عمدة القاري شرح صحيح البخاري

33 - (بابُ مَنْ لَمْ يَكْثَرتْ بِطَعْنِ مَنْ لَا يَعْلَمُ فِي الأُمَرَاءِ حَدِيثاً)

أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر من لم يكترث أَي: لم يبال وَلم يلْتَفت، وَأَصله من الكرث بِفَتْح الْكَاف وَسُكُون الرَّاء وبالثاء الْمُثَلَّثَة يُقَال: مَا اكترثت أَي: مَا أُبَالِي، وَلَا يسْتَعْمل إلاَّ فِي النَّفْي، واستعماله فِي الْإِثْبَات شَاذ. وَقَالَ الْمُهلب: معنى هَذِه التَّرْجَمَة أَن الطاعن إِذا لم يعلم حَال المطعون عَلَيْهِ فَرَمَاهُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ لَا يعبأ بذلك الطعْن وَلَا يعْمل بِهِ. قَوْله: بطعن من لَا يعلم إِشَارَة إِلَى أَن من طعن فَعلم أَنه يعْمل بِهِ فَلَو طعن بِأَمْر مُحْتَمل كَانَ ذَلِك رَاجعا إِلَى رَأْي الإِمَام.

7187 - حدّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ، حدّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ مُسْلِمٍ، حدّثنا عَبْدُ الله بنُ دِينارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابنَ عُمَرَ، رَضِي الله عَنْهُمَا، يَقُولُ: بَعَثَ رسولُ الله بَعْثاً وأمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسامَةَ بنَ زَيْدٍ فَطُعِنَ فِي إمارَتِهِ، وَقَالَ: إنْ تَطْعُنُوا فِي إمارَتِهِ فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إمارَةِ أبِيهِ مِنْ قَبْلِهِ، وايْمُ الله إنْ كانَ لخَلِيقاً للإمْرَةِ، وإنْ كانَ لِمَنْ أحَبِّ النَّاسِ إلَيَّ، وإنْ هاذا لَمِنْ أحَبَّ النَّاسِ إليَّ بَعْدَهُ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث مضى فِي آخر الْمَغَازِي فِي: بَاب بعث النَّبِي أُسَامَة بن زيد فِي مَرضه الَّذِي توفّي فِيهِ وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: بعثاً أَي: جَيْشًا قَوْله: وَأمر بتَشْديد الْمِيم أَي: جعله أَمِيرا على الْجَيْش. قَوْله: فطعن على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: فِي إمارته بِكَسْر الْهمزَة. قَوْله: أَن تطعنوا فِي إمارته أَي: فِي إِمَارَة أُسَامَة قَوْله: فقد كُنْتُم تطعنون فِي إِمَارَة أَبِيه أَي أبي أُسَامَة وَهُوَ زيد. قَوْله: من قبله وَذَلِكَ أَنهم طعنوا فِي إِمَارَة زيد من قبل طعن أُسَامَة، وَكَانَ رَسُول الله بعث أُسَامَة إِلَى الحرقات من جُهَيْنَة وَبَعثه أَمِيرا فِي غَزْوَة مُؤْتَة فاستشهد هُنَاكَ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَالَت النُّحَاة: الشَّرْط سَبَب للجزاء مُتَقَدم عَلَيْهِ، وَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِك، ثمَّ أجَاب بِأَنَّهُ يؤول مثله بالإخبار عِنْدهم، أَي: إِن طعنتم فِيهِ فأخبركم بأنكم طعنتم من قبل فِي أَبِيه،

(24/260)


ويلازمه عِنْد البيانيين أَي: إِن طعنتم فِيهِ تأثمتم بذلك لِأَنَّهُ لم يكن حَقًا، وَالْغَرَض أَنه كَانَ خليقاً بالإمارة، أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: وَايْم الله ... إِلَى آخِره، وَلَفظ: ايم الله، من أَلْفَاظ الْقسم كَقَوْلِك: وَالله، وفيهَا لُغَات كَثِيرَة، وتفتح همزتها وتكسر وهمزتها همزَة وصل، وَقد تقطع، وَأهل الْكُوفَة من النُّحَاة يَزْعمُونَ أَنَّهَا جمع يَمِين، وَغَيرهم يَقُول: هُوَ اسْم مَوْضُوع للقسم. قَوْله: إِن كَانَ لَفظه: إِن، مُخَفّفَة من المثقلة أَصله، إِنَّه كَانَ، أَي: إِن زيد بن أُسَامَة كَانَ لخليقاً أَي لائقاً للإمرة ومستحقاً لَهَا، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: للإمارة. قَوْله: وَإِن كَانَ أَي: وَإنَّهُ كَانَ لمن أحب النَّاس إليّ بتَشْديد الْيَاء. قَوْله: وَإِن هَذَا أَي: وَإِن زيدا هَذَا وَأَشَارَ إِلَيْهِ لمن أحب النَّاس إليّ بعده أَي: بعد أُسَامَة. فَإِن قلت: قد طعن على أُسَامَة وَأَبِيهِ مَا لَيْسَ فيهمَا وَلم يعْزل الشَّارِع وَاحِدًا مِنْهُمَا، بل بيَّن فضلهما، وَلم يعْتَبر عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِهَذَا القَوْل فِي سعد وعزله حِين قذفه أهل الْكُوفَة بِمَا هُوَ بَرِيء مِنْهُ. قلت: عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لم يعلم من مغيب أَمر سعد مَا علمه الشَّارِع من أَمر زيد وَأُسَامَة، وَإِنَّمَا قَالَ عمر لسعد حِين ذكر أَن صلَاته تشبه صَلَاة رَسُول الله ذَلِك الظَّن بك، وَلم يقطع على ذَلِك كَمَا قطع رَسُول الله فِي أَمر زيد: إِنَّه خليق للإمارة، وَقيل: الطاعنون فيهمَا من استصغار سنهما على من قدما عَلَيْهِ من مشيخة الصَّحَابَة، وَقيل: هم المُنَافِقُونَ الَّذِي كَانُوا يطعنون على رَسُول الله ويقبحون آراءه.

34 - (بابُ الألَدِّ الخَصِمِ، وهْوَ الدَّائِمُ فِي الخُصُومَةِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر الألد بِفَتْح الْهمزَة وَاللَّام وَتَشْديد الدَّال الْخصم بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الصَّاد الْمُهْملَة، وَفَسرهُ البُخَارِيّ بقوله وَهُوَ الدَّائِم الْخُصُومَة، أَرَادَ أَن خصومته لَا تَنْقَطِع.
{لُدّاً عُوجاً}

إِلَى قَوْله: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلَسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً} واللد بِضَم اللَّام جمع أَلد، والعوج بِضَم الْعين جمع أَعْوَج، وَفَسرهُ بِهِ وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: أَلد: أَعْوَج، وَفِي تَفْسِير عبد بن حميد من طَرِيق معمر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: قَالَ: جدلاً بِالْبَاطِلِ.

7188 - حدّثنا مُسَدَّدٌ، حدّثنا يَحْياى بنُ سَعِيدٍ، عنِ ابنِ جُرَيْجٍ سَمِعْتُ ابنَ أبي مُلَيْكَةَ يُحَدِّثُ عنْ عائِشَةَ، رَضِي الله عنْها، قالَتْ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبْغَضُ الرَّجال إِلَى الله الألَدُّ الخَصِمُ
انْظُر الحَدِيث 2457 وطرفه
التَّرْجَمَة والْحَدِيث وَاحِد. وَيحيى هُوَ الْقطَّان، وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج، وَابْن أبي مليكَة هُوَ عبد الله، وَاسم أبي مليكَة بِضَم الْمِيم زُهَيْر.
والْحَدِيث مضى فِي الْمَظَالِم عَن أبي عَاصِم وَفِي التَّفْسِير عَن قبيصَة عَن سُفْيَان الثَّوْريّ وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَالَ الْكرْمَانِي: الأبغض هُوَ الْكَافِر، ثمَّ قَالَ: مَعْنَاهُ أبْغض الْكفَّار وَالْكَافِر المعاند، وَأبْغض الرِّجَال المخاصمين الألد الْخصم، وَقيل: الْمَعْنى الثَّانِي هُوَ الأصوب، وَهُوَ أَعم من أَن يكون كَافِرًا أَو مُسلما.

35 - (بابٌ إذَا قَضَى الحاكِمُ بِجَوْرٍ أوْ خِلاَفِ أهْل العِلْمِ فَهْوَ ردٌّ)

أَي: هَذَا بَاب فِيهِ إِذا قضى الْحَاكِم بجور أَي بظُلْم، أَو قضى بِحكم هُوَ يُخَالف أهل الْعلم. قَوْله: قَوْله: فَهُوَ رد جَوَاب: إِذا، أَي: مَرْدُود، يَعْنِي: ينْقض، وَهَذَا لَا خلاف فِيهِ بَين أهل الْعلم، فَإِن كَانَ وَجه الِاجْتِهَاد والتأويل كَمَا صنع خَالِد بن الْوَلِيد، رَضِي الله عَنهُ، على مَا يَأْتِي الْآن، فَإِن الْإِثْم فِيهِ سَاقِط وَالضَّمان لَازم فِي ذَلِك عِنْد عَامَّة أهل الْعلم، إلاَّ أَنهم اخْتلفُوا فِيهِ، فَقَالَت طَائِفَة: إِذا أَخطَأ الْحَاكِم فِي حكمه فِي قتل أَو جراح فديَّة ذَلِك فِي بَيت المَال، وَكَذَا عِنْد الثَّوْريّ وَأبي حنيفَة وَأحمد وَإِسْحَاق، وَعند الْأَوْزَاعِيّ وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ: على عَاقِلَة الإِمَام.

(24/261)


7189 - حدّثنا مَحْمُودٌ، حدّثنا عبْدُ الرَّزَّاقِ، أخبرنَا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ، عنْ سالِمٍ، عنِ ابنِ عُمَرَ بَعَثَ النبيُّ خالِداً ح وحدّثني: نُعَيْمٌ أخبرنَا عبْدُ الله أخبرنَا مَعْمَرٌ، عنِ الزُّهْرِيِّ، عنْ سالِمٍ عنْ أبِيهِ قَالَ: بعَثَ النبيُّ خالِدَ بنَ الوَلِيدِ إِلَى بَني جَذِيمَةَ فَلَمْ يُحْسنُوا أَن يَقولُوا: أسْلمنا، فقالُوا: صَبأْنا صَبأْنا، فَجَعَل خالِدٌ يَقْتُلُ ويأسِرُ، ودَفَعَ إِلَى كلِّ رجُلٍ مِنَّا أسِيرَهُ، فأمَرَ كلَّ رُجلٍ مِنّا أنْ يَقْتُلَ أسِيرَهُ، فَقُلْتُ: وَالله لَا أقْتُلُ أسِيرِي وَلَا يَقْتُلُ رجُلٌ مِنْ أصْحابي أسِيرَهُ، فَذَكَرْنا ذَلِكَ لِلنبيِّ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أبْرَأُ إليْكَ مِمَّا صَنَعَ خالِدُ بنُ الوَلِيدِ، مَرَّتَيْنِ
انْظُر الحَدِيث 4339
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأ إِلَيْك مِمَّا صنع خَالِد يَعْنِي: من قَتله الَّذين قَالُوا: صبأنا، قبل أَن يستفسرهم عَن مُرَادهم بذلك القَوْل، فَإِن فِيهِ إِشَارَة إِلَى تصويب فعل ابْن عمر وَمن تبعه فِي تَركهم مُتَابعَة خَالِد على قتل من أَمرهم بِقَتْلِهِم من الْمَذْكُورين، وَقَالَ الْخطابِيّ: الْحِكْمَة فِي تبريه من فعل خَالِد مَعَ كَونه لم يعاتبه على ذَلِك لكَونه مُجْتَهدا أَن يعرف أَنه لم يَأْذَن لَهُ فِي ذَلِك خشيَة أَن يعْتَقد أحد أَنه كَانَ بِإِذْنِهِ، ولينزجر غير خَالِد بعد ذَلِك عَن فعل مثله. وَقَالَ ابْن بطال: الْإِثْم، وَإِن كَانَ سَاقِطا عَن الْمُجْتَهد فِي الحكم إِذا تبين أَنه بِخِلَاف جمَاعَة أهل الْعلم، لَكِن الضَّمَان لَازم للمخطىء عِنْد الْأَكْثَر مَعَ الِاخْتِلَاف، وَقد بَيناهُ الْآن.
ثمَّ إِنَّه أخرج هَذَا الحَدِيث من طَرِيقين. أَحدهمَا: عَن مَحْمُود بن غيلَان عَن عبد الرَّزَّاق بن همام عَن معمر بن رَاشد عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن سَالم بن عبد الله عَن أَبِيه عبد الله بن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله عَنهُ. وَالْآخر عَن نعيم بِضَم النُّون وَفتح الْعين الْمُهْملَة ابْن حَمَّاد الرفاء بتَشْديد الْفَاء الْمروزِي الْأَعْوَر ذُو التصانيف، امتحن فِي الْقُرْآن وَقيد فَمَاتَ بسامرا سنة تسع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: وحَدثني أَبُو عبد الله نعيم بن حَمَّاد، وَفِي رِوَايَة غَيره: قَالَ أَبُو عبد الله حَدثنِي أَبُو نعيم، وَأَبُو عبد الله هَذَا هُوَ البُخَارِيّ، ونعيم يروي عَن عبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي عَن معمر إِلَى آخِره.
والْحَدِيث مضى فِي الْمَغَازِي فِي: بَاب بعث النَّبِي خَالِد بن الْوَلِيد إِلَى بني جذيمة، وَهِي قَبيلَة من عبد قيس.
قَوْله: صبأنا من صَبأ الرجل إِذا خرج من دين إِلَى دين. قَوْله: مِمَّا صنع خَالِد أَي: من العجلة فِي قَتلهمْ وَترك التثبت فِي أُمُورهم.

