عمدة القاري شرح
صحيح البخاري {بِسم الله الرحمان الرَّحِيم}
ثبتَتْ الْبَسْمَلَة هُنَا لجَمِيع الروَاة.
(كِتابُ التَّعْبِيرِ)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان التَّعْبِير. وَقَالَ
الْكرْمَانِي: قَالُوا الفصيح الْعبارَة لَا التَّعْبِير
وَهِي التَّفْسِير والإخبار بِمَا يؤول إِلَيْهِ أَمر
الرُّؤْيَا، وَالتَّعْبِير خَاص بتفسير الرُّؤْيَا وَهِي
العبور من ظَاهرهَا إِلَى بَاطِنهَا، وَقيل: هُوَ النّظر
فِي الشَّيْء فتعبير بعضه بِبَعْض حَتَّى يحصل على فهمه،
وَأَصله من العبر، بِفَتْح الْعين وَسُكُون الْبَاء وَهُوَ
التجاوز من حَال إِلَى حَال وَالِاعْتِبَار وَالْعبْرَة
الْحَالة الَّتِي يتَوَصَّل بهَا من معرفَة الْمشَاهد
إِلَى مَا لَيْسَ بمشاهد، وَيُقَال: عبرت الرُّؤْيَا
بِالتَّخْفِيفِ إِذا فسرتها، وعبرتها بِالتَّشْدِيدِ لأجل
الْمُبَالغَة فِي ذَلِك.
1 - (بابٌ أوَّلُ مَا بُدِىءَ بِهِ رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مِنَ الوَحْيِ الرُّؤُيا الصَّالِحَةُ)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ أول مَا بدىء بِهِ، وَهَكَذَا وَقع
فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ والقابسي، وَكَذَا وَقع لأبي ذَر
مثله إلاَّ أَنه سقط لَهُ عَن غير الْمُسْتَمْلِي لفظ:
بَاب. وَوَقع لغَيرهم، بَاب التَّعْبِير وَأول مَا بدىء
بِهِ ... الخ. والرؤيا مَا يرَاهُ الشَّخْص فِي مَنَامه،
وَهِي على وزن فعلى وَقد تسهل الْهمزَة، وَقَالَ الواحدي:
هُوَ فِي الأَصْل مصدر كالبشري فَلَمَّا جعلت اسْما لما
يتخيله النَّائِم أجريت مجْرى الْأَسْمَاء. وَقَالَ ابْن
الْعَرَبِيّ: الرُّؤْيَا إدراكات يخلقها الله عز وَجل فِي
قلب العَبْد على يَدي ملك أَو شَيْطَان إِمَّا بأسمائها
أَي: حَقِيقَتهَا وَإِمَّا بكناها أَي: بعبارتها، وَإِمَّا
تَخْلِيط، ونظيرها فِي الْيَقَظَة: الخواطر، فَإِنَّهَا قد
تَأتي على نسق فِي قصد وَقد تَأتي مسترسلة غير محصلة.
وروى الْحَاكِم والعقيلي من رِوَايَة مُحَمَّد بن عجلَان
عَن سَالم بن عبد الله بن عمر عَن أَبِيه قَالَ: لَقِي عمر
عليّاً، رَضِي الله عَنْهُمَا، فَقَالَ: يَا أَبَا الْحسن
الرجل يرى الرُّؤْيَا فَمِنْهَا مَا يصدق وَمِنْهَا مَا
يكذب؟ قَالَ: نعم. سَمِعت رَسُول الله يَقُول: مَا من عبد
وَلَا أمة ينَام فيمتلىء نوماً إِلَّا يخرج بِرُوحِهِ
إِلَى الْعَرْش. فَالَّذِي لَا يَسْتَيْقِظ دون الْعَرْش
فَتلك الرُّؤْيَا الَّتِي تصدق وَالَّذِي يَسْتَيْقِظ دون
الْعَرْش فَتلك الَّتِي تكذب قَالَ الذَّهَبِيّ فِي تلخيصه
هَذَا حَدِيث مُنكر وَلم يُصَحِّحهُ الْمُؤلف، وَلَعَلَّ
الآفة من
(24/126)
الرَّاوِي عَن ابْن عجلَان. انْتهى.
الرَّاوِي عَن ابْن عجلَان هُوَ أَزْهَر بن عبد الله
الْأَزْدِيّ الخرساني، ذكره الْعقيلِيّ فِي تَرْجَمته،
وَقَالَ: إِنَّه غير مَحْفُوظ. قَوْله: الرُّؤْيَا
الصادقة، قد ذكرنَا أَن الرُّؤْيَا فِي الْمَنَام، والرؤية
هِيَ النّظر بِالْعينِ والرأي بِالْقَلْبِ، والصادقة هِيَ
رُؤْيا الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام،
وَمن تَبِعَهُمْ من الصَّالِحين، وَقد تقع لغَيرهم بندور
والأحلام الملتبسة أضغاث وَهِي لَا تندر بِشَيْء.
6982 - حدّثنا يَحْياى بنُ بُكَيْرٍ، حدّثنا اللَّيْثُ عنْ
عُقَيْلٍ، عنِ ابنِ شِهابٍ. ح وحدّثني عَبْدُ الله بنُ
مُحَمَّدٍ، حدّثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حدّثنا مَعْمَرٌ
قَالَ، الزُّهْرِيُّ: فَأَخْبرنِي عُرْوَةُ عنْ عائِشَةَ،
رَضِي الله عَنْهَا، أنَّها قالَتْ: أوَّلُ مَا بُدِىءَ
بِهِ رسولُ الله مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيا الصَّادِقَةُ فِي
النَّوْمِ، فَكانَ لَا يَرى رُؤْيا إلاَّ جاءَتْ مِثْلَ
فَلَقِ الصُّبْحِ، فكانَ يَأتِي حِراءً فَيَتَحَنَّثُ
فِيهِ وهْوَ التَّعَبُّدُ اللَّيالِيَ ذَواتِ العَدَدِ
ويَتَزَوَّدُ لِذالِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَة
فَتُزَوِّدُ لِمِثْلِها حتَّى فَجِئَهُ الحَقُّ وهْوَ فِي
غارِ حِراءِ، فَجاءَهُ المَلَكُ فِيهِ فَقَالَ: فَقَالَ
لهُ النبيُّ فَقُلْتُ مَا أَنا بِقارِىءٍ، فأخَذَنِي
فَغَطَّني حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهُدَ، ثُمَّ
أرْسَلَنِي فَقَالَ: ع فَقُلْتُ مَا أَنا بِقَارِىءٍ،
فأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حتَّى بَلَغَ مِنِّي
الجُهْدَ، ثمَّ أرْسَلَنِي فَقَالَ: ع فَقُلْتُ مَا أَنا
بِقارِىءٍ، فَغَطَنِي الثَّالِثَةَ حتَّى بَلَغَ مِنِّي
الجُهْدُ، ثُمَّ أرْسَلَنِي فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ
رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ} حتَّى بَلَغَ: {عَلَّمَ
الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} فَرَجَعَ بهَا تَرْجُفُ
بَوَادِرُهُ حتّى دَخَلَ عَلى خَدِيجَةَ فَقَالَ:
زَمِّلُونِي زَمُلُونِي فَزَمَّلُوه حتّى ذَهَبَ عَنْهُ
الرَّوْعُ، فَقَالَ: يَا خَدِيجَةُ مَا لِي وأخْبَرَها
الخَبَرَ، وَقَالَ: قَدْ خَشِيتُ على نَفْسِي فقالَتْ لهُ
كَلاّ أبْشِرْ فَوالله لَا يخْزِيكَ الله أبَداً إنِّكَ
لَتَصلُ الرَّحِمَ وتَصْدُقُ الحَديثَ وتَحْمِلُ الكَلَّ
وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ عَلى نَوائِبِ الحَقِّ،
ثُمَّ انْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حتَّى أتَتْ بِهِ
وَرَقَةَ بنَ نَوْفَل بن أسَدِ بنِ عَبْدِ العُزَّى بنِ
قُصَيَ، وهْوَ ابنُ عَمِّ خَدِيجَةَ أخُو أبِيها. وَكَانَ
امْرأً تَنَصَّرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ
الكِتابَ العَرَبِيَّ، فَيَكْتُبُ بِالعَرَبِيَّةِ مِنَ
الإنْجِيلِ مَا شاءَ الله أنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخاً
كَبِيراً قَدْ عَمِيَ. فقالَتْ لهُ خَدِيجَةُ: أَي ابنَ
عَمِّ اسْمَعْ مِنِ ابنِ أخِيكَ. فَقَالَ ورَقَةُ: ابنَ
أخي مَاذَا تَراى؟ فأخْبَرَهُ النبيُّ مَا رأى، فَقَالَ
وَرَقَةُ: هاذا النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلى مُوساى
يَا لَيْتَنِي فِيها جَذَعاً، أكُونُ حَيّاً حينَ
يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فَقَالَ رسولُ الله أوْ مُخْرِجِيَّ
هُمْ؟ فَقَالَ وَرَقَةُ: نَعَمْ، لَمْ يأْتِ رَجُلٌ قَطُّ
بِما جِئْتَ بِهِ إلاّ عُودِيَ، وإنْ يُدْرِكْني يَوْمُكَ
أنْصُرْك نَصْراً مُؤزَّراً، ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ ورَقَةُ
أَن تُوفِّيَ وفَتَرَ الوَحْيُ فَتْرَةً حتَّى حَزِنَ
النبيُّ فِيما بَلَغَنا حُزْناً غَدا مِنْهُ مِراراً كَيْ
يَتَرَدَّى مِنْ رُؤُوسِ شَواهِقِ الجِبالِ، فَكُلَّما
أوْفاى بِذرْوَةِ جبلٍ لِكَيْ يُلْقِيَ مِنْهُ نَفْسَهُ
تَبَدَّى لهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إنَّكَ
رسولُ الله حَقّاً فَيَسْكُنُ لِذالِكَ جَأْشُهُ وتَقِرُّ
نَفْسُهُ فَيَرْجِعُ فَإِذا طالَتْ عَليْهِ فَتْرَةُ
الوَحْيِ غَدا لِمِثْلِ ذالِكَ، فَإِذا أوْفاى بِذِرْوَةِ
جَبَلِ تَبَدَّى لهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ لهُ مِثْلَ ذالِكَ.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: فالِقُ
(24/127)
الإصْباحِ: ضَوْءُ الشَّمْسِ بِالنَّهارِ
وضَوْءُ القَمَرِ بِاللَّيْلِ.
ف
هَذَا الحَدِيث قد مر فِي أول الْكتاب وَمضى الْكَلَام
فِيهِ مُسْتَوفى.
وَعَائِشَة لم تدْرك هَذَا الْوَقْت فإمَّا أَنَّهَا سمعته
من النَّبِي أَو من صَحَابِيّ آخر.
وَأخرجه هُنَا من طَرِيقين: أَحدهمَا: عَن يحيى بن عبد
الله بن بكير المَخْزُومِي الْمصْرِيّ عَن اللَّيْث بن سعد
الْمصْرِيّ عَن عقيل بِضَم الْعين ابْن خَالِد عَن
مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ وَالْآخر عَن عبد
الله بن مُحَمَّد الْجعْفِيّ الْمَعْرُوف بالمسندي عَن عبد
الرَّزَّاق بن همام عَن معمر بن رَاشد عَن مُحَمَّد بن
مُسلم الزُّهْرِيّ، وَكتب بَين الْإِسْنَاد حرف ح إِشَارَة
إِلَى التَّحْوِيل من إِسْنَاد قبل ذكر الحَدِيث إِلَى
إِسْنَاد آخر. وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَو الْإِشَارَة
إِلَى صَحَّ أَو إِلَى الْحَائِل أَو إِلَى الحَدِيث.
قَوْله فَأَخْبرنِي عُرْوَة ذكر حرف الْفَاء إشعاراً
بِأَنَّهُ روى لَهُ حَدِيثا ثمَّ عقبه بِهَذَا الحَدِيث،
فَهُوَ عطف على مُقَدّر، وَوَقع عِنْد مُسلم: عَن مُحَمَّد
بن رَافع عَن عبد الرَّزَّاق مثله، لَكِن فِيهِ:
وَأَخْبرنِي، بِالْوَاو لَا بِالْفَاءِ. قَوْله: الصادقة
وَفِي رِوَايَة: الصَّالِحَة، وهما بِمَعْنى وَاحِد
بِالنِّسْبَةِ إِلَى أُمُور الْآخِرَة فِي حق
الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام. وَأما بِالنِّسْبَةِ
إِلَى أُمُور الدُّنْيَا فالصالحة أخص فرؤيا النَّبِي
صَادِقَة وَقد تكون صَالِحَة وَهِي الْأَكْثَر وَغير
صَالِحَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى الدُّنْيَا، كَمَا وَقع فِي
الرُّؤْيَا يَوْم أحد، وَأما رُؤْيا غير الْأَنْبِيَاء،
عَلَيْهِم السَّلَام، فبينهما عُمُوم وخصوص إِن فسرنا
الصادقة بِأَنَّهَا الَّتِي لَا تحْتَاج إِلَى تَعْبِير،
وَإِن فسرناها بِأَنَّهَا غير الأضغاث فالصالحة أخص
مُطلقًا. وَقيل: الرُّؤْيَا الصادقة مَا يَقع بِعَيْنِه
أَو مَا يعبر فِي الْمَنَام أَو يخبر بِهِ من لَا يكذب،
والصالحة مَا يسر. وَقَالَ الْكرْمَانِي: الصَّالِحَة مَا
صلح صورتهَا أَو مَا صلح تعبيرها، والصادقة الْمُطَابقَة
للْوَاقِع. قَوْله: جَاءَت هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني،
وَفِي رِوَايَة غَيره: جَاءَتْهُ قَوْله: فلق الصُّبْح
بِفَتْح الْفَاء: ضوء الصُّبْح وَشقه من الظلمَة وافتراقها
مِنْهُ. وَجه التَّشْبِيه بفلق الصُّبْح دون غَيره هُوَ
أَن شمس النُّبُوَّة كَانَت الرُّؤْيَا مبادىء أنوارها
فَمَا زَالَ ذَلِك النُّور يَتَّسِع حَتَّى أشرقت
الشَّمْس، فَمن كَانَ بَاطِنه نورياً كَانَ فِي
التَّصْدِيق بكرياً كَأبي بكر، وَمن كَانَ بَاطِنه مظلماً
كَانَ فِي التَّكْذِيب خفاشاً كَأبي جهل، وَبَقِيَّة
النَّاس بَين هَاتين المنزلتين كل مِنْهُم بِقدر مَا أعطي
من النُّور. قَوْله: جراء بِكَسْر الْحَاء وبالمد وَهُوَ
الْأَفْصَح وَحكى بِتَثْلِيث أَوله مَعَ الْمَدّ وَالْقصر
وَالصرْف وَعَدَمه، فتجتمع فِيهِ عدَّة لُغَات مَعَ قلَّة
أحرفه وَنَظِيره: قبَاء، والخطابي جزم بِأَن فتح أَوله لحن
وَكَذَا ضمه وَكَذَا قصره، قيل: الْحِكْمَة فِي تَخْصِيصه
بالتخلي فِيهِ أَن الْمُقِيم فِيهِ كَانَت تمكنه فِيهِ
رُؤْيَة الْكَعْبَة فتجتمع فِيهِ لمن يَخْلُو فِيهِ ثَلَاث
عبادات: الْخلْوَة والتعبد وَالنَّظَر إِلَى الْبَيْت.
وَقيل: إِن قُريْشًا كَانَت تَفْعَلهُ، وَأول من فعل ذَلِك
من قُرَيْش عبد الْمطلب وَكَانُوا يعظمونه لجلالته وَكبر
سنه، فَتَبِعَهُ على ذَلِك من كَانَ يتأله وَكَانَ يَخْلُو
بمَكَان جده وَسلم لَهُ ذَلِك أَعْمَامه لكرامته
عَلَيْهِم. قَوْله: وَهُوَ التَّعَبُّد تَفْسِير للتحنث
الَّذِي فِي ضمن: يَتَحَنَّث، وَهُوَ إدراج من الرَّاوِي.
