عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 20 - (بابُ مَوْعِظَةِ الإمامِ
لِلْخُصُومِ)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ بَيَان موعظة الإِمَام للخصوم عِنْد
الدَّعْوَى.
7169 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مُسْلَمَةَ، عنْ مالِكٍ،
عنْ هِشامٍ، عنْ أبيهِ عنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أبي سَلَمَةَ
عنْ أمِّ
(24/246)
سَلمَةَ، رَضِي الله عَنْهَا. أنَّ رسولَ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إنَّما أَنا بَشَرٌ،
وإنكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، ولَعَّلَ بَعْضَكُمْ أنْ
يَكُونَ ألْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فأقْضِي نَحَوَ
مَا أسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لهُ بِحَقِّ أخِيهِ شَيْئاً
فَلا يَأخُذْهُ، فإنّما أقْطَعُ لهُ قِطْعةً مِنَ النَّار.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَهِشَام يروي عَن أَبِيه
عُرْوَة بن الزبير، وَاسم أم سَلمَة هِنْد المخزومية أم
الْمُؤمنِينَ.
والْحَدِيث قد مضى فِي الْمَظَالِم وَفِي أَوَائِل كتاب
الْحِيَل وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: إِنَّمَا أَنا بشر على معنى الْإِقْرَار على نَفسه
بِصفة البشرية من أَنه لَا يعلم من الْغَيْب إلاَّ مَا
علمه الله مِنْهُ. قَوْله: إِنَّكُم تختصمون إليّ يُرِيد
وَالله أعلم وَأَنا لَا أعرف المحق مِنْكُم من الْمُبْطل
حَتَّى يُمَيّز المحق مِنْكُم من الْمُبْطل فَلَا يَأْخُذ
الْمُبْطل مَا أعْطِيه. قَوْله: أَلحن بحجته يَعْنِي: أفطن
لَهَا وأجدل. وَقَالَ ابْن حبيب: أنطق وَأقوى مَأْخُوذ من
قَوْله تَعَالَى: {وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ
فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِى
لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} أَي:
فِي بطن القَوْل. وَقيل: مَعْنَاهُ أَن يكون أَحدهمَا أعلم
بمواقع الْحجَج وَأهْدى لإيرادها وَلَا يخلطها بغَيْرهَا.
وَقَالَ أَبُو عبيد: اللّحن بِفَتْح الْحَاء النُّطْق،
وبالإسكان الْخَطَأ فِي القَوْل، وَذكر ابْن سَيّده: لحن
الرجل لحناً تكلم بلغته، ولحن لَهُ يلحن لحناً، قَالَ لَهُ
قولا يفهمهُ عَنهُ وَيخْفى على غَيره، وألحنه القَوْل
أفهمهُ إِيَّاه، ولحنه لحناً فهمه، وَرجل لحن عَالم بعواقب
الْكَلَام ظريف، ولحن لحناً فطن لحجته وانتبه لَهَا، ولاحن
النَّاس فألحنهم. قَوْله: فأقضي نَحْو مَا أسمع فِيهِ أَن
الْحَاكِم مَأْمُور بِأَن يقْضِي بِمَا يقر بِهِ الْخصم
عِنْده. قَوْله: فَمن قضيت لَهُ خطاب للمقضي لَهُ،
لِأَنَّهُ يعلم من نَفسه هَل هُوَ محق أَو مُبْطل.
21 - (بَاب الشَّهادَةِ تَكُونُ عِنْدَ الحاكِمِ فِي
وِلايَتِهِ القَضاءَ أوْ قَبْلَ ذالِكَ لِلْخَصْمِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الشَّهَادَة الَّتِي تكون
عِنْد الْحَاكِم يَعْنِي: إِذا كَانَ الْحَاكِم شَاهدا
للخصم الَّذِي هُوَ أحد المتحاكمين عِنْده سَوَاء تحملهَا
قبل تَوليته للْقَضَاء أَو فِي زمَان التولي هَل لَهُ أَن
يحكم بهَا؟ اخْتلفُوا فِي أَن لَهُ ذَلِك أم لَا، فَلذَلِك
لم يجْزم بِالْجَوَابِ لقُوَّة الْخلاف فِي الْمَسْأَلَة.
وَإِن كَانَ آخر كَلَامه يَقْتَضِي اخْتِيَار أَن لَا يحكم
بِعِلْمِهِ فِيهَا، وَبَيَان الْخلاف فِيهِ يَأْتِي عَن
قريب إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَفِي التَّوْضِيح
تَرْجَمَة البُخَارِيّ فِيهَا دَلِيل على أَن الْحَاكِم
إِنَّمَا يشْهد عِنْد غَيره بِمَا تقدم عِنْده من شَهَادَة
فِي ولَايَته أَو قبلهَا وَهُوَ قَول مَالك وَأكْثر
أَصْحَابه، وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا يَعْنِي من
الشَّافِعِيَّة: يحكم بِمَا علمه فِيمَا أقرّ بِهِ أحد
الْخَصْمَيْنِ عِنْده فِي مَجْلِسه.
وَقَالَ شُرَيحٌ القاضِي، وسَألَهُ إنْسانٌ الشَّهادَةَ
فَقَالَ: ائْتِ الأمِيرَ حتَّى أشْهَدَ لَكَ.
هَذَا وَصله عبد الرَّزَّاق عَن ابْن عُيَيْنَة عَن ابْن
شبْرمَة، قَالَ: قلت لِلشَّعْبِيِّ: يَا أَبَا عَمْرو:
أَرَأَيْت رجلَيْنِ استشهدا على شَهَادَة فَمَاتَ أَحدهمَا
واستقضي الآخر؟ فَقَالَ: أُتِي شُرَيْح فِيهَا، وَأَنا
جَالس. فَقَالَ: ائْتِ الْأَمِير وَأَنا أشهد لَك. قَوْله:
ائْتِ الْأَمِير، أَي السُّلْطَان أَو من هُوَ فَوْقه.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: قَالَ عُمَرُ لِعَبْدِ الرَّحْمانِ
بنِ عَوْفٍ: لَوْ رَأيْتَ رَجُلاً عَلى حَدَ زِنًى أوْ
سَرِقَةٍ وأنْتَ أمِيرٌ، فَقَالَ: شَهَادَتُكَ شَهادَةُ
رَجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ. قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ
عُمَرُ: لَوْلا أنْ يَقُولَ النَّاسُ زادَ عُمَرُ فِي
كِتابِ الله لَكَتَبْتُ آيةَ الرَّجْمِ بِيَدِيِ.
مولى ابْن عَبَّاس. قَالَ عمر أَي: ابْن الْخطاب إِلَى
آخِره. وَأخرجه ابْن أبي شيبَة عَن شريك عَن عبد الْكَرِيم
الْجَزرِي عَن عِكْرِمَة بِلَفْظ: أَرَأَيْت لَو كنت
القَاضِي والوالي وأبصرت إنْسَانا أَكنت مقيمه عَلَيْهِ؟
قَالَ: لَا، حَتَّى يشْهد معي غَيْرِي. قَالَ: أصبت، لَو
قلت غير ذَلِك لم تَجِد، بِضَم التَّاء الْمُثَنَّاة من
فَوق وَكسر الْجِيم وَسُكُون الدَّال من الإجادة. وَهَذَا
السَّنَد مُنْقَطع لِأَن عِكْرِمَة لم يدْرك عبد الرحمان
فضلا عَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: قَالَ
عمر: لَوْلَا أَن يَقُول النَّاس ... إِلَى آخِره، قَالَ
(24/247)
الْمُهلب، رَحمَه الله: اسْتشْهد
البُخَارِيّ بقول عبد الرحمان بن عَوْف الْمَذْكُور بقول
عمر هَذَا أَنه كَانَت عِنْده شَهَادَة فِي آيَة الرَّجْم
أَنَّهَا من الْقُرْآن فَلم يلْحقهَا بِنَصّ الْمُصحف
بِشَهَادَتِهِ فِيهِ وَحده، وأفصح بِالْعِلَّةِ فِي ذَلِك
بقوله: لَوْلَا أَن يَقُول النَّاس زَاد عمر فِي كتاب
الله، فَأَشَارَ إِلَى أَن ذَلِك من قطع الذرائع، لِئَلَّا
يجد حكام السوء السَّبِيل إِلَى أَن يدعوا الْعلم لمن
أَحبُّوا لَهُ الحكم بِشَيْء.
وأقَرَّ ماعِزٌ عِنْدَ النبيِّ بِالزِّنى أرْبعاً، فأمَرَ
بِرَجْمِهِ، ولَمْ يُذْكَرْ أنَّ النبيَّ أشْهَدَ مَنْ
حَضَرَهُ
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن حكم رَسُول الله على مَاعِز
بِالرَّجمِ كَانَ بِإِقْرَارِهِ دون أَن يشْهد من حَضَره.
وَحَدِيث مَاعِز قد تكَرر ذكره.
وَقَالَ حَمَّادٌ: إِذا أقَرَّ مَرَّةً عِنْدَ الحاكِمِ
رُجِم، وَقَالَ الحَكَمُ: أرْبعاً.
حَمَّاد هُوَ ابْن سُلَيْمَان فَقِيه الْكُوفَة، وَالْحكم
بِفتْحَتَيْنِ ابْن عتيبة مصغر عتبَة الْبَاب فَقِيه
الْكُوفَة أَيْضا. قَوْله: أَرْبعا، يَعْنِي لَا يرْجم
حَتَّى يقر، أَربع مَرَّات، وَوَصله ابْن أبي شيبَة من
طَرِيق شُعْبَة قَالَ: سَأَلت حماداً عَن الرجل يقر بالزنى
كم يردد؟ قَالَ: مرّة. قَالَ: وَسَأَلت الحكم فَقَالَ:
أَربع مَرَّات، وَالله أعلم.
7170 - حدّثنا قُتَيْبَةُ، حدّثنا اللَّيْثُ، عنْ يَحْياى،
عنْ عُمَرَ بنِ كَثِيرٍ، عنْ أبي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أبي
قَتَادَةَ أنَّ أَبَا قَتَادةَ قَالَ: قَالَ رسولُ الله
يَوْمَ حُنَيْنٍ مَنْ لهُ بَيِّنَةٌ عَلى قَتِيلٍ قَتَلهُ
فَلَه سَلَبُهُ فَقُمْتُ لألْتمِسَ بَيَّنَةً عَلى قَتِيل
فَلَمْ أرَ أحَداً يَشْهَدُ لِي، فَجَلَسْتُ، ثُمَّ بَدَا
لِي فَذَكَرْتُ أمْرَهُ إِلَى رسولِ الله فَقَالَ رَجُلٌ
مِنْ جُلَسائِه: سِلاحُ هاذَا القَتِيلِ الّذِي يَذْكُرُ
عِنْدِي. قَالَ: فأرْضِهِ مِنْهُ فَقَالَ أبُو بَكْرٍ:
كلاَّ لَا يُعْطِهِ أُصَيْبِغَ مِنْ قُرَيْشٍ ويَدَعَ
أسَداً مِنْ أُسْدِ الله يُقاتِلُ عنِ الله ورَسُولِهِ،
قَالَ: فأمَرَ رسولُ الله فأدَّاهُ إلَيَّ فاشْتَرَيْتُ
مِنْهُ خِرافاً فَكان أوَّلَ مالٍ تأَثَّلْتُهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: فَأمر رَسُول
الله هَكَذَا فِي رِوَايَة كَرِيمَة، فأُمر بِفَتْح
الْهمزَة وَالْمِيم بعْدهَا رَاء، وَفِي رِوَايَة: فَقَامَ
رَسُول الله فأداه إليّ، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن غير
الْكشميهني: فَحكم، وَكَذَا الْأَكْثَر رُوَاة الْفربرِي.
وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْأنْصَارِيّ، وَعمر بن كثير ضد
الْقَلِيل مولى أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ، وَأَبُو
مُحَمَّد هُوَ نَافِع مولى أبي قَتَادَة الْحَارِث
الْأنْصَارِيّ الخزرجي.
