عمدة القاري شرح
صحيح البخاري (كتاب اسْتِتابَةِ المُرْتِّدينَ
والمُعانِدينَ وقِتالِهِمْ)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان اسْتِتَابَة الْمُرْتَدين أَي:
الجائرين عَن الْقَصْد الباغين الَّذين يردون الْحق مَعَ
الْعلم بِهِ، كَذَا فِي رِوَايَة الْفربرِي، وَسقط لفظ:
كتاب، فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي، وَفِي رِوَايَة
النَّسَفِيّ: كتاب الْمُرْتَدين، ثمَّ ذكر التَّسْمِيَة،
ثمَّ قَالَ: بَاب اسْتِتَابَة الْمُرْتَدين والمعاندين
وإثم من أشرك ... الخ. قَوْله: والمعاندين كَذَا فِي
رِوَايَة الْأَكْثَرين بالنُّون، وَفِي رِوَايَة
الْجِرْجَانِيّ بِالْهَاءِ، بدل النُّون.
(24/74)
1 - (بابُ إثْمِ مَنْ أشْرَكَ بِالله
وعُقُوبَتِهِ فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر إِثْم من أشرك بِاللَّه ... الخ،
وَفِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ، حذف لفظ: بَاب، وَقَوله:
إِثْم من أشرك بِاللَّه بعد قَوْله: وقتالهم.
قَالَ الله تَعَالَى: {وَإِذ قَالَ لُقْمَان لِابْنِهِ
وَهُوَ يعظه يابني لَا تشرك بِاللَّه إِن الشّرك لظلمٌ
عَظِيم} .
ذكر الْآيَة الأولى لِأَنَّهُ لَا إِثْم أعظم من الشّرك.
وأصل الظُّلم وضع الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه، فالمشرك أصل
من وضع الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه، لِأَنَّهُ جعل لمن
أخرجه من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود مُسَاوِيا، فنسب
النِّعْمَة إِلَى غير الْمُنعم بهَا. وَأما الْآيَة
الثَّانِيَة: فَإِنَّهُ خُوطِبَ بهَا النَّبِي وَلَكِن
المُرَاد غَيره. والإحباط الْمَذْكُور مُقَيّد بِالْمَوْتِ
على الشّرك لقَوْله تَعَالَى: {يَسْأَلُونَك عَن الشَّهْر
الْحَرَام قتال فِيهِ قل قتال فِيهِ كَبِير وصدعن سَبِيل
الله وَكفر بِهِ وَالْمَسْجِد الْحَرَام وَإِخْرَاج أَهله
مِنْهُ أكبر عِنْد الله والفتنة أكبر من الْقَتْل وَلَا
يزالون يقاتلونكم حَتَّى يردوكم عَن دينكُمْ إِن
اسْتَطَاعُوا وَمن يرتدد مِنْكُم عَن دينه فيمت وَهُوَ
كَافِر فأولائك حبطت أَعْمَالهم فِي الدُّنْيَا والأخرة
وَأُولَئِكَ أَصْحَاب النَّار هم فِيهَا خَالدُونَ} وَوَقع
فِي بعض النّسخ: {وَلَئِن أشركت ليحبطن عَمَلك} بِالْوَاو
فِيهِ لعطف هَذِه الْآيَة على الْآيَة الَّتِي قبلهَا
تَقْدِيره: وَقَالَ الله تَعَالَى: {لَئِن أشركت}
حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ، حدّثنا جَرِيرٌ عنِ
الأعْمَشِ، عنْ إبْرَاهِيمَ عَن عَلْقَمَةَ، عنْ عَبْدِ
الله، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هاذِهِ
الآيَةُ: {الَّذين ءامنوا وَلم بلبسوا إِيمَانهم بطلم
أُولَئِكَ لَهُم الْأَمْن وهم مهتدون} شَقَّ ذالِكَ عَلى
أصْحابِ النبيِّ وقالُوا: أيُّنا لَمْ يَلْبِسْ إيمانَهُ
بِظلْمٍ؟ فَقَالَ رَسُول الله إنَّهُ لَيْسَ بِذاكَ أَلا
تَسْمَعُونَ إِلَى قَوْلِ لُقْمانَ: {وَإِذ قَالَ لُقْمَان
لِابْنِهِ وَهُوَ يعظه يَبْنِي لَا تشرك بِاللَّه إِن
الشّرك لظلم للعبيد} .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَجَرِير بِفَتْح الْجِيم
هُوَ ابْن عبد الحميد الرَّازِيّ أَصله من الْكُوفَة.
وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان يروي عَن إِبْرَاهِيم
النَّخعِيّ عَن عَلْقَمَة بن قيس عَن عبد الله بن
مَسْعُود.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْإِيمَان فِي: بَاب ظلم دون
ظلم، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: إِنَّه لَيْسَ بِذَاكَ ويروى: بذلك، أَي: بالظلم
مُطلقًا، بل المُرَاد بِهِ ظلم عَظِيم يدل عَلَيْهِ
التَّنْوِين وَهُوَ الشّرك. فَإِن قلت: كَيفَ يجْتَمع
الْإِيمَان والشرك؟ . قلت: كَمَا اجْتمع فِي الَّذين
قَالُوا: هَؤُلَاءِ الْآلهَة شفعاؤنا عِنْد الله الْكَبِير
وآمنوا بِاللَّه وأشركوا بِهِ.
6919 - حدّثنا مُسَدَّدٌ، حدّثنا بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ،
حدّثنا الجُرَيْرِيُّ، وحدّثني قَيْسُ بنُ حَفْصٍ، حدّثنا
إسْماعِيلُ بنُ إبْراهِيم، أخبرنَا سَعِيدٌ الجُرَيْرِيُّ،
حدّثنا عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ أبي بَكْرَةَ، عنْ أبِيهِ
رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: أكْبَرُ الكَبائِرِ الإشْراكُ بِالله، وعُقُوقُ
الوَالِدَيْنِ، وشَهادَةُ الزُّوررِ وشَهادَةُ الزُّورِ
ثَلاَثاً أوْ قَوْلُ الزُّورِ فَما زَالَ يُكَرِّرُها
حتَّى قُلْنا: لَيْتَهُ سَكَتَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: الْإِشْرَاك بِاللَّه.
والجريري، بِضَم الْجِيم وَفتح الرَّاء مصغر الْجَرّ
نِسْبَة إِلَى جرير بن عباد بِضَم الْعين وَتَخْفِيف
الْبَاء الْمُوَحدَة واسْمه سعيد بن إِيَاس الْبَصْرِيّ،
وَإِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم هُوَ إِسْمَاعِيل بن علية،
وَأَبُو بكرَة نفيع بن الْحَارِث الثَّقَفِيّ نزل
الْبَصْرَة ثمَّ تحول إِلَى الْكُوفَة.
والْحَدِيث قد مضى فِي الشَّهَادَات وَفِي كتاب الْأَدَب
فِي عقوق الْوَالِدين، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: أَو قَول الزُّور شكّ من الرَّاوِي. قَوْله: ليته
سكت قيل: تمنوا سُكُوته وَكَلَامه لَا يمل مِنْهُ،
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام؟ . وَأجِيب: بِأَنَّهُم
أَرَادوا استراحته وَمَا ورد من قَوْله الْقَتْل من أكبر
الْكَبَائِر وَكَذَا الزِّنَا وَنَحْوه، فوارد فِي كل
مَكَان بِمُقْتَضى الْمقَام وَمَا يُنَاسب حَال
الْحَاضِرين لذَلِك الْمقَام.
(24/75)
6920 - حدّثني مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ
بنِ إبْرَاهِيمَ، أخبرنَا عُبَيْدُ الله بنُ مُوساى،
أخبرنَا شَيْبانُ، عنْ فِراسٍ، عنِ الشَّعْبِيِّ، عَن
عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍ و، رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ:
جَاءَ أعْرَابِيٌّ إِلَى النبيِّ فَقَالَ: يَا رسولَ الله
مَا الكَبائِرُ؟ قَالَ: الإشْرَاكُ بِالله قَالَ: ثُمَّ
مَاذَا؟ قَالَ: ثُمَّ عُقُوقُ الوَالِدَيْنِ قَالَ: ثُمَّ
مَاذَا؟ قَالَ: اليَمِينُ الغَمُوسُ قُلْت: وَمَا
اليَمِينُ الغَمُوسِ؟ قَالَ: الّذِي يَقْتَطِعُ مالَ
امْرىءٍ مُسْلِمٍ هُوَ فِيها كاذِبٌ
انْظُر الحَدِيث 6675 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: الْإِشْرَاك بِاللَّه
وَعبيد الله هُوَ ابْن مُوسَى الْعَبْسِي الْكُوفِي،
وَهُوَ أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ، روى عَنهُ فِي
الْإِيمَان بِلَا وَاسِطَة، وشيبان هُوَ ابْن عبد
الرَّحْمَن النَّحْوِيّ، وفراس بِكَسْر الْفَاء وَتَخْفِيف
الرَّاء وبالسين الْمُهْملَة ابْن يحيى الْمكتب،
وَالشعْبِيّ هُوَ عَامر بن شرَاحِيل، وَعبد الله بن عَمْرو
بن الْعَاصِ.
والْحَدِيث مضى فِي النذور عَن مُحَمَّد بن مقَاتل وَفِي
الدِّيات عَن ابْن بشار عَن غنْدر، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: الْإِشْرَاك بِاللَّه قيل: هُوَ مُفْرد كَيفَ طابق
السُّؤَال بِلَفْظ الْجمع؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ لما قَالَ:
ثمَّ مَاذَا علم أَنه سَائل عَن أَكثر من الْوَاحِد،
وَقيل: فِيهِ مُضَاف مُقَدّر تَقْدِيره: مَا أكبر
الْكَبَائِر؟ قيل: قد تقدم فِي أول كتاب الدِّيات قَرِيبا
أَنه قَالَ: ثمَّ أَن تقتل ولدك خشيَة أَن يطعم مَعَك.
وَأجِيب: لَعَلَّ حَال ذَلِك السَّائِل يَقْتَضِي تَغْلِيظ
أَمر الْقَتْل والزجر عَنهُ، وَحَال هَذَا تَغْلِيظ أَمر
العقوق. قَوْله: الْغمُوس أَي: يغمس صَاحبهَا فِي الْإِثْم
أَو النَّار. قَوْله: يقتطع أَي: يَأْخُذ قِطْعَة من مَاله
لنَفسِهِ، وَهُوَ على سَبِيل الْمِثَال، وَأما حَقِيقَتهَا
فَهِيَ الْيَمين الكاذبة الَّتِي يتعمدها صَاحبهَا عَالما
أَن الْأَمر بِخِلَافِهِ. قَوْله: قلت: قَالَ
الْكرْمَانِي: إِمَّا لعبد الله وَإِمَّا لبَعض الروَاة
عَنهُ.
6921 - حدّثنا خَلّادُ بنُ يَحْياى، حَدثنَا سُفْيَانُ،
عنْ مَنْصُورٍ والأعْمَشِ، عنْ أبي وائِلٍ عنِ ابنِ
مَسْعُودٍ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ رجُلٌ: يَا
رسولَ الله أنُؤَاخَذُ بِما عَمِلْنا فِي الْجَاهِلِيَّة؟
قَالَ: مَنْ أحْسَنَ فِي الإسْلاَمِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِما
عَمِلَ فِي الجاهِليّةِ، ومَنْ أساءَ فِي الإسْلاَمِ
أُخِذَ بالأوَّلِ والآخِرِ
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: وَمن أَسَاءَ فِي
الْإِسْلَام أَخذ بِالْأولِ وَالْآخر لِأَن مِنْهُم من
قَالَ: المُرَاد بالإساءة فِي الْإِسْلَام الارتداد من
الدّين، فَيدْخل فِي قَوْله: فِي إِثْم من أشرك بِاللَّه.
وخلاد بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد اللَّام
ابْن يحيى بن صَفْوَان أَبُو مُحَمَّد السّلمِيّ الْكُوفِي
سكن مَكَّة، وسُفْيَان الثَّوْريّ، وَمَنْصُور هُوَ ابْن
الْمُعْتَمِر، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وَأَبُو وَائِل
شَقِيق بن سَلمَة.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن عُثْمَان عَن
جرير.
قَوْله: أؤاخذ؟ الْهمزَة فِيهِ للاستفهام. ونؤاخذ على
صِيغَة الْمَجْهُول من الْمُؤَاخَذَة، يُقَال: فلَان أَخذ
بِذَنبِهِ أَي: حبس وجوزي عَلَيْهِ وعوقب بِهِ. قَوْله: من
أحسن فِي الْإِسْلَام الْإِحْسَان فِي الْإِسْلَام
الِاسْتِمْرَار على دينه وَترك الْمعاصِي. قَوْله: وَمن
أَسَاءَ الْإِسَاءَة فِي الْإِسْلَام الارتداد عَن دينه.
قَوْله: أَخذ بِالْأولِ أَي: بِمَا عمل فِي الْكفْر.
قَوْله: وَالْآخر أَي: بِمَا عمل فِي الْإِسْلَام. وَقَالَ
الْخطابِيّ: ظَاهره خلاف مَا أجمع عَلَيْهِ الْأمة من أَن
الْإِسْلَام يجب مَا قبله. وَقَالَ تَعَالَى: {قل للَّذين
كفرُوا إِن ينْتَهوا يغْفر لَهُم مَا قد سلف وَإِن يعودوا
فقد نضت سنت الْأَوَّلين}
وتأويله: أَن يعير بِمَا كَانَ مِنْهُ فِي الْكفْر ويبكت
بِهِ، كَأَنَّهُ يُقَال لَهُ: أَلَيْسَ قد فعلت كَذَا
وَكَذَا وَأَنت كَافِر؟ فَهَلا مَنعك إسلامك من معاودة
مثله إِذا أسلمت، ثمَّ يُعَاقب على الْمعْصِيَة الَّتِي
اكتسبها أَي: فِي الْإِسْلَام. وَقَالَ الْكرْمَانِي:
يحْتَمل أَن يكون معنى أَسَاءَ فِي الْإِسْلَام ألاَّ يكون
صَحِيح الْإِسْلَام، أَو لَا يكون إيمَانه خَالِصا بِأَن
يكون منافقاً وَنَحْوه.
2 - (بَاب حُكْمِ المرْتَدِّ والمُرْتَدَّةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الرجل الْمُرْتَد، وَحكم
الْمَرْأَة الْمُرْتَدَّة: هَل حكمهمَا سَوَاء أم لَا.
(24/76)
وَقَالَ ابنُ عُمَرَ والزُّهْرِيُّ
وإبْرَاهِيمُ: تُقْتَلُ المُرْتَدَّةُ.
أَي: قَالَ عبد الله بن عمر وَمُحَمّد بن مُسلم
الزُّهْرِيّ وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: تقتل الْمَرْأَة
الْمُرْتَدَّة، فعلى هَذَا لَا فرق بَين الْمُرْتَد
والمرتدة بل حكمهمَا سَوَاء. وَأثر ابْن عمر أخرجه ابْن
أبي شيبَة عَن وَكِيع عَن سُفْيَان عَن عبد الْكَرِيم
عَمَّن سمع ابْن عمر، وَقَالَ صَاحب التَّلْوِيح ينظر فِي
جزم البُخَارِيّ بِهِ على قَول من قَالَ: المجزوم صَحِيح.
وَأثر الزُّهْرِيّ وَصله عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن
الزُّهْرِيّ فِي الْمَرْأَة تكفر بعد إسْلَامهَا قَالَ:
تستتاب فَإِن تابت وإلّا قتلت. وَأثر إِبْرَاهِيم أخرجه
عبد الرَّزَّاق أَيْضا عَن معمر عَن سعيد بن أبي عرُوبَة
عَن أبي معشر عَن إِبْرَاهِيم مثله. وَاخْتلف النقلَة عَن
إِبْرَاهِيم. فَإِن قلت: أخرج ابْن أبي شيبَة عَن حَفْص
عَن عُبَيْدَة عَن إِبْرَاهِيم: لَا تقتل. قلت: عُبَيْدَة
ضَعِيف فَالْأول أولى، وروى أَبُو حنيفَة، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، عَن عَاصِم عَن أبي ذَر عَن ابْن عَبَّاس:
لَا تقتل النِّسَاء إِذا هن ارتددن.
واسْتِتابَتِهمْ.