قَوْله: اللَّيَالِي ذَوَات الْعدَد قَالَ الْكرْمَانِي:
اللَّيَالِي مفعول يَتَحَنَّث وَذَوَات بِالْكَسْرِ أَي
كَثِيرَة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: اللَّيَالِي ذَوَات
الْعدَد، يحْتَمل الْكَثْرَة إِذْ الْكثير يحْتَاج إِلَى
الْعدَد، وَقَالَ غَيره: المُرَاد بِهِ الْكَثْرَة لِأَن
الْعدَد على قسمَيْنِ فَإِذا أطلق أُرِيد بِهِ مَجْمُوع
الْقلَّة وَالْكَثْرَة فَكَأَنَّهَا قَالَت ليَالِي
كَثِيرَة، أَي: مَجْمُوع قسم الْعدَد. قَوْله: فتزود
لمثلهاكذا فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره:
فتزوده، بالضمير. وَقَوله: لمثلهَا أَي: لمثل اللَّيَالِي،
وَقيل: يحْتَمل أَن يكون للمرة أَو الفعلة أَو الْخلْوَة
أَو الْعِبَادَة، وَقَالَ بعض من عاصرناه: إِن الضَّمِير
للسّنة فَذكر من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: كَانَ يخرج إِلَى
غَار حراء فِي كل عَام شهرا من السّنة يتنسك فِيهِ يطعم من
جَاءَهُ من الْمَسَاكِين. قَالَ: وَظَاهره التزود لمثلهَا
كَانَ فِي السّنة الَّتِي تَلِيهَا لَا لمرة أُخْرَى من
تِلْكَ السّنة، وَاعْترض عَلَيْهِ بعض تلامذته بِأَن
مُدَّة الْخلْوَة كَانَت شهرا كَانَ يتزود لبَعض ليَالِي
الشَّهْر، فَإِذا نفد ذَلِك الزَّاد رَجَعَ إِلَى أَهله
فيتزود قدر ذَلِك من جِهَة أَنهم لم يَكُونُوا فِي سَعَة
بَالِغَة من الْعَيْش، وَكَانَ غَالب زادهم اللَّبن
وَاللَّحم، وَذَلِكَ لَا يدّخر مِنْهُ كِفَايَة الشَّهْر
لِئَلَّا يسْرع إِلَيْهِ الْفساد، وَلَا سِيمَا وَقد وصف
بِأَنَّهُ كَانَ يطعم من يرد عَلَيْهِ. قَوْله: حَتَّى
فجئه الْحق كلمة: حَتَّى، هُنَا على أَصْلهَا لانْتِهَاء
الْغَايَة، وَالْمعْنَى: انْتهى توجهه لغَار حراء بمجيء
الْملك وَترك ذَلِك، وفجئه بِفَتْح الْفَاء وَكسر الْجِيم
وبهمزة فعل مَاض أَي: جَاءَهُ الْوَحْي بَغْتَة، وَقَالَ
الطَّيِّبِيّ: الْحق أَي: أَمر الْحق وَهُوَ الْوَحْي أَو:
رَسُول الْحق وَهُوَ جِبْرِيل،
(24/128)
عَلَيْهِ السَّلَام، وَقيل: الْحق الْأَمر
الْبَين الظَّاهِر أَو المُرَاد: الْملك بِالْحَقِّ، أَي:
الْأَمر الَّذِي بعث بِهِ. قَوْله: فَجَاءَهُ الْفَاء فَاء
التفسيرية، وَقيل: يحْتَمل أَن تكون للتعقيب، وَقيل:
يحْتَمل أَن تكون سَبَبِيَّة. قَوْله: فِيهِ أَي: فِي
الْغَار، وَهَذَا يرد قَول من قَالَ: إِن الْملك لم يدْخل
إِلَيْهِ الْغَار بل كَلمه وَالنَّبِيّ دَاخل الْغَار
وَالْملك على الْبَاب، وَالْملك هُنَا جِبْرِيل، عَلَيْهِ
السَّلَام، وَقيل: اللَّام فِيهِ لتعريف الْمَاهِيّة لَا
للْعهد إلاَّ أَن يكون المُرَاد بِهِ مَا عَهده، عَلَيْهِ
السَّلَام، قبل ذَلِك لما كَلمه فِي صباه وَكَانَ سنّ
النَّبِي حِين جَاءَهُ جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، فِي
غَار حراء أَرْبَعِينَ سنة على الْمَشْهُور، وَكَانَ ذَلِك
يَوْم الِاثْنَيْنِ نَهَارا فِي شهر رَمَضَان فِي سَابِع
عشرَة، وَقيل: فِي سابعه، وَقيل فِي: رَابِع عشْرين،
وَقيل: كَانَ فِي سَابِع عشْرين شهر رَجَب، وَقيل: فِي أول
شهر ربيع الأول، وَقيل: فِي ثامنه. قَوْله: فَقَالَ اقْرَأ
ظَاهره أَنه لم يتَقَدَّم من جِبْرِيل شَيْء قبل هَذِه
الْكَلِمَة وَلَا السَّلَام، وَقيل: يحْتَمل أَنه سلم
وَحذف ذكره، وروى الطَّيَالِسِيّ أَن جِبْرِيل سلم أَولا
وَلم ينْقل أَنه سلم عِنْد الْأَمر بِالْقِرَاءَةِ.
قَوْله: فَقَالَ اقْرَأ قيل: دلّت الْقِصَّة على أَن
مُرَاد جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام أَن يَقُول النَّبِي
نَص مَا قَالَه، وَهُوَ قَوْله: اقْرَأ وَإِنَّمَا لم يقل
لَهُ: قل: اقْرَأ لِئَلَّا يظنّ أَن لَفْظَة: قل، أَيْضا
من الْقُرْآن. فَإِن قلت: مَا الَّذِي أَرَادَ باقرأ. قلت:
هُوَ الْمَكْتُوب الَّذِي فِي النمط، كَذَا فِي رِوَايَة
ابْن إِسْحَاق، فَلذَلِك قَالَ: مَا أَنا بقارىء يَعْنِي:
أَنا أُمي لَا أحسن قِرَاءَة الْكتب، فَإِن قلت: مَا كَانَ
الْمَكْتُوب فِي ذَلِك النمط؟ . قلت: الْآيَات الأول من
{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ} وَقيل:
وَيحْتَمل أَن يكون ذَلِك جملَة الْقُرْآن نزل بِاعْتِبَار
ثمَّ نزل منجماً بِاعْتِبَار آخر، وَفِيه إِشَارَة إِلَى
أَن أمره تكمل بِاعْتِبَار الْجُمْلَة ثمَّ تكمل
بِاعْتِبَار التَّفْصِيل. فغطني من الغط بالغين
الْمُعْجَمَة وَهُوَ الْعَصْر الشَّديد والكبس، وَقَالَ
ابْن الْأَثِير: قيل: إِنَّمَا غطه ليختبره، هَل يَقُول من
تِلْقَاء نَفسه شَيْئا وَقيل: لتنبيهه واستحضاره وَنفي
منافيات الْقِرَاءَة عَنهُ. وَقَالَ السُّهيْلي: تَأْوِيل
الغطات الثَّلَاث أَنَّهَا كَانَت فِي النّوم أَنه ستقع
لَهُ ثَلَاث شَدَائِد يبتلى بهَا ثمَّ يَأْتِي الْوَحْي،
وَكَذَا كَانَت: الأولى: فِي الشّعب لما حصرتهم قُرَيْش
فَإِنَّهُ لَقِي وَمن تبعه شدَّة عَظِيمَة. الثَّانِيَة:
لما خَرجُوا توعدوهم بِالْقَتْلِ حَتَّى فروا إِلَى
الْحَبَشَة. وَالثَّالِثَة: لما هموا بِهِ مَا هموا من
الْمَكْر بِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ يَمْكُرُ
بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ
أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ
وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} الْآيَة، فَكَانَت لَهُ
الْعَاقِبَة فِي الشدائد الثَّلَاث، وَقَالَ من عاصرنا من
الْمَشَايِخ مَا ملخصه: إِن هَذِه الْمُنَاسبَة حَسَنَة
وَلَا يتَعَيَّن للنوم بل يكون بطرِيق الْإِشَارَة فِي
الْيَقَظَة وَقَالَ: وَيُمكن أَن تكون الْمُنَاسبَة أَن
الْأَمر الَّذِي جَاءَ بِهِ ثقيل من حَيْثُ القَوْل
وَالْعَمَل وَالنِّيَّة، أَو من جِهَة التَّوْحِيد
وَالْأَحْكَام والإخبار بِالْغَيْبِ الْمَاضِي والآتي،
وَأَشَارَ بالإرسالات الثَّلَاث إِلَى حُصُول التَّيْسِير
والتسهيل والخفيف فِي الدُّنْيَا والبرزخ وَالْآخِرَة
عَلَيْهِ وعَلى أمته قَوْله: حَتَّى بلغ مني الْجهد؟ بِضَم
الْجِيم الطَّاقَة وَبِفَتْحِهَا الْغَايَة، وَيجوز فِيهِ
رفع الدَّال ونصبها، أما الرّفْع فعلى أَنه فَاعل بلغ،
وَهِي الْقِرَاءَة الَّتِي عَلَيْهَا الْأَكْثَرُونَ وَهِي
المرجحة، وَأما النصب فعلى أَن فَاعل: بلغ، هُوَ الغط
الَّذِي دلّ عَلَيْهِ قَوْله: غطني وَالتَّقْدِير: بلغ مني
الغط جهده أَي: غَايَته، وَقَالَ الشَّيْخ التوربشتي: لَا
أرى الَّذِي قَالَه بِالنّصب إلاَّ وهما فَإِنَّهُ يصير
الْمَعْنى أَنه غطه حَتَّى استفرغ الْملك قوته فِي ضغطه
بِحَيْثُ لم يبْق فِيهِ مزِيد، وَهُوَ قَول غير سديد،
فَإِن البنية البشرية لَا تطِيق استنفاد الْقُوَّة الملكية
لَا سِيمَا فِي مُبْتَدأ الْأَمر، وَقد صرح فِي الحَدِيث
بِأَنَّهُ دخله الرعب من ذَلِك. انْتهى. وَقيل: لَا مَانع
أَن يكون الله قوَّاه على ذَلِك وَيكون من جملَة معجزاته،
وَقَالَ الطَّيِّبِيّ فِي جَوَابه، بِأَن جِبْرِيل لم يكن
حينئذٍ على صورته الملكية فَيكون استفراغ جهده بِحَسب
صورته الَّتِي جَاءَ بهَا حِين غطه، وَقَالَ: وَإِذا صحت
الرِّوَايَة اضمحل الاستبعاد. انْتهى، وَفِيه تَأمل.
قَوْله: فَرجع بهَا أَي: مصاحباً بِالْآيَاتِ
الْمَذْكُورَة الْخمس. قَوْله: ترجف بوادره جملَة حَالية
والبوادر جمع البادرة وَهِي اللحمة بَين الْعُنُق والمنكب،
وَقد تقدم فِي بَدْء الْوَحْي بِلَفْظ: فُؤَاده قيل:
الْحِكْمَة فِي الْعُدُول عَن الْقلب إِلَى الْفُؤَاد أَن
الْفُؤَاد وعَاء الْقلب فَإِذا حصل الرجفان للفؤاد حصل لما
فِيهِ. قَوْله: الروع بِفَتْح الرَّاء الْفَزع. قَوْله:
مَالِي أَي: مَا كَانَ الَّذِي حصل لي؟ قَوْله: قد خشيت
على نَفسِي هَكَذَا رِوَايَة الكشمهيني: وَفِي رِوَايَة
غَيره: خشيت عَليّ، بِالتَّشْدِيدِ يَعْنِي: من أَن يكون
مَرضا أَو عارضاً من الْجِنّ. وَقَالَ الْكرْمَانِي:
قَالُوا: الأولى: خشيت أَنِّي لَا أقوى على تحمل أعباء
الرسَالَة ومقاومة الْوَحْي. قَوْله: فَقَالَت لَهُ كلا
أَي: فَقَالَت خَدِيجَة للنَّبِي كلا، أَي: لَيْسَ الْأَمر
كَمَا زعمت بل لَا خشيَة عَلَيْك،
(24/129)
وأصل كلمة: كلا، للردع والإبعاد وَقد
يَجِيء بِمَعْنى: حَقًا. قَوْله: أبشر خطاب من خَدِيجَة
للنَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، وَهُوَ
أَمر من الْبشَارَة بِكَسْر الْبَاء وَضمّهَا وَهُوَ اسْم
والمصدر بشر وبشور من بشرت الرجل أُبَشِّرهُ بِالضَّمِّ
أَي: أدخلت لَهُ سُرُورًا وفرحاً وَلم يعين فِيهِ المبشر
بِهِ وَوَقع فِي دَلَائِل النُّبُوَّة للبيهقي من طَرِيق
أبي ميسرَة مُرْسلا مطولا، وَفِي آخر: فأبشر فَإنَّك
رَسُول الله حَقًا، وَفِيه: لَا يفعل الله بك إلاَّ خيرا.
قَوْله: لَا يخزيك الله أبدا من الخزي بالمعجمتين وَهُوَ
الذل والهوان، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: لَا يحزنك الله،
من الْحزن بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالنُّون. قَوْله: الْكل
أَي: ثقل من النَّاس. قَوْله: على نَوَائِب الْحق جمع
نائبة وَهِي مَا يَنُوب الْإِنْسَان أَي: ينزل بِهِ من
الْمُهِمَّات والحوادث. قَوْله: وَهُوَ ابْن عَم خَدِيجَة
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أَخُو أَبِيهَا كَذَا وَقع
هُنَا، وأخو صفة للعم فَكَانَ حَقه أَن يذكر مجروراً.
وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة ابْن عَسَاكِر: أخي أَبِيهَا،
وَوجه رِوَايَة الرّفْع أَنه مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هُوَ
أَخُو أَبِيهَا، فَائِدَته دفع الْمجَاز فِي إِطْلَاق
الْعم عَلَيْهِ. قَوْله: تنصر أَي: دخل فِي دين
النَّصْرَانِيَّة. قَوْله: فِي الْجَاهِلِيَّة أَي: قبل
الْبعْثَة المحمدية. قَوْله: بالعبرانية بِكَسْر الْعين
وَكَذَلِكَ العبري، قَالَ الْجَوْهَرِي: هُوَ لُغَة
الْيَهُود وَقد ذكرنَا فِي أول الْكتاب فِي هَذَا الحَدِيث
أَن العبراني نِسْبَة إِلَى العبر، وزيدت فِيهِ الْألف
وَالنُّون فِي النِّسْبَة على غير الْقيَاس، وَقَالَ ابْن
الْكَلْبِيّ: مَا أَخذ على غربي الْفُرَات فِي قَرْيَة
الْعَرَب يُسمى العبر وَإِلَيْهِ ينْسب العبريون من
الْيَهُود لأَنهم لم يَكُونُوا عبروا الْفُرَات. قَوْله:
اسْمَع من ابْن أَخِيك إِنَّمَا قالته تَعْظِيمًا وإظهاراً
للشفقة لِأَنَّهُ لم يكن ابْن أخي ورقة. قَوْله: هَذَا
الناموس هُوَ صَاحب السِّرّ يَعْنِي جِبْرِيل، عَلَيْهِ
السَّلَام، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مطولا. قَوْله: جذعاً
بِفَتْح الْجِيم والذال الْمُعْجَمَة وَهُوَ الشَّاب
الْقوي، وانتصابه على تَقْدِير: لَيْتَني أكون جذعاً، أَو
هُوَ مَنْصُوب على مَذْهَب من ينصب: بليت، الجزأين، أَو:
حَال، قَالَه الْكرْمَانِي. قلت: لَا يكون حَالا إلاَّ
بالتأويل. قَوْله: أَو مخرجي هم؟ الْهمزَة للاستفهام،
وَالْوَاو للْعَطْف على مُقَدّر بعْدهَا، وهم مُبْتَدأ،
ومخرجي مقدما خَبره وَأَصله: مخرجين، فَلَمَّا أضيف إِلَى
يَاء الْمُتَكَلّم سَقَطت النُّون. قَوْله: بِمَا جِئْت
بِهِ وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: بِمثل مَا جِئْت بِهِ.
قَوْله: إلاَّ عودي على صِيغَة الْمَجْهُول من المعاداة.
قَوْله: نصرا مؤزراً بِالْهَمْزَةِ فِي رِوَايَة
الْأَكْثَرين من التأزير وَهُوَ التقوية وَأَصله من الأزر
وَهُوَ الْقُوَّة، وَقَالَ الْقَزاز: الصَّوَاب موازراً
بِغَيْر همز من وازرته إِذا عاونته، وَمِنْه أَخذ: وَزِير
الْملك، وَيجوز حذف الْألف فَتَقول نصرا موزراً وَيرد
عَلَيْهِ قَول الْجَوْهَرِي: أزرت فلَانا عاونته والعامة
تَقول: وازرته. قَوْله: ثمَّ لم ينشب بِفَتْح الشين
الْمُعْجَمَة أَي: لم يلبث. قَوْله: حزن النَّبِي من
الْحزن بِضَم الْحَاء وَسُكُون الزَّاي وَبِفَتْحِهَا.
قَوْله: عدا بِالْعينِ الْمُهْملَة من الْعَدو وَهُوَ
الذّهاب بِسُرْعَة. وَمِنْهُم من أعجمها فَيكون من
الذّهاب: غدْوَة. قَوْله: يتردى أَي: يسْقط. قَوْله:
شَوَاهِق الْجبَال الشواهق جمع شَاهِق وَهُوَ الْمُرْتَفع
العالي من الْجَبَل. قَوْله: فَلَمَّا أوفى بِذرْوَةِ جبل
أَي: فَلَمَّا أشرف بِذرْوَةِ جبل بِكَسْر الذَّال
الْمُعْجَمَة وَبِفَتْحِهَا وَضمّهَا وَالضَّم أَعلَى،
وذروة كل شَيْء أَعْلَاهُ. قَوْله: تبدَّى لَهُ أَي: ظهر
لَهُ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني، بدا لَهُ، وَهُوَ
بِمَعْنى ظهر أَيْضا. قَوْله: جاشه بِالْجِيم والشين
الْمُعْجَمَة وَهُوَ النَّفس وَالِاضْطِرَاب.