والْحَدِيث مضى فِي الْخمس والبيوع عَن القعْنبِي وَفِي
الْمَغَازِي فِي غَزْوَة حنين عَن عبد الله بن يُوسُف،
وَقد مر الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: سلبه بِفَتْح اللَّام مَال مَعَ الْقَتِيل من
الثِّيَاب والأسلحة وَنَحْوهمَا. قَوْله: فأرضه مِنْهُ
هِيَ رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَعند الْكشميهني: مني.
قَوْله: كلا كلمة ردع. قَوْله: أصيبغ بِضَم الْهمزَة وَفتح
الصَّاد الْمُهْملَة وبالغين الْمُعْجَمَة تَصْغِير أصْبع
صغره تحقيراً لَهُ بوصفه باللون الرَّدِيء، وَقَالَ
الْخطابِيّ: الأصيبغ بالصَّاد الْمُهْملَة نوع من الطير
ونبات ضَعِيف كالثمام، ويروى بالضاد الْمُعْجَمَة وَالْعين
الْمُهْملَة مصغر الضبع على غير قِيَاس، كَأَنَّهُ لما عظم
أَبَا قَتَادَة بِأَنَّهُ أَسد صغر هَذَا وَشبهه بالضبع
لضعف افتراسه بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأسد، وأصيبغ مَنْصُوب
لِأَنَّهُ مفعول ثَان لقَوْله: لَا يُعْطه قَوْله: ويدع
قَالَ الْكرْمَانِي: بِالرَّفْع وَالنّصب والجزم، وَلم يين
وَجه ذَلِك اعْتِمَادًا على أَن القارىء الَّذِي لَهُ يَد
فِي الْعَرَبيَّة لَا يخفى عَلَيْهِ ذَلِك. قَوْله: أسداً
بِفتْحَتَيْنِ، و: من أَسد الله بِضَم الْهمزَة وَسُكُون
السِّين جمع: أَسد. قَوْله: يُقَاتل فِي مَحل النصب
لِأَنَّهُ صفة. قَوْله: أسداً قَوْله: فأداه إليّ بتَشْديد
الْيَاء. قَوْله: خرافاً بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة
وَتَخْفِيف الرَّاء هُوَ الْبُسْتَان. قَوْله: تأثلته أَي:
اتخذته أصل المَال واقتنيته، وَيُقَال: مَال مؤثل ومجد
مؤثل أَي: مَجْمُوع ذُو أصل. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن
قلت: أول الْقِصَّة وَهُوَ طلب الْبَيِّنَة
(24/248)
تخَالف آخرهَا حَيْثُ حكم بِدُونِهَا، قلت:
لَا تخَالف لِأَن الْخصم اعْترف بذلك مَعَ أَن المَال
لرَسُول الله لَهُ أَن يُعْطي من شَاءَ وَيمْنَع من شَاءَ.
قَالَ لِي عَبْدُ الله عنِ اللَّيْثِ: فَقامَ النبيُّ
فأدَّاهُ إلَي
عبد الله هُوَ ابْن صَالح كَاتب اللَّيْث بن سعد،
وَالْبُخَارِيّ يعتمده فِي الشواهد. قَوْله: فَقَامَ،
يَعْنِي مَوضِع فَأمر.
وَقَالَ أهْلُ الحِجازِ: الحاكِمُ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ
شَهِدَ بِذالِكَ فِي وِلايَتِهِ أوْ قَبْلَها، ولَوْ
أقَرَّ خَصْمٌ عِنْدَهُ لآخَرَ بِحَقَ فِي مَجْلِسِ
القَضاءِ فإنَّهُ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ فِي قَوْلِ
بَعْضِهِمْ حتَّى يَدْعُو بِشاهِدَيْنِ فَيُحْضِرَهُما
إقْرارَهُ.
وَقَالَ بَعْضُ أهْلِ العِراقِ: مَا سَمِعَ أوْ رآهُ فِي
مَجْلِس القَضاءِ قَضاى بِهِ، وَمَا كانَ فِي غَيْرِهِ
لَمْ يَقْضِ إلاّ بِشاهِدَيْنِ وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ:
بلْ يَقْضِي بِهِ لأنَّهُ مُؤْتَمَنٌ، وإنَّما يُرادُ مِنَ
الشَّهادَةِ مَعْرِفَةُ الحَقِّ. فَعِلْمُهُ أكْثَرُ مِنَ
الشَّهادَةِ. وَقَالَ بَعْضَهُمْ: يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي
الأمْوالِ وَلَا يَقْضي فِي غَيْرِها.
أَرَادَ بِأَهْل الْحجاز مَالِكًا وَمن وَافقه فِي هَذِه
الْمَسْأَلَة. قَوْله: وَلَو أقرّ خصم إِلَى قَوْله:
فيحضرهما إِقْرَاره، بِضَم الْيَاء من الْإِحْضَار، وَهُوَ
قَول ابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب. قَوْله: وَقَالَ بعض أهل
الْعرَاق أَرَادَ بهم أَبَا حنيفَة وَمن تبعه، وَهُوَ قَول
مطرف وَابْن الْمَاجشون وَأصبغ وَسَحْنُون من
الْمَالِكِيَّة، وَقَالَ ابْن التِّين: وَجرى بِهِ
الْعَمَل، وَيُوَافِقهُ مَا أخرجه عبد الرَّزَّاق بِسَنَد
صَحِيح عَن ابْن سِيرِين قَالَ: اعْترف رجل عِنْد شُرَيْح
بِأَمْر ثمَّ أنكرهُ، فَقضى عَلَيْهِ باعترافه، فَقَالَ:
أتقضي عليّ بِغَيْر بَيِّنَة؟ فَقَالَ: شهد عَلَيْك ابْن
أُخْت خالتك يَعْنِي نَفسه. قَوْله: وَقَالَ آخَرُونَ
مِنْهُم أَي: من أهل الْعرَاق، وَأَرَادَ بهم أَبَا يُوسُف
وَمن تبعه، وَوَافَقَهُمْ الشَّافِعِي، رَحمَه الله
تَعَالَى. قَوْله: وَقَالَ بَعضهم يَعْنِي من أهل الْعرَاق
وَأَرَادَ بهم أَبَا حنيفَة وَأَبا يُوسُف فِيمَا نَقله
الْكَرَابِيسِي عَنهُ.
وَقَالَ القاسِمُ: لَا يَنْبَغِي لِلْحاكِمِ أنْ يُمْضِيَ
قَضاءً بِعِلْمِهِ دُونَ عِلْمٍ غَيْرِهِ، مَعَ أنَّ
عِلْمَهُ أكْثَرُ مِنْ شَهادَةِ غَيْرِهِ، ولاكِنَّ فِيهِ
تَعَرُّضاً لِتُهَمَةِ نَفْسِهِ عِندَ المُسْلِمِينَ
وإيقاعاً لَهُمْ فِي الظُّنُونِ، وقَدْ كَرِهَ النبيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم الظَّنَّ فَقَالَ: إنَّما هاذِهِ
صَفِيَّةُ
الْقَاسِم إِذا أطلق يُرَاد بِهِ ابْن مُحَمَّد بن أبي بكر
الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَه الْكرْمَانِي:
وَقَالَ بَعضهم: كنت أَظن أَنه ابْن مُحَمَّد بن أبي بكر
الصّديق أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة من أهل الْمَدِينَة
لِأَنَّهُ إِذا أطلق فِي الْفُرُوع الْفِقْهِيَّة انْصَرف
الذِّهْن إِلَيْهِ، لَكِن رَأَيْت فِي رِوَايَة عَن أبي
ذَر أَنه: الْقَاسِم بن عبد الرحمان بن عبد الله بن
مَسْعُود، فَإِن كَانَ كَذَلِك فقد خَالف أَصْحَابه
الْكُوفِيّين وَوَافَقَ أهل الْمَدِينَة. انْتهى. قلت:
الْكَلَام فِي صِحَة رِوَايَة أبي ذَر على أَن هَذِه
الْمَسْأَلَة فقهية، وَعند الْفُقَهَاء إِذا أطلق
الْقَاسِم يُرَاد بِهِ الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر
الصّديق، وَلَئِن سلمنَا صِحَة رِوَايَة أبي ذَر فإطباق
الْفُقَهَاء على أَنه إِذا أطلق يُرَاد بِهِ ابْن مُحَمَّد
بن أبي بكر أرجح من كَلَام غَيرهم. قَوْله: أَن يمْضِي
بِضَم الْيَاء آخر الْحُرُوف من الْإِمْضَاء، هَكَذَا فِي
رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: أَن يقْضِي.
قَوْله: دون علم غَيره أَي: إِذا كَانَ وَحده عَالما بِهِ
لَا غَيره. قَوْله: وَلَكِن فِيهِ تعرضاً بتَشْديد
النُّون، وتعرضاً مَنْصُوب لِأَنَّهُ اسْم لَكِن، وَفِي
بعض النّسخ بِالتَّخْفِيفِ فعلى هَذَا قَوْله: تعرض،
بِالرَّفْع وارتفاعه على أَنه مُبْتَدأ، وَخَبره. قَوْله:
فِيهِ، مقدما. قَوْله: وإيقاعاً نصب عطفا على: تعرضاً،
وَقَالَ الْكرْمَانِي مَنْصُوب بِأَنَّهُ مفعول مَعَه
وَالْعَامِل هَاهُنَا مَا يلْزم الظّرْف. قَوْله: وَقد كره
النَّبِي الظَّن ... ذكره فِي معرض الِاسْتِدْلَال فِي نفي
قَضَاء الْحَاكِم فِي أَمر بِعِلْمِهِ دون علم غَيره،
لِأَن فِيهِ إِيقَاع نَفسه فِي الظَّن، وَالنَّبِيّ كره
الظَّن، إِلَّا يرى أَنه قَالَ للرجلين اللَّذين مرا بِهِ
وَصفِيَّة بنت حييّ زَوجته مَعَه: إِنَّمَا هَذِه صَفِيَّة
على مَا يَأْتِي الْآن عقيب هَذَا الْأَثر، إِنَّمَا قَالَ
ذَلِك خوفًا من وُقُوع الظَّن الْفَاسِد لَهما فِي قلبهما،
لِأَن الشَّيْطَان
(24/249)
يوسوس، فَقَالَ ذَلِك دفعا لذَلِك.
7171 - حدّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله، حدّثنا
إبْراهِيمُ بنُ سَعْدٍ، عَن ابنِ شِهابٍ، عنْ عَلِيِّ بنِ
حُسَيْنٍ أنَّ النبيَّ أتَتْهُ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُييَ
فَلمَّا رَجَعَتِ انْطَلَقَ مَعَها فَمَرَّ بِهِ رَجُلانِ
مِنَ الأنْصارِ فَدَعاهُما فَقَالَ: إنَّما هِي صَفِيَّةُ
قَالَا: سُبْحانَ الله. قَالَ: إنَّ الشَّيْطانَ يَجْرِي
مِنِ ابنِ آدَمَ مَجْراى الدَّمِ
ذكر هَذَا الحَدِيث بَيَانا لقَوْله فِي الْأَثر
الْمَذْكُور: إِنَّمَا هَذِه صَفِيَّة
أخرجه عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله الأويسي عَن
إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن
عَوْف عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن
عَليّ بن حُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب، وَهُوَ الملقب
بزين العابدين، وَهَذَا مُرْسل لِأَن عَليّ بن حُسَيْن
تَابِعِيّ، وَلأَجل ذَلِك عقبه البُخَارِيّ بقوله: رَوَاهُ
شُعَيْب ... إِلَى آخِره.
قَوْله: أَتَتْهُ صَفِيَّة كَانَت أَتَتْهُ وَهُوَ معتكف
فِي الْمَسْجِد وزارته، فَلَمَّا رجعت انْطلق النَّبِي
مَعهَا.
فِيهِ: زِيَارَة الْمَرْأَة زَوجهَا، وَجَوَاز حَدِيث
الْمُعْتَكف مَعَ امْرَأَته وَخُرُوجه مَعهَا ليشيعها.
قَوْله: فدعاهما أَي: طلبهما فَقَالَ: إِنَّمَا هِيَ
صَفِيَّة إِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِئَلَّا يظنا ظنا فَاسِدا.
