عمدة القاري شرح صحيح البخاري

14 - (بابٌ الحُلْمُ مِنَ الشَّيْطانِ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ الْحلم من الشَّيْطَان، والحلم بِضَم الْحَاء وَقد سبق مَعْنَاهُ. وَقد حذف ابْن بطال وَغَيره هَذَا الْبَاب لِأَن سبق مَعَ الْكَلَام عَلَيْهِ.
فَإِذا حَلَمَ فَلْيَبْصُقْ عنْ يَسارِهِ ولْيَسْتَعِذْ بِالله عَزَّ وجَلَّ.
حلم بِفَتْح اللَّام، وَهَذِه التَّرْجَمَة بِبَعْض أَلْفَاظ الحَدِيث.

7005 - حدّثنا يَحْياى بنُ بُكَيْرٍ، حدّثنا الليْثُ عنْ عُقَيْلٍ، عنِ ابنِ شِهابٍ، عنْ أبي سَلَمَة أنَّ أَبَا قَتادَةَ الأنْصارِيَّ وَكَانَ مِنْ أصْحابِ النبيِّ وفُرْسانِهِ قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله يَقُولُ الرُّؤْيا مِنَ الله، والحُلْمُ مِنَ الشَّيْطانِ، فَإِذا حَلَمَ أحَدُكُمُ الحُلُمَ يَكْرَهُهُ فَلْيَبْصُقْ عنْ يَسارِهِ، ولْيَسْتَعِذْ بِالله مِنْهُ فَلَنْ يَضُرَّهُ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَقد مضى فِي: بَاب من رأى النَّبِي عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن عبد الله بن أبي جَعْفَر عَن أبي سَلمَة عَن أبي قَتَادَة، الحَدِيث، وَبَينهمَا بعض اخْتِلَاف فِي رجال السَّنَد وَفِي الْمَتْن من زِيَادَة ونقصان.
قَوْله: وَكَانَ من أَصْحَاب النَّبِي ذكر هَذَا تَعْظِيمًا لَهُ وافتخاراً بِهِ وتعليماً للجاهل، وَإِن كَانَ من الصَّحَابَة الْمَشْهُورين. قَوْله: وفرسانه أَي: وَمن فرسَان النَّبِي وَمن فروسيته أَنه قتل يَوْم خَيْبَر عشْرين رجلا، فنفله الشَّارِع سلبهم. قَوْله: الرُّؤْيَا من الله أَي: الْمَنَام المحبوب من الله تَعَالَى: والحلم الْمَكْرُوه من الشَّيْطَان أَي: على طبعه، وإلاَّ فَالْكل من الله تَعَالَى. قَوْله: فَإِذا حلم بِفَتْح اللَّام، وَقد مر آنِفا.

15 - (بابُ اللَّبنِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي حكم رُؤْيَة اللَّبن إِذا رَآهُ فِي الْمَنَام بِمَاذَا يعبر بِهِ.

6007 - حدّثنا عَبْدانُ، أخبرنَا عَبْدُ الله، أخبرنَا يُونُسُ، عنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبرنِي حَمْزَةُ بنُ عَبدِ الله أنَّ ابنَ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ بَيْنا أَنا نائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ حتَّى إنِّي لأرى الرِّيَّ يَخْرُجُ مِنْ أظْفارِي، ثُمَّ أعْطَيْتُ فَضَلِي يَعْنِي عُمَرَ قالُوا: فَما أوَّلْتَهُ يَا رَسُول الله؟ قَالَ: العِلْمَ
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يوضحها وَيبين تَعْبِير اللَّبن.
وعبدان بن لقب عبد الله بن عُثْمَان الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد، وَحَمْزَة بالزاي ابْن عبد الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم يروي عَن أَبِيه عبد الله.
والْحَدِيث مضى فِي الْعلم عَن سعيد بن عفير.
قَوْله: لأرى الرّيّ اللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد، والري بِكَسْر الرَّاء وَتَشْديد الْيَاء الِاسْم وبالفتح مصدر، قَالَ الْجَوْهَرِي: روينَا من الرّيّ بِالْكَسْرِ أروي رياً وَرَوَاهُ أَيْضا. قَوْله: يخرج من أظفاري ويروى: يجْرِي

(24/146)


من أظافيري، وَهُوَ جمع أظفار جمع ظفر. قَالَ الدَّاودِيّ: قد يرَاهُ من تَحت الْجلد أَو يحسه فَيكون هَذَا ريّاً. وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْخُرُوج يسْتَعْمل: بعن؟ . قلت: مَعْنَاهُ خرج عَن الْبدن حَاصِلا أَو ظَاهرا فِي الأظافير، فَلَيْسَ صلته أَو بِاعْتِبَار أَن بَين الْحُرُوف مُعَاوضَة انْتهى. قلت: هَذَا السُّؤَال وَالْجَوَاب على كَون اللَّفْظ يخرج فِي أظافيري على مَا فِي بعض النّسخ على رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَأما على نُسْخَة يخرج من أظفاري، على رِوَايَة الْكشميهني، فَلَا يحْتَاج إِلَى هَذَا التَّكَلُّف. وَقَالَ الْكرْمَانِي أَيْضا: إِن الرّيّ معنى وَالْخُرُوج للأعيان. قلت: هُوَ بِمَعْنى مَا يرْوى بِهِ، أَو ثمَّة مُقَدّر يَعْنِي: أثر الرّيّ أَو نَحوه.

16 - (بابٌ إِذا جَراى اللَّبَنُ فِي أطْرافِهِ أوْ أظافِيرِهِ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا جرى اللَّبن فِي أَطْرَافه أَو أظافيره يَعْنِي: فِي الْمَنَام.

7007 - حدّثنا عَلِيٌّ بنُ عَبْدِ الله، حدّثنا يَعْقُوبُ بنُ إبْراهِيمَ، حدّثنا أبي عنْ صالِحٍ، عنِ ابنِ شِهابٍ، حدّثني حَمْزَةُ بن عَبدِ الله بنِ عُمَرَ أنّهُ سَمِعَ عَبدَ الله بنَ عُمَرَ، رَضِي الله عَنْهُمَا، يَقُولُ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَما أَنا نائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ، فَشَرِبْتُ مِنْهُ حتَّى إنِّي لأراى الرِّيَّ يَخْرُجُ مِنْ أطْرافي، فأعْطَيْتُ فَضْلي عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ فَقَالَ مَنْ حَوْلَهُ: فَما أوَّلْتَ ذالِكَ يَا رسولَ الله؟ قَالَ: العِلْمَ
هَذَا هُوَ الحَدِيث الَّذِي سبق قبله فِي: بَاب اللَّبن، غير أَنه أخرجه هُنَا عَن عَليّ بن عبد الله الْمَدِينِيّ عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم عَن أَبِيه إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرحمان بن عَوْف عَن صَالح بن كيسَان عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ. . الخ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

17 - (بابُ القَمِيصِ فِي المَنامِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي رُؤْيَة الْقَمِيص.