قَوْله: وَقَالَ ابْن عَبَّاس. . الخ ذكره هَذَا الْمُعَلق
عَن ابْن عَبَّاس لأجل مَا وَقع فِي حَدِيث الْبَاب إلاَّ
جَاءَت مثل فلق الصُّبْح ثَبت هَذَا للنسفي وَلأبي زيد
الْمروزِي وَلأبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي والكشميهني،
وَوَصله الطَّبَرِيّ من طَرِيق عَليّ بن طَلْحَة عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله: فالق الإصباح يَعْنِي بالإصباح ضوء
الشَّمْس بِالنَّهَارِ وضوء الْقَمَر بِاللَّيْلِ وَاعْترض
على البُخَارِيّ بِأَن ابْن عَبَّاس فسر: الإصباح، لَا
لفظ: فالق، الَّذِي هُوَ المُرَاد هُنَا. وَأجِيب عَنهُ:
بِأَن مُجَاهدًا فسر قَوْله: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ
الَّذِى خَلَقَ} بِأَن الفلق الصُّبْح، فلعى هَذَا
فَالْمُرَاد بفلق الصُّبْح إضاءته، والفالق اسْم فَاعل من
ذَلِك.
2 - (بابُ رُؤيا الصَّالِحِينَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان عَامَّة رُؤْيا الصَّالِحين،
وَهِي الَّتِي يُرْجَى صدقهَا، لِأَنَّهُ قد يجوز على
الصَّالِحين الأضغاث فِي رؤياهم لَكِن الْأَغْلَب
عَلَيْهِم الصدْق وَالْخَيْر وَقلة تحكم الشَّيْطَان
عَلَيْهِم فِي النّوم أَيْضا لما جعل الله عَلَيْهِم من
الصّلاح، وَبَقِي سَائِر النَّاس
(24/130)
غير الصَّالِحين تَحت تحكم الشَّيْطَان
عَلَيْهِم فِي النّوم مثل تحكمه عَلَيْهِم فِي الْيَقَظَة
فِي أغلب أُمُورهم، وَإِن كَانَ قد يجوز مِنْهُم الصدْق
فِي الْيَقَظَة فَكَذَلِك يكون فِي رؤياهم صدق أَيْضا.
وقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ
الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ
الْحَرَامَ إِن شَآءَ اللَّهُءَامِنِينَ مُحَلِّقِينَ
رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا
لَمْ تَعْلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً
قَرِيباً}
وَقَوله، بِالْجَرِّ عطف على الصَّالِحين، وَالتَّقْدِير:
وَفِي بَيَان قَوْله، عز وَجل: {لقد صدق الله} لآيَة وسيقت
هَذِه الْآيَة كلهَا فِي رِوَايَة كَرِيمَة. وَأخرج عبد بن
حميد والطبري من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد فِي
تَفْسِير هَذِه الْآيَة قَالَ: أرِي النَّبِي وَهُوَ
بِالْحُدَيْبِية أَنه دخل مَكَّة هُوَ وَأَصْحَابه
مُحَلِّقِينَ، فَلَمَّا نحر الْهَدْي بِالْحُدَيْبِية
قَالَ أَصْحَابه: أَيْن رُؤْيَاك؟ فَنزلت. وَقَوله: {فَجعل
من دون ذَلِك فتحا قَرِيبا} قَالَ: النَّحْر
بِالْحُدَيْبِية، فَرَجَعُوا ففتحوا خَيْبَر، وَالْمرَاد
بِالْفَتْح فتح خَيْبَر، قَالَ: ثمَّ اعْتَمر بعد ذَلِك
فَكَانَ تَصْدِيق رُؤْيَاهُ فِي السّنة الْقَابِلَة،
وَكَانَت الْحُدَيْبِيَة سنة سِتّ، وَفِي قَوْله: إِن
شَاءَ الله أَقْوَال. فَقيل: هَل هُوَ مِمَّا خُوطِبَ
الْعباد أَن يقولوه مثل: الْآيَة وَالِاسْتِثْنَاء لمن
مَاتَ مِنْهُم قبل ذَلِك أَو قتل، أَو هُوَ حِكَايَة لما
قيل لرَسُول الله فِي مَنَامه.
6983 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَة، عنْ مالِكٍ، عنْ
إسْحاقَ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبي طَلْحَةَ، عنْ أنَسِ بنِ
مالِكٍ أنَّ رسولَ الله قَالَ: الرُّؤْيا الحَسَنَةُ مِنَ
الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وأرْبَعِينَ
جُزْءاً مِنَ النُبُوَّةِ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث أخرجه
النَّسَائِيّ فِي تَعْبِير الرُّؤْيَا عَن قُتَيْبَة
وَغَيره. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن هِشَام بن عمار.
قَوْله: الْحَسَنَة هِيَ إِمَّا بِاعْتِبَار حسن ظَاهرهَا
أَو حسن تَأْوِيلهَا، وقسموا الرُّؤْيَا إِلَى الْحَسَنَة
ظَاهرا وَبَاطنا كالتكلم مَعَ الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم
السَّلَام، أَو ظَاهرا لَا بَاطِنا كسماع الملاهي، وَإِلَى
رَدِيئَة ظَاهرا وَبَاطنا كلدغ الْحَيَّة، أَو ظَاهرا لَا
بَاطِنا كذبح الْوَلَد. قَوْله: من الرجل ذكر للْغَالِب
فَلَا مَفْهُوم لَهُ فَإِن الْمَرْأَة الصَّالِحَة
كَذَلِك، قَالَه ابْن عبد الْبر. قَوْله: جُزْء من سِتَّة
وَأَرْبَعين جُزْءا من النُّبُوَّة قَالَ الْكرْمَانِي:
قَوْله: من النُّبُوَّة أَي: فِي حق الْأَنْبِيَاء دون
غَيرهم وَكَانَ الْأَنْبِيَاء يُوحى إِلَيْهِم فِي منامهم
كَمَا يُوحى إِلَيْهِم فِي الْيَقَظَة، وَقيل: مَعْنَاهُ
أَن الرُّؤْيَا تَأتي على مُوَافقَة النُّبُوَّة لَا
أَنَّهَا جُزْء باقٍ من النُّبُوَّة. وَقَالَ الزّجاج:
تَأْوِيل قَوْله: جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْءا من
النُّبُوَّة أَن الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام،
يخبرون بِمَا سَيكون والرؤيا تدل على مَا يكون. وَقَالَ
الْخطابِيّ نَاقِلا عَن بَعضهم مَا ملخصه: إِن أول مَا
بدىء بِهِ الْوَحْي إِلَى أَن توفّي ثَلَاث وَعِشْرُونَ
سنة أَقَامَ بِمَكَّة ثَلَاث عشرَة سنة وبالمدينة عشرا
وَكَانَ يُوحى إِلَيْهِ فِي مَنَامه فِي أول الْأَمر
بِمَكَّة سِتَّة أشهر وَهِي نصف سنة فَصَارَت، هَذِه
الْمدَّة جُزْءا من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْءا من
النُّبُوَّة بنسبتها من الْوَحْي فِي الْمَنَام، ثمَّ
اعْلَم أَن قَوْله: جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْءا
هُوَ الَّذِي وَقع فِي أَكثر الْأَحَادِيث، وَفِي رِوَايَة
لمُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة: جُزْء من خَمْسَة
وَأَرْبَعين، وَفِي رِوَايَة لَهُ من حَدِيث ابْن عمر
جُزْء من سبعين جُزْءا، وَكَذَا أخرجه ابْن أبي شيبَة عَن
ابْن مَسْعُود مَوْقُوفا. وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ عَنهُ من
وَجه آخر مَرْفُوعا. وللطبراني من وَجه آخر عَنهُ: من
سِتَّة وَسبعين. وَسَنَده ضَعِيف. وَأخرجه ابْن عبد الْبر
من طَرِيق عبد الْعَزِيز بن الْمُخْتَار عَن ثَابت عَن أنس
مَرْفُوعا: جُزْء من سِتَّة وَعشْرين، وَأخرج أَحْمد
وَأَبُو يعلى حَدِيثا فِي هَذَا الْبَاب، وَفِيه: قَالَ
ابْن عَبَّاس: إِنِّي سَمِعت الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب
يَقُول: سَمِعت رَسُول الله يَقُول: الرُّؤْيَا
الصَّالِحَة من الْمُؤمن جُزْء من خمسين جُزْءا من
النُّبُوَّة. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ والطبري من حَدِيث أبي
ذَر بن الْعقيلِيّ: جُزْء من أَرْبَعِينَ. وَأخرجه
الطَّبَرِيّ من وَجه آخر عَن ابْن عَبَّاس: أَرْبَعِينَ.
وَأخرج الطَّبَرِيّ أَيْضا من حَدِيث عبَادَة: جُزْء من
أَرْبَعَة وَأَرْبَعين. وَأخرج أَيْضا أَحْمد من حَدِيث
عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ: جُزْء من تِسْعَة
وَأَرْبَعين. وَذكر الْقُرْطُبِيّ فِي الْمُفْهم بِلَفْظ:
سَبْعَة، بِتَقْدِيم السِّين فحصلت من هَذِه عشرَة أوجه.
وَوَقع فِي شرح النَّوَوِيّ
(24/131)
وَفِي رِوَايَة عبَادَة: أَرْبَعَة
وَعِشْرُونَ، وَفِي رِوَايَة ابْن عمر: سِتَّة
وَعِشْرُونَ، وَقيل: جَاءَ فِيهِ اثْنَان وَسَبْعُونَ،
وَاثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ، وَسَبْعَة وَعِشْرُونَ،
وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ فعلى هَذَا يَنْتَهِي الْعدَد إِلَى
سِتَّة عشر وَجها. وَأجَاب من تكلم فِي بَيَان وَجه
الِاخْتِلَاف الْأَعْدَاد بِأَنَّهُ وَقع بِحَسب الْوَقْت
الَّذِي حدث فِيهِ النَّبِي بذلك كَأَن يكون لما أكمل
ثَلَاث عشرَة سنة بعد مَجِيء الْوَحْي إِلَيْهِ حدث بِأَن
الرُّؤْيَا جُزْء من سِتَّة وَعشْرين إِن ثَبت الْخَبَر
بذلك، وَذَلِكَ وَقت الْهِجْرَة، وَلما أكمل عشْرين حدث
بِأَرْبَعِينَ وَلما أكمل اثْنَيْنِ وَعشْرين حدث
بأَرْبعَة وَأَرْبَعين، ثمَّ بعْدهَا بِخَمْسَة
وَأَرْبَعين، ثمَّ حدث بِسِتَّة وَأَرْبَعين فِي آخر
حَيَاته. وَأما مَا عدا ذَلِك من الرِّوَايَات بعد
الْأَرْبَعين فضعيف، وَرِوَايَة الْخمسين يحْتَمل أَن تكون
لجبر الْكسر، وَرِوَايَة السّبْعين للْمُبَالَغَة وَمَا
عدا ذَلِك لم يثبت. وَالله أعلم.
3 - (بابُ الرُّؤيا مِنَ الله)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ الرُّؤْيَا من الله،
وَإِضَافَة الرُّؤْيَا إِلَى الله للتشريف كَمَا فِي
قَوْله تَعَالَى: {فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ
اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} والرؤيا المضافة إِلَى الله لَا
يُقَال لَهَا: حلم، وَالَّتِي تُضَاف إِلَى الشَّيْطَان
لَا يُقَال لَهَا رُؤْيا، وَهَذَا تصرف شَرْعِي وإلاَّ
فَالْكل يُسمى: رُؤْيا.
6984 - حدّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ، حدّثنا زُهَيْرٌ،
حدّثنا يَحْياى هُوَ ابنُ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا
سَلَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا قَتَادةَ عنِ النبيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الرُّؤْيا مِنَ الله،
والحُلُمُ مِنَ الشَّيْطانِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة هَذَا على هَذِه
الرِّوَايَة من غير ذكر الْوَصْف للرؤيا، وَهِي رِوَايَة
أَحْمد بن يحيى الْحلْوانِي عَن أَحْمد بن يُونُس شيخ
البُخَارِيّ، ويروى الرُّؤْيَا الصادقة من الله وَفِي
رِوَايَة الْكشميهني الرُّؤْيَا الصَّالِحَة وَهِي الَّتِي
وَقعت فِي مُعظم الرِّوَايَات.
وَأحمد بن يُونُس هُوَ أَحْمد بن يُونُس الْيَرْبُوعي
الْكُوفِي، وَزُهَيْر هُوَ ابْن مُعَاوِيَة أَبُو
خَيْثَمَة الْكُوفِي، وَيحيى هُوَ ابْن سعيد
الْأنْصَارِيّ، وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرحمان بن عَوْف،
وَأَبُو قَتَادَة الْحَارِث بن ربعي الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الطِّبّ عَن خَالِد بن مخلد. وَأخرجه
بَقِيَّة الْجَمَاعَة.
قَوْله: والحلم بِضَم الْحَاء وَاللَّام قَالَ ابْن
التِّين: كَذَا قرأناه وَفِي ضبط الْجَوْهَرِي بِسُكُون
اللَّام وَهُوَ مَا يرَاهُ النَّائِم وحلم بِفَتْح الْحَاء
وَاللَّام كضرب تَقول: حلمت بِكَذَا وحلمته، وَقَالَ ابْن
سَيّده فِي مثلثه: وَيجمع على أَحْلَام لَا غير، وَقَالَ
الزَّمَخْشَرِيّ: الحالم النَّائِم يرى فِي مَنَامه شَيْئا
وَإِذا لم ير شَيْئا فَلَيْسَ بحالم. وَقَالَ الزّجاج:
الْحلم بِالضَّمِّ لَيْسَ بمصدر، وَإِنَّمَا هُوَ اسْم،
وَحكى ابْن التياني فِي الموعب عَن الْأَصْمَعِي فِي
الْمصدر حلماً وحلماً والحلم بِالْكَسْرِ الأناءة يُقَال
مِنْهُ: حلم، بِضَم اللَّام. قَوْله: من الشَّيْطَان أضيفت
إِلَيْهِ لكَونهَا على هَوَاهُ وَمرَاده، وَقيل: لِأَنَّهُ
الَّذِي يخيل بهَا وَلَا حَقِيقَة لَهَا فِي نفس الْأَمر.
6985 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ، حدّثنا اللَّيْثُ،
حدّثني ابنُ الهادِ، عنْ عَبدِ الله بنِ خَبَّابٍ عنْ أبِي
سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ أنَّهُ سَمِعَ النبيَّ يَقُولُ إِذا
رَأى أحَدُكُمْ رُؤْيا يُحِبُّها فإنّما هِيَ مِنَ الله،
فَلْيَحْمَدِ الله عَلَيْها، ولْيُحَدِّثْ بِها، وَإِذا
رَأى غَيْرَ ذالِكَ مِمَّا يَكْرَهُ فإنَّما هِيَ مِنَ
الشَّيْطانِ، فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّها وَلَا يَذْكرْها
لأحَدٍ فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ
الحَدِيث 6985 طرفه فِي: 7045
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: فَإِنَّمَا هِيَ من الله
وَابْن الْهَاد هُوَ يزِيد بن عبد الله بن أُسَامَة بن عبد
الله بن شَدَّاد بن الْهَاد اللَّيْثِيّ، وَعبد الله بن
خباب بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْبَاء
الْمُوَحدَة الأولى الْأنْصَارِيّ، وَأَبُو سعيد بن مَالك
الْخُدْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ فِي
الرُّؤْيَا وَالْيَوْم وَاللَّيْلَة جَمِيعًا عَن
قُتَيْبَة.
قَوْله: وليحدث بهَا هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني
وَفِي رِوَايَة غَيره: وليتحدث بهَا. قَوْله: فليستعذ
وَفِي بعض النّسخ: فليستعذ بِاللَّه. قَوْله: لَا تضره
وَفِي رِوَايَة
(24/132)
الْكشميهني: فَإِنَّهَا لن تضره.
4 - (بابٌ الرُّؤْيا الصَّالِحَةَ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ
وأرْبَعِينَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَة. .
إِلَى آخِره، وَسَقَطت هَذِه التَّرْجَمَة للنسفي، وَذكر
أحاديثها فِي الْبَاب الَّذِي قبله.
6986 - حدّثنا مُسَدَّدٌ، حدّثنا عَبْدُ الله بنُ يَحْياى
بنِ أبي كَثِيرٍ وأثْنى عَلَيْهِ خَيْراً، وَقَالَ: لَ
قِيتُهُ باليَمامَةِ عنْ أبِيهِ، حدّثنا أبُو سَلَمَةَ،
عنْ أبي قَتادَةَ، عنِ النبيَّ قَالَ: الرُّؤْيا
الصَّالِحَةُ مِنَ الله، والحُلْمُ مِنَ الشَّيْطانِ،
فإذَا حَلَمَ فَلْيَتَعَوَّذْ مِنْهُ ولْيَبْصُقْ عنْ
شِمالِهِ فإنَّها لَا تَضُرَّهُ
وعنْ أبِيهِ قَالَ: حَدثنَا عَبْدُ الله بنُ أبي قَتادَةَ
عنْ أبِيهِ عَن النبيِّ مِثْلَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الله بن يحيى بن أبي
كثير ضد الْقَلِيل الْيَمَانِيّ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: لم
يتَقَدَّم ذكره.