كَذَا ذكره بعد ذكر الْآثَار الْمَذْكُورَة، وَفِي
رِوَايَة أبي ذَر ذكره قبلهَا، وَفِي رِوَايَة
الْقَابِسِيّ: واستتابتهما بالتثنية على الأَصْل لِأَن
الْمَذْكُور اثْنَان: الْمُرْتَد والمرتدة، وَأما وَجه
الذّكر بِالْجمعِ فَقَالَ بَعضهم جمع على إِرَادَة
الْجِنْس. قلت: هَذَا لَيْسَ بِشَيْء، بل هُوَ على من يرى
إِطْلَاق الْجمع على التَّثْنِيَة كَمَا فِي قَوْله
تَعَالَى: {إِن تَتُوبَا إِلَى الله فقد صغت قُلُوبكُمَا
وَإِن تظاهرا عَلَيْهِ فَإِن الله هُوَ مَوْلَاهُ وجيريل
وَصَالح الْمُؤمنِينَ والملاكة بعد ذَلِك طهير} وَالْمرَاد
قلباكما.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ
إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ
تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَائِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ إِنَّ
الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن
يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الاَْرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ
افْتَدَى بِهِ أُوْلَائِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا
لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى
تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَىْءٍ
فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ
حِلاًّ لِّبَنِى إِسْرَاءِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ
إِسْرَاءِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ
التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا
إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ
الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَائِكَ هُمُ
الظَّالِمُونَ قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ
إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ
مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ}
آل عمرَان: 86 90
هَذِه خمس آيَات مُتَوَالِيَات من سُورَة آل عمرَان فِي
رِوَايَة أبي ذَر. قَالَ الله تَعَالَى:
إِلَى آخرهَا وَفِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ بعد قَوْله: حق
إِلَى قَوْله: {إِن تقبل تَوْبَته وؤولئك هم
الظَّالِمُونَ} وسَاق فِي رِوَايَة كَرِيمَة والأصيلي مَا
حذف من الْآيَة لأبي ذَر. وَقَالَ ابْن جرير بِإِسْنَادِهِ
إِلَى عِكْرِمَة: عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ رجل من
الْأَنْصَار أسلم ثمَّ ارْتَدَّ وأخفى الشّرك ثمَّ نَدم،
فَأرْسل إِلَى قومه: أرْسلُوا إِلَى رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم هَل لي من تَوْبَة؟ قَالَ: فَنزلت إِلَى
قَوْله: {غَفُور رَحِيم} فَأرْسل إِلَيْهِ قومه فَأسلم،
وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْن حبَان وَالْحَاكِم
من طَرِيق دَاوُد بن أبي هِنْد بِهِ، وَقَالَ الْحَاكِم:
صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. قَوْله: {وجاءهم
الْبَينَات} أَي: قَامَت عَلَيْهِم الْحجَج والبراهين على
مَا جَاءَهُم بِهِ الرَّسُول ووضح لَهُم الْأَمر ثمَّ
ارْتَدُّوا إِلَى ظلمَة الشّرك، فَكيف يسْتَحق هَؤُلَاءِ
الْهِدَايَة بعد مَا تلبسوا بِهِ من العماية؟ وَلِهَذَا
قَالَ: {وَالله لَا يهدي الْقَوْم الظَّالِمين} قَوْله:
{خَالِدين فِيهَا} أَي: فِي اللَّعْنَة. قَوْله: {إِلَّا
الَّذين تَابُوا} الْآيَة هَذَا من لطفه وَرَحمته ورأفته
على خلقه أَنه من تَابَ إِلَيْهِ تَابَ عَلَيْهِ. قَوْله:
{إِن الَّذين كفرُوا} الْآيَة توعد من الله وتهدد لمن كفر
بعد إيمَانه. قَوْله: {ثمَّ ازدادوا كفرُوا} يَعْنِي:
استمروا عَلَيْهِ إِلَى الْمَمَات لَا تقبل لَهُم تَوْبَة
عِنْد مماتهم. قَوْله: {وَأُولَئِكَ هم الظَّالِمُونَ} :
الخارجون عَن مَنْهَج الْحق إِلَى طَرِيق الغي.
وَقَالَ: {يااأيها الَّذين ءامنوا إِن تطيعوا فريقاً من
الَّذين أُوتُوا الْكتاب يردوكم بعد إيمَانكُمْ كَافِرين}
هَذِه الْآيَة فِي سُورَة آل عمرَان أَيْضا، يحذر الله
تَعَالَى عباده الْمُؤمنِينَ عَن أَن يطيعوا فريقاً، أَي:
طَائِفَة من الَّذين أُوتُوا
(24/77)
الْكتاب الَّذين يحسدون الْمُؤمنِينَ على
مَا آتَاهُم الله من فَضله وَمَا منحهم بِهِ من إرْسَال
رَسُوله، وَقَالَ عِكْرِمَة: هَذِه الْآيَة نزلت فِي شماس
بن قيس الْيَهُودِيّ، دس على الْأَنْصَار من ذكرهم بالحروب
الَّتِي كَانَت بَينهم فكادوا يقتتلون، فَأَتَاهُم
النَّبِي فَذكرهمْ فعرفوا أَنَّهَا من الشَّيْطَان، فتعانق
بَعضهم بَعْضًا ثمَّ انصرفوا سَامِعين مُطِيعِينَ، فَنزلت.
وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس مَوْصُولا.
وَقَالَ: الَّذين ءامنوا ثمَّ كفرُوا ثمَّ ءامنوا ثمَّ
كفرُوا ثمَّ ازدادوا كفرالم يكن الله ليغفر لَهُم وَلَا
ليهديهم سَبِيلا.
هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة فِي سُورَة النِّسَاء، وسيقت
هَذِه الْآيَة كلهَا فِي رِوَايَة كَرِيمَة، وَفِي
رِوَايَة أبي ذَر هَكَذَا: {إِن الَّذين آمنُوا ثمَّ
كفرُوا} إِلَى سَبِيلا وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ {ثمَّ
كفرُوا ثمَّ آمنُوا ثمَّ كفرُوا ثمَّ ازدادوا} الْآيَة
أخبر الله تَعَالَى عَمَّن دخل فِي الْإِيمَان ثمَّ رَجَعَ
وَاسْتمرّ على ضلالته وازداد حَتَّى مَاتَ بِأَنَّهُ لَا
يغْفر الله لَهُ وَلَا يَجْعَل لَهُ مِمَّا هُوَ فِيهِ
فرجا وَلَا مخرجا وَلَا طَرِيقا إِلَى الْهدى، وَلِهَذَا
قَالَ: {لم يكن الله ليغفر لَهُم} وروى ابْن أبي حَاتِم من
طَرِيق جَابر الْمُعَلَّى عَن عَامر الشّعبِيّ عَن عَليّ،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه قَالَ: يُسْتَتَاب
الْمُرْتَد ثَلَاثًا، ثمَّ تلى هَذِه الْآيَة: {إِن
الَّذين آمنُوا} الْآيَة.
وَقَالَ: {ياأيها الَّذين ءامنوا من يرْتَد مِنْكُم عَن
دينه فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ
أَذِلَّة على الْمُؤمنِينَ أعزة على الْكَافرين يجاهدون
فِي سَبِيل الله وَلَا يخَافُونَ لومة لائم ذَلِك فضل الله
يؤتيه لمن يَشَاء وَالله وَاسع عليم}
هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة فِي الْمَائِدَة سَاقهَا
بِتَمَامِهَا فِي رِوَايَة كَرِيمَة وأولها: {يَا أَيهَا
الَّذين آمنُوا من يرْتَد} الْآيَة وَوَقع فِي رِوَايَة
أبي ذَر: من يرتدد، بفك الْإِدْغَام وَهِي قِرَاءَة ابْن
عَامر وَنَافِع، وَيُقَال: إِن الْإِدْغَام لُغَة تَمِيم
والإظهار لُغَة الْحجاز. وَقَالَ مُحَمَّد بن كَعْب
الْقرظِيّ: نزلت فِي الْوُلَاة من قُرَيْش، وَقَالَ الْحسن
الْبَصْرِيّ: نزلت فِي أهل الرِّدَّة أَيَّام أبي بكر
الصّديق. قَوْله: {بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} قَالَ
الْحسن: هُوَ وَالله أَبُو بكر وَأَصْحَابه رَوَاهُ ابْن
أبي حَاتِم. وَقَالَ أَبُو بكر بن أبي شيبَة: سَمِعت أَبَا
بكر بن عَيَّاش يَقُول: هم أهل الْقَادِسِيَّة، وَعَن
مُجَاهِد: هم قوم من سبأ، وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم
بِإِسْنَادِهِ إِلَى ابْن عَبَّاس قَالَ: نَاس من أهل
الْيمن ثمَّ من كِنْدَة ثمَّ من السّكُون. قَوْله:
{أَذِلَّة} جمع ذليل وَضمن الذل معنى الحنو والعطف
فَلذَلِك قيل: {أَذِلَّة على الْمُؤمنِينَ} كَأَنَّهُ قيل:
عاطفين عَلَيْهِم على وَجه التذلل والتواضع، وقرىء:
أَذِلَّة وأعزة، بِالنّصب على الْحَال.
وقالَ: {من كفر بِاللَّه بعد إيمَانه إِلَّا من أكره
وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان وَلَكِن من شرح بالْكفْر صَدرا
فَعَلَيْهِم غضب من الله وَلَهُم عَذَاب عَظِيم}
هَذِه الْآيَات كلهَا فِي سُورَة النَّحْل مُتَوَالِيَة
سيقت كلهَا فِي رِوَايَة كَرِيمَة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر
{من شرح بالْكفْر} إِلَى قَوْله: {وَلَكِن من شرح بالْكفْر
صَدرا} أَي: طَابَ بِهِ نفسا فاعتقده. قَوْله: {ذَلِك}
إِشَارَة إِلَى الْوَعيد وَأَن العضب وَالْعَذَاب يلحقانهم
بِسَبَب استحبابهم الدُّنْيَا على الْآخِرَة. قَوْله:
{وَأُولَئِكَ هم الغافلون} الكاملون فِي الْغَفْلَة
الَّذين لَا أحد أغفل مِنْهُم. قَوْله: {لَا جرم} بِمَعْنى
حَقًا. وجرم فعل عِنْد الْبَصرِيين وَاسم عِنْد
الْكُوفِيّين بِمَعْنى حقّاً، وَتدْخل اللَّام فِي جَوَابه
نَحْو: لَا جرم لآتينك، وَقَالَ تَعَالَى: {ويجعلون لله
مَا يكْرهُونَ وتصف ألسنتهم الْكَذِب أَن لَهُم الْحسنى
لَا جرم أَن لَهُم النَّار وَأَنَّهُمْ مفرطون} فعلى قَول
الْبَصرِيين: لَا رد لقَوْل الْكفَّار، وجرم مَعْنَاهُ
عِنْدهم: كسب، أَي كسب كفرهم النَّار لَهُم.
(24/78)
{يَا أَيهَا النَّاس اعبدوا ربكُم الَّذِي
خَلقكُم والذينمن قبلكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} .
هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة فِي سُورَة الْبَقَرَة سبق
كلهَا هَكَذَا فِي رِوَايَة كَرِيمَة، وَفِي رِوَايَة أبي
ذَر: {وَلَا يزالزن يقاتلونكم حَتَّى يردوكم عَن دينكُمْ
إِن اسْتَطَاعُوا} إِلَى قَوْله: {وَأُولَئِكَ هم أَصْحَاب
النَّار هم فِيهَا خَالدُونَ} قَوْله: {حَتَّى يردوكم}
يَعْنِي: مُشْركي مَكَّة. قَوْله: يَعْنِي: حَتَّى
يصرفوكم. قَوْله: مجزوم لِأَنَّهُ مَعْطُوف على مَا قبله،
وَلَو كَانَ جَوَابا لَكَانَ مَنْصُوبًا. قَوْله: أَي:
بطلت أَعْمَالهم أَي حسناتهم. وَفِي هَذِه الْآيَة
تَقْيِيد مُطلق مَا فِي قَوْله: الْآيَة أَي: شَرط حَبط
الْأَعْمَال عِنْد الارتداد أَن يَمُوت وَهُوَ كَافِر.
6922 - حدّثنا أبُو النُّعْمان مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ،
حدّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عنْ أيُّوبَ، عنْ عِكْرِمَةَ
قَالَ: أُتِيَ عَلِيُّ، رَضِي الله عَنهُ، بِزَنادِقَةٍ
فأحْرَقَهُمْ، فَبَلَغَ ذالِكَ ابنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ:
لَوْ كُنْتُ أَنا لَمْ أُحْرِقْهُمْ لِنَهْيِ رسولِ الله
لَا تُعَذِّبُوا بِعَذابِ الله ولَقَتَلْتُهُمْ لِقَوْلِ
رسولِ الله مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فاقْتُلُوهُ.
انْظُر الحَدِيث 3017
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: من بدل دينه
فَاقْتُلُوهُ وَالَّذِي يُبدل دينه هُوَ الْمُرْتَد.
وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَعِكْرِمَة مولى عبد الله
بن عَبَّاس.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد عَن عَليّ بن عبد الله، وَمر
الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: أُتِي على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: بزنادقة
جمع زنديق بِكَسْر الزَّاي فَارسي مُعرب، وَقَالَ
سِيبَوَيْهٍ: الْهَاء فِي زنادقة بدل من يَاء زنديق. وَقد
تزندق وَالِاسْم الزندقة، وَاخْتلف فِي تَفْسِيره فَقيل:
هُوَ المبطن للكفر الْمظهر لِلْإِسْلَامِ كالمنافق، وَقيل:
قوم من الثنوية الْقَائِلين بالخالقين، وَقيل: من لَا دين
لَهُ، وَقيل: هُوَ من تبع كتاب زردشت الْمُسَمّى بالزند،
وَقيل: هم طَائِفَة من الروافض تدعى السبائية، ادعوا أَن
عليّاً، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إلاه وَكَانَ رئيسهم
عبد الله بن سبأ. بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف
الْبَاء الْمُوَحدَة وَكَانَ أَصله يَهُودِيّا. قَوْله:
فأحرقهم قد مضى فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بَاب لَا يعذب
بِعَذَاب الله، من طَرِيق سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن
أَيُّوب بِهَذَا السَّنَد: أَن عليّاً، رَضِي الله عَنهُ،
حرق قوما، وروى الْحميدِي عَن سُفْيَان بِلَفْظ: حرق
الْمُرْتَدين، وروى ابْن أبي شيبَة: كَانَ أنَاس يعْبدُونَ
الْأَصْنَام فِي السِّرّ، وروى الطَّبَرَانِيّ فِي
الْأَوْسَط من طَرِيق سُوَيْد بن غَفلَة: أَن عليا، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، بلغه أَن قوما ارْتَدُّوا عَن
الْإِسْلَام فَبعث إِلَيْهِم فأطعمهم ثمَّ دعاهم إِلَى
الْإِسْلَام فَأَبَوا فَحَفَرُوا حفيرة ثمَّ أَتَى بهم
فَضرب أَعْنَاقهم وَرَمَاهُمْ فِيهَا ثمَّ ألْقى عَلَيْهِم
الْحَطب فأحرقهم ثمَّ قَالَ: صدق الله، وَرَسُوله، وروى
الْإِسْمَاعِيلِيّ حَدِيث عِكْرِمَة، وَلَفظه: أَن عليّاً
أُتِي بِقوم قد ارْتَدُّوا عَن الْإِسْلَام، أَو قَالَ:
بزنادقة وَمَعَهُمْ كتب لَهُم، فَأمر بِنَار فانضجت
وَرَمَاهُمْ فِيهَا، وَرُوِيَ عَن قَتَادَة أَن عليّاً
أُتِي بناس من الزط يعْبدُونَ وثناً فأحرقهم، فَقَالَ ابْن
عَبَّاس ... الحَدِيث. قَوْله: فَبلغ ذَلِك ابْن عَبَّاس
أَي: بلغ مَا فعله عَليّ من الإحراق بالنَّار، وَكَانَ
ابْن عَبَّاس حينئذٍ أَمِيرا على الْبَصْرَة من قبل عَليّ،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: لنهي رَسُول الله لَا
تعذبوا بِعَذَاب الله أَي: لنَهْيه عَن الْقَتْل بالنَّار.
بقوله: لَا تعذبوا وَهَذَا يحْتَمل أَن يكون ابْن عَبَّاس
قد سَمعه من النَّبِي وَيحْتَمل أَن يكون قد سَمعه من بعض
الصَّحَابَة. وَاخْتلف فِي الزنديق: هَل يُسْتَتَاب؟
فَقَالَ مَالك وَاللَّيْث وَأحمد وَإِسْحَاق: يقتل وَلَا
تقبل تَوْبَته. وَقَول أَبُو حنيفَة وَأبي يُوسُف مُخْتَلف
فِيهِ، فَمرَّة قَالَا: بالاستتابة، وَمرَّة قَالَا: لَا.
قلت: رُوِيَ عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ: إِن أتيت بزنديق
أستتيبه، فَإِن تَابَ وإلاَّ قتلته. وَقَالَ الشَّافِعِي:
يُسْتَتَاب كالمرتد، وَهُوَ قَول عبد الله بن الْحسن،
وَذكر ابْن الْمُنْذر عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ. مثله، وَقيل لمَالِك: لم تقتله، وَرَسُول الله لم
يقتل الْمُنَافِقين وَقد عرفهم
(24/79)
فَقَالَ: لِأَن تَوْبَته لَا تعرف. وَقَالَ
ابْن الطلاع فِي أَحْكَامه لم يَقع فِي شَيْء من المصنفات
الْمَشْهُورَة أَنه قتل مُرْتَدا وَلَا زنديقاً، وَقتل
الصّديق امْرَأَة يُقَال لَهَا: أم قرفة ارْتَدَّت بعد
إسْلَامهَا.
حدّثنا مُسَدَّدٌ، حدّثنا يَحْياى، عنْ قُرَّةَ بنِ خالِدٍ
قَالَ: حدّثني حُمَيْدُ بنُ هلالٍ، حدّثنا أَبُو بُرْدَةَ
عنْ أبي مُوساى قَالَ: أقْبَلْتُ إِلَى النَّبيِّ ومَعِي
رَجُلانِ مِنَ الأشْعَرِيِّينَ أحَدُهُما عنْ يَمِينِي
والآخرُ عنْ يَسارِي، ورسولُ الله يَسْتاكُ فَكِلاهُما
سَأل، فَقَالَ: يَا أَبَا مُوساى أوْ: يَا عَبْدَ الله بنَ
قَيْسٍ قَالَ: قُلْتُ: والّذِي بَعَثَكَ بالحَقِّ مَا
أطْلعانِي عَلى مَا فِي أنْفُسِهِما وَمَا شَعَرْتُ
أنَّهُما يَطْلُبان العَمَل، فَكأنِّي أنْظُرُ إِلَى
سِواكِه تَحْتَ شَفَتِهِ قَلَصَتْ، فَقَالَ: لَنْ أوْ لَا
نَسْتَعْمِلُ عَلى عَمَلِنا مِنْ أرَادَهُ، ولَكِنِ
اذْهَبْ أنْتَ يَا أَبَا مُوساى، أوْ: يَا عَبْدَ الله بنَ
قَيْسٍ إِلَى اليَمَنِ ثُمَّ اتْبَعَهُ مُعاذَ بنُ جَبَلٍ
فَلمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ ألْقَى لهُ وِسادَةً، قَالَ:
انْزِلْ، وإذَا رجُلٌ عِنْدَهُ مُوثَقٌ. قَالَ: مَا هاذا؟
قَالَ: كانَ يَهُودِيّاً فأسْلَمَ، ثُمَّ تَهَوَّدَ،
قَالَ: اجْلِسْ. قَالَ: لَا أجْلِسُ حتَّى يُقْتَلَ،
قَضاءُ الله ورسُولِه، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فأمَرَ بِهِ
فَقُتِلَ، ثُمَّ تَذَاكَرَا قِيامَ اللَّيْلِ فَقَالَ
أحَدُهُما: أمَّا أَنا فأقُومُ وأنامُ وأرْجُو فِي
نَوْمَتي مَا أرْجُو فِي قَوْمَتي.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: فَأمر بِهِ فَقتل
وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وقرة، بِضَم الْقَاف
وَتَشْديد الرَّاء، ابْن خَالِد السدُوسِي، وَأَبُو بردة
بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة اسْمه: عَامر، وَقيل:
الْحَارِث، وَاسم أبي مُوسَى: عبد الله بن قيس
الْأَشْعَرِيّ.