26 - (حَدثنَا عَليّ بن عبد الله حَدثنَا يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم حَدثنِي أبي عَن صَالح عَن ابْن شهَاب قَالَ حَدثنِي أَبُو أُمَامَة بن سهل أَنه سمع أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ يَقُول قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَيْنَمَا أَنا نَائِم رَأَيْت النَّاس يعرضون عَليّ وَعَلَيْهِم قمص مِنْهَا مَا يبلغ الثدي وَمِنْهَا مَا يبلغ دون ذَلِك وَمر عَليّ عمر بن الْخطاب وَعَلِيهِ قَمِيص يجره قَالُوا مَا أولت يَا رَسُول الله قَالَ الدّين) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَرِجَاله هم المذكورون فِي الْبَاب السَّابِق غير أَن هُنَاكَ بعد ابْن شهَاب حَمْزَة بن عبد الله وَهنا أَبُو أُمَامَة بن سهل واسْمه أسعد بن سهل بن حنيف الْأنْصَارِيّ أدْرك النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَيُقَال أَنه سَمَّاهُ وكناه باسم جده وكنيته وَلم يسمع من النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَسمع أَبَاهُ وَأَبا سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا والْحَدِيث مضى فِي الْعلم فِي بَاب تفاضل أهل الْإِيمَان قَوْله رَأَيْت النَّاس قَالَ بَعضهم رَأَيْت من الرُّؤْيَة البصرية وَقَوله يعرضون حَال وَيجوز أَن يكون من الرُّؤْيَة العلمية ويعرضون مفعول ثَان وَالنَّاس بِالنّصب على المفعولية وَيجوز فِيهِ الرّفْع انْتهى قلت فِي هَذَا التَّفْصِيل نظر ويعرضون حَال على كل تَقْدِير وَلم يبين وَجه رفع النَّاس قَوْله عَليّ بتَشْديد الْيَاء وَلَيْسَ هَذَا اللَّفْظ فِي كثير من النّسخ وَلَكِن هُوَ مُقَدّر قَوْله قمص بِضَم الْقَاف وَالْمِيم جمع قَمِيص ومناسبته بِالدّينِ أَنه يستر الْعَوْرَة كَمَا أَن الدّين يستر الْأَعْمَال السَّيئَة قيل جر الْقَمِيص مَنْهِيّ عَنهُ الْجَواب الْمنْهِي هُوَ الَّذِي يجر للخيلاء لَا الْقَمِيص الأخروي الَّذِي هُوَ لِبَاس التَّقْوَى قَوْله الثدي بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَسُكُون الدَّال وَيجمع على ثدي بِضَم الثَّاء وَكسر الدَّال

(24/147)


وَتَشْديد الْيَاء وَظَاهر الْكَلَام أَن الثدي يكون للرجل وَقَالَ الْجَوْهَرِي الثدي للرجل وَالْمَرْأَة وَقَالَ ابْن فَارس الثدي للْمَرْأَة الْجمع الثدي يذكر وَيُؤَنث وثندوة الرجل كثدي الْمَرْأَة وأصل ثدي ثدوي على وزن فعول فَاجْتمع حرفا عِلّة وَسبق الأول بِالسُّكُونِ فقلبت يَاء وأدغمت الْيَاء فِي الْيَاء الَّتِي بعْدهَا وَكسرت الدَّال لأجل الْيَاء الَّتِي بعْدهَا وَيُقَال أَيْضا بِكَسْر الثَّاء الْمُثَلَّثَة قَوْله وَمر عَليّ بتَشْديد الْيَاء وَالْوَاو فِي وَعَلِيهِ للْحَال وَكَذَا يجره حَال وَفِي رِوَايَة عقيل يجتر قَوْله مَا أولت كَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره مَا أولته بالضمير وَمضى فِي الْإِيمَان بِلَفْظ فَمَا أولت ذَلِك وَوَقع عِنْد الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ على مَا تأولت هَذَا يَا رَسُول الله -
18 - (بابُ جَرِّ القَمِيصِ فِي المَنامِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم جر الْقَمِيص فِي الْمَنَام.

7009 - حدّثنا سَعيدُ بنُ عُفَيْرٍ، حدّثني اللَّيْثُ حدّثني عُقَيْلٌ عنِ ابنِ شِهابٍ أَخْبرنِي أبُو أُمامَةَ بنُ سَهْلٍ، عنْ أبي سَعِيدٍ الُخدْرِيِّ، رَضِي الله عَنهُ، أنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ بَيْنا أَنا نائِمٌ رأيْتُ النَّاسَ عُرِضُوا عَليَّ، وعَلَيْهِمْ قمُصٌ، فَمِنْها مَا يَبْلُغُ الثَّدْيَ، ومِنْها مَا يَبْلُغُ دُونَ ذلِكَ، وعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ وعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجْتَرُّهُ قالُوا: فَمَا أوَّلْتَهُ يَا رسولَ الله؟ قَالَ: الدِّينَ
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: وَعَلِيهِ قَمِيص يجتره وَهَذَا هُوَ الحَدِيث الَّذِي مضى فِي الْبَاب السَّابِق. أخرجه من وَجه آخر عَن ابْن شهَاب، وَفِيه: فَضِيلَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

19 - (بابُ الخُضَرِ فِي المَنامِ والرَّوْضَةِ الخَضْرَاءِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان رُؤْيَة الْخضر فِي الْمَنَام، وَالْخضر بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة جمع أَخْضَر وَهُوَ اللَّوْن الْمَعْرُوف من أصُول الألوان، وَوَقع فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ وَأبي أَحْمد الْجِرْجَانِيّ: بَاب الخضرة. قَوْله: وَالرَّوْضَة الخضراء، قَالَ القيرواني: الرَّوْضَة الَّتِي لَا يعرف نبتها تعبر بِالْإِسْلَامِ لنضارتها وَحسن بهجتها، وتعبر أَيْضا بِكُل مَكَان فَاضل يطاع الله فِيهِ: كقبر رَسُول الله وَحلق الذّكر وجوامع الْخَيْر وقبور الصَّالِحين. وَقَالَ مَا بَين قَبْرِي ومنبري رَوْضَة من رياض الْجنَّة. وَقَالَ: ارتعوا من رياض الْجنَّة، يَعْنِي: حلق الذّكر، وَقَالَ: الْقَبْر رَوْضَة من رياض الْجنَّة أَو حُفْرَة من حفر النَّار، وَقد تدل الرَّوْضَة على الْمُصحف وعَلى كتاب الْعلم كَقَوْلِهِم: الْكتب رياض الْحُكَمَاء.

7010 - حدّثني عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ الجُعْفِيُّ، حدّثنا حَرَميُّ بنُ عُمارَةَ، حَدثنَا قُرَّةُ بنُ خالِدٍ عنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيرينَ قَالَ: قَالَ قَيْسُ بنُ عُبادٍ كُنْتُ فِي حَلْقَةٍ فِيهَا سَعْدُ بنُ مالِكٍ وابنُ عُمَرَ، فَمَرَّ عَبْدُ الله بنُ سَلاَمٍ فقالُوا: هاذَا رجُلٌ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ؟ فَقُلْتُ لهُ: إنَّهُمْ قالُوا كَذا وكَذا، فَقَالَ: سُبْحانَ الله مَا كانَ يَنْبَغِي لَهُمْ أنْ يَقُولُوا مَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ، إنِّما رأيْتُ كأنَّما عَمُودٌ وُضِعَ فِي رَوْضَةٍ خَضْراءَ، فَنُصِبَ فِيها وَفِي رَأسهَا عُرْوَةٌ، وَفِي أسْفَلِها مِنْصَفٌ والمِنْصَفُ الوَصِيفُ فَقيلَ: ارْقَهْ فَرَقيتُ حتَّى أخَذْتُ بالعُرْوَةِ، فَقَصَصتُها على رسولِ الله فَقَالَ رسولُ الله يَمُوتُ عَبْدُ الله وهْو

(24/148)


