل وَالِده أَو
بقتل أَخِيه فِي الْإِسْلَام إِن لم يفعل شَيْئا من
الْمعاصِي أَو يقر على نَفسه بدين لَيْسَ عَلَيْهِ، أَو
يهب شَيْئا لغيره بِغَيْر طيب نفس مِنْهُ، أَو يحل عقدا
كَالطَّلَاقِ وَالْعتاق بِغَيْر اخْتِيَاره، فَلهُ أَن
يفعل جَمِيع مَا هدده بِهِ لينجو أَبوهُ من الْقَتْل،
وَكَذَا أَخُوهُ الْمُسلم. قَوْله: لقَوْل النَّبِي
دَلِيل. قَوْله: أَو أَخَاك فِي الْإِسْلَام، وَقد تقدم
هَذَا الحَدِيث فِي: بَاب الْمَظَالِم.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لوْ قِيلَ لهُ لَتَشْرَبَنَّ
الخَمْرَ أوْ لَتأْكُلَّنَّ المَيْتَةَ. أوْ لَتَقْتُلَنَّ
ابْنَكَ أوْ أباكَ أوْ ذَا رَحِمٍ مُحَرَّمٍ لم يَسَعْهُ،
لأنَّ هاذا لَيْسَ بِمُضْطَرَ ثُمَّ ناقَضَ، فَقَالَ: إنْ
قِيلَ لهُ لَنَقْتُلَنَّ أباكَ أوِ ابْنَكَ أوْ
لَتَبِيعَنَّ هاذا العَبْدَ أوْ تُقِرُّ بِدِينٍ أَو
تَهَبُ، يَلْزَمُهُ فِي القِياسِ، ولاكِنَّا نَسْتَحْسِنُ
ونَقُولُ: البَيْعُ والهِبَةُ وكُلُّ عُقْدَةٍ فِي ذالِكَ
باطِلٌ، فَرَّقُوا بَيْنَ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مُحَرِّمٍ
وغَيْرِهِ بِغَيْرِ كِتابٍ وَلَا سُنَّةٍ.
قيل أَرَادَ بِبَعْض النَّاس الْحَنَفِيَّة. قَوْله: لَو
قيل لَهُ أَي: قَالَ ظَالِم لرجل وَأَرَادَ قتل وَالِده:
لتشربن الْخمر أَو لتأكلن الْميتَة. قَوْله: أَو
لَنَقْتُلَنَّ ابْنك أَي: أَو قَالَ: لَنَقْتُلَنَّ ابْنك
إِن لم تفعل مَا أَقُول لَك. قَوْله: أَو ذَا رحم محرم
أَي: أَو قَالَ: لَنَقْتُلَنَّ ذَا رحم محرم لَك إِن لم
تفعل كَذَا، وَالْمحرم هُوَ من لَا يحل نِكَاحهَا أبدا
لِحُرْمَتِهِ. قَوْله: لم يَسعهُ أَي: لم يَسعهُ أَن يفعل
مَا أمره بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بمضطر فِي ذَلِك لِأَن
الْإِكْرَاه إِنَّمَا يكون فِيمَا يتَوَجَّه إِلَى
الْإِنْسَان فِي خَاصَّة نَفسه لَا فِي غَيره، وَلَيْسَ
لَهُ أَن يدْفع بهَا معاصي غَيره، فَإِن فعل يَأْثَم،
وَعند الْجُمْهُور: لَا يَأْثَم. وَقَالَ الْكرْمَانِي:
يحْتَمل أَن يُقَال: إِنَّه لَيْسَ بمضطر لِأَنَّهُ
مُخَيّر فِي أُمُور مُتعَدِّدَة والتخيير يُنَافِي
الْإِكْرَاه. وَقَالَ بَعضهم. قَوْله: فِي أُمُور
مُتعَدِّدَة لَيْسَ كَذَلِك، بل الَّذِي يظْهر أَن: أَو،
فِيهِ للتنويع لَا للتَّخْيِير وَأَنَّهَا أَمْثِلَة
لأمثال وَاحِد. قلت: مَا الَّذِي يظْهر أَن: أَو، فِيهِ