والْحَدِيث مضى مُخْتَصرا وَمُطَولًا فِي الْإِجَارَة،
وَسَيَجِيءُ فِي الْأَحْكَام، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: وَمَعِي رجلَانِ لم يدر اسمهما، وَفِي مُسلم
رجلَانِ من بني عمي، وَكِلَاهُمَا أَي: كلا الرجلَيْن
الْمَذْكُورين سَأَلَ، كَذَا بِحَذْف المسؤول، وَبَينه
أَحْمد فِي رِوَايَته: سَأَلَ الْعَمَل، يَعْنِي:
الْولَايَة. قَوْله: أَو: يَا عبد الله بن قيس شكّ من
الرَّاوِي بِأَيِّهِمَا خاطبه، قَوْله: قلصت أَي: انزوت،
وَيُقَال: قاص، أَي: ارْتَفع. قَوْله: فَقَالَ: لن أَو لَا
شكّ من الرَّاوِي أَي: لن نستعمل على عَملنَا من
أَرَادَهُ، أَو: لَا نستعمل من أَرَادَهُ، أَي: من أَرَادَ
الْعَمَل، وَفِي رِوَايَة أبي العميس: من سَأَلنَا،
بِفَتْح اللَّام. قَوْله: أَو يَا عبد الله شكّ من
الرَّاوِي. قَوْله: ثمَّ اتبعهُ بِسُكُون التَّاء
الْمُثَنَّاة من فَوق. قَوْله: معَاذ بن جبل بِالنّصب أَي:
ثمَّ اتبع رَسُول الله أَبَا مُوسَى معَاذ بن جبل، أَي:
بَعثه بعده، ويروى: ثمَّ أتبعه بتَشْديد التَّاء، فعلى
هَذَا يكون معَاذ مَرْفُوعا على الفاعلية. وَتقدم فِي
الْمَغَازِي بِلَفْظ: بعث النَّبِي أَبَا مُوسَى وَمعَاذًا
إِلَى الْيمن، فَقَالَ: يسرا وَلَا تعسرا، وَيحمل على أَنه
أضَاف معَاذًا إِلَى أبي مُوسَى بعد سبق ولَايَته، لَكِن
قبل توجهه وصاه. قَوْله: فَلَمَّا قدم عَلَيْهِ مضى فِي
الْمَغَازِي: أَن كلاًّ مِنْهُمَا كَانَ على عمل مُسْتَقل،
وَأَن كلاًّ مِنْهُمَا إِذا سَار فِي أرضه فَقرب من صَاحبه
أحدث بِهِ عهدا، وَفِي رِوَايَة أُخْرَى هُنَاكَ: فَجعلَا
يتزاوران، فزار معَاذ أَبَا مُوسَى. قَوْله: ألْقى لَهُ
وسَادَة بِكَسْر الْوَاو وَهِي المخدة وَقَالَ بَعضهم:
وَمعنى ألْقى وسَادَة فرشها لَهُ. قلت: هَذَا غير صَحِيح،
والوسادة لَا تفرش وَإِنَّمَا الْمَعْنى: وضع الوسادة
تَحْتَهُ ليجلس عَلَيْهَا، وَكَانَت عَادَتهم وضع الوسادة
تَحت من أَرَادوا إكرامه مُبَالغَة فِيهِ. قَوْله: انْزِلْ
أَي: فاجلس على الوسادة. قَوْله: فَإِذا رجل كلمة: إِذا،
للمفاجأة. قَوْله: موثق أَي: مربوط بِقَيْد، وَفِي
رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ: فَإِذا عِنْده رجل موثق بالحديد،
فَقَالَ: يَا أخي أبعثت تعذب النَّاس؟ إِنَّمَا بعثنَا
نعلمهُمْ دينهم ونأمرهم بِمَا يَنْفَعهُمْ، فَقَالَ:
إِنَّه أسلم ثمَّ كفر، فَقَالَ: وَالَّذِي بعث مُحَمَّدًا
بِالْحَقِّ لَا أَبْرَح حَتَّى أحرقه بالنَّار. قَوْله:
قَضَاء الله بِالرَّفْع خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هَذَا
قَضَاء الله، أَي: حكم الله، وَقَالَ بَعضهم: وَيجوز النصب
وَلم يبين وَجهه. قَوْله: ثَلَاث مَرَّات أَي: كررا هَذَا
الْكَلَام ثَلَاث مَرَّات، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد:
أَنَّهُمَا كررا القَوْل، فَأَبُو مُوسَى يَقُول:
(24/80)
اجْلِسْ، ومعاذ يَقُول: لَا أَجْلِس، فعلى
هَذَا قَوْله: ثَلَاث مَرَّات من كَلَام الرَّاوِي لَا
تَتِمَّة كَلَام معَاذ. قَوْله: فَأمر بِهِ فَقتل وَفِي
رِوَايَة أَيُّوب: فَقَالَ: وَالله لَا أقعد حَتَّى تضرب
عُنُقه، فَضرب عُنُقه. وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ
الَّتِي مَضَت الْآن: فَأتى بحطب فألهب فِيهِ النَّار
فكتفه وَطَرحه فِيهَا، وَيُمكن الْجمع بَين
الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّهُ ضرب عُنُقه ثمَّ أَلْقَاهُ فِي
النَّار، وَيُؤْخَذ مِنْهُ أَن معَاذًا وَأَبا مُوسَى
كَانَا يريان جَوَاز التعذيب بالنَّار وإحراق الْمُرْتَد
بالنَّار ومبالغة فِي إهانته وترهيباً من الِاقْتِدَاء
بِهِ، وَقد مر أَن عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أحرق
الزَّنَادِقَة بالنَّار، وَقَالَ الدَّاودِيّ: إحراق
عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الزَّنَادِقَة لَيْسَ
بخطأ، لِأَنَّهُ قَالَ لقوم: إِن لَقِيتُم فلَانا
وَفُلَانًا فأحرقوهم بالنَّار، ثمَّ قَالَ: إِن لقيتموهما
فاقتلوهما فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَن يعذب بِعَذَاب
الله، وَلم يكن، يَقُول فِي الْغَضَب وَالرِّضَا إلاَّ
حقّاً، قَالَ الله تَعَالَى: {وَمَا ينْطق عَن الْهوى}
قَوْله: فأرجو فِي نومتي بالنُّون أَي نومي مَا أَرْجُو
فِي قومتي بِالْقَافِ أَي: فِي قيامي بِاللَّيْلِ، وَفِي
رِوَايَة سعيد: وأحتسب فِي نومتي مَا أحتسب فِي قومتي،
كَمَا مر فِي الْمَغَازِي، وَحَاصِله أَن يَرْجُو الْأجر
فِي ترويح نَفسه بِالنَّوْمِ ليَكُون أنشط لَهُ فِي
الْقيام.
3 - (بابُ قَتْلِ مَنْ أَبى قَبُولَ الفَرَائِضِ وَمَا
نُسبُوا إِلَى الرِّدَّةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز قتل من أَبى أَي:
امْتنع من قبُول الْفَرَائِض أَي: الْأَحْكَام
الْوَاجِبَة. قَوْله: وَمَا نسبوا إِلَى الرِّدَّة قَالَ
الْكرْمَانِي: مَا، نَافِيَة، وَقيل: مَصْدَرِيَّة، أَي:
ونسبتهم إِلَى الرِّدَّة. قلت: الْأَظْهر أَنَّهَا
مَوْصُولَة وَالتَّقْدِير: وَقتل الَّذين نسبوا إِلَى
الرِّدَّة، وَالله أعلم.
وَهَذَا مُخْتَلف فِيهِ.
فَمن أَبى أَدَاء الزَّكَاة وَهُوَ مقرّ بِوُجُوبِهَا،
فَإِن كَانَ بَين ظهرانينا وَلم يطْلب حَربًا وَلَا امْتنع
بِالسَّيْفِ فَإِنَّهَا تُؤْخَذ مِنْهُ قهرا وتدفع
للْمَسَاكِين وَلَا يقتل، وَإِنَّمَا قَاتل الصّديق، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، مانعي الزَّكَاة لأَنهم امْتَنعُوا
بِالسَّيْفِ ونصبوا الْحَرْب للْأمة، وَأجْمع الْعلمَاء
على أَن من نصب الْحَرْب فِي منع فَرِيضَة أَو منع حقّاً
يجب عَلَيْهِ لآدَمِيّ وَجب قِتَاله، فَإِن أَبى الْقَتْل
على نَفسه فدمه هدر.
وَأما الصَّلَاة فمذهب الْجَمَاعَة أَن من تَركهَا جاحداً
فَهُوَ مُرْتَد فيستتاب فَإِن تَابَ وإلَّا قتل،
وَكَذَلِكَ جحد سَائِر الْفَرَائِض وَاخْتلفُوا فِيمَن
تَركهَا تكاسلاً، وَقَالَ: لست أَفعَلهَا، فمذهب
الشَّافِعِي إِذا ترك صَلَاة وَاحِدَة حَتَّى أخرجهَا عَن
وَقتهَا أَي: وَقت الضَّرُورَة، فَإِنَّهُ يقتل بعد
الاستتابة إِذا أصر على التّرْك، وَالصَّحِيح عِنْده أَنه
يقتل حدا لَا كفرا. وَمذهب مَالك أَنه يُقَال لَهُ: صل مَا
دَامَ الْوَقْت بَاقِيا، فَإِن صلى ترك وَإِن امْتنع
حَتَّى خرج الْوَقْت قتل. ثمَّ اخْتلفُوا، فَقَالَ بَعضهم:
يُسْتَتَاب فَإِن تَابَ وإلاَّ قتل، وَقَالَ بَعضهم: يقتل
لِأَن هَذَا حد الله، عز وَجل، يُقَام عَلَيْهِ لَا تسقطه
التَّوْبَة بِفعل الصَّلَاة، وَهُوَ بذلك فَاسق كالزاني
وَالْقَاتِل لَا كَافِر، وَقَالَ أَحْمد: تَارِك الصَّلَاة
مُرْتَد كَافِر وَمَاله فَيْء ويدفن فِي مَقَابِر
الْمُسلمين، وَسَوَاء ترك الصَّلَاة جاحداً أَو تكاسلاً.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري والمزني: لَا يقتل
بِوَجْه وَلَا يخلى بَينه وَبَين الله تَعَالَى. قلت:
الْمَشْهُور من مَذْهَب أبي حنيفَة أَنه يُعَزّر حَتَّى
يُصَلِّي، وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا: يضْرب حَتَّى يخرج
الدَّم من جلده.
6924 - حدّثنا يَحْيى بنُ بُكَيْرٍ، حدّثنا اللَّيْثُ عنْ
عُقَيْلٍ، عنِ ابنِ شهابٍ أَخْبرنِي عُبَيْدُ الله بنُ
عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ:
لمّا تُوُفِّيَ النبيُّ واسْتُخْلِفَ أبُو بَكْرٍ وكَفَرَ
مَنْ كَفَر مِنَ العَرَبِ، قَالَ عُمَرُ: يَا أَبَا بَكْرٍ
كَيْفَ تُقاتِلُ النَّاسَ وقَد قَالَ رسولُ الله أُمِرْتُ
أنْ أُقاتِلَ النَّاسَ حتَّى يَقُولُوا: لَا إلاهَ إلاّ
الله؟ فَمَنْ قَالَ: لَا إلاهَ إلاّ الله فَقَدْ عَصَمَ
مِنِّي مالَهُ ونَفْسَهُ، إلاّ بِحَقِّهِ وحِسابُهُ عَلى
الله؟ قَالَ أبُو بَكْرٍ: وَالله لأُقاتِلَنَّ مَنْ
فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاةِ والزَّكاةِ، فإنَّ الزَّكاةَ
حَقُّ المالِ، وَالله لَوْ مَنَعُونِي عَناقاً كانُوا
يُؤَدُّونَها إِلَى رسولِ الله لَقَاتَلْتُهُمْ عَلى
مَنْعِها، قَالَ عُمَرُ: فَوالله مَا هُوَ إلاّ أنْ
رَأيْتُ أنْ قَدْ شَرَحَ الله صَدْرَ أبي بَكْرٍ
لِلْقِتالِ
(24/81)
فَعَرَفْتُ أنَّهُ الحقُّ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعقيل بِضَم الْعين ابْن
خَالِد.
والْحَدِيث مضى فِي الزَّكَاة عَن أبي الْيَمَان عَن
شُعَيْب، وَسَيَجِيءُ فِي الِاعْتِصَام عَن قُتَيْبَة عَن
اللَّيْث، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: حَتَّى يَقُولُوا: لَا إلاه إلّا الله وَفِي
رِوَايَة مُسلم: من وحد الله وَكفر بِمَا يعبد من دونه حرم
دَمه وَمَاله. قَوْله: من فرق بتَشْديد الرَّاء وتخفيفها
وَالْمرَاد بِالْفرقِ من أقرّ بِالصَّلَاةِ وَأنكر
الزَّكَاة جاحداً أَو مَانِعا مَعَ الِاعْتِرَاف. قَوْله:
فَإِن الزَّكَاة حق المَال يُشِير إِلَى دَلِيل منع
التَّفْرِقَة الَّتِي ذكرهَا أَن حق النَّفس الصَّلَاة
وَحقّ المَال الزَّكَاة، فَمن صلى عصم نَفسه وَمن زكى عصم
مَاله، فَإِن لم يصل قوتل على ترك الصَّلَاة وَمن لم يزك
أخذت الزَّكَاة من مَاله قهرا، وَإِن نصب الْحَرْب لذَلِك
قوتل. قَوْله: عنَاقًا بِفَتْح الْعين وَتَخْفِيف النُّون:
الْأُنْثَى من ولد الْمعز، وَوَقع فِي رِوَايَة قُتَيْبَة
عَن اللَّيْث عِنْد مُسلم: عقَالًا، وَفِي رِوَايَة عبد
الله بن صَالح عَن اللَّيْث: عنَاقًا أصح، وَيُؤَيِّدهُ
مَا فِي رِوَايَة ذكرهَا أَبُو عبيد: لَو مَنَعُونِي جدياً
أذوط صَغِير الفك والذقن. قَوْله: فَعرفت أَي:
بِالدَّلِيلِ الَّذِي أَقَامَهُ الصّديق وَغَيره إِذْ لَا
يجوز للمجتهد أَن يُقَلّد الْمُجْتَهد.
4 - (بابٌ إِذا عَرَّضَ الذِّمِيُّ وغَيْرُهُ بِسَبِّ
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وسلمولَمْ يُصَرِّحْ نَحْوَ
قَوْلِهِ: السَّامُ عَلَيْكَ)
أَي: هَذَا بَاب فِيمَا عرض بتَشْديد الرَّاء من
التَّعْرِيض وَهُوَ خلاف التَّصْرِيح، وَهُوَ نوع من
الْكِنَايَة. قَوْله: وَغَيره أَي: وَغير الذِّمِّيّ نَحْو
الْمعَاهد وَمن يظْهر الْإِسْلَام قَوْله: بسب النَّبِي
أَي: بتنقيصه، وَلَكِن لم يُصَرح بل بالتعريض نَحْو
قَوْله: السَّام بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف
الْمِيم وَهُوَ الْمَوْت قَوْله: عَلَيْك هَكَذَا
بِالْإِفْرَادِ فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة
غَيره: عَلَيْكُم، فَقيل: لَيْسَ فِيهِ تَعْرِيض السب.
وَأجِيب بِأَنَّهُ لم يرد بِهِ التَّعْرِيض المصطلح
عَلَيْهِ وَهُوَ أَن يسْتَعْمل لفظا فِي حَقِيقَته يلوح
بِهِ إِلَى معنى آخر يَقْصِدهُ، وَالظَّاهِر أَن
البُخَارِيّ اخْتَار فِي هَذَا مَذْهَب الْكُوفِيّين فَإِن
عِنْدهم أَن من سبّ النَّبِي أَو عابه فَإِن كَانَ ذِمِّيا
عزّر وَلَا يقتل وَهُوَ قَول الثَّوْريّ، وَقَالَ أَبُو
حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: إِن كَانَ مُسلما صَار
مُرْتَدا بذلك، وَإِن كَانَ ذِمِّيا لَا ينْتَقض عَهده،
وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: وَقَول الْيَهُودِيّ لرَسُول الله
السام عَلَيْك، لَو كَانَ مثل هَذَا الدُّعَاء من مُسلم
لصار بِهِ مُرْتَدا يقتل، وَلم يقتل الشَّارِع الْقَائِل
بِهِ من الْيَهُود لِأَن مَا هم عَلَيْهِ من الشّرك أعظم
من سبه. فَإِن قلت: من أَيْن يعلم أَن البُخَارِيّ اخْتَار
فِي هَذَا مَذْهَب الْكُوفِيّين وَلم يُصَرح بِالْجَوَابِ
فِي التَّرْجَمَة؟ . قلت: عدم تصريحه يدل على ذَلِك إِذْ
لَو اخْتَار غَيره لصرح بِهِ، وَيُؤَيِّدهُ أَن حَدِيث
الْبَاب لَا يدل على قتل من يسبه من أهل الذِّمَّة
فَإِنَّهُ لم يقْتله. فَإِن قلت: إِنَّمَا لم يقْتله
لمصْلحَة التَّأْلِيف أَو لعدم قيام الْبَيِّنَة بالتصريح.
قلت: لم يقتلهُمْ بِمَا هُوَ أعظم مِنْهُ وَهُوَ الشّرك
كَمَا ذَكرْنَاهُ على أَن قَوْله: السام عَلَيْك،
الدُّعَاء بِالْمَوْتِ وَالْمَوْت لَا بُد مِنْهُ. فَإِن
قلت: قتل النَّبِي كَعْب بن الْأَشْرَف فَإِنَّهُ قَالَ:
من لكعب بن الْأَشْرَف فَإِنَّهُ يُؤْذِي الله وَرَسُوله؟
وَوجه إِلَيْهِ من قَتله غيلَة، وَقتل أَبَا رَافع قَالَ
الْبَزَّار: كَانَ يُؤْذِي رَسُول الله ويعين عَلَيْهِ.