قَوْله: قَالَا سُبْحَانَ الله تَعَجبا من قَول رَسُول
الله فَقَالَ: إِن الشَّيْطَان يوسوس فَخفت أَن يُوقع فِي
قلبكما، شَيْئا من الظنون الْفَاسِدَة فتأثمان بِهِ، فقلته
دفعا لذَلِك. وَقَالَ الْخطابِيّ: وَقد بَلغنِي عَن
الشَّافِعِي أَنه قَالَ فِي معنى هَذَا الحَدِيث: أشْفق
عَلَيْهِمَا من الْكفْر لَو ظنا بِهِ ظن التُّهْمَة، فبادر
لإعلامهما دفعا لوسواس الشَّيْطَان وَقيل: قَوْلهمَا:
سُبْحَانَ الله، يبعده.
رَواهُ شُعَيْبٌ وابنُ مُسافِرٍ وابنُ أبي عَتِيقٍ
وإسْحاقُ بنُ يَحْياى عَن الزُّهْرِيِّ عنْ عَلِيَ،
يَعْنِي: ابنَ حُسَيْنٍ، عنْ صَفِيَّةَ عنِ النبيِّ
أَي: روى الحَدِيث الْمَذْكُور شُعَيْب بن أبي حَمْزَة،
وَابْن مُسَافر هُوَ عبد الرَّحْمَن بن خَالِد بن مُسَافر
الفهمي مولى اللَّيْث بن سعد، وَابْن أبي عَتيق هُوَ
مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن
أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَإِسْحَاق
بن يحيى بن عَلْقَمَة الْكَلْبِيّ الْحِمصِي، كلهم
رَوَوْهُ عَن ابْن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن
عَليّ بن حُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، وَرِوَايَة شُعَيْب وَصلهَا البُخَارِيّ
فِي الِاعْتِكَاف، وَرِوَايَة ابْن مُسَافر وَصلهَا أَيْضا
فِي الصَّوْم وَفِي فرض الْخمس، وَرِوَايَة ابْن أبي عَتيق
وَصلهَا البُخَارِيّ فِي الِاعْتِكَاف، وأوردها فِي
الْأَدَب أَيْضا مقرونة بِرِوَايَة شُعَيْب. وَرِوَايَة
إِسْحَاق بن يحيى وَصلهَا الذهلي فِي الزهريات
22 - (بابُ أمْرِ الوَالِي إِذا وجَّهَ أمِيرَيْنِ إِلَى
مَوْضِعٍ أنْ يتَطاوَعا وَلَا يَتَعاصيَا.)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَمر الْوَالِي إِلَى آخِره،
قَوْله: أَن يتطاوعا، كلمة: أَن، مَصْدَرِيَّة أَي:
تطاوعهما يَعْنِي: كل مِنْهُمَا يُطِيع الآخر وَلَا
يُخَالِفهُ. قَوْله: وَلَا يتعاصيا أَي: لَا يظْهر
أَحدهمَا الْعِصْيَان للْآخر لِأَنَّهُ مَتى وَقع الْخلاف
بَينهمَا يفْسد الْحَال، ويروى: يتغاضبا، بالغين وَالضَّاد
المعجمتين وبالباء الْمُوَحدَة، قيل: قد ذكر هذَيْن
اللَّفْظَيْنِ من بَاب التفاعل، وَكَانَ الَّذِي يَنْبَغِي
أَن يذكرهما من: بَاب المفاعلة، لِأَن بَاب التفاعل يكون
بَين الْقَوْم على مَا عرف فِي مَوْضِعه. قلت: تبع لفظ
الحَدِيث فَإِنَّهُ ذكر فِيهِ من بَاب التفاعل.
7172 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّار، حدّثنا العَقَدِيُّ،
حَدثنَا شُعْبَةُ، عنْ سَعِيدِ بنِ أبي بُرْدَةَ قَالَ:
سَمِعْتُ أبي قَالَ: بَعَثَ النبيُّ أبي ومُعاذَ بنَ
جَبَلٍ إِلَى اليَمَنِ، فَقَالَ: يَسِّرا وَلَا تُعَسِّرا،
وبَشِّرا وَلَا تُنَفِّرا، وتَطاوَعا فَقَالَ لهُ أبُو
مُوساى: إنَّهُ يُصْنَعُ بِأرْضِنا البِتْعُ، فَقَالَ:
كُلُّ مُسْكِرٍ حَرامٌ
(24/250)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: وتطاوعا
الْعَقدي هُوَ عبد الْملك بن عَمْرو بن قيس ونسبته إِلَى
العقد بِفتْحَتَيْنِ وهم قوم من قيس وهم صنف من الأزد،
وَسَعِيد بن أبي بردة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة عَامر بن
عبد الله أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ.
والْحَدِيث مُرْسل لِأَن أَبَا بردة من التَّابِعين سمع
أَبَاهُ وَجَمَاعَة آخَرين من الصَّحَابَة، كَانَ على
قَضَاء الْكُوفَة فَعَزله الْحجَّاج وَجعل أَخَاهُ
مَكَانَهُ، مَاتَ سنة أَربع وَمِائَة. والْحَدِيث مضى فِي
أَوَاخِر الْمَغَازِي فِي بعث أبي مُوسَى ومعاذ بن جبل
إِلَى الْيمن قبل حجَّة الْوَدَاع فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ
من طرق وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: بعث النَّبِي، أبي الْقَائِل هُوَ أَبُو بردة،
وَأَبوهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ. قَوْله: يسرا وَلَا
تعسرا أَي: خذا بِمَا فِيهِ الْيُسْر وَأَخذهمَا ذَلِك
هُوَ عين تَركهمَا للعسر. قَوْله: وبشرا أَي: بِمَا فِيهِ
تطييب للنفوس وَلَا تنفرا بِمَا لَا يقْصد إِلَى مَا فِيهِ
الشدَّة. قَوْله: وتطاوعا أَي: تحابا فَإِنَّهُ مَتى وَقع
الْخلاف وَقع التباغض. قَوْله: فَقَالَ لَهُ أَي: فَقَالَ
للنَّبِي، إِنَّه يصنع بأرضنا البتع وَالدَّلِيل على أَن
الْقَائِل للنَّبِي أَبُو مُوسَى مَا تقدم فِي آخر
الْمَغَازِي الَّذِي ذَكرْنَاهُ الْآن عَن أبي مُوسَى: أَن
النَّبِي بَعثه إِلَى الْيمن فَسَأَلَهُ عَن أشربة تصنع
بهَا، فَقَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: البتع والمزر، والبتع
بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون التَّاء
الْمُثَنَّاة من فَوق وبالعين الْمُهْملَة، وَقد فسره
أَبُو بردة فِي الحَدِيث الَّذِي تقدم بِأَنَّهُ نَبِيذ
الْعَسَل، والمزر بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الزَّاي
وبالراء نَبِيذ الشّعير. قَوْله: فَقَالَ أَي: رَسُول الله
كل مُسكر حرَام وَقَالَ صَاحب التَّوْضِيح فِيهِ رد على
أبي حنيفَة وَمن وَافقه. قلت: هَذَا كَلَام سَاقِط سمج
فَفِي أَي مَوضِع قَالَ أَبُو حنيفَة: إِن الْمُسكر لَيْسَ
بِحرَام حَتَّى يشنع هَذَا التشنيع الْبَاطِل؟ .
وَقَالَ النَّضْرُ وأبُو داوُدَ ويَزِيدُ بنُ هارُونَ
ووَكِيعٌ: عنْ شُعْبَةَ عنْ سَعِيدٍ عنْ أبِيهِ عنْ
جَدِّهِ عنِ النبيِّ
أَشَارَ بِهَذَا التَّعْلِيق إِلَى أَن الحَدِيث السَّابِق
قد رَفعه هَؤُلَاءِ المذكورون، وهم النَّضر بِفَتْح
النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة ابْن شُمَيْل مصغر
شَمل بالشين الْمُعْجَمَة ابْن حرشة أَبُو الْحسن
الْمَازِني، مَاتَ أول سنة أَربع وَمِائَتَيْنِ، وَأَبُو
دَاوُد سُلَيْمَان بن دَاوُد الطَّيَالِسِيّ من رجال
مُسلم، وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن هَارُون الوَاسِطِيّ،
ووكيع بن الْجراح الْكُوفِي أربعتهم رووا عَن شُعْبَة بن
الْحجَّاج عَن سعيد بن أبي بردة عَن أَبِيه أبي بردة عَن
جده أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عَن النَّبِي وَالضَّمِير
فِي: جده، يرجع إِلَى سعيد، وَرِوَايَة النَّضر وَأبي
دَاوُد ووكيع تقدّمت فِي أَوَاخِر الْمَغَازِي فِي: بَاب
بعث أبي مُوسَى ومعاذ إِلَى الْيمن، وَرِوَايَة يزِيد بن
هَارُون وَصلهَا أَبُو عوَانَة فِي صَحِيحه وَفِيه
تَقْدِيم أفاضل الصَّحَابَة على الْعَمَل واختصاص
الْعلمَاء مِنْهُم، وَفِي التَّوْضِيح وَفِي الحَدِيث
اشتراكهما فِي الْعَمَل فِي الْيمن، وَالْمَذْكُور فِي
غَيره أَنه قدم كل وَاحِدَة مِنْهُمَا على مخلاف، والمخلاف
الكورة، واليمن مخلافان. قلت: كَانَ عمل معَاذ النجُود
وَمَا تَعَالَى من بِلَاد الْيمن، وَعمل أبي مُوسَى
التهايم وَمَا انخفض مِنْهَا.
23 - (بابُ إجابةَ الحاكِمِ الدَّعْوَةَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إِجَابَة الْحَاكِم الدعْوَة
بِفَتْح الدَّال وبالكسر فِي النّسَب، وَادّعى ابْن بطال
الِاتِّفَاق على وجوب إِجَابَة دَعْوَة الْوَلِيمَة
وَاخْتِلَافهمْ فِي غَيرهَا من الدَّعْوَات، ونظروا فِيهِ.
وقَدْ أجابَ عُثْمانُ عَبْداً لِلْمُغِيرَةَ بنِ شُعْبَةَ.
هَذَا يُوضح معنى التَّرْجَمَة، فَإِنَّهُ لم يذكر فِيهَا
الحكم، وَإجَابَة عُثْمَان لعبد الْمُغيرَة دَلِيل
الْوُجُوب، وَظَاهر الْأَمر أَيْضا فِي قَوْله، أجِيبُوا
الدَّاعِي وَلَكِن لإِيجَاب الْإِجَابَة شَرَائِط
مَذْكُورَة فِي الْفُرُوع الْفِقْهِيَّة، والأثر
الْمَذْكُور وَصله أَبُو مُحَمَّد بن صاعد فِي فَوَائده
بِسَنَد صَحِيح إِلَى أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ: أَن
عُثْمَان بن عَفَّان أجَاب عبدا للْمُغِيرَة بن شُعْبَة
دَعَاهُ وَهُوَ صَائِم، فَقَالَ: أردْت أَن أُجِيب
الدَّاعِي، وأدعو بِالْبركَةِ.
7173 - حدّثنا مُسَدَّدٌ حدّثنا يَحْياى بنُ سَعيدٍ عنْ
سُفْيانَ حدّثني مَنْصُورٌ عنْ أبي وائِلٍ
(24/251)
عنْ أبي مُوساى عنِ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فُكوا العانِي وأجيِبُوا الدَّاعِي
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى هُوَ الْقطَّان
وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ وَمَنْصُور هُوَ ابْن
الْمُعْتَمِر وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة.
والْحَدِيث قد مضى فِي الْوَلِيمَة وَغَيرهَا بأتم من
هَذَا.
قَوْله: العاني أَي: الْأَسير فِي أَيدي الْكفَّار.
قَوْله: الدَّاعِي أَي: إِلَى الطَّعَام.
24 - (بابُ هَدايا العُمَّالِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْهَدَايَا الَّتِي تهدى
إِلَى الْعمَّال، بِضَم الْعين وَتَشْديد الْمِيم جمع
عَامل، وَهُوَ الَّذِي يتَوَلَّى أمرا من أُمُور
الْمُسلمين، وروى أَحْمد من حَدِيث أبي حميد، رَفعه:
هَدَايَا الْعمَّال غلُول، ويروى: هَدَايَا الْأُمَرَاء
غلُول.