36 - (بابُ الإمامُ يأْتِي قَوْماً فَيُصْلِحُ بَيْنَهُمْ)

أَي: هَذَا بَاب فِيهِ: الإِمَام ... إِلَى آخِره، وارتفاع الإِمَام بِالِابْتِدَاءِ وَخَبره: يَأْتِي قوما، قَوْله: فيصلح وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ليصلح بَينهم، بِاللَّامِ بدل الْفَاء وَيجوز إِضَافَة الْبَاب إِلَى الإِمَام أَي: هَذَا بَاب فِي أَمر الإِمَام حَال كَونه يَأْتِي قوما لأجل الْإِصْلَاح بَينهم.

7190 - حدّثنا أبُو النُّعْمانِ، حَدثنَا حَمَّادٌ، أبُو حازِمٍ المَدِينيُّ، عنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: كانَ قِتالٌ بَيْنَ بَني عَمْرٍ وفَبَلَغَ ذلِكَ النبيَّ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أتاهُمْ يُصْلِحُ بَيْنَهُمْ فَلَمَّا حَضَرَتْ صَلاَةُ العَصْرِ فأذَّنَ بِلالٌ وأقامَ وأمَرَ أَبَا بَكْرٍ، فَتَقَدَّمَ وجاءَ النبيُّ وأبُو بَكْرٍ فِي الصلاَةِ، فَشَقَّ النّاسَ حتَّى قامَ خَلْفَ أبي بَكْرٍ فَتَقَدَّمَ فِي الصَّفِّ الّذِي يَلِيهِ، قَالَ: وصَفَّحَ القَوْمُ، وكانَ أبُو بَكْرٍ إِذا دَخَلَ فِي الصَّلاةِ لَمْ يَلْتَفِتْ حتَّى يَفْرُغَ، فَلمَّا رَأى التَّصْفِيحَ لَا يُمْسَكُ عَليْهِ الْتَفَتَ فَرَأى النبيَّ خَلْفَهُ فأوْمَأ إلَيْهِ النبيُّ أنِ امْضِهْ وأوْمَأ بِيَدِهِ هاكَذا، ولَبِثَ أبُو بَكْرٍ

(24/262)


هُنَّيةً يَحْمَدُ الله عَلى قَوْلِ النبيِّ ثمَّ مَشَى القَهْقَراى، فَلمَّا رأى النبيُّ ذالِكَ تَقَدَّمَ فصَلَّى النبيُّ بالنَّاسِ فَلمَّا قَضَى صَلاتَهُ قَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَا مَنَعَكَ إذْ أوْمَأْتُ إلَيْكَ أنْ لَا تكُونَ مَضَيْتَ؟ قَالَ: لَمْ يَكُنْ لابْنِ أبي قُحافَةَ أنْ يَؤُمَّ النَّبيَّ وَقَالَ لِلْقَوْمِ: إِذا نابَكُمْ أمْرٌ فَلْيُسَبِّحِ الرِّجالُ، ولْيُصَفِّح النِّساءُ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل وَحَمَّاد بن زيد، وَكَذَا فِي بعض النّسخ وَأَبُو حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي سَلمَة بن دِينَار الْمدنِي.
والْحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة فِي: بَاب من دخل ليؤم النَّاس.
قَوْله: بَين بني عَمْرو أَي: ابْن عَوْف بِالْفَاءِ وَهِي قَبيلَة. قَوْله: فَأذن بِلَال قيل: لَيْسَ هَذَا مَحل الْفَاء سَوَاء كَانَ: لما، للشّرط أَو للظرفية. وَأجِيب بِأَن جزاءه مَحْذُوف وَهُوَ: جَاءَ الْمُؤَذّن، وَالْفَاء للْعَطْف عَلَيْهِ. قَوْله: فشق النَّاس فَإِن قلت: جَاءَ عَنهُ، أَنه نهى عَن التخطي ... ؟ الحَدِيث. قلت: الإِمَام مُسْتَثْنى من ذَلِك، فَلهُ أَن يتخطى إِلَى مَوْضِعه. وَقَالَ الْمُهلب: الشَّارِع لَيْسَ كَغَيْرِهِ فِي أَمر الصَّلَاة وَغَيرهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ لأحد أَن يتَقَدَّم عَلَيْهِ فِيهَا. قَوْله: وصفح الْقَوْم بتَشْديد الْفَاء من التصفيح وَهُوَ التصفيق وَهُوَ التصويت بِالْيَدِ، قَوْله: لَا يمسك عَلَيْهِ بِلَفْظ الْمَجْهُول، ويروى: عَنهُ. قَوْله: امضه من الْإِمْضَاء وَهُوَ الإنقاذ. قَوْله: هَكَذَا أَي: مُشِيرا بالمكث فِي مَكَانَهُ. قَوْله: هنيَّة مصغر الهنة أَصْلهَا: الهنوة. أَي: زَمَانا يَسِيرا. قَوْله: يحمد الله حَال: أَي: يحمد الله على قَول النَّبِي الْمُسْتَفَاد من الْإِشَارَة بالإمضاء والمكث فِي الْمَكَان، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فَحَمدَ الله بِالْفَاءِ. قَوْله: الْقَهْقَرَى نوع من الْمَشْي وَهُوَ رُجُوع إِلَى خلف. قَوْله: يَا أَبَا بكر أَصله: يَا أَبَا بكر، حذفت الْألف للتَّخْفِيف. قَوْله: إِذا أَي: حِين قَوْله: أَوْمَأت إِلَيْك قَوْله: مضيت أَي: تقدّمت. قَوْله: لم يكن لِابْنِ أبي قُحَافَة بِضَم الْقَاف وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وبالفاء وَهُوَ كنية وَالِد أبي بكر واسْمه عُثْمَان التَّيْمِيّ، أسلم عَام الْفَتْح وعاش إِلَى خلَافَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِنَّمَا قَالَ هَكَذَا وَلم يقل: لي أَو: لأبي بكر تحقيراً لنَفسِهِ واستصغاراً لمرتبته عِنْد رَسُول الله قَوْله: إِذا نابكم بالنُّون أَي: إِذا أَصَابَكُم أَمر ويروى: إِذا رابكم، أَي: سنح لكم حَاجَة فليسبح الرِّجَال أَي: لِيَقُولُوا: سُبْحَانَ الله. قَوْله: وليصفح النِّسَاء من التصفيح، وَقد مر تَفْسِيره، وَهُوَ أَن تضرب بِيَدِهَا على ظهر يَدهَا الْأُخْرَى.

37 - (بابٌ يُسْتَحَبُّ لِلْكاتِبِ أنْ يَكُونَ أمِيناً عاقِلاً)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يسْتَحبّ لكاتب الحكم أَن يكون أَمينا فِي كِتَابَته بَعيدا من الطمع وَلَا يَأْخُذ أَكثر من أُجْرَة الْمثل فِي مَوضِع يجوز لَهُ الْأَخْذ وَلَا يَأْخُذ مثل مَا يَأْخُذ غَالب شُهُود مصر. قَوْله: عَاقِلا يَعْنِي: لَا يكون مغفلاً مثل بعض قُضَاة مصر، لِأَن الْمُغَفَّل يخدع ويضيع حُقُوق النَّاس وَلَا سِيمَا إِذا كَانَ لَا يخرج من كَلَام بعض خواصه من أكالين أَمْوَال النَّاس المفسدين، وَعَن الشَّافِعِي، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: يَنْبَغِي لكاتب القَاضِي أَن يكون عَاقِلا لِئَلَّا يخدع ويحرص على أَن يكون فَقِيها لِئَلَّا يُؤْتى من جَهله، وَيكون بَعيدا.

7191 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ الله أبُو ثابِتٍ، حدّثنا إبْراهِيمُ بنُ سَعْدٍ، عنِ ابنِ شِهابٍ، عنْ عُبيْدِ بن السَّبَّاقِ، عنْ زيْدِ بنِ ثابِتٍ قَالَ: بَعَثَ إلَيَّ أبُو بَكْرٍ لِمقْتَلِ أهْلِ اليَمامَةِ، وعِنْدَهُ عُمَرُ، فَقَالَ أبُو بَكْرٍ: إنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ: إنَّ القَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ يَوْمَ اليَمامةِ بقُرَّاءِ القُرْآنِ، وإنِّي أخْشَى أنْ يَسْتَحِرَّ القَتلُ بِقُرَّاءِ القُرْآنِ فِي المَواطِنِ كُلِّها، فَيَذْهَبَ قُرْآنٌ كَثِير، وإنِّي أرَى أنْ تأَمُرَ بِجَمْعِ القُرآنِ قُلْتُ: كَيْفَ أفْعَلُ شَيْئاً لَمْ يَفْعَلْهُ رسولُ الله فَقَالَ عُمَرُ: هُوَ وَالله خَيْرٌ، فَلَمْ

(24/263)


يَزَلْ عُمَرُ يُراجِعُنِي فِي ذالِكَ حَتَّى شَرَحَ الله صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ صَدْرَ عُمَرَ، ورَأيْتُ فِي ذالِكَ الّذِي رَأى عُمَرُ، قَالَ زَيْدٌ: قَالَ أبُو بَكْرٍ: وإنَّكَ رَجُلٌ شابٌّ عاقِلٌ لَا نَتَّهِمُكَ، قَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الوَحْيَ لِرَسولِ الله فَتَتَبَّعِ القُرْآنَ فاجْمَعْهُ قَالَ زَيْدٌ: فَوالله لَوْ كَلَّفَنِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الجِبالِ مَا كانَ بِأثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا كَلَّفَنِي مِنْ جَمْعِ القُرْآنِ. قُلْتُ: كَيْفَ تَفْعَلانِ شَيْئاً لَمْ يَفْعَلْهُ رسولُ الله قَالَ أبُو بَكْرٍ: هُوَ وَالله خيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ يَحُثُّ مُراجَعتِي حتَّى شَرَح الله صَدْرِي لِلّذي شَرَحَ الله لهُ صَدْرَ أبي بَكْرٍ وعُمَرَ، ورَأيْتُ فِي ذالِكَ الّذِي رَأياً، فَتَبَّعْتُ القُرْآنَ أجْمَعُهُ مِنَ العُسْبِ والرِّقاعِ واللِّخاف وصُدُورِ الرِّجالِ، فَوَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ {لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} إِلَى آخِرِها مَعَ خُزَيْمَةَ: أوْ أبي خُزَيْمَةَ فألْحَقْتُها فِي سُورَتِها، وكانَتِ الصُّحُفُ عِنْدَ أبي بَكْرٍ حَياتَهُ حتَّى تَوَفَّاهُ الله عَزَّ وجَلَّ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَياتَهُ حتَّى تَوَفَّاهُ الله، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ الله: اللِّخافُ، يَعْنِي: الخَزَفَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: وَإنَّك رجل شَاب عَاقل لَا نتهمك
وَمُحَمّد بن عبيد الله بتصغير العَبْد أَبُو ثَابت مولى عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَإِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَعبيد مصغر عبد بن السباق، بِالسِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة الثَّقَفِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي تَفْسِير سُورَة بَرَاءَة وَفِي فَضَائِل الْقُرْآن وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: الْيَمَامَة بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَتَخْفِيف الْمِيم الأولى: جَارِيَة زرقاء كَانَت تبصر الرَّاكِب من مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام، وبلاد الجون منسوبة إِلَيْهَا وَهِي من الْيمن وفيهَا قتل مُسَيْلمَة الْكذَّاب، وَقتل من الْقُرَّاء سَبْعُونَ أَو سَبْعمِائة. قَوْله: استحر أَي: اشْتَدَّ وَكثر. قَوْله: خير يحْتَمل أَن يكون أفعل التَّفْضِيل، وَأَن لَا يكون. قيل: كَيفَ يكون فعلهم خيرا مِمَّا كَانَ فِي زمن رَسُول الله، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم؟ وَأجِيب: يَعْنِي هُوَ خير فِي زمانهم، وَكَذَا التّرْك كَانَ خيرا فِي زَمَانه لعدم تَمام النُّزُول وَاحْتِمَال النّسخ، فَلَو جمعت بَين الدفتين وسارت بِهِ الركْبَان إِلَى الْبلدَانِ ثمَّ نسخ لَأَدَّى ذَلِك إِلَى اخْتِلَاف عَظِيم. قَوْله: من العسب بِضَم الْعين وَسُكُون السِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ جمع عسيب، وَهُوَ جريد النّخل إِذا نزع مِنْهُ الخوص. قَوْله: والرقاع جمع رقْعَة. قَوْله: واللخاف بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة جمع اللخفة وَهُوَ الْحجر الْأَبْيَض، وَقيل: الخزف. قَوْله: مَعَ خُزَيْمَة بن ثَابت الْأنْصَارِيّ قَوْله: أَو أبي خُزَيْمَة شكّ من الرَّاوِي، وَأَبُو خُزَيْمَة بن أَوْس بن يزِيد بن أَصْرَم شهد بَدْرًا وَمَا بعْدهَا من الْمشَاهد وَتُوفِّي فِي خلَافَة عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قيل: قد مر فِي: بَاب جمع الْقُرْآن أَن الْآيَة الَّتِي مَعَ خُزَيْمَة: {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً} من سُورَة الْأَحْزَاب؟ أُجِيب: بِأَن آيَة التَّوْبَة كَانَت عِنْد النَّقْل من العسب إِلَى الصُّحُف، وَآيَة الْأَحْزَاب عِنْد النَّقْل من الصَّحِيفَة إِلَى الْمُصحف قيل: كَيفَ ألحقها بِالْقُرْآنِ وَشَرطه التَّوَاتُر؟ قيل لَهُ: مَعْنَاهُ لم أَجدهَا مَكْتُوبَة عِنْد غَيره، قيل: لما كَانَ متواتراً فَمَا هَذَا التتبع؟ أُجِيب: للاستظهار، لَا سِيمَا وَقد كتب بَين يَدي رَسُول الله وليعلم هَل فِيهَا قِرَاءَة أُخْرَى أم لَا. قيل: مَا وَجه مَا اشْتهر أَن عُثْمَان هُوَ جَامع الْقُرْآن؟ أُجِيب: بِأَن الصُّحُف كَانَت مُشْتَمِلَة على جَمِيع أحرفه ووجوهه الَّتِي نزل بهَا، فَجرد عُثْمَان اللُّغَة القرشية مِنْهَا، أَو كَانَت صحفاً فَجَعلهَا مُصحفا وَاحِدًا جمع النَّاس عَلَيْهَا، وَأما الْجَامِع الْحَقِيقِيّ سوراً وآيات فَهُوَ رَسُول الله بِالْوَحْي.
قَوْله: قَالَ مُحَمَّد بن عبيد الله هُوَ شيخ البُخَارِيّ. فَإِنَّهُ فسر اللخاف بالخزف.