وَفِي حَدِيث آخر: أَن رجلا كَانَ يسبه فَقَالَ: من
يَكْفِينِي عدوي؟ فَقَالَ خَالِد: أَنا فَبَعثه إِلَيْهِ
فَقتله. قَالَ ابْن حزم: وَهُوَ حَدِيث صَحِيح مُسْند
رَوَاهُ عَن النَّبِي رجل من بلقين وَقَالَ ابْن
الْمَدِينِيّ وَهُوَ اسْمه وَبِه يعرف: وَذكر عبد
الرَّزَّاق أَنه سبه رجل فَقَالَ: من يَكْفِينِي عدوي؟
فَقَالَ الزبير: أَنا، فَقتله. قلت: الْجَواب فِي هَذَا
كُله أَنه لم يقتلهُمْ بِمُجَرَّد سبهم وَإِنَّمَا كَانُوا
عوناً عَلَيْهِ ويجمعون من يحاربونه، وَيُؤَيِّدهُ مَا
رَوَاهُ الْبَزَّار عَن ابْن عَبَّاس أَن عقبَة بن أبي
معيط نَادَى: يَا معاشر قُرَيْش؟ مَا لي أقتل من بَيْنكُم
صبرا؟ فَقَالَ لَهُ بكفرك وافترائك على رَسُول الله، صلى
الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، على أَن هَؤُلَاءِ
كلهم لم يَكُونُوا من أهل الذِّمَّة، بل كَانُوا مُشْرِكين
يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله.
(24/82)
6926 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ مُقاتِلٍ أبُو
الحَسَنِ، أخبرنَا عَبْدُ الله، أخبرنَا شُعْبَةُ، عنْ
هِشامِ بنِ زَيْدِ بنِ أنَسِ بنِ مالِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ
أنَسَ بنَ مالِكٍ يَقُولُ: مَرَّ يَهُودِيٌّ بِرَسولِ الله
فَقَالَ: السَّامُ عَلَيْكَ فَقَالَ رسولُ الله وعَلَيْكَ
فَقَالَ رسولُ الله أتَدْرُونَ مَا يَقُولُ؟ قَالَ:
السَّامُ عَلَيْكَ قَالُوا: يَا رسولَ الله أَلا
تَقْتُلُه؟ قَالَ: لَا إِذا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أهْلُ
الكِتابِ فَقُولُوا: وعَليْكُمْ
انْظُر الحَدِيث 6258
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الله هُوَ ابْن
الْمُبَارك الْمروزِي، وَهِشَام بن زيد يروي عَن جده أنس
بن مَالك.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة
عَن زيد بن حزم.
قَوْله: السام عَلَيْك هَكَذَا عَلَيْك بِالْإِفْرَادِ،
وَلم يخْتَلف أحد أَن لفظ: عَلَيْك، بِالْإِفْرَادِ فِي
حَدِيث أنس، وَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني فِي حَدِيث
عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا. وَهَذَا الحَدِيث
الَّذِي يَلِيهِ، وَفِي رِوَايَة غَيره: عَلَيْكُم،
وَكَذَا الْخلاف فِي حَدِيث ابْن عمر الَّذِي بعده.
قَوْله: أَلا نَقْتُلهُ؟ كلمة أَلا للتحضيض. قَوْله:
قَالَ: لَا أَي: قَالَ رَسُول الله لَا تقتلوه.
وَفِيه: حجَّة ظَاهِرَة للكوفيين مِنْهُم أَبُو حنيفَة،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. فَإِن قلت: الْوَاو فِي:
وَعَلَيْك، تَقْتَضِي التَّشْرِيك. قلت: مَعْنَاهُ:
وَعَلَيْك مَا تسْتَحقّ من اللَّعْنَة وَالْعَذَاب، أَو
ثمَّة مُقَدّر أَي: وَأَنا أَقُول: وَعَلَيْك، أَو
الْمَوْت مُشْتَرك أَي: نَحن وَأَنْتُم كلنا نموت، قَالَه
الْكرْمَانِي.
6927 - حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ، عَن ابنِ عُيَيْنَةَ، عنِ
الزُّهْرِيِّ، عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ، رَضِي الله
عَنْهَا، قالَتِ: اسْتَأْذَن رَهْطٌ مِنَ اليَهُودِ عَلى
النبيِّ فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ. فَقُلْتُ: بَلْ
عَلَيْكُمُ السَّامُ واللَّعْنَةُ فَقَالَ: يَا عائِشَةُ
إنَّ الله رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأمْرِ كُلِّهِ
قُلْتُ أوَ لَمْ تَسْمَعْ مَا قالُوا؟ قَالَ: قُلْتُ
وعَليْكُمْ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو نعيم بِضَم
النُّون الْفضل بن دُكَيْن يروي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة
عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة بن هِشَام
عَن عَائِشَة.
والْحَدِيث مضى فِي الْأَدَب فِي: بَاب الرِّفْق فِي
الْأَمر كُله، وَمضى الْكَلَام فِيهِ. وَأخرجه مُسلم فِي
الاسْتِئْذَان عَن عمر والناقد وَزُهَيْر بن حَرْب.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ. وَالنَّسَائِيّ فِي
التَّفْسِير وَفِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة جَمِيعًا عَن
سعيد بن عبد الرَّحْمَن عَن سُفْيَان.
قَوْله: رَهْط قد ذكرنَا غير مرّة أَن الرَّهْط من
الرِّجَال مَا دون الْعشْرَة وَلَا تكون فيهم امْرَأَة
وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه وَجمعه أرهط وأرهاط وأراهط جمع
الْجمع.
6928 - حدّثنا مُسَدَّدٌ، حدّثنا يَحْياى بنُ سَعِيدٍ، عنْ
سُفْيانَ ومالِكِ بن أنَسٍ قَالَا: حدّثنا عَبْدُ الله بنُ
دِينارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابنَ عُمَرَ، رَضِي الله
عَنْهُمَا، يَقُولُ: قَالَ رسولُ الله إنَّ اليَهُودَ إِذا
سَلَّمُوا عَلى أحَدِكُمْ إنّما يَقُولُونَ: سامٌ
عَلَيْكَ، فَقُلْ: عَلَيْكَ
انْظُر الحَدِيث 6257
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى بن سعيد الْقطَّان،
وسُفْيَان بن عُيَيْنَة.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة
عَن قُتَيْبَة بن سعيد والْحَارث بن مِسْكين.
قَوْله: سَام عَلَيْك ويروى: السام عَلَيْكُم. قَوْله:
فَقل: عَلَيْك ويروى: عَلَيْكُم، قَالَ الْكرْمَانِي:
قَوْله: فَقل الْمقَام يَقْتَضِي أَن يُقَال: فَلْيقل،
أمرا غَالِبا، وَأجَاب بِأَن قَوْله: أحدكُم فِيهِ معنى
الْخطاب لكل أحد.
5
- (بابٌ
(
أَي: هَذَا بَاب ذكر بِغَيْر تَرْجَمَة على عَادَته فِي
مثل هَذَا، فَهُوَ كالفصل لما قبله من الْبَاب، وَلَفظ:
بَاب، مَحْذُوف عِنْد ابْن بطال وَألْحق حَدِيث ابْن
مَسْعُود فِي الْبَاب الَّذِي قبله.
(24/83)
5
- (بابٌ
(
أَي: هَذَا بَاب ذكر بِغَيْر تَرْجَمَة على عَادَته فِي
مثل هَذَا، فَهُوَ كالفصل لما قبله من الْبَاب، وَلَفظ:
بَاب، مَحْذُوف عِنْد ابْن بطال وَألْحق حَدِيث ابْن
مَسْعُود فِي الْبَاب الَّذِي قبله.
6929 - حدّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ، حدّثنا أبي، حدّثنا
الأعْمَشُ، قَالَ: حدّثني شَقِيقٌ قَالَ: قَالَ عَبْدُ
الله: كَأَنِّي أنْظُرُ إِلَى النبيِّ يَحْكِي نَبِيّاً
مِنَ الأنْبِياءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ، فأدْمَوْهُ، فَهْوَ
يَمْسَحُ الدَّمَ عنْ وَجْهِهِ ويَقُولُ: رَبَّ اغْفرْ
لِقَوْمِي فإنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ
انْظُر الحَدِيث 3477
وَجه ذكر هَذَا الحَدِيث هُنَا من حَيْثُ إِنَّه مُلْحق
بِالْبَابِ المترجم الَّذِي فِيهِ ترك النَّبِي قتل ذَاك
الْقَائِل بقوله: السام عَلَيْك، وَكَانَ هَذَا من رفقه
وَصَبره على أَذَى الْكفَّار، والأنبياء، عَلَيْهِم
السَّلَام، كَانُوا مأمورين بِالصبرِ. قَالَ الله
تَعَالَى: {فاصب كَمَا صَبر أهل الْعَزْم من الرُّسُل
وَلَا تستعجل لَهُم كَأَنَّهُمْ يَوْم يرَوْنَ مَا يوعدون
لم يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَة من نَهَار بَلَاغ فَهَل يهْلك
إِلَّا الْقَوْم الْفَاسِقُونَ} وَفِي هَذَا الحَدِيث
بَيَان صَبر نَبِي من الْأَنْبِيَاء الَّذين أَنْفَع غَيره
مِنْهُم. وَأخرجه عَن عمر بن حَفْص عَن أَبِيه حَفْص بن
غياث عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن شَقِيق بن سَلمَة أبي
وَائِل وَكلهمْ كوفيون.
والْحَدِيث مضى فِي بني إِسْرَائِيل بِهَذَا السَّنَد.
وَأخرجه مُسلم وَابْن مَاجَه كِلَاهُمَا عَن مُحَمَّد بن
نمير، فَمُسلم فِي الْمَغَازِي وَابْن مَاجَه فِي
الْفِتَن.
قَوْله: قَالَ عبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: يَحْكِي نَبيا النَّبِي، هُوَ
الحاكي والمحكي عَنهُ، وَيحْتَمل أَن يكون هَذَا النَّبِي
هُوَ نوح، عَلَيْهِ السَّلَام، لِأَن قومه كَانُوا يضربونه
حَتَّى يغمى عَلَيْهِ ثمَّ يفِيق، فَيَقُول: اهدِ قومِي
فَإِنَّهُم لَا يعلمُونَ. أخرجه ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخ
دمشق فِي تَرْجَمَة نوح، عَلَيْهِ السَّلَام، من حَدِيث
الْأَعْمَش عَن مُجَاهِد عَن عبيد بن عُمَيْر بِهِ.
قَوْله: أدموه بِفَتْح الْمِيم أَي: جرحوه بِحَيْثُ جرى
عَلَيْهِ الدَّم.
(بَاب قَتْلِ الخَوارِجِ والمُلْحِدِينَ بَعْدَ إقامَةِ
الحُجَّةِ عَليْهِمْ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قتل الْخَوَارِج ... الخ،
وَهُوَ جمع خَارِجَة أَي: طَائِفَة خَرجُوا عَن الدّين وهم
قوم مبتدعون سموا بذلك لأَنهم خَرجُوا على خِيَار
الْمُسلمين، وَقَالَ الشهرستاني فِي الْملَل والنحل كل من
خرج على الإِمَام الْحق فَهُوَ خارجي سَوَاء فِي زمن
الصَّحَابَة أَو بعدهمْ، وَقَالَ الْفُقَهَاء: الْخَوَارِج
غير الباغية وهم الَّذين خالفوا الإِمَام بِتَأْوِيل
بَاطِل ظنا. والخوارج خالفوا لَا بِتَأْوِيل أَو
بِتَأْوِيل بَاطِل قطعا. وَقيل: هم طَائِفَة من المبتدعة
لَهُم مقالات خَاصَّة مثل: تَكْفِير العَبْد بالكبيرة،
وَجَوَاز كَون الإِمَام من غير قُرَيْش، سموا بِهِ لخروجهم
على النَّاس بمقالاتهم. قَوْله: والملحدين أَي: وَقتل
الْمُلْحِدِينَ وَهُوَ جمع ملحد، وَهُوَ الْعَادِل عَن
الْحق المائل إِلَى الْبَاطِل. قَوْله: بعد إِقَامَة
الْحجَّة عَلَيْهِم يُشِير البُخَارِيّ بذلك إِلَى أَنه
لَا يجب قتال خارجي وَلَا غَيره إلاَّ بعد الاعذار
عَلَيْهِ، ودعوته إِلَى الْحق وتبيين مَا الْتبس عَلَيْهِ،
فَإِن أَبى عَن الرُّجُوع إِلَى الْحق وَجب قِتَاله
بِدَلِيل الْآيَة الَّتِي ذكرهَا.
وقَوْلُ الله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ الله ليضل قوما بعد
إِذْ هدَاهُم حَتَّى يبين لَهُم مايتقون إِن الله بِكُل
شَيْء عليم}
أَشَارَ بِهَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة إِلَى أَن قتال
الْخَوَارِج والملحدين لَا يجب إلاَّ بعد إِقَامَة
الْحجَّة عَلَيْهِم، وَإِظْهَار بطلَان دلائلهم،
وَالدَّلِيل عَلَيْهِ هَذِه الْآيَة لِأَنَّهَا تدل على
أَن الله لَا يُؤَاخذ عباده حَتَّى يبين لَهُم مَا يأْتونَ
وَمَا يذرون، وَهَكَذَا فَسرهَا الضَّحَّاك. وَقَالَ
مقَاتل والكلبي: لما أنزل الله تَعَالَى الْفَرَائِض فَعمل
بهَا النَّاس جَاءَ مَا نسخهَا من الْقُرْآن، وَقد مَاتَ
نَاس وهم كَانُوا يعْملُونَ الْأَمر الأول من الْقبْلَة
وَالْخمر وَأَشْبَاه ذَلِك، فسألوا عَنهُ رَسُول الله
فَأنْزل الله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ الله ليضل قوما}
يَعْنِي: وَمَا كَانَ الله ليبطل عمل قوم عمِلُوا بالمنسوخ
حَتَّى يبين لَهُم النَّاسِخ. وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ: أَي
مَا كَانَ الله ليحكم عَلَيْكُم بالضلال بعد استغفاركم
للْمُشْرِكين قبل أَن يقدم إِلَيْكُم بِالنَّهْي، أَي: مَا
كَانَ الله ليوقع الضَّلَالَة فِي قُلُوبكُمْ بعد الْهدى
حَتَّى يبين لَهُم مَا يَتَّقُونَ أَي: مَا يخَافُونَ
ويتركون. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: المُرَاد مِمَّا
يَتَّقُونَ مَا يجب اتقاؤه للنَّهْي.
وكانَ ابنُ عُمَرَ يَراهُمْ شِرارَ خَلْقِ الله، وَقَالَ:
إنَّهُمْ انْطَلَقُوا إِلَى آياتٍ نَزَلَتْ فِي الكُفَّارِ
فَجَعَلُوها عَلى المُؤْمِنِينَ.
مُطَابقَة هَذَا الْأَثر للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَوَصله
الطَّبَرِيّ فِي تَهْذِيب الْآثَار من طَرِيق بكير بن عبد
الله بن الْأَشَج أَنه سَأَلَ
(24/84)
نَافِعًا: كَيفَ كَانَ رَأْي ابْن عمر فِي
الحرورية؟ قَالَ: كَانَ يراهم شرار خلق الله، انْطَلقُوا
إِلَى آيَات نزلت فِي الْكفَّار فجعلوها على الْمُؤمنِينَ.
انْتهى. قلت: الحرورية هم الْخَوَارِج وَإِنَّمَا سموا
حرورية لأَنهم نزلُوا فِي مَوضِع يُسمى حروراء، بِالْمدِّ
وَالْقصر وَهُوَ مَوضِع قريب من الْكُوفَة، وَكَانَ أول
مجتمعهم وتحكيمهم فِيهَا، وَقَالَ ابْن الْأَثِير:
الحرورية طَائِفَة من الْخَوَارِج وهم الَّذين قَاتلهم
عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَانَ
عِنْدهم من التشدد فِي الدّين مَا هُوَ مَعْرُوف، وَكَانَ
كَبِيرهمْ عبد الله بن الْكواء بِفَتْح الْكَاف وَتَشْديد
الْوَاو وبالمد الْيَشْكُرِي، وعدة الْخَوَارِج عشرُون
فرقة.
وَقَالَ ابْن حزم: وأسوؤهم حَالا الغلاة وهم الَّذين
يُنكرُونَ الصَّلَوَات الْخمس وَيَقُولُونَ: الْوَاجِب
صَلَاة بِالْغَدَاةِ وَصَلَاة بالْعَشي، وَمِنْهُم من يجوز
نِكَاح بنت الابْن وَبنت ابْن الْأَخ وَالْأُخْت،
وَمِنْهُم من أنكر أَن تكون سُورَة يُوسُف من الْقُرْآن،
وَأَن من قَالَ: لَا إلاه إِلَّا الله، فَهُوَ مُؤمن عِنْد
الله وَلَو اعْتقد الْكفْر بِقَلْبِه، وأقربهم إِلَى قَول
أهل الْحق الإباضية، وَقد بقيت مِنْهُم بَقِيَّة بالغرب.
وَقَالَ الْجَوْهَرِي الإباضية فرقة من الْخَوَارِج
أَصْحَاب عبد الله بن إباض التَّيْمِيّ وَهُوَ بِكَسْر
الْهمزَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة وبالضاد
الْمُعْجَمَة وَهُوَ فِي الأَصْل: الْحَبل الَّذِي يشد
بِهِ رسغ الْبَعِير إِلَى عضده حَتَّى ترْتَفع يَده عَن
الأَرْض.