قَوْله: وَأثْنى عَلَيْهِ خيرا أَي: وَأثْنى مُسَدّد على
عبد الله بن يحيى خيرا، وَهِي جملَة حَالية. أَي: أثنى
عَلَيْهِ خيرا حَال كَونه حدث عَنهُ، وَقد أثنى عَلَيْهِ
أَيْضا إِسْحَاق بن إِسْرَائِيل فِيمَا أخرجه
الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيقه قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن
يحيى بن أبي كثير وَكَانَ من خِيَار النَّاس. وَأهل
الْوَرع وَالدّين. قَوْله: لَقيته بِالْيَمَامَةِ أَي:
قَالَ مُسَدّد: لقِيت عبد الله بن يحيى بِالْيَمَامَةِ
بتَخْفِيف الْمِيم، قَالَ الْجَوْهَرِي: الْيَمَامَة
بِلَاد كَانَ اسْمهَا الجو بِالْجِيم وَتَشْديد الْوَاو،
وَقَالَ الْكرْمَانِي: بَين مَكَّة واليمن، وَقَالَ
الْجَوْهَرِي: الْيَمَامَة اسْم جَارِيَة زرقاء كَانَت
تبصر الرَّاكِب من مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام، يُقَال: أبْصر
من زرقاء الْيَمَامَة، فسميت الْبِلَاد الْمَذْكُورَة باسم
هَذِه الْجَارِيَة لِكَثْرَة مَا أضيف إِلَيْهَا، وَقيل:
جو الْيَمَامَة. قَوْله: عَن أَبِيه هُوَ يحيى بن أبي
كثير، وَاسم أبي كثير صَالح بن المتَوَكل، وَقيل، غير
ذَلِك، روى عَن أبي سَلمَة بن عبد الرحمان بن عَوْف، وروى
عَنهُ ابْنه عبد الله الْمَذْكُور، وَأَبُو قَتَادَة هُوَ
الْحَارِث بن ربعي وَقد مضى عَن قريب. قَوْله: فَإِذا حلم
بِفَتْح اللَّام. قَوْله: فليتعوذ مِنْهُ أَي: من
الشَّيْطَان لِأَنَّهُ ينْسب إِلَيْهِ. قَوْله: وليبصق
أَمر بالبصق عَن شِمَاله طرد للشَّيْطَان الَّذِي حضر
رُؤْيَاهُ الْمَكْرُوهَة وتحقيراً لَهُ واستقذاراً، وَخص
الشمَال لِأَنَّهُ مَحل الأقذار والمكروهات، ويروى:
فلينفث، ويروى أَيْضا: فليتفل، وَأكْثر الرِّوَايَات على
الثَّانِي، وَادّعى بَعضهم أَن مَعْنَاهَا وَاحِد،
وَلَعَلَّ المُرَاد بِالْجَمِيعِ النفث وَهُوَ نفخ بِلَا
ريق وَيكون التفل والبصق محمولين مجَازًا.
قَوْله: وَعَن أَبِيه هُوَ عطف على السَّنَد الَّذِي قبله
وَهَذَا يدل على أَن مُسَددًا لَهُ طَرِيقَانِ فِي
الحَدِيث الْمَذْكُور. أَحدهمَا: عَن عبد الله بن يحيى عَن
أَبِيه عَن أبي سَلمَة وَهُوَ الْمَذْكُور وَالْآخر: عَن
عبد الله بن يحيى عَن أَبِيه عَن عبد الله بن أبي قَتَادَة
عَن أَبِيه أبي قَتَادَة عَن النَّبِي وَكَذَا أخرجه
الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن عبد الله بن يحيى بن أبي كثير عَن
أَبِيه عَن أبي سَلمَة. قَوْله: مثله أَي: مثل الحَدِيث
الْمَذْكُور، وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَالَ أَصْحَاب عُلُوم
الحَدِيث: إِذا روى الرَّاوِي حَدِيثا بِسَنَدِهِ ثمَّ
اتبعهُ بِإِسْنَاد آخر لَهُ، وَقَالَ فِي آخِره. مثله،
أَو: نَحوه، فَهَل يجوز رِوَايَة لفظ الحَدِيث الأول
بِالْإِسْنَادِ الثَّانِي؟ فَقَالَ شُعْبَة: لَا. وَقَالَ
الثَّوْريّ: نعم، وَقَالَ ابْن معِين: يجوز فِي مثله،
وَلَا يجوز فِي نَحوه.
6987 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، حَدثنَا غُنْدرٌ،
حدّثنا شُعْبَةُ، عنْ قَتادَةَ، عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ، عنْ
عُبادَةَ بنِ الصَّامِتِ، عنِ النبيِّ قَالَ: رُؤْيا
المُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وأرْبَعِينَ جُزْءاً مِنَ
النُّبوَّةِ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وغندر هُوَ مُحَمَّد بن
جَعْفَر.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي تَعْبِير الرُّؤْيَا أَيْضا
عَن بنْدَار وَأبي مُوسَى كِلَاهُمَا عَن غنْدر وَغَيره.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الرُّؤْيَا عَن مَحْمُود بن
غيلَان وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن إِسْمَاعِيل بن
مَسْعُود، وَمضى الْكَلَام فِيهِ عَن قريب.
(24/133)
6988 - حدّثنا يَحْيى بنُ قَزَعَةَ، حدّثنا
إبْراهِيمُ بنُ سَعْدٍ، عنِ الزُّهْرِيِّ، عنْ سَعيدِ بنِ
المسَيَّبِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ، رَضِي الله عَنهُ، أنَّ
رسولَ الله قَالَ: رؤْيا المُؤْمِن جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ
وأرْبَعِينَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ
الحَدِيث 6988 طرفه فِي 7017
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَرِجَاله قد ذكرُوا غير
مرّة. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
ورواهُ ثابِتٌ وحُمَيْدٌ وإسْحاقُ بنُ عَبْدِ الله
وشُعَيْبٌ عنْ أنَسِ عنِ النبيِّ
أَي: روى الحَدِيث الْمَذْكُور هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة عَن
أنس بن مَالك. أما رِوَايَة ثَابت بن حميد الْبنانِيّ
بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف النُّون فقد وَصلهَا
البُخَارِيّ عَن مُعلى بن أَسد، وَسَيَأْتِي فِي: بَاب من
رأى النَّبِي وَأما رِوَايَة حميد الطَّوِيل فوصلها أَحْمد
عَن مُحَمَّد بن أبي عدي عَنهُ. وَأما رِوَايَة إِسْحَاق
بن عبد الله بن أبي طَلْحَة فقد مَضَت عَن قريب. وَأما
رِوَايَة شُعَيْب هُوَ ابْن الحبحاب فوصلها أَبُو عبد الله
بن مَنْدَه من طَرِيق عبد الله بن سعيد.
6989 - حدّثني إبْرَهِيمُ بنُ حَمْزَةَ، حدّثني ابنُ أبي
حازِمٍ والدَّرَاوَرْدِيُّ، عنْ يَزِيدَ عنْ عَبْدِ الله
بنِ خَبَّابٍ، عنْ أبي سَعيدٍ الخُدْرِيِّ أنّهُ سَمِعَ
رسولَ الله يَقُولُ الرَّؤْيا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ
سِتّةٍ وأرْبَعِينَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِبْرَاهِيم بن حَمْزَة
وَأَبُو إِسْحَاق الْقرشِي وَابْن أبي حَازِم هُوَ عبد
الْعَزِيز، وَاسم أبي حَازِم سَلمَة بن دِينَار،
والدراوردي هُوَ عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن عبيد،
والدراوردي بِفَتْح الدَّال نِسْبَة إِلَى داراورد قَرْيَة
من قرى خُرَاسَان، وَيزِيد من الزِّيَادَة هُوَ
الْمَعْرُوف بِابْن الْهَاد، والسند كُله مدنيون وَتقدم
الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: من النُّبُوَّة كَذَا فِي جَمِيع الطّرق وَلَيْسَ
فِيهِ شَيْء مِنْهَا بِلَفْظ: من الرسَالَة، بدل: من
النُّبُوَّة، وَكَانَ السِّرّ فِيهِ أَن الرسَالَة تزيد
على النُّبُوَّة بتبليغ الْأَحْكَام للمكلفين بِخِلَاف
النُّبُوَّة الْمُجَرَّدَة فَإِنَّهَا اطلَاع على بعض
المغيبات.
5 - (بابُ المُبَشِّرَاتِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْمُبَشِّرَات وَهِي بِكَسْر
الشين جمع مبشرة، قَالَ بَعضهم: وَهِي الْبُشْرَى. قلت:
لَيْسَ كَذَلِك لِأَن الْبُشْرَى اسْم بِمَعْنى
الْبشَارَة، والمبشرة اسْم فَاعل للمؤنث من التبشير وَهُوَ
إِدْخَال السرُور والفرح على المبشر بِفَتْح الشين،
وَالْمرَاد بالمبشرة هُنَا الرُّؤْيَا الصَّالِحَة، وَقد
ورد فِي قَوْله تَعَالَى: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي
الْحَيواةِ الدُّنْيَا وَفِى الاَْخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ
لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذالِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}
هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَة، أخرجه التِّرْمِذِيّ وَابْن
مَاجَه وَصَححهُ الْحَاكِم من رِوَايَة أبي سَلمَة عَن عبد
الرحمان عَن عبَادَة بن الصَّامِت.
6990 - حدّثنا أبُو اليَمانِ، أخبرنَا شُعَيْبٌ، عنِ
الزُّهْرِيِّ، حدّثني سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ أنَّ أَبَا
هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله يَقُولُ لَمْ
يَبْقَ مِنَ النُّبُوَّةِ إلاّ المُبَشِّرَات قالُوا:
وَمَا المُبَشِّرَاتُ؟ قَالَ: الرُّؤْيا الصَّالِحَةُ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن
نَافِع. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: لم يبْق قَالَ الْكرْمَانِي: قَوْله: لم يبْق
فَإِن قلت: هُوَ فِي معنى الْمَاضِي لَكِن المُرَاد مِنْهُ
الِاسْتِقْبَال إِذْ قبل زَمَانه وَحَال زَمَانه كَانَ
غَيرهَا بَاقِيا مِنْهَا فَالْمُرَاد بعد. قلت: صدق فِي
زَمَانه أَنه لم يبْق لأحد غَيره نبوة. فَإِن قلت: هَل
يُقَال لصَاحب الرُّؤْيَا الصَّالِحَة: لَهُ شَيْء من
النُّبُوَّة؟ قلت: جُزْء النُّبُوَّة لَيْسَ بنبوة إِذْ
جُزْء الشَّيْء غَيره أَو لَا هُوَ وَلَا غَيره فَلَا نبوة
لَهُ. فَإِن قلت: الرُّؤْيَا الصَّالِحَة أَعم لاحْتِمَال
أَن تكون منذرة إِذا الصّلاح قد يكون بِاعْتِبَار
تَأْوِيلهَا. قلت: فَيرجع إِلَى المبشر، نعم يخرج مِنْهَا
مَا لَا صَلَاح لَهَا لَا صُورَة وَلَا تَأْوِيلا. وَقَالَ
ابْن التِّين. معنى الحَدِيث أَن الْوَحْي يَنْقَطِع بموتي
وَلَا يبْقى مَا يعلم مِنْهُ مَا سَيكون إلاَّ الرُّؤْيَا.
فَإِن قيل: يرد عَلَيْهِ الإلهام لِأَن
(24/134)
فِيهِ إِخْبَارًا بِمَا سَيكون وَهُوَ
للأنبياء بِالنِّسْبَةِ للوحي كالرؤيا وَيَقَع فِي غير
الْأَنْبِيَاء كَمَا تقدم فِي مَنَاقِب عمر، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، قد كَانَ فِيمَن مضى من الْأُمَم محدثون،
وَفسّر الْمُحدث بِفَتْح الدَّال بالملهم بِفَتْح الْهَاء،
وَقد أخبر كثير من الْأَوْلِيَاء عَن أُمُور مغيبة
فَكَانَت كَمَا أخبروا. وَأجِيب: بِأَن الْحصْر فِي
الْمَنَام لكَونه يَشْمَل آحَاد الْمُؤمنِينَ، بِخِلَاف
الإلهام فَإِنَّهُ مُخْتَصّ بِالْبَعْضِ، وَمَعَ كَونه
مُخْتَصًّا فَإِنَّهُ نَادِر. وَقَالَ الْمُهلب مَا
حَاصله: إِن التَّعْبِير بالمبشرات خرج للأغلب، فَإِن من
الرُّؤْيَا مَا تكون منذرة وَهِي صَادِقَة يريها الله
لِلْمُؤمنِ رفقا بِهِ ليستعد لما يَقع قبل وُقُوعه.
6 - (بابُ رُؤْيا يُوسُفَ، عليْهِ السّلامُ)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان رُؤْيا يُوسُف، عَلَيْهِ
السَّلَام، كَذَا وَقع للأكثرين، وَوَقع للنسفي: يُوسُف بن
يَعْقُوب بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم خَلِيل الرحمان،
صلوَات الله عَلَيْهِم وَسَلَامه.
وقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لاَِبِيهِ
ياأَبتِ إِنِّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا
وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِى سَاجِدِينَ
قَالَ يابُنَىَّ لاَ تَقْصُصْ رُءْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ
فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ
لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَكَذالِكَ يَجْتَبِيكَ
رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الاَْحَادِيثِ
وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَىءالِ يَعْقُوبَ
كَمَآ أَتَمَّهَآ عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ
إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}
وقوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ
وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَا وَقَالَ ياأَبَتِ هَاذَا
تَأْوِيلُ رُؤْيَاى مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّى
حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَى إِذْ أَخْرَجَنِى مِنَ
السِّجْنِ وَجَآءَ بِكُمْ مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن
نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِى وَبَيْنَ إِخْوَتِى إِنَّ
رَبِّى لَطِيفٌ لِّمَا يَشَآءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ
الْحَكِيمُ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِى مِنَ الْمُلْكِ
وَعَلَّمْتَنِى مِن تَأْوِيلِ الاَْحَادِيثِ فَاطِرَ
السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ أَنتَ وَلِىِّ فِى الدُّنُيَا
وَالاَْخِرَةِ تَوَفَّنِى مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِى
بِالصَّالِحِينَ}
وَقَوله، بِالْجَرِّ عطف على مَا قبله، وسيقت هَذِه
الْآيَات كلهَا إِلَى قَوْله: بالصالحين فِي رِوَايَة
كَرِيمَة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر والنسفي سَاق إِلَى
ساجدين ثمَّ قَالَ: إِلَى قَوْله: عليم حَكِيم قَوْله:
إِذْ قَالَ أَي: اذكر حِين قَالَ يُوسُف لِأَبِيهِ،
يَعْنِي يَعْقُوب بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِم
السَّلَام. قَوْله: أحد عشر كوكباً نصب على التَّمْيِيز
وأسماؤها: جرثان والطارق وَالذَّيَّال وَذُو الْكَتِفَيْنِ
وَذُو القابس وَوَثَّاب وَعَمُودَان والفليق وَالْمصْبح
والضروج وَذُو الفرغ. قَوْله: رَأَيْتهمْ لي ساجدين وَلم
يُقَال: رَأَيْتهَا سَاجِدَة، لِأَنَّهُ لما وصفهَا الله
بِمَا هُوَ خَاص بالعقلاء وَهُوَ السُّجُود أجْرى
عَلَيْهَا حكمهم كَأَنَّهَا عَاقِلَة، وَرَأى يُوسُف،
عَلَيْهِ السَّلَام، هَذَا وَهُوَ ابْن اثْنَي عشرَة سنة،
وَقيل: كَانَ بَين رُؤْيا يُوسُف ومصير إخْوَته إِلَيْهِ
أَرْبَعُونَ سنة، وَقيل: ثَمَانُون. قَوْله: على إخْوَتك
وهم يهوذا وروبيل وريالون وشمعون ولاوي ويشجر وَدينه دَان
ونفتال وجاد وآشر. قَوْله: فيكيدوا لَك أَي: فيبغوا لَك
الغوائل ويحتالوا فِي هلاكك. قَوْله: يجتبيك أَي: يصطفيك.
قَوْله: من تَأْوِيل الْأَحَادِيث يَعْنِي: تَعْبِير
الرُّؤْيَا. قَوْله: وَيتم نعْمَته عَلَيْك يَعْنِي: يُوصل
لَك نعم الدُّنْيَا بِنِعْمَة الْآخِرَة. قَوْله: وعَلى آل
يَعْقُوب أَي: أَهله وهم نَسْله وَغَيرهم. قَوْله:
أَبَوَيْك أَرَادَ بهما الْجد وَأَبا الْجد قَوْله: هَذَا
تَأْوِيل رُؤْيَايَ وَهُوَ قَوْله: إِنِّي رَأَيْت أحد عشر
كوكباً قَوْله: أحسن بِي يُقَال: أحسن إِلَيْهِ وَبِه.
قَوْله: من البدو أَي: من الْبَادِيَة لأَنهم كَانُوا أهل
عمل وَأَصْحَاب مواش ينتقلون فِي الْمِيَاه والمناجع.