38 - (بابُ كِتابِ الحاكِمِ إِلَى عُمَّالِهِ وَالْقَاضِي إِلَى أمنائِهِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كتاب الْحَاكِم إِلَى عماله، بِضَم الْعين وَتَشْديد الْمِيم جمع عَامل، وَهُوَ الَّذِي يوليه الْحَاكِم على بلد لجمع خراجها.

(24/264)


أَو زَكَاتهَا أَو الصَّلَاة بِأَهْلِهَا أَو التأميل على جِهَاد عدوها، وَكتاب القَاضِي إِلَى أمنائه جمع أَمِين وَهُوَ الَّذِي يوليه القَاضِي فِي ضبط أَمْوَال النَّاس نَحْو الجباة وَالشُّهُود وَالَّذين يَكْتُبُونَ مَعَهم.

7192 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ، أخبرنَا مالِكٌ، عنْ أبي لَيْلى ا. ح وحدّثنا إسْماعِيلُ، حدّثني مالِكٌ، عنْ أبي لَيْلاى بنِ عَبْدِ الله بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ سَهْلٍ، عنْ سَهْلِ بنِ أبي حَثْمَةَ أنَّهُ أخْبَرَهُ هُوَ ورِجالٌ مِنْ كُبَراءِ قَوْمِهِ: أنَّ عَبْدَ الله بنِ سَهْلٍ ومُحَيِّصَةَ خَرَجَا إِلَى خَيْبَرَ مِنْ جَهْدٍ أصابَهُمْ، فأُخْبَرَ مُحَيِّصَةُ أنَّ عَبْدَ الله قَتِلَ وطُرِحَ فِي فَقِيرٍ أوْ عَيْنٍ فأتَى يَهُودَ فَقَالَ: أنْتُم وَالله قَتَلْتُمُوهُ؟ قالُوا: مَا قَتَلناهُ وَالله، ثُمَّ أقْبَلَ حَتَّى قَدِمَ عَلى قَوْمِهِ فَذَكَرَ لَهُمْ وأقْبَلَ هُوَ وأخُوهُ حُوَيْصَةُ، وهْوَ أكْبَرُ مِنْهُ وعَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ سَهْلٍ، فَذَهَبَ لِيَتَكَلَّمَ وهْوَ الَّذِي كَانَ بِخَيْبَرَ، فَقَالَ النبيُّ لِمُحَيِّصَةَ كَبِّرْ كَبِّرْ يُرِيدُ السِّنْ فَتَكَلَّمَ حُوَيْصَةُ ثمَّ تَكَلَّمُ مُحَيِّصَةُ فَقَالَ رسولُ الله إمَّا أنْ يَدُوا صاحِبَكُمْ، وإمَّا أنْ يُؤْذِنُوا بِحرْبٍ فَكَتبَ رسولُ الله إلَيْهِمْ بِهِ فَكُتِبَ مَا قَتَلْناهُ، فَقَالَ رسولُ الله لِحُوَيِّصَةَ ومُحَيِّصَةَ وعَبْدِ الرَّحْمانِ أتَحْلِفُونَ وتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صاحِبِكُمْ قالُوا: لَا. قَالَ: أفَتَحْلِفُ لَكُمْ يَهُودُ؟ قالُوا: لَيْسُوا بِمُسْلِمِينَ، فَوَداهُ رسولُ الله مِنْ عِنْدِهِ مِائَة ناقَةٍ حتَّى أُدْخِلَتِ الدَّارَ، قَالَ سَهْلٌ: فَرَكَضَتْنِي مِنْها ناقَةٌ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: فَكتب رَسُول الله أَي: إِلَى أهل خَيْبَر بِهِ أَي: بالْخبر الَّذِي نقل إِلَيْهِ.
وَأخرجه من طَرِيقين أَحدهمَا: عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن أبي ليلى بِفَتْح اللامين مَقْصُورا ابْن عبد الله بن عبد الرحمان بن سهل بن أبي حثْمَة، وَقيل: أَبُو ليلى هُوَ عبد الله بن سهل بن عبد الرحمان بن سهل، قَالَ الْكرْمَانِي: وَقيل: لم يرو عَنهُ إلاَّ مَالك فَقَط. فَهُوَ نقض على قَاعِدَة البُخَارِيّ حَيْثُ قَالُوا: شَرطه أَن يكون لراويه راويان وَالطَّرِيق الآخر عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس عَن مَالك إِلَى آخِره والْحَدِيث مضى فِي الْقسَامَة.
قَوْله: من كبراء قومه أَي: عظمائهم. قَوْله: أَن عبد الله بن سهل أَي: ابْن زيد بن كَعْب الْحَارِثِيّ محيصة بِضَم الْمِيم وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة، وَأما الْيَاء آخر الْحُرُوف فمشددة مَكْسُورَة أَو مُخَفّفَة سَاكِنة وبإهمال الصَّاد ابْن مَسْعُود بن كَعْب الْحَارِثِيّ. قَوْله: من جهد بِفَتْح الْجِيم الْفقر والاشتداد ونكاية الْعَيْش. قَوْله: وَطرح فِي فَقير بِالْفَاءِ الْمَفْتُوحَة وَالْقَاف الْمَكْسُورَة وَالْيَاء آخر الْحُرُوف الساكنة وَالرَّاء، وَهُوَ فَم الْقَنَاة والحفيرة الَّتِي يغْرس فِيهَا الفسيلة. قَوْله: وَأَخُوهُ حويصة بالمهملتين على وزن محيصة فِي الْوَجْهَيْنِ. قَوْله: وَهُوَ حويصة. قَوْله: كبر أَي: قدم الأسن فِي الْكَلَام. قَوْله: إِمَّا أَن يدوا أَي: إِمَّا أَن يُعْطي الْيَهُود الدِّيَة وَمن ودى إِذا أعْطى الدِّيَة ومضارعه: يَدي أَصله يودي حذفت الْوَاو لوقوعها بَين الْيَاء والكسرة فَصَارَ على وزن: يعل. قَوْله: فَكتب: مَا قَتَلْنَاهُ فِي رِوَايَة الْكشميهني: فَكَتَبُوا، وَهَذَا أوجه. قَالَ الْكرْمَانِي: فَكتب أَي كتب الْحَيّ الْمُسَمّى باليهود، وَفِيه تكلّف، وَقَالَ بَعضهم: وَأقرب مِنْهُ أَن يُرَاد الْكَاتِب عَنْهُم لِأَن الَّذِي يُبَاشر الْكِتَابَة إِنَّمَا هُوَ وَاحِد. قلت: هَذَا أَيْضا فِيهِ تكلّف. وَالْأَقْرَب مِنْهُ والأصوب: كتبُوا، بِصِيغَة الْجمع، وَالْأولَى أَن يكون: كتب، على صِيغَة الْمَجْهُول، وَلَفظ: قَوْله: مَا قَتَلْنَاهُ مَرْفُوع بِهِ محلا أَي: كتب هَذَا اللَّفْظ. قَوْله: أتحلفون؟ قَالَ الْكرْمَانِي: كَيفَ عرضت الْيَمين على الثَّلَاثَة، وَإِنَّمَا هِيَ للْوَارِث خَاصَّة وَهُوَ أَخُوهُ؟ قلت: كَانَ مَعْلُوما عِنْدهم أَن الْيَمين يخْتَص بِهِ فَأطلق الْخطاب لَهُم لِأَنَّهُ كَانَ لَا يعْمل شَيْئا إلاَّ بمشورتهما، إِذْ هُوَ كَانَ كَالْوَلَدِ لَهما. قَوْله: فواده أَي: فَأعْطى دِيَته رَسُول الله إِنَّمَا أعطَاهُ من عِنْده قطعا للنزاع وجبراً لخاطرهم، وإلاَّ فاستحقاقهم لم يثبت.

(24/265)


(بابٌ هَلْ يَجُوزُ لِلْحاكِمِ أنْ يَبْعَثَ رجُلاً وحْدَهُ لِلنَّظَرِ فِي الأمُورِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: هَل يجوز للْحَاكِم أَن يبْعَث رجلا حَال كَونه وَحده للنَّظَر فِي الْأُمُور أَي: فِي أُمُور الْمُسلمين؟ وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والكشميهني: أَن يبْعَث رجلا وَحده ينظر فِي الْأُمُور؟ وَجَوَاب الِاسْتِفْهَام مَحْذُوف لم يذكرهُ اكْتِفَاء بِمَا يُوضح ذَلِك فِي حَدِيث الْبَاب.
وَفِيه خلاف: فَعِنْدَ مُحَمَّد بن الْحسن: لَا يجوز للْقَاضِي أَن يَقُول: أقرّ عِنْدِي فلَان بِكَذَا لَا يقْضِي بِهِ عَلَيْهِ من قتل أَو مَال أَو عتق أَو طَلَاق حَتَّى يشْهد مَعَه على ذَلِك غَيره، وَأجَاب عَن حَدِيث الْبَاب أَنه خَاص بِالنَّبِيِّ، قَالَ: وَيَنْبَغِي أَن يكون فِي مجْلِس القَاضِي أبدا عَدْلَانِ يسمعان من يقر ويشهدان على ذَلِك، فَينفذ الحكم بِشَهَادَتِهِمَا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف: إِذا أقرّ رجل عِنْد القَاضِي بِأَيّ شَيْء كَانَ وَسعه أَن يحكم بِهِ. وَقَالَ ابْن الْقَاسِم على مَذْهَب مَالك: إِن كَانَ القَاضِي عدلا وَحكم بِهِ ينفذ، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي، وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: وَإِن لم يكن عدلا لم يقبل قَوْله. وَقَالَ الْمُهلب: فِي هَذَا الحَدِيث حجَّة لمَالِك فِي جَوَاز إِنْفَاذ الْحَاكِم رجلا وَاحِدًا يَثِق بِهِ يكْشف لَهُ عَن حَال الشُّهُود فِي السِّرّ، كَمَا يجوز قبُول الْفَرد فِيمَا طَرِيقه الْخَبَر لَا الشَّهَادَة، وَقَالَ: وَقد اسْتدلَّ بِهِ قوم فِي جَوَاز تَنْفِيذ الحكم دون إعذار إِلَى الْمَحْكُوم عَلَيْهِ، قَالَ: وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء لِأَن الْإِعْذَار يشْتَرط فِيمَا كَانَ الحكم فِيهِ بِالْبَيِّنَةِ لَا مَا كَانَ بِالْإِقْرَارِ كَمَا فِي هَذِه الْقِصَّة، لقَوْله فَإِن اعْترفت.