قَوْله: شرار خلق الله قَالَ الْكرْمَانِي: أَي: شرار
الْمُسلمين لِأَن الْكفَّار لَا يؤولون كتاب الله. قَوْله:
فجعلوها أَي أولوها وصيروها، وَكَانَ ابْن عمر يكره
الْقَدَرِيَّة أَيْضا ويراهم من الشرار. وَفِي التَّوْضِيح
عَن كتاب الإسفرايني: كَانَ عبد الله بن عمر وَابْن
عَبَّاس وَابْن أبي أوفى وَجَابِر وَأنس بن مَالك وَأَبُو
هُرَيْرَة وَعقبَة بن عَامر وأقرانهم، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُم، يوضون إِلَى أخلافهم بِأَن لَا يسلمُوا على
الْقَدَرِيَّة وَلَا يعودوهم وَلَا يصلوا خَلفهم وَلَا
يصلوا عَلَيْهِم إِذا مَاتُوا.
6930 - حدّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصِ بنِ غِياثٍ، حدّثنا أبي،
حدّثنا الأعْمَشُ، حدّثنا خَيْثَمةُ، حدّثنا سُوَيْدُ بنُ
غَفَلَةَ قَالَ: عَلِيٌّ، رَضِي الله عَنهُ: إِذا
حَدَّثْتُكُمْ عنْ رسولِ الله حَدِيثاً فَوالله لأنْ
أخِرَّ مِنَ السَّماءِ أحَبُّ إلَيَّ مِنْ أنْ أكْذِبَ
عَلَيْهِ، وَإِذا حَدَّثْتُكُمْ فِيما بَيْني وبَيْنَكُمْ
فإنَّ الحَرْبَ خَدْعَةٌ، وإنِّي سَمِعْتُ رسولَ الله
يَقُولُ سَيَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمانِ حُدَّاثُ
الأسْنانِ سُفَهاءُ الأحْلامِ يَقُولونَ مِنْ خَيْرِ
قَوْلِ البَرِيَّةِ، لَا يُجاوِزُ إيمانُهُمْ
حَناجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينَ كَمَا يَمْرُقُ
السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فأيْنَما لَقِيتُمُوهُمْ
فاقْتُلُوهُمْ فإنَّ فِي قَتْلِهِمْ أجْراً لِمَنْ
قَتَلَهُمْ يَوْمَ القِيامَةِ
انْظُر الحَدِيث 3611 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْقَوْم
الْمَذْكُورين فِيهِ هم الْخَوَارِج والملحدون.
أخرجه عَن عمر بن حَفْص عَن أَبِيه حَفْص بن غياث بِكَسْر
الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف
وبالثاء الْمُثَلَّثَة عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن
خَيْثَمَة بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء
آخر الْحُرُوف وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة ابْن عبد
الرَّحْمَن بن أبي سُبْرَة بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة
وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة الْجعْفِيّ، لِأَبِيهِ وجده
صُحْبَة، عَن سُوَيْد بِضَم السِّين الْمُهْملَة بن غَفلَة
بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَالْفَاء وَاللَّام
الْجعْفِيّ من كبار التَّابِعين وَمن المخضرمين عَاشَ
مائَة وَثَلَاثِينَ سنة، وَقيل: إِن لَهُ صُحْبَة.
والْحَدِيث قد مضى فِي عَلَامَات النُّبُوَّة فَإِنَّهُ
أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن كثير عَن سُفْيَان
الْأَعْمَش ... إِلَى آخِره، وَكَذَا مضى بِهَذَا السَّنَد
فِي فَضَائِل الْقُرْآن، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: حَدثنَا عمر بن حَفْص ويروى: حَدثنِي،
بِالْإِفْرَادِ. قَوْله: حَدثنَا خَيْثَمَة قَالَ
الْإِسْمَاعِيلِيّ: خَالف عِيسَى بن يُونُس فَقَالَ عَن
الْأَعْمَش: حَدثنِي عَمْرو بن مرّة عَن خَيْثَمَة بِهِ،
وَهَذَا يبين أَن فِيهِ انْقِطَاعًا. قلت: قد صرح
الْأَعْمَش بِالتَّحْدِيثِ عَن خَيْثَمَة فَلَعَلَّهُ
سَمعه من خَيْثَمَة مرّة وَمرَّة من عَمْرو بن مرّة.
قَوْله: قَالَ عَليّ هُوَ ابْن أبي طَالب، وَفِيه لفظ:
قَالَ آخر مُقَدّر تَقْدِيره: قَالَ: قَالَ عَليّ أَي:
قَالَ سُوَيْد بن غَفلَة: قَالَ عَليّ، وَقد مضى فِي آخر
فَضَائِل الْقُرْآن من رِوَايَة الثَّوْريّ عَن الْأَعْمَش
بِهَذَا السَّنَد. قَالَ:
(24/85)
قَالَ عَليّ، وَعند النَّسَائِيّ من هَذَا
الْوَجْه عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقَالَ
الدَّارَقُطْنِيّ: لم يَصح لسويد بن غَفلَة عَن عَليّ
مَرْفُوع إلاَّ هَذَا وَقيل: مَاله فِي الْكتب السِّتَّة
غَيره.
قَوْله: لِأَن أخرّ أَي: أسقط. قَوْله: خدعة بِتَثْلِيث
الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالْمعْنَى: إِذا حدثتكم عَن
النَّبِي لَا أكني وَلَا أعرض وَلَا أواري، وَإِذا حدثتكم
عَن غَيره أفعل هَذِه الْأَشْيَاء لأخدع بذلك من يحاربني،
فَإِن الْحَرْب يَنْقَضِي أمره بخدعة وَاحِدَة. قَوْله:
سيخرج قوم فِي آخر الزَّمَان وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ
من حَدِيث أبي بَرزَة: يخرج فِي آخر الزَّمَان قوم، قيل:
هَذَا يُخَالف حَدِيث أبي سعيد الْمَذْكُور فِي الْبَاب
بعده، لِأَن مُقْتَضَاهُ أَنهم خَرجُوا فِي خلَافَة عَليّ،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَلذَا أكثرت الْأَحَادِيث
الْوَارِدَة فِي أَمرهم. وَأجَاب ابْن التِّين بِأَن
المُرَاد زمَان الصَّحَابَة، وَاعْترض عَلَيْهِ بَعضهم
بقوله: لِأَن آخر زمَان الصَّحَابَة كَانَ على رَأس
الْمِائَة، وهم قد خَرجُوا قبل ذَلِك بِأَكْثَرَ من
سِتِّينَ سنة. ثمَّ أجَاب بقوله: وَيُمكن الْجمع بِأَن
المُرَاد من آخر الزَّمَان آخر زمَان خلَافَة النُّبُوَّة
فَإِن فِي حَدِيث سفينة الْمخْرج فِي السّنَن وصحيح ابْن
حبَان وَغَيره مَرْفُوعا: الْخلَافَة بعدِي ثَلَاثُونَ سنة
ثمَّ تصير ملكا، وَكَانَت قصَّة الْخَوَارِج وقتلهم
بالنهروان فِي أَوَاخِر خلَافَة عَليّ سنة ثَمَان
وَثَلَاثِينَ بعد النَّبِي بِدُونِ الثَّلَاثِينَ بِنَحْوِ
سنتَيْن. انْتهى. قلت: يسْقط السُّؤَال من الأول إِن
قُلْنَا بِتَعَدُّد خُرُوج الْخَوَارِج، وَقد وَقع
خُرُوجهمْ مرَارًا. قَوْله: حداث الْأَسْنَان بِضَم
الْحَاء وَتَشْديد الدَّال هَكَذَا فِي رِوَايَة
الْمُسْتَمْلِي والسرخسي، وَفِي أَكثر الرِّوَايَات:
أَحْدَاث الْأَسْنَان، جمع حدث بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ
صَغِير السن. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: حَدَاثَة السن
كِنَايَة عَن الشَّبَاب وَأول الْعُمر، وَقَالَ ابْن
التِّين: حداث بِالضَّمِّ جمع حَدِيث مثل كرام جمع كريم
وكبار جمع كَبِير، والْحَدِيث الْجَدِيد من كل شَيْء
وَيُطلق على الصَّغِير بِهَذَا الِاعْتِبَار، وَالْمرَاد
بالأسنان الْعُمر يَعْنِي أَنهم شباب قَوْله: سُفَهَاء
الأحلام يَعْنِي: عُقُولهمْ رَدِيئَة، والأحلام جمع حلم
بِكَسْر الْحَاء وَكَأَنَّهُ من الْحلم بِمَعْنى الأناءة
والتثبت فِي الْأُمُور، وَذَلِكَ من شعار الْعُقَلَاء،
وَأما بِالضَّمِّ فعبارة عَمَّا يرَاهُ النَّائِم. قَوْله:
يَقُولُونَ من خير قَول الْبَريَّة قيل: هَذَا مقلوب
وَالْمرَاد من قَول خير الْبَريَّة هُوَ الْقُرْآن،
وَقَالَ الْكرْمَانِي: من خير قَول الْبَريَّة أَي: خير
أَقْوَال النَّاس، أَو خير من قَول الْبَريَّة، وَهُوَ
الْقُرْآن فعلى هَذَا لَيْسَ بمقلوب. قَوْله: لَا يُجَاوز
إِيمَانهم حَنَاجِرهمْ وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: لَا
يجوز والحناجر بِالْحَاء الْمُهْملَة فِي أَوله جمع حنجرة
وَهِي الْحُلْقُوم والبلعوم وَكله يُطلق على مجْرى النَّفس
مِمَّا يَلِي الْفَم، وَفِي رِوَايَة مُسلم من رِوَايَة
زيد بن وهب عَن عَليّ: لَا تجَاوز صلَاتهم تراقيهم،
فَكَأَنَّهُ أطلق الْإِيمَان على الصَّلَاة، وَفِي حَدِيث
أبي ذَر: لَا يُجَاوز إِيمَانهم حلاقيمهم وَالْمرَاد أَنهم
يُؤمنُونَ بالنطق لَا بِالْقَلْبِ. قَوْله: يَمْرُقُونَ من
الدّين من المروق وَهُوَ الْخُرُوج، يُقَال: مرق من الدّين
مروقاً خرج مِنْهُ ببدعته وضلالته، ومرق السهْم من
الْغَرَض إِذا أَصَابَهُ ثمَّ نفذه، وَمِنْه قيل للمرق مرق
لِخُرُوجِهِ من اللَّحْم، وَفِي رِوَايَة سُوَيْد بن
غَفلَة عِنْد النَّسَائِيّ والطبري: يَمْرُقُونَ من
الْإِسْلَام، وَفِي رِوَايَة للنسائي: يَمْرُقُونَ من
الْحق. قَوْله: من الرَّمية بِفَتْح الرَّاء وَكسر الْمِيم
وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَهُوَ الشَّيْء يرْمى
وَيُطلق على الطريدة من الْوَحْش إِذا رَمَاهَا الرَّامِي،
وَقَالَ الْكرْمَانِي: الرَّمية فعيلة من الرَّمْي
بِمَعْنى المرمية أَي: الصَّيْد مثلا. فَإِن قلت: الفعيل
بِمَعْنى الْمَفْعُول يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذكر والمؤنث.
فَلم أَدخل التَّاء فِيهِ؟ . قلت: هَذَا النَّقْل الوصفية
إِلَى الإسمية، وَقيل: ذَلِك الاسْتوَاء إِذا كَانَ
الْمَوْصُوف مَذْكُورا مَعَه، وَقيل: ذَلِك الدُّخُول
غَالِبا للَّذي لم يَقع بعد، يُقَال: خُذ ذبيحتك للشاة
الَّتِي لم تذبح، وَإِذا وَقع عَلَيْهَا الْفِعْل فَهِيَ
ذبيح.
6931 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، حدّثنا عَبْدُ
الوَهَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْياى بنَ سَعيدٍ قَالَ:
أَخْبرنِي مُحَمَّدُ بنُ إبْراهِيمَ، عنْ أبي سَلَمَة
وعَطاءِ بنِ يَسارٍ أنَّهُما أتَيا أَبَا سعِيدٍ
الخُدْرِيَّ فَسَألاهُ عَنِ الحَرُورِيةِ: أسَمِعْتَ
النبيَّ قَالَ: لَا أدْرِي مَا الحَرُورِيَّةُ؟ سَمِعْتُ
النبيَّ يَقُولُ يَخْرُجُ فِي هاذِهِ الأُمَّة ولَمْ
يَقُلْ: مِنْها قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلاتَكُمْ مَعَ
صَلاتِهِمْ، يَقَرَأُونَ القُرْآنَ
(24/86)
لَا يُجاوِزُ حُلُوقَهُمْ أوْ
حَناجِرَهُمْ، يَمْرَقُونَ مِن الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ
مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَيَنْظرُ الرَّامِي إِلَى سهْمِهِ
إِلَى نَصْلِهِ إِلَى رِصافِهِ فَيَتَماراى فِي الفُوقَةِ
هَلْ عَلِقَ بِها مِنَ الدَّمِ شَيءٌ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن الحرورية هم
الْخَوَارِج. وَقد مر عَن قريب.
وَعبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ، وَيحيى بن
سعيد هُوَ الْأنْصَارِيّ، وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم هُوَ
التَّيْمِيّ، وَأَبُو سَلمَة هُوَ ابْن عبد الرحمان بن
عَوْف، وَعَطَاء بن يسَار ضد الْيَمين.
وَفِي السَّنَد ثَلَاثَة من التَّابِعين على نسق، وَاسم
أبي سعيد الْخُدْرِيّ سعد بن مَالك.
والْحَدِيث مر فِي مَوَاضِع كَثِيرَة فِي عَلَامَات
النُّبُوَّة عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن
الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن أبي سعيد وَهَذَا
السِّيَاق على لفظ أبي سَلمَة وَحده وَمضى فِي الْأَدَب
عَن عبد الرحمان بن إِبْرَاهِيم وَفِي فَضَائِل الْقُرْآن
عَن عبد الله بن يُوسُف.
قَوْله: عَن الحرورية قد مضى تَفْسِيره عَن قريب. قَوْله:
أسمعت؟ الْهمزَة للاستفهام على سَبِيل الاستخبار،
وَالْخطاب لأبي سعيد. قَوْله: النَّبِي مَنْصُوب بقوله:
أسمعت والمسموع مَحْذُوف، كَذَا فِي رِوَايَة الْجَمِيع،
وَقد بَينه ابْن مَاجَه فِي رِوَايَته عَن مُحَمَّد بن
عَمْرو عَن أبي سَلمَة، قلت لأبي سعيد: هَل سَمِعت رَسُول
الله يذكر الحرورية؟ قَوْله: قَالَ: لَا أَدْرِي مَا
الحرورية فَإِن قلت: سَيَجِيءُ حَدِيث أبي سعيد أَيْضا فِي
أول الْبَاب الَّذِي يَلِي الْبَاب الْمَذْكُور، وَفِيه:
وَأشْهد أَن عليّاً، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَتلهمْ
وَأَنا مَعَه ... الحَدِيث، فَهَؤُلَاءِ الَّذين قَتلهمْ
وَهُوَ مَعَه هم الحرورية، فَكيف قَالَ هُنَا: لَا
أَدْرِي؟ . قلت: معنى قَوْله هُنَا: لَا أَدْرِي أَنه لم
يحفظ فيهم بطرِيق النَّص بِلَفْظ الحرورية، وَإِنَّمَا وصف
صفتهمْ الَّتِي سَمعهَا من النَّبِي وَتلك الصِّفَات
لوجودها فِي الحرورية تدل على أَنهم هم المُرَاد مِمَّن
وَصفهم النَّبِي قَوْله: يخرج فِي هَذِه الْأمة أَي: أمة
النَّبِي قَوْله: وَلم يقل مِنْهَا أَي: وَلم يقل النَّبِي
من هَذِه الْأمة، بِكَلِمَة: من. قَوْله: قوم مَرْفُوع
لِأَنَّهُ فَاعل يخرج. فَإِن قلت: وَقع فِي رِوَايَة
الطَّبَرَانِيّ من وَجه آخر عَن أبي سعيد بِلَفْظ: من
أمتِي، وَوَقع فِي حَدِيث مُسلم عَن أبي ذَر، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ: سَيكون بعدِي من أمتِي قوم، وَله أَيْضا
من طَرِيق زيد بن وهب عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ: يخرج قوم من أمتِي. قلت: المُرَاد بالأمة فِي
حَدِيث أبي سعيد أمة الْإِجَابَة وَفِي رِوَايَة مُسلم أمة
الدعْوَة، وَأما حَدِيث الطَّبَرَانِيّ فضعيف. وَقَالَ
الثَّوْريّ: فِيهِ دلَالَة على فقه الصَّحَابَة وتحريرهم
الْأَلْفَاظ. وَفِيه: إِشَارَة من أبي سعيد إِلَى تَكْفِير
الْخَوَارِج وَأَنَّهُمْ من غير هَذِه الْأمة. قَوْله:
يحقرون بِفَتْح الْيَاء أَي: يستقلون وَالضَّمِير فِيهِ
يرجع إِلَى قوم، وَلَو قيل: تحقرون، بِالْخِطَابِ فَلهُ
وَجه. وَقد روى الطَّبَرَانِيّ عَن مُحَمَّد بن عَمْرو عَن
أبي سَلمَة: يتعبدون يحقر أحدكُم صلَاته وصيامه مَعَ
صلَاتهم وصيامهم. قَوْله: فَينْظر الرَّامِي. . الخ
تَمْثِيل لحَال هَؤُلَاءِ بِحَال الرَّامِي الْمَذْكُور
بِهَذِهِ الصّفة فِي عدم حُصُول الْفَائِدَة من عِبَادَتهم
كَعَدم حُصُول مَقْصُود هَذَا الرَّامِي من الرَّمية.
قَوْله: إِلَى نصله وَهُوَ حَدِيدَة السهْم. قَوْله: إِلَى
رصافه بِكَسْر الرَّاء وبالصاد الْمُهْملَة جمع الرصفة
وَهُوَ العصب الَّذِي يكون فَوق مدْخل النصل، وَقَالَ
الْكرْمَانِي: قَالَ بَعضهم محتجين بِهَذَا التَّرْكِيب
بِوُقُوع بدل الْغَلَط فِي الْكَلَام البليغ. قَوْله:
فيتمارى أَي: فيشك فِي الفوقة بِضَم الْفَاء وَهُوَ مَوضِع
الْوتر من السهْم وَفِي الْمُخَصّص وَجمعه أفواق وَفَوق،
وفوقة بِكَسْر الْفَاء، وَعَن أبي حنيفَة: فَوق وفوقة،
وَقد يَجْعَل الفوق وَاحِدًا وَيجمع أفواقاً يُرِيد أَنهم
لما تأولوا الْقُرْآن على غير الْحق لم يحصل لَهُم بذلك
أجر، وَلم يتعلقوا بِسَبَبِهِ بالثواب لَا أَولا وَلَا
وسطا وَلَا آخرا. قَوْله: هَل علق بِكَسْر اللَّام.