قَوْله: من بعد أَن نَزغ الشَّيْطَان أَي: أفسد بَيْننَا
وأغوى. قَوْله: لطيف ذُو لطف وصنع لما يَشَاء عَالم بدقائق
الْأُمُور. قَوْله: من الْملك أَي: ملك مصر وَتَأْويل
الْأَحَادِيث تَعْبِير الرُّؤْيَا. قَوْله: فاطر
السَّمَوَات يَعْنِي: يَا فاطر السَّمَوَات وَالْأَرْض
أَنْت وليي أَي: مُتَوَلِّي أَمْرِي. قَوْله: توفني
يَعْنِي: اقبضني إِلَيْك وألحقني بالصالحين يَعْنِي:
بآبائي الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام، ثمَّ توفاه
الله تَعَالَى بِمصْر وَدفن فِي النّيل فِي صندوق من
رُخَام وَمَات وعمره مائَة وَعِشْرُونَ سنة.
(24/135)
قَالَ أبُو عَبْدِ الله: فاطِرٌ، والبدِيعُ
والمُبْتَدِعُ والبارِيءُ والخالِقُ، واحِدٌ.
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، وَأَشَارَ إِلَى
أَن معنى هَذِه الْأَلْفَاظ الْأَرْبَعَة وَاحِد،
وَأَشَارَ بالفاطر إِلَى الْمَذْكُور فِي قَوْله: {رَبِّ
قَدْ آتَيْتَنِى مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِى مِن
تَأْوِيلِ الاَْحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ
وَالاَْرْضِ أَنتَ وَلِىِّ فِى الدُّنُيَا وَالاَْخِرَةِ
تَوَفَّنِى مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِى بِالصَّالِحِينَ} ،
وَغَيرهَا وَقيل: دَعْوَى البُخَارِيّ الْوحدَة فِي معنى
هَذِه الْأَلْفَاظ مَمْنُوعَة عِنْد الْمُحَقِّقين، ورد
عَلَيْهِ بَعضهم بِأَن البُخَارِيّ لم يرد بذلك أَن حقائق
مَعَانِيهَا متوحدة، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهَا ترجع
إِلَى معنى وَاحِد وَهُوَ إِيجَاد الشَّيْء بعد أَن لم
يكن. قلت: قَوْله: وَاحِد، يُنَافِي هَذَا التَّأْوِيل،
وَمعنى الفاطر من الْفطر وَهُوَ الِابْتِدَاء والاختراع،
قَالَه الْجَوْهَرِي. ثمَّ قَالَ ابْن عَبَّاس: كنت لَا
أَدْرِي مَا معنى {فاطر السَّمَوَات وَالْأَرْض} حَتَّى
أَتَانِي أَعْرَابِيَّانِ يختصمان فِي بِئْر فَقَالَ
أَحدهمَا: أَنا فطرتها، أَي: أَنا ابْتَدَأتهَا. قَوْله:
والبديع، مَعْنَاهُ الْخَالِق المخترع لَا عَن مِثَال
سَابق، فعيل بِمَعْنى مفعل، يُقَال: أبدع فَهُوَ مبدع
وَكَذَا فِي بعض النّسخ مبدع. قَوْله: والبارىء والخالق،
قَالَ الطَّيِّبِيّ: قيل: الْخَالِق البارىء المصور
أَلْفَاظ مترادفة وَهُوَ وهم لِأَن الْخَالِق من الْخلق
وَأَصله التَّقْدِير الْمُسْتَقيم، والبارىء مَأْخُوذ من
الْبُرْء وَأَصله خلوص الشَّيْء عَن غَيره، إِمَّا على
سَبِيل التَّقَصِّي مِنْهُ وَعَلِيهِ قَوْلهم برىء من
مَرضه، وَإِمَّا على سَبِيل الْإِنْشَاء مِنْهُ، وَمِنْه:
برأَ الله النَّسمَة وَهُوَ البارىء لَهَا، وَقيل: البارىء
هُوَ الَّذِي خلق الْخلق بَرِيئًا من التَّفَاوُت
والتنافر. قَوْله: البارىء ويروى: البادىء، وَقيل
لبَعْضهِم: البارىء بالراء، وَلأبي ذَر وَالْأَكْثَر:
البادىء بِالدَّال بدل الرَّاء والهمز ثَابت فيهمَا، وَزعم
بعض من عاصرناه من الشُّرَّاح أَن الصَّوَاب بالراء
وَرِوَايَة الدَّال وهم، ورد عَلَيْهِ بَعضهم بِأَنَّهُ
وَقع فِي بعض طرق الْأَسْمَاء الْحسنى: المبدىء، وَفِي
سُورَة العنكبوت {أَوَلَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِىءُ
اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذالِكَ عَلَى
اللَّهِ يَسِيرٌ} ثمَّ قَالَ: {قُلْ سِيرُواْ فِى
الاَْرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ
اللَّهُ يُنشِىءُ النَّشْأَةَ الاَْخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ
عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ} فاسم الْفَاعِل من الأول
مبدىء وَمن الثَّانِي بادىء. انْتهى. قلت: فِي هَذَا
الرَّد نظر لَا يخفى.
مِنَ البَدْو بادِئَةٍ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا ذكر آنِفا من قَوْله: {وَرَفَعَ
أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَا
وَقَالَ ياأَبَتِ هَاذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاى مِن قَبْلُ
قَدْ جَعَلَهَا رَبِّى حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَى إِذْ
أَخْرَجَنِى مِنَ السِّجْنِ وَجَآءَ بِكُمْ مِّنَ
الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِى
وَبَيْنَ إِخْوَتِى إِنَّ رَبِّى لَطِيفٌ لِّمَا يَشَآءُ
إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} أَي: من الْبَادِيَة.
وَقد ذَكرْنَاهُ.
7 - (بابُ رُؤْيا إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السّلامُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان رُؤْيا إِبْرَاهِيم الْخَلِيل،
عَلَيْهِ السَّلَام، كَذَا وَقع لأبي ذَر، وَسقط لفظ:
بَاب، لغيره.
وقوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْىَ
قَالَ يابُنَىَّ إِنِّى أَرَى فِى الْمَنَامِ أَنِّى
أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ ياأَبَتِ افْعَلْ
مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِى إِن شَآءَ اللَّهُ مِنَ
الصَّابِرِينَ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ
وَنَادَيْنَاهُ أَن ياإِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ
الرُّؤْيَآ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ}
وَقَوله، مجرور عطف على مَا قبله، وسيقت الْآيَات كلهَا
فِي رِوَايَة كَرِيمَة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: {فَلَمَّا
بلغ مِنْهُ السَّعْي} إِلَى قَوْله: {نجزي الْمُحْسِنِينَ}
وَسقط للنسفي قَوْله: السَّعْي أَي: بلغ أَن يسْعَى مَعَ
أَبِيه فِي أشغاله وحوائجه وَمَعَهُ لَا يتَعَلَّق ببلغ
لاقْتِضَائه بلوغهما مَعًا حد السَّعْي وَلَا بالسعي لِأَن
صلَة الْمصدر لَا تتقدم عَلَيْهِ فَبَقيَ أَن يكون بَيَانا
كَأَنَّهُ قَالَ: لما قَالَ: فَلَمَّا بلغ مَعَه السَّعْي
قَوْله: فَلَمَّا أسلما سَيَجِيءُ تَفْسِيره، وَكَذَا
تَفْسِير قَوْله: وتله
قَالَ مُجاهِدٌ: أسْلَما سَلَّما مَا أُمِرا بِهِ،
وتَلَّهُ وَضَعَ وَجْهَهُ بِالأرْضِ
وصل الْفرْيَابِيّ فِي تَفْسِيره تَعْلِيق مُجَاهِد عَن
وَرْقَاء عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد فَذكره، وَلَيْسَ
فِي هَذَا الْبَاب وَفِي الْبَاب الَّذِي قبله حَدِيث،
وَاكْتفى بِالْقُرْآنِ. وَقَالَ بَعضهم: وَقَول
الْكرْمَانِي: إِنَّه كَانَ فِي كل مِنْهُمَا بَيَاض ليلحق
بِهِ حَدِيثا يُنَاسِبه مُحْتَمل مَعَ بعده. قلت: لم يقل
الْكرْمَانِي هَكَذَا أصلا وَإِنَّمَا قَالَ: وَهَذَانِ
البابان مِمَّا ترجمهما البُخَارِيّ وَلم يتَّفق لَهُ
إِثْبَات حَدِيث فيهمَا.
8 - (بابُ التَّواطُؤِ عَلى الرُّؤْيا)
(24/136)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التواطؤ أَي:
توَافق جمَاعَة على رُؤْيا وَاحِدَة، وَإِن اخْتلفت
عباراتهم.
6991 - حدّثنا يَحْياى بنُ بُكَيْرٍ، حدّثنا اللَّيْثُ،
عنْ عُقَيْلِ، عَن ابنِ شهِاب، عنْ سالِمِ بنِ عَبْدِ
الله، عنِ بنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، أنَّ أُناساً
أُرُوا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي السَّبْعِ الأواخِرِ، وأنَّ
أنُاساً أُرُوها أنَّها فِي العَشْرِ الأواخِرِ، فَقَالَ
النبيُّ الْتَمِسُوها فِي السَّبْعِ الأواخِرِ
انْظُر الحَدِيث 1158 وطرفه
للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَلَكِن اعْتَرَضَهُ
الْإِسْمَاعِيلِيّ فَقَالَ: اللَّفْظ الَّذِي سَاقه خلاف
التواطؤ، وَحَدِيث التواطؤ: أرى رؤياكم قد تواطأت على
الْعشْر الْأَوَاخِر، ورد عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لم يلْتَزم
إِيرَاد الحَدِيث بِلَفْظ التواطؤ، وَإِنَّمَا أَرَادَ
بالتواطؤ التوافق وَهُوَ أَعم من أَن يكون الحَدِيث
بِلَفْظِهِ أَو بِمَعْنَاهُ.
وَرِجَال الحَدِيث قد تكَرر ذكرهم. والْحَدِيث من
أَفْرَاده.
قَوْله: أَن أُنَاسًا وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: أَن
نَاسا. قَوْله: أروا على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: فِي
الْمَنَام. قَوْله: الْأَوَاخِر جمع والسبع مُفْرد فَلَا
مُطَابقَة. وَأجِيب بِأَنَّهُ اعْتبر الآخرية بِالنّظرِ
إِلَى كل جُزْء مِنْهَا.
9 - (بابُ رُؤْيا أهْلِ السُّجُونِ والفَسادِ والشّرْكِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان رُؤْيا أهل السجون وَهُوَ جمع
سجن بِالْكَسْرِ وَهُوَ الْحَبْس وبالفتح مصدر، وَقد سجنه
يسجنه من بَاب نصر أَي حَبسه. قَوْله: وَالْفساد أَي
رُؤْيا أهل الْفساد يَعْنِي أهل الْمعاصِي. قَوْله: والشرك
يَعْنِي رُؤْيا أهل الشّرك، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر
بدل الشّرك الشَّرَاب. بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد
الرَّاء جمع شَارِب أَو بِفتْحَتَيْنِ مخففاً أَي: وَأهل
الشَّرَاب وَأُرِيد بِهِ الشَّرَاب الْمحرم وَعطفه على
الْفساد من عطف الْخَاص على الْعَام، وَأَشَارَ بِهَذَا
إِلَى أَن الرُّؤْيَا الصَّالِحَة مُعْتَبرَة فِي حق
هَؤُلَاءِ بِأَنَّهَا قد تكون بشرى لأهل السجْن بالخلاص،
وَإِن كَانَ المسجون كَافِرًا تكون بشرى لَهُ بهدايته
إِلَى الْإِسْلَام كَمَا كَانَت رُؤْيا الفتيين اللَّذين
حبسا مَعَ يُوسُف، عَلَيْهِ السَّلَام، صَادِقَة. وَقَالَ
أَبُو الْحسن بن أبي طَالب: وَفِي صدق رُؤْيا الفتيين
حجَّة على من زعم أَن الْكَافِر لَا يرى رُؤْيا صَادِقَة.
وَأما رُؤْيا أهل الْفساد فَتكون بشرى لَهُم بِالتَّوْبَةِ
وَالرُّجُوع عَمَّا هم فِيهِ، وَأما رُؤْيا الْكَافِر
فَتكون بشرى لَهُ بهدايته إِلَى الْإِيمَان.
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ
فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّى أَرَانِى أَعْصِرُ
خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّى أَرَانِى أَحْمِلُ فَوْقَ
رَأْسِى خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا
بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ قَالَ
لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ
نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا
ذاَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِى رَبِّى إِنِّى تَرَكْتُ
مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ
بِالاَْخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ وَاتَّبَعْتُ
مِلَّةَءَابَآءِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ
مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشْرِكَ بِاللَّهِ مِن شَىْءٍ
ذالِكَ مِن فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ
وَلَاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ ياصَاحِبَىِ
السِّجْنِءَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ
اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}
وَقَالَ الفُضَيْلُ عِنْدَ قَوْلِهِ: {يَا صَاحِبي السجْن}
لِبَعْضِ الأتْباعِ يَا عَبْدَ الله {ياصَاحِبَىِ
السِّجْنِءَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ
اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ مَا تَعْبُدُونَ مِن
دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ
وَءَابَآؤُكُمْ مَّآ أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ
إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُو اْ
إِلاَّ إِيَّاهُ ذالِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَاكِنَّ
أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ياصَاحِبَىِ السِّجْنِ
أَمَّآ أَحَدُكُمَا فَيَسْقِى رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا
الاَْخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ
قُضِىَ الاَْمْرُ الَّذِى فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ وَقَالَ
لِلَّذِى ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِى عِندَ
رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ
فِى السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ وَقَالَ
(24/137)
الْمَلِكُ إِنِّى أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ
سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ
سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ياأَيُّهَا
الْمَلأُ أَفْتُونِى فِى رُؤْيَاىَ إِن كُنتُمْ
لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ قَالُو اْ أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ
وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الاَْحْلَامِ بِعَالِمِينَ
وَقَالَ الَّذِى نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ
أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ
يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِى سَبْعِ
بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ
سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّى أَرْجِعُ
إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ قَالَ تَزْرَعُونَ
سَبْعُ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِى
سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ ثُمَّ
يَأْتِى مِن بَعْدِ ذالِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا
قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ
ثُمَّ يَأْتِى مِن بَعْدِ ذالِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ
النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِى
بِهِ فَلَمَّا جَآءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى
رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ الَّاتِى
قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّى بِكَيْدِهِنَّ
عَلِيمٌ}
سيقت هَذِه الْآيَات كلهَا فِي رِوَايَة كَرِيمَة، وَهِي
ثَلَاث عشرَة آيَة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر من قَوْله:
{وَدخل مَعَه السجْن فتيَان} ثمَّ قَالَ: إِلَى قَوْله:
إرجع إِلَى رَبك قَوْله: لقَوْله تَعَالَى وَفِي بعض
النّسخ: وَقَوله تَعَالَى، بِدُونِ لَام التَّعْلِيل،
وَالْأول أولى لِأَنَّهُ يحْتَج بقوله: {وَدخل مَعَه}
إِلَى آخِره على اعْتِبَار الرُّؤْيَا الصَّالِحَة فِي حق
أهل السجْن وَالْفساد والشرك وَهُوَ أَيْضا يُوضح حكم
التَّرْجَمَة فَإِنَّهُ لم يتَعَرَّض فِيهَا إِلَى بَيَان
الحكم. قَوْله: وَدخل مَعَه أَي: مَعَ يُوسُف فتيَان وهما
غلامان كَانَا للوليد بن رَيَّان ملك مصر الْأَكْبَر.