7174 - حدّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله، حدّثنا سُفْيانُ،
عنِ الزُّهْرِيِّ أنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ أخبرنَا أبُو
حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ قَالَ: اسْتَعْمَلَ النبيُّ
رَجُلاً مِنْ بَنِي أسْدٍ يُقالُ لهُ ابنُ الأُتبِيَّةِ
عَلى صَدَقَةٍ، فَلمَّا قَدِمَ قَالَ: هاذا لَكُمْ، وهاذا
هُدِيَ لِي. فقامَ النبيُّ عَلى المِنْبَرِ، قَالَ
سُفْيانُ أيْضاً: فَصَعِدَ المِنْبَرَ فَحَمِدَ الله
وأثْناى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: مَا بالُ العامِلِ
نَبْعَثُهُ فَيَأتِي يَقُولُ: هاذا لَكَ وهاذا لِي؟
فَهَلاَّ جَلَسَ فِي بَيْتِ أبِيهِ وأُمِّهِ فَيَنْظُرُ
أيُهْداى لهُ أمْ لَا؟ والّذِي نَفْسي بِيَدِهِ لَا يَأتِي
بِشَيْءٍ إلاّ جاءَ بِهِ يَوْمَ القِيامَةِ يَحْمِلُهُ
عَلى رَقَبَتِهِ، إنْ كَانَ بَعِيراً لهُ رُغاءٌ، أوْ
بَقَرَةً لَها خُوارٌ، أوْ شَاة تَيْعَرُ ثمَّ رَفَعَ
يَدَيْهِ حَتَّى رأيْنا عُفرَةَ إبْطَيْهِ: أَلا هَلْ
بَلَّغْتُ ثَلاثاً
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعلي بن عبد الله هُوَ
ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة،
وَأَبُو حميد اسْمه عبد الرحمان، وَقيل: الْمُنْذر.
وَقد مضى فِي الزَّكَاة عَن يُوسُف بن مُوسَى، وَفِي
الْجُمُعَة وَالنُّذُور عَن أبي الْيَمَان، وَفِي الْهِبَة
عَن عبد الله بن مُحَمَّد وَفِي ترك الْحِيَل عَن عبيد بن
إِسْمَاعِيل. وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن أبي بكر
بن أبي شيبَة وَغَيره. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْخراج
عَن أبي الطَّاهِر وَغَيره.
قَوْله: من بني أَسد قيل: وَقع هُنَا بِفَتْح الْهمزَة
وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة، وَوَقع فِي الْهِبَة من بني
الأزد، وَالسِّين تقلب زاياً، وَوَقع فِي رِوَايَة
الْأصيلِيّ: من بني الْأسد، بِالْألف وَاللَّام. قَوْله:
ابْن الأتبية بِضَم الْهمزَة وَسُكُون التَّاء
الْمُثَنَّاة من فَوق وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد
الْيَاء آخر الْحُرُوف وَيُقَال: اللتبية، بِضَم اللَّام
وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة فَوق وَبِفَتْحِهَا وَكسر
الْبَاء الْمُوَحدَة، وَوَقع لمُسلم بِاللَّامِ وَهِي اسْم
أمه، وَقَالَ ابْن دُرَيْد: بَنو لتب بطن من الْعَرَب
مِنْهُم ابْن اللتبية رجل من الأزد وَيُقَال فِيهِ الْأسد
بِالسِّين، واسْمه: دراء، على وزن فعال. قَوْله: قَالَ
سُفْيَان أَيْضا أَي قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة تَارَة،
قَامَ، وَتارَة: صعد. قَوْله: إِن كَانَ بَعِيرًا لَهُ
رُغَاء أَي: إِن كَانَ الَّذِي غله بَعِيرًا، الْبَعِير
يَقع على الذّكر وَالْأُنْثَى من الْإِبِل وَيجمع على
أَبْعِرَة وبعران، والرغاء بِضَم الرَّاء وَتَخْفِيف
الْغَيْن الْمُعْجَمَة مَعَ الْمَدّ وَهُوَ صَوت
الْبَعِير، والخوار بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف
الْوَاو صَوت الْبَقَرَة، ويروى: جؤار بِالْجِيم والهمزة
من يجأرون كصوت الْبَقَرَة وَسَيَأْتِي هَذَا. قَوْله: أَو
شَاة تَيْعر بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق
وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبفتح الْعين الْمُهْملَة
وَيجوز كسرهَا، وَوَقع عِنْد ابْن التِّين: أَو شَاة لَهَا
يعار، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَتَخْفِيف الْعين
الْمُهْملَة وَهُوَ صَوت الشَّاة الشَّديد، قَالَه
الْقَزاز، وَقَالَ غَيره: بِضَم أَوله صَوت الْمعز، يعرت
العنز تَيْعر بِالْفَتْح وَالْكَسْر تعار إِذا صاحت.
قَوْله: عفرَة إبطَيْهِ بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون
الْفَاء وبالراء: الْبيَاض المخالط للحمرة وَنَحْوه، ويروى
عفرتي إبطَيْهِ. وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عفر إبطَيْهِ
بِفَتْح الْعين وَسُكُون الْفَاء، ويروى بِفَتْح الْفَاء
أَيْضا بِلَا هَاء. قَوْله: أَلا بِالتَّخْفِيفِ وَبَلغت
بِالتَّشْدِيدِ. قَوْله: ثَلَاثًا أَي: قَالَهَا ثَلَاث
مَرَّات، وَفِي الْهِبَة: اللَّهُمَّ هَل بلغت؟ ثَلَاثًا.
وَفِي رِوَايَة مُسلم: هَل بلغت، مرَّتَيْنِ وَالْمعْنَى:
بلغت حكم الله إِلَيْكُم امتثالاً لقَوْله تَعَالَى: {يَ
اأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن
رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ
رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ
اللَّهَ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}
(24/252)
قَالَ سفيْانُ: قَصَّهُ عَليْنا
الزُّهْرِيُّ، وزادَ هِشامٌ عنْ أبِيهِ عنْ أبي حُمَيْدٍ
قَالَ: سَمِعَ أُذنايَ وأبْصَرَتْهُ عَيْنِي، وسَلُوا
زَيْدَ بنَ ثابِتٍ، فإنّهُ سَمِعَهُ مَعِي ولَمْ يَقُلِ
الزُّهْرِيُّ. . سَمِعَ أُذُنِي.
سُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة. قَوْله: وَزَاد هِشَام عَن
أَبِيه أَي: عُرْوَة هُوَ أَيْضا من مقول سُفْيَان،
وَلَيْسَ تَعْلِيقا من البُخَارِيّ. قَوْله: سمع أذناي
بالتثنية ويروى بِالْإِفْرَادِ، وَسمع بِصِيغَة الْمَاضِي،
وَقَالَ عِيَاض: بِسُكُون الصَّاد وَالْمِيم وَفتح الرَّاء
وَالْعين للْأَكْثَر وَفِي رِوَايَة لمُسلم: بصر وَسمع
بِالسُّكُونِ فيهمَا. والتثنية فِي أُذُنِي وعيني، وَفِي
رِوَايَة لَهُ: بصر عَيْنَايَ وَسمع أذناي، وَفِي رِوَايَة
أبي عوَانَة: بصر عينا أبي حميد وَسمع أذنَاهُ. فِي
رِوَايَة لمُسلم عَن عُرْوَة: قلت لأبي حميد: أسمعته من
رَسُول الله؟ قَالَ: من فِيهِ إِلَى أُذُنِي. قَالَ
النَّوَوِيّ: مَعْنَاهُ أنني أعلمهُ علما يَقِينا لَا أَشك
فِي علمي بِهِ. قَوْله: وسلوا أَي: اسألوا. قَوْله:
فَإِنَّهُ أَي: فَإِن زيد بن ثَابت سَمعه معي وَفِي
رِوَايَة الْحميدِي: فَإِنَّهُ كَانَ حَاضرا معي. قَوْله:
وَلم يقل الزُّهْرِيّ: سمع أُذُنِي هُوَ أَيْضا من مقول
سُفْيَان.
خُوارٌ صَوْتٌ والجُؤَارُ مِنْ تَجْأرُونَ كَصَوْتِ
البَقَرَةِ.
هَذَا من كَلَام البُخَارِيّ وَقع هُنَا فِي رِوَايَة أبي
ذَر عَن الْكشميهني. قَوْله: خوار بِضَم الْخَاء
الْمُعْجَمَة وَفَسرهُ بقوله: صَوت. قَوْله: والجؤار بِضَم
الْجِيم وبالهمزة، وَأَشَارَ بقوله: من تجأرون إِلَى مَا
فِي سُورَة قد أُفلح {حَتَّى إِذَآ أَخَذْنَا
مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْئَرُونَ} قَالَ
أَبُو عُبَيْدَة: أَي: يرفعون أَصْوَاتهم كَمَا يجأر
الثور، وَالْحَاصِل أَنه بِالْجِيم وبالخاء الْمُعْجَمَة
بِمَعْنى، إلاَّ أَنه بِالْخَاءِ للبقر وَغَيرهَا من
الْحَيَوَان، وبالجيم للبقر وَالنَّاس. قَالَ الله
تَعَالَى: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ
ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ}
وَفِيه: أَن مَا أهدي إِلَى الْعمَّال وخدمة السُّلْطَان
بِسَبَب السلطة أَنه لبيت المَال، إلاَّ أَن الإِمَام إِذا
أَبَاحَ لَهُ قبُول الْهَدِيَّة لنَفسِهِ فَهُوَ يطيب
لَهُ، كَمَا قَالَ، لِمعَاذ حِين بَعثه إِلَى الْيمن: قد
علمت الَّذِي دَار عَلَيْك فِي مَالك، وَإِنِّي قد طيبت
لَك الْهَدِيَّة، فقبلها معَاذ وأتى بِمَا أهدي إِلَيْهِ
رَسُول الله فَوَجَدَهُ قد توفّي، فَأخْبر بذلك الصّديق،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَأَجَازَهُ، ذكره ابْن بطال.
وَقَالَ ابْن التِّين: هَدَايَا الْعمَّال رشوة وَلَيْسَت
بهدية إِذْ لَوْلَا الْعَمَل لم يهد لَهُ، كَمَا نبه
عَلَيْهِ الشَّارِع، وهدية القَاضِي سحت وَلَا تملك.
25 - (بابُ اسْتِقْضاءِ المَوالِي واسْتِعمْالِهِمْ)
أَي: هَذَا بَاب استقضاء الموَالِي أَي: توليتهم الْقَضَاء
واستعمالهم أَي: على إمرة الْبِلَاد حَربًا أَو خراجاً أَو
صَلَاة، وَالْمرَاد بِالْمَوَالِي العتقاء وَالْأَصْل فِي
هَذَا الْبَاب مَا ذكره الله عز وَجل فِي كِتَابه
الْكَرِيم {ياأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن
ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ
لِتَعَارَفُو اْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللَّهِ
أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} وَقد قدم
الشَّارِع فِي الْعَمَل وَالصَّلَاة والسعاية الْمَفْضُول
مَعَ وجود الْفَاضِل توسعة مِنْهُ على النَّاس ورفقاً بهم.
7175 - حدّثنا عُثْمانُ بنُ صالحٍ، حدّثنا عبْدُ الله بنُ
وهْب أَخْبرنِي ابنُ جُرَيْجٍ أنَّ نافِعاً أخْبَرَهُ أنَّ
ابنَ عُمَرَ، رَضِي الله عَنْهُمَا، أخْبَرَهُ قَالَ: كانَ
سالِمٌ مَوْلَى أبي حُذَيْفَةَ يَؤُمُ المُهاجِرِينَ
الأوَّلِين وأصْحابَ النبيِّ فِي مَسْجِدِ قُباءٍ، فِيهِمْ
أبُو بَكْرٍ وعُمَرُ وأبُو سَلَمَةَ وزَيْدٌ وعامِرُ بنُ
رَبِيعَةَ.
انْظُر الحَدِيث 692
مطابقته للتَّرْجَمَة وَهُوَ أَن سالما تقدم وَهُوَ مولى
على من ذكر من الْأَحْرَار ظَاهِرَة.