َ آخِذٌ بالعُرْوَةِ الوُثْقَى
انْظُر الحَدِيث 2813 وطرفه
مطابقته للجزء الثَّانِي من التَّرْجَمَة فِي قَوْله: فِي رَوْضَة خضراء
وَعبد الله بن مُحَمَّد هُوَ الْمَعْرُوف بالمسندي والجعفي بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وبالفاء نِسْبَة إِلَى جعف بن سعد الْعَشِيرَة من مذْحج، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: أَبُو قَبيلَة من الْيمن وَالنِّسْبَة إِلَيْهِ كَذَلِك، وحرمي بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالرَّاء وبالميم وياء النِّسْبَة وَهُوَ اسْم بِلَفْظ النّسَب، وَعمارَة بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم، وقرة بِضَم الْقَاف وَتَشْديد الرَّاء ابْن خَالِد السدُوسِي، وَقيس بن عباد بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة الْبَصْرِيّ التَّابِعِيّ الثِّقَة الْكَبِير لَهُ إِدْرَاك، قدم الْمَدِينَة خلَافَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَوهم من عده من الصَّحَابَة، وَقد مضى ذكره فِي مَنَاقِب عبد الله بن سَلام بِهَذَا الحَدِيث. وَمضى لَهُ حَدِيث آخر فِي تَفْسِير سُورَة الْحَج وغزوة بدر أَيْضا وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هذَيْن الْحَدِيثين.
قَوْله: فِي حَلقَة بِسُكُون اللَّام وَيجمع على حلق بِكَسْر الْحَاء كقصعة وقصع، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: جمع الْحلقَة حلق بِفَتْح الْحَاء على غير قِيَاس. قَوْله: فِيهَا سعد بن مَالك هُوَ سعد بن أبي وَقاص، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: هَذَا رجل من أهل الْجنَّة إِنَّمَا قَالُوا ذَلِك لأَنهم سمعُوا رَسُول الله يَقُول: إِنَّه لَا يزَال متمسكاً بِالْإِسْلَامِ حَتَّى يَمُوت. قَوْله: فَقلت لَهُ أَي: لعبد الله بن سَلام، وَالْقَائِل هُوَ قيس بن عباد. قَوْله: فَقَالَ: سُبْحَانَ الله أَي: فَقَالَ عبد الله بن سَلام: سُبْحَانَ الله، للتعجب إِنَّمَا أنكر عبد الله عَلَيْهِم للتواضع وَكَرَاهَة أَن يشار إِلَيْهِ بالأصابع فيدخله الْعجب، قَالَ الْكرْمَانِي: الأولى أَن يُقَال: إِنَّمَا قَالَه لأَنهم لم يسمعوا ذَلِك صَرِيحًا بل قَالُوهُ اسْتِدْلَالا واجتهاداً، فَهُوَ فِي مَشِيئَة الله تَعَالَى. إِنَّمَا رَأَيْت الخ التئام هَذَا الْكَلَام بِمَا قبله هُوَ أَنه لما أنكر عَلَيْهِم مَا قَالُوهُ ذكر الْمَنَام الْمَذْكُور فَهَذَا يدل على أَنه إِنَّمَا أنكر عَلَيْهِم الْجَزْم وَلم يُنكر أصل الْإِخْبَار بِأَنَّهُ من أهل الْجنَّة، وَهَكَذَا يكون شَأْن المراقبين الْخَائِفِينَ المتواضعين. قَوْله: كَأَنَّمَا عَمُود وضع فِي رَوْضَة خضراء وَفِي رِوَايَة ابْن عون: فِي وسط الرَّوْضَة، وَلم يذكر وصف الرَّوْضَة هُنَا، وَمضى فِي المناقب من رِوَايَة ابْن عون، رَأَيْت كَأَنِّي فِي رَوْضَة، ذكره من سعتها وخضرتها، وَقَالَ الْكرْمَانِي: يحْتَمل أَن يُرَاد بالروضة جَمِيع مَا يتَعَلَّق بِالدّينِ، وبالعمود الْأَركان الْخَمْسَة، وبالعروة الوثقى الدّين. وَفِي التَّوْضِيح والعمود دَال على كل مَا يعْتَمد عَلَيْهِ: كالقرآن وَالسّنَن وَالْفِقْه فِي الدّين، وَمَكَان العمود وصفات الْمَنَام تدل على تَأْوِيل الْأَمر وَحَقِيقَة التَّعْبِير، وَكَذَلِكَ العروة الْإِسْلَام والتوحيد وَهِي العروة الوثقى، قَالَ تَعَالَى: {لاَ إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} فَأخْبر الشَّارِع بِأَن ابْن سَلام يَمُوت على الْإِيمَان، وَلما فِي هَذِه الرُّؤْيَا من شَوَاهِد ذَلِك حكم لَهُ الصَّحَابَة بِالْجنَّةِ بِحكم الشَّارِع بِمَوْتِهِ على الْإِسْلَام، وَقَالَ الدَّاودِيّ: قَالُوا: لِأَنَّهُ كَانَ بَدْرِيًّا، وَفِيه: الْقطع بِأَن كل من مَاتَ على الْإِسْلَام والتوحيد لله دخل الْجنَّة وَإِن نَالَتْ بَعضهم عقوبات. قَوْله: فنصب فِيهَا أَي: العمود نصب فِي الرَّوْضَة، وَنصب بِضَم النُّون وَكسر الصَّاد الْمُهْملَة من النصب وَهُوَ ضد الْخَفْض. وَفِي الْمطَالع وَفِي رِوَايَة العذري: انتصب، وَالْأول هُوَ الصَّوَاب، وَقَالَ الْكرْمَانِي: ويروى: نيص من ناص بِالْمَكَانِ أَي أَقَامَ فِيهِ، وَهُوَ بالنُّون فِي أَوله وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والكشميهني: قبضت، بِفَتْح الْقَاف وَالْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة وبتاء الْخطاب، وَقَالَ الْكرْمَانِي: ويروى: قبضت، بِلَفْظ مَجْهُول الْقَبْض وَهُوَ بإعجام الضَّاد. قَوْله: وَفِي رَأسهَا أَي: وَفِي رَأس العمود، وَإِنَّمَا أنث الضَّمِير لِأَن العمود إِمَّا مؤنث سَمَاعي وَإِمَّا بِاعْتِبَار معنى الْعُمْدَة، وَقيل: المُرَاد مِنْهُ عمودة وَحَيْثُ اسْتَوَى فِيهِ التَّذْكِير والتأنيث لم تلْحقهُ التَّاء. قَوْله: منصف بِكَسْر الْمِيم وَهُوَ الوصيف بالصَّاد الْمُهْملَة أَي: الْخَادِم، وَقد فسره فِي الحَدِيث بقوله: وَالْمنصف الوصيف وَهُوَ مدرج تَفْسِير ابْن سِيرِين. وَقَالَ ابْن التِّين روينَا: منصف، بِفَتْح الْمِيم، وَقَالَ الْهَرَوِيّ: يُقَال: نصفت الرجل أنصفه نصافة إِذا خدمته، وَالْمنصف الْخَادِم وَالْمرَاد هُنَا بالوصيف عون الله لَهُ. قَوْله: ارقه أَي: قيل لعبد الله بن سَلام: ارقه، وَهُوَ أَمر من رقى يرقى من بَاب علم يعلم إِذا صعد ومصدره رقي. قَوْله: فرقيت بِكَسْر الْقَاف على الْأَفْصَح؟ . قَوْله: حَتَّى أخذت بالعروة وَتقدم فِي المناقب: فرقيت حَتَّى كنت فِي أَعْلَاهَا فَأخذت بالعروة فاستمسكت، فَاسْتَيْقَظت وَإِنَّهَا لفي يَدي، وَوَقع فِي رِوَايَة خَرشَة عِنْد مُسلم: حَتَّى أَتَى

(24/149)


بِي عموداً رَأسه فِي السَّمَاء وأسفله فِي الأَرْض أَعْلَاهُ حَلقَة، فَقَالَ لي: اصْعَدْ فَوق هَذَا، قَالَ: قلت: كَيفَ أصعد؟ فَأخذ بيَدي فزجل بِي بزاي وجيم أَي: رفعني فَإِذا أَنا مُتَعَلق بالحلقة، ثمَّ ضرب العمود فَخر وَبقيت مُتَعَلقا بالحلقة حَتَّى أَصبَحت. قَوْله: فقصصتها أَي: الرُّؤْيَا، وَالْبَاقِي ظَاهر.

20 - (بابُ كَشْفِ المَرْأةِ فِي المَنامِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كشف الرجل الْمَرْأَة فِي الْمَنَام بِأَن كشف وَجههَا ليراه ليتزوج بهَا.