أَحدهمَا: خبازه وَصَاحب طَعَامه واسْمه مجلث. وَالْآخر:
سَاقيه صَاحب شرابه واسْمه نبوء، غضب عَلَيْهِمَا الْملك
فحبسهما وَكَانَ يُوسُف لما دخل السجْن قَالَ لأَهله:
إِنِّي أعبر الأحلام، فَقَالَ أحد الفتيين لصَاحبه فلنجرب
هَذَا العَبْد العبراني فتراءيا لَهُ فَسَأَلَاهُ من غير
أَن يَكُونَا رَأيا شَيْئا فَقَالَ أَحدهمَا: إِنِّي
أَرَانِي أعصر خمرًا أَي: عنباً بلغَة عمان. وَقيل لأعرابي
مَعَه عِنَب مَا مَعَك؟ قَالَ: خمر، وَقَرَأَ ابْن
مَسْعُود: عصر عنباً، وَقيل: إِنَّمَا قَالَ خمرًا
بِاعْتِبَار مَا يؤول إِلَيْهِ. قَوْله: {نبئنا بتأويله}
أَي: أخبرنَا بتعبيره وَمَا يؤول إِلَيْهِ أَمر هَذِه
الرُّؤْيَا. قَوْله: إنل نرَاك من الْمُحْسِنِينَ} أَي: من
الْعَالمين الَّذين أَحْسنُوا الْعلم قَالَه الْفراء،
وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: الْمُحْسِنِينَ إِلَيْنَا إِن قلت
ذَلِك. قَوْله: {لَا يأتيكما طَعَام ترزقانه} إِنَّمَا
قَالَ ذَلِك لِأَنَّهُ كره أَن يعبر لَهما مَا سألاه لما
علم فِي ذَلِك من الْمَكْرُوه على أَحدهمَا فَأَعْرض عَن
سؤالهما وَأخذ فِي غَيره، فَقَالَ لَهما: لَا يأتيكما
طَعَام ترزقانه فِي نومكما إلاَّ نبأتكما بتأويله أَي:
بتفسيره، وألوانه أَي طَعَام أكلْتُم وَكم أكلْتُم وَمَتى
أكلْتُم من قبل أَن يأتيكما، فَقَالَا لَهُ. هَذَا من فعل
العرافين والكهنة، فَقَالَ يُوسُف: مَا أَنا بكاهن
وَإِنَّمَا ذلكما الْعلم مَا عَلمنِي رَبِّي، ثمَّ أعلمهما
أَنه مُؤمن، فَقَالَ: {إِنِّي تركت مِلَّة} أَي: دينهم
وشريعتهم. قَوْله: {وَاتَّبَعت مِلَّة آبَائِي
إِبْرَاهِيم} هِيَ الْملَّة الحنيفية. قَوْله: ذَلِك أَي:
التَّوْحِيد وَالْعلم من فضل الله فأراهما دينه وَعلمه
وفطنته ثمَّ دعاهما إِلَى الْإِسْلَام فَأقبل عَلَيْهِمَا
وعَلى أهل السجْن، وَكَانَ بَين أَيْديهم أصنام يعبدونها
من دون الله فَقَالَ إلزاماً للحجة: {يَا صَاحِبي السجْن}
جَعلهمَا صَاحِبي السجْن لِكَوْنِهِمَا فِيهِ، فَقَالَ:
{أأرباب متفرقون} يَعْنِي: شَتَّى لَا تضر وَلَا تَنْفَع
{خير أم الله الْوَاحِد القهار} قَوْله: وَقَالَ الفضيل
إِلَى قَوْله: {القهار} وَقع هُنَا عِنْد كَرِيمَة وَوَقع
عِنْد أبي ذَر بعد قَوْله: {إرجع إِلَى رَبك} وَوَقع عِنْد
غَيرهمَا بعد قَوْله الأعناب والدهن وَالَّذِي عِنْد
كَرِيمَة هُوَ أليق. قَوْله: {مَا تَعْبدُونَ} أَي: من دون
الله إلاَّ أَسمَاء يَعْنِي لَا حَقِيقَة لَهَا قَوْله:
{من سُلْطَان} أَي: حجَّة وبرهان. قَوْله: {ذَلِك الدّين}
أَي: ذَلِك الَّذِي دعوتكم إِلَيْهِ من التَّوْحِيد وَترك
الشّرك هُوَ {الدّين الْقيم} أَي: الْمُسْتَقيم ثمَّ فسر
رؤياهما بقوله: {يَا صَاحِبي السجْن} الخ. وَلما سمعا قَول
يُوسُف قَالَا: مَا رَأينَا شَيْئا كُنَّا نلعب فَقَالَ
يُوسُف: {أَي قضي الْأَمر} أَي: فرغ الْأَمر الَّذِي
سألتهما وَوَجَب حكم الله عَلَيْكُمَا بِالَّذِي أخبرتكما
بِهِ، وَقَالَ يُوسُف عِنْد ذَلِك للَّذي ظن أَي علم أَنه
تَاج وَهُوَ الساقي {أذكرني عِنْد رَبك} أَي: سيدك قَوْله:
{فأنساه الشَّيْطَان} أَي: أنسى يُوسُف الشَّيْطَان ذكر
ربه حَتَّى ابْتغى الْفرج من غَيره واستعان بالمخلوق،
فَلذَلِك لبث فِي السجْن بضع سِنِين. وَاخْتلف فِي
مَعْنَاهُ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هُوَ مَا بَين
الثَّلَاثَة إِلَى الْخَمْسَة، وَقَالَ مُجَاهِد: مَا بَين
ثَلَاث إِلَى سبع، وَقَالَ قَتَادَة والأصمعي:
(24/138)
مَا بَين الثَّلَاثَة إِلَى التسع، وَقَالَ
ابْن عَبَّاس: مَا دون الْعشْرَة، وَأكْثر الْمُفَسّرين
هَاهُنَا أَن الْبضْع سبع سِنِين، وَلما دنا فرج يُوسُف
رأى ملك مصر الْأَكْبَر رُؤْيا عَجِيبَة هالته، وَقَالَ:
إِنِّي أرى سبع بقرات سمان خرجن من نهر يَابِس يأكلهن سبع
بقرات عجاف أَي: مهازيل فابتلعنهن فدخلن فِي بطونهن فَلم
ير مِنْهُنَّ شَيْء، وَرَأى سبع سنبلات خضر قد انْعَقَد
حبها وَأخر يابسات قد احتصدت وأفركت فالتوت اليابسات على
الْخضر حَتَّى غلبن عَلَيْهِنَّ، فَجمع السَّحَرَة والكهنة
والحازة، والقافة وقصها عَلَيْهِم وَقَالَ: {أَيهَا
الْمَلأ} أَي: الْأَشْرَاف {أفتوني فِي رُؤْيَايَ}
فاعبروها {إِن كُنْتُم للرؤيا تعبرون} قَالُوا: هَذَا
الَّذِي رَأَيْته {أضغاث أَحْلَام} أَي: أَحْلَام مختلطة
مشتبهة أباطيل، والأضغاث جمع ضغث وَهُوَ الحزمة من
أَنْوَاع الْحَشِيش. قَوْله: {وَقَالَ الَّذِي نجا
مِنْهُمَا} هُوَ الساقي قَوْله: {وَاذْكُر} أَي تذكر
حَاجَة يُوسُف وَهُوَ قَوْله: {اذْكُرْنِي عِنْد رَبك}
قَوْله: {بعد أمة} أَي: بعد حِين، وَعَن عِكْرِمَة: بعد
قرن، وَعَن سعيد بن جُبَير: بعد سِنِين، وَسَيَجِيءُ مزِيد
الْكَلَام فِيهِ. قَوْله: {أنبئكم} أَي: أخْبركُم بتأويله.
قَوْله: {فأرسلون} يَعْنِي إِلَى يُوسُف فَأَرْسلُوهُ
إِلَيْهِ فَقَالَ يُوسُف يَعْنِي: يَا يُوسُف {أَيهَا
الصّديق} وَهُوَ الْكثير الصدْق. قَوْله: {أَفْتِنَا}
إِلَى قَوْله: هِهّهْها من كَلَام الساقي الْمُرْسل إِلَى
يُوسُف. قَوْله: {لَعَلَّهُم يعلمُونَ} أَي: تَأْوِيل
رُؤْيا الْملك، وَقيل: يعلمُونَ فضلك وعلمك. قَوْله:
{قَالَ تزرعون} أَي: قَالَ يُوسُف: {إرجع إِلَى رَبك} أَي
كعادتكم، قَالَه الثَّعْلَبِيّ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ:
دأباً مصدر دأب فِي الْعَمَل وَهُوَ حَال من المأمورين
أَي: دائبين أَي: إِمَّا على تدأبون دأباً وَإِمَّا على
إِيقَاع الْمصدر حَالا يَعْنِي: ذَوي دأب. قَوْله: د أَي:
اتركوه فِي سنبله، إِنَّمَا قَالَ ذَلِك ليبقى وَلَا
يفْسد. قَوْله: 0 يَعْنِي: سبع سِنِين جَدب وقحط. قَوْله:
ك ل أَي: تحرسون وتدخرون. قَوْله: هٌ هٍ من الْغَوْث أَو
من الْغَيْث وَهُوَ الْمَطَر أَي: يمطرون مِنْهُ. قَوْله:
هَهُ أَكثر الْمُفَسّرين على معنى يعصرون الْعِنَب خمرًا
وَالزَّيْتُون زيتاً والسمسم دهناً، وَقَالَ أَبُو
عُبَيْدَة: يعصرون ينجون من الجدب وَالْكرب الْعَصْر
والعصرة النجَاة والملجأ، وَقيل: يعصرون يمطرون. دَلِيله
{وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَآءً ثَجَّاجاً} ثمَّ
إِن الساقي لما رَجَعَ إِلَى الْملك وَأخْبرهُ بِمَا أفتاه
يُوسُف من تَأْوِيل رُؤْيَاهُ {فَلَمَّا جَاءَهُ
الرَّسُول} أَي بِيُوسُف أَي: لما جَاءَ يُوسُف الرَّسُول
وَقَالَ: أجب الْملك، قَالَ يُوسُف: {أرجع إِلَى رَبك}
أَي: سيدك الْملك فأسأله {مَا بَال النُّبُوَّة} الْآيَة
وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك حَتَّى يظْهر عذره وَيعرف صِحَة
أمره من قبل النسْوَة، وَتَمام الْقِصَّة فِي موضعهَا.
وادَّكَرَ افْتَعَلَ مِنْ ذَكَرَ، أُمَّةٍ قَرْنٍ
وتُقْرَأُ أمَهٍ نِسْيانٍ، وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ
يَعْصِرُونَ الأعْنابَ والدُّهْنَ. تُحْصِنُونَ
تَحْرُسُونَ.
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى تَفْسِير بعض الْأَلْفَاظ الَّتِي
وَقعت فِي الْآيَات الْمَذْكُورَة مِنْهَا قَوْله: وادكر
فَإِنَّهُ على وزن افتعل لِأَن أَصله اذكر بِالذَّالِ
الْمُعْجَمَة فنقلت إِلَى بَاب الافتعال فَصَارَ اذتكر،
ثمَّ قلبت التَّاء دَالا مُهْملَة فَصَارَ اذدكر، ثمَّ
قلبت الذَّال الْمُعْجَمَة دَالا مُهْملَة ثمَّ أدغمت
الدَّال فِي الدَّال فَصَارَ ادكر قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ:
هَذَا هُوَ الفصيح، وَعَن الْحسن بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة.
وَقَوله: افتعل من ذكر رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي
رِوَايَة غَيره: افتعل من ذكرت، وَمِنْهَا قَوْله: أمة
فَإِنَّهُ فَسرهَا بقوله: قرن. قَوْله: ويقرا أمه بِفَتْح
الْهمزَة وَتَخْفِيف الْمِيم وبالهاء المنونة، فسره بقوله:
نِسْيَان. وَأخرجه الطَّبَرِيّ عَن عِكْرِمَة وتنسب هَذِه
الْقِرَاءَة فِي الشواذ إِلَى ابْن عَبَّاس وَالضَّحَّاك،
يُقَال: رجل مأموه ذَاهِب الْعقل، يُقَال: أمهت آمه أمهَا
بِسُكُون الْمِيم وَمِنْهَا قَوْله: يعصرون إِشَارَة إِلَى
تَفْسِيره بقوله: وَقَالَ ابْن عَبَّاس: يعصرون الأعناب
والدهن، وَوَصله هَكَذَا ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ
بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس. وَمِنْهَا قَوْله:
تحصنون ففسره بقوله. يَحْرُسُونَ، وَقد مر الْكَلَام
فِيهِ.
6992 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدِ بن أسْماءَ،
حدّثنا جُوَيْرِيَة، عنْ مالِكٍ، عنِ الزُّهْرِيِّ أنَّ
سَعِيدَ بنَ المُسَيَّبِ وَأَبا عُبَيْدٍ أخْبَراهُ عَن
أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ رسولُ الله
لوْ لبِثْتُ
(24/139)
فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ ثُمَّ
أَتَانِي الدَّاعِي لأجَبْتُهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من مَعْنَاهُ. وَعبد الله
هُوَ ابْن مُحَمَّد بن أَسمَاء بن عبيد الضبعِي سمع عَمه
جوَيْرِية بن أَسمَاء وهما اسمان علمَان مشتركان بَين
الذُّكُور وَالْإِنَاث، وَأَبُو عبيد بِالضَّمِّ اسْمه سعد
بن عبيد مولى عبد الرحمان بن الْأَزْهَر بن عَوْف.
والْحَدِيث مضى فِي التَّفْسِير وَفِي أَحَادِيث
الْأَنْبِيَاء بِهَذَا السَّنَد.
قَوْله: مَا لبث أَي: مُدَّة لبثه. قَوْله: ثمَّ أَتَانِي
الدَّاعِي أَي: من الْملك يدعوني إِلَيْهِ لَأَسْرَعت فِي
الْإِجَابَة ولبادرت إِلَيْهِ وَلَا اشْترطت شرطا لإخراجي،
وَقد كَانَ يُوسُف لما أَتَاهُ الدَّاعِي يَدعُوهُ إِلَى
الْملك قَالَ: ارْجع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ مَا بَال
النسْوَة اللَّاتِي قطعن أَيْدِيهنَّ، وَلَا يلْزم من
ذَلِك تَفْضِيل يُوسُف على النَّبِي لِأَنَّهُ قَالَ ذَلِك
تواضعاً أَو بَيَانا للْمصْلحَة، إِذْ لَعَلَّ فِي
الْخُرُوج مصَالح الْإِسْرَاع بهَا أولى.
10 - (بابُ مَنْ رأى النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي
المَنامِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَمر من رأى النَّبِي فِي
مَنَامه.
6993 - حدّثنا عَبْدانُ أخبرنَا عَبْدُ الله، عنْ يُونُسَ،
عنِ الزُّهْرِيِّ، حدّثني أبُو سَلَمَة أنَّ أَبَا
هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يقُولُ مَنْ رَآنِي فِي المَنامِ فَسَيَراني فِي
اليَقَظَةِ، وَلَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطانُ بِي
قَالَ أبُو عَبْدِ الله: قَالَ ابنُ سيرينَ: إِذا رآهُ فِي
صُورَتِهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يوضحها أَن رُؤْيَة
النَّبِي فِي الْمَنَام صَحِيحَة لَا تنكر وَلَيْسَت
بأضغاث أَحْلَام وَلَا من تشبيهات الشَّيْطَان يُؤَيّدهُ
قَوْله فقد رأى الْحق أَي: الرُّؤْيَا الصَّحِيحَة. وَذكر
أَبُو الْحسن عَن عَليّ بن أبي طَالب فِي مدخله الْكَبِير
رُؤْيَة سيدنَا رَسُول الله تدل على الخصب والأمطار
وَكَثْرَة الرَّحْمَة وَنصر الْمُجَاهدين وَظُهُور الدّين
وظفر الْغُزَاة والمقاتلين ودمار الْكفَّار وظفر
الْمُسلمين بهم وَصِحَّة الدّين إِذْ رئي فِي الصِّفَات
المحمودة، وَرُبمَا دلّ على الْحَوَادِث فِي الدّين
وَظُهُور الْفِتَن والبدع إِذا رئي فِي الصِّفَات
الْمَكْرُوهَة.
وعبدان شيخ البُخَارِيّ لقب عبد الله بن عُثْمَان
الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي،
وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد الْأَيْلِي، وَالزهْرِيّ هُوَ
مُحَمَّد بن مُسلم، وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرحمان بن
عَوْف، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي التَّعْبِير عَن أبي الطَّاهِر
بن السَّرْح وَغَيره. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَب
عَن أَحْمد بن صَالح.
قَوْله: فسيراني فِي الْيَقَظَة زَاد مُسلم من هَذَا
الْوَجْه أَو فَكَمَا رَآنِي فِي الْيَقَظَة، هَكَذَا
بِالشَّكِّ، وَمعنى لفظ البُخَارِيّ أَن المُرَاد أهل عصره
أَي: من رَآهُ فِي الْمَنَام وَفقه الله لِلْهِجْرَةِ
إِلَيْهِ والتشرف بلقائه أَو يرى تَصْدِيق تِلْكَ
الرُّؤْيَا فِي الدَّار الْآخِرَة، أَو يرَاهُ فِيهَا
رُؤْيَة خَاصَّة فِي الْقرب مِنْهُ والشفاعة. قَوْله:
وَلَا يتَمَثَّل الشَّيْطَان بِي أَي: لَا يحصل لَهُ
مِثَال صُورَتي وَلَا يتشبه بِي قَالُوا: كَمَا منع الله
الشَّيْطَان أَن يتَصَوَّر بصورته فِي الْيَقَظَة كَذَلِك
مَنعه فِي الْمَنَام لِئَلَّا يشْتَبه الْحق بِالْبَاطِلِ.
قَوْله: قَالَ أَبُو عبد الله إِلَى آخِره، لم يثبت للنسفي
وَلأبي ذَر، وَثَبت عِنْد غَيرهمَا، وَأَبُو عبد الله هُوَ
البُخَارِيّ نَفسه، قَالَ مُحَمَّد بن سِيرِين: إِذا رَآهُ
فِي صورته أَرَادَ أَن رُؤْيَته إِيَّاه لَا تعْتَبر إلاَّ
إِذا رَآهُ على صفته الَّتِي وصف بهَا وَهَذَا التَّعْلِيق
رَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق القَاضِي عَن سُلَيْمَان
بن حَرْب من شُيُوخ البُخَارِيّ عَن حَمَّاد بن زيد عَن
أَيُّوب، قَالَ: كَانَ مُحَمَّد يَعْنِي ابْن سِيرِين إِذا
قصّ عَلَيْهِ رجل أَنه رأى النَّبِي قَالَ: صف الَّذِي
رَأَيْته، فَإِن وصف لَهُ بِصفة لَا يعرفهَا قَالَ: لم
يره، وَهَذَا سَنَد صَحِيح. فَإِن قلت: يُعَارضهُ مَا
أخرجه ابْن أبي عَاصِم من وَجه آخر عَن أبي هُرَيْرَة،
قَالَ: قَالَ رَسُول الله من رَآنِي فِي الْمَنَام فقد
رَآنِي فَإِنِّي أرى فِي كل صُورَة. قلت: فِي سَنَده صَالح
مولى التَّوْأَمَة وَهُوَ ضَعِيف لاختلاطه، وَهُوَ من
رِوَايَة من سمع مِنْهُ بعد الِاخْتِلَاط.