6932 - حدّثنا يَحْيى بنُ سُلَيْمانَ، حدّثني ابنُ وهْب،
قَالَ: حدّثني عُمَرُ أنَّ أباهُ حدَّثَهُ عنْ عَبْدِ الله
بنِ عُمَر وذَكَرَ الحُرُورِيّةَ، فَقَالَ: قَالَ النبيُّ
يَمْرُقُونَ مِنَ الإسْلامِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ
الرمِيَّةِ
هَذَا بعض حَدِيث أبي سعيد الْمَذْكُور، غير أَن فِي
حَدِيثه: يَمْرُقُونَ من الدّين وَهنا من الْإِسْلَام.
أخرجه عَن يحيى بن سُلَيْمَان أبي سعيد الْجعْفِيّ
الْكُوفِي نزل مصر، عَن عبد الله بن وهب عَن عمر بِضَم
الْعين، كَذَا ذكر عِنْد الْجَمِيع بِغَيْر نِسْبَة،
وَهُوَ عمر بن
(24/87)
مُحَمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن
الْخطاب، وَقد مضى فِي كتاب التَّفْسِير فِي تَفْسِير
سُورَة لُقْمَان رَوَاهُ عَن يحيى بن سُلَيْمَان عَن ابْن
وهب، حَدثنِي عمر بن مُحَمَّد بن زيد عَن عبد الله بن عمر.
قَوْله: حَدثنِي عمر بِالْإِفْرَادِ، وَفِي رِوَايَة أبي
ذَر: حَدثنَا، بِالْجمعِ قَوْله: وَذكر الحرورية جملَة
حَالية.
7 - (بابُ مَنْ تَرَكَ قِتالَ الخَوَارِجِ لِلتَّألُّفِ،
وأنْ لَا يَنْفِرَ النَّاسُ عنْهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من ترك قتال الْخَوَارِج
للتألف أَي لأجل الإلفة. قَوْله: وَأَن لَا ينفر النَّاس
عَنهُ، عطف على مَا قبله أَي: وَلأَجل أَن لَا ينفر
النَّاس عَنهُ أَي: عَن التارك، دلّ عَلَيْهِ قَوْله: ترك،
وَفِي بعض النّسخ: وَلِئَلَّا ينفر النَّاس عَنهُ، وَقَالَ
الدَّاودِيّ: قَوْله: من ترك قتال الْخَوَارِج، لَيْسَ
بِشَيْء لِأَنَّهُ لم يكن يومئذٍ قتال، وَلَو قَالَ: لم
يقتل، لأصاب، وتسميتهم ذَا الْخوَيْصِرَة من الْخَوَارِج
لَيْسَ بِشَيْء لِأَنَّهُ لم يكن يومئذٍ هَذَا الِاسْم،
وَإِنَّمَا سموا بِهِ لخروجهم على عَليّ، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، وَقَالَ الْمُهلب: التألف إِنَّمَا كَانَ
فِي أول الْإِسْلَام إِذْ كَانَت الْحَاجة ماسة إِلَيْهِ
لدفع مضرتهم، فَأَما الْيَوْم فقد أَعلَى الله الْإِسْلَام
فَلَا يجب التألف إلاَّ أَن ينزل بِالنَّاسِ جَمِيعهم
حَاجَة لذَلِك فلإمام الْوَقْت ذَلِك. وَقَالَ ابْن بطال:
لَا يجوز ترك قتال من خرج على الْأمة وشق عصاها، وَأما ذُو
الْخوَيْصِرَة فَإِنَّمَا ترك الشَّارِع قَتله لِأَنَّهُ
عذره لجهله، وَأخْبر أَنه من قوم يخرجُون ويمرقون من
الدّين، فَإِذا خَرجُوا وَجب قِتَالهمْ.
6933 - حدّثنا عبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ، حدّثنا هِشامٌ،
أخبرنَا مَعْمَرٌ، عنِ الزُّهْرِيِّ، عنْ أبي سَلَمَة، عنْ
أبي سَعِيدٍ قَالَ: بَينا النبيُّ يَقْسِمُ جاءَ عَبْدُ
الله بنُ ذِي الخُوَيْصرَة التَّمِيميُّ، فَقَالَ: اعْدِلْ
يَا رسولَ الله فَقَالَ: ويْلَكَ مَنْ يَعْدِلُ إِذا لَمْ
أعْدِل؟ قَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّاب: دَعْني أضْرِبْ
عُنُقَهُ. قَالَ: دَعْهُ فإنَّ لهُ أصْحاباً يَحْقِرُ
أحَدُكُمْ صَلاَتَهُ مَعَ صَلاَتِهِ وصِيامَهُ مَع
صِيامِهِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَما يَمْرُقُ
السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يُنْظَرُ فِي قُذَذِهِ فَلاَ
يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ فِي نَصْلِهِ فَلا
يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ فِي رصافِهِ فَلاَ
يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يَنْظَرُ فِي نَضِيِّهِ فَلاَ
يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، قَدْ سَبَقَ الفَرْث والدَّمَ.
آيَتُهُمْ رَجُلٌ إحْدَى يَدَيْهِ أوْ قَالَ: ثَدْيَيْهِ
مِثْلُ ثَدْي المَرْأةِ أوْ قَالَ: مِثْلُ البَضْعَةِ
تَدَرْدَرُ، يَخْرُجُونَ عَلى حينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ
قَالَ أبُو سَعِيدٍ: أشْهَدُ سَمِعْتُ مِنَ النبيِّ
وأشْهَدُ أنَّ عَلِيّاً قَتَلَهُمْ وَأَنا مَعَهُ، جِيءَ
بالرَّجُلِ عَلى النَّعْتِ الّذِي نَعَتَهُ النبيُّ قَالَ
فَنَزَلَتْ فِيهِ: {وَمِنْهُم من يَلْمِزك فِي الصَّدقَات
فَإِن أعْطوا مِنْهَا رَضوا وَإِن لم يُعْطوا مِنْهَا إِذا
هم يسخطون} .
قيل: لَا مُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة لِأَن الحَدِيث
فِي ترك الْقَتْل إِلَى آخِره، والترجمة فِي الْقِتَال.
وَأجِيب بِأَن ترك الْقَتْل يُوجد من ترك الْقِتَال من غير
عكس.
وَعبد الله بن مُحَمَّد هُوَ الْجعْفِيّ، المسندي بِفَتْح
النُّون، وَهِشَام هُوَ ابْن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ،
وَمعمر بِفَتْح الميمين هُوَ ابْن رَاشد، وَالزهْرِيّ هُوَ
مُحَمَّد بن مُسلم، وَأَبُو سَلمَة هُوَ ابْن عبد الرحمان
بن عَوْف، وَأَبُو سعيد سعد بن مَالك الْخُدْرِيّ.
وَحَدِيثه قد مضى قبل هَذَا الْبَاب.
قَوْله بَينا أَصله: بَين، فأشبعت فَتْحة النُّون
فَصَارَت: بَينا. وَقد يُقَال: بَيْنَمَا بِزِيَادَة
الْمِيم وَكِلَاهُمَا يحْتَاج إِلَى جَوَاب. وَهُوَ
قَوْله: جَاءَ عبد الله قَوْله: يقسم بِفَتْح أَوله من
الْقِسْمَة وَجَاء هُنَا هَكَذَا بِحَذْف الْمَفْعُول،
وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَي يقسم مَالا، وَلم يبين
الْمَقْسُوم مَا هُوَ وَلَا مَتى كَانَت الْقِسْمَة؟ أما
الْمَقْسُوم فَكَانَ تبراً بَعثه عَليّ بن أبي طَالب من
الْيمن، وَتقدم هَكَذَا فِي الْأَدَب عَن أبي سعيد، وَأما
الْقِسْمَة فَكَانَت يَوْم حنين، قسمه رَسُول الله بَين
أَرْبَعَة نفر: الْأَقْرَع بن حَابِس الْحَنْظَلِي، وعيينة
بن حصن الْفَزارِيّ، وعلقمة بن علاثة العامري، وَزيد
الْخَيْر الطَّائِي. قَوْله: عبد الله بن ذِي
الْخوَيْصِرَة بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة مصغر الخاصرة
وَقد تقدم فِي: بَاب عَلَامَات النُّبُوَّة:
(24/88)
فَأتى ذُو الْخوَيْصِرَة رجل من تَمِيم،
وَفِي جلّ النّسخ، بل فِي كلهَا: عبد الله بن ذِي
الْخوَيْصِرَة بِزِيَادَة الابْن. وَأخرج الثَّعْلَبِيّ
ثمَّ الواحدي فِي أَسبَاب النُّزُول من طَرِيق مُحَمَّد بن
يحيى الذهلي عَن عبد الرَّزَّاق، فَقَالَ: ابْن ذِي
الْخوَيْصِرَة التَّمِيمِي وَهُوَ حرقوص بن زُهَيْر أصل
الْخَوَارِج، وَقد اعْتمد على ذَلِك ابْن الْأَثِير فترجم
لذِي الْخوَيْصِرَة فِي الصَّحَابَة، وَذكر الطَّبَرِيّ
حرقوص بن زُهَيْر فِي الصَّحَابَة، وَذكر أَن لَهُ فِي
فتوح الْعرَاق أثرا، وَأَنه الَّذِي افْتتح سوق الأهواز،
ثمَّ كَانَ مَعَ عَليّ فِي حرورية ثمَّ صَار مَعَ
الْخَوَارِج فَقتل مَعَهم. قَوْله: وَيلك كَذَا فِي
رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: وَيحك،
قَوْله: قَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ: دَعْنِي
أضْرب عُنُقه قيل: سبق فِي الْمَغَازِي فِي: بَاب بعث
عَليّ، رَضِي الله عَنهُ، إِلَى الْيمن أَن الْقَائِل بِهِ
خَالِد بن الْوَلِيد، وَأجَاب الْكرْمَانِي بقوله: لَا
مَحْذُور فِي صُدُور هَذَا القَوْل مِنْهُمَا. وَفِي
التَّوْضِيح وَفِي قَول عمر هَذَا دَلِيل على أَن قَتله
كَانَ مُبَاحا لِأَن الشَّارِع لم يُنكر عَلَيْهِ، وَأَن
إبقاءه جَائِز لعِلَّة. قَوْله: ينظر على صِيغَة
الْمَجْهُول. قَوْله: فِي قذذه بِضَم الْقَاف وَفتح
الذَّال الْمُعْجَمَة الأولى جمع قُذَّة وَهُوَ ريش
السهْم. قَوْله: فِي نصله قد مر تَفْسِيره عَن قريب،
وَكَذَا تَفْسِير الرصاف. قَوْله: فِي نضيه بِفَتْح
النُّون وَكسر الضَّاد الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْيَاء آخر
الْحُرُوف وَهُوَ عود السهْم بِلَا مُلَاحظَة أَن يكون
لَهُ نصل وَرِيش، وَفِي التَّوْضِيح وَحكي فِيهِ كسر
النُّون. قَوْله: قد سبق الفرث وَالدَّم يَعْنِي: جاوزهما
الفرث وَهُوَ السرجين مَا دَامَ فِي الكرش وَحَاصِل
الْمَعْنى أَنه مر سَرِيعا فِي الرَّمية وَخرج لم يعلق
بِهِ من الفرث وَالدَّم شَيْء، فَشبه خُرُوجهمْ من الدّين
وَلم يتعلقوا مِنْهُ بِشَيْء بِخُرُوج ذَلِك السهْم.
قَوْله: آيَتهم أَي: علامتهم. قَوْله: إِحْدَى يَدَيْهِ
بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الدَّال تَثْنِيَة
يَد. قَوْله: أَو قَالَ ثدييه شكّ من الرَّاوِي، وَهُوَ
بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة تَثْنِيَة ثدي. قَوْله:
الْبضْعَة بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة الْقطعَة من
اللَّحْم. قَوْله: تدَرْدر يَعْنِي: تضطرب تَجِيء وَتذهب
وَأَصله: تتدردر من بَاب التفعلل، فحذفت إِحْدَى التائين.
قَوْله: على حِين فرقة أَي: على زمَان افْتِرَاق النَّاس.
قَالَ الدَّاودِيّ: يَعْنِي مَا كَانَ يَوْم صفّين.
وَقَالَ ابْن التِّين: روينَاهُ بِالْحَاء الْمُهْملَة
وَالنُّون، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: على خير فرقة،
بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره رَاء أَي: أفضل
طَائِفَة فِي عصره، وَقَالَ عِيَاض: هم عَليّ وَأَصْحَابه،
أَو خير الْقُرُون وهم الصَّدْر الأول، وَفِي رِوَايَة
أَحْمد عَن عبد الرَّزَّاق: حِين فَتْرَة من النَّاس،
بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق.
قَوْله: وَأشْهد أَن عليّاً قَتلهمْ وَفِي رِوَايَة
شُعَيْب: أَن عَليّ بن أبي طَالب قَاتلهم، وَوَقع فِي
رِوَايَة أَفْلح بن عبد الله: وَحَضَرت مَعَ عَليّ، رَضِي
الله عَنهُ، يَوْم قَتلهمْ بالنهروان، وَنسبَة قَتلهمْ
إِلَى عَليّ لكَونه كَانَ الْقَائِم فِي ذَلِك. قَوْله:
جِيءَ بِالرجلِ أَي: بِالرجلِ الَّذِي قَالَ رجل إِحْدَى
يَدَيْهِ وَقد علم أَن النكرَة إِذا أُعِيدَت معرفَة تكون
عين الأول وَهُوَ ذُو الثدية بِفَتْح الثَّاء
الْمُثَلَّثَة مكبراً وَبِضَمِّهَا مُصَغرًا. قَوْله: على
النَّعْت الَّذِي نَعته النَّبِي أَي: على الْوَصْف
الَّذِي وَصفه وَهُوَ قَوْله: وآيتهم رجل إِحْدَى يَدَيْهِ
إِلَى قَوْله: تدَرْدر وَفِي رِوَايَة مُسلم: قَالَ أَبُو
سعيد: وَأَنا أشهد أَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ قَاتلهم وَأَنا مَعَه، فَأمر بذلك الرجل
فالتمس فَوجدَ فَأتي بِهِ حَتَّى نظرت إِلَيْهِ على نعت
رَسُول الله الَّذِي نَعته. قَوْله: فَنزلت فِيهِ أَي: فِي
الرجل الْمَذْكُور، وَفِي رِوَايَة السَّرخسِيّ: فَنزلت
فيهم، أَي: نزلت الْآيَة وَهِي قَوْله عز وَجل: {وَمِنْهُم
مَا يَلْمِزك فِي الصَّدقَات فَإِن أعْطوا مِنْهَا رَضوا
وَإِن لم يُعْطوا مِنْهَا إِذا هم يسخطون}
اللمز الْعَيْب أَي: يعيبك فِي قسم الصَّدقَات.
6934 - حدّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ، حدّثنا عبْدُ
الوَاحِدِ، حدّثنا الشَّيْبَانِيُّ، حَدثنَا يُسَيْرُ بنُ
عَمْرو قَالَ: قُلْتُ لِسَهْلِ بنِ حُنَيْفٍ: هَلْ
سَمِعْتَ النبيَّ يَقُولُ فِي الخَوَارِجِ شَيْئاً؟ قَالَ:
سَمِعْتُهُ يَقُولُ وأهْوَى بِيَدِهِ قِبَلَ العِرَاق:
يَخْرُجُ مِنْهُ قَوْمٌ يَقْرأون القُرْآنَ لَا يُجاوِزُ
تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإسِلاَمِ مُرُوقَ
السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الْوَاحِد هُوَ ابْن
زِيَاد، والشيباني هُوَ أَبُو إِسْحَاق سُلَيْمَان، ويسير
بِضَم الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح السِّين مصغر يسر ضد
الْعسر وَيُقَال لَهُ: أَسِير أَيْضا. بِضَم الْهمزَة ابْن
عَمْرو وَهُوَ من بني محَارب بن ثَعْلَبَة نزل الْكُوفَة،
وَيُقَال:
(24/89)
إِن لَهُ صُحْبَة وَلَيْسَ لَهُ فِي
البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد، وَسَهل بن
حنيف بن واهب الْأنْصَارِيّ البدري.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن أبي بكر بن أبي
شيبَة وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي فَضَائِل
الْقُرْآن عَن مُحَمَّد بن آدم.
قَوْله: وأهوى بِيَدِهِ أَي: مدها جِهَة الْعرَاق. قَوْله:
يخرج مِنْهُ قوم هَؤُلَاءِ الْقَوْم خَرجُوا من نجد مَوضِع
التميمين. قَوْله: مروق السهْم أَي: كمروق السهْم.
8 - (بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا
تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتانِ
دَعْوَتُهُما واحِدَةٌ))
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول النَّبِي وترجمه بِلَفْظ
الْخَبَر. قَوْله: فئتان أَي: جماعتان هما فِئَة عَليّ بن
أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَفِئَة مُعَاوِيَة
بن أبي سُفْيَان. قَوْله: دعوتهما ويروى: دعواهما،
وَالْمرَاد بِالدَّعْوَى الْإِسْلَام على القَوْل
الرَّاجِح، وَقيل: المُرَاد اعْتِقَاد كل مِنْهُمَا أَنه
على الْحق وَصَاحبه على الْبَاطِل بِحَسب اجتهادهما.