7193 -، 7194 حدّثنا آدَمُ، حَدثنَا ابنُ أبي ذِئْبٍ، حدّثنا الزُّهْرِيُّ، عنْ عُبَيْدِ الله، بنِ عَبْدِ الله عنْ أبي هُرَيْرَةَ، وزَيْدِ بنِ خالِدٍ الجُهَنيِّ قَالَا: جاءَ أعْرابيٌّ فَقَالَ: يَا رسولَ الله اقْضِ بَيْنَنا بِكِتابِ الله فقامَ خَصْمُهُ فَقَالَ: صَدَقَ، فاقْضِ بَيْنَنا بِكِتابِ الله. فَقَالَ الأعْرَابِيُّ: إنَّ ابْني كانَ عَسِيفاً عَلى هَذَا فَزَنَى بامْرَأتِهِ، فقالُوا لي: عَلى ابْنِكَ الرَّجْمُ، فَفَدَيْتُ ابْني مِنْهُ بِمائَةٍ مِنَ الغَنَمِ وَوَلِيدَةٍ. ثُمَّ سألْتُ أهْلَ العِلْمِ فقالُوا: إنَّما عَلى ابْنِكَ جَلْدُ مائَةٍ وتَغْرِيبُ عامٍ، فَقَالَ النبيُّ لأقْضَيَنَّ بَيْنَكُما بِكِتاب الله أمَّا الوَلِيدَةُ والغَنَمُ فَرَدُّ عَلَيْكَ، وعَلى ابْنِكَ جَلْدُ مائَةٍ وتَغْرِيبُ عامٍ، وأمَّا أنْتَ يَا أنَيْسُ لِرَجُلٍ فاغْدُ عَلى امْرَأةِ هاذَا فارْجُمْها فَغَدَا عَليْها أُنَيْسٌ فَرَجَمَها.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: فاغد يَا أنيس على امْرَأَة هَذَا
وَشَيخ البُخَارِيّ آدم بن إِيَاس واسْمه عبد الرَّحْمَن أَصله من خُرَاسَان سكن عسقلان وَهُوَ من أَفْرَاده، وَابْن أبي ذِئْب مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْمُغيرَة بن الْحَارِث بن أبي ذِئْب بِكَسْر الذَّال الْمُعْجَمَة واسْمه هِشَام، وَالزهْرِيّ مُحَمَّد بن مُسلم، وَعبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة.
والْحَدِيث مضى مكرراً فِي الشُّرُوط عَن قُتَيْبَة، وَفِي الْوكَالَة عَن أبي الْوَلِيد وَفِي الصُّلْح عَن آدم وَفِي النذور عَن إِسْمَاعِيل وَفِي الْمُحَاربين عَن عبد الله بن يُوسُف وَعَن عَاصِم بن عَليّ وَعَن مَالك بن إِسْمَاعِيل وَغير ذَلِك، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: كَانَ عسيفاً أَي: أَجِيرا قَوْله: لأقضين بَيْنكُمَا بِكِتَاب الله أَي: بِحكم الله وَلَيْسَ هُوَ فِي كتاب الله صَرِيحًا. قَوْله: ووليدة هِيَ الْجَارِيَة. قَوْله: فَرد أَي: مَرْدُود يجب الرَّد عَلَيْك. قَوْله: يَا أنيس مصغر أنس ابْن الضَّحَّاك الْأَسْلَمِيّ على الْأَصَح وَالْمَرْأَة كَانَت أسلمية. قَوْله: فارجمها يَعْنِي: إِن اعْترفت فارجمها، صرح بِهِ فِي سَائِر الرِّوَايَات.

(بابُ تَرْجَمَةِ الحُكّام، وهَلْ يَجُوزُ تُرْجُمانٌ واحِدٌ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان تَرْجَمَة الْحُكَّام، جمع حَاكم، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني تَرْجَمَة الْحَاكِم بِالْإِفْرَادِ التَّرْجَمَة تَفْسِير الْكَلَام بِلِسَان غير لِسَانه، يُقَال: ترْجم كَلَامه إِذا فسره بِلِسَان آخر، وَمِنْه الترجمان، وَالْجمع التراجم. قَالَ الْجَوْهَرِي: وَلَك أَن تضم التَّاء لضم الْجِيم فَتَقول: ترجمان. قَوْله: وَهل يجوز ترجمان وَاحِد؟ إِنَّمَا ذكره بالاستفهام لأجل الْخلاف الَّذِي فِيهِ. فَعِنْدَ أبي حنيفَة وَأحمد يكْتَفى بِوَاحِد، وَاخْتَارَهُ البُخَارِيّ وَابْن الْمُنْذر وَآخَرُونَ. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي الْأَصَح: إِذا لم يعرف الْحَاكِم لِسَان الْخصم

(24/266)


لَا يقبل فِيهِ إلاَّ عَدْلَانِ كَالشَّهَادَةِ، وَقَالَ أَشهب وَابْن نَافِع عَن مَالك وَابْن حبيب عَن مطرف وَابْن الْمَاجشون: إِذا اخْتصم إِلَى القَاضِي من لَا يتَكَلَّم بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَا يفقه كَلَامه فليترجم لَهُ عَنْهُم ثِقَة مُسلم مَأْمُون، وَاثْنَانِ أحب إليّ، وَالْمَرْأَة تجزىء، وَلَا يقبل تَرْجَمَة كَافِر، وَشرط الْمَرْأَة عِنْد من يرَاهُ أَن تكون عدلة، وَلَا يترجم من لَا تجوز شَهَادَته.

7195 - وَقَالَ خارِجَةُ بنُ زَيْدِ بنِ ثابِتٍ: عنْ زَيْدِ بنِ ثابِتٍ، أنَّ النبيَّ أمَرَهُ أنْ يَتَعَلّمَ كِتابَ اليَهُودِ حتَّى كَتَبْتُ لِلنبيِّ كُتُبَهُ وأقْرَأتُهُ كُتُبَهُمْ إذَا كَتَبُوا إلَيْهِ.
هَذَا التَّعْلِيق من الْأَحَادِيث الَّتِي لم يُخرجهَا البُخَارِيّ إلاَّ معلقَة وَقد وَصله مطولا فِي كتاب التَّارِيخ عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس: حَدثنِي عبد الرحمان بن أبي الزِّنَاد عَن أَبِيه عَن خَارِجَة بن زيد بن ثَابت الحَدِيث.
قَوْله: كتاب الْيَهُود أَي: كتابتهم يَعْنِي: خطهم، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: كتاب الْيَهُودِيّ. بياء النِّسْبَة. قَوْله: حَتَّى كتبت بِلَفْظ الْمُتَكَلّم. قَوْله: كتبه يَعْنِي: إِلَيْهِم. قَوْله: وَأَقْرَأْته كتبهمْ يَعْنِي: الَّتِي يكتبونها إِلَيْهِ.
وَقَالَ عُمَرُ وعِنْدَهُ عَلِيٌّ وعَبْدُ الرَّحْمانِ وعُثْمانُ: ماذَا تَقُولُ هَذِهِ؟ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ حاطِبٍ: فَقُلْت: تخْبِرُكَ بِصاحِبِهما الَّذِي صَنَعَ بِهِما.
أَي: قَالَ عمر بن الْخطاب. وَالْحَال أَن عِنْده عَليّ بن أبي طَالب وَعبد الرحمان بن عَوْف وَعُثْمَان بن عَفَّان، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، قَوْله: مَاذَا تَقول هَذِه؟ مقول عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَأَشَارَ بقوله: هَذِه، إِلَى امْرَأَة كَانَت حَاضِرَة عِنْدهم، فترجم عبد الرحمان بن حَاطِب بن أبي بلتعة مترجماً عَنْهَا لعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بإخبارها عَن فعل صَاحبهمَا، وَهِي كَانَت نوبية بِضَم النُّون وَسُكُون الْوَاو وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف أَعْجَمِيَّة من جملَة عُتَقَاء حَاطِب، وَقد زنت وحملت فأقرت أَن ذَلِك من عبد اسْمه: برغوس، بالراء والغين الْمُعْجَمَة وبالسين الْمُهْملَة بِدِرْهَمَيْنِ، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله عبد الرَّزَّاق وَسعد بن مَنْصُور من طرق عَن يحيى بن عبد الرحمان بن حَاطِب عَن أَبِيه نَحوه.
وَقَالَ أبُو جَمْرَةَ: كُنْتُ أُتَرْجِمُ بَيْنَ ابنِ عباسٍ وبَيْنَ النَّاس.
أَبُو جَمْرَة بِالْجِيم وَالرَّاء واسْمه نصر بن عمرَان الضبعِي الْبَصْرِيّ. وَأخرجه النَّسَائِيّ بِزِيَادَة بعد قَوْله: وَبَين النَّاس، وأتته امْرَأَة فسالته عَن نَبِيذ الْجَرّ فَنهى عَنهُ ... الحَدِيث.
وَقَالَ بَعْضُ النّاسِ: لَا بُدَّ لِلْحاكِمِ مِنْ مُتَرْجِمَيْنِ.
قَالَ الْكرْمَانِي: قَالَ مغلطاي الْمصْرِيّ: كَأَنَّهُ يُرِيد بِبَعْض النَّاس الشَّافِعِي، وَهُوَ رد لقَوْل من قَالَ: إِن البُخَارِيّ إِذا قَالَ: بعض النَّاس، أَرَادَ بِهِ أَبَا حنيفَة، ثمَّ قَالَ الْكرْمَانِي: أَقُول غرضهم بذلك غَالب الْأَمر أَو فِي مَوضِع تشنيع عَلَيْهِ وقبح الْحَال، أَو أَرَادَ بِهِ هَاهُنَا أَيْضا بعض الْحَنَفِيَّة، لِأَن مُحَمَّد بن الْحسن قَالَ بِأَنَّهُ لَا بُد من اثْنَيْنِ، غَايَة مَا فِي الْبَاب أَن الشَّافِعِيَّة أَيْضا قَائِل بِهِ، لَكِن لم يكن مَقْصُودا بِالذَّاتِ انْتهى. وَقَالَ بَعضهم: المُرَاد بِبَعْض النَّاس مُحَمَّد بن الْحسن فَإِنَّمَا الَّذِي اشْترط أَنه لَا بُد فِي التَّرْجَمَة من اثْنَيْنِ، ونزلها منزلَة الشَّهَادَة. وَوَافَقَهُ الشَّافِعِي فَتعلق بذلك مغلطاي، فَقَالَ: فِيهِ رد لقَوْل من قَالَ: إِن البُخَارِيّ ... الخ. قلت: سُبْحَانَ الله مَا هَذَا التعصب الْبَاطِل حَتَّى يوقعوا بِهِ أنفسهم فِي الْمَحْذُور فمآله لكرماني الَّذِي طرح جِلْبَاب الْحيَاء وَبقول أَو فِي مَوضِع تشنيع عَلَيْهِ وقبح الْحَال وَمَا التشنيع وقبح الْحَال، إِلَّا على من يتَكَلَّم فِي الْأَئِمَّة الْكِبَار الَّذين سَبَقُوهُمْ بِالْإِسْلَامِ وَقُوَّة الدّين وَكَثْرَة الْعلم وَشدَّة الْوَرع والقرب من زمن النَّبِي وَمَعَ هَذَا فالكرماني مَا جزم بِأَن مُرَاد البُخَارِيّ بِبَعْض النَّاس أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد بن الْحسن لِأَنَّهُ ردد فِي كَلَامه، وَالْعجب من بَعضهم الَّذِي جزم بِأَن المُرَاد بِهِ مُحَمَّد بن الْحسن، فهروبهم عَن المُرَاد بِهِ الشَّافِعِي مثل مَا ذكره الشَّيْخ

(24/267)


عَلَاء الدّين مغلطاي، لماذا وَالْحَال أَن المُرَاد لَو كَانَ الشَّافِعِي لما يلْزم بِهِ النَّقْص للشَّافِعِيّ وَلَا ينقص من جلالة قدره شَيْء، على أَن البُخَارِيّ لَا يراع الشَّافِعِي قطّ، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَنه مَا روى عَنهُ قطّ فِي جَامعه الصَّحِيح وَلَو كَانَ يعْتَرف بِهِ لروى عَنهُ كَمَا روى عَن الإِمَام مَالك جملَة مستكثرة، وَكَذَلِكَ روى عَن أَحْمد بن حَنْبَل فِي آخر الْمَغَازِي فِي مُسْند بُرَيْدَة أَنه: غزا مَعَ النَّبِي سِتّ عشرَة غَزْوَة، وَقَالَ فِي كتاب الصَّدقَات: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ حَدثنَا أبي حَدثنَا ثُمَامَة ... الحَدِيث، ثمَّ قَالَ عَقِيبه: وَزَادَنِي أَحْمد بن حَنْبَل عَن مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ، وَقَالَ فِي كتاب النِّكَاح: قَالَ لنا أَحْمد بن حَنْبَل.

7196 - حدّثنا أبُو اليمانِ، أخبرنَا شُعَيْبٌ، عنِ الزهْرِيِّ أَخْبرنِي عُبَيْدُ الله بنُ عبْدِ الله أنَّ عَبْدَ الله بنَ عَبَّاسٍ أخبرَهُ أنَّ أَبَا سُفْيانَ بنَ حَرْبٍ أخبَرَهُ أنَّ هِرْقَلْ أرْسَلَ إلَيْهِ فِي ركْبٍ مِنْ قُرَيشٍ ثُمَّ، قَالَ لِتَرْجُمانِهِ: قُلْ لَهُمْ: إنِّي سائِلٌ هاذا، فإنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ، فَذَكَرَ الحَدِيثَ، فَقَالَ للتَّرْجمانِ: قُلْ لهُ: إنْ كانَ مَا تَقُولُ حَقّاً فَسَيمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هاتَيْنِ.
قَالَ الْكرْمَانِي ذكر تَرْجَمَة الْحَاكِم وَلَا حكم فِيهَا، وَنصب الْأَدِلَّة فِي غير مَا ترْجم عَلَيْهِ. قلت: غَرَض البُخَارِيّ ذكر لفظ التَّرْجَمَة لَيْسَ إلاَّ وَلَيْسَ مُرَاده الحكم بالترجمة. وَرِجَال الحَدِيث قد تكَرر ذكرهم، وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع. والْحَدِيث مضى فِي أول الْكتاب مطولا. وَأَبُو سُفْيَان اسْمه صَخْر بن حَرْب.

41 - (بابُ مُحاسَبَةِ الإمامِ عُمَّالَهُ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان محاسبة الإِمَام عماله، بِضَم الْعين جمع عَامل.