7011 - حدّثنا عُبَيْدُ بنُ إسْماعِيلَ، حدّثنا أبُو أُسامَةَ، عنْ هِشامٍ، عَن أبِيهِ عنْ عَائِشَةَ، رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ: قَالَ رسولُ الله أُرِيتُكِ فِي المَنامِ مَرَّتَيْنِ إِذا رجلٌ يَحْمِلُكِ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأتُكَ، فأكْشِفُها فإذَا هِيَ أنْتِ، فأقُولُ: إنْ يَكُنْ هاذَا مِنْ عِنْدِ الله يُمْضِهِ
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: فأكشفها وَعبيد مصغر عبد ابْن إِسْمَاعِيل الْهَبَّاري الْقرشِي الْكُوفِي، واسْمه فِي الأَصْل عبد الله أَبُو مُحَمَّد، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة اللَّيْثِيّ، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي النِّكَاح. وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن أبي كريب.
قَوْله: أريتك بِضَم الْهمزَة وَكسر الرَّاء وَالْكَاف خطاب لعَائِشَة. قَوْله: مرَّتَيْنِ وَقع عِنْد مُسلم مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا، بِالشَّكِّ قيل: يحْتَمل أَن يكون الشَّك من هِشَام فاقتصر البُخَارِيّ على مرَّتَيْنِ لِأَنَّهُ مُحَقّق. قَوْله: إِذا رجل يحملك يَأْتِي فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ: فَإِذا ملك يحملك، والتوفيق بَينهمَا أَن الْملك يتشكل بشكل الرجل، وَالْمرَاد بِهِ جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام. قَوْله: فِي سَرقه بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَفتح الرَّاء وَالْقَاف أَي: فِي قِطْعَة من حَرِير، وَفِي التَّوْضِيح السّرقَة شقة الْحَرِير. وَقَوله: من حَرِير تَأْكِيد كَقَوْلِه: أساور من ذهب، والأساور لَا تكون إلاَّ من ذهب وَإِن كَانَ من فضَّة تسمى قلباً، وَإِن كَانَت من قُرُون أَو عاج تسمى مسكة. قَوْله: فأكشفها بِلَفْظ الْمُتَكَلّم. قَوْله: فَإِذا هِيَ أَنْت قَالَ الْقُرْطُبِيّ: يُرِيد أَنه رَآهَا فِي النّوم كَمَا رَآهَا فِي الْيَقَظَة فَكَانَت هِيَ المُرَاد بالرؤيا لَا غَيرهَا. قَوْله: يمضه مجزوم لِأَنَّهُ جَوَاب الشَّرْط أَي: ينفذهُ ويكمله. وَقَالَ الْكرْمَانِي: يحْتَمل أَن تكون هَذِه الرُّؤْيَا قبل النُّبُوَّة وَأَن تكون بعْدهَا وَبعد الْعلم فَإِن رُؤْيَاهُ وَحي، فَعبر عَمَّا علمه بِلَفْظ الشَّك وَمَعْنَاهُ الْيَقِين إِشَارَة إِلَى أَنه لَا دخل لَهُ فِيهِ وَلَيْسَ ذَلِك بِاخْتِيَارِهِ وَفِي قدرته. انْتهى. قلت: بيَّن حَمَّاد بن سَلمَة فِي رِوَايَته المُرَاد وَلَفظه: أتيت بِجَارِيَة فِي سَرقَة من حَرِير بعد وَفَاة خَدِيجَة، فكشفتها فَإِذا هِيَ أَنْت، وَهَذَا يدْفع الِاحْتِمَال الَّذِي ذكره الْكرْمَانِي.

21 - (بابُ ثِيابِ الحَرِيرِ فِي الْمَنَام)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان رُؤْيَة ثِيَاب الْحَرِير فِي الْمَنَام.

7012 - حدّثنا مُحَمَّدٌ، أخبرنَا أبُو مُعاوِيَةَ، أخْبرنا هِشامٌ، عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رسولُ الله أُرِيتُكِ قَبْلَ أنْ أتَزَوَّجكِ مَرَّتَيْنِ رأيْتُ الملَكَ يَحْمِلُكِ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَقُلْتُ لهُ: اكْشِفْ، فَكَشَفَ فإذَا هِيَ أنْتِ، فَقُلْتُ: إنْ يَكُنْ هاذَا مِنْ عِنْدِ الله يُمْضِهِ، ثُمَّ أُرِيتُكِ يَحْمِلُكِ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَريرٍ، فَقُلْتُ: اكْشِفْ، فَكَشَفَ فإذَا هِيَ أنْتِ، فَقُلْتُ: إنْ يَكُ هاذَا مِنْ عِنْدِ الله يُمْضِهِ
هَذَا هُوَ الحَدِيث الْمَذْكُور قبل هَذَا الْبَاب.
وَمُحَمّد شيخ البُخَارِيّ، قَالَ الكلاباذي: مُحَمَّد بن سَلام أَو مُحَمَّد بن الْمثنى كل مِنْهُمَا

(24/150)


يروي عَن أبي مُعَاوِيَة مُحَمَّد بن خازم بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالزَّاي، وَجزم السَّرخسِيّ فِي رِوَايَة أبي ذَر عَنهُ أَنه مُحَمَّد بن الْعَلَاء أَبُو كريب، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: اكشف فكشف قد مر فِي الرِّوَايَة الْمَاضِيَة: اكشفها، فالكاشف رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّة وَهنا الْملك، والتوفيق بَينهمَا أَنه يحْتَمل أَن يُرَاد بقوله: اكشفها، أمرت بكشفها أَو كشف كل مِنْهُمَا شَيْئا، وَقيل: نِسْبَة الْكَشْف إِلَيْهِ لكَونه الْآمِر بِهِ، وَأَن الَّذِي بَاشر الْكَشْف هُوَ الْملك.
وَقَالَ ابْن بطال رُؤْيَة الْمَرْأَة فِي الْمَنَام تحْتَمل وُجُوهًا. مِنْهَا: أَن تدل على امْرَأَة تكون لَهُ فِي الْيَقَظَة تشبه الَّتِي رَآهَا فِي الْمَنَام كَمَا كَانَت رُؤْيَة الشَّارِع هَذِه وَمِنْهَا: أَنه قد تدل على الدُّنْيَا والمنزلة فِيهَا وَالسعَة فِي الرزق وَهُوَ أصل عِنْد المعبرين فِي ذَلِك. وَمِنْهَا أَنه قد تدل على فتْنَة بِمَا يقْتَرن بهَا من دَلَائِل ذَلِك، وَثيَاب الْحَرِير واتخاذها للنِّسَاء فِي الرُّؤْيَا تدل على النِّكَاح وعَلى الْأزْوَاج وعَلى الْعِزّ والغناء، وَلبس الذَّهَب وَالْفِضَّة واللباس دَال على حشم لابسه لِأَنَّهُ مَحَله، وَلَا خير فِي ثِيَاب الْحَرِير للرجل. وَالله أعلم.

22 - (بابُ المَفاتِيحِ فِي اليَدِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان رُؤْيَة المفاتيح فِي الْيَد. وَقَالَ أهل التَّعْبِير: الْمِفْتَاح مَال وَعز وسلطان وَصَلَاح وَعلم وَحِكْمَة، فَمن رأى أَنه يفتح بَابا بمفتاح فَإِنَّهُ يظفر بحاجته بمعونة من لَهُ يَد، وَإِن رأى أَن فِي يَده مفتاحاً فَإِنَّهُ يُصِيب سُلْطَانا عَظِيما، فَإِن كَانَ مِفْتَاح الْجنَّة فَإِنَّهُ يُصِيب سُلْطَانا عَظِيما فِي الدّين أَو عملا كثيرا من أَعمال الْبر أَو يجد كنزاً أَو مَالا حَلَالا مِيرَاثا، وَإِن كَانَ مِفْتَاح الْكَعْبَة حجب سُلْطَانا أَو إِمَامًا، وَقس على هَذَا سَائِر المفاتيح. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَقد يكون إِذا فتح بِهِ بَابا دَعَا دُعَاء يُسْتَجَاب لَهُ.