وَفِيه معْجزَة للنَّبِي وَقَالَ الدَّاودِيّ: هَاتَانِ
الفئتان هما إِن شَاءَ الله أَصْحَاب الْجمل زعم عَليّ بن
أبي طَالب أَن طَلْحَة وَالزُّبَيْر بايعاه فَتعلق بذلك،
وَزعم طَلْحَة وَالزُّبَيْر أَن الأشتر النَّخعِيّ أكرههما
على الْمَشْي إِلَى عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
وَقد جَاءَ فِي الْكتاب وَالسّنة الْأَمر بِقِتَال الفئة
الباغية إِذا تبين بغيها، وَقَالَ الله تَعَالَى: {وَإِن
طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا فأصلحوا
بَينهمَا فَإِن بَغت إِحْدَاهَا على الْأُخْرَى فَقَاتلُوا
الَّتِي تبغي حَتَّى تفىء إِلَى أَمر الله فَإِن فآءت
فأصلحوا بَينهمَا بِالْعَدْلِ وأقسطوا إِن الله يحب
المقسطين} .
6935 - حدّثنا عَلِيٌّ، حدّثنا سُفْيانُ، حدّثنا أبُو
الزِّنادِ، عنِ الأعْرَجِ، عنِ أبي هُرَيْرَةَ، رَضِي الله
عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله لَا تَقُومُ السَّاعَةُ
حتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتانِ دَعْوَاهُما واحِدَة.
التَّرْجَمَة عين الحَدِيث كَمَا ذكرنَا غير أَن فِيهَا:
طَائِفَتَانِ، فِي بعض النّسخ وَفِي الحَدِيث: فئتان.
أخرجه عَن عَليّ بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن
الْمَدِينِيّ عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن أبي الزِّنَاد
بالزاي وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان عَن عبد الرحمان بن
هُرْمُز الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة. والْحَدِيث بِهَذَا
السَّنَد من أَفْرَاده.
9 - (بابُ مَا جاءَ فِي المُتأوِّلِينَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا جَاءَ من الْأَخْبَار فِي
حق المتأولين وَلَا خلاف بَين الْعلمَاء أَن كل متأول
مَعْذُور بتأويله غير ملوم فِيهِ إِذا كَانَ تَأْوِيله
ذَلِك سائغاً فِي لِسَان الْعَرَب، أَو كَانَ لَهُ وَجه
فِي الْعلم، أَلا يرى أَنه لم يعنف عمر بن الْخطاب، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، فِي تلببه بردائه، على مَا يَجِيء
الْآن فِي حَدِيثه، وعذره فِي ذَلِك لصِحَّة مُرَاد عمر
واجتهاده، وَكَذَلِكَ يَجِيء فِي بَقِيَّة أَحَادِيث
الْبَاب.
6936 - قَالَ أبُو عَبْدِ الله: وَقَالَ اللَّيْثُ: حدّثني
يُونُسُ عنِ ابنِ شهابٍ أَخْبرنِي عُرْوَةُ بنُ
الزُّبَيْر: أنَّ المسْوَرَ بنَ مَخْرَمَةَ وعَبْدَ
الرَّحْمانِ بنَ عَبدٍ القاريَّ أخْبَرَاهُ أنَّهُما
سَمِعَا عُمَر بنَ الخَطَّابِ يَقُولُ: سَمِعْتُ هِشامَ
بنَ حَكِيمٍ يَقْرَأ سُورَةَ الفُرْقانِ فِي حَياةِ رسولِ
الله فاسْتَمْعْتُ لِقِرَاءَتِهِ فإذَا هُوَ يَقْرؤوها
عَلى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ، لمْ يُقْرِئْنِيها رسولُ الله
كَذَلِكَ فَكِدْتُ أُساورُهُ فِي الصلاةِ، فانْتَظَرْتُهُ
حتَّى سَلّمَ ثُمَّ لَبَّبْتُهُ بِرَدائِهِ أوْ بِرِدَائِي
فَقُلْتُ: مَنْ أقْرأكَ هَذِهِ السُّورَةَ؟ قَالَ:
أقْرَأنِيها رسولُ الله قُلْتُ لَهُ كَذْبتَ فَوَالله إنَّ
رسولَ الله أقْرَأني هاذِهِ السُّورَةَ الَّتي سَمِعْتُكَ
تَقْرَؤوها، فانْطلَقْتُ أقُودُهُ إِلَى رسولِ الله
فَقلْتُ يَا رسولَ الله إنّي سَمِعْتُ هاذَا يَقْرَأُ
بِسُورَةِ الفُرْقانِ عَلى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنيها،
وأنْتَ أقْرَأْتَني
(24/90)
سُورَةَ الفُرْقانِ. فَقَالَ رسولُ الله
أرْسِلُهُ يَا عُمَرُ اقْرَأْ يَا هِشامُ فَقَرأ عَلَيْه
القِراءَةَ الّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُها قَالَ رسولُ الله
هاكَذَا أُنْزِلَتْ ثُمَّ قَالَ رسولُ الله اقْرَأْ يَا
عُمَرُ فَقَرَأْتُ فَقَالَ: هاكَذا أُنْزِلَتْ، ثُمَّ
قَالَ: إنَّ هاذا القُرْآنَ أُنْزِلَ عَلى سَبْعَةِ
أحْرُفٍ فاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن النَّبِي لم يُؤَاخذ
عمر بتكذيبه هشاماً وَلَا بِكَوْنِهِ لببه بردائه
وَأَرَادَ الْإِيقَاع بِهِ، بل صدق هشاماً فِي نَقله وَعذر
عمر فِي إِنْكَاره.
وَأَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه وَلَيْسَ هَذَا
فِي كثير من النّسخ بل قَالَ بعد التَّرْجَمَة: وَقَالَ
اللَّيْث هَذَا تَعْلِيق مِنْهُ.
وَمضى هَذَا الحَدِيث فِي الْأَشْخَاص فِي: بَاب كَلَام
الْخُصُوم بَعضهم فِي بعض، أخرجه عَن عبد الله بن يُوسُف
عَن ملك عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة بن الزبير عَن عبد
الرحمان بن عبد الْقَارِي أَنه قَالَ: سَمِعت عمر بن
الْخطاب ... الخ. وَلَيْسَ فِيهِ ذكر الْمسور بن مخرمَة.
وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
وَوصل هَذَا التَّعْلِيق الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن عبد الله
بن صَالح كَاتب اللَّيْث عَنهُ وَيُونُس شيخ اللَّيْث
فِيهِ هُوَ ابْن يزِيد وَقد تقدم فِي فَضَائِل الْقُرْآن
وَغَيره من رِوَايَة اللَّيْث أَيْضا مَوْصُولا لَكِن عَن
عقيل لَا عَن يُونُس، وَقَالَ بَعضهم، وهم مغلطاي وَمن
تبعه، فِي أَن البُخَارِيّ رَوَاهُ عَن سعيد بن عفير عَن
اللَّيْث عَن يُونُس. قلت: أَرَادَ بقوله: وَمن تبعه صَاحب
التَّوْضِيح وَهُوَ شَيْخه، وَقد أدمج ذكره هُنَا.
قَوْله: أساوره بِالسِّين الْمُهْملَة أَي: أواثبه وأحمل
عَلَيْهِ. وَأَصله من السُّورَة وَهُوَ الْبَطْش. قَوْله:
ثمَّ لببته من التلبيب وَهُوَ جمع الثِّيَاب عِنْد
الصَّدْر فِي الْخُصُومَة وَالْجد. قَوْله: أَو بردائي شكّ
من الرَّاوِي. قَوْله: على سَبْعَة أحرف أَي: على سَبْعَة
لُغَات هِيَ أفْصح اللُّغَات. وَقيل: الْحَرْف
الْإِعْرَاب، يُقَال: فلَان يقْرَأ بِحرف عَاصِم أَي
بِالْوَجْهِ الَّذِي اخْتَارَهُ من الْإِعْرَاب، وَقيل:
توسعة وتسهيلاً لم يقْصد بِهِ الْحصْر، وَفِي الْجُمْلَة
قَالُوا: هَذِه الْقرَاءَات السَّبع لَيْسَ كل وَاحِدَة
مِنْهَا وَاحِدَة من تِلْكَ السَّبع، بل يحْتَمل أَن تكون
كلهَا وَاحِدَة من اللُّغَات السَّبْعَة.
6937 - حدّثنا إسْحَاقُ بنُ إبْراهِيمَ، أخبرنَا وَكِيعٌ.
ح وحدّثنا يَحْياى، حدّثنا وَكِيعٌ عنِ الأعْمَشِ، عنْ
إبْراهِيمَ، عنْ عَلْقَمَةَ، عنْ عَبْدِ الله، رَضِي الله
عَنهُ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هاذِهِ الآيَةُ: {الَّذين
ءامنوا وَلم يلبسوا إِيمَانهم بظُلْم أُولَئِكَ لَهُم
الْأَمْن وهم مهتدون} شقَّ ذالِكَ عَلى أصْحاب النبيِّ
وقالُوا: أيُّنا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ؟ فَقَالَ رسولُ
الله لَيْسَ كَمَا تَظُنُّونَ إنَّما هُوَ كَمَا قالَ
لُقْمانُ لابْنِهِ: {وَإِذ قَالَ لُقْمَان لِابْنِهِ
وَهُوَ يعظه يابنى لَا تشرك بِاللَّه إِن الشّرك لظلم
عَظِيم}
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه لم يُؤَاخذ
الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم بحملهم الظُّلم
فِي الْآيَة على عُمُومه حَتَّى يتَنَاوَل كل مَعْصِيّة،
بل عذرهمْ لِأَنَّهُ ظَاهر فِي التَّأْوِيل، ثمَّ بَين
لَهُم المُرَاد بقوله: لَيْسَ كَمَا تظنون الخ.
وَأخرجه من طَرِيقين أَحدهمَا: عَن إِسْحَاق بن
إِبْرَاهِيم الْمَعْرُوف بِابْن رَاهَوَيْه عَن وَكِيع بن
الْجراح عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش. وَالْآخر: عَن يحيى بن
مُوسَى بن عبد ربه يُقَال لَهُ: خت، وَهُوَ من أَفْرَاده
عَن وَكِيع عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ عَن
عَلْقَمَة بن قيس.
والإسناد كلهم كوفيون. وَمضى الحَدِيث فِي أول كتاب
اسْتِتَابَة الْمُرْتَدين.
6938 - حدّثنا عَبْدانُ، أخبرنَا عبْدُ الله، أخبرنَا
مَعْمَر، عنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبرنِي مَحْمُودُ بنُ
الرَّبِيعِ قَالَ: سَمِعْتُ عِتْبانَ بنَ مالِكٍ يَقُولُ:
غَدا عَلَيَّ رسولُ الله فَقَالَ رجُلٌ: أيْنَ مالِكُ بن
(24/91)
الدُّخْشُنِ؟ فَقَالَ رجُل مِنَّا: ذَاكَ
مُنافِقٌ لَا يحِبُّ الله ورسولَهُ، فقالَ النَّبيُّ لَا
تَقُولُوهُ، يَقُولُ: لَا إلاهَ إلاّ الله يَبْتَغِي
بِذالِكَ وَجْهَ الله تَعَالَى؟ قَالَ: بلَى قَالَ:
فإنَّهُ لَا يُوافِيَ عَبْدٌ يَوْمَ القِيامَةِ بِه إلاّ
حَرَّمَ الله عَلَيْهِ النَّارَ
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه لم يُؤَاخذ
الْقَائِلين فِي حق مَالك بن الدخشن بِمَا قَالُوا، بل
بيّن لَهُم أَن إِجْرَاء أَحْكَام الْإِسْلَام على
الظَّاهِر دون الْبَاطِن.
وَأخرجه عَن عَبْدَانِ وَهُوَ لقب عبد الله بن عُثْمَان
الْمروزِي يروي عَن عبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي ...
الخ، والْحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة فِي: بَاب الْمَسَاجِد
فِي الْبيُوت، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: الدخشن بِضَم الدَّال الْمُهْملَة وَسُكُون
الْخَاء الْمُعْجَمَة وَضم الشين الْمُعْجَمَة ثمَّ نون،
وَجَاء الدخشم أَيْضا بِالْمِيم مَوضِع النُّون، وَقد
يصغر. قَوْله: ذَاك مُنَافِق ويروى: ذَلِك مُنَافِق.
قَوْله: لَا تقولوه بِصِيغَة النَّهْي كَذَا فِي رِوَايَة
الْمُسْتَمْلِي والسرخسي وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: أَلا
تقولوه، وَقَالَ ابْن التِّين: جَاءَت الرِّوَايَة كَذَا
وَالصَّوَاب: تقولونه، أَي: تظنونه. قلت: حذف النُّون من
الْجمع بِلَا ناصب وَلَا جازم لُغَة فصيحة وَيحْتَمل أَن
يكون خطابا للْوَاحِد، وَحدثت الْوَاو من إشباع الضمة،
وَقَالَ بَعضهم: وَتَفْسِير القَوْل بِالظَّنِّ فِيهِ نظر
وَالَّذِي يظْهر أَنه بِمَعْنى الرُّؤْيَة أَو السماع.
انْتهى. قلت: القَوْل بِمَعْنى الظَّن كثير، أنْشد
سِيبَوَيْهٍ:
(أما الرحيل فدون بعد غَد ... فَمَتَى تَقول الدَّار
تجمعنا)
يَعْنِي: مَتى تظن الدَّار تجمعنا؟ وَالْبَيْت لعمر بن أبي
ربيعَة المَخْزُومِي. وَنقل صَاحب التَّوْضِيح عَن ابْن
بطال: أَن القَوْل بِمَعْنى الظَّن كثير بِشَرْط كَونه فِي
الْمُخَاطب، وَكَونه مُسْتَقْبلا، ثمَّ أنْشد الْبَيْت
الْمَذْكُور مُضَافا إِلَى سِيبَوَيْهٍ. قَوْله: لَا يوافي
ويروى: لن يوافي، أَي: لَا يَأْتِي أحد بِهَذَا القَوْل
إلاَّ حرم الله عَلَيْهِ النَّار
21 - (حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل حَدثنَا أَبُو
عوَانَة عَن حُصَيْن عَن فلَان قَالَ تنَازع أَبُو عبد
الرَّحْمَن وحبان بن عَطِيَّة فَقَالَ أَبُو عبد
الرَّحْمَن لحبان لقد علمت مَا الَّذِي جرأ صَاحبك على
الدِّمَاء يَعْنِي عليا قَالَ مَا هُوَ لَا أَبَا لَك
قَالَ شَيْء سمعته يَقُوله قَالَ مَا هُوَ قَالَ بَعَثَنِي
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَالزُّبَيْر وَأَبا مرْثَد وكلنَا فَارس قَالَ انْطَلقُوا
حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَة حَاج قَالَ أَبُو سَلمَة هَكَذَا
قَالَ أَبُو عوَانَة حَاج فَإِن فِيهَا امْرَأَة مَعهَا
صحيفَة من حَاطِب بن أبي بلتعة إِلَى الْمُشْركين فاتوني
بهَا فَانْطَلَقْنَا على أفراسنا حَتَّى أدركناها حَيْثُ
قَالَ لنا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - تسير على بعير لَهَا وَكَانَ كتب إِلَى أهل مَكَّة
بمسير رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
إِلَيْهِم فَقُلْنَا أَيْن الْكتاب الَّذِي مَعَك قَالَت
مَا معي كتاب فأنخنا بهَا بَعِيرهَا فابتغينا فِي رَحلهَا
فَمَا وجدنَا شَيْئا فَقَالَ صَاحِبَايَ مَا نرى مَعهَا
كتابا قَالَ فَقلت لقد علمنَا مَا كذب رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثمَّ حلف عَليّ
وَالَّذِي يحلف بِهِ لتخْرجن الْكتاب أَو لأجردنك فأهوت
إِلَى حجزَتهَا وَهِي محتجزة بكساء فأخرجت الصَّحِيفَة
فَأتوا بهَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فَقَالَ عمر يَا رَسُول الله قد خَان الله
رَسُوله وَالْمُؤمنِينَ دَعْنِي فَأَضْرب عُنُقه فَقَالَ
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَا
حَاطِب مَا حملك على مَا صنعت قَالَ يَا رَسُول الله مَا
لي أَن لَا أكون مُؤمنا بِاللَّه وَرَسُوله وَلَكِنِّي
أردْت أَن يكون لي عِنْد الْقَوْم يَد يدْفع بهَا عَن
أَهلِي وَمَا لي وَلَيْسَ من أَصْحَابك أحد إِلَّا لَهُ
هُنَالك من قومه من يدْفع الله
(24/92)
بِهِ عَن أَهله وَمَاله قَالَ صدق لَا
تَقولُوا لَهُ إِلَّا خيرا قَالَ فَعَاد فعمر فَقَالَ يَا
رَسُول الله قد خَان الله وَرَسُوله وَالْمُؤمنِينَ
دَعْنِي فلأضرب عُنُقه قَالَ أَو لَيْسَ من أهل بدر وَمَا
يدْريك لَعَلَّ الله اطلع عَلَيْهِم فَقَالَ اعْمَلُوا مَا
شِئْتُم فقد أوجبت لَهُ الْجنَّة فاغرورقت عَيناهُ فَقَالَ
الله وَرَسُوله أعلم) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عذره فِي
تَأْوِيله وَشهد بصدقه وَأخرجه عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل
عَن أبي عوَانَة الوضاح الْيَشْكُرِي عَن حُصَيْن بِضَم
الْخَاء وَفتح الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ ابْن عبد
الرَّحْمَن السّلمِيّ عَن فلَان قَالَ الْكرْمَانِي هُوَ
سعد بن عُبَيْدَة بِضَم الْعين الْمُهْملَة مُصَغرًا أَبُو
حَمْزَة بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالزاي ختن أبي عبد
الرَّحْمَن السّلمِيّ انْتهى قلت وَقع فلَان هُنَا مُبْهما
وَسمي فِي رِوَايَة هِشَام فِي الْجِهَاد وَعبد الله بن
إِدْرِيس فِي الاسْتِئْذَان سعد بن عُبَيْدَة وَكَانَ
الْكرْمَانِي مَا اطلع عَلَيْهِ ذاهلا حَتَّى قَالَ قيل