6994 - حدّثنا مُعَلَّى بنُ أسَدٍ، حدّثنا عبْدُ العَزِيزِ
بنُ مُخْتار، حدّثنا ثابِتٍ البُنانِيُّ، عنْ أنس
(24/140)
ٍ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ النبيُّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنْ رَآنِي فِي المَنامِ فَقَدْ
رَآنِي، فإنَّ الشَّيْطان لَا يَتَمَثَّلُ بِي ورُؤْيا
المُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وأرْبَعِينَ جُزْءاً مِنَ
النُّبُوَّةِ
انْظُر الحَدِيث 6983
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَرِجَاله كلهم بصريون.
والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل عَن عبد
الله بن عبد الرحمان عَن مُعلى بن أَسد بِهِ.
قَوْله: فقد رَآنِي قيل: مَعْنَاهُ أَن رُؤْيَاهُ صَحِيحَة
لَا تكون أضغاثاً وَلَا من تشبيهات الشَّيْطَان، ويعضده
فِي بعض طرقه: فقد رأى الْحق، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: هُنَا
اتَّحد الشَّرْط وَالْجَزَاء فَدلَّ على أَن الْغَايَة فِي
الْكَمَال أَي: فقد رَآنِي رُؤْيا لَيْسَ بعْدهَا شَيْء،
وَقيل: هُوَ فِي معنى الْإِخْبَار أَي: من رَآنِي
فَأخْبرهُ بِأَنَّهَا رُؤْيَة حق لَيست أضغاث أَحْلَام
وَلَا تخيلات الشَّيْطَان ورؤيته سَبَب الْإِخْبَار. قيل:
كَيفَ يكون ذَلِك وَهُوَ فِي الْمَدِينَة، والرائي فِي
الشرق والغرب. وَأجِيب: بِأَن الرُّؤْيَة أَمر يخلقه الله
تَعَالَى وَلَا يشْتَرط فِيهَا عقلا مُوَاجهَة وَلَا
مُقَابلَة وَلَا مُقَارنَة وَلَا خُرُوج شُعَاع وَلَا
غَيره وَلِهَذَا جَازَ أَن يرى أعمى الصين بقة أندلس،
وَقيل كثيرا يرى على خلاف صفته الْمَعْرُوفَة وَيَرَاهُ
شخصان فِي حَالَة وَاحِدَة فِي مكانين والجسم الْوَاحِد
لَا يكون إلاَّ فِي مَكَان وَاحِد، وَأجَاب النَّوَوِيّ
حاكياً عَن بَعضهم: ذَلِك ظن الرَّائِي أَنه رَآهُ
كَذَلِك، وَقد يظنّ الظَّان بعض الخيالات مرئياً لكَونه
مرتبطاً بِمَا يرَاهُ عَادَة فذاته الشَّرِيفَة هِيَ مرئية
قطعا لَا خيال وَلَا ظن فِيهِ، لَكِن هَذِه الْأُمُور
الْعَارِضَة قد تكون متخيلة للرآئي. قَوْله: فَإِن
الشَّيْطَان لَا يتَمَثَّل بِي وَمضى فِي حَدِيث أبي
هُرَيْرَة فِي كتاب الْعلم: فَإِن الشَّيْطَان لَا
يتَمَثَّل فِي صُورَتي، وَفِي حَدِيث جَابر عِنْد ابْن
مَاجَه: لَا يَنْبَغِي للشَّيْطَان أَن يتَمَثَّل فِي
صُورَتي، وَفِي لفظ مُسلم: أَن يتشبه، بدل أَن يتَمَثَّل،
وَفِي حَدِيث ابْن مَسْعُود عِنْد التِّرْمِذِيّ وَابْن
مَاجَه: إِن الشَّيْطَان لَا يَسْتَطِيع أَن يتَمَثَّل
بِي، وَفِي حَدِيث أبي قَتَادَة، على مَا يَجِيء: وَأَن
الشَّيْطَان لَا يتراءاى بِي، بالراء وَمَعْنَاهُ: لَا
يَسْتَطِيع أَن يصير مرئياً بِصُورَتي، وَفِي رِوَايَة أبي
ذَر: لَا يتزايا، بالزاي وَبعد الْألف يَاء آخر الْحُرُوف،
وَفِي حَدِيث أبي سعيد فِي آخر الْبَاب: فَإِن الشَّيْطَان
لَا يتكونني.
6995 - حدّثنا يَحْياى بنُ بُكَيْرٍ، حدّثنا بُكَيْرٍ،
حدّثنا اللَّيْثُ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ أبي جَعْفَرِ
قَالَ: أَخْبرنِي أبُو سلمةَ عنْ أبي قَتَادَةَ قَالَ:
قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرُّؤْيا
الصَّالِحَةُ مِنَ الله، والحُلْمُ مِنَ الشَّيْطانِ،
فَمَنْ رأى شَيْئا يَكْرَهُه فَلْيَنْفِثْ عنْ شِمالِهِ
ثَلاثاً وَلْيَتَعَوَّذْ مِنَ الشَّيْطانِ فإنَّها لَا
تَضُرُّهُ، وإنَّ الشَّيْطانَ لَا يَتَزَايا بِي
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: وَإِن
الشَّيْطَان لَا يتزايا بِي
وَالثَّلَاثَة الأول من السَّنَد مصريون، وَعبد الله بن
أبي جَعْفَر الْأمَوِي الْقرشِي وَاسم أبي جَعْفَر يسَار
وَكَانَ عبيد الله بَقِيَّة فِي زَمَانه، وَأَبُو سَلمَة
بن عبد الرحمان بن عَوْف، وَأَبُو قَتَادَة الْحَارِث بن
ربعي الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الطِّبّ عَن خَالِد بن مخلد وَفِي
التَّعْبِير عَن أَحْمد بن يُونُس وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: لَا يتزايا بالزاي أَي: لَا يقصدني لِأَن يصير
مرئياً بِصُورَتي.
6996 - حدّثنا خالِدُ بنُ خَلِيَ، حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ
حَرْب، حدّثني الزُّبَيْدِيُّ عَن الزُّهْرِيِّ قَالَ أبُو
سَلَمَةَ: قَالَ أبُو قَتادَةَ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ
النبيُّ مَنْ رَآنِي فَقَدْ رأى الحَقَّ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهر. وخَالِد بن خلي بِفَتْح
الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر اللَّام وَتَشْديد الْيَاء
أَبُو الْقَاسِم الْحِمصِي قاضيها وَهُوَ من أَفْرَاد
البُخَارِيّ، وَمُحَمّد بن حَرْب أَبُو عبد الله
النَّسَائِيّ روى عَنهُ البُخَارِيّ فِي آخر الِاعْتِصَام،
والزبيدي نِسْبَة إِلَى زبيد بِضَم الزَّاي وَفتح الْبَاء
الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء وَالدَّال الْمُهْملَة
واسْمه مُحَمَّد بن الْوَلِيد بن عَامر الشَّامي
الْحِمصِي. وَحَدِيث أبي قَتَادَة قد مر عَن قريب غير
مرّة.
قَوْله: فقد رأى الْحق أَي: الرُّؤْيَة الصَّحِيحَة
الثَّابِتَة لَا أضغاث أَحْلَام وَلَا خيالات بَاطِلَة،
وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: الْحق هُنَا مصدره مُؤَكد أَي: فقد
رأى رُؤْيَة الْحق.
(24/141)
تابَعَهُ يُونُسُ وابنُ أخِي الزُّهْرِيِّ.
أَي تَابع الزبيدِيّ فِي رِوَايَة عَن الزُّهْرِيّ يُونُس
بن يزِيد وَابْن أخي الزُّهْرِيّ وَهُوَ مُحَمَّد بن عبد
الله بن مُسلم، وَوَصلهَا مُسلم من طريقهما وساقها على لفظ
يُونُس، وأحال بِرِوَايَة ابْن أخي الزُّهْرِيّ عَلَيْهِ.
6997 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ، حَدثنَا
اللَّيْثُ، حدّثني ابنُ الهادِ عنْ عَبْدِ الله بنِ
خَبَّابٍ عنْ أبي سَعيدٍ الخُدْرِيِّ سَمِعَ النبيَّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يقُولُ مَنْ رَآنِي فَقَدْ رأى
الحَقَّ فإنَّ الشَّيْطانَ لَا يَتَكَوُّنُنِي
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَابْن الْهَاد هُوَ يزِيد
بن عبد الله بن أُسَامَة، وَعبد الله بن خباب بِفَتْح
الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة
الأولى، وَقد مر ذكره عَن قريب. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: فَإِن الشَّيْطَان لَا يتكونني لتتميم الْمَعْنى
وَالتَّعْلِيل للْحكم وَمَعْنَاهُ: لَا يتكون كوناً مثل
كوني، أَو: لَا يتَّخذ كوني أَي: لَا يتشكل بشكلي، وَقَالَ
الْكرْمَانِي: التكون لَازم فَمَا وَجهه؟ ثمَّ أجَاب
بقوله: لُزُومه غير لَازم، أَو مَعْنَاهُ: لَا يتكون كوني،
فَحذف الْمُضَاف وأوصل الْمُضَاف إِلَيْهِ بِالْفِعْلِ.
11 - (بابُ رُؤْيا اللَّيْلِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الرُّؤْيَا الَّتِي تكون
بِاللَّيْلِ هَل تَسَاوِي الرُّؤْيَا الَّتِي تكون
بِالنَّهَارِ أَو يتفاوتان؟ . قيل: كَأَنَّهُ يُشِير إِلَى
حَدِيث أبي سعيد: أصدق الرُّؤْيَا بالأسحار. أخرجه أَحْمد
مَرْفُوعا وَصَححهُ ابْن حبَان وَذكر نصر بن يَعْقُوب
الدينَوَرِي أَن الرُّؤْيَا أول اللَّيْل تبطىء بتأويلها،
وَمن النّصْف الثَّانِي تسرع بتفاوت أَجزَاء اللَّيْل،
وَأَن أسرعها تَأْوِيلا رُؤْيا السحر وَلَا سِيمَا عِنْد
طُلُوع الْفجْر، وَعَن جَعْفَر الصَّادِق: أسرعها
تَأْوِيلا رُؤْيا القيلولة.
رَواهُ سَمُرَةُ.
أَي: روى حَدِيث رُؤْيا اللَّيْل سَمُرَة بن جُنْدُب
الْفَزارِيّ الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور، وَسَيَأْتِي
حَدِيثه فِي آخر كتاب التَّعْبِير، إِن شَاءَ الله
تَعَالَى.
6998 - حدّثنا أحْمَدُ بنُ المِقْدامِ العِجْلِيُّ، حدّثنا
مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ الطُّفاوِيُّ، حَدثنَا
أيُّوبُ، عنْ مُحَمَّدٍ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُعْطِيتُ مَفاتِيحَ
الكَلِمِ ونُصرْتُ بالرُّعْبِ وبَيْنَما أَنا نائِمٌ
البارِحَة إذْ أُتِيتُ بمَفاتِيحِ خَزَائِنِ الأرْضِ،
حتَّى وُضِعَتْ فِي يَدَي قَالَ أبُو هُرَيْرَةَ: فَذَهَبَ
رسولُ الله وأنْتُمْ تَنْتَقِلُونَها.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: وبينما أَنا نَائِم
البارحة
والطفاوي بِضَم الطَّاء وَتَخْفِيف الْفَاء وبالواو
نِسْبَة إِلَى بني طفاوة أَو إِلَى طفاوة مَوضِع، وَأَيوب
هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَمُحَمّد هُوَ ابْن سِيرِين
والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: مَفَاتِيح الْكَلم أَي: لفظ قَلِيل يُفِيد مَعَاني
كَثِيرَة، وَهَذَا غَايَة البلاغة، وَسَتَأْتِي رِوَايَة
أُخْرَى: بعثت بجوامع الْكَلم، وَقَالَ البُخَارِيّ:
بَلغنِي أَن جَوَامِع الْكَلم هُوَ أَن الله تَعَالَى يجمع
الْأُمُور الْكَثِيرَة الَّتِي كَانَت تكْتب فِي الْكتب
قبله فِي الْأَمر الوحد والأمرين، أَو نَحْو ذَلِك.
قَوْله: ونصرت بِالرُّعْبِ بِضَم الرَّاء وَسُكُون الْعين
الْفَزع، أَي: ينهزمون من عَسْكَر الْإِسْلَام بِمُجَرَّد
الصيت وَيَخَافُونَ مِنْهُم أَو ينقادون بِدُونِ إيجَاف
خيل وَلَا ركاب. قَوْله: البارحة اسْم لليلة الْمَاضِيَة،
وَإِن كَانَ قبل الزَّوَال. قَوْله: أتيت على صِيغَة
الْمَجْهُول. قَوْله: فِي يَدي إِمَّا حَقِيقَة وَإِمَّا
مجَاز بِاعْتِبَار قَوْله: تنتقلونها من الِانْتِقَال من
النَّقْل بالنُّون وَالْقَاف، ويروى تنتفلونها بِالْفَاءِ
مَوضِع الْقَاف أَي: تغتنمونها، ويروى: تنتثلونها، بالثاء
الْمُثَلَّثَة مَوضِع الْفَاء أَي: تستخرجونها وَذَلِكَ
كاستخراجهم خَزَائِن كسْرَى ودفائن قَيْصر.
(24/142)
6999 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ،
عنْ مالِكٍ، عنْ نافِعٍ، عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ،
رَضِي الله عَنْهُمَا، أنَّ رسولَ الله قَالَ: أُراني
اللَّيْلَةَ عِنْدَ الكَعْبَةَ، فَرَأيْتُ رجُلاً آدَمَ
كأحْسَنِ مَا أنْتَ راءٍ مِنْ أُدْم الرِّجالِ، لهُ
لِمَّةٌ كأحْسَنِ مَا أنْتَ راءٍ مِنَ اللِّمَمِ، قَدْ
رَجَّلَها تَقْطُرُ مَاء مُتَّكِئاً على رجُليْنِ أوْ عَلى
عَواتِقِ رجُلَيْن يَطُوفُ بالبيْتِ، فَسألْتُ: مَنْ
هاذَا؟ فَقِيلَ: المَسيح ابنُ مَرْيَمَ، ثُمَّ إِذا أَنا
بِرَجلٍ جَعْدٍ قَطَطٍ أعْوَرِ العَيْنِ اليُمْنَى كأنَّها
عِنَبَةَ طافِيَةٌ، فَسألْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقِيلَ:
المَسيحُ الدَّجَّالُ
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: أَرَانِي اللَّيْلَة
عِنْد الْكَعْبَة
والْحَدِيث مضى فِي اللبَاس عَن عبد الله بن يُوسُف.
وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن يحيى بن يحيى.
قَوْله: أَرَانِي اللَّيْلَة أَي: أرى نَفسِي،
وَاللَّيْلَة نصب على الظَّرْفِيَّة وَسَيَأْتِي فِي: بَاب
الطّواف بِالْكَعْبَةِ، من وَجه آخر عَن ابْن عمر بِلَفْظ:
بَينا أَنا نَائِم رَأَيْتنِي أَطُوف بِالْكَعْبَةِ.
قَوْله: من أَدَم الرِّجَال بِضَم الْهمزَة وَسُكُون
الدَّال جمع آدم وَهُوَ الأسمر، قَالَ الدَّاودِيّ: هُوَ
إِلَى السمرَة أميل، وَقَالَ أَبُو عبد الْملك: الْأدم
فَوق الأسمر يعلوه سَواد قَلِيل. قَوْله: لَهُ لمة بِكَسْر
اللَّام وَتَشْديد الْمِيم وَهُوَ الشّعْر المجاوز شحمة
الْأذن، واللمم: بِالْكَسْرِ أَيْضا جمع لمة فَإِذا بلغ
الْمَنْكِبَيْنِ فَهِيَ جمة، والوفرة دون ذَلِك. قَوْله:
رجلهَا بتَشْديد الْجِيم أَي: سرحها. قَوْله: يقطر مَاء
جملَة حَالية. قَوْله: مُتكئا حَال من قَوْله: قَوْله:
رجلا وَهُوَ نكرَة وَلكنه وصف بالأوصاف الْمَذْكُورَة
فَصَارَ حكمه حكم الْمعرفَة. قَوْله: أَو على عواتق
رجلَيْنِ شكّ من الرَّاوِي، وَهُوَ جمع عاتق وَهُوَ اسْم
لما بَين الْمنْكب والعنق. وَقيل: هَذَا جمع فَكيف أضيف
إِلَى الْمثنى؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ نَحْو قَوْله: {إِن
تَتُوبَآ إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن
تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ
وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ
بَعْدَ ذَالِكَ ظَهِيرٌ} وَجَاز مثله إِذْ لَا التباس.