7013 - حدّثنا سَعِيدُ بنُ عُفَيْرٍ، حَدثنَا اللَّيْثُ، حدّثني عُقَيْلٌ عنِ ابنِ شِهابٍ أَخْبرنِي سَعِيدُ ابنُ المُسَيَّبِ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ بُعِثْتُ بِجَوامعِ الكَلِم، ونُصِرْتُ بالرُّعْبِ، وبَيْنا أَنا نائِمٌ أُتِيتُ بِمَفاتِيحِ خَزَائِنِ الأرْضِ، فَوُضِعَتْ فِي يَدَي.
قَالَ مُحَمَّد: وبَلَغَني أنَّ جَوامِعَ الكَلَمِ: أنَّ الله يَجْمَعُ الأُمُورَ الكَثِيرَةَ الَّتي كانَتْ تُكْتَبُ فِي الكُتُبِ قَبْلَهُ فِي الأمْرِ الواحِدِ، والأمْرَيْنِ أوْ نَحْوِ ذَلِكَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: أتيت بمفاتيح خَزَائِن الأَرْض
وَرِجَاله قد مروا تَقْرِيبًا وبعيداً. والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد عَن يحيى بن بكير وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: قَالَ مُحَمَّد ويروى: قَالَ أَبُو عبد الله. قلت: قَالَ مُحَمَّد رِوَايَة كَرِيمَة، وَقَوله: أَبُو عبد الله رِوَايَة أبي ذَر، قيل: هُوَ البُخَارِيّ لِأَن اسْمه مُحَمَّد وكنيته أَبُو عبد الله، وَقَالَ بَعضهم: الَّذِي يظْهر أَن الصَّوَاب مَا عِنْد كَرِيمَة فَإِن هَذَا الْكَلَام ثَبت عَن الزُّهْرِيّ واسْمه مُحَمَّد بن مُسلم وَقد سَاقه البُخَارِيّ هُنَا من طَرِيقه فيبعد أَن يَأْخُذ كَلَامه فينسبه لنَفسِهِ. انْتهى. قلت: سبق بِهَذَا الْكَلَام صَاحب التَّوْضِيح وَلَا يَخْلُو عَن تَأمل. قَوْله: يجمع الْأُمُور الْكَثِيرَة الخ قَالَ الْهَرَوِيّ: يَعْنِي الْقُرْآن.

23 - (بابُ التَّعْلِيقِ بالعُرْوَةِ والحَلْقَةِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من رأى فِي مَنَامه أَنه يتَعَلَّق بالعروة أَو بالحلقة. وَقَالَ أهل التَّعْبِير: الْحلقَة والعروة المجهولة تدل لمن تمسك بهَا على قوته فِي دينه وإخلاصه فِيهِ.

7014 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ، حدّثنا أزْهَرُ، عنِ ابنِ عَوْنٍ. وحَدثني خَلِيفَةُ، حدّثنا مُعاذٌ، حدّثنا ابنُ عَوْنٍ، عنْ مُحَمَّدٍ، حدّثنا قَيْسُ بنُ عُبَادٍ، عنْ عَبْدِ الله بنِ سَلامٍ قَالَ: رَأيْتُ كأنِّي فِي رَوْضَةٍ، وَسْطَ الرَّوْضَةِ عَمُودٌ، فِي أعْلاى العَمُودِ عُرْوَةٌ، فَقِيلَ لِي: ارْقَهْ. قُلْتُ: لَا أسْتَطِيعُ، فأتانِي وَصِيفٌ فَرَفَعَ ثِيابِي فَرَقِيتُ فاسْتَمْسَكْتُ بِالعُرْوَةِ، فانْتَبَهْتُ وَأَنا مُسْتَمْسِكٌ بِها، فَقَصَصْتها عَلى النبيّ

(24/151)


ِ فَقَالَ: تِلْكَ الرَّوْضَةُ رَوْضَةُ الإسْلامِ وذالِكَ العَمُودُ عَمُودُ الإسْلام، وتِلْكَ العُرْوَةُ عُرْوَةُ الوُثّقَى، لَا تَزالُ مُسْتَمْسِكاً بالإسْلامِ حتَّى تَمُوتَ
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: فاستمسكت بالعروة وَهُوَ الحَدِيث الَّذِي مر عَن قريب فِي: بَاب الْخضر فِي الْمَنَام وَالرَّوْضَة الخضراء، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
وَأخرجه هُنَا من طَرِيقين الأول: عَن عبد الله بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالمسندي عَن أَزْهَر بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الزَّاي ابْن سعد السمان الْبَصْرِيّ عَن عبد الله بن عون عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن قيس بن عباد وَالثَّانِي: عَن خَليفَة بن خياط بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف عَن معَاذ بن معَاذ بِضَم الْمِيم فيهمَا التَّمِيمِي عَن عبد الله بن عون عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن قيس بن عباد الخ.
قَوْله: حَدثنِي ويروى: حَدثنَا. قَوْله: ارقه إِلَهًا فِيهِ هَاء السكت. قَوْله: وصيف بِفَتْح الْوَاو وَهُوَ الْخَادِم. قَوْله: وَأَنا مستمسك بهَا قيل: كَيفَ كَانَت العروة بعد الانتباه فِي يَده؟ وَأجِيب: يَعْنِي انْتَبَهت حَال الاستمساك حَقِيقَة بعده لشمُول قدرَة الله عز وَجل لَهُ.

24 - (بابُ عَمُودِ الفُسْطاطِ تَحْتَ وسادَتِهِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر من رأى فِي مَنَامه عَمُود الْفسْطَاط تَحت وسادته، والعمود مَعْرُوف وَجمعه أعمدة وَعمد بِضَمَّتَيْنِ وبفتحتين وَهُوَ مَا ترفع بِهِ الأخبية من الْخشب، والعمود يُطلق أَيْضا على مَا يرفع بِهِ الْبيُوت من حِجَارَة كالرخام والصوان وَيُطلق أَيْضا على مَا يعْتَمد عَلَيْهِ من حَدِيد أَو غَيره، وعمود الصُّبْح ابْتِدَاء ضوئه. والفسطاط بِضَم الْفَاء وبكسرها وبالطاء الْمُهْملَة مكررة هُوَ الْخَيْمَة الْعَظِيمَة، وَقَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ السرادق، وَيُقَال لَهُ: الفستات والفستاط والفساط، وَقَالَ الجوالقي: هُوَ فَارسي مُعرب. قَوْله: تَحت وسادته وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: عِنْد وسادته، وَهِي بِكَسْر الْوَاو المخدة، وَهَذِه التَّرْجَمَة لَيْسَ فِيهَا حَدِيث وَبعده: بَاب الاستبرق وَدخُول الْجنَّة فِي الْمَنَام، وَهَكَذَا عِنْد الْجَمِيع إلاَّ أَنه سقط لفظ: بَاب، عِنْد النَّسَفِيّ والإسماعيلي وَأما ابْن بطال فَإِنَّهُ جمع الترجمتين فِي بَاب وَاحِد فَقَالَ: بَاب عَمُود الْفسْطَاط تَحت وسادته وَدخُول الْجنَّة فِي الْمَنَام، وَفِيه حَدِيث ابْن عمر الْآتِي: وَقَالَ ابْن بطال: سَأَلت الْمُهلب: كَيفَ ترْجم البُخَارِيّ بِهَذَا الْبَاب وَلم يذكر فِيهِ حَدِيثا؟ فَقَالَ: لَعَلَّه رأى حَدِيث ابْن عمر أكمل إِذْ فِيهِ أَن السّرقَة كَانَت مَضْرُوبَة فِي الأَرْض على عَمُود كالخباء وَأَن ابْن عمر اقتلعها فوضعها تَحت وسادته، وَقَامَ هُوَ بِالسَّرقَةِ بمسكها وَهِي كالهودج من استبرق فَلَا يرى موضعا من الْجنَّة إلاَّ طَار إِلَيْهِ، وَلما لم يكن هَذَا بِسَنَدِهِ لم يذكرهُ لكنه ترْجم بِهِ ليدل على أَن ذَلِك مَرْوِيّ أَو ليبين سَنَده فيلحقه بهَا، فأعجلته الْمنية عَن تَهْذِيب كِتَابه. وَالله أعلم.

25 - (بابُ الاسْتَبْرَقِ ودُخُولِ الجَنَّةِ فِي المَنامِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان رُؤْيَة الاستبرق، وَهُوَ الغليظ من الديباج وَهُوَ فَارسي معرف بِزِيَادَة الْقَاف، وَقد يعبر الْحَرِير فِي الْمَنَام بالشرف فِي الدّين وَالْعلم لِأَن الْحَرِير من أشرف ملابس الدُّنْيَا، وَكَذَلِكَ الْعلم بِالدّينِ أشرف الْعُلُوم. قَوْله: وَدخُول الْجنَّة فِي الْمَنَام عطف على الاستبرق أَي: وَفِي بَيَان رُؤْيَة الدُّخُول فِي الْجنَّة فِي الْمَنَام ورؤية دُخُول الْجنَّة فِي الْمَنَام تدل على دُخُولهَا فِي الْيَقَظَة، ويعبر أَيْضا بِالدُّخُولِ فِي الْإِسْلَام الَّذِي هُوَ سَبَب لدُخُول الْجنَّة.