سعد بن عُبَيْدَة وَسعد تَابِعِيّ روى عَن جمَاعَة من
الصَّحَابَة مِنْهُم ابْن عمر والبراء رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ قَوْله " تنَازع أَبُو عبد الرَّحْمَن " هُوَ
السّلمِيّ الْمَذْكُور وَصرح بِهِ فِي رِوَايَة عَفَّان
قَوْله " وحبان " بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد
الْبَاء الْمُوَحدَة وَحكى أَبُو عَليّ الجياني أَن بعض
رُوَاة أبي ذَر ضَبطه بِفَتْح أَوله قَالَ بَعضهم وَهُوَ
وهم قلت حكى الْمزي أَن ابْن مَاكُولَا ذكره بِالْكَسْرِ
وَأَن ابْن الفرضي ضَبطه بِالْفَتْح وَكَذَا ذكره فِي
الْمطَالع قَوْله " لقد علمت مَا الَّذِي " كَذَا فِي
رِوَايَة الْكشميهني وَكَذَا فِي أَكثر الطّرق وَفِي
رِوَايَة الْحَمَوِيّ وَالْمُسْتَمْلِي من الَّذِي ويروى
لقد علمت الَّذِي بِدُونِ مَا وَمن وَوَقع فِي الْجِهَاد
فِي بَاب إِذا اضْطر الرجل إِلَى النّظر فِي شُعُور أهل
الذِّمَّة بِلَفْظ مَا الَّذِي قَوْله " جرأ " بِفَتْح
الْجِيم وَتَشْديد الرَّاء وبالهمزة من الجرأة وَهُوَ
الْإِقْدَام على الشَّيْء قَوْله " يَعْنِي عليا " أَي
يَعْنِي بقوله من الَّذِي جرأ عَليّ بن أبي طَالب قَالَ
الْكرْمَانِي فَإِن قلت كَيفَ جَازَ نِسْبَة الجرأة على
الْقَتْل إِلَى عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قلت
غَرَضه أَنه لما كَانَ جَازَ مَا بِأَنَّهُ من أهل
الْجنَّة عرف أَنه إِن وَقع مِنْهُ خطأ فِيمَا اجْتهد
فِيهِ عُفيَ عَنهُ يَوْم الْقِيَامَة قطعا قَوْله " قَالَ
مَا هُوَ " أَي قَالَ حبَان مَا هُوَ الَّذِي جرأه قَوْله
" لَا أَبَا لَك " بِفَتْح الْهمزَة جوزوا هَذَا
التَّرْكِيب تَشْبِيها لَهُ بالمضاف وَإِلَّا فَالْقِيَاس
لَا أَب لَك وَهَذَا إِنَّمَا يسْتَعْمل دعامة للْكَلَام
وَلَا يُرَاد بِهِ الدُّعَاء عَلَيْهِ حَقِيقَة وَقيل هِيَ
كلمة تقال عِنْد الْحَث على الشَّيْء وَالْأَصْل فِيهِ أَن
الْإِنْسَان إِذا وَقع فِي شدَّة عاونه أَبوهُ فَإِذا قيل
لَا أَبَا لَك فَمَعْنَاه لَيْسَ لَك أَب جد فِي الْأَمر
جد من لَيْسَ لَهُ معاون ثمَّ أطلق فِي الِاسْتِعْمَال فِي
مَوضِع استبعاد مَا يصدر من الْمُخَاطب من قَول أَو فعل
قَوْله شَيْء مَرْفُوع لِأَنَّهُ فَاعل جرأ قَوْله "
يَقُوله " جملَة وَقعت صفة لقَوْله شَيْء وَالضَّمِير
الْمَنْصُوب فِيهِ يرجع إِلَى شَيْء وَكَذَا بالضمير فِي
رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وَفِي رِوَايَة الْكشميهني يَقُول
بِحَذْف الضَّمِير قَوْله " قَالَ مَا هُوَ " أَي قَالَ
حبَان الْمَذْكُور مَا هُوَ أَي ذَلِك الشَّيْء قَوْله
قَالَ بَعَثَنِي أَي قَالَ أَبُو عبد الرَّحْمَن قَالَ
عَليّ بَعَثَنِي وَسَقَطت قَالَ الثَّانِيَة على عَادَتهم
بإسقاطها فِي الْخط وَالتَّقْدِير قَالَ أَبُو عبد
الرَّحْمَن قَالَ عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
بَعَثَنِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - قَوْله وَالزُّبَيْر بِالنّصب عطف على نون الْوِقَايَة
لِأَن محلهَا النصب وَفِي مثل هَذَا الْعَطف خلاف بَين
الْبَصرِيين والكوفيين قَوْله " وَأَبا مرْثَد " بِفَتْح
الْمِيم وَسُكُون الرَّاء وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة
واسْمه كناز بِفَتْح الْكَاف وَتَشْديد النُّون وبالزاي
الغنوي بالغين الْمُعْجَمَة وَتقدم فِي غَزْوَة الْفَتْح
من طَرِيق عبيد الله بن أبي رَافع عَن عَليّ ذكر
الْمِقْدَاد بدل أبي مرْثَد وَمضى فِي الْجِهَاد فِي بَاب
إِذا اضطروا الزبير وَفِي بَاب الجاسوس بَعَثَنِي أَنا
وَالزُّبَيْر والمقداد قَالَ الْكرْمَانِي ذكر الْقَلِيل
لَا يَنْفِي الْكثير قَوْله فَارس أَي رَاكب فرس قَوْله
رَوْضَة حَاج بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالجيم وَهُوَ مَوضِع
قريب من مَكَّة قَالَه فِي التَّوْضِيح وَقَالَ
النَّوَوِيّ وَهِي بِقرب الْمَدِينَة وَقَالَ الْوَاقِدِيّ
هِيَ بِالْقربِ من ذِي الحليفة وَقيل من الْمَدِينَة نَحْو
اثْنَي عشر ميلًا قَوْله قَالَ أَبُو سَلمَة هُوَ مُوسَى
بن إِسْمَاعِيل شيخ البُخَارِيّ الْمَذْكُور فِيهِ قَوْله
هَكَذَا قَالَ أَبُو عوَانَة هُوَ أحد الروَاة حَاج
بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْجِيم قَالَ النَّوَوِيّ قَالَ
الْعلمَاء هُوَ غلط من أبي عوَانَة
(24/93)
وَكَأَنَّهُ اشْتبهَ عَلَيْهِ بمَكَان آخر
يُقَال فِيهِ ذَات حَاج بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْجِيم
وَهُوَ مَوضِع بَين الْمَدِينَة وَالشَّام يسلكه الْحَاج
وَزعم السُّهيْلي أَن هشيما كَانَ يَقُولهَا أَيْضا حَاج
بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْجِيم وَهُوَ وهم أَيْضا
وَالأَصَح خَاخ بمعجمتين قَوْله تسير من السّير جملَة
وَقعت حَالا من الْمَرْأَة الَّتِي مَعهَا الْكتاب وَفِي
رِوَايَة مُحَمَّد بن فُضَيْل عَن حُصَيْن تشتد من
الاشتداد بالشين الْمُعْجَمَة قَوْله فابتغينا أَي طلبنا
قَوْله فَقَالَ صَاحِبَايَ وهما الزبير وَأَبُو مرْثَد
ويروى فَقَالَ صَاحِبي بِالْإِفْرَادِ بِاعْتِبَار أَن
وَاحِدًا مِنْهُمَا قَالَ قَوْله لقد علمنَا وَفِي
رِوَايَة الْكشميهني لقد علمتما بِالْخِطَابِ لصاحبيه
قَوْله ثمَّ حلف عَليّ وَالَّذِي يحلف بِهِ أَي قَالَ
وَالله لِأَن الَّذِي يحلف بِهِ هُوَ لَفْظَة الله قَوْله
" أَو لأجردنك " أَي أنزع ثِيَابك حَتَّى تَكُونِي
عُرْيَانَة وَكلمَة أَو هُنَا بِمَعْنى إِلَى وينتصب
الْمُضَارع بعْدهَا بِأَن مضمرة نَحْو قَوْله لألزمنك أَو
تقضيني حَقي أَي إِلَى أَن تقضيني حَقي وَفِي رِوَايَة
ابْن فُضَيْل أَو لأَقْتُلَنك ويروى لأجزرنك بجيم ثمَّ
زَاي أَي أصيرك مثل الْجَزُور إِذا ذبحت ويروى لتخْرجن
الْكتاب أَو لتلْقين الثِّيَاب قَالَ ابْن التِّين كَذَا
وَقع بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف
وَتَشْديد النُّون قَالَ وَالْيَاء زَائِدَة وَقَالَ
الْكرْمَانِي هُوَ بِكَسْر الْيَاء وَفتحهَا كَذَا جَاءَ
فِي الرِّوَايَة بِإِثْبَات الْيَاء وَالْقَوَاعِد
التصريفية تَقْتَضِي حذفهَا لَكِن إِذا صحت الرِّوَايَة
فلتحمل على أَنَّهَا وَقعت على طَرِيق المشاكلة لتخْرجن
وَهَذَا تَوْجِيه الكسرة وَأما الفتحة فَتحمل على خطاب
المؤنثة الغائبة على طَرِيق الِالْتِفَات من الْخطاب إِلَى
الْغَيْبَة قَالَ وَيجوز فتح الْقَاف على الْبناء
للْمَجْهُول فعلى هَذَا فَترفع الثِّيَاب وَاخْتلف هَل
كَانَت هَذِه الْمَرْأَة مسلمة أَو على دين قَومهَا
فالأكثر على الثَّانِي فقد عدت فِيمَن أهْدر النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دمهم يَوْم الْفَتْح
وَكَانَت مغنية فأهدر دَمهَا لِأَنَّهَا كَانَت تغني
بهجائه وهجاء أَصْحَابه وَذكر الْوَاقِدِيّ أَنَّهَا من
مزينة وَأَنَّهَا من أهل العرج بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة
وَسُكُون الرَّاء وبالجيم وَهِي قَرْيَة بَين مَكَّة
وَالْمَدينَة وَذكر الثَّعْلَبِيّ أَنَّهَا كَانَت مولاة
أبي صَيْفِي بن عَمْرو بن هَاشم بن عبد منَاف وَقيل عمرَان
بدل عَمْرو وَقيل مولاة بني أَسد ابْن عبد الْعُزَّى وَقيل
كَانَت من موَالِي الْعَبَّاس وَفِي تَفْسِير مقَاتل بن
حبَان أَن حَاطِبًا أَعْطَاهَا عشرَة دَنَانِير وَكَسَاهَا
برداء وَقَالَ الواحدي أَنَّهَا قدمت الْمَدِينَة فَقَالَ
لَهَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
جِئْت مسلمة قَالَت لَا وَلَكِن احتجت قَالَ فَأَيْنَ
أَنْت عَن شباب قُرَيْش وَكَانَت مغنية قَالَت مَا طلبت من
بعد وقْعَة بدر شَيْئا من ذَلِك فكساها وَحملهَا
فَأَتَاهَا حَاطِب فَكتب مَعهَا كتابا إِلَى أهل مَكَّة
أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
يُرِيد أَن يَغْزُو فَخُذُوا حذركُمْ قَوْله فأهوت أَي
مَالَتْ قَوْله " إِلَى حجزَتهَا " بِضَم الْحَاء
الْمُهْملَة وَسُكُون الْجِيم وبالزاي وَهِي معقد
الْإِزَار قَوْله وَهِي محتجزة بكساء من احتجز بِإِزَارِهِ
شده على وَسطه وَقد مر فِي بَاب الجاسوس أَنَّهَا أخرجته
من عقاصها أَي من شعورها قَالَ الْكرْمَانِي لَعَلَّهَا
أخرجته من الحجزة أَولا وأخفته فِي الشّعْر ثمَّ اضطرت
إِلَى الْإِخْرَاج مِنْهُ أَو بِالْعَكْسِ قَوْله " فاتوا
بهَا " أَي بالصحيفة قَوْله " رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " ويروى " فاتوا بهَا إِلَى
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - "
قَوْله " فَإِذا فِيهِ " أَي فِي الْكتاب من حَاطِب إِلَى
نَاس من الْمُشْركين من أهل مَكَّة سماهم الْوَاقِدِيّ فِي
رِوَايَته سُهَيْل بن عَمْرو العامري وَعِكْرِمَة بن أبي
جهل المَخْزُومِي وَصَفوَان بن أُميَّة الجُمَحِي قَوْله "
مَا لي أَن لَا أكون مُؤمنا بِاللَّه وَرَسُوله " وَفِي
رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي " مَا بِي أَن لَا أكون "
بِالْبَاء الْمُوَحدَة بدل اللَّام وَفِي رِوَايَة عبد
الرَّحْمَن بن حَاطِب " أما وَالله مَا ارتبت مُنْذُ أسلمت
فِي الله " وَفِي رِوَايَة ابْن عَبَّاس قَالَ " وَالله
إِنِّي لناصح لله وَرَسُوله " قَوْله " يَد " أَي منَّة
أدفَع بهَا عَن أَهلِي وَمَالِي وَفِي رِوَايَة أعشى
ثَقِيف " وَالله وَرَسُوله أحب إِلَيّ من أَهلِي وَمَالِي
" وَفِي رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن حَاطِب " وَلَكِنِّي
كنت امْرأ غَرِيبا فِيكُم وَكَانَ لي بنُون وأخوة بِمَكَّة
فَكتبت لعَلي أدفَع عَنْهُم " قَوْله " هُنَالك " وَفِي
رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي هُنَاكَ قَوْله " قَالَ صدق " أَي
قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
" صدق حَاطِب " فَيحْتَمل أَن يكون قد عرف صدقه من كَلَامه
وَيحْتَمل أَن يكون بِالْوَحْي قَوْله " فَعَاد عمر " أَي
إِلَى كَلَامه الأول فِي حَاطِب وَفِيه إِشْكَال حَيْثُ
عَاد إِلَى كَلَامه الأول بعد أَن صدق النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَاطِبًا وَأجِيب عَنهُ
بِأَنَّهُ ظن أَن صدقه فِي عذره لَا يدْفع عَنهُ مَا وَجب
عَلَيْهِ من الْقَتْل قَوْله " فلأضرب عُنُقه " قَالَ
الْكرْمَانِي فلأضرب بِالنّصب وَهُوَ فِي تَأْوِيل مصدر
مَحْذُوف وَهُوَ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي اتركني فتركك
للضرب وبالجزم
(24/94)
وَالْفَاء زَائِدَة على مَذْهَب الْأَخْفَش وَاللَّام
لِلْأَمْرِ وَيجوز فتحهَا على لُغَة سليم وتسكينها مَعَ
الْفَاء عِنْد قُرَيْش وَأمر الْمُتَكَلّم نَفسه
بِاللَّامِ فصيح قَلِيل الِاسْتِعْمَال وبالرفع أَي
فوَاللَّه لأضرب قَوْله أَو لَيْسَ من أهل بدر وَفِي
رِوَايَة الْحَارِث أَلَيْسَ قد شهد بَدْرًا وَهُوَ
اسْتِفْهَام تَقْرِير وَجزم فِي رِوَايَة عبيد الله بن أبي
رَافع أَنه شهد بَدْرًا وَزَاد الْحَارِث فَقَالَ عمر
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بلَى وَلكنه نكث وَظَاهر أعداءك
عَلَيْك قَوْله لَعَلَّ الله اطلع عَلَيْهِم أَي على أهل
بدر فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فقد أوجبت لكم الْجنَّة
قَالَ الْعلمَاء مَعْنَاهُ الغفران لَهُم فِي الْآخِرَة
وَإِلَّا فَلَو توجه على أحد مِنْهُم حد أَو غَيره أقيم
عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَنقل القَاضِي عِيَاض
الْإِجْمَاع على إِقَامَة الْحَد قَالَ وَضرب النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مسطحًا الْحَد
وَكَانَ بَدْرِيًّا وَفِي التَّوْضِيح وَقد اعْترض بعض أهل
الْبدع بِهَذَا الحَدِيث على قَضِيَّة مسطح حِين جلد فِي
قذف عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا وَكَانَ
بَدْرِيًّا قَالُوا وَكَانَ يَنْبَغِي أَن لَا يحد كحاطب
وَالْجَوَاب أَن المُرَاد غفر لَهُم عِقَاب الْآخِرَة دون
الدُّنْيَا وَقد قَامَ الْإِجْمَاع على أَن كل من ارْتكب
من أهل بدر ذَنبا بَينه وَبَين الله فِيهِ حد وَبَينه
وَبَين الْخلق من القف أَو الْجراح أَو الْقَتْل فَإِن
عَلَيْهِ فِيهِ الْحَد وَالْقصاص وَلَيْسَ يدل عَفْو
العَاصِي فِي الدُّنْيَا وَإِقَامَة الْحُدُود عَلَيْهِ
على أَنه يُعَاقب فِي الْآخِرَة لقَوْله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي مَاعِز والغامدية لقد تَابَ
تَوْبَة لَو قسمت على أهل الأَرْض لوسعتهم قَوْله فاغرورقت
عَيناهُ أَي عينا عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَهُوَ من
الاغريراق
(قَالَ أَبُو عبد الله خَاخ أصح وَلَكِن كَذَا قَالَ أَبُو
عوَانَة حَاج وحاج تَصْحِيف وَهُوَ مَوضِع. وهشيم يَقُول
خَاخ) أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه خَاخ أصح
يَعْنِي بخاءين معجمتين قَوْله وَلَكِن كَذَا قَالَ أَبُو
عوَانَة وَهُوَ الوضاح الْيَشْكُرِي أحد رُوَاة حَدِيث
الْبَاب قَوْله وحاج تَصْحِيف يَعْنِي بِالْحَاء
الْمُهْملَة وَالْجِيم مصحف وَقد مر بَيَانه عَن قريب
قَوْله وَهُوَ مَوضِع يَعْنِي حَاج بِالْحَاء الْمُهْملَة
وبالجيم اسْم مَوضِع وَقد ذَكرْنَاهُ قَوْله وهشيم بِضَم
الْهَاء وَفتح الشين الْمُعْجَمَة ابْن بشير الوَاسِطِيّ
يَقُول خَاخ يَعْنِي بالمعجمتين يَعْنِي فِي قَول
الْأَكْثَرين وَقيل بل هُوَ أَيْضا يَقُول مثل قَول أبي
عوَانَة وَبِه جزم السُّهيْلي وَيُؤَيِّدهُ أَن
البُخَارِيّ لما أخرجه من طَرِيقه فِي الْجِهَاد عبر بقوله
رَوْضَة كَذَا فَلَو كَانَ بالمعجمتين لما كنى عَنهُ - |