وَعُثْمَان بن صَالح السَّهْمِي الْمصْرِيّ. وَابْن جريج
عبد الْملك والْحَدِيث من أَفْرَاده، وَسَالم مولى أبي
حُذَيْفَة قَالَ أَبُو عمر: سَالم بن معقل، بِفَتْح
الْمِيم وَكسر الْقَاف مولى أبي حُذَيْفَة بن عتبَة من أهل
فَارس من اصطخر، وَقيل: إِنَّه من الْعَجم وَكَانَ من
فضلاء الموَالِي وَمن خِيَار الصَّحَابَة وكبارهم، ويعد
فِي الْقُرَّاء. وَكَانَ عبدا لبثينة بنت يعار زوج أبي
حُذَيْفَة فأعتقته سائبة فَانْقَطع إِلَى أبي حُذَيْفَة
فَتَبَنَّاهُ وزوجه من بنت أُخْته فَاطِمَة بنت الْوَلِيد
بن عتبَة.
قَوْله: يؤم الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين هم الَّذين صلوا
إِلَى الْقبْلَتَيْنِ، وَفِي الْكَشَّاف هم الَّذين شهدُوا
بَدْرًا. قَوْله: قبَاء ممدوداً وَغير مَمْدُود منصرفاً
وَغير منصرف. قَوْله: وَأَبُو سَلمَة بن عبد الْأسد
المَخْزُومِي زوج
(24/253)
أم سَلمَة قبل النَّبِي أم الْمُؤمنِينَ،
وَزيد بن حَارِثَة، كَذَا قَالَه بَعضهم، وَقَالَ
الْكرْمَانِي: زيد بن الْخطاب الْعَدوي من الْمُهَاجِرين
الْأَوَّلين شهد الْمشَاهد كلهَا، وَالظَّاهِر أَن
الصَّوَاب مَعَه، وعامر بن ربيعَة الْعَنزي بالنُّون
وَالزَّاي أسلم قَدِيما وَشهد بَدْرًا والمشاهد كلهَا
وَمَات سنة ثَلَاث، وَقيل: خمس وَثَلَاثِينَ. فَإِن قلت:
عد أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي هَؤُلَاءِ
مُشكل جدا لِأَنَّهُ إِنَّمَا هَاجر فِي صُحْبَة النَّبِي
قلت: لَا إِشْكَال إلاَّ على قَول ابْن عمر: إِن ذَلِك
كَانَ قبل مقدم النَّبِي وَأجَاب الْبَيْهَقِيّ بِأَنَّهُ
يحْتَمل أَن يكون سَالم اسْتمرّ يؤمهم بعد أَن تحول
النَّبِي إِلَى الْمَدِينَة وَنزل بدار أبي أَيُّوب قبل
بِنَاء مَسْجده بهَا فَيحْتَمل أَن يُقَال: وَكَانَ أَبُو
بكر يُصَلِّي خَلفه إِذا جَاءَهُ إِلَى قبَاء.
26 - (بابُ العُرَفاءِ لِلنَّاسِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي أَمر العرفاء وَهُوَ جمع عريف وَهُوَ
الْقَائِم بِأَمْر طَائِفَة من النَّاس وَفِي التَّوْضِيح
اتِّخَاذ العرفاء النظار سنة لِأَن الإِمَام لَا يُمكنهُ
أَن يُبَاشر بِنَفسِهِ جَمِيع الْأُمُور فَلَا بُد من قوم
يختارهم لعونه وكفايته.
7176 -، 7177 حدّثنا إسْماعِيلُ بنُ أبي أوَيْسِ، حدّثني
إسْماعيلُ بنُ إبْرَاهِيمَ عنْ عَمِّهِ مُوسَى بنِ
عُقْبَة، قَالَ ابنُ شِهابٍ: حدّثني عرْوَةُ بنُ الزبَيْرِ
أنَّ مَرْوانَ بنَ الحَكَمِ والمِسْوَرَ بنَ مَخْرَمَة
أخبراهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ
حِينَ أذِنَ لَهُمُ المُسْلِمُونَ فِي عِتْقِ سَبْيَ
هَوَازِنَ، فَقَالَ: إنِّي لَا أدْرِي مَنْ أذِنَ مِنْكُمْ
مِمَّنْ لَمْ يأذَنْ، فارْجِعُوا حتَّى يَرْفَعَ إلَيْنا
عُرَفاؤكُمْ أمْرَكُمْ فَرَجَعَ النَّاسُ فَكَلَّمَهُمْ
عُرَفاؤهُمْ فَرَجَعُوا إِلَى رسولِ الله فأخْبَرُوهُ أنَّ
الناسَ قَدْ طَيَّبُوا وأذِنُوا.
مَا
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْمَاعِيل بن
إِبْرَاهِيم بن عقبَة بن أبي عَيَّاش يروي عَن عَمه مُوسَى
بن عقبَة. وَرِجَال هَذَا الحَدِيث كلهم مدنيون، والمسور
بِكَسْر الْمِيم ابْن مخرمَة بِفَتْح الميمين وبالخاء
الْمُعْجَمَة.
والْحَدِيث مضى فِي غَزْوَة حنين.
قَوْله: حِين أذن لَهُم الْمُسلمُونَ أَي: النَّبِي وَمن
تبعه، أَو من أَقَامَهُ فِي ذَلِك، ويروى: حِين أذن لَهُ
بِالْإِفْرَادِ، وَكَذَا فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ.
قَوْله: هوَازن قَبيلَة. قَوْله: من أذن مِنْكُم مِمَّن لم
يَأْذَن كَذَا فِي رِوَايَة غير الْكشميهني، وَكَذَا
للنسائي، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: من أذن فِيكُم.
قَوْله: قد طيبُوا أَي: تركُوا السبايا بِطيب أنفسهم
وأذنوا فِي إعتاقهم وإطلاقهم.
27 - (بابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ ثَناءِ السُّلْطانِ، وإذَا
خَرَجَ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يكره من ثَنَاء
السُّلْطَان أَي: من ثَنَاء النَّاس على السُّلْطَان،
وَالْإِضَافَة فِيهِ إِضَافَة إِلَى الْمَفْعُول أَي:
الثَّنَاء بِحَضْرَتِهِ بِقَرِينَة قَوْله: وَإِذا خرج،
يَعْنِي: من عِنْده، قَالَ غير ذَلِك، أَي: غير الثَّنَاء
بالمدح وَغَيره الهجو والخوض فِيهِ بِذكر مساويه.
7178 - حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ، حَدثنَا عاصِمُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ زَيْدِ بنِ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ، عنْ
أبِيهِ قَالَ أُناسٌ لابنِ عُمرَ: إنّا نَدْخُلُ عَلى
سُلْطاننا فَنَقُولُ لَهُمْ خِلاَفَ مَا نَتَكَلَّمُ إذَا
خَرَجْنا مِنْ عِنْدِهمْ. قَالَ: كُنَّا نَعُدُّهُ
نِفاقاً.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو نعيم الْفضل بن
دُكَيْن.
قَوْله: قَالَ أنَاس سمى مِنْهُم عُرْوَة بن الزبير
وَمُجاهد وَأَبُو إِسْحَاق الشَّيْبَانِيّ، وَوَقع عِنْد
الْحسن بن سُفْيَان من طَرِيق معَاذ عَن عَاصِم عَن
أَبِيه: دخل رجل على ابْن عمر. أخرجه أَبُو نعيم من
طَرِيقه قَوْله: على سلطاننا وَفِي رِوَايَة
الطَّيَالِسِيّ عَن عَاصِم: سلاطيننا، بِصِيغَة الْجمع.
قَوْله: فَنَقُول لَهُم أَي: نثني عَلَيْهِم، وَفِي
رِوَايَة الطَّيَالِسِيّ:
(24/254)
فنتكلم بَين أَيْديهم بِشَيْء، وَفِي
رِوَايَة عُرْوَة بن الزبير عِنْد الْحَارِث بن أبي
أُسَامَة قَالَ: أتيت ابْن عمر فَقلت: إِنَّا نجلس إِلَى
أَئِمَّتنَا هَؤُلَاءِ فيتكلمون بِشَيْء نعلم أَن الْحق
غَيره، فنصدقهم فَقَالَ: كُنَّا نعد هَذَا نفَاقًا، فَلَا
أَدْرِي كَيفَ هُوَ عنْدكُمْ؟ قَوْله: كُنَّا نعده من
الْعد هَكَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَله عَن الْكشميهني،
كُنَّا نعد هَذَا، وَعند ابْن بطال: كُنَّا نعد ذَلِك بدل
هَذَا. قَوْله: نفَاقًا لِأَنَّهُ إبطان أَمر وَإِظْهَار
أَمر آخر وَلَا يُرَاد بِهِ أَنه كفر بل إِنَّه كالكفر،
وَلَا يَنْبَغِي لمُؤْمِن أَن يثني على سُلْطَان أَو غَيره
فِي وَجهه وَهُوَ عِنْده مُسْتَحقّ للذم، وَلَا يَقُول
بِحَضْرَتِهِ خلاف مَا يَقُوله إِذا خرج من عِنْده لِأَن
ذَلِك نفاق، كَمَا قَالَ ابْن عمر وَقَالَ فِيهِ، شَرّ
النَّاس ذُو الْوَجْهَيْنِ ... الحَدِيث لِأَن يظْهر لأهل
الْبَاطِل الرِّضَا عَنْهُم وَيظْهر لأهل الْحق مثل ذَلِك
ليرضى كل فريق مِنْهُم وَيُرِيد أَنه مِنْهُم، وَهَذِه
الْمذَاهب مُحرمَة على الْمُؤمنِينَ. فَإِن قلت: هَذَا
الحَدِيث وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة الَّذِي يَأْتِي الْآن
يعارضان قَوْله، للَّذي اسْتَأْذن عَلَيْهِ: بئس ابْن
الْعشْرَة، ثمَّ تَلقاهُ بِوَجْه طلق وترحيب؟ قلت: لَا
يُعَارضهُ لِأَنَّهُ لم يقل خلاف مَا قَالَه عَنهُ، بل
أبقاه على التجريح عِنْد السَّامع، ثمَّ تفضل عَلَيْهِ
بِحسن اللِّقَاء والترحيب لما كَانَ يلْزمه، من الاستئلاف،
وَكَانَ يلْزمه التَّعْرِيف لخاصته بِأَهْل التَّخْلِيط
والتهمة بالنفاق.
7179 - حدّثنا قُتَيْبَةُ، حَدثنَا اللَّيْثُ، عنْ يَزِيدَ
بنِ أبي حَبِيبٍ، عنْ عِراكٍ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّهُ
سَمِعَ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ إنَّ
شَرَّ النَّاسِ ذُو الوَجْهَيْنِ، الّذِي يأتِي هاؤلاءِ
بِوَجْهٍ وهاؤلاءِ بِوَجْهٍ
انْظُر الحَدِيث 3494 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن ذَا الْوَجْهَيْنِ
أَيْضا يثني على قوم ثمَّ يَأْتِي إِلَى قوم آخر فيتكلم
بِخِلَافِهِ.
وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن حبيب الْمصْرِيّ من صغَار
التَّابِعين، وعراك بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف
الرَّاء وبالكاف ابْن مَالك الْغِفَارِيّ الْمدنِي.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْأَدَب عَن قُتَيْبَة
وَمُحَمّد بن رمح كِلَاهُمَا عَن اللَّيْث.
قَوْله: ذُو الْوَجْهَيْنِ لَيْسَ المُرَاد مِنْهُ
حَقِيقَة الْوَجْه بل هُوَ مجَاز عَن الْجِهَتَيْنِ مثل
المدحة والمذمة، قَالَ الله تَعَالَى: {وَإِذَا لَقُواْ
الَّذِينَءَامَنُواْ قَالُو اءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ
إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُو اْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا
نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ} أَي: شَرّ النَّاس
المُنَافِقُونَ. قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: هَذَا
عَام لكل نفاق سَوَاء كَانَ كفرا أم لَا، فَكيف يكون
سَوَاء فِي الْقسم الثَّانِي؟ . قلت: هُوَ للتغليظ
وللمستحل أَو المُرَاد شَرّ النَّاس عِنْد النَّاس لِأَن
من اشْتهر بذلك لَا يُحِبهُ أحد من الطَّائِفَتَيْنِ.