للتنويع؟ بل هِيَ للتَّخْيِير لِأَنَّهَا وَقعت بعد
الطّلب. قَوْله: ثمَّ نَاقض الضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى
بعض النَّاس بَيَان التَّنَاقُض على زَعمه أَنهم قَالُوا
بِعَدَمِ الْإِكْرَاه فِي الصُّورَة الأولى، وَقَالُوا
بِهِ فِي الصُّورَة الثَّانِيَة من حَيْثُ الْقيَاس، ثمَّ
قَالُوا بِبُطْلَان البيع وَنَحْوه اسْتِحْسَانًا، فقد
ناقضوا إِذْ يلْزم القَوْل بِالْإِكْرَاهِ، وَقد قَالُوا
بِعَدَمِ الْإِكْرَاه. قلت: هَذِه المناقضة مَمْنُوعَة
لِأَن الْمُجْتَهد يجوز لَهُ أَن يُخَالف قِيَاس قَوْله
بالاستحسان، وَالِاسْتِحْسَان حجَّة عِنْد الْحَنَفِيَّة.
قَوْله: فرقوا بَين كل ذِي رحم محرم وَغَيره بِغَيْر كتاب
وَلَا سنة أَرَادَ بِهِ أَن مَذْهَب الْحَنَفِيَّة فِي ذِي
الرَّحِم بِخِلَاف مَذْهَبهم فِي الْأَجْنَبِيّ، فَلَو قيل
لرجل: لتقتلن هَذَا الرجل الْأَجْنَبِيّ أَو لتبيعن كَذَا،
فَفعل لينجيه من الْقَتْل لزمَه البيع، وَلَو قيل لَهُ
ذَلِك فِي ذِي رحم محرم لم يلْزمه مَا عقده. قلت: هَذَا
أَيْضا بطرِيق الِاسْتِحْسَان، وَهُوَ غير خَارج عَن
الْكتاب وَالسّنة. أما الْكتاب فَقَوله تَعَالَى:
{الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ
أَحْسَنَهُ أُوْلَائِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ
وَأُوْلَائِكَ هُمْ أُوْلُو الاَْلْبَابِ} وَأما السّنة
فَقَوله مَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حسنا فَهُوَ عِنْد الله
حسن وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَمَا ذكره البُخَارِيّ من
أَمْثَال هَذِه المباحث غير مُنَاسِب لوضع هَذَا الْكتاب
إِذْ هُوَ خَارج عَن فنه. قلت: أنكر عَلَيْهِ بَعضهم هَذَا
الْكَلَام، فَقَالَ: للْبُخَارِيّ أُسْوَة بالأئمة الَّذين
سلك طريقهم: كالشافعي وَأبي ثَوْر والْحميدِي وَأحمد
وَإِسْحَاق، فَهَذِهِ طريقتهم فِي الْبَحْث. انْتهى. قلت:
لم يسْلك أحد مِنْهُم فِيمَا جمعه من الحَدِيث خَاصَّة
هَذَا المسلك، وَإِنَّمَا ذكرُوا فِي مؤلفات مُشْتَمِلَة
على الْأُصُول وَالْفُرُوع، وَإِن ذكر أحد
(24/106)
مِنْهُم هَذِه المباحث فِي كتب الحَدِيث
خَاصَّة فَالْكَلَام عَلَيْهِ أَيْضا وَارِد على أَن أحدا
لَا يُنَازع أَن البُخَارِيّ لَا يُسَاوِي الشَّافِعِي فِي
الْفِقْه، وَلَا فِي الْبَحْث عَن مثل هَذِه المباحث.