قَوْله: جعد أَي: غير سبط أَو قصير. قَوْله: قطط وَهُوَ
المبالغ فِي الجعودة. قَوْله: طافية ضد الراسبة، وَقَالَ
ابْن الْأَثِير: الطافية هِيَ الْحبَّة الَّتِي قد خرجت
عَن حد نبت أخواتها فظهرت من بَينهَا وَارْتَفَعت، وَقيل:
أَرَادَ بِهِ الْحبَّة الطافية على وَجه المَاء، شبه عينه
بهَا، وَيُقَال: طفا الشَّيْء على المَاء يطفو إِذا علا،
فعين الدَّجَّال طافية على وَجهه قد برزت كالعنبة، وَقَالَ
ابْن بطال: من قَرَأَ: طافئة، بِالْهَمْزَةِ فَمَعْنَاه:
أَن عينه مفقوءة ذهب ضوؤها كَأَنَّهَا عنبة نَضِجَتْ فَذهب
مَاؤُهَا، وَمن قَرَأَ بِغَيْر همز فَمَعْنَاه أَنَّهَا
برزت وَخرج الْبَاطِن الْأسود فِيهَا لِأَن كل شَيْء ظهر
فقد طفا. قَوْله: الْمَسِيح الدَّجَّال وَفِي تَسْمِيَة
الدَّجَّال بالمسيح خَمْسَة أَقْوَال، وَفِي تَسْمِيَته
بالدجال عشرَة أَقْوَال ذَكرنَاهَا كلهَا فِي كتَابنَا
الموسوم بزين الْمجَالِس وَكَذَلِكَ ذكرنَا فِي تَسْمِيَة
عِيسَى ابْن مَرْيَم بالمسيح ثَلَاثَة وَعشْرين وَجها
اختصرنا هُنَا ذكره خوفًا من السَّآمَة، ومختصره معنى
الْمَسِيح فِي عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَام، كَونه لَا يمسح
ذَا عاهة إلاَّ برىء، وَمَعْنَاهُ فِي الدَّجَّال كَونه
مَمْسُوح إِحْدَى الْعَينَيْنِ، وَقيل فِيهِ: بِالْخَاءِ
الْمُعْجَمَة.
7000 - حدّثنا يَحْياى، حدّثنا اللَّيْثُ عَن يُونُسَ، عنِ
ابنِ شِهابٍ، عنْ عُبَيْدِ الله بن عَبْدِ الله أنص ابنَ
عَبَّاسٍ كَانَ يُحَدِّثُ أنَّ رَجُلاً أتَى رسولَ الله
فَقَالَ: إنِّي أُرِيتُ اللَّيْلَةَ فِي المَنامِ وساقَ
الحَديثَ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى بن عبد الله بن
بكير ينْسب إِلَى جده، وَعبيد الله بن عبد الله بن عتبَة
بن مَسْعُود الْهُذلِيّ.
قَوْله: إِنِّي أريت على صِيغَة الْمَجْهُول، ويروى:
رَأَيْت، وَقد اقْتصر البُخَارِيّ على هَذَا الْمِقْدَار
من الحَدِيث، وَسَيَأْتِي بِتَمَامِهِ بِهَذَا السَّنَد
فِي: بَاب من لم ير الرُّؤْيَا لأوّل عَابِر إِذا لم يصب،
وَسَيَأْتِي شَرحه هُنَاكَ، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وتابَعَهُ سُليْمانُ بنُ كَثِيرٍ وابنُ أخِي الزُّهْرِيِّ
وسُفْيانُ بنُ حُسَيْنٍ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عُبَيْدِ
الله عنِ ابنِ عَبَّاس عَن النَّبِي
(24/143)
أَي: تَابع الزُّهْرِيّ فِي رِوَايَته عَن
عبيد الله بن عبد الله عَن ابْن عَبَّاس سُلَيْمَان بن
كثير، وَوصل هَذِه الْمُتَابَعَة مُسلم، وَقَالَ: حَدثنَا
عبد الله بن عبد الرحمان الدَّارمِيّ أخبرنَا مُحَمَّد بن
كثير حَدثنَا سُلَيْمَان وَهُوَ ابْن كثير عَن الزُّهْرِيّ
عَن عبيد الله بن عبد الله عَن ابْن عَبَّاس: أَن رَسُول
الله كَانَ يَقُول لأَصْحَابه: من رأى مِنْكُم رُؤْيا
فليقصها أعبرها لَهُ، قَالَ: جَاءَ رجل فَقَالَ: يَا
رَسُول الله إِنِّي رَأَيْت ظلمَة، فأحاله على مَا قبله.
قَوْله: وَابْن أخي الزُّهْرِيّ أَي: تَابعه أَيْضا ابْن
أخي الزُّهْرِيّ، وَهُوَ مُحَمَّد بن عبد الله بن مُسلم،
وَقَالَ بَعضهم: وصمها الذهلي فِي الزهريات وَلَا أعلم
صِحَّته. قَوْله: وسُفْيَان بن حُسَيْن أَي: وَتَابعه
أَيْضا سُفْيَان بن حُسَيْن الوَاسِطِيّ وَوَصلهَا أَحْمد
عَن يزِيد بن هَارُون عَنهُ.
وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عُبَيْدِ
الله أنَّ ابنَ عَبَّاسٍ أوْ أَبَا هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ
أَي: وَقَالَ مُحَمَّد بن الْوَلِيد بن عَامر الْحِمصِي
عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله بن عبد
الله أَن ابْن عَبَّاس أَو أَبَا هُرَيْرَة فَذكره
بِالشَّكِّ، وَوَصله مُسلم وَقَالَ: حَدثنَا حَاجِب بن
الْوَلِيد حَدثنَا مُحَمَّد بن حَرْب عَن الزبيدِيّ
أَخْبرنِي الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله بن عبد الله أَن ابْن
عَبَّاس أَو أَبَا هُرَيْرَة كَانَ يحدث أَن رجلا أَتَى
رَسُول الله، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم،
ثمَّ سَاق الحَدِيث بِسَنَد آخر.
وَقَالَ شعَيْبٌ وإسْحاقُ بنُ يَحْياى عنِ الزُّهْرِيِّ:
كَانَ أبُو هُرَيْرةَ يُحَدِّثُ عنِ النبيِّ وَكَانَ
مَعْمَرٌ لَا يُسْنِدُهُ حَتَّى كَانَ بَعْدُ.
شُعَيْب هُوَ ابْن أبي حَمْزَة الْحِمصِي، وَإِسْحَاق بن
يحيى الْكَلْبِيّ الْحِمصِي، وَقَالَ بَعضهم: وَصلهَا
الذهلي فِي الزهريات وَلَا أعلم صِحَّته. قَوْله: وَكَانَ
معمر أَي: ابْن رَاشد لَا يسند الحَدِيث الْمَذْكُور
حَتَّى أسْندهُ بعد ذَلِك، قَالَ عبد الرَّزَّاق: كَانَ
معمر يحدث بِهِ فَيَقُول: كَانَ ابْن عَبَّاس يَعْنِي
وَلَا يذكر عبيد الله بن عبد الله فِي السَّنَد حَتَّى
جَاءَ زَمعَة بِكِتَاب فِيهِ: عَن الزُّهْرِيّ عَن عبيد
الله عَن ابْن عَبَّاس، فَكَانَ لَا يشك فِيهِ بعد.
12 - (بابُ الرُّؤْيا بِالنَّهارِ)
أَي: هَا بَاب فِي بَيَان أَمر الرُّؤْيَا الْوَاقِعَة
بِالنَّهَارِ، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر رُؤْيا النَّهَار.
وَقَالَ ابنُ عَوْنٍ عنِ ابنِ سِيرينَ: رُؤْيا النَّهارِ
مِثْلُ رُؤْيا اللَّيْلِ.
أَي قَالَ عبد الله بن عون عَن مُحَمَّد بن سِيرِين،
وَوَصله عَن عَليّ بن أبي طَالب القيرواني فِي كتاب
التَّعْبِير من طَرِيق مسْعدَة بن اليسع عَن عبد الله بن
عون، وَفِي التَّوْضِيح قَالَ أَبُو الْحسن عَليّ بن أبي
طَالب فِي كِتَابه نور الْبُسْتَان وربيع الْإِنْسَان لَا
فرق بَين رُؤْيا النَّهَار وَاللَّيْل، وحكمهما وَاحِد فِي
الْعبارَة، وَكَذَا رُؤْيا النِّسَاء ورؤيا الرِّجَال.
7001 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ، أخبرنَا مالِكٌ،
عنْ إسْحاقَ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبي طَلْحَةَ أنّهُ
سَمِعَ أنَسَ بنَ مالِكٍ يَقُولُ: كَانَ رسولُ الله
يَدْخُلُ عَلى أُمِّ حَرامٍ بِنْتِ مِلْحان، وكانَتْ
تَحْتَ عُبادَةَ بنِ الصَّامِتِ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا
يَوْماً فأطْعَمَتْهُ وجَعَلَتْ تَفْلِي رَأسَهُ، فَنامَ
رسولُ الله ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وهْوَ يَضْحَكَ
قالَتْ: فَقُلْتُ: مَا يُضْحِكُكَ يَا رسولَ الله؟ قَالَ:
(24/144)
ناسٌ مِنْ أُمَّتي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزاةً
فِي سبَيلِ الله، يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هاذا البَحْرِ
مُلُوكاً عَلى الأسِرَّةِ أَو مِثْلَ المُلُوكِ عَلَى
الأسِرَّةِ، شَكَّ إسْحَاقُ قالَتْ: فَقلْتُ: يَا رسولَ
الله ادْعُ الله أنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. فَدَعا لَها
رسولُ الله ثُمَّ وَضَعَ رَأسَهُ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وهْوَ
يَضْحَكُ فَقلْتُ مَا يُضْحِكُكَ يَا رسولَ الله؟ قَالَ:
ناسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزاةً فِي سَبِيلِ
الله كَما قَالَ فِي الأولى، قالَت: فَقُلْتُ: يَا رسولَ
الله ادْعُ الله أنْ يَجْعَلَني مِنْهُمْ، قَالَ: أنْتِ
مِنَ الأوَّلِينَ فَرَكِبَتِ البَرَ فِي زَمان مُعاويَةَ
بنِ أبي سُفْيانَ فَصُرِعَتْ عنْ دابَّتِها حِينَ خَرَجَتْ
مِنَ البَحْرِ، فَهَلَكَتْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: فَنَامَ رَسُول الله
ثمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يضْحك
والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد عَن عبد الله بن يُوسُف
أَيْضا وَفِي الاسْتِئْذَان عَن إِسْمَاعِيل. وَأخرجه
مُسلم فِي الْجِهَاد عَن يحيى بن يحيى، وَمضى الْكَلَام
فِيهِ.
قَوْله: يدْخل على أم حرَام بنت ملْحَان بِكَسْر الْمِيم
وَقيل بِفَتْحِهَا، وَهِي خَالَة أنس بن مَالك، وَوجه
دُخُوله، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم،
عَلَيْهَا أَنَّهَا كَانَت خَالَته من الرَّضَاع. قَوْله:
تفلي على وزن ترمي، أَي: تفتش عَن الْقمل. قَوْله: ثبج
هَذَا الْبَحْر بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَالْبَاء
الْمُوَحدَة وبالجيم أَي: وَسطه. قَوْله: فِي زمَان
مُعَاوِيَة احْتج بَعضهم على صِحَة خلَافَة مُعَاوِيَة
وَلَا يَصح لِأَنَّهُ كَانَ فِي زَمَنه وَهُوَ أَمِير
بِالشَّام والخليفة عُثْمَان بن عَفَّان، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، وَلَئِن سلمنَا أَن ذَلِك كَانَ فِي زمن
دَعْوَاهُ الْخلَافَة لَا يَصح لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم الْخلَافَة بعدِي ثَلَاثُونَ سنة، وَمُعَاوِيَة وَمن
بعده يسمون ملوكاً وَلَو سموا خلفاء.
13 - (بابُ رُؤْيا النِّساءِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان رُؤْيا النِّسَاء، قَالَ ابْن
بطال: الِاتِّفَاق على أَن رُؤْيا المؤمنة الصَّالِحَة
دَاخِلَة فِي قَوْله: رُؤْيا الْمُؤمن الصَّالح جُزْء من
أَجزَاء النُّبُوَّة
7003 - حدّثنا سَعيدُ بنُ عفَيْرٍ حدّثني اللَّيْثُ حدّثني
عُقَيْلٌ عنِ ابنِ شِهابٍ أَخْبرنِي خارجَةُ بنُ زَيْدِ
بنِ ثابتٍ أنَّ أُمَّ العَلاءِ امْرأةً مِنَ الأنْصارِ
بايَعَتْ رسولَ الله أخْبَرَتْهُ أنَّهُمُ اقْتَسَمُوا
المُهاجِرِينَ قُرْعَةً، قالَتْ: فَطارَ لَنا عُثْمانُ بنُ
مَظْعُونٍ وأنْزَلْناهُ فِي أبْياتِنا فَوَجَعَ وجَعَهُ
الذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَلمَّا تُوُفِّيَ غُسِّلَ وكفِّنَ
فِي أثْوابِهِ، دَخَلَ رسولُ الله قالَتْ فَقُلْتُ رحْمَةُ
الله عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ فَشَهادَتي عَلَيْكَ،
لَقَدْ أكْرَمَكَ الله. فَقَالَ رسولُ الله وَمَا
يُدْرِيكِ أنَّ الله أكْرَمَهُ فَقُلْتُ بِأبي أنْتَ يَا
رسولَ الله، فَمَنْ يُكْرِمُهُ الله؟ فَقَالَ رسولُ الله
أمَّا هُوَ فَوَالله لَقَدْ جاءَهُ اليَقِينُ، وَالله
إنِّي لأرْجُو لهُ الخَيْرَ، وَوَالله مَا أدْرِي وَأَنا
رسولُ الله ماذَا يُفْعَلُ بِي فَقَالَتْ وَالله لَا
أُزَكِّي بَعْدَهُ أحَداً أبدا.
هَذَا مضى فِي الْجَنَائِز وَفِيه: فَرَأَيْت لعُثْمَان
عينا تجْرِي، فَأخْبرت رَسُول الله فَقَالَ: ذَلِك عمله
وَيَأْتِي أَيْضا الْآن، وَهَذَا هُوَ وَجه مُطَابقَة
الحَدِيث للتَّرْجَمَة.
وَأم الْعَلَاء ابْنة الْحَارِث بن ثَابت بن حَارِثَة بن
ثَعْلَبَة ابْن حلاس بن أُميَّة الْأَنْصَارِيَّة من
المبايعات، وَكَانَ رَسُول الله يعودها فِي مَرضهَا.
قَوْله: أَنهم أَي: أَن الْأَنْصَار اقتسموا الْمُهَاجِرين
يَعْنِي: أَخذ كل مِنْهُم وَاحِدًا من الْمُهَاجِرين حِين
قدمُوا الْمَدِينَة. قَوْله: فطار لنا أَي: وَقع فِي سهمنا
عُثْمَان بن مَظْعُون بالظاء الْمُعْجَمَة وَالْعين
الْمُهْملَة. قَوْله: فوجع بِكَسْر الْجِيم أَي: مرض،
وَيجوز ضم الْوَاو، وَقَالَ ابْن التِّين بِالضَّمِّ
روينَاهُ. قَوْله: أَبَا السَّائِب بِالسِّين الْمُهْملَة
كنية عُثْمَان بن مَظْعُون. قَوْله: فشهادتي مُبْتَدأ
وَعَلَيْك صلته وَالْجُمْلَة الخبرية خَبره وَهِي: لقد
أكرمك الله أَي: شهادتي عَلَيْك قولي: لقد أكرمك الله.
قَوْله: بِأبي أَنْت أَي: مفدى بِأبي أَنْت. قَوْله: أما
هُوَ بِفَتْح الْهمزَة وَتَشْديد الْمِيم وقسمه. قَوْله:
وَالله مَا أَدْرِي وَأَنا رَسُول الله وَأما مُقَدّر
نَحوه {لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ
وَالاَْقْرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ
الْوَالِدَانِ وَالاَْقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ
كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً} إِن لم يكن عطفا على الله،
قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: مَعْلُوم أَنه مغْفُور
لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر، وَله من المقامات
المحمودة مَا لَيْسَ لغيره. قلت:
(24/145)
هُوَ نفي للدراية التفصيلية والمعلوم هُوَ الإجمالي.
قَوْله: مَا يفعل بِي وَفِي الحَدِيث الْآتِي: مَا يفعل
بِهِ. قَالَ الدَّاودِيّ: الأول لَيْسَ بِصَحِيح
وَالصَّحِيح هَذَا لِأَن الرَّسُول لَا يشك، قَالَ: أَو
قَالَ ذَلِك قبل أَن يخبر بِأَن أهل بدر يدْخلُونَ
الْجنَّة.
7004 - حدّثنا أبُو اليَمانِ، أخبرنَا شُعَيْبٌ، عنِ
الزُّهْرِيِّ بِهَذَا، وَقَالَ: مَا أدْرِي مَا يُفْعَلُ
بِهِ قالَتْ وأحْزَنَنِي فَنِمْتُ فَرَأيْتُ، لِعُثْمانَ
عَيْناً تَجْرِي، فأخْبَرْتُ رسولَ الله فَقَالَ: ذَلِكَ
عَمَلُهُ
هَذَا هُوَ من الحَدِيث الْمَاضِي أخرجه عَن أبي الْيَمَان
الحكم بن نَافِع. . الخ. قَوْله: بِهَذَا أَي:
بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور. قَوْله: ذَلِك ويروى: ذَاك. |