28 - (بابُ القَضاءِ عَلى الغائِبِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْقَضَاء أَي: الحكم على
الْغَائِب أَي: فِي حُقُوق الْآدَمِيّين دون حُقُوق الله
بالِاتِّفَاقِ حَتَّى لَو قَامَت الْبَيِّنَة على غَائِب
بِسَرِقَة مثلا حكم بِالْمَالِ دون الْقطع، وَقَالَ ابْن
بطال: أجَاز مَالك وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو عبيد
وَالْجَمَاعَة الحكم على الْغَائِب، وَاسْتثنى ابْن
الْقَاسِم عَن مَالك مَا يكون للْغَائِب فِيهِ حجج كالأرض
وَالْعَقار إلاَّ إِن طَالَتْ غيبته أَو انْقَطع خَبره،
وَأنكر ابْن الْمَاجشون صِحَة ذَلِك عَن مَالك، وَقَالَ:
الْعَمَل بِالْمَدِينَةِ على الْغَائِب، مُطلقًا حَتَّى
لَو غَابَ بعد أَن يتَوَجَّه عَلَيْهِ الحكم قضى عَلَيْهِ،
وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَأَبُو حنيفَة: لَا يقْضِي على
الْغَائِب مُطلقًا، وَأما من هرب أَو استتر بعد إِقَامَة
الْبَيِّنَة فينادي القَاضِي عَلَيْهِ ثَلَاثًا، فَإِن
جَاءَ وإلاَّ أنفذ الحكم عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْن قدامَة:
أجَازه أَيْضا ابْن شبْرمَة وَالْأَوْزَاعِيّ وَإِسْحَاق،
وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد، وَمنعه
أَيْضا الشّعبِيّ وَالثَّوْري، وَهِي الرِّوَايَة
الْأُخْرَى عَن أَحْمد.
7180 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ، أخبرنَا سُفْيانُ،
عنْ هِشامٍ، عنْ أبِيهِ، عنْ عائِشَةَ، رَضِي الله
عَنْهَا، أنَّ هِنْدَ قالَتْ لِلنبيِّ إنَّ أَبَا سُفْيان
رجُلٌ شَحِيحٌ فأحْتاجُ أنْ آخُذَ مِنْ مالِهِ قَالَ:
خُذِي مَا يَكْفِيكِ وولَدَكِ بالمَعْرُوفِ.
(24/255)
لَا مُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة وَحَدِيث
الْبَاب لِأَنَّهُ لَا حكم فِيهِ على الْغَائِب، لِأَن
أَبَا سُفْيَان كَانَ حَاضرا فِي الْبَلَد، وَأَيْضًا،
فَإِن الحَدِيث استفتاء وَجَوَاب وَلَيْسَ بِحكم، لِأَن
الحكم لَهُ شُرُوط. واحتجاج الشَّافِعِي وَمن تبعه بِهَذَا
الحَدِيث على جَوَاز الْقَضَاء على الْغَائِب غير موجه
أصلا على مَا لَا يخفى. وَقَالَ صَاحب التَّوْضِيح وَقد
تنَاقض الْكُوفِيُّونَ فِي ذَلِك فَقَالُوا: لَو ادّعى رجل
عِنْد حَاكم أَن لَهُ على غَائِب حقّاً، وَجَاء رجل
فَقَالَ: إِنَّه كفيله واعتف لَهُ الرجل بِأَنَّهُ كفيله
إلَّا أَنه قَالَ: لَا شَيْء لَهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو
حنيفَة: يحكم على الْغَائِب وَيَأْخُذ الْحق من الْكَفِيل،
وَكَذَلِكَ إِذا قَامَت وَطلبت النَّفَقَة من مَال زَوجهَا
فَإِنَّهُ يحكم لَهَا عَلَيْهِ بهَا عِنْدهم. انْتهى. قلت:
سُبْحَانَ الله كَيفَ يَقُول صَاحب التَّوْضِيح قَالَ
أَبُو حنيفَة يحكم على الْغَائِب وَيَأْخُذ الْحق من
الْكَفِيل، وَأَبُو حنيفَة لم يحكم على الْغَائِب،
وَإِنَّمَا حكم على الْكَفِيل وَهُوَ حَاضر، وَفِي ضمن
هَذَا يَقع على الْغَائِب والضمنيات لَا تعلل، وَأَيْضًا
إِنْكَار الْمُدعى عَلَيْهِ شَرط جَوَاز الْقَضَاء
بِالْبَيِّنَةِ ليَقَع قَاطعا للخصومة، وَلم يُوجد
الْإِنْكَار فَلَا يجوز إلاَّ أَن يحضر من يقوم مقَامه
كالكفيل وَالْوَكِيل وَالْوَصِيّ، وَكَذَلِكَ فِي
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة لَا يحكم القَاضِي على الْغَائِب
بل يفْرض فِي مَاله الْمُودع عِنْد أحد أَو الدّين أَو
الْمُضَاربَة، وَلَكِن بِشُرُوط وَهِي: أَن يعلم القَاضِي
بذلك المَال وبالنكاح أَو باعتراف من كَانَ المَال فِي
يَده بِالْمَالِ وَالنِّكَاح، وبتحليفه إِيَّاهَا على عدم
النَّفَقَة وَأخذ الْكَفِيل مِنْهَا.
وَشَيخ البُخَارِيّ مُحَمَّد بن كثير ضد الْقَلِيل
وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَهِشَام هُوَ ابْن
عُرْوَة يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة.
والْحَدِيث قد مضى عَن قريب فِي: بَاب من رأى للْقَاضِي
أَن يحكم بِعِلْمِهِ.
29 - (بابُ مَنْ قُضِيَ لهُ بِحَقِّ أخيهِ فَلا يأخُذْهُ،
فَإِن قَضاءَ الحاكِمِ لَا يُحِلُّ حَراماً وَلَا
يُحَرِّمُ حَلالاً)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ من قضى لَهُ على صِيغَة
الْمَجْهُول. قَوْله: بِحَق أَخِيه إِنَّمَا ذكر بالأخوة
بِاعْتِبَار الجنسية لِأَن المُرَاد خَصمه وَهُوَ أَعم من
أَن يكون مُسلما أَو ذِمِّيا أَو معاهداً أَو مُرْتَدا،
لِأَن الحكم فِي الْكل سَوَاء، وَقيل: يحْتَمل أَن يكون
هَذَا من بَاب التهييج وَعبر بقوله بِحَق أَخِيه،
مُرَاعَاة للفظ الْخَبَر الَّذِي تقدم فِي ترك الْحِيَل من
طَرِيق الثَّوْريّ عَن هِشَام بن عُرْوَة. قَوْله: فَإِن
قَضَاء الْحَاكِم إِلَى آخِره، هَذَا الْكَلَام من كَلَام
الشَّافِعِي فَإِنَّهُ لما ذكر هَذَا الحَدِيث قَالَ:
فِيهِ دلَالَة على أَن الْأمة إِنَّمَا كلفوا الْقَضَاء
على الظَّاهِر، وَفِيه أَن قَضَاء القَاضِي لَا يحرم
حَلَالا وَلَا يحل حَرَامًا.
وتحرير هَذَا الْكَلَام أَن مَذْهَب الشَّافِعِي وَأحمد
وَأبي ثَوْر وَدَاوُد وَسَائِر الظَّاهِرِيَّة: أَن كل
قَضَاء قضى بِهِ الْحَاكِم من تمْلِيك مَال أَو إِزَالَة
ملك أَو إِثْبَات نِكَاح أَو من حلّه بِطَلَاق أَو بِمَا
أشبه ذَلِك، أَن ذَلِك كُله على حكم الْبَاطِن، فَإِن
كَانَ ذَلِك فِي الْبَاطِن كَهُوَ فِي الظَّاهِر، وَجب
ذَلِك على مَا حكم بِهِ، وَإِن كَانَ ذَلِك فِي الْبَاطِن
على خلاف مَا شهد بِهِ الشَّاهِد أَن على خلاف مَا حكم
بِهِ بِشَهَادَتِهِمَا على الحكم الظَّاهِر لم يكن قَضَاء
القَاضِي مُوجبا شَيْئا من تمْلِيك وَلَا تَحْرِيم وَلَا
تَحْلِيل، وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ
وَمَالك وَأبي يُوسُف أَيْضا. وَقَالَ ابْن حزم: لَا يحل
مَا كَانَ حَرَامًا قبل قَضَائِهِ، وَلَا يحرم مَا كَانَ
حَلَالا قبل قَضَائِهِ، إِنَّمَا القَاضِي منفذ على
الْمُمْتَنع فَقَط لَا مزية لَهُ سوى هَذَا، وَقَالَ
الشّعبِيّ وَأَبُو حنيفَة وَمُحَمّد: مَا كَانَ من تمْلِيك
مَال فَهُوَ على حكم الْبَاطِن، وَمَا كَانَ من ذَلِك من
قَضَاء بِطَلَاق أَو نِكَاح بِشُهُود ظَاهِرهمْ
الْعَدَالَة وَبَاطِنهمْ الْجراحَة فَحكم الْحَاكِم
بِشَهَادَتِهِم على ظَاهِرهمْ الَّذِي تعبد الله أَن يحكم
بِشَهَادَة مثلهم مَعَه، فَذَلِك يجزيهم فِي الْبَاطِن
لكفايته فِي الظَّاهِر.
7181 - حدّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله، حدّثنا
إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ، عنْ صالِحٍ، عنْ ابنِ شهابٍ
قَالَ: أَخْبرنِي عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ أنَّ زَيْنَبَ
ابْنَةَ أبي سَلَمَةَ أخْبَرَتْهُ أنَّ أُمَّ سَلَمَةَ
زَوْجَ النبيِّ أخْبَرَتْها عنْ رسولِ الله أنَّهُ سَمِعَ
خُصُومَةً بِبابِ حُجْرَتِهِ فَخَرَجَ إلَيْهِمْ
(24/256)
فَقَالَ: إنّما أَنا بَشَرٌ، وإنَّهُ
يَأتِينِي الخَصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أنْ يَكُونَ
أبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ، فأحْسِبُ أنَّهُ صادِقٌ فأقْضِيَ لهُ
بِذالِكَ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ فإنَّما
هِيَ قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ فَلَيأْخُذْها أوْ
لِيَتْرُكْها
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: فاقضي لَهُ بذلك
إِلَى آخر الحَدِيث.
وَإِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَهِيمُ بن عبد الرحمان بن
عَوْف، وَصَالح هُوَ ابْن كيسَان.
والْحَدِيث قد مضى فِي الْمَظَالِم عَن عبد الْعَزِيز بن
عبد الله أَيْضا وَفِي الشَّهَادَات وَفِي الْأَحْكَام عَن
القعْنبِي وَفِي الْأَحْكَام أَيْضا عَن أبي الْيَمَان
وَفِي ترك الْحِيَل عَن مُحَمَّد بن كثير، وَمضى الْكَلَام
فِيهِ.
وَفِي رِوَايَة شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ: جلبة، بِفَتْح
الْجِيم وَاللَّام وَهُوَ اخْتِلَاط الْأَصْوَات، وَفِي
رِوَايَة الطَّحَاوِيّ: جلبة خصام عِنْد بَابه،
وَالْخِصَام جمع خصيم كالكرام جمع كريم، وَفِي رِوَايَة
مُسلم: جلبة خصم، وَله فِي رِوَايَة من طَرِيق معمر عَن
هِشَام: لجبة بِتَقْدِيم اللَّام على الْجِيم، وَهِي لُغَة
فِي جلبة وَلم يعين أَصْحَاب الجلبة، وَفِي رِوَايَة أبي
دَاوُد: أَتَى رَسُول الله رجلَانِ يختصمان، وَأما
الْخُصُومَة فَفِي رِوَايَة عبد الله بن رَافع: أَنَّهَا
كَانَت فِي مَوَارِيث لَهما، وروى الطَّحَاوِيّ بِسَنَدِهِ
إِلَى عبد الله بن رَافع مولى أم سَلمَة عَن أم سَلمَة
قَالَت: جَاءَ رجلَانِ من الْأَنْصَار يختصمان إِلَى
رَسُول الله فَقَالَ: إِنَّمَا أَنا بشر ... الحَدِيث.