7015 - حدّثنا مُعَلَّى بنُ أسَدٍ، حدّثنا وُهَيْبٌ، عنْ أيُّوبَ، عنْ نافِعٍ، عنِ ابنِ عُمَرَ، رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: رَأيْتُ فِي المَنامِ كأنَّ فِي يَدِي سَرَقَةَ مِنْ حَرِير لَا أهْوِي بِها إِلَى مَكانٍ فِي الجَنةِ، إلاّ طارَتْ بِي إلَيْهِ.

7016 - فَقصَصْتُها عَلى حَفْصَةَ، فَقَصَّتْها حَفْصَةُ عَلى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إنَّ أخاكِ رَجُلٌ صالِحٌ أوْ قَالَ: إنَّ عَبْدَ الله رَجُلٌ صالِحٌ

(24/152)


مطابقته للجزء الأول للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: رَأَيْت فِي الْمَنَام كَأَن فِي يَدي سَرقَة من حَرِير وَتُؤْخَذ للجزء الثَّانِي من قَوْله: لَا أهوي بهَا إِلَى مَكَان فِي الْجنَّة إلاَّ طارت بِي إِلَيْهِ فَإِن قلت: لَيْسَ فِيهِ مَا يُطَابق الْجُزْء الأول من التَّرْجَمَة فَإِنَّهَا لفظ: الإستبرق، وَلَيْسَ فِيهِ. قلت: قد مر أَن السّرقَة قِطْعَة من الْحَرِير. وَقيل شقة مِنْهُ الإستبرق أَيْضا نوع من الْحَرِير.
وَشَيخ البُخَارِيّ مُعلى بِضَم الْمِيم وَفتح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد اللَّام الْمَفْتُوحَة ابْن أَسد الْعمي أَبُو الْهَيْثَم الْبَصْرِيّ أَخُو بهز بن أَسد، ووهيب مصغر وهب ابْن خَالِد الْبَصْرِيّ، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَنَافِع يروي عَن مَوْلَاهُ عبد الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
والْحَدِيث مضى فِي صَلَاة اللَّيْل عَن أبي النُّعْمَان عَن حَمَّاد، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: أهوي بهَا بِضَم الْهمزَة من الإهواء وثلاثيه: هوى أَي: سقط، وَقَالَ الْأَصْمَعِي: أهويت بالشَّيْء إِذا رميت بِهِ، وَيُقَال: أهويت لَهُ بِالسَّيْفِ. قَوْله: إلاَّ طارت بِي إِلَيْهِ طيران السّرقَة قُوَّة يرزقه الله تَعَالَى على التَّمَكُّن من الْجنَّة حَيْثُ يَشَاء.
قَوْله: أَو إِن عبد الله شكّ من الرَّاوِي، وَوَقع فِي رِوَايَة حَمَّاد عِنْد مُسلم: إِن عبد الله رجل صَالح. بِالْجَزْمِ، وَزَاد الْكشميهني فِي رِوَايَته عَن الْفربرِي: لَو كَانَ يُصَلِّي من اللَّيْل، وَوَقع فِي رِوَايَة عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ: نعم الْفَتى، أَو قَالَ: نعم الرجل ابْن عمر، كَانَ يُصَلِّي من اللَّيْل، رَوَاهُ مُسلم.

26 - (بابُ القَيْدِ فِي المنامِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من رأى أَنه مُقَيّد فِي الْمَنَام، وَلم يذكر مَا يكون تَعْبِيره اكْتِفَاء بِمَا ذكر فِي الحَدِيث.

7017 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ صَبَّاحِ، حدّثنا مُعْتَمِرٌ قَالَ: سَمِعْتُ عَوْفاً حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ سِيرِينَ أنّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رسولُ الله إِذا اقْتَرَبَ الزَّمانُ لَمْ تَكَدْ تَكْذِبُ رُؤْيا المُؤْمِنِ، ورُؤْيا المُؤْمِنِ، جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وأرْبَعِينَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ، وَمَا كَانَ مِنَ النُّبُوَّةِ فإنّهُ لَا يَكْذِبُ
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَنا أقولُ هاذِهِ، قَالَ: وَكَانَ يُقالُ: الرُّؤْيا ثَلاثٌ: حَديثُ النَّفْسِ، وتَخْوِيفُ الشَّيْطانِ، وبُشْراى مِنَ الله، فَمَنْ رأى شَيْئاً يَكْرَهُهُ فَلا يَقُصُّهُ عَلى أحَدٍ، ولْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ، قَالَ: وَكَانَ يَكْرَهُ الغُلَّ فِي النَّومِ، وَكَانَ يُعْجِبُهُم القَيْد، ويُقالُ: القَيْدُ ثَباتٌ فِي الدِّينِ.
انْظُر الحَدِيث 6988
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: وَكَانَ يعجبهم الْقَيْد الخ.
وَعبد الله بن الصَّباح بتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة الْعَطَّار الْبَصْرِيّ، ومعتمر بن سُلَيْمَان، وعَوْف الْأَعرَابِي والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: إِذا اقْترب الزَّمَان لم تكد تكذب رُؤْيا الْمُؤمن هَكَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن غير الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: إِذا اقْترب الزَّمَان لم تكد رُؤْيا الْمُؤمن تكذب، وَقَالَ الْخطابِيّ: فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَن الْمَعْنى إِذا تقَارب زمَان اللَّيْل وزمان النَّهَار وَهُوَ وَقت استوائهما أَيَّام الرّبيع، وَذَلِكَ وَقت اعْتِدَال الطبائع الْأَرْبَع غَالِبا. وَالثَّانِي: أَن المُرَاد من اقتراب الزَّمَان انْتِهَاء مدَّته إِذا دنا قيام السَّاعَة. وَقَالَ ابْن بطال: الصَّوَاب هُوَ الثَّانِي، وَقَالَ الدَّاودِيّ: المُرَاد بتقارب الزَّمَان نقص السَّاعَات وَالْأَيَّام والليالي، وَمرَاده بِالنَّقْصِ سرعَة مرورها وَذَلِكَ قرب قيام السَّاعَة. وَقيل: معنى كَون رُؤْيا الْمُؤمن فِي آخر الزَّمَان لَا تكَاد تكذب أَنَّهَا تقع غَالِبا على الْوَجْه المرئي لَا تحْتَاج إِلَى التَّعْبِير فَلَا يدخلهَا الْكَذِب، وَالْحكمَة فِي اخْتِصَاص ذَلِك بآخر الزَّمَان أَن الْمُؤمن فِي ذَلِك الْوَقْت يكون غَرِيبا كَمَا فِي الحَدِيث: بَدَأَ الْإِسْلَام غَرِيبا وَسَيَعُودُ غَرِيبا أخرجه مُسلم، فيقل أنس الْمُؤمن ومعينه فِي ذَلِك الْوَقْت فيكرم بالرؤيا الصادقة، وَقيل: المُرَاد بِالزَّمَانِ الْمَذْكُور زمَان الْمهْدي عِنْد بسط الْعدْل وَكَثْرَة الْأَمْن وَبسط الْخَيْر والرزق، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: المُرَاد وَالله أعلم بآخر الزَّمَان الْمَذْكُور فِي هَذَا الحَدِيث زمَان الطَّائِفَة الْبَاقِيَة مَعَ عِيسَى ابْن مَرْيَم، صلوَات الله عَلَيْهِمَا وَسَلَامه، بعد قَتله الدَّجَّال. قَوْله: ورؤيا الْمُؤمن جُزْء ... الحَدِيث، مَعْطُوف على جملَة الحَدِيث قبله، وَهَذَا: إِذا اقْترب الزَّمَان ... الحَدِيث، فَهُوَ مَرْفُوع أَيْضا، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب.
قَوْله: قَالَ مُحَمَّد هُوَ ابْن سِيرِين. قَوْله: وَأَنا أَقُول هَذِه إِشَارَة إِلَى الْجُمْلَة