7197 - حدّثنا مُحَمَّدٌ، أخبرنَا عَبْدَة، حدّثنا هِشامُ بنُ عُرْوَةَ، عنْ أبِيهِ عنْ أبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أنَّ النبيَّ اسْتَعْمَلَ ابنَ الأُتَبِيَّةِ عَلى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ، فَلَمَّا جاءَ إِلَى رسُولِ الله وحاسبَهُ قَالَ: هَذَا الّذِي لَكُمْ وهاذِهِ هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لي، فَقَالَ رسولُ الله فَهَلَّا جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أبِيكِ وبَيْتِ أُمِّكَ حتَّى تأتِيَكَ هَدَيَّتُكَ إنْ كُنْتَ صَادِقا ثُمَّ قامَ رسولُ الله فَخَطَبَ النَّاسَ وحَمِدَ الله وأثْنى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أمَّا بَعْدُ فإنِّي اسْتَعْمِلُ رِجالاً مِنْكُمْ عَلى أُمُور مِمَّا ولَّاني الله، فَيأتِي أحَدُكُمْ فَيَقُولُ: هاذا لَكُمْ وهاذِهِ هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي، فَهَلاَّ جَلَسَ فِي بَيْتِ أبِيهِ وبَيْتِ أُمِّهِ حتَّى تأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ إنْ كَانَ صَادِقا؟ فَوالله لَا يَأخُذُ أحَدُكُمْ مِنْها شَيْئاً قَالَ هِشامٌ: بِغَيْرِ حَقِّهِ إلاّ جاءَ الله يَحْمِلُهُ يَوْمَ القِيامَةِ، أَلا فَلاَ أعْرفَنَّ مَا جاءَ الله رجُلٌ بِبَعِيرٍ لَهُ رُغاءٌ، أوْ بِبَقَرَةٍ لَها خُوارٌ، أوْ شاةٍ تَيْعَرُ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حتَّى رَأيْتُ بَياضَ إبْطَيْهِ: أَلا هَلْ بَلَّغْتُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَمُحَمّد هُوَ ابْن سَلام، وَعَبدَة هُوَ ابْن سُلَيْمَان.
والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي: بَاب هَدَايَا الْعمَّال، وَمضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.
قَوْله: ابْن الأتبية بِضَم الْهمزَة وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَيُقَال: ابْن اللتبية بِاللَّامِ بدل الْهمزَة واسْمه عبد الله. قَوْله: فَهَلا جلس هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَفِي رِوَايَة غَيره: أَلا، وهما بِمَعْنى. قَوْله: فَلَا أَعرفن بِلَفْظ النَّهْي ويروى: فلأعرفن، وَاللَّام جَوَاب الْقسم. قَوْله: مَا جَاءَ الله أَي: مَجِيئه ربه وَكلمَة: مَا، مَصْدَرِيَّة أَو مَوْصُوفَة أَي: رجل جَاءَ الله. قَوْله: رجل بِبَعِير أَي: يَجِيء رجل بِبَعِير أَو هُوَ خبر مُبْتَدأ أَي: هُوَ رجل. قَوْله: تَيْعر بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَفتحهَا من

(24/268)


اليعارة وَهُوَ صَوت الْغنم. قَوْله: أَلا كلمة تَنْبِيه وحث على مَا يَجِيء بعْدهَا.

42 - (بابُ بِطانَةِ الإمامِ وأهْلِ مَشُورَتِهِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان بطانة الإِمَام، وَيَجِيء تَفْسِير البطانة الْآن. قَوْله: وَأهل مشورته من عطف الْخَاص على الْعَام، والمشورة بِفَتْح الْمِيم وَضم الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْوَاو وَفتح الرَّاء وَهُوَ اسْم من: شاورت فلَانا فِي كَذَا، وَتَشَاوَرُوا واستشوروا، والشورى التشاور، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: المشورة الشورى، وَكَذَا المشورة بِضَم الشين، تَقول مِنْهُ: شاورته فِي الْأَمر واستشرته بِمَعْنى. انْتهى. قلت: قد يُنكر سُكُون الشين فِيهِ. وَهَذَا كَلَام الْجَوْهَرِي يدل على صِحَّته، وَحَاصِل معنى شاورته: عرضت عَلَيْهِ أَمْرِي حَتَّى يدلني على الصَّوَاب مِنْهُ.
البِطانَةُ: الدُّخَلاءُ.
البطانة بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة الصاحب الوليجة والدخيل والمطلع على السريرة، وَفَسرهُ البُخَارِيّ بقوله: الدخلاء، وَهُوَ جمع دخيل وَهُوَ الَّذِي يدْخل على الرئيس فِي مَكَان خلوته ويفضي إِلَيْهِ بسره ويصدقه فِيمَا يخبر بِهِ مِمَّا يخفى عَلَيْهِ من أَمر رَعيته وَيعْمل بِمُقْتَضَاهُ.

7198 - حدّثنا أصْبَغُ، أخبرنَا ابنُ وَهْبٍ، أَخْبرنِي يُونُسُ، عنِ ابنِ شِهابٍ، عنْ أبي سَلَمَةَ، عنْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، عنِ النَّبيِّ قَالَ: مَا بَعَثَ الله مِنْ نَبِيَ وَلَا اسْتَخْلَفَ مِنْ خَلِيفَةٍ إلاّ كانَتْ لهُ بِطانَتانِ: بِطانَةٌ تَأمُرُهُ بِالمَعْرُوفِ وتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وبِطانَةٌ تَأمُرُه بِالشَّرِّ وتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، فالمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ الله تَعَالَى
انْظُر الحَدِيث 6611
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأصبغ هُوَ ابْن الْفرج الْمصْرِيّ، وَابْن وهب هُوَ عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد الْأَيْلِي، وَابْن شهَاب مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرحمان بن عَوْف، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ واسْمه سعد بن مَالك.
والْحَدِيث مضى فِي الْقدر عَن عَبْدَانِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْبيعَة وَفِي السّير عَن يُونُس بن عبد الْأَعْلَى عَن عبد الله بن وهب بِهِ. قَوْله: مَا بعث الله من نَبِي وَلَا اسْتخْلف من خَليفَة وَفِي رِوَايَة صَفْوَان بن سليم: مَا بعث الله من نَبِي وَلَا بعده من خَليفَة، وَوَقع فِي رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ وَمُعَاوِيَة بن سَلام: مَا من والٍ، وَهُوَ أَعم. قَوْله: بِالْمَعْرُوفِ فِي رِوَايَة سُلَيْمَان بِالْخَيرِ. قَوْله: وتحضه بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالضَّاد الْمُعْجَمَة الْمُشَدّدَة أَي: يرغبه فِيهِ ويدله عَلَيْهِ. فَإِن قلت: هَذَا التَّقْسِيم مُشكل فِي حق النَّبِي قلت: فِي بَقِيَّة الحَدِيث الْإِشَارَة إِلَى سَلامَة النَّبِي من بطانة الشَّرّ بقوله: والمعصوم من عصم الله وَهُوَ مَعْصُوم لَا شكّ فِيهِ. وَلَا يلْزم من وجود من يُشِير على النَّبِي بِالشَّرِّ أَن يقبل مِنْهُ. وَقيل: المُرَاد بالبطانتين فِي حق النَّبِي الْملك والشيطان، وشيطانه قد أسلم فَلَا يَأْمُرهُ إلاَّ بِخَير. قَوْله: والمعصوم من عصم الله أَي: من عصمه الله، وَكَذَا فِي بعض الرِّوَايَة وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَي لكل نَبِي وَخَلِيفَة جلساء صَالِحَة وجلساء طالحة، والمعصوم من عصمه الله من الطالحة، أَو لكل مِنْهُمَا نفس أَمارَة بالسوء وَنَفس لوامة، والمعصوم من أعطَاهُ الله نفسا مطمئنة، أَو لكل قُوَّة ملكية وَقُوَّة حيوانية والمعصوم من رجح الله لَهُ جَانب الملكية، قَالَ الْمُهلب: غَرَضه إِثْبَات الْأُمُور لله تَعَالَى، فَهُوَ الَّذِي يعْصم من نزغات الشَّيَاطِين والمعصوم من عصمه الله لَا من عصم نَفسه.
وَقَالَ سُلَيْمانُ عنْ يَحْياى: أَخْبرنِي ابنُ شِهابٍ بِهاذا.
سُلَيْمَان هُوَ ابْن بِلَال، وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْأنْصَارِيّ. قَوْله: بِهَذَا، أَي: بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور، وَوَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ

(24/269)


من طَرِيق أَيُّوب بن سُلَيْمَان بن بِلَال عَن أبي بكر بن أبي أويس عَن سُلَيْمَان بن بِلَال، قَالَ: قَالَ يحيى بن سعيد: أَخْبرنِي ابْن شهَاب ... فَذكره.
وَعَن ابْن أبي عَتِيقٍ ومُوساى عنِ ابنِ شهَاب، مِثْلَهُ.
هَذَا عطف على يحيى بن سعيد، وَابْن أبي عَتيق هُوَ مُحَمَّد بن عبد الرحمان بن أبي بكر الصّديق، ومُوسَى هُوَ ابْن عقبَة وَوَصله الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق أبي بكر بن أبي أويس عَن سُلَيْمَان بن بِلَال عَن مُحَمَّد بن أبي عَتيق ومُوسَى بن عقبَة بِهِ. قَوْله: مثله، أَي: مثل الحَدِيث الْمَذْكُور، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَالْفرق بَينهمَا أَي: بَين قَوْله: بِهَذَا، وَبَين قَوْله: مثله، أَن الْمَرْوِيّ فِي الطَّرِيق الأول هُوَ الحَدِيث الْمَذْكُور بِعَيْنِه، وَفِي الثَّانِي هُوَ مثله. وَقَالَ بَعضهم: وَلَا يظْهر بَين هذَيْن فرق. قلت: كَيفَ يَنْفِي الْفرق وَمثل الشَّيْء غير عينه.
وَقَالَ شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ: حدّثني أَبُو سَلَمَةَ عنْ أبي سَعِيدٍ قَوْلَهُ.
شُعَيْب هُوَ ابْن أبي حَمْزَة الْحِمصِي يَعْنِي: روى شُعَيْب عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، قَالَ: حَدثنِي أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ. قَوْله: يَعْنِي لم يرفعهُ بل جعله من كَلَام أبي سعيد، وانتصاب: قَوْله، بِنَزْع الْخَافِض أَي: من قَوْله. قيل: هَذِه الرِّوَايَة الْمَوْقُوفَة وَصلهَا الذهلي فِي الزهريات
وَقَالَ الأوْزاعِيُّ ومُعاوِيَةُ بنُ سَلامٍ: حدّثني الزُّهْرِيُّ حدّثني أبُو سَلَمَةَ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ
الْأَوْزَاعِيّ هُوَ عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو، وَمُعَاوِيَة بن سَلام بتَشْديد اللَّام الدِّمَشْقِي أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن الْأَوْزَاعِيّ وَمُعَاوِيَة خالفا من تقدم فَجعلَا الحَدِيث عَن أبي هُرَيْرَة بدل أبي سعيد، وخالفا شعيباً أَيْضا فَإِن شعيباً وَقفه وهما رَفَعَاهُ، فرواية الْأَوْزَاعِيّ وَصلهَا أَحْمد من رِوَايَة الْوَلِيد بن مُسلم عَنهُ، وَرِوَايَة مُعَاوِيَة بن سَلام وَصلهَا النَّسَائِيّ من رِوَايَة معمر بِالتَّشْدِيدِ بن يعمر بِفَتْح الْبَاء وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة: حَدثنَا مُعَاوِيَة بن سَلام حَدثنَا الزُّهْرِيّ حَدثنِي أَبُو سَلمَة أَن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ ... فَذكره.
وَقَالَ ابنُ أبي حُسَيْنٍ وسَعيدُ بنُ أبي زِيادٍ عنْ أبي سَلَمَةَ عنْ أبي سَعيدٍ قَوْلَهُ.
ابْن أبي حُسَيْن هُوَ عبد الله بن عبد الرحمان بن أبي حُسَيْن النَّوْفَلِي الْمَكِّيّ، وَسَعِيد بن أبي زِيَادَة الْأنْصَارِيّ الْمدنِي من صغَار التَّابِعين روى عَن جَابر وَحَدِيثه عَنهُ عِنْد أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَمَاله راوٍ إلاَّ سعيد بن أبي هِلَال، وَقد قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: مَجْهُول، وَمَا لَهُ فِي البُخَارِيّ ذكر إلاَّ فِي هَذَا الْموضع.
وَقَالَ عُبَيْدُ الله بنُ أبي جَعْفَرٍ: حدّثني صَفْوَانُ عنْ أبي سَلمَةَ عنْ أبي أيُّوبَ قَالَ: سَمِعْتُ النبيَّ
عبيد الله بن أبي جَعْفَر اسْمه يسَار ضد الْيَمين الْمصْرِيّ من التَّابِعين الصغار، وَصَفوَان هُوَ ابْن سليم بِالضَّمِّ مولى آل عَوْف، وَأَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ اسْمه خَالِد بن زيد، وَوصل هَذَا الطَّرِيق النَّسَائِيّ من طَرِيق اللَّيْث عَن عبيد الله بن جَعْفَر عَن صَفْوَان عَن أبي سَلمَة عَن أبي أَيُّوب، قَالَ الْكرْمَانِي: والْحَدِيث مَرْفُوع من ثَلَاثَة أنفس من الصَّحَابَة. قلت: هم أَبُو سعيد وَأَبُو هُرَيْرَة وَأَبُو أَيُّوب.

43 - (بابٌ كَيْفَ يُبايِعُ الإمامُ النَّاس)

أَي: هَذَا بَاب فِيهِ كَيفَ يُبَايع الإِمَام النَّاس، قيل: المُرَاد بالكيفية الصِّيَغ القولية لَا الفعلية بِدَلِيل مَا ذكره فِيهِ سِتّ أَحَادِيث،

(24/270)


وَهِي الْبيعَة على السّمع وَالطَّاعَة وعَلى الْهِجْرَة وعَلى الْجِهَاد وعَلى الصَّبْر وعَلى عدم الْفِرَار وَلَو وَقع الْمَوْت وعَلى بيعَة النِّسَاء وعَلى الْإِسْلَام، وكل ذَلِك وَقع عِنْد الْبيعَة بَينهم بالْقَوْل.