وَقَالَ النبيُّ قَالَ إبْراهِيمُ لامْرَأتهِ: هاذِهِ
أُخْتِي وذالِكَ فِي الله.
هَذَا اسْتشْهد بِهِ البُخَارِيّ على عدم الْفرق بَين
الْقَرِيب وَالْأَجْنَبِيّ فِي هَذَا الْبَاب، وَبَيَان
ذَلِك أَن إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ السَّلَام، قَالَ
لامْرَأَته وَهِي سارة. وَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني:
هَذِه أُخْتِي، يَعْنِي فِي الْإِسْلَام، فَإِذا كَانَت
أُخْته فِي الْإِسْلَام وَجَبت عَلَيْهِ حمايتها
وَالدَّفْع عَنْهَا. قَوْله: وَذَلِكَ فِي الله من كَلَام
البُخَارِيّ، يَعْنِي: قَوْله: هَذِه أُخْتِي، لإِرَادَة
التَّخَلُّص فِيمَا بَينه وَبَين الله. قلت: فرقهم. بَين
الْقَرِيب وَالْأَجْنَبِيّ أَيْضا استسحان لِأَنَّهُ إِذا
وَجَبت حماية أَخِيه الْمُسلم فِي الدّين على مَا قَالُوا،
فحماية قَرِيبه أوجب.
وَقَالَ النَّخَعِيُّ: إِذا كانَ المُسْتَخلِفُ ظالِماً
فَنِيَّةُ الحالِفِ، وإنْ كَانَ مَظْلُوماً فَنِيَّةُ
المُسْتَحْلِفِ.
أَي: قَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: إِذا كَانَ المستحلف
ظَالِما فَالْمُعْتَبر نِيَّة الْحَالِف، وَإِن كَانَ
مَظْلُوما فَالْمُعْتَبر نِيَّة المستحلف. قيل: كَيفَ يكون
المستحلف مَظْلُوما. وَأجِيب: بِأَن الْمُدَّعِي المحق
إِذا لم تكن لَهُ نِيَّة ويستحلفه الْمُدعى عَلَيْهِ
فَهُوَ مظلوم، وَأثر إِبْرَاهِيم هَذَا وَصله مُحَمَّد بن
الْحسن فِي كتاب الْآثَار عَن أبي حنيفَة عَن حَمَّاد
عَنهُ بِلَفْظ: إِذا اسْتحْلف الرجل وَهُوَ مظلوم فاليمين
على مَا نوى وعَلى مَا روى، وَإِذا كَانَ ظَالِما فاليمين
على نِيَّة من استحلفه. وَقَالَ ابْن بطال: قَول
النَّخعِيّ يدل على أَن النِّيَّة عِنْده نِيَّة
الْمَظْلُوم أبدا، أَو إِلَى مثله ذهب مَالك
وَالْجُمْهُور، وَعند أبي حنيفَة: النِّيَّة نِيَّة
الْحَالِف أبدا، وَقَالَ غَيره: وَمذهب الشَّافِعِي أَن
الْحلف إِذا كَانَ عِنْد الْحَاكِم فالنية نِيَّة
الْحَاكِم. وَهِي رَاجِعَة إِلَى نِيَّة صَاحب الْحق،
وَإِن كَانَ فِي غير الْحَاكِم فالنية نِيَّة الْحَالِف.
6951 - حدّثنا يَحْيى بنُ بُكَيْرٍ، حَدثنَا اللَّيْثُ،
عنْ عُقَيْلٍ، عنِ ابنِ شِهابٍ أنَّ سالِماً أخبَرَهُ أنَّ
عَبْدَ الله بنَ عُمَرَ، رَضِي الله عَنْهُمَا، أخْبَرَهُ
أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
المُسْلَمُ أخُو المُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُه وَلَا
يُسْلِمُهُ، ومَنْ كانَ فِي حاجَةِ أخِيهِ كانَ الله فِي
حاجَتِهِ
انْظُر الحَدِيث 2442
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْمُسلم تجب عَلَيْهِ
حماية أَخِيه الْمُسلم.