(24/153)


الْمَذْكُورَة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: هَذِه أَي الْمقَالة. وَقَوله: وَأَنا أَقُول هَذِه كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة أبي ذَر وَفِي جَمِيع الطّرق، وَوَقع فِي شرح ابْن بطال وَأَنا أَقُول هَذِه الْأمة، وَذكره عِيَاض كَذَلِك، وَقَالَ: خشِي ابْن سِيرِين أَن يتَأَوَّل أحد معنى قَوْله: وأصدقهم رُؤْيا أصدقهم حَدِيثا، أَنه إِذا تقَارب الزَّمَان لم يصدق إلاّ رُؤْيا الرجل الصَّالح، وَأَنا أَقُول هَذِه الْأمة يَعْنِي: أَن رُؤْيا هَذِه الْأمة صَادِقَة كلهَا صالحها وفاجرها ليَكُون صدق رؤياهم زجرا لَهُم وَحجَّة عَلَيْهِم لدروس أَعْلَام الدّين وطموس آثاره بِمَوْت الْعلمَاء وَظُهُور الْمُنكر. انْتهى. وَقَالَ بَعضهم: وَهَذَا مُرَتّب على ثُبُوت هَذِه الزِّيَادَة وَهِي لفظ: الْأمة، وَلم أَجدهَا فِي شَيْء من الْأُصُول. انْتهى. قلت: عدم وجدانه ذَلِك لَا يسْتَلْزم عدم وجدانه عِنْد غَيره. قَوْله: قَالَ: وَكَانَ يُقَال: الرُّؤْيَا ثَلَاث ... الخ. أَي قَالَ مُحَمَّد بن سِيرِين: الرُّؤْيَا على ثَلَاثَة أَقسَام، وَلم يعين ابْن سِيرِين الْقَائِل بِهَذَا من هُوَ. قَالُوا: هُوَ أَبُو هُرَيْرَة وَقد رَفعه بعض الروَاة وَوَقفه آخَرُونَ، وَقد أخرجه أَحْمد عَن هَوْذَة بن خَليفَة عَن عَوْف بِسَنَدِهِ مَرْفُوعا: الرُّؤْيَا ثَلَاث ... الحَدِيث مثله. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ من طَرِيق سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة عَن ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة. قَالَ: قَالَ رَسُول الله الرُّؤْيَا ثَلَاث: فرؤيا حق، ورؤيا يحدث بهَا الرجل نَفسه، ورؤيا تخويف من الشَّيْطَان وَأخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ من طَرِيق عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ عَن أَيُّوب عَن مُحَمَّد بن سِيرِين مَرْفُوعا أَيْضا بِلَفْظ: الرُّؤْيَا ثَلَاث فالرؤيا الصَّالِحَة بشرى من الله، وَالْبَاقِي نَحوه. قَوْله: حَدِيث النَّفس أَي: أَولهَا حَدِيث النَّفس وَهُوَ مَا كَانَ فِي الْيَقَظَة فِي خيال الشَّخْص فَيرى مَا يتَعَلَّق بِهِ عِنْد الْمَنَام. قَوْله: وتخويف الشَّيْطَان وَهُوَ الْحلم أَي: المكروهات مِنْهُ. قَوْله: وبشرى أَي: الثَّالِث بشرى من الله. أَي: الْمُبَشِّرَات وَهِي المحبوبات. وَوَقع فِي حَدِيث عَوْف بن مَالك عِنْد ابْن مَاجَه بِسَنَد حسن رَفعه: الرُّؤْيَا ثَلَاث: مِنْهَا أهاويل من الشَّيْطَان ليحزن ابْن آدم، وَمِنْهَا مَا بهم بِهِ الرجل فِي يقظته فيراه فِي مَنَامه وَمِنْهَا جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْءا من النُّبُوَّة، قيل: لَيْسَ الْحصْر مرَادا من قَوْله: ثَلَاث، لثُبُوت أَرْبَعَة أَنْوَاع أُخْرَى الأول: حَدِيث النَّفس وَهُوَ فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي الْبَاب. الثَّانِي: تلاعب الشَّيْطَان، وَقد ثَبت عِنْد مُسلم من حَدِيث جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِي فَقَالَ: يَا رَسُول الله رَأَيْت فِي الْمَنَام كَانَ رَأْسِي قطع فَأَنا أتبعه، وَفِي لفظ: فتدحرج فاشتددت فِي إثره، فَقَالَ: لَا تخبر بتلاعب الشَّيْطَان بك فِي الْمَنَام، وَفِي رِوَايَة لَهُ: إِذا لعب الشَّيْطَان بأحدكم فِي مَنَامه فَلَا يخبر بِهِ النَّاس وَالثَّالِث: رُؤْيا مَا يعتاده الرَّائِي فِي الْيَقَظَة كمن كَانَت عَادَته أَن يَأْكُل فِي وَقت فَنَامَ فِيهِ فَرَأى أَنه يَأْكُل، أَو بَات طافحاً من أكل أَو شرب فَرَأى أَنه يتقيأ، وَبَينه وَبَين حَدِيث النَّفس عُمُوم وخصوص. الرَّابِع: الأضغاث. قَوْله: قَالَ: وَكَانَ يكره أَي: قَالَ ابْن سِيرِين: كَانَ أَبُو هُرَيْرَة يكره الغل فِي النّوم، لِأَنَّهُ من صِفَات أهل النَّار لقَوْله تَعَالَى: {إِذِ الاَْغْلَالُ فِى أَعْنَاقِهِمْ والسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ} الْآيَة، وَقد تدل على الْكفْر وَقد تدل على امْرَأَة تؤذي، يَعْنِي يعبر بهَا. والغل بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد اللَّام هُوَ الْحَدِيد الَّذِي يَجْعَل فِي الْعُنُق، وَقَالُوا: إِن انْضَمَّ الغل إِلَى الْقَيْد يدل على زِيَادَة الْمَكْرُوه، وَإِذ جعل الغل فِي الْيَدَيْنِ حمد لِأَنَّهُ كف لَهما عَن الشَّرّ، وَقد يدل الغل على الْبُخْل بِحَسب الْحَال، وَقَالُوا أَيْضا: إِن رأى أَن يَدَيْهِ مغلولتان فَإِنَّهُ بخيل، وَإِن رأى أَنه قيد وغل فَإِنَّهُ يَقع فِي سجن أَو شدَّة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: اخْتلفُوا فِي قَوْله: وَكَانَ يُقَال إِلَى قَوْله: فِي الدّين فَقَالَ بَعضهم: كُله كَلَام الرَّسُول وَقيل: كُله كَلَام ابْن سِيرِين، وَقيل: الْقَيْد ثبات فِي الدّين هُوَ كَلَام رَسُول الله وَقيل: وَكَانَ يكره، فَاعله رَسُول الله وَهُوَ كَلَام أبي هُرَيْرَة. انْتهى. قلت: أَخذ الْكرْمَانِي هَذَا من كَلَام الطَّيِّبِيّ. قَوْله: وَكَانَ يعجبهم كَذَا ثَبت هُنَا بِلَفْظ الْجمع والإفراد فِي: يكره، ونقول: وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: ضمير الْجمع لأهل التَّعْبِير، وَكَذَا قَوْله: وَكَانَ يُقَال: الْقَيْد ثبات فِي الدّين قَالَ الْمُهلب: رُوِيَ عَن رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم: الْقَيْد ثبات فِي الدّين، من رِوَايَة قَتَادَة وَيُونُس وَآخَرين، وَتَفْسِير ذَلِك أَنه يمْنَع الْخَطَايَا ويقيد عَنْهَا، وروى ابْن مَاجَه من حَدِيث وَكِيع عَن أبي بكر الْهُذلِيّ عَن ابْن سِيرِين، فَذكر قصَّة الْقَيْد مَرْفُوعَة.