حدّثنا إسْماعِيلُ، حدّثني مالِكٌ عنْ يَحْياى بنِ سَعيدٍ قَالَ أَخْبرنِي عُبادَةُ بنُ الوَلِيدِ أَخْبرنِي أبي عنْ عُبادَةَ بنِ الصَّامِتِ قَالَ: بايَعْنا رسولَ الله عَلى السَّمْعِ والطّاعَةِ فِي المَنْشَطِ والمَكْرَهِ. وأنْ لَا نُنازِعَ الأمْرَ أهْلَهُ، وأنْ نَقُومَ أَو نَقُولَ بالحَقِّ حَيْثُما كُنَّا لَا نَخافُ فِي الله لَوْمَةَ لائِمٍ.
ي: 7205، 7272
وَيحيى هُوَ الْقطَّان، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: عبد الْملك هُوَ ابْن مَرْوَان بن الحكم الْأمَوِي، وَالْمرَاد باجتماع النَّاس عَلَيْهِ عقدهم لَهُ بالخلافة وَكَانَ بُويِعَ لَهُ فِي حَيَاة أَبِيه، فَلَمَّا مَاتَ أَبوهُ فِي ثَالِث رَمَضَان فِي سنة خمس وَسِتِّينَ جددت لعبد الْملك الْبيعَة بِدِمَشْق ومصر وأعمالهما، واستقرت يَده على مَا كَانَت يَد أَبِيه عَلَيْهِ. قَوْله: كتب أَي: ابْن عمر إِنِّي أقرّ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة إِلَى آخِره. قَوْله: مَا اسْتَطَعْت أَي: قدر استطاعتي. قَوْله: إِن بني قد أقرُّوا بذلك أَي: بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة، وأبناؤه هم عبد الله وَأَبُو بكر وَأَبُو عُبَيْدَة وبلال وَعمر أمّهم صَفِيَّة بنت أبي عبيد بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ وَعبد الرحمان أمه أم عَلْقَمَة بنت نافس

(24/271)


بن وهب وَسَالم وَعبيد الله وَحَمْزَة أمّهم أم ولد وَزيد أمه أم وَلَده.

7204 - حدّثنا يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، حدَّثنا هُشيمٌ، أخبرنَا سَيَّارٌ، عَن الشعبيِّ، عَن جرير بن عبد الله قَالَ: بايعتُ النبيّ على السّمع وَالطَّاعَة، فلقنني: فِيمَا است

7205 - حدّثنا عَمْرو بن عَليّ، حَدثنَا يحيى عَن سُفْيَان قَالَ: حَدثنِي عبد الله بن دِينَار قَالَ: لما بَايع النَّاس عبد الْملك كتب إِلَيْهِ عبدُ الله بن عمر: إِلَى عبد الله عبد الْملك أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِنِّي أُقر بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة لعبد الله عبد الْملك أَمِير الْمُؤمنِينَ على سنة الله وَسنة رَسُوله، فِيمَا اسْتَطَعْت، وَإِن بني قد أقرُّوا بذلك
انْظُر الحَدِيث 7203 وطرفه

7206 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ، حَدثنَا حاتِمٌ عنْ يَزِيدَ قَالَ: قُلْتُ لِسَلَمَةَ: عَلى أيِّ شَيءٍ بايَعْتُمُ النبيَّ يَوْمَ الحُدَيْبيَةِ قَالَ: عَلى المَوْتِ.
انْظُر الحَدِيث 2960 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وحاتم بِالْحَاء الْمُهْملَة ابْن إِسْمَاعِيل الْكُوفِي سكن الْمَدِينَة، وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن أبي عبيد مولى سَلمَة بن الْأَكْوَع يروي عَن مَوْلَاهُ سَلمَة بن الْأَكْوَع وَهُوَ الْقَائِل لَهُ: على أَي شَيْء بايعتم
قَوْله: على الْمَوْت يَعْنِي: لَا نفر وَإِن قتلنَا، وَهَذَا الحَدِيث مُخْتَصر، وَتَمَامه فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بَاب الْبيعَة على الْحَرْب أَن لَا يَفروا.

7207 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدِ بنِ أسْماءَ، حدّثنا جُوَيْرِيَةُ، عنْ مالِكٍ عنِ الزُّهْرِيِّ أنَّ حُمَيْدَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمانِ، أخْبَرَهُ أنَّ المِسْوَرَ بنَ مَخْرَمَةَ أخبرهُ أنَّ الرَّهْطَ الّذِينَ وَلاهُمْ عُمَرُ اجْتَمَعُوا فَتَشاوَرُوا فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ الرَّحْمان: لَسْتُ بِالّذِي أنافِسُكُمْ عَلى هاذَا الأمْرِ، ولاكِنَّكُمْ إنْ شئْتُمُ اخْتَرْتُ لَكُمْ مِنْكُمُ، فَجَعَلُوا ذالِكَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمانِ، فَلمَّا وَلَّوْا عَبْدَ الرَّحْمانِ أمْرَهُمْ فمالَ النَّاسُ عَلى عَبْدِ الرَّحْمانِ حتَّى مَا أراى أحدا مِنَ النَّاسِ يَتْبَعُ أُولائِكَ الرَّهْطَ وَلَا يَطَأَ عَقِبَهُ، ومالَ النَّاسُ عَلى عَبْدِ الرَّحْمانِ يُشاوِرُونَهُ تِلْكَ اللّيالي، حتَّى إِذا كانَتِ اللّيْلَة الّتِي أصْبَحْنا مِنْها فبايَعْنا عُثْمانَ، قَالَ المِسْوَرُ: طَرَقني عَبْدُ الرَّحْمانِ بَعْدَ هَجْعٍ مِنَ اللَّيْلِ، فَضَرَبَ البابَ حتَّى اسْتَيْقَظْتُ، فَقَالَ: أراكَ نائِماً فَوالله مَا اكْتَحَلْتُ هاذِهِ اللَّيْلَةَ بِكَثِيرِ نَوْمٍ، انْطَلِقْ فادْعُ الزُّبَيْرَ وسَعْداً، فَدَعُوتُهُما لهُ فَشاوَرَهُما، ثُمَّ دَعاني فَقَالَ: ادْعُ لي عَلِيّاً فَدَعَوْتُهُ فَناجاهُ حتَّى ابْهارَّ اللَّيْلُ، ثُمَّ قامَ عَلِيٌّ مِنْ عِنْدِهِ، وهْوَ عَلى طَمَعٍ وقَدْ كانَ عَبْدُ الرَّحْمانِ يَخْشَى مِنْ عَلِيَ شَيْئاً، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِي عُثْمانَ فَدَعَوْتُهُ فَنجاهُ، حتَّى فَرَّقَ بَيْنَهُما المُؤَذِّنُ بِالصُّبْحِ، فَلمَّا صَلّى للنَّاسِ الصُّبْحَ، واجْتَمَعَ أُولائِكَ الرَّهْطُ عِنْدَ المِنْبَرِ، فأرْسَلَ إِلَى مَنْ كانَ حاضِراً مِنَ المُهاجِرِينَ والأنْصارِ، وأرْسَلَ إِلَى أُمَراءِ الأجْناد وَكَانُوا وافَوْا تِلْكَ الحَجَّةَ مَعَ عُمَرَ، فَلمَّا اجْتَمَعُوا تَشَهَّدَ عَبْدُ الرَّحْمانِ ثُمَّ قَالَ: أمَّا بَعْدُ يَا عَلِيُّ إنِّي قَدْ نَظَرْتُ فِي أمْرِ النَّاسِ فَلَمْ أرَهُمْ يَعْدِلُونَ بِعُثْمانَ، فَلا تَجْعَلَنَّ عَلى نَفْسِكَ سَبِيلاً، فَقَالَ: أُبايِعُكَ عَلى سُنَّةِ الله وسُنَّةِ رسُولِهِ والخَليفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ، فبايَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمانِ وبايَعَهُ النَّاسُ المُهاجِرُونَ والأنْصارُ وأُمَراءُ الأجْناد والمُسْلِمُونَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَهَذَا آخر الْأَحَادِيث السِّتَّة الَّتِي أخرج كلّاً مِنْهَا لكل من الْبيعَة السِّتَّة.
وَجُوَيْرِية مصغر جَارِيَة ابْن أَسمَاء الضبعِي وَهُوَ عَم عبد الله بن مُحَمَّد بن أَسمَاء الرَّاوِي عَنهُ، وَحميد بن عبد الرحمان بن عَوْف، والمسور بِكَسْر الْمِيم ابْن مخرمَة بِفَتْح الْمِيم ابْن نَوْفَل ابْن أُخْت عبد الرحمان بن عَوْف يكنى أَبَا عبد الرحمان، سمع النَّبِي
قَوْله: إِن الرَّهْط الَّذين ولاهم عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم عُثْمَان وَعلي وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَعبد الرحمان بن عَوْف وَسعد بن أبي وَقاص، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَقَالَ: إِن عجل بِي أَمر فالشورى فِي هَؤُلَاءِ السِّتَّة الَّذين توفّي رَسُول الله وَهُوَ عَنْهُم راضٍ. وَقَالَ الطَّبَرِيّ: فَلم يكن أحد من أهل الْإِسْلَام يومئذٍ لَهُ مَنْزِلَتهمْ من الدّين وَالْهجْرَة السَّابِقَة وَالْفضل وَالْعلم بسياسة الْأَمر. قَوْله: فَقَالَ لَهُم عبد الرَّحْمَن هُوَ ابْن عَوْف. قَوْله: أنافسكم أَي: أنازعكم فِيهِ إِذْ لَيْسَ لي فِي الِاسْتِقْلَال بالخلافة رَغْبَة. قَوْله: على هَذَا الْأَمر هَكَذَا فِي

(24/272)


رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: عَن هَذَا الْأَمر، أَي: من جِهَته ولأجله. قَوْله: فَلَمَّا ولوا عبد الرَّحْمَن أَمرهم يَعْنِي: أَمر الِاخْتِيَار مِنْهُم. قَوْله: فَمَال النَّاس على عبد الرحمان من الْميل، وَفِي رِوَايَة سعيد بن عَامر: فانثال النَّاس، بنُون وبثاء مُثَلّثَة أَي: قصدوه كلهم شَيْئا بعد شَيْء، وأصل الْمثل: الصب، يُقَال: نثل كِنَانَته أَي: صب مَا فِيهَا من السِّهَام. قَوْله: وَلَا يطَأ عقبه بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وبكسر الْقَاف وبالباء الْمُوَحدَة أَي: وَلَا يمشي خَلفه، وَهِي كِنَايَة عَن الْإِعْرَاض. قَوْله: فَمَال النَّاس على عبد الرحمان كرر هَذِه اللَّفْظَة لبَيَان سَبَب الْميل وَهُوَ قَوْله: يشاورونه تِلْكَ اللَّيَالِي قَوْله: بعد هجع بِفَتْح الْهَاء وَسُكُون الْجِيم وبالعين الْمُهْملَة أَي: بعد قِطْعَة من اللَّيْل، يُقَال: لَقيته بعد هجع من اللَّيْل، والهجع والهجعة والهجيع والهجوع بِمَعْنى، وَقَالَ صَاحب الْعين الهجوع النّوم بِاللَّيْلِ خَاصَّة، يُقَال: هجع يهجع وَقوم هجع وهجوع. قَوْله: هَذِه اللَّيْلَة كَذَا فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي، وَفِي رِوَايَة غَيره: مَا اكتحلت هَذِه الثَّلَاث، وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة سعيد بن عَامر: وَالله مَا حملت فِيهَا غمضاً مُنْذُ ثَلَاث. قَوْله: بِكَثِير نوم بالثاء الْمُثَلَّثَة وبالباء الْمُوَحدَة وَهُوَ مشْعر بِأَنَّهُ لم يستوعب اللَّيْل سهراً بل نَام لَكِن يَسِيرا مِنْهُ، والاكتحال فِي هَذَا كِنَايَة عَن دُخُول النّوم جفن الْعين كَمَا يدخلهَا الْكحل، وَوَقع فِي رِوَايَة يُونُس: مَا ذاقت عَيْنَايَ كثير نوم. قَوْله: فشاورهما من الْمُشَاورَة وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: فسارهما، بِالسِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء. فَإِن قلت: لَيْسَ لطلْحَة ذكر هَاهُنَا. قلت: لَعَلَّه كَانَ شاوره قبلهمَا. قَوْله: حَتَّى ابهارَّ اللَّيْل بِالْبَاء الْمُوَحدَة الساكنة وَتَشْديد الرَّاء أَي: حَتَّى انتصف اللَّيْل، وبهرة كل شَيْء وَسطه. وَقيل: معظمه. قَوْله: على طمع أَي: أَن يوليه. قَوْله: وَقد كَانَ عبد الرحمان يخْشَى من عَليّ شَيْئا أَي: من الْمُخَالفَة الْمُوجبَة للفتنة. قَوْله: وَكَانُوا وافوا تِلْكَ الْحجَّة أَي: قدمُوا إِلَى مَكَّة فحجوا مَعَ عمر ورافقوه إِلَى الْمَدِينَة، وأمراء الأجناد هم: مُعَاوِيَة أَمِير الشَّام، وَعُمَيْر بن سعد أَمِير حمص، والمغيرة بن شُعْبَة أَمِير الْكُوفَة، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَمِير الْبَصْرَة، وَعَمْرو بن الْعَاصِ أَمِير مصر. قَوْله: تشهد عبد الرَّحْمَن وَفِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن طهْمَان: جلس عبد الرحمان على الْمِنْبَر، وَفِي رِوَايَة سعيد بن عَامر: فَلَمَّا صلى صُهَيْب بِالنَّاسِ صَلَاة الصُّبْح جَاءَ عبد الرَّحْمَن يتخطى حَتَّى صعد الْمِنْبَر. قَوْله: فَلَا تجعلن على نَفسك سَبِيلا أَي: من الْخلَافَة إِذا لم يُوَافق الْجَمَاعَة، وَهَذَا ظَاهر أَن عبد الرحمان لم يتَرَدَّد عِنْد الْبيعَة فِي عُثْمَان. فَإِن قلت: فِي رِوَايَة عَمْرو بن مَيْمُون التَّصْرِيح بِأَنَّهُ بَدَأَ بعلي فَأخذ بِيَدِهِ فَقَالَ: لَك قرَابَة رَسُول الله والقدم فِي الْإِسْلَام مَا قد علمت، وَالله عَلَيْك لَئِن أَمرتك لتعدلن، وَأَن أمرت عُثْمَان لتسمعن ولتطيعن، ثمَّ خلا بِالْآخرِ فَقَالَ لَهُ مثل ذَلِك، فَلَمَّا أَخذ الْمِيثَاق قَالَ: ارْفَعْ يدك يَا عُثْمَان فَبَايعهُ وَبَايَعَهُ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قلت: طَرِيق الْجمع بَينهمَا أَن عَمْرو بن مَيْمُون حفظ مَا لم يحفظه الآخر، وَيحْتَمل أَن يكون الآخر حفظه وَلَكِن طوى ذكره بعض الروَاة. قَوْله: فَبَايعهُ عبد الرَّحْمَن فِيهِ حذف تَقْدِيره: قَالَ: نعم، بعد أَن قَالَ لَهُ: أُبَايِعك على سنة الله ... إِلَى آخِره. قَوْله: والمسلمون من عطف الْعَام على الْخَاص.
وَفِيه: فَائِدَة جليلة ذكرهَا ابْن الْمُنِير، وَهِي أَن الْوَكِيل الْمُفَوض لَهُ أَن يُوكل وَإِن لم ينص لَهُ على ذَلِك، لِأَن الْخَمْسَة أسندوا الْأَمر لعبد الرحمان وأفردوه بِهِ فاستقل، مَعَ أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لم ينص لَهُم على الِانْفِرَاد.