قَوْله: بِبَاب حجرته وَفِي رِوَايَة مُسلم: عِنْد بَابه،
والحجرة هِيَ منزل أم سَلمَة، وَكَانَت الْخُصُومَة فِي
مَوَارِيث وَأَشْيَاء بَينهمَا قد درست وَلَيْسَت لَهما
بَيِّنَة، فَقَالَ رَسُول الله وَفِي رِوَايَة مُسلم فِي
رِوَايَة معمر: بِبَاب أم سَلمَة. قَوْله: إِنَّمَا أَنا
بشر الْبشر يُطلق على الْجَمَاعَة الْوَاحِد يَعْنِي: أَنه
مِنْهُم، وَالْمرَاد أَنه مشارك للبشر فِي أصل الْخلقَة
وَلَو زَاد عَلَيْهِم بالمزايا الَّتِي اخْتصَّ بهَا فِي
ذَاته وَصِفَاته، وَقد ذكرت فِي شرح مَعَاني الْآثَار
وَفِي قَوْله: إِنَّمَا أَنا بشر أَي: من الْبشر وَلَا
أَدْرِي بَاطِن مَا يتحاكمون فِيهِ عِنْدِي ويختصمون فِيهِ
لدي، وَإِنَّمَا أَقْْضِي بَيْنكُم على ظَاهر مَا
تَقولُونَ، فَإِذا كَانَ الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم
السَّلَام، لَا يعلمُونَ ذَلِك فَغير جَائِز أَن تصح
دَعْوَة غَيرهم من كَاهِن أَو منجم الْعلم، وَإِنَّمَا
يعلم الْأَنْبِيَاء من الْغَيْب مَا أعلمُوا بِهِ بِوَجْه
من الْوَحْي. قَوْله: فَلَعَلَّ اسْتعْمل اسْتِعْمَال:
عَسى، وَبَينهمَا مُعَاوضَة. قَوْله: أبلغ من بعض أَي:
أفْصح فِي كَلَامه وأقدر على إِظْهَار حجَّته، وَفِي
رِوَايَة سُفْيَان الثَّوْريّ فِي ترك الْحِيَل: لَعَلَّ
بَعْضكُم أَن يكون أَلحن بحجته من بعض قَوْله: فأحسب أَنه
صَادِق هَذَا يُؤذن أَن فِي الْكَلَام حذفا تَقْدِيره:
هُوَ فِي الْبَاطِن كَاذِب، وَفِي رِوَايَة معمر: فأظنه
صَادِقا. قَوْله: فأقضي لَهُ بذلك أَي: أحكم لَهُ بِمَا
يذكرهُ بظني أَنه صَادِق، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد من
طَرِيق الثَّوْريّ: فأقضي لَهُ عَلَيْهِ على نَحْو مَا
أسمع وَفِي رِوَايَة عبد الله بن رَافع: إِنِّي إِنَّمَا
أَقْْضِي بَيْنكُم برأيي فِيمَا لم ينزل عليّ فِيهِ.
قَوْله: فَمن قضيت لَهُ بِحَق مُسلم وَفِي رِوَايَة مَالك
وَمعمر: فَمن قضيت لَهُ بِشَيْء من حق أَخِيه، وَفِي
رِوَايَة الثَّوْريّ: فَمن قضيت لَهُ من أَخِيه شَيْئا،
وَكَأَنَّهُ ضمن: قضيت معنى: أَعْطَيْت، وَعند أبي دَاوُد
عَن مُحَمَّد بن كثير شيخ البُخَارِيّ فِيهِ: فَمن قضيت
لَهُ من حق أَخِيه بِشَيْء فَلَا يَأْخُذهُ. قَوْله:
فَإِنَّمَا هِيَ الضَّمِير للحكومة الَّتِي تقع بَيْنكُم
على هَذَا الْوَجْه يَعْنِي بِحَسب الظَّاهِر. قَوْله:
قِطْعَة من النَّار تَمْثِيل يفهم مِنْهُ شدَّة التعذيب،
وَهُوَ من مجَاز التَّشْبِيه كَقَوْلِه تَعَالَى: {إِنَّ
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً
إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَاراً
وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} قَوْله: قَوْله: فليأخذها أَو
ليتركها وَفِي رِوَايَة يُونُس: فليحملها أَو ليذرها.
وَزَاد عبد الله بن رَافع فِي آخر الحَدِيث فِي رِوَايَة
الطَّحَاوِيّ بعد أَن قَالَ: فليأخذها أَو لِيَدَعْهَا،
فَبكى الرّجلَانِ. وَقَالَ كل وَاحِد مِنْهُمَا حَقي لأخي
الآخر. فَقَالَ رَسُول الله أما إِذا فعلتما هَذَا فاذهبا
فاقتسما وتوخيا الْحق. ثمَّ أستهما، ثمَّ ليحلل كل وَاحِد
مِنْكُمَا صَاحبه. قَوْله: توخيا الْحق، أَي: تحرياه.
قَوْله: ثمَّ اسْتهمَا أَي: ثمَّ اقترعا. فَإِن قلت: مَا
معنى: أَو، هُنَا. قلت: التَّخْيِير على سَبِيل التهديد
إِذْ مَعْلُوم أَن الْعَاقِل لَا يخْتَار أَخذ النَّار
الَّتِي تحرقه.
وَفِيه من الْفَوَائِد: أَن الْبشر لَا يعلمُونَ مَا غيب
عَنْهُم وَستر عَن الضمائر وَأَن بعض النَّاس أدرى بمواضع
الْحجَّة وَتصرف القَوْل من بعض، وَأَن القَاضِي إِنَّمَا
يقْضِي على الْخصم بِمَا يسمع مِنْهُ من إِقْرَار وإنكار
أَو بَيِّنَات على حسب مَا أحكمته السّنة فِي ذَلِك. وَأَن
التَّحَرِّي جَائِز فِي أَدَاء الْمَظَالِم، وَأَن
الْحَاكِم يجوز لَهُ الِاجْتِهَاد فِيمَا لم يكن فِيهِ
نَص. وَأَن الصُّلْح على الْإِنْكَار جَائِز خلافًا
للشَّافِعِيّ، قَالَه أَبُو عمر. وَأَن الاقتراع والاستهام
جَائِز، وَقَالَ أَبُو عمر: وَقد احْتج أَصْحَابنَا
بِهَذَا الحَدِيث فِي رد حكم القَاضِي بِعِلْمِهِ.
(24/257)
7182 - حدّثنا إسْماعِيلُ قَالَ: حدّثني
مالِكٌ، عنِ ابنِ شِهابٍ، عنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ،
عنْ عائِشَةَ زَوْجِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أنَّها قالَتْ: كانَ عُتْبَةُ بنُ أبي وَقَّاصٍ عَهِدَ
إِلَى أخِيهِ سَعْدِ بنِ أبي وَقّاصٍ أنَّ ابنَ وَلِيدَةِ
زَمْعَةَ مِنِّي، فاقْبِضْهُ إلَيْكَ، فَلَمَّا كانَ عامُ
الفَتحِ أخَذَهُ سَعْدٌ، فَقَالَ: ابنُ أخِي، قَدْ كانَ
عَهِدَ إلَيَّ فِيهِ، فَقامَ إلَيْهِ عَبْدُ بنُ زَمْعَةَ،
فَقَالَ: أخِي وابنُ وَلِيدَةِ أبي، وُلِدَ عَلى فراشِهِ.
فَتَساوَقا إِلَى رسولِ الله فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رسولَ
الله ابنُ أخِي كانَ عَهِدَ إلَيَّ فِيهِ، وَقَالَ عَبْدُ
بنُ زَمْعَةَ: أخِي وابنُ وَلِيدَةِ أبي وُلِدَ عَلى
فِراشِهِ، فَقَالَ رسولُ الله هوَ لَكَ يَا عَبْدُ بنَ
زَمْعَةَ ثُمَّ قَالَ رسولُ الله الوَلَدُ لِلْفِراشِ
ولِلْعاهِرِ الحَجَرُ ثُمَّ قَالَ لِسَوْدَةَ بنْتِ
زَمْعَةَ: احْتَجِبِي مِنْهُ لِما رَأى مِنْ شَبَهِهِ
بِعُتْبَةَ، فَما رَآها حتَّى لَقِيَ الله تَعَالَى.
وَجه إِيرَاد هَذَا الحَدِيث السَّابِق أَن الحكم بِحَسب
الظَّاهِر وَلَو كَانَ فِي نفس الْأَمر خلاف ذَلِك
فَإِنَّهُ حكم فِي ابْن وليدة زَمعَة بِحَسب الظَّاهِر،
وَإِن كَانَ فِي نفس الْأَمر لَيْسَ من زَمعَة وَلَا يُسمى
ذَلِك خطأ فِي الِاجْتِهَاد فَيدْخل هَذَا فِي معنى
التَّرْجَمَة.
وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس.
والْحَدِيث قد مضى فِي الْبيُوع فِي: بَاب تَفْسِير
المشتبهات فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن قزعة عَن مَالك،
وَفِي الْفَرَائِض عَن قُتَيْبَة وَفِي الْمُحَاربين عَن
أبي الْوَلِيد وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: كَانَ عتبَة بِضَم الْعين وَسُكُون التَّاء
الْمُثَنَّاة من فَوق. قَوْله: ابْن وليدة زَمعَة الوليدة
الْجَارِيَة، وَزَمعَة بِسُكُون الْمِيم وَفتحهَا وَاسم
الابْن: عبد الرَّحْمَن. قَوْله: عهد إليّ بتَشْديد
الْيَاء، وعهد أوصى. قَوْله: فتساوقا من التساوق وَهُوَ
مَجِيء وَاحِد بعد وَاحِد، وَالْمرَاد هُنَا: المسارعة.
قَوْله: هُوَ لَك أَي: إِنَّه ابْن أمته. قَوْله: وللعاهر
أَي: الزَّانِي. قَوْله: الْحجر أَي: الخيبة كَمَا يُقَال
بِفِيهِ الْحجر، وَقيل: يُرَاد بِهِ الْحجر الَّذِي يرْجم
بِهِ الْمُحصن، وَلَيْسَ بِظَاهِر. قَوْله: احتجبي مِنْهُ
أَي: من الابْن الْمُتَنَازع فِيهِ إِنَّمَا قَالَ ذَلِك
تورعاً واحتياطاً.
30 - (بابُ الحُكْمِ فِي البِئرِ ونَحْوِها)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الحكم فِي الْبِئْر وَنَحْوهَا
مثل الْحَوْض وَالشرب، بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة.
7183 - حدّثنا إسْحاقُ بنُ نَصْرٍ، حدّثنا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ، أخبرنَا سُفْيانُ، عنْ مَنْصُورٍ والأعْمَشِ
عنْ أبي وائِلٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الله: قَالَ النبيُّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَحْلِفُ عَلى يَمِينِ صَبْرٍ
يَقْتَطِعُ مَالا، وهْوَ فِيها فاجِرٌ إلاّ لَقِيَ الله
وهْوَ عَلَيْهِ غَضْبانُ فأنْزَلَ الله: {إِنَّ الَّذِينَ
يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا
قَلِيًلا أُوْلَائِكَ لاَ خَلَاقَ لَهُمْ فِى الاَْخِرَةِ
وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ} الآيَةَ. فَجاءَ الأشْعَثُ وعَبْدُ الله
يحَدِّثُهُمْ فَقَالَ: فِيَّ نَزَلَتْ وَفِي رَجُلٍ
خاصَمْتُهُ فِي بِئرٍ، فَقَالَ النبيُّ ألَكَ بَيِّنَةٌ
قُلْتُ لَا. قَالَ: فَلْيَحْلِفْ قُلْتُ إذَاً يَحْلِفَ
فَنَزَلَتْ {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ
وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيًلا أُوْلَائِكَ لاَ خَلَاقَ
لَهُمْ فِى الاَْخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَ
يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ
يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} الآيَةَ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَقيل: وَجه دُخُول هَذِه
التَّرْجَمَة فِي الْقِصَّة مَعَ أَنه لَا فرق بَين
الْبِئْر وَالدَّار وَالْعَبْد حَتَّى ترْجم على الْبِئْر
وَحدهَا، أَنه أَرَادَ الرَّد على من زعم أَن المَاء لَا
يملك فحقق بالترجمة أَنه يملك لوُقُوع الحكم بَين
المتخاصمين فِيهَا. انْتهى. قلت: فِي أول كَلَامه نظر
لِأَنَّهُ لم يقْتَصر فِي التَّرْجَمَة على الْبِئْر
وَحدهَا، بل قَالَ: وَنَحْوهَا، وَفِي آخر كَلَامه أَيْضا
نظر لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْخَبَر تَصْرِيح بِذكر المَاء،
فَكيف يَصح الرَّد؟ .