(24/154)


وروى قَتادَةُ ويُونُسُ وهشامٌ وأبُو هِلالٍ عَن ابْن سِيرينَ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عَن النبيِّ وأدْرَجَهُ بَعْضُهُمْ كُلِّهُ فِي الحديثِ وحَدِيثُ عَوْفٍ أبْيَنُ، وَقَالَ يُونُسُ: لَا أحْسِبُهُ إلاّ عَن النبيِّ فِي القَيْدِ.
أَي روى أصل الحَدِيث قَتَادَة بن دعامة وَيُونُس بن عبيد أحد أَئِمَّة الْبَصْرَة وَهِشَام بن حسان الْأَزْدِيّ وَأَبُو هِلَال مُحَمَّد بن سليم بِالضَّمِّ الرَّاسِبِي وَقَالَ الْكرْمَانِي: لم يسْبق ذكره كل هَؤُلَاءِ رَوَوْهُ عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي قَوْله: وأدرجه بَعضهم كُله أَي كل الْمَذْكُور من لفظ: الرُّؤْيَا ثَلَاث ... إِلَى: فِي الدّين، أَي جعله كُله مَرْفُوعا، وَالْمرَاد بِهِ رِوَايَة هِشَام بن أبي عبد الله الدستوَائي عَن قَتَادَة، وَقَالَ مُسلم: حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا معَاذ حَدثنِي أبي عَن قَتَادَة عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله وأدرجه فِي الحَدِيث. قَوْله: وأكره الغل ... الخ، وَلم يذكر: الرُّؤْيَا جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْءا من النُّبُوَّة. قَوْله: وَحَدِيث عَوْف أبين أَي: وَحَدِيث عَوْف الْأَعرَابِي أظهر حَيْثُ فصل الْمَرْفُوع عَن الْمَوْقُوف، وَقَالَ الْكرْمَانِي: أبين أَي فِي أَن لَا يكون ذَلِك من الحَدِيث. قَوْله: وَقَالَ يُونُس: لَا أَحْسبهُ. . أَي: لَا أَحسب الَّذِي أدرجه بَعضهم إلاَّ عَن النَّبِي فِي الْقَيْد، يَعْنِي: أَنه شكّ فِي رَفعه.
وَقَالَ أبُو عَبْدِ الله: لَا تَكُونُ الأغْلالُ إلاّ فِي الأعْناقِ.
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، وَأَشَارَ بِهَذَا الْكَلَام إِلَى رد قَول من قَالَ: قد يكون الغل فِي غير الْعُنُق كَالْيَدِ وَالرجل، وَلَكِن لَا ينْهض هَذَا الرَّد لما قَالَ أَبُو عَليّ القالي: الغل مَا يرْبط بِهِ الْيَد، وَقَالَ ابْن سَيّده: الغل خَاصَّة تجْعَل فِي الْعُنُق أَو الْيَد، وَالْجمع أغلال وَيَد مغلولة جعلت فِي الغل قَالَ تَعَالَى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَآءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الاَْرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}

27 - (بابُ العَيْنِ الجَارِيَةِ فِي المَنامِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان رُؤْيَة الْعين الْجَارِيَة فِي الْمَنَام، وَقَالَ الْمُهلب: الْعين الْجَارِيَة تحْتَمل وُجُوهًا فَإِن كَانَ مَاؤُهَا صافياً عبرت بِالْعَمَلِ الصَّالح وإلاَّ فَلَا، وَقيل: الْعين الْجَارِيَة عمل جَار من صَدَقَة أَو مَعْرُوف لحي أَو ميت، وَقيل: عين المَاء نعْمَة وبركة وَخير وبلوغ أُمْنِية إِن كَانَ صَاحبهَا مَسْتُورا، وَإِن كَانَ غير عفيف أَصَابَته مُصِيبَة يبكي لَهَا أهل دَاره.

7018 - حدّثنا عَبْدانُ، أخبرنَا عَبْدُ الله، أخبرنَا مَعْمَرٌ، عنِ الزُّهْرِيِّ، عنْ خارِجَةَ بن زَيْد بنِ ثَابِتٍ عنْ أُمِّ العَلاءِ وهْيَ امْرأةٌ مِنْ نِسائِهِم بايَعَتْ رسُولَ الله قالَتْ: طارَ لَنا عُثْمانُ بنُ مَظْعونٍ فِي السُّكْنَى حِينَ اقْتَرَعَتِ الأنْصارُ عَلى سُكْنَى المُهاجِرِين، فاشْتَكَى فَمَرَّضْناهُ حتّى تُوُفِّيَ، ثُمَّ جَعَلْناهُ فِي أثْوابِهِ، فَدَخَلَ عَلَيْنا رسولُ الله فَقُلْتُ رَحَمَةُ الله عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ فَشَهادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أكْرَمَكَ الله. قَالَ: وَمَا يُدْرِيكِ؟ قُلْتُ لَا أدْرِي، وَالله. قَالَ: أمَّا هُوَ فَقَدْ جاءَهُ اليَقِينَ، إنِّي لأرْجُو لهُ الخَيْرَ مِنَ الله، وَالله مَا أدْرِي وَأَنا رسولُ الله مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ قَالَتْ أُمُّ العَلاءِ فَوالله لَا أُزَكِّي أحَداً بَعْدَهُ. قالَتْ: ورَأيْتُ لِعْثْمانَ فِي النَّوْمِ عَيْناً تَجْرِي، فَجِئْتُ رسولَ الله فَذَكَرْتُ ذالِكَ لهُ فَقَالَ: ذاكِ عَمَلُهُ يَجْرِي لهُ
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: وَرَأَيْت لعُثْمَان فِي النّوم إِلَى آخِره.
وعبدان لقب عبد الله بن عُثْمَان الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي.
والْحَدِيث قد مضى فِي: بَاب رُؤْيا النِّسَاء، وَمضى الْكَلَام فِيهِ. وَأم الْعَلَاء وَالِدَة خَارِجَة بن زيد الرَّاوِي عَنْهَا هُنَا وَاسْمهَا كنيتها.
قَوْله: وَهِي امْرَأَة من نِسَائِهِم أَي: من الْأَنْصَار، وَهُوَ من كَلَام الزُّهْرِيّ الرَّاوِي عَن خَارِجَة.
قَوْله طَار لنا

(24/155)


يَعْنِي: وَقع لنا فِي سهمنا. قَوْله: حِين اقترعت وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن غير الْكشميهني: حِين أقرعت، بِحَذْف التَّاء. قَوْله: فاشتكى أَي: مرض. قَوْله: فمرضناه بتَشْديد الرَّاء أَي: قمنا بأَمْره فِي مَرضه. قَوْله: حَتَّى توفّي كَانَت وَفَاته فِي شعْبَان سنة ثَلَاث من الْهِجْرَة. قَوْله: ذَاك عمله يجْرِي لَهُ يَعْنِي: شَيْء من عمله بَقِي لَهُ ثَوَابه جَارِيا كالصدقة، وَأنكر صَاحب التَّلْوِيح أَن يكون لَهُ شَيْء من الْأُمُور الثَّلَاثَة الَّتِي ذكرهَا مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَفعه: إِذا مَاتَ ابْن آدم انْقَطع عمله إلاَّ من ثَلَاث. . الحَدِيث، ورد عَلَيْهِ بِأَنَّهُ كَانَ لَهُ ولد صَالح شهد بَدْرًا وَمَا بعْدهَا وَهُوَ السَّائِب مَاتَ فِي خلَافَة أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَهُوَ أحد الثَّلَاثَة، وَقد كَانَ عُثْمَان من الْأَغْنِيَاء فَلَا يبعد أَن يكون لَهُ صَدَقَة استمرت بعد مَوته، فقد أخرج ابْن سعد من مُرْسل أبي بردة بن أبي مُوسَى، قَالَ: دخلت امْرَأَة عُثْمَان بن مَظْعُون على نسَاء النَّبِي فرأين هيئتها فَقُلْنَ: مَالك؟ فَمَا فِي قُرَيْش أغْنى من بعلك؟ فَقَالَت: أما ليله فقائم ... الحَدِيث.