44 - (بابُ مَنْ بايَعَ مَرَّتيْنِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر من بَايع مرَّتَيْنِ يَعْنِي: فِي حَالَة وَاحِدَة للتَّأْكِيد.

7208 - حدّثنا أبُو عَاصِم، عنْ يَزِيدَ بنِ أبي عُبَيْدٍ، عنْ سَلَمَة قَالَ: بايَعْنا النبيَّ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَقَالَ لي: يَا سَلَمَةُ أَلا تُبايعِ؟ قُلْتُ يَا رسُولَ الله قَدْ بايَعْتُ فِي الأوَّلِ. قَالَ: وَفِي الثّاني.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو عَاصِم الضَّحَّاك بن مخلد الْمَشْهُور بالنبيل، وَالْبُخَارِيّ يروي عَنهُ كثيرا بالواسطة، وَيزِيد بن أبي عبيد مولى سَلمَة بن الْأَكْوَع، رَضِي الله عَنهُ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي الْجِهَاد عَن مكي بن إِبْرَاهِيم، وَهَذَا هُوَ الْحَادِي وَالْعشْرُونَ من ثلاثيات البُخَارِيّ.
قَوْله: تَحت الشَّجَرَة وَهِي الَّتِي فِي الْحُدَيْبِيَة وَهِي الَّتِي نزل فِيهَا {لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ

(24/273)


إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً} وَهَذِه تسمى بيعَة الرضْوَان. قَوْله: فِي الأول أَي: فِي الزَّمَان الأول، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فِي الأولى، بالتأنيث أَي: السَّاعَة الأولى، أَو فِي: الطَّائِفَة الأولى. قَوْله: وَفِي الثَّانِي أَي: تبَايع أَيْضا فِي الثَّانِي، أَي: فِي الْوَقْت الثَّانِي. وَقَالَ الْمُهلب: أَرَادَ أَن يُؤَكد بيعَة سَلمَة لعلمه بشجاعته وعنائه فِي الْإِسْلَام وشهرته بالثبات، فَلذَلِك أمره بتكرير الْمُبَايعَة ليَكُون لَهُ فِي ذَلِك فَضِيلَة.

45 - (بَاب بَيْعَةِ الأعْرَابِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر بيعَة الْأَعْرَاب على الْإِسْلَام وَالْجهَاد، والأعراب ساكنو الْبَادِيَة من الْعَرَب الَّذين لَا يُقِيمُونَ فِي الْأَمْصَار وَلَا يدْخلُونَهَا إلاَّ لحَاجَة. وَالْعرب اسْم لهَذَا الجيل الْمَعْرُوف من النَّاس وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه، وَسَوَاء أَقَامَ بالبادية أَو المدن وَالنِّسْبَة إِلَيْهَا أَعْرَابِي وعربي.

7209 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَة، عنْ مالِكٍ، عنْ مُحَمَّدٍ بنِ المُنْكَدِرِ، عنْ جابِرِ بنِ عَبْدِ الله، رَضِي الله عَنْهُمَا، أنَّ أعْرَابِيّاً بايَعَ رسولَ الله عَلى الإسْلام، فأصابهُ وعْكٌ فَقَالَ: أقِلْني بَيْعَتِي، فَأبى. ثُمَّ جاءَهُ فَقَالَ: أقِلْني بَيْعَتِي، فأبَى، فَخَرَجَ فَقَالَ رَسُول الله المَدِينَةُ كالْكِيرِ تَنْفِي خَبَثَها وتُنْصِعُ طِيبَها
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة والْحَدِيث مضى فِي أَوَاخِر الْحَج فِي: بَاب الْمَدِينَة تَنْفِي الْخبث، وَأَيْضًا يَأْتِي فِي الِاعْتِصَام عَن إِسْمَاعِيل.
وَأخرجه مُسلم فِي الْمَنَاسِك عَن يحيى بن يحيى. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن قُتَيْبَة بن سعيد. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْبيعَة وَفِي السّير عَن قُتَيْبَة.
قَوْله: وعك بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَقد تفتح بعْدهَا كَاف وَهُوَ الْحمى، وَقيل: ألمها، وَقيل: إرعادها. قَوْله: أَقلنِي بيعتي تقدم فِي فضل الْمَدِينَة من رِوَايَة الثَّوْريّ عَن ابْن الْمُنْكَدر أَنه أعَاد ذَلِك ثَلَاث مَرَّات. قَوْله: فَأبى أَي: فَامْتنعَ رَسُول الله عَن إقالته لِأَن الْبيعَة كَانَت فرضا على جَمِيع الْمُسلمين أعراباً كَانُوا أَو غَيرهم، وإباؤه بعد طلب الْإِقَالَة لِأَنَّهُ لَا يعين على مَعْصِيّة. قَوْله: فَخرج أَي: الْأَعرَابِي من الْمَدِينَة. قَوْله: كالكير بِكَسْر الْكَاف وَهُوَ مَا ينْفخ الْحداد فِيهِ. قَوْله: تَنْفِي خبثها بالفتحات وبالضم والسكون وَهُوَ الرَّدِيء والغش أَي تَنْفِي من لَا خير فِيهِ. قَوْله: وتنصع بِضَم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون النُّون من أنصع إِذا أظهر مَا فِي نَفسه وطيبها بِكَسْر الطَّاء مَفْعُوله أَي: تظهر طيبها وتخلصه، ويروى: وينصع، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون النُّون أَي: يظْهر طيبها وَهُوَ مَرْفُوع على أَنه فَاعل ينصع، ويروى: وتبضع، بِضَم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الضَّاد الْمُعْجَمَة، كَذَا ذكره الزَّمَخْشَرِيّ، وَقَالَ: هُوَ من أبضعته بضَاعَة وَإِذا دفعتها إِلَيْهِ يَعْنِي: أَن الْمَدِينَة تُعْطِي طيبها ساكنها، وَقد رُوِيَ بالضاد وَالْخَاء المعجمتين، وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة من النضخ والنضح وَهُوَ: رش المَاء.

46 - (بابُ بَيْعَةِ الصَّغِيرِ)

أَي: هَذَا بَاب فِيهِ بَيَان حكم بيعَة الصَّغِير، وَلم يذكر الحكم فِيهِ على عَادَته غَالِبا، إِمَّا اكْتِفَاء بِمَا بيَّن فِي حَدِيث الْبَاب، وَإِمَّا لمحل الْخلاف فِيهِ، فَقَالَ جمَاعَة من الْعلمَاء الْبيعَة: لَا تلم إِلَّا من تلزمهم عُقُود الْإِسْلَام كلهَا من الْبَالِغين، وَقَالَ بعض الْعلمَاء: إِنَّهَا تلْزم الأصاغر بمبايعة آبَائِهِم، وَقد بَايع عبد الله بن الزبير، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَمَات رَسُول الله وَهُوَ ابْن ثَمَان سِنِين.

7210 - حدّثنا عَلِيُّ بنُ عبْدِ الله، حَدثنَا عبْدُ الله بنُ يَزِيدَ، حَدثنَا سَعيدٌ هُوَ ابنُ أبي أيُّوبَ قَالَ: حدّثني أبُو عَقِيلٍ زُهْرَةُ بنُ مَعْبَدٍ، عنْ جَدِّهِ عبْدِ الله بنِ هِشامٍ، وَكَانَ قَدْ أدْرَكَ النبيَّ

(24/274)


وذَهَبَتْ بِهِ أُمُّهُ زَيْنَبُ ابْنَةُ حُمَيْدٍ إِلَى رسولِ الله فقالَتْ يَا رسولَ الله بايعْهُ. فَقَالَ النبيُّ هُوَ صَغِيرٌ فَمَسَحَ رأسَهُ ودَعا لهُ وكانَ يُضَحِّي بالشّاةِ الوَاحِدَةِ عَن جَمِيعِ أهْلِهِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة والْحَدِيث قد مضى قبل بَاب وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

48 - (بابُ مَنْ بايَع رجُلاً لَا يُبايِعُهُ إلاَّ للدُّنيْا)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من بَايع رجلا لَا يقْصد من مبايعته طَاعَة الله بل يبايعه لأجل الدُّنْيَا.

7212 - حدّثنا عبْدانُ، عنْ أبي حَمْزَةَ، عنِ الأعْمَشِ، عنْ أبي صالِحٍ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رسولُ الله ثَلاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ الله يَوْمَ القِيامَةِ وَلَا يُزَكَيهِمْ، ولَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ: رجُلٌ عَلى فَضْلِ ماءٍ بالطَّرِيقِ يَمْنَعُ مِنْهُ ابنَ السَّبِيلِ، ورُجلٌ بايعَ إِمَامًا لَا يُبايِعُهُ إِلَّا لِدُنْياهُ إنْ أعْطاهُ مَا يُرِيدُ وَفى لهُ وإلاّ لَمْ يَفِ لهُ، ورجُلٌ يُبايِعُ رجُلاً بِسِلْعَةٍ بَعْدَ العَصْرِ فَحَلَفَ بِاللَّه لَقَدْ أُعْطِيَ بِها كَذَا وكَذَا فَصَدَّقَهُ فأخَذَها ولَمْ يُعْطَ بِها

(24/275)


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وعبدان لقب عبد الله بن عُثْمَان بن جبلة الْمروزِي، وَأَبُو حَمْزَة بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي مُحَمَّد بن مَيْمُون الْيَشْكُرِي، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان بن مهْرَان، وَأَبُو صَالح ذكْوَان السمان الزيات.
والْحَدِيث مر فِي الشّرْب فِي: بَاب إِثْم من منع ابْن السَّبِيل من المَاء فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن عبد الْوَاحِد بن زِيَاد عَن الْأَعْمَش إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: ثَلَاثَة أشخاص. قَوْله: لَا يكلمهم الله عدم تكليم الله إيَّاهُم عبارَة عَن عدم الِالْتِفَات إِلَيْهِم، وَعدم تزكيته إيَّاهُم عبارَة عَن عدم قبُول أَعْمَالهم. قَوْله: رجل أَي: أحد الثَّلَاثَة رجل كَانَ على فضل مَاء، قَوْله: وَرجل أَي: الثَّانِي رجل بَايع إِمَامًا. قَوْله: لدنياه ويروى: لدُنْيَا بِلَا ضمير وَلَا تَنْوِين. قَوْله: وإلاَّ أَي: وَإِن لم يُعْط لَهُ مَا يُريدهُ لم يَفِ لَهُ. قَوْله: وَرجل أَي: الثَّالِث رجل يُبَايع رجلا بسلعة بعد الْعَصْر، قيد بقوله: بعد الْعَصْر تَغْلِيظًا لِأَن أشرف الْأَوْقَات فِي النَّهَار بعد الْعَصْر لرفع الْمَلَائِكَة الْأَعْمَال واجتماع مَلَائِكَة اللَّيْل وَالنَّهَار فِيهِ، وَلِهَذَا تغلظ الْأَيْمَان فِيهِ. قَوْله: أعطي على بِنَاء الْمَجْهُول. قَوْله: بهَا أَي: فِي مقابلتها وَالْبَاء للمقابلة نَحْو: بِعْت هَذَا بِذَاكَ. قَوْله: فَأَخذهَا أَي: المُشْتَرِي بِالْقيمَةِ الَّتِي ذكر البَائِع أَنه أعْطى فِيهَا، كَذَا اعْتِمَادًا على كَلَامه. قَوْله: وَلم يُعْط بهَا أَي: وَالْحَال أَنه لم يُعْط ذَلِك الْمِقْدَار مُقَابل سلْعَته، وَيجوز فِي: لم يُعْط، بِنَاء الْمَجْهُول وَبِنَاء الْمَعْلُوم وَالضَّمِير للْحَالِف فيهمَا، وَوَقع فِي رِوَايَة عبد الْوَاحِد بِلَفْظ: لقد أَعْطَيْت بهَا، وَفِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة: فَحلف لَهُ بِاللَّه لأخذها بِكَذَا، أَي: لقد أَخذهَا، وَقَالَ الْكرْمَانِي مَا ملخصه: أَن الْمَذْكُور فِي الشّرْب مَكَان البَائِع للْإِمَام الْحَالِف لاقتطاع مَال رجل مُسلم فهم أَرْبَعَة لَا ثَلَاثَة، ثمَّ أجَاب بِأَن التَّخْصِيص بِعَدَد لَا يَنْفِي الزَّائِد عَلَيْهِ. انْتهى. وَقيل: يحْتَمل أَن يكون كل من الراويين حفظ مَا لم يحفظ الآخر لِأَن الْمُجْتَمع من الْحَدِيثين أَربع خِصَال وكل وَاحِد من الْحَدِيثين مصدر بِثَلَاثَة فَكَأَنَّهُ كَانَ فِي الأَصْل أَرْبَعَة فاقتصر كل من الراويين على وَاحِد مِنْهُ مَعَ الاثنتين اللَّتَيْنِ توافقا عَلَيْهِمَا، فَصَارَ فِي رِوَايَة كل مِنْهُمَا ثَلَاثَة.