والْحَدِيث قد مر فِي كتاب الْمَظَالِم بِعَين هَذَا
الْإِسْنَاد بأتم مِنْهُ.
قَوْله: وَلَا يُسلمهُ من الْإِسْلَام وَهُوَ الخذلان.
قَوْله: فِي حَاجته أَي: فِي قَضَاء حَاجته.
6952 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ عبْدِ الرَّحِيمِ، حدّثنا
سَعيدُ بنُ سُلَيْمانَ، حَدثنَا هُشَيْمٌ، أخبرنَا
عُبَيْدُ الله بنُ أبي بَكْره بنِ أنَسٍ عنْ أنَسٍ، رَضِي
الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ رسولُ الله انْصُرْ أخاكَ
ظالِماً أوْ مَظْلُوماً فَقَالَ رجُلٌ: يَا رسولَ الله
أنْصُرُهُ إذَا كانَ مَظْلُوماً؟ أفَرَأيْتَ إذَا كَانَ
ظالِماً كَيْفَ أنْصُرُهُ؟ قَالَ: تَحْجُزُه أوْ
تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمِ، فإنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ
انْظُر الحَدِيث 2443 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَمُحَمّد بن عبد
الرَّحِيم الْبَزَّاز بمعجمتين الملقب بصاعقة وَهُوَ من
طبقَة البُخَارِيّ فِي أَكثر شُيُوخه، وَسَعِيد بن
سُلَيْمَان الوَاسِطِيّ سكن بَغْدَاد وَهُوَ أَيْضا من
شُيُوخ البُخَارِيّ. وَقد روى عَنهُ بِغَيْر وَاسِطَة فِي
مَوَاضِع، وهشيم مصغر هشيم ابْن بشير مصغر بشر
الوَاسِطِيّ، وَعبيد الله بن أبي بكر بن أنس يروي عَن جده
أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث مر فِي كتاب الْمَظَالِم من حَدِيث عبيد الله
بن أبي بكر بن أنس وَحميد الطَّوِيل سمعا أنس بن مَالك
يَقُول: قَالَ رَسُول الله انصر أَخَاك ظَالِما أَو
مَظْلُوما انْتهى هَذَا الْمِقْدَار. وَأخرجه فِيهِ أَيْضا
عَن مُسَدّد عَن مُعْتَمر عَن حميد عَن أنس، قَالَ: قَالَ
رَسُول الله انصر أَخَاك ظَالِما أَو مَظْلُوما. قَالُوا:
يَا رَسُول الله هَذَا ننصره مَظْلُوما
(24/107)
فَكيف ننصره ظَالِما؟ قَالَ: تَأْخُذ فَوق يَده
قَوْله: أَفَرَأَيْت أَي: أَخْبرنِي وَالْفَاء عاطفة على
مُقَدّر بعد الْهمزَة، وَفِيه نَوْعَانِ من الْمجَاز أطلق
الرُّؤْيَة وَأَرَادَ، الْإِخْبَار، وَأطلق الِاسْتِفْهَام
وَأَرَادَ الْأَمر، والعلاقتان ظاهرتان، وَكَذَا
الْقَرِينَة. قَوْله إِذا كَانَ ظَالِما كَيفَ أنصره؟ أَي:
كَيفَ أنصره على ظلمه؟ قَوْله: تحجزه بِالْحَاء
الْمُهْملَة وَالْجِيم وَالزَّاي: تَمنعهُ، ويروى: تحجره
بالراء مَوضِع الزَّاي من الْحجر وَهُوَ الْمَنْع. قَوْله:
أَو تَمنعهُ شكّ من الرَّاوِي قَوْله: فَإِن ذَلِك أَي:
مَنعه عَن الظُّلم نَصره |