وَإِسْحَاق بن نصر هُوَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن نصر
السَّعْدِيّ البُخَارِيّ روى عَنهُ البُخَارِيّ، فَتَارَة
يَقُول: حَدثنَا إِسْحَاق بن نصر، وَتارَة يَقُول:
إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن نصر، وَعبد الرَّزَّاق بن همام
بِالتَّشْدِيدِ، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَمَنْصُور
هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان،
وَأَبُو وَائِل هُوَ شَقِيق بن سَلمَة
(24/258)
وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث مضى فِي الشّرْب. قَوْله: على يَمِين صَبر أَي:
يَمِين على حبس الشَّخْص عِنْدهَا. قَوْله: يقتطع أَي:
يكْتَسب قِطْعَة من المَال لنَفسِهِ. قَوْله: وَهُوَ
فِيهَا فَاجر أَي: كَاذِب. وَالْجُمْلَة حَالية. قَوْله:
غَضْبَان المُرَاد من الْغَضَب لَازمه وَهُوَ الْعَذَاب
لِأَن الْغَضَب لَا يَصح على الله لِأَنَّهُ غليان دم
الْقلب لإِرَادَة الانتقام.
قَوْله: الْأَشْعَث بالشين الْمُعْجَمَة وبالثاء
الْمُثَلَّثَة ابْن قيس الْكِنْدِيّ. قَوْله: وَعبد الله
يُحَدِّثهُمْ الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: فِي بتَشْديد
الْيَاء. قَوْله: وَفِي رجل اسْمه الجفشيش الْكِنْدِيّ،
وَيُقَال الْحَضْرَمِيّ، قَالَ أَبُو عمر: يُقَال فِيهِ
بِالْجِيم وَبِالْحَاءِ وبالخاء، يكنى أَبَا الْخَيْر،
وَيُقَال: اسْمه جرير بن معدان قدم على النَّبِي فِي وَفد
كِنْدَة. قَوْله: يحلف بِالنّصب.
31 - (بابُ القَضاءِ فِي كَثِيرِ المَال وقَليلِهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْقَضَاء أَي الحكم فِي كثير
المَال وقليله، يَعْنِي: لَا فرق فِي الحكم بَين الْكثير
والقليل، لِأَن كل ذَلِك مَال، وَلَكِن الْأَقَل من
دِرْهَم لَا يعد مَالا فِي الْعرف حَتَّى إِنَّه لَو
قَالَ: لفُلَان عليّ مَال، فَإِنَّهُ لَا يصدق فِي أقل من
دِرْهَم، وَالْكثير مَا لَهُ حد، وَالْمَال الْكثير نِصَاب
الزَّكَاة، وَقيل: نِصَاب السّرقَة عشرَة دَرَاهِم، ثمَّ
قَوْله: بَاب، مُبْتَدأ مَحْذُوف الْخَبَر، وَقَوله:
الْقَضَاء، مُبْتَدأ أَو قَوْله: فِي كثير المَال، خَبره
تَقْدِيره: الْقَضَاء وَاقع أَو ثَابت أَو سَوَاء فِي كثير
المَال وقليله، وَفِي بعض النّسخ: بَاب الْقَضَاء فِي كثير
المَال وقليله، سَوَاء بالْخبر البارز، وَقَالَ بَعضهم:
بَاب، بِالتَّنْوِينِ. قلت: لَا يُقَال بِالتَّنْوِينِ
إلاَّ إِذا قدر مُبْتَدأ قبله نَحْو: هَذَا بَاب، كَمَا
ذَكرْنَاهُ لِأَن الْإِعْرَاب لَا يكون إلاَّ فِي الْمركب.
وَقَالَ ابنُ عُيَيْنَةَ عنِ ابنِ شُبْرُمَةَ: القَضاءُ
فِي قَلِيلِ المَال وكَثِيرهِ سَوَاءٌ.
أَي: قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عبد الله بن شبْرمَة
قَاضِي الْكُوفَة، وَهَكَذَا ذكر سُفْيَان فِي جَامعه عَن
ابْن شبْرمَة.
7185 - حدّثنا أبُو اليَمانِ، أخبرنَا شُعَيْبٌ، عنِ
الزُّهْرِيِّ، أَخْبرنِي عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ: أنَّ
زَيْنَبَ بِنْتَ أبي سَلَمَةَ أخْبَرَتْهُ عنْ أُمِّها
أُمِّ سَلَمَةَ قالَتْ: سَمِعَ النبيُّ جَلَبَةَ خِصامٍ
عِنْدَ بابِهِ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ لَهُمْ: إنَّما
أَنا بَشَرٌ وإنهُ يأتِيني الخَصْمُ فَلَعَلَّ بَعْضاً أنْ
يَكُونُ أبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ، أقْضِي لهُ بِذَلِكَ،
وأحْسِبُ أنَّهُ صادِقٌ، فَمَنْ قَضَيْتُ لهُ بِحَقِّ
مُسْلِمٍ فإنّما هِيَ قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ فَلْيأخُذْها
أوْ لِيَدعْها
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: بِحَق مُسلم
لِأَن الْحق يتَنَاوَل الْقَلِيل وَالْكثير. والْحَدِيث
مضى قبل هَذَا الْبَاب، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
32 - (بابُ بَيْعِ الإمامِ عَلَى النَّاسِ أمْوالَهُمْ
وضِياعَهُمْ، وقَدْ بَاعَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
مُدَبَّراً مِنْ نُعَيْمِ بنِ النَّحَّامِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم بيع الإِمَام على النَّاس
أَمْوَالهم وضياعهم، وَهُوَ جمع ضَيْعَة وَهِي الْعقار،
قَالَه الْكرْمَانِي، وَقَالَ أَيْضا هُوَ من عطف الْخَاص
على الْعَام. قلت: وَقد فسر الْجَوْهَرِي الضَّيْعَة
بالعقار أَيْضا، وَقَالَ صَاحب دستور اللُّغَة الضَّيْعَة
الْقرْيَة. قلت: وَفِي اصْطِلَاح النَّاس كَذَلِك لَا
يطلقون الضَّيْعَة إلاَّ على الْقرْيَة وَإِلَيْهِ أَشَارَ
ابْن الْأَثِير أَيْضا: مَا يكون مِنْهُ معاش الرجل
كالضيعة وَالتِّجَارَة والزراعة وَنَحْو ذَلِك، وَذكره فِي
بَاب الضَّاد مَعَ الْيَاء. ثمَّ قيل: إِنَّمَا أضَاف
البيع إِلَى الإِمَام ليشير إِلَى أَن ذَلِك يَقع مِنْهُ
فِي مَال السَّفِيه، أَو فِي وَفَاء دين الْغَائِب، أَو من
يمْتَنع أَو غير ذَلِك ليتَحَقَّق أَن للْإِمَام
التَّصَرُّف فِي الْأَمْوَال فِي الْجُمْلَة. وَقَالَ
الْمُهلب: إِنَّمَا يَبِيع الإِمَام على النَّاس
أَمْوَالهم إِذا رأى مِنْهُم سفهاً فِي أَحْوَالهم، فَأَما
من لَيْسَ بسفيه فَلَا يُبَاع عَلَيْهِ شَيْء من مَاله
إِلَّا فِي حق يكون عَلَيْهِ. قَوْله: وَقد بَاعَ النَّبِي
مُدبرا من نعيم بن النحام: وَإِنَّمَا ذكره فِي معرض
الِاسْتِدْلَال لما ذكره قبله، وَإِنَّمَا بَاعَ مدبره
لِأَنَّهُ أنفد جَمِيع ذَات يَده فِي الْمُدبر لِأَنَّهُ
تعرض للهلكة فنقض فعله، وَإِنَّمَا لم ينْقض على الَّذِي
قَالَ لَهُ:
(24/259)
لَا خلابة، لِأَنَّهُ لم يفوت على نَفسه جَمِيع مَاله
ونعيم مُصَغرًا هُوَ النحام لِأَنَّهُ قَالَ: سَمِعت نحمة
نعيم أَي: سلْعَته فِي الْجنَّة وَلَفظ الابْن زَائِد،
وَقَالَ أَبُو عمر: نعيم بن عبد الله النحام الْقرشِي
الْعَدوي، وَإِنَّمَا سمي النحام لِأَنَّهُ، قَالَ: دخلت
الْجنَّة فَسمِعت نحمة من نعيم فِيهَا، والنحمة السعلة،
وَقيل: النحنحة الْمَمْدُود آخرهَا فَسُمي بذلك: النحام،
كَانَ قديم الْإِسْلَام، يُقَال إِنَّه أسلم بعد عشرَة
أنفس قبل إِسْلَام عمر، رَضِي الله عَنهُ، وَكَانَ يكتم
إِسْلَامه، وَكَانَت هجرته عَام خَيْبَر، وَقيل: بل هَاجر
فِي أَيَّام الْحُدَيْبِيَة، وَقيل أَقَامَ بِمَكَّة
حَتَّى كَانَ قبل الْفَتْح قتل بأجنادين شَهِيدا سنة
ثَلَاث عشرَة فِي آخر خلَافَة أبي بكر، رَضِي الله عَنهُ،
وَقيل: قتل يَوْم اليرموك فِي رَجَب سنة خمس عشرَة.
7186 - حدّثنا ابنُ نُمَيْرٍ، حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ
بِشْرٍ، حَدثنَا إسْماعِيل، حدّثنا سَلَمَةُ بنُ كُهَيْلٍ،
عنْ عَطاءٍ، عنْ جابِرٍ قَالَ: بَلَغَ النبيَّ أَن رَجُلاً
مِنْ أصْحابِهِ أعْتَقَ غُلَاما عنْ دُبُرٍ لَمْ يَكُنْ
لهُ مالٌ غيْرَهُ، فَباعَهُ بِثَمانِمائَةِ دِرْهَمٍ ثُمَّ
أرْسَلَ بِثَمَنِهِ إلَيْهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَابْن نمير هُوَ مُحَمَّد
بن عبد الله بن نمير مصغر نمر الْحَيَوَان الْمَشْهُور،
وَمُحَمّد بن بشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون
الشين الْمُعْجَمَة، وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي خَالِد،
وَسَلَمَة بن كهيل مصغر كهل وَعَطَاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح
بِفَتْح الرَّاء وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة، وَجَابِر
هُوَ ابْن عبد الله، وَكَذَا وَقع فِي بعض النّسخ.
والْحَدِيث مضى فِي الْبيُوع. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي
الْعتْق عَن أَحْمد بن حَنْبَل. وَأخرجه النَّسَائِيّ
فِيهِ عَن أبي دَاوُد الْحَرَّانِي وَغَيره. وَأخرجه ابْن
مَاجَه عَن شيخ البُخَارِيّ وَغَيره.
قَوْله: عَن دبر يَعْنِي: علق عتقه بعد مَوته وَوَقع هُنَا
للكشميهني: عَن دين، بِفَتْح الدَّال وَسُكُون الْيَاء آخر
الْحُرُوف وبالنون، قيل: هُوَ تَصْحِيف، وَالْمَشْهُور
هُوَ الأول. وَالرجل الْمَذْكُور هُوَ أَبُو مَذْكُور،
وَاسم الْغُلَام: يَعْقُوب، وَالْمُشْتَرِي: نعيم النحام. |