49 - (بابُ بَيْعَةِ النِّساءِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان بيعَة النِّسَاء.
رَواهُ ابنُ عَبَّاسٍ عنِ النبيِّ
أَي: روى ذكر بيعَة النِّسَاء عبد الله بن عَبَّاس عَن النَّبِي، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، وَأَشَارَ بذلك إِلَى مَا ذكر من حَدِيث ابْن عَبَّاس الَّذِي تقدم فِي الْعِيدَيْنِ من رِوَايَة طَاوس عَنهُ. وَفِيه فَقَالَ أَي النَّبِي {ياأَيُّهَا النَّبِىُّ إِذَا جَآءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلْادَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهُتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِى مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} الْآيَة الحَدِيث.

7213 - حدّثنا أبُو اليَمانِ، أخبرنَا شُعَيْبٌ، عنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ اللَّيْثُ: حدّثني يُونُسُ عنِ ابنِ شِهابٍ أَخْبرنِي أبُو إدْرِيسَ الخوْلانِيُّ أنّهُ سَمِعَ عُبادَةَ بنَ الصامِتِ يَقُولُ: قَالَ لَنا رسولُ الله ونحْنُ فِي مجْلِسٍ: تبايِعُوني عَلى أنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّه شَيْئاً وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَقْتُلُوا أوْلاَدَكُمْ وَلَا تأْتُوا بِبُهْتانِ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أيْدِيكُمْ وأرْجُلِكُمْ، وَلَا تَعْصُوا فِي معْرُوفٍ، فَمَنْ وفَى مِنْكُمْ فأجْرُهُ عَلى الله، ومَنْ أصابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيا فَهُوَ كَفّارَةٌ لهُ، ومَنْ أصابَ مِنْ ذالِكَ شَيْئاً فَسَتَرَهُ الله فأمْرُهُ إِلَى الله، إنْ شاءَ عاقَبَهُ، وإنْ شاءَ عَفا عنْهُ فبايَعْناه عَلى ذالِكَ.
وَجه ذكره هَذَا الحَدِيث فِي تَرْجَمَة بيعَة النِّسَاء لِأَنَّهَا وَردت فِي الْقُرْآن فِي حق النِّسَاء فَعرفت بِهن، ثمَّ اسْتعْملت فِي الرِّجَال. قلت: وَقد وَقع فِي بعض طرقه: عَن عبَادَة قَالَ: أَخذ علينا رَسُول الله كم أَخذ على النِّسَاء: أَن لَا نشْرك بِاللَّه شَيْئا وَلَا نَسْرِق وَلَا نزني ... الحَدِيث.
وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة، وَالزهْرِيّ مُحَمَّد بن مُسلم. قَوْله: وَقَالَ اللَّيْث بن سعد الإِمَام الْمَشْهُور، وَأَبُو إِدْرِيس عَائِذ الله بن عبد الله بن عَمْرو الْخَولَانِيّ بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة الدِّمَشْقِي قَاضِي دمشق، مَاتَ سنة ثَمَانِينَ.

(24/276)


والْحَدِيث مضى بِهَذَا الْإِسْنَاد والمتن فِي الْإِيمَان فِي: بَاب مُجَرّد، وَمضى الْكَلَام فِيهِ. وَفِي التَّوْضِيح وَهَذِه الْبيعَة فِي أَحَادِيث الْبَاب كَانَت بيعَة الْعقبَة الأولى بِمَكَّة قبل أَن يفْرض عَلَيْهِم الْحَرْب، ذكره ابْن إِسْحَاق وَأهل السّير وَكَانُوا اثْنَي عشر رجلا.
قَوْله: فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ هَذَا صَرِيح فِي الرَّد على من قَالَ: إِن الْحُدُود زاجرات لَا مكفرات.

7214 - حدّثنا مَحْمُودٌ، حدّثنا عَبْدُ الرزَّاق، أخبرنَا مَعْمَرٌ، عنِ الزُّهْرِيِّ، عنْ عُرْوَةَ، عنْ عَائِشَةَ، رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ: كانَ النبيُّ يُبايِعُ النِّساءَ بِالكَلامِ بِهاذِهِ الآيَة: {ياأَيُّهَا النَّبِىُّ إِذَا جَآءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلْادَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهُتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِى مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} قالَتْ وَمَا مَسَّتْ يَدُ رسولِ الله يَدَ امْرَأةٍ إلاّ امْرَأةً يَمْلِكها.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. ومحمود هُوَ ابْن غيلَان. والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ عَن عبد بن حميد عَن عبد الرَّزَّاق نَحوه.
قَوْله: بالْكلَام لِأَن المصافحة لَيست شرطا فِي صِحَة الْبيعَة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَن بيعَة الرِّجَال كَانَت بِالْيَدِ أَيْضا. قَوْله: بِهَذِهِ الْآيَة وَهِي قَوْله عز وَجل: 0 الممتحنة: 12 ف الْآيَة قَوْله: يملكهَا إِمَّا بِالنِّكَاحِ وَإِمَّا بِملك الْيَمين.

7215 - حدّثنا مُسَدَّدٌ، حدّثنا عَبْدُ الوَارِث، عنْ أيُّوبَ، عنْ حَفْصَةَ، عنْ أُمِّ عَطِيَةَ قالَتْ: بايَعْنا النَّبِي فَقَرأ عَلَيْنا ونَهانا عنِ النِّياحَةِ، فَقَبَضَتِ امْرأةٌ مِنَّا يَدَها فَقَالَتْ: فُلانَةُ أسعْدَتني وَأَنا أُريدُ أنْ أجْزِيَها، فَلَمْ يَقُلْ شَيئاً، فَذَهَبَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ فَما وَفَتِ امْرَأةٌ إلاّ أُمُّ سُلَيْمٍ وأُمُّ العَلاءِ وابْنةُ أبي سبْرة امْرأةُ معاذٍ. أَو ابْنَةُ أبي سَبْرَةَ وامْرَأةُ مُعاذٍ.
(انْظُر الحَدِيث 1306 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الْوَارِث هُوَ ابْن سعيد، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَحَفْصَة هِيَ بنت سِيرِين أُخْت مُحَمَّد بن سِيرِين، وَأم عَطِيَّة اسْمهَا نسيبة بِضَم النُّون وَفتح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالباء الْمُوَحدَة الْأَنْصَارِيَّة وَقيل: بِفَتْح النُّون أَيْضا، وَمر فِي كتاب الزَّكَاة مَا يُوهم أَنَّهَا غير أم عَطِيَّة حَيْثُ قَالَت: عَن أم عَطِيَّة، قَالَت: بعث إِلَى نسيبة الْأَنْصَارِيَّة بِشَاة، لَكِن الصَّحِيح أَنَّهَا هِيَ إِيَّاهَا لَا غَيرهَا.
والْحَدِيث قد مضى فِي الْجَنَائِز فِي: بَاب مَا ينْهَى من النوح والبكاء، وَلَكِن هُنَاكَ: عَن أَيُّوب عَن مُحَمَّد عَن أم عَطِيَّة.
قَوْله: بَايعنَا بِصِيغَة الْمُتَكَلّم، وَإِن صحت الرِّوَايَة بِصِيغَة الْغَائِب فَالْمَعْنى صَحِيح. قَوْله: فقبضت امْرَأَة يَدهَا قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: هَذَا مشْعر بِأَن الْبيعَة لَهُنَّ كَانَت أَيْضا بِالْيَدِ. قلت: لعلهن كن يشرن بِالْيَدِ عِنْد الْمُبَايعَة بِلَا مماسة. قَوْله: فُلَانَة غير منصرف أَي: أسعدتني فِي النِّيَاحَة وَأَنا أُرِيد أَن أجزيها أَي: أكافئها بالنياحة. وَذَهَبت لِأَن تساعدها أَو لغيره، وَرجعت وبايعها. فَإِن قلت: لم مَا قَالَ شَيْئا لَهَا وَسكت عَنْهَا وَلم يزجرها؟ . قلت: لَعَلَّه عرف أَنه لَيْسَ من جنس النياحات الْمُحرمَة أَو مَا الْتفت إِلَى كَلَامهَا حَيْثُ بَين حكمهَا لَهُنَّ، أَو كَانَ جَوَازهَا من خصائصها، وَالْمَفْهُوم من كَلَام مُسلم أَن فُلَانَة كِنَايَة عَن أم عَطِيَّة الراوية للْحَدِيث. قَوْله: أم سليم بِضَم السِّين أم أنس، وَاسْمهَا مليكَة، أم الْعَلَاء بنت الْحَارِث بن حَارِثَة بن ثَعْلَبَة الْأَنْصَارِيَّة، وَكَانَ رَسُول الله يعودها فِي مَرضهَا، وَابْنَة أبي سُبْرَة بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَهِي امْرَأَة معَاذ بن جبل. قَوْله: أَو ابْنة أبي سُبْرَة وَامْرَأَة معَاذ شكّ من الرَّاوِي، وَقد مر فِي الْجَنَائِز: فَمَا وفت منا امْرَأَة غير خمس نسْوَة: أم سليم، وَأم الْعَلَاء، وَابْنَة أبي سُبْرَة امْرَأَة معَاذ، وَامْرَأَتَانِ، أَو ابْنة أبي سُبْرَة وَامْرَأَة معَاذ وَامْرَأَة أُخْرَى. وَهُنَاكَ أَيْضا شكّ الرَّاوِي، وَقد حققنا الْكَلَام هُنَاكَ.

50 - (بابُ مَنْ نَكَثَ بَيْعَةً)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من نكث بيعَة أَي: نقضهَا وَفِي رِوَايَة الْكشميهني بيعَته بِزِيَادَة الضَّمِير.

(24/277)


)
وقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}
وَقَوله تَعَالَى، بِالْجَرِّ عطف على: من نكث، أَي: وَفِي بَيَان قَوْله تَعَالَى؛ وَهَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره: وَقَالَ الله تَعَالَى، وسَاق الْآيَة كلهَا، وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة وَأبي زيد سَاق إِلَى قَوْله: {فَإِنَّمَا ينْكث على نَفسه} ثمَّ قَالَ: إِلَى قَوْله: {قيؤتيه أجرا عَظِيما} قَوْله: الْخطاب للنَّبِي، يَعْنِي بِالْحُدَيْبِية، وَكَانُوا ألفا وَأَرْبَعمِائَة. قَوْله: {يَد الله فَوق أَيْديهم} يَعْنِي: عِنْد الْمُبَايعَة. قَوْله: فَمن نكث أَي: فَمن نقض الْبيعَة فَإِنَّمَا ينْقض على نَفسه، وَقَالَ جَابر: بَايعنَا رَسُول الله تَحت الشَّجَرَة على الْمَوْت، وعَلى أَن لَا نفر، فَمَا نكث أحد منا الْبيعَة إلاَّ جد ابْن قيس وَكَانَ منافقاً، اخْتَبَأَ تَحت إبط بعيره وَلم يسر مَعَ الْقَوْم. قَوْله: ء يَعْنِي: الْجنَّة.

7216 - حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ، حدّثنا سُفْيان، عنْ مُحَمَّد بنِ المُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ جابِراً، قَالَ: جاءَ أعْرابِيٌّ إِلَى النبيِّ فَقَالَ: بايِعْني عَلى الإسْلامِ، فَبايَعَهُ عَلى الإسْلامِ، ثُمَّ جاءَ مِنَ الغَدِ مَحْمُوماً فَقَالَ: أقِلْنِي. فأباى، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ: المَدِينَةُ كالْكِيرِ تَنْفِي خبَثَها ويَنْصَعُ طِيبُها.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو نعيم بِضَم النُّون الْفضل بن دُكَيْن، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة.
والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي: بَاب بيعَة الْأَعْرَاب، وَمضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.